المرتبة التاسعة من رسالة مراتب الكمال: العارف بالله وتحقيقه
المرتبة التاسعة من رسالة مراتب الكمال: العارف بالله وتحقيقه؛ :-
أما العارف بالله: فهو من عرف ربّه واتقاه، حاضر الفكر، مستمر الذكر بالله، أُنسه وافتقاره في خدمة مولاه؛ ومنازل العارف ثلاثة: عارف في الله، وعارف لله، وعارف بالله، أما "العارف في الله"، فهو: صاحب معرفة، "والعارف لله"، هو: صاحب أحوال ومقامات بالله ـ جلَّ وعلا، "وعارف بالله"، وهو: المتحقق، والوارث المحمدي، وهو: صاحب "فناء وبقاء"؛ "فالفناء" هو: التجرد بما لا يليق، باستغراقك بعظمة الباري الجليل، "والبقاء": بقاؤك بما أمرك وأحبك ـ جلَّ جلاله ـ فتكون بين الإنابة والخدمة، والحضور والذكر ـ شوقاً وأنساً؛ فذهابك إلى الله تعالى، بتوفيق الله ـ جلَّ جلاله، وعمَّ فضله ونواله. فالأول: "علم العارف ورجاؤه"، والثاني: "حال العارف وقبوله"، والثالث: "تحقيق العارف، وتوفيقه وتأييده الربّانيّ"، كما قال جلَّ ثناؤه: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}، والحكمة: سر النبوة؛ وهذا من الإرث النبوي، كما قال ـ جلَّ شأنه: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، وقال ـ جلَّ ذكره: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}. فكتب الحقُّ ـ جلَّ وعلا، البقاءَ لما آتاه من الحكمة والشريعة وقوَّة التزكية في قلوب أتباعه الآخرين كأتباعه الأوَّلين، كما قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ((أولياء الله الذين إذا رُؤُا، ذكر الله))، رواه البزَّار، قال الألباني: "صحيح"، كما في السلسلة الصحيحة .
والعارف بالله زاد التقوى، كما قال الأسياد: عليٌّ وابنُ مسعودٍ وأنس رضي الله تعالى عنهم أجمعين: (المتقون سادة، والفقهاء أو العلماء قادة، ومجالستهم زيادة )، رواه الطبراني وابن النجار والديلمي.
قال الإمام جعفر الصادق: لا يعرف الله حق معرفته من التفت منه إلى غيره، المعرفة هي طيران القلب في سرادق الأنس والألفة، جولاً في حجب الجلال والقدرة؛ وهذه حالة من صمتت أذناه عن البطالات، وعميت عيناه عن النظر إلى الشهوات، واخرس لسانه عن التكلم بالترهات.
وقال الإمام طيفور: ليس على تحقيق بالمعرفة، من رضي بالحال دون ولي الحال؛ فإن من عرف الله كلَّ لسانه، ودهش عقله، العارف إن تكلم بحاله هلك، وإن سكت احترق.
وقال الإمام الواسطي: المعرفة على وجهين؛ معرفة الإيقان، ومعرفة الإيمان؛ فمعرفة الإيمان: شهادة اللسان بتوحيد الملك الديان، والإقرار بالصدق ما في القرآن، وأما معرفة الإيقان، فهي: دوام مشاهدة الفرد الديان بالجنان. أي: حضور بالفكر، وذكر في القلب، وهيام بالروح.
وقال ذنون المصري: المعرفة، هي: على ثلاثة أوجه، أولها: معرفة التوحيد، وهي: لعامة المؤمنين، والثاني: معرفة الحجة والبيان، وهي: للعلماء والبلغاء والحكماء، والثالث: معرفة صفات الفردانية، وهي: لأهل ولاية الله تعالى وأصفيائه؛ الذين أظهر الله لهم ما لم يُظهر لمن دونهم، وأعطاهم من الكرامات ما لم يجز أن يوصف ذلك بين يدي من لا يكون أهلاً له، خصهم الله من بين الخلائق، واصطفاهم لنفسه، واختارهم له، فحياتهم رحمة، ومماتهم غبطة، فطوبى لهم.
اللَّهمَّ؛ اشغل جوارحنا بطاعتك، وقلوبنا بمعرفتك، وذكرك، وأنسك، واشغلنا طول حياتنا في ليلنا ونهارنا، وألحقنا بالذين تقدموا من الصالحين، وارزقنا ما رزقتهم وكن لنا كما كنت لهم، آمين.
صلِّ يا ربِّ وسلَّم وبارك على حبيب رب العالمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وسيلتنا العظمى إلى الله، من روحي وما ملكت فداه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه. والحمد لله ربّ العالمين.
لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل السيد علي الحسني
المرتبة التاسعة من رسالة مراتب الكمال: العارف بالله وتحقيقه؛ :-
أما العارف بالله: فهو من عرف ربّه واتقاه، حاضر الفكر، مستمر الذكر بالله، أُنسه وافتقاره في خدمة مولاه؛ ومنازل العارف ثلاثة: عارف في الله، وعارف لله، وعارف بالله، أما "العارف في الله"، فهو: صاحب معرفة، "والعارف لله"، هو: صاحب أحوال ومقامات بالله ـ جلَّ وعلا، "وعارف بالله"، وهو: المتحقق، والوارث المحمدي، وهو: صاحب "فناء وبقاء"؛ "فالفناء" هو: التجرد بما لا يليق، باستغراقك بعظمة الباري الجليل، "والبقاء": بقاؤك بما أمرك وأحبك ـ جلَّ جلاله ـ فتكون بين الإنابة والخدمة، والحضور والذكر ـ شوقاً وأنساً؛ فذهابك إلى الله تعالى، بتوفيق الله ـ جلَّ جلاله، وعمَّ فضله ونواله. فالأول: "علم العارف ورجاؤه"، والثاني: "حال العارف وقبوله"، والثالث: "تحقيق العارف، وتوفيقه وتأييده الربّانيّ"، كما قال جلَّ ثناؤه: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}، والحكمة: سر النبوة؛ وهذا من الإرث النبوي، كما قال ـ جلَّ شأنه: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، وقال ـ جلَّ ذكره: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}. فكتب الحقُّ ـ جلَّ وعلا، البقاءَ لما آتاه من الحكمة والشريعة وقوَّة التزكية في قلوب أتباعه الآخرين كأتباعه الأوَّلين، كما قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ((أولياء الله الذين إذا رُؤُا، ذكر الله))، رواه البزَّار، قال الألباني: "صحيح"، كما في السلسلة الصحيحة .
والعارف بالله زاد التقوى، كما قال الأسياد: عليٌّ وابنُ مسعودٍ وأنس رضي الله تعالى عنهم أجمعين: (المتقون سادة، والفقهاء أو العلماء قادة، ومجالستهم زيادة )، رواه الطبراني وابن النجار والديلمي.
قال الإمام جعفر الصادق: لا يعرف الله حق معرفته من التفت منه إلى غيره، المعرفة هي طيران القلب في سرادق الأنس والألفة، جولاً في حجب الجلال والقدرة؛ وهذه حالة من صمتت أذناه عن البطالات، وعميت عيناه عن النظر إلى الشهوات، واخرس لسانه عن التكلم بالترهات.
وقال الإمام طيفور: ليس على تحقيق بالمعرفة، من رضي بالحال دون ولي الحال؛ فإن من عرف الله كلَّ لسانه، ودهش عقله، العارف إن تكلم بحاله هلك، وإن سكت احترق.
وقال الإمام الواسطي: المعرفة على وجهين؛ معرفة الإيقان، ومعرفة الإيمان؛ فمعرفة الإيمان: شهادة اللسان بتوحيد الملك الديان، والإقرار بالصدق ما في القرآن، وأما معرفة الإيقان، فهي: دوام مشاهدة الفرد الديان بالجنان. أي: حضور بالفكر، وذكر في القلب، وهيام بالروح.
وقال ذنون المصري: المعرفة، هي: على ثلاثة أوجه، أولها: معرفة التوحيد، وهي: لعامة المؤمنين، والثاني: معرفة الحجة والبيان، وهي: للعلماء والبلغاء والحكماء، والثالث: معرفة صفات الفردانية، وهي: لأهل ولاية الله تعالى وأصفيائه؛ الذين أظهر الله لهم ما لم يُظهر لمن دونهم، وأعطاهم من الكرامات ما لم يجز أن يوصف ذلك بين يدي من لا يكون أهلاً له، خصهم الله من بين الخلائق، واصطفاهم لنفسه، واختارهم له، فحياتهم رحمة، ومماتهم غبطة، فطوبى لهم.
اللَّهمَّ؛ اشغل جوارحنا بطاعتك، وقلوبنا بمعرفتك، وذكرك، وأنسك، واشغلنا طول حياتنا في ليلنا ونهارنا، وألحقنا بالذين تقدموا من الصالحين، وارزقنا ما رزقتهم وكن لنا كما كنت لهم، آمين.
صلِّ يا ربِّ وسلَّم وبارك على حبيب رب العالمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وسيلتنا العظمى إلى الله، من روحي وما ملكت فداه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه. والحمد لله ربّ العالمين.
لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل السيد علي الحسني
24/4/2024, 15:58 من طرف Admin
» كتاب: الجزء الثاني درب السلامة في إرشادات العلامة | الشيخ جميل حليم
24/4/2024, 15:57 من طرف Admin
» كتاب: التعاون على النهي عن المنكر | الشيخ عبد الله الهرري
24/4/2024, 15:55 من طرف Admin
» كتاب: شرح الصفات الثلاث عشرة | الشيخ عبد الله الهرري
24/4/2024, 15:54 من طرف Admin
» كتاب: بغية الطالب لمعرفة العلم الديني الواجب الجزء الأول | الشيخ عبد الله الهرري الحبشي
24/4/2024, 15:52 من طرف Admin
» كتاب: بغية الطالب لمعرفة العلم الديني الواجب الجزء الثاني | الشيخ عبد الله الهرري الحبشي
24/4/2024, 15:51 من طرف Admin
» كتاب: الأطراف الحليمية | الشيخ الدكتور جميل حليم
24/4/2024, 15:43 من طرف Admin
» كتاب: الكوكب المنير بجواز الاحتفال بمولد الهادي البشير | الشيخ جميل حليم
24/4/2024, 15:42 من طرف Admin
» كتاب: طالعة الأقمار من سيرة سيد الأبرار | الشيخ جميل حليم
24/4/2024, 15:40 من طرف Admin
» كتاب: قلائد الأئمة المرصعة بعقائد الأئمة الأربعة | الشيخ جميل حليم
24/4/2024, 15:38 من طرف Admin
» كتاب: الرسائل الهررية | الشيخ عبد الله الهرري
24/4/2024, 15:37 من طرف Admin
» كتاب: إيضَاحُ المَرَام من رسالَة الأشعري الإِمام ـ الشيخ سمير القاضي
24/4/2024, 15:35 من طرف Admin
» كتاب: الارتواء من أخبار عاشوراء | الشيخ جميل حليم
24/4/2024, 15:34 من طرف Admin
» كتاب: الإنفاق في سبيل الله | الشيخ جميل حليم
24/4/2024, 15:31 من طرف Admin
» كتاب: النجوم الحسان على كتاب التبيان | الشيخ جميل حليم
24/4/2024, 15:29 من طرف Admin