18ـ فصل[في أن التفكر فى ذات الله ممنوع منه]
قد تقدم أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال:"تفكروا فى آلاء الله ولا تفكروا فى الله” فالتفكر فى ذاته سبحانه ممنوع منه، وذلك أن العقول تتحير فى ذلك، فإنه أعظم من أن تمثله العقول بالتفكير، أو تتوهمه القلوب بالتصوير: {ليس كمثله شىء وهو السميع البصير} [الشورى:11].
فأما التفكر فى مخلوقات الله تعالى، فقد ورد القرآن بالحث على ذلك كقوله تعالى: {إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب}...الآيات[آل عمران: 190]. وقوله {فل انظروا ماذا فى السموات والأرض} [يونس:101].
ومن آيات الله تعالى الإنسان المخلوق من نطفة، فيتفكر الإنسان فى نفسه، فإن فى خلقة من العجائب الدالة على عظمة الله تعالى بالتدبر فى نفسه، فقال: {وفى أنفسكم أفلا تبصرون} [الذاريات: 21]. وقد تقدم فى كتاب الشكر الكلام على بعض خلق الإنسان فليطلب هناك.
ومن آياته الجواهر المودعة فى الجبال، والمعادن من الذهب والفضة والفيروزج ونحوها، وكذلك النفط والكبريت والقار وغيرها. ومن آياته البحار العظيمة العميقة المكتنفة لأقطار الأرض، التي هي قطع من البحر الأعظم المحيط بجميع الأرض. ولو جمع المكشوف من الأرض، من البراري، والجبال، لكان بالإضافة إلى الماء كجزيرة صغيرة فى بحر عظيم، وفى البحر عجائب أضعاف ما نشاهده فى البر.
وانظر كيف خلق اللؤلؤ، ودورة فى صدفة تحت الماء، وانظر كيف أنبت المرجان فى صم الصخور تحت الماء، وكذلك ما عداه من العنبر وأصناف ما يقذفه البحر، وانظر إلى عجائب السفن كيف أمسكها الله تعالى على وجه الماء، وسيرها فى البحار تسوقها الرياح وأعجب من ذلك الماء، فإنه حياة كل ما على الأرض من حيوان ونبات، فلو احتاج العبد إلى شربة ماء، ومنع منها لبذل جميع خزائن الدنيا فى تحصيلها لو ملك ذلك، ثم إذا شربها ومنع خروجها، لبذل جميع خزائن الأرض فى إخراجها، فلا يغفل العبد عن هذه النعمة.
ومن آياته الهواء وهو جسم لطيف لا يرى بالعين، ثم انظر إلى شدته وقوته، وانظر إلى عجائب الجو، وما يظهر فيه من الغيوم والرعد والبرق والمطر والثلج والبرد والشهب والصواعق، وغير ذلك من العجائب. وانظر إلى الطير تسبح بأجنحتها بالهواء كما يسبح حيوان البحر فى الماء، ثم انظر إلى السماء وعظمها وكواكبها وشمسها وقمرها، وما فيها كوكب إلا ولله فيه حكمة فى لونه وشكله وموضعه، وانظر إلى إيلاج الليل فى النهار، والنهار فى الليل، وانظر مسير الشمس، كيف اختلف فى الصيف والشتاء والربيع والخريف.
وقد قيل: إن الشمس مثل الأرض مائة ونيفاً وستين مرة، وإن أصغر كوكب فى السماء مثل الأرض ثمان مرات، فإذا كان هذا قدر كوكب واحد، فانظر إلى كثرة الكواكب، والى السماء التي فيها الكواكب، والى إحاطة عينك بذلك مع صغرها، والعجب منك أنك تدخل بيت غنى مزخرف مموه بالذهب، فلا ينقطع تعجبك منه، ولا تزال تذكره وأنت تنظر إلى هذا البيت العظيم، وإلى أرضه وسقفه وعجائبه وأمتعته وبدائع نقوشه، ثم لا تلتفت إلى نحوه بقلبك، ولا تتفكر فى بناء خالقك، فلقد نسيت نفسك وربك، واشتغلت ببطنك وفرجك، فما مثلك فى غفلتك إلا كمثل نملة تخرج من بيتها الذي حفرته فى حائط قصر الملك، فتلقى أختها فتتحدث معها فى حديث بيتها، وكيف بنته وما جمعت فيه، ولا تذكر قصر الملك ولا من فيه. فهكذا أنت فى غفلتك، فما تعرف من السماء إلا ما تعرفه النملة من سقف بيتك.
فهذا بيان معاقد الجمل التي يجول فيها فكر المتفكرين، والأعمار تقصر، والعلوم تقل عن الإحاطة ببعض المخلوقات، إلا أنك كلما استكثرت من معرفة عجائب المصنوعات، كانت معرفتك بجلال الصانع أتم. فتفكر فيما أشرنا إليه ها هنا مع ما قدمناه من الإشارة فى كتاب الشكر. فمن نظر فى هذه الأشياء من حيث إنها فعل الله وصنعه، استفاد المعرفة بجلال الله تعالى وعظمته، ومن قصر النظر عليها من حيث تأثير بعضها فى بعض، لا من حيث ارتباطها بمسبب الأسباب، شقي. نعوذ بالله من تأثير بعضها فى بعض الجهال، ومن الركون إلى أسباب الضلال، ولا وجه للتفكر فيما لا نراه من الملائكة والجن، فلذلك عدلنا عنه إلى ما نراه والله أعلم.
قد تقدم أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال:"تفكروا فى آلاء الله ولا تفكروا فى الله” فالتفكر فى ذاته سبحانه ممنوع منه، وذلك أن العقول تتحير فى ذلك، فإنه أعظم من أن تمثله العقول بالتفكير، أو تتوهمه القلوب بالتصوير: {ليس كمثله شىء وهو السميع البصير} [الشورى:11].
فأما التفكر فى مخلوقات الله تعالى، فقد ورد القرآن بالحث على ذلك كقوله تعالى: {إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب}...الآيات[آل عمران: 190]. وقوله {فل انظروا ماذا فى السموات والأرض} [يونس:101].
ومن آيات الله تعالى الإنسان المخلوق من نطفة، فيتفكر الإنسان فى نفسه، فإن فى خلقة من العجائب الدالة على عظمة الله تعالى بالتدبر فى نفسه، فقال: {وفى أنفسكم أفلا تبصرون} [الذاريات: 21]. وقد تقدم فى كتاب الشكر الكلام على بعض خلق الإنسان فليطلب هناك.
ومن آياته الجواهر المودعة فى الجبال، والمعادن من الذهب والفضة والفيروزج ونحوها، وكذلك النفط والكبريت والقار وغيرها. ومن آياته البحار العظيمة العميقة المكتنفة لأقطار الأرض، التي هي قطع من البحر الأعظم المحيط بجميع الأرض. ولو جمع المكشوف من الأرض، من البراري، والجبال، لكان بالإضافة إلى الماء كجزيرة صغيرة فى بحر عظيم، وفى البحر عجائب أضعاف ما نشاهده فى البر.
وانظر كيف خلق اللؤلؤ، ودورة فى صدفة تحت الماء، وانظر كيف أنبت المرجان فى صم الصخور تحت الماء، وكذلك ما عداه من العنبر وأصناف ما يقذفه البحر، وانظر إلى عجائب السفن كيف أمسكها الله تعالى على وجه الماء، وسيرها فى البحار تسوقها الرياح وأعجب من ذلك الماء، فإنه حياة كل ما على الأرض من حيوان ونبات، فلو احتاج العبد إلى شربة ماء، ومنع منها لبذل جميع خزائن الدنيا فى تحصيلها لو ملك ذلك، ثم إذا شربها ومنع خروجها، لبذل جميع خزائن الأرض فى إخراجها، فلا يغفل العبد عن هذه النعمة.
ومن آياته الهواء وهو جسم لطيف لا يرى بالعين، ثم انظر إلى شدته وقوته، وانظر إلى عجائب الجو، وما يظهر فيه من الغيوم والرعد والبرق والمطر والثلج والبرد والشهب والصواعق، وغير ذلك من العجائب. وانظر إلى الطير تسبح بأجنحتها بالهواء كما يسبح حيوان البحر فى الماء، ثم انظر إلى السماء وعظمها وكواكبها وشمسها وقمرها، وما فيها كوكب إلا ولله فيه حكمة فى لونه وشكله وموضعه، وانظر إلى إيلاج الليل فى النهار، والنهار فى الليل، وانظر مسير الشمس، كيف اختلف فى الصيف والشتاء والربيع والخريف.
وقد قيل: إن الشمس مثل الأرض مائة ونيفاً وستين مرة، وإن أصغر كوكب فى السماء مثل الأرض ثمان مرات، فإذا كان هذا قدر كوكب واحد، فانظر إلى كثرة الكواكب، والى السماء التي فيها الكواكب، والى إحاطة عينك بذلك مع صغرها، والعجب منك أنك تدخل بيت غنى مزخرف مموه بالذهب، فلا ينقطع تعجبك منه، ولا تزال تذكره وأنت تنظر إلى هذا البيت العظيم، وإلى أرضه وسقفه وعجائبه وأمتعته وبدائع نقوشه، ثم لا تلتفت إلى نحوه بقلبك، ولا تتفكر فى بناء خالقك، فلقد نسيت نفسك وربك، واشتغلت ببطنك وفرجك، فما مثلك فى غفلتك إلا كمثل نملة تخرج من بيتها الذي حفرته فى حائط قصر الملك، فتلقى أختها فتتحدث معها فى حديث بيتها، وكيف بنته وما جمعت فيه، ولا تذكر قصر الملك ولا من فيه. فهكذا أنت فى غفلتك، فما تعرف من السماء إلا ما تعرفه النملة من سقف بيتك.
فهذا بيان معاقد الجمل التي يجول فيها فكر المتفكرين، والأعمار تقصر، والعلوم تقل عن الإحاطة ببعض المخلوقات، إلا أنك كلما استكثرت من معرفة عجائب المصنوعات، كانت معرفتك بجلال الصانع أتم. فتفكر فيما أشرنا إليه ها هنا مع ما قدمناه من الإشارة فى كتاب الشكر. فمن نظر فى هذه الأشياء من حيث إنها فعل الله وصنعه، استفاد المعرفة بجلال الله تعالى وعظمته، ومن قصر النظر عليها من حيث تأثير بعضها فى بعض، لا من حيث ارتباطها بمسبب الأسباب، شقي. نعوذ بالله من تأثير بعضها فى بعض الجهال، ومن الركون إلى أسباب الضلال، ولا وجه للتفكر فيما لا نراه من الملائكة والجن، فلذلك عدلنا عنه إلى ما نراه والله أعلم.
27/4/2024, 17:10 من طرف Admin
» كتاب: زيارة للجنّة والنّار ـ مصطغى محمود
27/4/2024, 17:04 من طرف Admin
» كتاب: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصّحيحة ـ محمد الصوباني ـ ج1
27/4/2024, 16:58 من طرف Admin
» كتاب: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصّحيحة ـ محمد الصوباني ـ ج2
27/4/2024, 16:57 من طرف Admin
» كتاب: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصّحيحة ـ محمد الصوباني ـ ج3
27/4/2024, 16:54 من طرف Admin
» كتاب: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصّحيحة ـ محمد الصوباني ـ ج4
27/4/2024, 16:52 من طرف Admin
» كتاب: نهج الحكمة ـ أسامة الصاوي
27/4/2024, 16:47 من طرف Admin
» كتاب: الجزء الأول درب السلامة في إرشادات العلامة | الشيخ جميل حليم
24/4/2024, 15:58 من طرف Admin
» كتاب: الجزء الثاني درب السلامة في إرشادات العلامة | الشيخ جميل حليم
24/4/2024, 15:57 من طرف Admin
» كتاب: التعاون على النهي عن المنكر | الشيخ عبد الله الهرري
24/4/2024, 15:55 من طرف Admin
» كتاب: شرح الصفات الثلاث عشرة | الشيخ عبد الله الهرري
24/4/2024, 15:54 من طرف Admin
» كتاب: بغية الطالب لمعرفة العلم الديني الواجب الجزء الأول | الشيخ عبد الله الهرري الحبشي
24/4/2024, 15:52 من طرف Admin
» كتاب: بغية الطالب لمعرفة العلم الديني الواجب الجزء الثاني | الشيخ عبد الله الهرري الحبشي
24/4/2024, 15:51 من طرف Admin
» كتاب: الأطراف الحليمية | الشيخ الدكتور جميل حليم
24/4/2024, 15:43 من طرف Admin
» كتاب: الكوكب المنير بجواز الاحتفال بمولد الهادي البشير | الشيخ جميل حليم
24/4/2024, 15:42 من طرف Admin