كشف الغطاء في طريق الصوفية / ابن خلدون ـ ج28
وأمّا التصرّف في عالم الطبيعة بهذه الحروف والأسماء المركّبة فيها وتأثّر الأكوان عن ذلك فأمر لا ينكر لثبوته عن كثير منهم تواترا. وقد يظنّ أنّ تصرّف هؤلاء وتصرّف أصحاب الطّلسمات واحد، وليس كذلك، فإنّ حقيقة الطّلسم وتأثيره على ما حقّقه أهله أنّه قوى روحانيّة من جوهر القهر، تفعل فيما له ركّب فعل غلبة وقهر، بأسرار فلكيّة ونسب عدديّة وبخورات جالبات لروحانيّة ذلك الطّلسم، مشدودة فيه بالهمّة، فائدتها ربط الطبائع العلويّة بالطبائع السّفليّة، وهو عندهم كالخميرة المركّبة من هوائيّة وأرضيّة ومائيّة وناريّة حاصلة في جملتها، تخيّل وتصرّف ما حصلت فيه إلى ذاتها وتقلبه إلى صورتها. وكذلك الإكسير للأجسام المعدنيّة، كالخميرة تقلب المعدن الّذي تسري فيه إلى نفسها بالإحالة. ولذلك يقولون: موضوع الكيمياء جسد في جسد لأنّ الإكسير أجزاؤه كلّها جسدانيّة. ويقولون: موضوع الطّلسم روح في جسد لأنّه ربط الطبائع العلويّة بالطّبائع السّفليّة. والطبائع السّفليّة جسد والطبائع العلويّة روحانيّة. وتحقيق الفرق بين تصرّف أهل الطّلسمات وأهل الأسماء، بعد أن تعلم أنّ التصرّف في عالم الطبيعة كلّه إنّما هو للنفس الإنسانيّة والهمم البشريّة أنّ النفس الإنسانيّة محيطة بالطبيعة وحاكمة عليها بالذات، إلّا أنّ تصرّف أهل الطّلسمات إنّما هو في استنزال روحانيّة الأفلاك وربطها بالصّور أو بالنسب العدديّة، حتّى يحصل من ذلك نوع مزاج يفعل الإحالة والقلب بطبيعته، فعل الخميرة فيما حصلت فيه. وتصرّف أصحاب الأسماء إنّما هو بما حصل لهم بالمجاهدة والكشف من النّور الإلهيّ والإمداد الربّانيّ، فيسخّر الطبيعة لذلك طائعة غير مستعصية، ولا يحتاج إلى مدد من القوى الفلكيّة ولا غيرها، لأنّ مدده أعلى منها.
ويحتاج أهل الطّلسمات إلى قليل من الرّياضة تفيد النفس قوّة على استنزال روحانيّة الأفلاك. وأهون بها وجهة ورياضة. بخلاف أهل الأسماء فإنّ رياضتهم هي الرياضة الكبرى، وليست لقصد التصرّف في الأكوان إذ هو حجاب. وإنّما التصرّف حاصل لهم بالعرض، كرامة من كرامات الله لهم. فإن خلا صاحب الأسماء عن معرفة أسرار الله وحقائق الملكوت، الّذي هو نتيجة المشاهدة والكشف، واقتصر على مناسبات الأسماء وطبائع الحروف والكلمات، وتصرّف بها من هذه الحيثيّة وهؤلاء هم أهل السيمياء في المشهور- كأنّ إذا لا فرق بينه وبين صاحب الطّلسمات، بل صاحب الطّلسمات أوثق منه لأنّه يرجع إلى أصول طبيعيّة علميّة وقوانين مرتّبة. وأمّا صاحب أسرار الأسماء إذا فاته الكشف الّذي يطّلع به على حقائق الكلمات وآثار المناسبات بفوات الخلوص في الوجهة، وليس له في العلوم الاصطلاحيّة قانون برهانيّ يعوّل عليه يكون حاله أضعف رتبة. وقد يمزج صاحب الأسماء قوى الكلمات والأسماء بقوى الكواكب، فيعيّن لذكر الأسماء الحسنى، أو ما يرسم من أوفاقها، بل ولسائر الأسماء، أوقاتا تكون من حظوظ الكواكب الّذي يناسب ذلك الاسم، كما فعله البونيّ في كتابه الّذي سمّاه الأنماط. وهذه المناسبة عندهم هي من لدن الحضرة العمائيّة. وهي برزخيّة الكمال الأسمائيّ، وإنّما تنزّل تفصيلها في الحقائق على ما هي عليه من المناسبة.
وإثبات هذه المناسبة عندهم إنّما هو بحكم المشاهدة. فإذا خلا صاحب الأسماء عن تلك المشاهدة، وتلقّى تلك المناسبة تقليدا، كأنّ عمله بمثابة عمل صاحب الطّلسم، بل هو أوثق منه كما قلناه. وكذلك قد يمزج أيضا صاحب الطّلسمات عمله وقوى كواكبه بقوى الدعوات المؤلّفة من الكلمات المخصوصة لمناسبة بين الكلمات والكواكب، إلّا أنّ مناسبة الكلمات عندهم ليست كما هي عند أصحاب الأسماء من الاطّلاع في حال المشاهدة، وإنّما يرجع إلى ما اقتضته أصول طريقتهم السّحريّة، من اقتسام الكواكب لجميع ما في عالم المكوّنات، من جواهر وأعراض وذوات ومعان، والحروف. والأسماء من جملة ما فيه. فلكلّ واحد من الكواكب قسم منها يخصّه، ويبنون على ذلك مباني غريبة منكرة من تقسيم سور القرآن وآيه على هذا النحو، كما فعله مسلمة المجريطيّ في الغاية. والظّاهر من حال البونيّ في أنماطه أنّه اعتبر طريقتهم. فإنّ تلك الأنماط إذا تصفّحتها، وتصفّحت الدّعوات الّتي تضمّنتها، وتقسيمها على ساعات الكواكب السّبعة، ثمّ وقفت على الغاية، وتصفّحت قيامات الكواكب الّتي فيها، وهي الدّعوات الّتي تختصّ بكلّ كوكب، ويسمّونها قيامات الكواكب، أي الدعوة الّتي يقام له بها، شهد له ذلك: إمّا بأنّه من مادّتها، أو بأنّ التناسب الّذي كان في أصل الإبداع وبرزخ العلم قضى بذلك كلّه. «وَما أُوتِيتُمْ من الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» . وليس كلّ ما حرّمه الشّارع من العلوم بمنكر الثبوت، فقد ثبت أنّ السحر حقّ مع حظره. لكنّ حسبنا من العلم ما علمنا.
وأمّا التصرّف في عالم الطبيعة بهذه الحروف والأسماء المركّبة فيها وتأثّر الأكوان عن ذلك فأمر لا ينكر لثبوته عن كثير منهم تواترا. وقد يظنّ أنّ تصرّف هؤلاء وتصرّف أصحاب الطّلسمات واحد، وليس كذلك، فإنّ حقيقة الطّلسم وتأثيره على ما حقّقه أهله أنّه قوى روحانيّة من جوهر القهر، تفعل فيما له ركّب فعل غلبة وقهر، بأسرار فلكيّة ونسب عدديّة وبخورات جالبات لروحانيّة ذلك الطّلسم، مشدودة فيه بالهمّة، فائدتها ربط الطبائع العلويّة بالطبائع السّفليّة، وهو عندهم كالخميرة المركّبة من هوائيّة وأرضيّة ومائيّة وناريّة حاصلة في جملتها، تخيّل وتصرّف ما حصلت فيه إلى ذاتها وتقلبه إلى صورتها. وكذلك الإكسير للأجسام المعدنيّة، كالخميرة تقلب المعدن الّذي تسري فيه إلى نفسها بالإحالة. ولذلك يقولون: موضوع الكيمياء جسد في جسد لأنّ الإكسير أجزاؤه كلّها جسدانيّة. ويقولون: موضوع الطّلسم روح في جسد لأنّه ربط الطبائع العلويّة بالطّبائع السّفليّة. والطبائع السّفليّة جسد والطبائع العلويّة روحانيّة. وتحقيق الفرق بين تصرّف أهل الطّلسمات وأهل الأسماء، بعد أن تعلم أنّ التصرّف في عالم الطبيعة كلّه إنّما هو للنفس الإنسانيّة والهمم البشريّة أنّ النفس الإنسانيّة محيطة بالطبيعة وحاكمة عليها بالذات، إلّا أنّ تصرّف أهل الطّلسمات إنّما هو في استنزال روحانيّة الأفلاك وربطها بالصّور أو بالنسب العدديّة، حتّى يحصل من ذلك نوع مزاج يفعل الإحالة والقلب بطبيعته، فعل الخميرة فيما حصلت فيه. وتصرّف أصحاب الأسماء إنّما هو بما حصل لهم بالمجاهدة والكشف من النّور الإلهيّ والإمداد الربّانيّ، فيسخّر الطبيعة لذلك طائعة غير مستعصية، ولا يحتاج إلى مدد من القوى الفلكيّة ولا غيرها، لأنّ مدده أعلى منها.
ويحتاج أهل الطّلسمات إلى قليل من الرّياضة تفيد النفس قوّة على استنزال روحانيّة الأفلاك. وأهون بها وجهة ورياضة. بخلاف أهل الأسماء فإنّ رياضتهم هي الرياضة الكبرى، وليست لقصد التصرّف في الأكوان إذ هو حجاب. وإنّما التصرّف حاصل لهم بالعرض، كرامة من كرامات الله لهم. فإن خلا صاحب الأسماء عن معرفة أسرار الله وحقائق الملكوت، الّذي هو نتيجة المشاهدة والكشف، واقتصر على مناسبات الأسماء وطبائع الحروف والكلمات، وتصرّف بها من هذه الحيثيّة وهؤلاء هم أهل السيمياء في المشهور- كأنّ إذا لا فرق بينه وبين صاحب الطّلسمات، بل صاحب الطّلسمات أوثق منه لأنّه يرجع إلى أصول طبيعيّة علميّة وقوانين مرتّبة. وأمّا صاحب أسرار الأسماء إذا فاته الكشف الّذي يطّلع به على حقائق الكلمات وآثار المناسبات بفوات الخلوص في الوجهة، وليس له في العلوم الاصطلاحيّة قانون برهانيّ يعوّل عليه يكون حاله أضعف رتبة. وقد يمزج صاحب الأسماء قوى الكلمات والأسماء بقوى الكواكب، فيعيّن لذكر الأسماء الحسنى، أو ما يرسم من أوفاقها، بل ولسائر الأسماء، أوقاتا تكون من حظوظ الكواكب الّذي يناسب ذلك الاسم، كما فعله البونيّ في كتابه الّذي سمّاه الأنماط. وهذه المناسبة عندهم هي من لدن الحضرة العمائيّة. وهي برزخيّة الكمال الأسمائيّ، وإنّما تنزّل تفصيلها في الحقائق على ما هي عليه من المناسبة.
وإثبات هذه المناسبة عندهم إنّما هو بحكم المشاهدة. فإذا خلا صاحب الأسماء عن تلك المشاهدة، وتلقّى تلك المناسبة تقليدا، كأنّ عمله بمثابة عمل صاحب الطّلسم، بل هو أوثق منه كما قلناه. وكذلك قد يمزج أيضا صاحب الطّلسمات عمله وقوى كواكبه بقوى الدعوات المؤلّفة من الكلمات المخصوصة لمناسبة بين الكلمات والكواكب، إلّا أنّ مناسبة الكلمات عندهم ليست كما هي عند أصحاب الأسماء من الاطّلاع في حال المشاهدة، وإنّما يرجع إلى ما اقتضته أصول طريقتهم السّحريّة، من اقتسام الكواكب لجميع ما في عالم المكوّنات، من جواهر وأعراض وذوات ومعان، والحروف. والأسماء من جملة ما فيه. فلكلّ واحد من الكواكب قسم منها يخصّه، ويبنون على ذلك مباني غريبة منكرة من تقسيم سور القرآن وآيه على هذا النحو، كما فعله مسلمة المجريطيّ في الغاية. والظّاهر من حال البونيّ في أنماطه أنّه اعتبر طريقتهم. فإنّ تلك الأنماط إذا تصفّحتها، وتصفّحت الدّعوات الّتي تضمّنتها، وتقسيمها على ساعات الكواكب السّبعة، ثمّ وقفت على الغاية، وتصفّحت قيامات الكواكب الّتي فيها، وهي الدّعوات الّتي تختصّ بكلّ كوكب، ويسمّونها قيامات الكواكب، أي الدعوة الّتي يقام له بها، شهد له ذلك: إمّا بأنّه من مادّتها، أو بأنّ التناسب الّذي كان في أصل الإبداع وبرزخ العلم قضى بذلك كلّه. «وَما أُوتِيتُمْ من الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» . وليس كلّ ما حرّمه الشّارع من العلوم بمنكر الثبوت، فقد ثبت أنّ السحر حقّ مع حظره. لكنّ حسبنا من العلم ما علمنا.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin