ولما رجع من رجع منهم من هذا السفر فائزا بالغنيمة حاصلا على الغاية حذروا من هذا الطريق وخطره حتى في نفس المقصد الذي اقله النجاة أعاذنا الله فإن سلم من هذا كله فقد فاز فوزاً عظيماً.
قال شيخ العارفين : (لا تطلبوا المشاهدة، فإن في شهود الحق ثبورَ الخلق). وقال أبو علي الجَوْزَجاني : (كن صاحب استقامة لا صاحب كرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطلبك بالاستقامة).
وقال غيره من أئمتهم وقد تكلم في المجاهدة وبيّن طريق السلوك ثم قال :
وإنما وردناه تنبيها لمن استعجل لذة المشاهدة في غير موطنها الثابت، وحالة الفناء في غير منزلها، فإن السادة منا إنفوا في ذلك"، ثم قال : "فقد حصلت ما كان ينبغي لك أن تؤخره لموطنه وهو الدار الآخرة التي لا عمل فيها، فإن زمان مشاهدتك لو كنت فيه صاحب عمل ظاهر، وتلقى علم باطن، كان أولى بك لأنك تزيد حسناً وجمالاً في روحانيتك الطالبة ربّها، ونفسانيتك الطالبة جنّضتها، فإذا انفصلت من عالم التكليف، وموطن المعارج والارتقاءاتن حينئذٍ تجني ثمرة غرسكّ انتهى كلامه.
فانظر كيف تضمن هذا الكلام النهي عن طلب المشاهدة، وأن الاستزادة من العلم الباطن الإلهامي موجب لحصول تلك المشاهدة، وأن الاستزادة من العلم الباطن الإلهامي موجب لحصول تلك المشاهدة بعد الموت، فهو أولى لأنه زيادة الغرس يقضي بمزيد الثمرة.
الكلام في المجاهدات وأقسامها وشروطها
وخلاصة القول في ذلك على ما تأدى إلينا من تصفح مذاهبهم وتتبع أقوالهم أن المجاهدة على ثلاثة انواع متفاوتة، بعضها متقدم على بعض.
فالمجاهدة الأولى : مجاهدة التقوى، وهي الوقوف عند حدود الله كما مرَّ أول الكتاب، لأن الباعث على هذه المجاهدة طلب النجاة، فكأنها اتّقاءً وتحرُّز بالوقوف عند حدود الله عن عقوبته، وحصولها في الظاهر بالنزوع عن المخالفات والتوبة عنها، وترك ما يؤدي إليها من الجاه والاستكثار من المال وفضول العيش، والتعصب للمذاهب، وفي الباطن بمراقبة أفعال القلب التي هي مصدر الأفعال، ومبدؤها أن يَلم بمفارقة محظور أو إهمال واجب. قال ابن عطاء : (للتقوى ظاهر وباطن، فظاهره محافظة الحدود، وباطنه النية والإخلاص)، وحقيقة هذه المجاهدة هي الورع، قال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ، فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ )، وقال ابن عمر : ( حقيقة التقوى أن تدع ما لا بأس به مخافة مما به بأس)، وقال : ( لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر)، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ( كنا ندع سبعين باباً من الحلال مخافةَ أن نقع في باب من الحرام).
المجاهدة الثانية : مجاهدة الاستقامة، وهي تقويم النفس وحملها على التوسط في جميع أخلاقها، حتى تتهذب بذلك وتتحقق به، فتحسن أخلاقها وتصدر عنها أفعال الخير بسهولة، وتصير لها آداب القرآن والنبوة بالرياضة والتهذيب خلقاً جبلية كأنَّ النفس طُبعَتْ عليها، والباعث على هذه المجاهدة طلب الفوز بالدرجات العلى درجات {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ }[النساء : 69]. إذ الاستقامة طريق إليها، قال تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (*) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }[الفاتحة : 6/5]. وما كلف الإنسان بطلب هذه الاستقامة سبع عشرة مرة في اليوم والليلة عدد ركعات الفرض التي تجب فيها قراءة أم القرآن إلا لعسر هذه الاستقامة وعز مطلبها وشرف ثمرتها، وقال صلى الله عليه وسلم : (استقيموا ولن تُحْصوا).
وحصول هذه الاستقامة بعلاج خلق النفس ومداواتها بمضادة الشهوة ومخالفة الهوى ومقابلة كل خلق يحس من نفسه وهواه، والميل إليه، والاعتداد به، بارتكاب ضده الآخر، كمعالجة البخل بالسخاء، والكبر بالتواضع، والشره بالكف عن المشتهى، والغضب بالحلم. قال تعالى : {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان : 67]، وقال : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}[الأعراف : 31] وقال : {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء : 29]، وقال تعالى : {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح : 29]. ثم مع هذا العلاج لا بدَّ من الصبر على مرارته، قال الشيخ أبو القاسم الجنيد : (اعلم أن الاستقامة لا يطيقها إلا الأكابر، لأنها خروج عن المعهودات، ومفارقة الرسوم والعادات، والقيام بين يدي الله على حقيقة الصدق).
وقال في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : (شَيَّبَتْنِي هُودٌ وأخواتُهَا) إنه لما فيها من تكليف الاستقامة في قوله : {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود : 112]. لكن الأفعال ولو كانت أول صدورها متكلفة وصعبة وشاقة، فإذا تكررت ارتفعت آثارها إلى النفس شيئاً فشيئاً، ولا تزال كذلك حتى تصير صفة راسخة وجِبِلَّة طبيعية، كما يقع لمتعلم الكتابة مثلاً، يتكلفها أولاً شاقّة عليه، ولا تزال آثارها ترتفع إلى النفس شيئاً فشيئاً حتى تحصل صفة الكتابة للنفس كأنّها جِبِلّة، وتصدر الكتابة الحسنة كأنها مقتضى الطبع.
وليس المراد من هذا العلاج في هذه الاستقامة فمع الصفات البشرية وخلعها بالكلية، فإنها غرائز جِبِلِّية خلق كل منها الفائدة، فلا يتصور قلعُ الشهوة، وإلا لهلك الإنسان جوعاً وانقطع الإنسان تَبتُّلاً، ولا قلعَ الغضب، وإلا لهلك بالعجز عن مدافعة المعتدي، بل المراد من هذا العلاج تمكن الاستقامة في النفس حتى تصرف هذه الغرائز بمقتضى آداب الله تصريفاً جبليًّا، لما فيه من التوطين على ما تصير إليه بعد الموت، ومن قطع علائق الدنيا والإقبال على الله، فتأتي الله بقلب سليم من الميل عن الاستقامة، لأنها كلما مالت عن الاستقامة علقت بها صفة من خلقها فتشبثت به وأقبلت عليه، وحصل لها بقدر الإقبال عليه إعراض عن الله، وهذا هو معنى محو الصفات المذمومة عن القلب، وتزكية الصفات المحمودة؛ إذ كل مائل عن الوسط والاعتدال مذموم.
واعلم أن هذه الاستقامة فرض في حق الأنبياء صلوات الله عليهم، قال تعالى : {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود : 113]، وقال : {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[يس : 4/3]، وقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام : {فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [يونس : 98]. وقالت عائشة رضي الله عنها وقد سُئلت عن خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت للسائل : (أما قرأت القرآن ؟! كان خلُقه القرآن). وتأديب القرآن له صلى الله عليه وسلم في كل آية، وبحسب كل أخد وترك.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم المقصود الأول بالتأديب والتهذيب، ثم منه يشرق النور على كافة الخلق، فأدب أولاً بالقرآن، ثم أدب الخلق به، قال صلى الله عليه وسلم : (بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأخْلاق).
قال شيخ العارفين : (لا تطلبوا المشاهدة، فإن في شهود الحق ثبورَ الخلق). وقال أبو علي الجَوْزَجاني : (كن صاحب استقامة لا صاحب كرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطلبك بالاستقامة).
وقال غيره من أئمتهم وقد تكلم في المجاهدة وبيّن طريق السلوك ثم قال :
وإنما وردناه تنبيها لمن استعجل لذة المشاهدة في غير موطنها الثابت، وحالة الفناء في غير منزلها، فإن السادة منا إنفوا في ذلك"، ثم قال : "فقد حصلت ما كان ينبغي لك أن تؤخره لموطنه وهو الدار الآخرة التي لا عمل فيها، فإن زمان مشاهدتك لو كنت فيه صاحب عمل ظاهر، وتلقى علم باطن، كان أولى بك لأنك تزيد حسناً وجمالاً في روحانيتك الطالبة ربّها، ونفسانيتك الطالبة جنّضتها، فإذا انفصلت من عالم التكليف، وموطن المعارج والارتقاءاتن حينئذٍ تجني ثمرة غرسكّ انتهى كلامه.
فانظر كيف تضمن هذا الكلام النهي عن طلب المشاهدة، وأن الاستزادة من العلم الباطن الإلهامي موجب لحصول تلك المشاهدة، وأن الاستزادة من العلم الباطن الإلهامي موجب لحصول تلك المشاهدة بعد الموت، فهو أولى لأنه زيادة الغرس يقضي بمزيد الثمرة.
الكلام في المجاهدات وأقسامها وشروطها
وخلاصة القول في ذلك على ما تأدى إلينا من تصفح مذاهبهم وتتبع أقوالهم أن المجاهدة على ثلاثة انواع متفاوتة، بعضها متقدم على بعض.
فالمجاهدة الأولى : مجاهدة التقوى، وهي الوقوف عند حدود الله كما مرَّ أول الكتاب، لأن الباعث على هذه المجاهدة طلب النجاة، فكأنها اتّقاءً وتحرُّز بالوقوف عند حدود الله عن عقوبته، وحصولها في الظاهر بالنزوع عن المخالفات والتوبة عنها، وترك ما يؤدي إليها من الجاه والاستكثار من المال وفضول العيش، والتعصب للمذاهب، وفي الباطن بمراقبة أفعال القلب التي هي مصدر الأفعال، ومبدؤها أن يَلم بمفارقة محظور أو إهمال واجب. قال ابن عطاء : (للتقوى ظاهر وباطن، فظاهره محافظة الحدود، وباطنه النية والإخلاص)، وحقيقة هذه المجاهدة هي الورع، قال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ، فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ )، وقال ابن عمر : ( حقيقة التقوى أن تدع ما لا بأس به مخافة مما به بأس)، وقال : ( لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر)، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ( كنا ندع سبعين باباً من الحلال مخافةَ أن نقع في باب من الحرام).
المجاهدة الثانية : مجاهدة الاستقامة، وهي تقويم النفس وحملها على التوسط في جميع أخلاقها، حتى تتهذب بذلك وتتحقق به، فتحسن أخلاقها وتصدر عنها أفعال الخير بسهولة، وتصير لها آداب القرآن والنبوة بالرياضة والتهذيب خلقاً جبلية كأنَّ النفس طُبعَتْ عليها، والباعث على هذه المجاهدة طلب الفوز بالدرجات العلى درجات {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ }[النساء : 69]. إذ الاستقامة طريق إليها، قال تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (*) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }[الفاتحة : 6/5]. وما كلف الإنسان بطلب هذه الاستقامة سبع عشرة مرة في اليوم والليلة عدد ركعات الفرض التي تجب فيها قراءة أم القرآن إلا لعسر هذه الاستقامة وعز مطلبها وشرف ثمرتها، وقال صلى الله عليه وسلم : (استقيموا ولن تُحْصوا).
وحصول هذه الاستقامة بعلاج خلق النفس ومداواتها بمضادة الشهوة ومخالفة الهوى ومقابلة كل خلق يحس من نفسه وهواه، والميل إليه، والاعتداد به، بارتكاب ضده الآخر، كمعالجة البخل بالسخاء، والكبر بالتواضع، والشره بالكف عن المشتهى، والغضب بالحلم. قال تعالى : {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان : 67]، وقال : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}[الأعراف : 31] وقال : {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء : 29]، وقال تعالى : {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح : 29]. ثم مع هذا العلاج لا بدَّ من الصبر على مرارته، قال الشيخ أبو القاسم الجنيد : (اعلم أن الاستقامة لا يطيقها إلا الأكابر، لأنها خروج عن المعهودات، ومفارقة الرسوم والعادات، والقيام بين يدي الله على حقيقة الصدق).
وقال في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : (شَيَّبَتْنِي هُودٌ وأخواتُهَا) إنه لما فيها من تكليف الاستقامة في قوله : {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود : 112]. لكن الأفعال ولو كانت أول صدورها متكلفة وصعبة وشاقة، فإذا تكررت ارتفعت آثارها إلى النفس شيئاً فشيئاً، ولا تزال كذلك حتى تصير صفة راسخة وجِبِلَّة طبيعية، كما يقع لمتعلم الكتابة مثلاً، يتكلفها أولاً شاقّة عليه، ولا تزال آثارها ترتفع إلى النفس شيئاً فشيئاً حتى تحصل صفة الكتابة للنفس كأنّها جِبِلّة، وتصدر الكتابة الحسنة كأنها مقتضى الطبع.
وليس المراد من هذا العلاج في هذه الاستقامة فمع الصفات البشرية وخلعها بالكلية، فإنها غرائز جِبِلِّية خلق كل منها الفائدة، فلا يتصور قلعُ الشهوة، وإلا لهلك الإنسان جوعاً وانقطع الإنسان تَبتُّلاً، ولا قلعَ الغضب، وإلا لهلك بالعجز عن مدافعة المعتدي، بل المراد من هذا العلاج تمكن الاستقامة في النفس حتى تصرف هذه الغرائز بمقتضى آداب الله تصريفاً جبليًّا، لما فيه من التوطين على ما تصير إليه بعد الموت، ومن قطع علائق الدنيا والإقبال على الله، فتأتي الله بقلب سليم من الميل عن الاستقامة، لأنها كلما مالت عن الاستقامة علقت بها صفة من خلقها فتشبثت به وأقبلت عليه، وحصل لها بقدر الإقبال عليه إعراض عن الله، وهذا هو معنى محو الصفات المذمومة عن القلب، وتزكية الصفات المحمودة؛ إذ كل مائل عن الوسط والاعتدال مذموم.
واعلم أن هذه الاستقامة فرض في حق الأنبياء صلوات الله عليهم، قال تعالى : {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود : 113]، وقال : {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[يس : 4/3]، وقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام : {فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [يونس : 98]. وقالت عائشة رضي الله عنها وقد سُئلت عن خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت للسائل : (أما قرأت القرآن ؟! كان خلُقه القرآن). وتأديب القرآن له صلى الله عليه وسلم في كل آية، وبحسب كل أخد وترك.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم المقصود الأول بالتأديب والتهذيب، ثم منه يشرق النور على كافة الخلق، فأدب أولاً بالقرآن، ثم أدب الخلق به، قال صلى الله عليه وسلم : (بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأخْلاق).
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin