رموز الذّات في آية الصّلاة ( للشريف الحسني )
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
ورضي اللّه عن شيخنا الجّيلاني وعن أتباعه وورثته إلى يوم الدّين
تمهيد :
إنّ بحر القرآن العظيم خضمّ، لاسيما إذا تطرّقت آياته الجناب الإلهي أو النّبوي، وإنّ المفسّرين وإن أجادوا في اجتهاداتهم، إلّا أنّها مع المحيط المطلق كلا شيء .
واليوم ومع ظهور ما يسمى بالتّفسير الموضوعي، كتخصيص للأهليات، واحترام للمجالات، طالما تشوّقنا وتشوّفنا إلى من يمس الموضوع الرّوحاني في الكتاب والسّنة، ولكنّ السّاحة خاوية على عروشها.
فتجرّأت بحكم انتسابي للمشرب المحمّدي الصّافي، أن ألخّص فتوحات العارفين حول آية " الصّلاة والسّلام" والتي هي أعجوبة في العرفان والوجدان، ولاغرو فإنّها من كنوز القاموس المطمطم.
مطلب
ولاريب أنّ هذه الآيات التي تتعلّق بالجناب الشّريف، تحتاج في تفسيرها وتأويلها إلى ذوق عميق، وإلهام مركّز، لأنّ المستوى رفيع منيع.
وكما أنّ السّادة العارفين يحترمون كلّ التّخصّصات، فياحبّذا لو احترم أرباب المجالات الأخرى، الجانب العرفاني في القرآن والسّنّة، فلا يهجموا ولا يتجرّؤوا عليه، جهلا أو تجاهلا.
ومن أراد أن يؤمن بأنّ لكل فنّ أربابه، فليطالع مابين يديه من التّفاسير لهذه الآية الكريمة، ثمّ لينظر إلى هذا المختصر البدائي، مع أنّه بكلّه ماهو إلّا من قبيل التّفسير الإشاري، الذي له روابط بحروف الآية، أمّا التفسير الباطن والذي يخوض في الآية من وراء اللّغة والكتابة، فذاك هو الفضاء المطلق .
﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾
· الفص الأول : ما سرّ التّوكيد في بداية الآية " إنّ "؟
1. فيه التّوكيد على مقام الصّلاة الأعظم، الذي هو من الكمالات الأحمديّة، بل فيه إشارة إلى عزّة الصّلاة وغرابتها عنّا، وهذا من قبيل "الإخبار الإنكاري" عند البلاغيين، وذلك على حسب المخاطب، فإذا كان الخبر غريب عليه متردّد في قبوله، إستوجب حين ذاك التأكيد .
2. توكيد على وجوب الصّلاة عليه e، بعدما أكدها بقيام ذاته هو سبحانه بالصّلاة عليه، لنعلم أنّ من وراء ذلك سرّ عظيم .
· الفص الثّاني : ما السرّ في إختيار حرف التّوكيد " إنّ "؟
3. لما تحمله من إشارة خفيّة إلى الصّلة العينيّة، لأنّ الألف يشير إلى الأحديّة، والنّون تشير إلى الحقيقة المحمّديّة، فكأنّ الصّلاة دائرة ما بين الأحديّة والأحمديّة .
4. وإن نظرت إليها من جهة "حساب الجمل"، فالألف مرتبته إشارة إلى الحضرة الأحديّة، والنّون مرتبتها إشارة إلى الدوائر الكونية، وفي هذا دلالة على أنّ الصّلاة هنا ستكون في عالم الواحديّة، أي حال نزوله e وحلوله في الأكوان، وهذا هو مقام ( إنّي أبيت عند ربّي ) .
· الفص الثّالث : ما سرّ ذكر " لفظ الجلالة " دون غيره ؟
5. صلّى بلفظ الجلالة ـ الله ـ الذي هو علم على الذّات الأقدس، لأنّهe ذاتي المحتد والمورد، فالصّلاة حالئذ تكون هويّة أحديّة، لا مطمع لأولي العزم في إدراكها كنهها، فضلا عمّن دونهم .
6. ولكون لفظ الجلالة محيط بالأسماء الإلهيّة، هيمنة الذّات على الصّفات، فكأنّ الصّلاة جاريّة من كلّ الأسماء بلا استثناء، وفي هذا ردّ على من قيّد الصّلاة بالرّحمة، فأين بقيّة التّجليّات إذا ؟!
· الفص الرّابع : ما السّرّ في ذكر صلاته Y " إنّ الله"؟
7. للتّوكيد على أهمّيّة الصّلاة عليه e، فكأنّه يقول : إذا كان الرّبّ سبحانه بكبرياءه وعظموته يصلّي عليه، فلا بدّ على خلقه أن يسارعوا إلى التّعلق بجنابه e .
8. إنّ هذا ديدنه سبحانه في التّعلّق بالحبيب e، فإذا أمرنا بشيء من ذلك، كفاه هو أولا بذلك، مصداقا لقوله تعالى : ( أليس الله بكاف عبده ) وقوله تعالى ( إلّا تنصروه فقد نصره الله) وقوله تعالى : ( فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين) ..
9. لإظهار مقام حبه تعالى لحبيبه e، بأنّه هو الحبيب المصطفى المختارe .
· الفص الخامس : سرّ التّثنيّة بالملائكة " وملائكته" ؟
10. ذكر الملائكة للتّأسّي بهم ، فكأنّه يقول : هاهم الملائكة على ما هم عليه من الصّفاء والعلو، ولكنّهم متعلّقون بالجناب الشّريف، فكيف بكم أنتم ؟!
11. لبيان قدر الحضرة المحمّديّة عند الله تعالى، حيث أنّ الملائكة يتقرّبون بالصّلاة عليهe.
12. والملائكة هنا : إشارة إلى تجلي الأسماء، لأنّ الملك مشتق من المُلك، وسموا بذلك لمّا كانوا مظاهر للأسماء الجبروتيّة، فبعدما ذكر سبحانه صلاته الذّاتيّة ثنّى بصلاته الأسمائيّة، ثمّ أمر المومنين أن يثلّثوها بالصّلاة الأفعاليّة، ليتحقّق بهذا كثرة الحمد الموعودة للذّات المحمّديّة "سيّدنا محمّدe" .
· الفص السّادس : ما السرّ في ربط الملائكة به تعالى " ملائكته"؟
13. جاء الضّمير المضاف إليه سبحانه، ليقول لنا : من أراد أن يتّصل بي عن قرب، فليصلّ على حبيبي e .
14. والضّمير المتّصل في " ملائكته" يقتضي إستغراق كل الأملاك، وأنهم كلّهم بلا استثناء يصلّون عليه .
15. فيها إشارة إلى أنّ صلاة الملائكة عليه e، أبلغ من سجودهم لسيّدنا آدمu، لأنّه قال في آيتها : ( وإذ قال ربّك للملائكة ) ولم يقل ملائكته .
16. بل إنّ السّجود هذا ما كان إلّا لأجله e، بدلالة ضمير المخاطب في ( ربـّك ) والضمير هنا يشير إلى المحتديّة المحمّديّة، ولهذا قالوا أنّ الملائكة ماسجدت إلّا لنور الحقيقة المحمّديّة، الذي لاح لهم من خلف الآدميّة، ويقول سيدي علي وفا:
لَو أبـصَرَ الشيطانُ طلعةَ نُورِهِ
في وجهِ آدمَ كان أولَ مَن سَجَدْ
· الفص السّابع : ما السرّ في تقديم ذكره تعالى وملائكته على الأمر؟
17. لم يقل سبحانه "يأيها الذين آمنوا صلوا..فإنّ الله وملائكته يصلون.." بل قدّم ذكره وملائكته المقرّبين، وفي هذا زيادة في الإغراء، وتوكيد على الحجّة، ولذا قالوا لولم يأمرنا سبحانه بالصّلاة عليه e، واكتفى بذكر صلاته تعالى وملائكته، لكفى هذا حجّة على الوجوب .
18. وإنّ في تقديم ذكره سبحانه وملائكته، مافيه من إعلاء شأنه e، حيث بادر سبحانه بذاته أوّلا في الصّلاة، ثمّ ثنّى بملائكته المقدّسين، وهذا غاية التّشريف .
19. وإنّ في التّقديم هذا، دلالة على إستغناءه وكفايتهe بالله تعالى، أي إنّكم مؤمورون بالصّلاة عليه e، فإن لم تمتثلوا فإنّ الله وملائكته يصلّون، فلا حاجة لصلاتكم، بل ماهي إلّا تحصيل حاصل في الحالتين .
· الفص الثامن : ماهيّة صلاة الله تعالى ؟
20. المتفق عليه عند المحققين أنّها إشارة إلى الصّلة العينيّة، بين الحضرة الأحديّة والحقيقة المحمّديّة، ولا جرم أنّ الصّلة بين حضرتين مجهولتين، تكون مجهولة، فلا يجوز أن نعيّـنها بتكييف، ولا أن نحدّدها بتوصيف.
21. ذلك في الحقيقة، وأمّا في التّنزّل فهي تجليات الحضرة الإلهية بكل ما يطلبه الإمكان، على حضرة الواسطة العظمى e ، ليفيض بها على كلّ ذرّة في الأكوان، بشاهد : ( الله المعطي وأنا القاسم)، فمن هنا وجبت علينا الصّلاة عليه، شكرا للقاسم، وتوسّلا بالواسطة e .
· الفص التّاسع : ماهيّة صلاة الملائكة الكرام ؟
22. هي تعلّقهم بالجناب المحمّدي الشّريف، ودّا وتعظيما وتقديسا ..، جبلّة روحانيّة .
23. وهم يشاركوننا كذلك في الذّكر بالصّلاة عليه e، حيث يوكلون أمرها إلى مولاه، بموجب العجز عن الوفاء بحقه العظيم e.
· الفص العاشر : ماهيّة صلاة المومنين ؟
24. صلاتنا نحن هي إرجاع الأمر إلى مولاه سبحانه، ليوفّيه حقّ قدره العظيمe، وذلك بلازم العجز ، كما تعطيه دلالة النّصوص، فالقرآن يقول : ( صلّوا عليه) والسّنّة في معرض التّعليم تقول: ( قولوا اللّهم صلّ على ..) .
25. أنّها عبادة لله تعالى وذكر له، لأنّنا بمجرد الذكر بها تجزل لنا الحسنات والدّرجات، وتتنزّل علينا الأنوار والأسرار.
26. أنّها وسيلة إلى الله تعالى ليفيض علينا بعائد صِلاتها، فلمّا كان هو الواسطة العظمى في الإمداد، كان لابدّ علينا أن نتوسّل بجنابه ليتفضّل ربّنا علينا، وهذا ما دلّ عليه حديث : ( من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرا) ولم يقل صلّى الله عليّ بها !، وكأنّ الفائدة من صلاتنا عليهe، هي أن يصلّي الله علينا فقط.
· الفص الحادي عشر: لماذا لم تذكر الآية صلاة الأنبياء عليه ؟
27. لأنّ الصّلاة مستمرّة بصيغة المضارع، وعامة النّاس لا يعتقدون أنّ ساداتنا الأنبياء عليهم السّلام أحياء قائمون في الحضرة كالملائكة.
28. أنّ محك الآية هو حول مقان النّبوّة عينها، أن تعظّم وتمجّد وتحمد، فمن لازال يعتقد في ساداتنا الأنبياء عليهم السّلام، أنّهم بشر مثلنا كيف يأتسي بهم؟! وتامّل قوله تعالى : ( وقالوا لوشاء ربّنا لأنزل ملائكة ).
29. أنّ القرآن جاء مراعيّا لأهل الكتاب المتربّصين به، فلو ذكر لهم شأن تعلّق أنبياءهم السّابقين به، لزادهم نفورا وغرورا !
· الفص الثّاني عشر : ما السرّ في صيغة المضارعة " يصلون" ؟
30. لا شك أنّ الفعل المضارع يفيد الحاضر، أي أنّ إمداد الله تعالى ـ صلاته ـ حاضر مع حبيبه eفي كلّ زمان ومكان، مصداقا لقوله تعالى : ( ماودعك ربّك وماقلى) فلم يقل سبحانه صلّى وانقضى، ولاسيصلّي أبدا، بل إنّه e دائم الإتّصال بالحضرة بشاهد الحديث : ( إنّي أبيت عند ربّي ) .
31. وإنّ الفعل المضارع يفيد الاستمرار، وهو في حق الله شأن أزليّ منزه عن القبل والبعد..، فصلاته سبحانه قديمة أزليّة ، وأمّا في حق ساداتنا الملائكة فهي سرمديّة بلا نهاية.
32. جاءت الصّلاة بصيغة أزليّة، لتؤكد لنا أقدميّة الحضرة المحمّديّة، وأنّه e أوّل مخلوق على الإطلاق، ولتؤكد لنا بصيغة أبديتها ديمومة أنواره السّارية في الوجود، مادامت الصّلاة عليه .
33. وفي صيغة المضارع دلالة على حياته الدّائمة e، فإنّ هذا التّجلي لا يكون على ميّت غافل، بل على حيّ قريب e وهذا معنى قوله e: (ردّ الله عليّ روحي حتّى أرد عليه السّلام) أي ردّ توجّه روحي من الصّلات الأزليّة المعبر عنها بـ ( اللّهم الرّفيق الأعلى ) إلى الصّلاة الأبديّة المعبر عنها بـ ( وصلّ عليهم إنّ صلواتك سكن لهم) .
34. وفي المضارعة دلالة على إستمراريّة التّجليات الواحديّة الأبديّة، المتوقفة على الوساطة المحمّديّة، والمعبر عنها هنا بصلاة الله عليه، وماهي في الحقيقة إلّا علينا، فأمرنا سبحانه أن نستنزلها عليه، لتفيض علينا بواسطته .
· الفص الثّالث عشر : ما السرّ الجمع في " يصلون" ؟
35. لاشكّ أنّ شؤون الله تعالى لايشاركه فيها أحد، ولكن أراد سبحانه أن يعرفنا بمكانة حبيبه e عنده، حتّى أنّه تنزّل ليكون من جملة المصلّين عليه، كما قال في ( واشهدوا وأنّا معكم من الشّاهدين) .
36. جمع سبحانه الملائكة معه في مضمار واحد، ليقول لنا أنّه من صلّى على حبيبي e، سيدخل إلى حضرة الجمع بي .
37. ومن معانيها : إنّ الله يصلّي بملائكته على حبيبه e، أي يسخرهم لخدمة جنابه الشّريف، فيكون الجمع في الآية للملائكة لا لله تعالى .
38. وفي إضافة الملائكة وجمعهم بالله تعالى، دلالة على أنّه ليست للملائكة صلاة مستقلّة عليه، بل هم مصلّون بالله سبحانه، إذ أنّ المصلّي الحقيقي هو الله تعالى، ونحن والملائكة في صلاتنا إنّما نرجع أمرها إلى مولاها .
· الفص الرّابع عشر : ما وجه الدّلالة في إضمار الصّلاة الذّاتيّة؟
39. أضمر الحق سبحانه صلاته، وأظهر صلاة الملائكة ـ يصلّون ـ وصلاة المؤمنين ـ صلّوا ـ ، لكون صلاته ذاتيّة هويّة مطلقة، والمطلق لا تقيده العبارة، بل اكتفى بذكر الصّلاة الصّفاتيّة من الملائكة، والصّلاة الفعليّة من البشر .
40. وفي الإضمار إشارة إلى الإجمال الأحدي، وفي صلاة الملائكة والمومنين تفصيل واحدي لذلك الإجمال، فلمّا أن تحقّق e بالصّلات الأزليّة الكلّيّة، أراد الحق سبحانه أن يفصّل له ذلك في عالم الفرق، ليتحقّق بمعاني الحمد المكنون في المحمّديّة، بعد أن حقّقه في الأحمديّة .
41. وكما ّضمر سبحانه الصّلاة الذّاتيّة، فقد أضمر ضمنها طور القابليّة الأحمديّة الخاص بها، فكأنّ مدلول الآية " إنّ الله يصلّي على عبده، وملائكته يصلّون على نبيه، والمومنون يصلّون على رسوله" لأنّ العبوديّة أعلى مقاما من النّبوّة والرّسالة، لهذا وردت في معرض المدح الأفخم في آية الإسراء ( سبحان الذي أسرى بعبده)، فالعبوديّة مقابل : الحقيقة المحمّديّة، والنّبوّة مقابل الرّوح الأعظم، والرّسالة مقابل: الجسد الشّريف.
· الفص الخامس عشر : ما السرّ في حرف " على" ؟
42. لاجرم أنّ حرف "على" يفيد الإستعلاء، ولكن هنا لايكون كذلك ، إلّا جانب الحق سبحانه مع الجناب المحمّدي، فهو تعالى الأوحد الذي يعلو أمره عليه e .
43. أمّا نحن والملائكة، فهو ـ على ـ منّا للتّعبد بالدّعاء فقط، فحينما نقول : { اللّهم صلّ على..} فإنّنا نوكّل هذا التّجلّي المعبر عنه بـ " على " لله تعالى وحده .
· الفص السّادس عشر : ما السرّ في إضمار القابليّة ؟
44. أجل إنّ الحق تعالى لم يقل يصلّون على روح أوجسد أوسرّ .. النّبي، وفي هذا إطلاق لكل الحضرات المحمّديّة، فالصّلاة من الله تعالى بكلّ شؤونه، على الحضرة المحمّديّة بكلّ حضراتها .
· الفص السّابع عشر : ما السرّ في دلالة النّبوّة " النّبي" ؟
45. دلالة على أنّ الصّلاة قديمة قدم نبوته e على هذه الأكوان، حيث يقول : ( كنت نبيّا وآدم بين الرّوح والجسد) وهي باقيّة بقاء نبوته السّاريّة في الإمكان .
46. لافنك أنّ النّبوّة هي السّرّ الذي بينه e وبين ربّه تعالى، والرّسالة هي النذور النّور الذي بينه e وبين الخلق، فكأنّه سبحانه يقول : أنّ الصّلاة عليه هي من الشّأن الخاص الذي لا يدرك .
47. لمّا كان مقام النّبوة يتعامل مع الخواص، ومقام الرّسالة يتعامل مع العوام، أشار لنا سبحانه بأنّ الصّلاة عليه هي من شأن الخواص، الذين يتعاملون مع النّبوّة.
48. فيها إشارة إلى التّعظيم والرّفعة، لأنّ النّبوّة مشتقّة كذلك من العلو والسّمو، فلمّا كانت الآية في معرض تعظيم وتنزيه، ناسبت ذكر النّبوّة .
49. لو قال تعالى: "يصلون على الرّسول" لظنّ البعض أنّ الصّلاة لازمة للرّسالة والبعثة، تبدأ معها وتنتهي معها، فأتى بالنّبوّة ليقول لنا : أنّها صلاة على لازم الكمالe، وأنّها باقيّة ما بقيّت نبوّته .
50. لمّا كانت الصّلاة من شعب الحبّ، ناسبت مقام النّبوّة، ولو كان الأمر بالإتّباع مثلا، لناسب مقام الرّسالة، كما قال تعالى: ( من يطع الرّسول فقد أطاع الله) .
· الفص الثامن عشر : ما دلالة الألف واللاّم في ( النّبي ) ؟
51. واللاّم في " النّبي " هي للعهد الذّهني، أي النّبيe الحقيقي الكلّي الأصلي، الذي تعرفونه كلّكم بحكم الفطرة الأولى، والميثاق المعهود .
52. أوقل اللاّم هنا للعهد الحضوري أي: النّبيe الحاضر بينكم قديما وحديثا، وهذا يتناسب مع مقام النّبوّة التي من شأنها الديمومة، والسّريان في الأكوان بالإمداد .
· الفص التّاسع عشر : ما الدّلالة في أداة النّداء (يا) ؟
53. إنّ سياق الخطاب المشتمل على جمع الأملاك ووصلهم بالله تعالى، مع نداء المؤمنين بأداة النّداء البعيدة، يوحي بأنّهم منفصلون عن ربّهم، ويريد الله سبحانه أن يدلّهم على ما يصلهم به، وهي الصّلاة على الحبيبe .
· الفص العشرون : ما الدّلالة في الإسم الموصول ( الذين ) ؟
54. دلالة الإسم الموصول في التّخصيص، أي يا أخص المؤمنين، وهذا أوكد من أن يقول يا أيه المومنون، ولهذا قال ( آمنوا صلوا) أي إن أردتم أن تزيدوا في الإيمان، فتكونوا من أهل الإحسان والعرفان فصلّوا عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
ورضي اللّه عن شيخنا الجّيلاني وعن أتباعه وورثته إلى يوم الدّين
تمهيد :
إنّ بحر القرآن العظيم خضمّ، لاسيما إذا تطرّقت آياته الجناب الإلهي أو النّبوي، وإنّ المفسّرين وإن أجادوا في اجتهاداتهم، إلّا أنّها مع المحيط المطلق كلا شيء .
واليوم ومع ظهور ما يسمى بالتّفسير الموضوعي، كتخصيص للأهليات، واحترام للمجالات، طالما تشوّقنا وتشوّفنا إلى من يمس الموضوع الرّوحاني في الكتاب والسّنة، ولكنّ السّاحة خاوية على عروشها.
فتجرّأت بحكم انتسابي للمشرب المحمّدي الصّافي، أن ألخّص فتوحات العارفين حول آية " الصّلاة والسّلام" والتي هي أعجوبة في العرفان والوجدان، ولاغرو فإنّها من كنوز القاموس المطمطم.
مطلب
ولاريب أنّ هذه الآيات التي تتعلّق بالجناب الشّريف، تحتاج في تفسيرها وتأويلها إلى ذوق عميق، وإلهام مركّز، لأنّ المستوى رفيع منيع.
وكما أنّ السّادة العارفين يحترمون كلّ التّخصّصات، فياحبّذا لو احترم أرباب المجالات الأخرى، الجانب العرفاني في القرآن والسّنّة، فلا يهجموا ولا يتجرّؤوا عليه، جهلا أو تجاهلا.
ومن أراد أن يؤمن بأنّ لكل فنّ أربابه، فليطالع مابين يديه من التّفاسير لهذه الآية الكريمة، ثمّ لينظر إلى هذا المختصر البدائي، مع أنّه بكلّه ماهو إلّا من قبيل التّفسير الإشاري، الذي له روابط بحروف الآية، أمّا التفسير الباطن والذي يخوض في الآية من وراء اللّغة والكتابة، فذاك هو الفضاء المطلق .
﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾
· الفص الأول : ما سرّ التّوكيد في بداية الآية " إنّ "؟
1. فيه التّوكيد على مقام الصّلاة الأعظم، الذي هو من الكمالات الأحمديّة، بل فيه إشارة إلى عزّة الصّلاة وغرابتها عنّا، وهذا من قبيل "الإخبار الإنكاري" عند البلاغيين، وذلك على حسب المخاطب، فإذا كان الخبر غريب عليه متردّد في قبوله، إستوجب حين ذاك التأكيد .
2. توكيد على وجوب الصّلاة عليه e، بعدما أكدها بقيام ذاته هو سبحانه بالصّلاة عليه، لنعلم أنّ من وراء ذلك سرّ عظيم .
· الفص الثّاني : ما السرّ في إختيار حرف التّوكيد " إنّ "؟
3. لما تحمله من إشارة خفيّة إلى الصّلة العينيّة، لأنّ الألف يشير إلى الأحديّة، والنّون تشير إلى الحقيقة المحمّديّة، فكأنّ الصّلاة دائرة ما بين الأحديّة والأحمديّة .
4. وإن نظرت إليها من جهة "حساب الجمل"، فالألف مرتبته إشارة إلى الحضرة الأحديّة، والنّون مرتبتها إشارة إلى الدوائر الكونية، وفي هذا دلالة على أنّ الصّلاة هنا ستكون في عالم الواحديّة، أي حال نزوله e وحلوله في الأكوان، وهذا هو مقام ( إنّي أبيت عند ربّي ) .
· الفص الثّالث : ما سرّ ذكر " لفظ الجلالة " دون غيره ؟
5. صلّى بلفظ الجلالة ـ الله ـ الذي هو علم على الذّات الأقدس، لأنّهe ذاتي المحتد والمورد، فالصّلاة حالئذ تكون هويّة أحديّة، لا مطمع لأولي العزم في إدراكها كنهها، فضلا عمّن دونهم .
6. ولكون لفظ الجلالة محيط بالأسماء الإلهيّة، هيمنة الذّات على الصّفات، فكأنّ الصّلاة جاريّة من كلّ الأسماء بلا استثناء، وفي هذا ردّ على من قيّد الصّلاة بالرّحمة، فأين بقيّة التّجليّات إذا ؟!
· الفص الرّابع : ما السّرّ في ذكر صلاته Y " إنّ الله"؟
7. للتّوكيد على أهمّيّة الصّلاة عليه e، فكأنّه يقول : إذا كان الرّبّ سبحانه بكبرياءه وعظموته يصلّي عليه، فلا بدّ على خلقه أن يسارعوا إلى التّعلق بجنابه e .
8. إنّ هذا ديدنه سبحانه في التّعلّق بالحبيب e، فإذا أمرنا بشيء من ذلك، كفاه هو أولا بذلك، مصداقا لقوله تعالى : ( أليس الله بكاف عبده ) وقوله تعالى ( إلّا تنصروه فقد نصره الله) وقوله تعالى : ( فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين) ..
9. لإظهار مقام حبه تعالى لحبيبه e، بأنّه هو الحبيب المصطفى المختارe .
· الفص الخامس : سرّ التّثنيّة بالملائكة " وملائكته" ؟
10. ذكر الملائكة للتّأسّي بهم ، فكأنّه يقول : هاهم الملائكة على ما هم عليه من الصّفاء والعلو، ولكنّهم متعلّقون بالجناب الشّريف، فكيف بكم أنتم ؟!
11. لبيان قدر الحضرة المحمّديّة عند الله تعالى، حيث أنّ الملائكة يتقرّبون بالصّلاة عليهe.
12. والملائكة هنا : إشارة إلى تجلي الأسماء، لأنّ الملك مشتق من المُلك، وسموا بذلك لمّا كانوا مظاهر للأسماء الجبروتيّة، فبعدما ذكر سبحانه صلاته الذّاتيّة ثنّى بصلاته الأسمائيّة، ثمّ أمر المومنين أن يثلّثوها بالصّلاة الأفعاليّة، ليتحقّق بهذا كثرة الحمد الموعودة للذّات المحمّديّة "سيّدنا محمّدe" .
· الفص السّادس : ما السرّ في ربط الملائكة به تعالى " ملائكته"؟
13. جاء الضّمير المضاف إليه سبحانه، ليقول لنا : من أراد أن يتّصل بي عن قرب، فليصلّ على حبيبي e .
14. والضّمير المتّصل في " ملائكته" يقتضي إستغراق كل الأملاك، وأنهم كلّهم بلا استثناء يصلّون عليه .
15. فيها إشارة إلى أنّ صلاة الملائكة عليه e، أبلغ من سجودهم لسيّدنا آدمu، لأنّه قال في آيتها : ( وإذ قال ربّك للملائكة ) ولم يقل ملائكته .
16. بل إنّ السّجود هذا ما كان إلّا لأجله e، بدلالة ضمير المخاطب في ( ربـّك ) والضمير هنا يشير إلى المحتديّة المحمّديّة، ولهذا قالوا أنّ الملائكة ماسجدت إلّا لنور الحقيقة المحمّديّة، الذي لاح لهم من خلف الآدميّة، ويقول سيدي علي وفا:
لَو أبـصَرَ الشيطانُ طلعةَ نُورِهِ
في وجهِ آدمَ كان أولَ مَن سَجَدْ
· الفص السّابع : ما السرّ في تقديم ذكره تعالى وملائكته على الأمر؟
17. لم يقل سبحانه "يأيها الذين آمنوا صلوا..فإنّ الله وملائكته يصلون.." بل قدّم ذكره وملائكته المقرّبين، وفي هذا زيادة في الإغراء، وتوكيد على الحجّة، ولذا قالوا لولم يأمرنا سبحانه بالصّلاة عليه e، واكتفى بذكر صلاته تعالى وملائكته، لكفى هذا حجّة على الوجوب .
18. وإنّ في تقديم ذكره سبحانه وملائكته، مافيه من إعلاء شأنه e، حيث بادر سبحانه بذاته أوّلا في الصّلاة، ثمّ ثنّى بملائكته المقدّسين، وهذا غاية التّشريف .
19. وإنّ في التّقديم هذا، دلالة على إستغناءه وكفايتهe بالله تعالى، أي إنّكم مؤمورون بالصّلاة عليه e، فإن لم تمتثلوا فإنّ الله وملائكته يصلّون، فلا حاجة لصلاتكم، بل ماهي إلّا تحصيل حاصل في الحالتين .
· الفص الثامن : ماهيّة صلاة الله تعالى ؟
20. المتفق عليه عند المحققين أنّها إشارة إلى الصّلة العينيّة، بين الحضرة الأحديّة والحقيقة المحمّديّة، ولا جرم أنّ الصّلة بين حضرتين مجهولتين، تكون مجهولة، فلا يجوز أن نعيّـنها بتكييف، ولا أن نحدّدها بتوصيف.
21. ذلك في الحقيقة، وأمّا في التّنزّل فهي تجليات الحضرة الإلهية بكل ما يطلبه الإمكان، على حضرة الواسطة العظمى e ، ليفيض بها على كلّ ذرّة في الأكوان، بشاهد : ( الله المعطي وأنا القاسم)، فمن هنا وجبت علينا الصّلاة عليه، شكرا للقاسم، وتوسّلا بالواسطة e .
· الفص التّاسع : ماهيّة صلاة الملائكة الكرام ؟
22. هي تعلّقهم بالجناب المحمّدي الشّريف، ودّا وتعظيما وتقديسا ..، جبلّة روحانيّة .
23. وهم يشاركوننا كذلك في الذّكر بالصّلاة عليه e، حيث يوكلون أمرها إلى مولاه، بموجب العجز عن الوفاء بحقه العظيم e.
· الفص العاشر : ماهيّة صلاة المومنين ؟
24. صلاتنا نحن هي إرجاع الأمر إلى مولاه سبحانه، ليوفّيه حقّ قدره العظيمe، وذلك بلازم العجز ، كما تعطيه دلالة النّصوص، فالقرآن يقول : ( صلّوا عليه) والسّنّة في معرض التّعليم تقول: ( قولوا اللّهم صلّ على ..) .
25. أنّها عبادة لله تعالى وذكر له، لأنّنا بمجرد الذكر بها تجزل لنا الحسنات والدّرجات، وتتنزّل علينا الأنوار والأسرار.
26. أنّها وسيلة إلى الله تعالى ليفيض علينا بعائد صِلاتها، فلمّا كان هو الواسطة العظمى في الإمداد، كان لابدّ علينا أن نتوسّل بجنابه ليتفضّل ربّنا علينا، وهذا ما دلّ عليه حديث : ( من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرا) ولم يقل صلّى الله عليّ بها !، وكأنّ الفائدة من صلاتنا عليهe، هي أن يصلّي الله علينا فقط.
· الفص الحادي عشر: لماذا لم تذكر الآية صلاة الأنبياء عليه ؟
27. لأنّ الصّلاة مستمرّة بصيغة المضارع، وعامة النّاس لا يعتقدون أنّ ساداتنا الأنبياء عليهم السّلام أحياء قائمون في الحضرة كالملائكة.
28. أنّ محك الآية هو حول مقان النّبوّة عينها، أن تعظّم وتمجّد وتحمد، فمن لازال يعتقد في ساداتنا الأنبياء عليهم السّلام، أنّهم بشر مثلنا كيف يأتسي بهم؟! وتامّل قوله تعالى : ( وقالوا لوشاء ربّنا لأنزل ملائكة ).
29. أنّ القرآن جاء مراعيّا لأهل الكتاب المتربّصين به، فلو ذكر لهم شأن تعلّق أنبياءهم السّابقين به، لزادهم نفورا وغرورا !
· الفص الثّاني عشر : ما السرّ في صيغة المضارعة " يصلون" ؟
30. لا شك أنّ الفعل المضارع يفيد الحاضر، أي أنّ إمداد الله تعالى ـ صلاته ـ حاضر مع حبيبه eفي كلّ زمان ومكان، مصداقا لقوله تعالى : ( ماودعك ربّك وماقلى) فلم يقل سبحانه صلّى وانقضى، ولاسيصلّي أبدا، بل إنّه e دائم الإتّصال بالحضرة بشاهد الحديث : ( إنّي أبيت عند ربّي ) .
31. وإنّ الفعل المضارع يفيد الاستمرار، وهو في حق الله شأن أزليّ منزه عن القبل والبعد..، فصلاته سبحانه قديمة أزليّة ، وأمّا في حق ساداتنا الملائكة فهي سرمديّة بلا نهاية.
32. جاءت الصّلاة بصيغة أزليّة، لتؤكد لنا أقدميّة الحضرة المحمّديّة، وأنّه e أوّل مخلوق على الإطلاق، ولتؤكد لنا بصيغة أبديتها ديمومة أنواره السّارية في الوجود، مادامت الصّلاة عليه .
33. وفي صيغة المضارع دلالة على حياته الدّائمة e، فإنّ هذا التّجلي لا يكون على ميّت غافل، بل على حيّ قريب e وهذا معنى قوله e: (ردّ الله عليّ روحي حتّى أرد عليه السّلام) أي ردّ توجّه روحي من الصّلات الأزليّة المعبر عنها بـ ( اللّهم الرّفيق الأعلى ) إلى الصّلاة الأبديّة المعبر عنها بـ ( وصلّ عليهم إنّ صلواتك سكن لهم) .
34. وفي المضارعة دلالة على إستمراريّة التّجليات الواحديّة الأبديّة، المتوقفة على الوساطة المحمّديّة، والمعبر عنها هنا بصلاة الله عليه، وماهي في الحقيقة إلّا علينا، فأمرنا سبحانه أن نستنزلها عليه، لتفيض علينا بواسطته .
· الفص الثّالث عشر : ما السرّ الجمع في " يصلون" ؟
35. لاشكّ أنّ شؤون الله تعالى لايشاركه فيها أحد، ولكن أراد سبحانه أن يعرفنا بمكانة حبيبه e عنده، حتّى أنّه تنزّل ليكون من جملة المصلّين عليه، كما قال في ( واشهدوا وأنّا معكم من الشّاهدين) .
36. جمع سبحانه الملائكة معه في مضمار واحد، ليقول لنا أنّه من صلّى على حبيبي e، سيدخل إلى حضرة الجمع بي .
37. ومن معانيها : إنّ الله يصلّي بملائكته على حبيبه e، أي يسخرهم لخدمة جنابه الشّريف، فيكون الجمع في الآية للملائكة لا لله تعالى .
38. وفي إضافة الملائكة وجمعهم بالله تعالى، دلالة على أنّه ليست للملائكة صلاة مستقلّة عليه، بل هم مصلّون بالله سبحانه، إذ أنّ المصلّي الحقيقي هو الله تعالى، ونحن والملائكة في صلاتنا إنّما نرجع أمرها إلى مولاها .
· الفص الرّابع عشر : ما وجه الدّلالة في إضمار الصّلاة الذّاتيّة؟
39. أضمر الحق سبحانه صلاته، وأظهر صلاة الملائكة ـ يصلّون ـ وصلاة المؤمنين ـ صلّوا ـ ، لكون صلاته ذاتيّة هويّة مطلقة، والمطلق لا تقيده العبارة، بل اكتفى بذكر الصّلاة الصّفاتيّة من الملائكة، والصّلاة الفعليّة من البشر .
40. وفي الإضمار إشارة إلى الإجمال الأحدي، وفي صلاة الملائكة والمومنين تفصيل واحدي لذلك الإجمال، فلمّا أن تحقّق e بالصّلات الأزليّة الكلّيّة، أراد الحق سبحانه أن يفصّل له ذلك في عالم الفرق، ليتحقّق بمعاني الحمد المكنون في المحمّديّة، بعد أن حقّقه في الأحمديّة .
41. وكما ّضمر سبحانه الصّلاة الذّاتيّة، فقد أضمر ضمنها طور القابليّة الأحمديّة الخاص بها، فكأنّ مدلول الآية " إنّ الله يصلّي على عبده، وملائكته يصلّون على نبيه، والمومنون يصلّون على رسوله" لأنّ العبوديّة أعلى مقاما من النّبوّة والرّسالة، لهذا وردت في معرض المدح الأفخم في آية الإسراء ( سبحان الذي أسرى بعبده)، فالعبوديّة مقابل : الحقيقة المحمّديّة، والنّبوّة مقابل الرّوح الأعظم، والرّسالة مقابل: الجسد الشّريف.
· الفص الخامس عشر : ما السرّ في حرف " على" ؟
42. لاجرم أنّ حرف "على" يفيد الإستعلاء، ولكن هنا لايكون كذلك ، إلّا جانب الحق سبحانه مع الجناب المحمّدي، فهو تعالى الأوحد الذي يعلو أمره عليه e .
43. أمّا نحن والملائكة، فهو ـ على ـ منّا للتّعبد بالدّعاء فقط، فحينما نقول : { اللّهم صلّ على..} فإنّنا نوكّل هذا التّجلّي المعبر عنه بـ " على " لله تعالى وحده .
· الفص السّادس عشر : ما السرّ في إضمار القابليّة ؟
44. أجل إنّ الحق تعالى لم يقل يصلّون على روح أوجسد أوسرّ .. النّبي، وفي هذا إطلاق لكل الحضرات المحمّديّة، فالصّلاة من الله تعالى بكلّ شؤونه، على الحضرة المحمّديّة بكلّ حضراتها .
· الفص السّابع عشر : ما السرّ في دلالة النّبوّة " النّبي" ؟
45. دلالة على أنّ الصّلاة قديمة قدم نبوته e على هذه الأكوان، حيث يقول : ( كنت نبيّا وآدم بين الرّوح والجسد) وهي باقيّة بقاء نبوته السّاريّة في الإمكان .
46. لافنك أنّ النّبوّة هي السّرّ الذي بينه e وبين ربّه تعالى، والرّسالة هي النذور النّور الذي بينه e وبين الخلق، فكأنّه سبحانه يقول : أنّ الصّلاة عليه هي من الشّأن الخاص الذي لا يدرك .
47. لمّا كان مقام النّبوة يتعامل مع الخواص، ومقام الرّسالة يتعامل مع العوام، أشار لنا سبحانه بأنّ الصّلاة عليه هي من شأن الخواص، الذين يتعاملون مع النّبوّة.
48. فيها إشارة إلى التّعظيم والرّفعة، لأنّ النّبوّة مشتقّة كذلك من العلو والسّمو، فلمّا كانت الآية في معرض تعظيم وتنزيه، ناسبت ذكر النّبوّة .
49. لو قال تعالى: "يصلون على الرّسول" لظنّ البعض أنّ الصّلاة لازمة للرّسالة والبعثة، تبدأ معها وتنتهي معها، فأتى بالنّبوّة ليقول لنا : أنّها صلاة على لازم الكمالe، وأنّها باقيّة ما بقيّت نبوّته .
50. لمّا كانت الصّلاة من شعب الحبّ، ناسبت مقام النّبوّة، ولو كان الأمر بالإتّباع مثلا، لناسب مقام الرّسالة، كما قال تعالى: ( من يطع الرّسول فقد أطاع الله) .
· الفص الثامن عشر : ما دلالة الألف واللاّم في ( النّبي ) ؟
51. واللاّم في " النّبي " هي للعهد الذّهني، أي النّبيe الحقيقي الكلّي الأصلي، الذي تعرفونه كلّكم بحكم الفطرة الأولى، والميثاق المعهود .
52. أوقل اللاّم هنا للعهد الحضوري أي: النّبيe الحاضر بينكم قديما وحديثا، وهذا يتناسب مع مقام النّبوّة التي من شأنها الديمومة، والسّريان في الأكوان بالإمداد .
· الفص التّاسع عشر : ما الدّلالة في أداة النّداء (يا) ؟
53. إنّ سياق الخطاب المشتمل على جمع الأملاك ووصلهم بالله تعالى، مع نداء المؤمنين بأداة النّداء البعيدة، يوحي بأنّهم منفصلون عن ربّهم، ويريد الله سبحانه أن يدلّهم على ما يصلهم به، وهي الصّلاة على الحبيبe .
· الفص العشرون : ما الدّلالة في الإسم الموصول ( الذين ) ؟
54. دلالة الإسم الموصول في التّخصيص، أي يا أخص المؤمنين، وهذا أوكد من أن يقول يا أيه المومنون، ولهذا قال ( آمنوا صلوا) أي إن أردتم أن تزيدوا في الإيمان، فتكونوا من أهل الإحسان والعرفان فصلّوا عليه.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin