· الفص الواحد والعشرون : ما السّرّ في وصفهم بالإيمان في ( آمنوا ) ؟
55. في ذكر المؤمنين تخصيص عمّن دونهم من المسلمين، فلا يصلّي عليه إلّا من ارتقى إلى مقام الإيمان، وهذا من قبيل قوله تعالى : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تومنوا ولكن قولوا أسلمنا) لأنّ مقام الإسلام عام، وهو دون مقام الإيمان الخاص، والصّلاة ترقّيك إلى مقام الإحسان الأخص .
56. وانظر كيف وصفهم بالإيمان ثمّ أمرهم بإحدى شروطه، فمن لا زال لم يصلّي كيف يوصف بالإيمان ؟
57. كأنّ الآية تقول : يا أيها الذين آمنوا زيدوا في إيمانكم، من قبيل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا) أي زيدوا في الإيمان، وذلك بحسب التّدريج في السّلوك، فالدّين إسلام فإيمان فإحسان .
58. أو تكون دلالة الإيمان هنا راجعة على أقرب غيب، وهو الإيمان بصلاة الله وملائكته عليه e، فيا من آمن بأنّ الله يعظّم ويمجّد ويثني على حبيبه e، صلّ عليه بدافع التّقديس، ومنطلق الإيمان بكمالاته المحمّديّة .
· الفص الثّاني والعشرون : ما دلالة صيغة الماضي في ( آمنوا ) ؟
59. كأنّ المخاطب بقوله ( آمنوا ) هم الوجود بكلّه، علوه وسفله، بمقتضى الفطرة الواحديّة، السّاريّة من أنوار النّبوّة الأحمديّة، المعبر عنها بـ ( كنت نبيا وآدم بين الرّوح والجسد)، وذلك حينما آمن به كلّ شيء قديما، بشاهد ( وإن من شيء إلّا يسبح بحمده)، ويوم القيامة سنسأل عنها ( شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين) .
· الفص الثّالث والعشرون : ما الدلالة في فعل الأمر " صلّوا " ؟
60. صرّح بفعل الأمر ليلا يبقى شك ولا تأويل في وجوب الصّلاة عليه e، ولكنّها مع هذا وقد لاقت تأويلا وتمييعا .
61. وللأمر هنا دلالة على ولايتها لنا، وسيّادته عليناe، حيث أوجب علينا الحق سبحانه أن نصلي عليه، توكيدا على حق النّبوّة علينا .
62. وقد عبر هنا بالفعل الذي يفيد الحركة والإنفعال، ولم يعبر عنه بالإسم الذي يفيد الجمود، ليعلمنا أنّ سرّ الصّلاة فعّال في المؤمنين، وهو مناسب للإيمان الذي يزيد وينقص، فهي معراج للسّالكين، ورفرف للواصلين .
· الفص الرّابع والعشرون : ما السرّ في إضمار إسمه في " عليه" ؟
63. أضمر سبحانه إسمه e في صلاة المؤمنين ولم يحدد أيّ حضرة، ليصلّي كلّ منّا بما يناسبه، فمنّا من يصلّي على الحبيبe، ومن يصلّي على النّبيe، ومن يصلّي على الرّسولe .
64. لم يقل في حقنا نحن " صلّوا على النّبي " لأنّ مقام الصّلاة على النّبوّة خاص بالمقرّبين، والآية تشريع عام .
· الفص الخامس والعشرون : ما السرّ في الصّلاة على الغائب في " عليه" ؟
65. لمّا كان e في الملإ الأعلى بنبوته، والصلاة على مقام "النّبوّة" كانت ولازالت قائمة في الحضرة، أمرنا سبحانه أن نصلّي عليه نحن من مقام "الرّسالة" فيكون الضمير الغائب مشيرا إلى العهد، أي صلوا على الرّسول الذي تعرفونه .
66. وردت الصّلاة في حق الله تعالى وملائكته بصيغة الحاضر، وفي حقنا بصيغة الغائب، لأنّهe لا يغيب عن تلك الحضرة، أمّا نحن فالغالب علينا الغيبة عنه، ولهذا ورد السّلام في جانبنا " وسلّموا"، ولم يرد في جانب الحضرة، لأنّ السّلام على من غاب ثمّ آب .
67. لمّا كنّا نتعامل مع حضرة الرّسالة، وكانت حضرة النّبوّة غيب عنّا، جاءت الصّلاة بصيغة الغائب .
68. ومن دلائل الإضمار عند البلاغيين، أنّه يفيد التّفخيم والتّبجيل، وهو ما يتناسب مع وصف النّبوّة التي رجع الضّمير إليها .
· الفص السّادس والعشرون : ما سرّ الفرق بين الصلاة والسّلام بـ ( عليه)؟
69. ومن دلائل الفرق بين الأمر بالصّلاة والسّلام بعليه، أنّهما مفترقين في الماهيّة، وفي الكيفيّة، وفي الأجر.
70. وفي ذلك إشارة إلى أنّ الصّلاة عليه e تتعدّى بـ (عليه) ، فنقول : " اللّهم صل على" ولكنّ السّلام ليس من جنس ما يتعدّى بعلى، بل هو تسليم له .
71. لم يقل في جانب المؤمنين صلوا على النبيء، تنزيها لمقام النّبوّة عن أن يستعلى عليها فعل، فأضافها إلى الضمير وذلك أخف، ولكن لما كان ذلك في الملائكة؟
أقول لأنّهم أضيفوا إلى فعل الله تعالى، فهم فانون عن إراداتهم باقون بالإرادة الإلهيّة، فالله هو المصلّي حقيقة، أمّا نحن فلا زلنا بأنفسنا، فلهذا لم يرضى أن يعلو فعلنا على مقام النّبوّة، حتّى ولو بمجرد الحرف " على" .
· الفص السّابع والعشرون : ماهيّة السّلام في قوله " وسلّموا"؟
72. قد يكون السّلام عليهe بمعنى التّحيّة له، وهو ما يؤكده حديث الصّلاة الإبراهيميّة، حينما قال بعدها : ( والسّلام كما علمتم) وهو صيغة السّلام الإلهي على حبيبه ليلة المعراج: " السّلام عليك أيها النّبي ورحمة الله وبركاته" .
73. والتّحيّة بالسّلام معناها، أنّك تقول لمن تسلّم عليه، أنّني أعطيتك الأمان والسّلام منّي، وهذا في جانب النّبوّة أوكد، بأن نسلّمه e من أنفسنا ظاهرا وباطنا.
74. ويكون بمعنى التّسليم له e في أوامره وفي كمالاته، وإنّ المتبصّر بسياق الآية وسباقها ولحاقها، سيرى بأنّها تهدي إلى تعزير وتنزيه الجناب الأعظم، وهذا ما يتناسب مع ورود السّلام هنا، ونظيرها قوله تعالى : ( فلا وربّك لايؤمنون حتّى يحكموك فيما شجر بينهم ويسلّموا تسليما ) .
· الفص الثّامن والعشرون : ما سرّ التّوكيد في قوله " تسليما"؟
75. لمّا علم سبحانه طبيعة النّفوس البشريّة وما فيها من الشّرود، أكّد عليها التّسليم لأمرهe ، ولم يأمر الملائكة بذلك ولم يؤكد عليهم .
76. لمّا كانت تغلب علينا الغفلة عن باب الحضورe، أكّد علينا سبحانه السّلام كتحيّة للإتّصال به، فكثرة الغفلة تقتضي كثرة السّلام.
· الفص التّاسع والعشرون : لماذا لم يذكر السّلام في جانب الله وملائكته ؟
77. لم يذكر سبحانه السّلام في جانب الله وملائكته، بل قال : ( يصلّون على النبيء) فقط، لأنّ السّلام يكون على من غاب ثمّ آب، وهوe دائم الحضور مع الله تعالى وملائكته .
78. وأمّا إن كان السّلام بمعنى التّسليم لأوامره e، فإنّ حضرة الملائكته لمّا كانوا مجبولين على الإيمان والتّسليم، فلا يحتاجون إلى أمر ولا إلى توكيد .
79. لمّا كان السّلام هو التّسليم لهe فيما أمره الله تعالى بتبليغه، لم يتناسب هذا مع ذكر السّلام، فكيف يسلّم الرّبّ سبحانه لما أمر به ؟!
· الفص الثّلاثون: ما الدّلالة في تقديم الصّلاة على السّلام ؟
80. وفي تقدّم حكم الصّلاة هنا على حكم السّلام، دلالة على أفضلية الصّلاة على السّلام، ظاهرا وباطنا، لهذا لم يأتي السّلام في جانب الحضرة الإلهية والملكيّة .
81. وفي تقدم الصّلاة هنا ، مع تأخرها عن السّلام نزولا، لقولهe : ( والسّلام كما علمتم) يدلّ على ما في الصّلاة من سرّ عظيم، حتّى أنّ الشرع رفق بنا وبدأ بالسّلام في التّكليف .
· الفص الواحد والثّلاثون: ما السّر في مجيء الآية ( جملة إسميّة) ؟
82. مجيء الجملة إسميّة ، ذلك لتقويّة الخبر ، وفي تقوية الخبر توكيد لأمر الوجوب بالصّلاة .
· الفص الثاني والثّلاثون : ما السّر في تقديم الأسلوب الخبري على الإنشائي ؟
83. وفي تقديم الأسلوب الخبري ـ الذي في مقدّمة الآية ـ على الأسلوب الإنشائي الأمري ـ الذي ختمت به الآية ـ نوع من الإستئناس بالأمر، لأنّ النّفوس تنفر من المبادهة بالأمر، فبادرها الحق سبحانه بالخبر إستئناسا، ولاغرو فإنّ الصّلاة بكلّها رحمة، في أمرها وفي ثمرتها .
· الفص الثّالث والثّلاثون : ما سرّ دلالة السياق في الآية الكريمة؟
84. إنّ المتأمّل في سياق الآية الكريمة، يرى بأنّه كان يؤسّس لمعنى الأدب والتّعظيم والتّنزيه لجناب النّبوّة، بل السّورة بكلّها تدندن حول التّعلّق بالحبيب e .
85. وعليه فإنّ معنى الصّلاة تكون له مناسبة مع هذا السّياق، ومن هنا قلنا بأنّ الصّلاة معناها العام هو التّعلّق بكلّ مقاماته الإثني عشر: " الحب، والإيمان، والتّوقير، والصّلاة، والإتّباع، والمعرفة، والنّصرة، والشكر، والنصيحة له، والزيارة، والتّوسل، والولاء لأهل بيته وأصحابه".
· الفص الرّابع والثّلاثون : ما سرّ دلالة اللّحاق في الآية الكريمة؟
86. وهناك دلالة قويّة، وصلة وطيدة بين آية الصّلاة والآية التي تليها مباشرة، في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) فالذين لايصلّون عليه e، هم الذين يؤذون الله ورسوله e.
· الفص الخامس والثّلاثون: ما دلالة تأخر نزول آية الصّلاة على السّلام ؟
87. ولقد تأخّر نزول آية الصّلاة إلى العهد المدني، وتقدم فرض السّلام في العهد المكي، منذ سنّ التّشهد في الصّلاة، ولذا قال e: ( والسّلام كما علمتم) .
وفي هذا دلالة على التّدرج في الأحكام بحسب القوابل، كما تدرج إظهار الإسراء والمعراج، وماذلك إلّا لعظم شأن الصّلاة وغور كنهها، حتّى لمّا استعلموه عن كيفيّة الصّلاة قال e: (إنّ هذا من العلم المكنون، ولولا أنّكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به) .
88. ولأنّ الصّلاة شأنها خطير، لم تفرض في العهد المكي، الذي يسوده الكفر والعناد، فأخرت إلى العهد المكي الذي يسوده التوقير والتّسليم، ولهذا قال سبحانه بعدها ( وسلّموا تسليما) أي إنّ الملائكة من قديم تصلّي، أمّا أنتم فقد تأخر أمركم بهذا، لعدم تأهلكم لقبولها..
· الفص السّادس والثّلاثون: ما دلالة الإجمال في الآية ؟
89. ونرى أنّ في الآية إجمالا يفضي إلى إبهام، حيث لم تفصّل في معنى الصّلاة الإلهيّة، ولاكيف صلّت الملائكة، ولا كيف يصلّي المؤمنون، في الحين الذي يفصّل فيه القرآن في قصّة نّملة أو بقرة ..
وهذا إنّما يدلّ على عزّة معناها وإطلاق غايتها، كما فعل ذلك في سورة الإخلاص، والتي تعرّف بأعلى حقيقة وهي الذّات الأقدس، ولكنّه أجمل فيها سبحانه، مصداقا لقوله : ( قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) .
· الفص السّابع والثّلاثون: ما السّر في نزول الآية في شهر شعبان ؟
90. ولقد ورد أنّ آية الصّلاة نزلت في شهر شعبان، وهذا يتناسب مع ما لهذا الشهر من صلة بالحبيب حيث يقولe : ( رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمّتي) .
55. في ذكر المؤمنين تخصيص عمّن دونهم من المسلمين، فلا يصلّي عليه إلّا من ارتقى إلى مقام الإيمان، وهذا من قبيل قوله تعالى : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تومنوا ولكن قولوا أسلمنا) لأنّ مقام الإسلام عام، وهو دون مقام الإيمان الخاص، والصّلاة ترقّيك إلى مقام الإحسان الأخص .
56. وانظر كيف وصفهم بالإيمان ثمّ أمرهم بإحدى شروطه، فمن لا زال لم يصلّي كيف يوصف بالإيمان ؟
57. كأنّ الآية تقول : يا أيها الذين آمنوا زيدوا في إيمانكم، من قبيل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا) أي زيدوا في الإيمان، وذلك بحسب التّدريج في السّلوك، فالدّين إسلام فإيمان فإحسان .
58. أو تكون دلالة الإيمان هنا راجعة على أقرب غيب، وهو الإيمان بصلاة الله وملائكته عليه e، فيا من آمن بأنّ الله يعظّم ويمجّد ويثني على حبيبه e، صلّ عليه بدافع التّقديس، ومنطلق الإيمان بكمالاته المحمّديّة .
· الفص الثّاني والعشرون : ما دلالة صيغة الماضي في ( آمنوا ) ؟
59. كأنّ المخاطب بقوله ( آمنوا ) هم الوجود بكلّه، علوه وسفله، بمقتضى الفطرة الواحديّة، السّاريّة من أنوار النّبوّة الأحمديّة، المعبر عنها بـ ( كنت نبيا وآدم بين الرّوح والجسد)، وذلك حينما آمن به كلّ شيء قديما، بشاهد ( وإن من شيء إلّا يسبح بحمده)، ويوم القيامة سنسأل عنها ( شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين) .
· الفص الثّالث والعشرون : ما الدلالة في فعل الأمر " صلّوا " ؟
60. صرّح بفعل الأمر ليلا يبقى شك ولا تأويل في وجوب الصّلاة عليه e، ولكنّها مع هذا وقد لاقت تأويلا وتمييعا .
61. وللأمر هنا دلالة على ولايتها لنا، وسيّادته عليناe، حيث أوجب علينا الحق سبحانه أن نصلي عليه، توكيدا على حق النّبوّة علينا .
62. وقد عبر هنا بالفعل الذي يفيد الحركة والإنفعال، ولم يعبر عنه بالإسم الذي يفيد الجمود، ليعلمنا أنّ سرّ الصّلاة فعّال في المؤمنين، وهو مناسب للإيمان الذي يزيد وينقص، فهي معراج للسّالكين، ورفرف للواصلين .
· الفص الرّابع والعشرون : ما السرّ في إضمار إسمه في " عليه" ؟
63. أضمر سبحانه إسمه e في صلاة المؤمنين ولم يحدد أيّ حضرة، ليصلّي كلّ منّا بما يناسبه، فمنّا من يصلّي على الحبيبe، ومن يصلّي على النّبيe، ومن يصلّي على الرّسولe .
64. لم يقل في حقنا نحن " صلّوا على النّبي " لأنّ مقام الصّلاة على النّبوّة خاص بالمقرّبين، والآية تشريع عام .
· الفص الخامس والعشرون : ما السرّ في الصّلاة على الغائب في " عليه" ؟
65. لمّا كان e في الملإ الأعلى بنبوته، والصلاة على مقام "النّبوّة" كانت ولازالت قائمة في الحضرة، أمرنا سبحانه أن نصلّي عليه نحن من مقام "الرّسالة" فيكون الضمير الغائب مشيرا إلى العهد، أي صلوا على الرّسول الذي تعرفونه .
66. وردت الصّلاة في حق الله تعالى وملائكته بصيغة الحاضر، وفي حقنا بصيغة الغائب، لأنّهe لا يغيب عن تلك الحضرة، أمّا نحن فالغالب علينا الغيبة عنه، ولهذا ورد السّلام في جانبنا " وسلّموا"، ولم يرد في جانب الحضرة، لأنّ السّلام على من غاب ثمّ آب .
67. لمّا كنّا نتعامل مع حضرة الرّسالة، وكانت حضرة النّبوّة غيب عنّا، جاءت الصّلاة بصيغة الغائب .
68. ومن دلائل الإضمار عند البلاغيين، أنّه يفيد التّفخيم والتّبجيل، وهو ما يتناسب مع وصف النّبوّة التي رجع الضّمير إليها .
· الفص السّادس والعشرون : ما سرّ الفرق بين الصلاة والسّلام بـ ( عليه)؟
69. ومن دلائل الفرق بين الأمر بالصّلاة والسّلام بعليه، أنّهما مفترقين في الماهيّة، وفي الكيفيّة، وفي الأجر.
70. وفي ذلك إشارة إلى أنّ الصّلاة عليه e تتعدّى بـ (عليه) ، فنقول : " اللّهم صل على" ولكنّ السّلام ليس من جنس ما يتعدّى بعلى، بل هو تسليم له .
71. لم يقل في جانب المؤمنين صلوا على النبيء، تنزيها لمقام النّبوّة عن أن يستعلى عليها فعل، فأضافها إلى الضمير وذلك أخف، ولكن لما كان ذلك في الملائكة؟
أقول لأنّهم أضيفوا إلى فعل الله تعالى، فهم فانون عن إراداتهم باقون بالإرادة الإلهيّة، فالله هو المصلّي حقيقة، أمّا نحن فلا زلنا بأنفسنا، فلهذا لم يرضى أن يعلو فعلنا على مقام النّبوّة، حتّى ولو بمجرد الحرف " على" .
· الفص السّابع والعشرون : ماهيّة السّلام في قوله " وسلّموا"؟
72. قد يكون السّلام عليهe بمعنى التّحيّة له، وهو ما يؤكده حديث الصّلاة الإبراهيميّة، حينما قال بعدها : ( والسّلام كما علمتم) وهو صيغة السّلام الإلهي على حبيبه ليلة المعراج: " السّلام عليك أيها النّبي ورحمة الله وبركاته" .
73. والتّحيّة بالسّلام معناها، أنّك تقول لمن تسلّم عليه، أنّني أعطيتك الأمان والسّلام منّي، وهذا في جانب النّبوّة أوكد، بأن نسلّمه e من أنفسنا ظاهرا وباطنا.
74. ويكون بمعنى التّسليم له e في أوامره وفي كمالاته، وإنّ المتبصّر بسياق الآية وسباقها ولحاقها، سيرى بأنّها تهدي إلى تعزير وتنزيه الجناب الأعظم، وهذا ما يتناسب مع ورود السّلام هنا، ونظيرها قوله تعالى : ( فلا وربّك لايؤمنون حتّى يحكموك فيما شجر بينهم ويسلّموا تسليما ) .
· الفص الثّامن والعشرون : ما سرّ التّوكيد في قوله " تسليما"؟
75. لمّا علم سبحانه طبيعة النّفوس البشريّة وما فيها من الشّرود، أكّد عليها التّسليم لأمرهe ، ولم يأمر الملائكة بذلك ولم يؤكد عليهم .
76. لمّا كانت تغلب علينا الغفلة عن باب الحضورe، أكّد علينا سبحانه السّلام كتحيّة للإتّصال به، فكثرة الغفلة تقتضي كثرة السّلام.
· الفص التّاسع والعشرون : لماذا لم يذكر السّلام في جانب الله وملائكته ؟
77. لم يذكر سبحانه السّلام في جانب الله وملائكته، بل قال : ( يصلّون على النبيء) فقط، لأنّ السّلام يكون على من غاب ثمّ آب، وهوe دائم الحضور مع الله تعالى وملائكته .
78. وأمّا إن كان السّلام بمعنى التّسليم لأوامره e، فإنّ حضرة الملائكته لمّا كانوا مجبولين على الإيمان والتّسليم، فلا يحتاجون إلى أمر ولا إلى توكيد .
79. لمّا كان السّلام هو التّسليم لهe فيما أمره الله تعالى بتبليغه، لم يتناسب هذا مع ذكر السّلام، فكيف يسلّم الرّبّ سبحانه لما أمر به ؟!
· الفص الثّلاثون: ما الدّلالة في تقديم الصّلاة على السّلام ؟
80. وفي تقدّم حكم الصّلاة هنا على حكم السّلام، دلالة على أفضلية الصّلاة على السّلام، ظاهرا وباطنا، لهذا لم يأتي السّلام في جانب الحضرة الإلهية والملكيّة .
81. وفي تقدم الصّلاة هنا ، مع تأخرها عن السّلام نزولا، لقولهe : ( والسّلام كما علمتم) يدلّ على ما في الصّلاة من سرّ عظيم، حتّى أنّ الشرع رفق بنا وبدأ بالسّلام في التّكليف .
· الفص الواحد والثّلاثون: ما السّر في مجيء الآية ( جملة إسميّة) ؟
82. مجيء الجملة إسميّة ، ذلك لتقويّة الخبر ، وفي تقوية الخبر توكيد لأمر الوجوب بالصّلاة .
· الفص الثاني والثّلاثون : ما السّر في تقديم الأسلوب الخبري على الإنشائي ؟
83. وفي تقديم الأسلوب الخبري ـ الذي في مقدّمة الآية ـ على الأسلوب الإنشائي الأمري ـ الذي ختمت به الآية ـ نوع من الإستئناس بالأمر، لأنّ النّفوس تنفر من المبادهة بالأمر، فبادرها الحق سبحانه بالخبر إستئناسا، ولاغرو فإنّ الصّلاة بكلّها رحمة، في أمرها وفي ثمرتها .
· الفص الثّالث والثّلاثون : ما سرّ دلالة السياق في الآية الكريمة؟
84. إنّ المتأمّل في سياق الآية الكريمة، يرى بأنّه كان يؤسّس لمعنى الأدب والتّعظيم والتّنزيه لجناب النّبوّة، بل السّورة بكلّها تدندن حول التّعلّق بالحبيب e .
85. وعليه فإنّ معنى الصّلاة تكون له مناسبة مع هذا السّياق، ومن هنا قلنا بأنّ الصّلاة معناها العام هو التّعلّق بكلّ مقاماته الإثني عشر: " الحب، والإيمان، والتّوقير، والصّلاة، والإتّباع، والمعرفة، والنّصرة، والشكر، والنصيحة له، والزيارة، والتّوسل، والولاء لأهل بيته وأصحابه".
· الفص الرّابع والثّلاثون : ما سرّ دلالة اللّحاق في الآية الكريمة؟
86. وهناك دلالة قويّة، وصلة وطيدة بين آية الصّلاة والآية التي تليها مباشرة، في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) فالذين لايصلّون عليه e، هم الذين يؤذون الله ورسوله e.
· الفص الخامس والثّلاثون: ما دلالة تأخر نزول آية الصّلاة على السّلام ؟
87. ولقد تأخّر نزول آية الصّلاة إلى العهد المدني، وتقدم فرض السّلام في العهد المكي، منذ سنّ التّشهد في الصّلاة، ولذا قال e: ( والسّلام كما علمتم) .
وفي هذا دلالة على التّدرج في الأحكام بحسب القوابل، كما تدرج إظهار الإسراء والمعراج، وماذلك إلّا لعظم شأن الصّلاة وغور كنهها، حتّى لمّا استعلموه عن كيفيّة الصّلاة قال e: (إنّ هذا من العلم المكنون، ولولا أنّكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به) .
88. ولأنّ الصّلاة شأنها خطير، لم تفرض في العهد المكي، الذي يسوده الكفر والعناد، فأخرت إلى العهد المكي الذي يسوده التوقير والتّسليم، ولهذا قال سبحانه بعدها ( وسلّموا تسليما) أي إنّ الملائكة من قديم تصلّي، أمّا أنتم فقد تأخر أمركم بهذا، لعدم تأهلكم لقبولها..
· الفص السّادس والثّلاثون: ما دلالة الإجمال في الآية ؟
89. ونرى أنّ في الآية إجمالا يفضي إلى إبهام، حيث لم تفصّل في معنى الصّلاة الإلهيّة، ولاكيف صلّت الملائكة، ولا كيف يصلّي المؤمنون، في الحين الذي يفصّل فيه القرآن في قصّة نّملة أو بقرة ..
وهذا إنّما يدلّ على عزّة معناها وإطلاق غايتها، كما فعل ذلك في سورة الإخلاص، والتي تعرّف بأعلى حقيقة وهي الذّات الأقدس، ولكنّه أجمل فيها سبحانه، مصداقا لقوله : ( قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) .
· الفص السّابع والثّلاثون: ما السّر في نزول الآية في شهر شعبان ؟
90. ولقد ورد أنّ آية الصّلاة نزلت في شهر شعبان، وهذا يتناسب مع ما لهذا الشهر من صلة بالحبيب حيث يقولe : ( رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمّتي) .
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin