«عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي »
(1040-1096هـ/1631-1685م)
هو الإمام العلّامة أبو زيد عبد الرحمن ابن الشيخ عبد القادر بن علي بن أبي المحاسن يوسف الفاسي الفِهري، فقيه و عالم. ولد عند زوال يوم الأحد سابع عشر جمادى الأخيرة عام 1040هـ بمنزل والده في العيون من عدوة فاس القرويين. و بها نشأ وحفظ القرآن و هو ابن سبع سنين.
قرأ على كثير من علماء فاس في وقته، على رأسهم والده سيدي عبد القادر الفاسي (تـ 1091هـ)،و عمّه أحمد بن علي الفاسي (تـ 1062هـ)، و قريبه محمد بن أحمد بن أبي المحاسن الفاسي (تـ 1084هـ)، و الشيخ حمدون بن محمد الآبار (صاحب حاشية على ''مختصر خليل'' و فتاوي كثيرة و كان قد تقلد خطة الخطابة بجامع الأندلس بفاس، تـ 1071هـ)، و أحمد بن محمد الزموري (خطتي القضاء والتدريس، تـ 1057هـ)، و محمد ميارة (صاحب الشرحين على ''المرشد المعين على الضروري من علوم'' الدين لابن عاشر، و شرح ''لامية الزقاق''، و شرح ''تحفة ابن عاصم في الأحكام''، تـ 1072هـ)، و أحمد بن محمد القلصادي (تـ 1063هـ)، و محمد بن أحمد الصبّاغ (تـ 1076هـ)، و عبد الرحمان ابن القاضي، ابن عم المؤرخ الشهير أحمد ابن القاضي (كان عالما مشاركا و كانت له دراية كبيرة بعلم القراءات الذي كان يدرسه في جامع القرويين، تـ 1082هـ).
و بعدما تمكن من ناصية العلوم، جلس للتدريس، فكانت حِلَقُه العلميّة منارة تَعُجُّ بشيوخه و أقرانه و طُلّاب العلم، مثل: ابنه محمد (تـ 1134هـ)، و محمد بن محمد البُوعْنَاني (تـ 1063هـ)، و أبو عبد الله عبد الله بن محمد العيَّاشي (تـ 1073هـ) و من في طبقتهم.
و مما عرف به سيدي عبد الرحمن أيضا انكبابه على التأليف في مختلف العلوم، فترك مؤلفات تربو على مائتي كتاب في الحديث، العقائد والفقه المالكي، والقضاء، والتصوف، و الأدب، و التاريخ، و الطب، و الفلك ، و التراجم، و الأنساب، استوفى ابنه محمد ذكرها في الكتاب الذي ألفه في والده الموسوم بـ: ''اللؤلؤ و المرجان في مناقب الشيخ عبد الرحمن''. من أبرز مؤلفاته نذكر:
- في الحديث و الفقه و القضاء: “استطابة التحديث بمصطلح الحديث”، ''مفتاح الشفاء” (أي شفاء القاضي عياض)، “السكينة في تحديث أهل المدينة”، ''ابتهاج الأرواح بنظم كتاب الاقتراح'' (كتاب الاقتراح للسيوطي)، “العمل الفاسي” الذي هو أشهر ما أبدع فيه العلامة عبد الرحمن الفاسي، وهو مؤلف جامع مفيد في الأقضية و الأحكام التي صدرت عن قضاة فاس، نظمه المؤلف في 427 بيت من بحر الرجز ملخصا فيه سلسلة من الصيغ القضائية، و لأنه كتاب مختصر، فقد وضعت له شروح متعددة؛
- في التصوف و التراجم: ''تحفة الأكابر في مناقب الشيخ عبد القادر''، “ابتهاج البصائر فيمن قرأ على الشيخ عبد القادر”، وابتهاج القلوب بخبر الشيخ أبي المحاسن و شيخه المجذوب''، ''أزهار البستان في مناقب الشيخ أبي محمد عبد الرحمن''، “عوارف المنة في مناقب أبي عبد الله محمد فتحا بن عبد الله معن محيي السنة”، و له “بائية في مدح صلحاء فاس” مطلعها:
ألا مل إلى فاس فتلك مني القلب وحدث بها عمن ثوى باطن الترب
وقد عارض بها سينية ابن باديس في مدح الشيخ عبد القادر الجيلاني:
ألا مل إلى بغداد فهي مني النفس وحدث بها عمن ثوى ساكن الرمس
- في الطب: “اختصار أرجوزة ابن سينا في الطب”، “تهذيب المقاصد في الطب من نصبة الموالد”، “الاصطلاح في علاج العرض الهام”، “التلميح في التشريح”، “تفسير الأعشاب” ؛
- في الفلك: ''نخبة الطلاب في عمل الأسطرلاب''، “الانتخاب في عمل الأسطرلاب”، “برقات المعاني في أوقات الأيام والليالي”، و “تحفة الطلاب في عمل الأسطرلاب”، “توجيزالمسهوم من آداب النجوم”، “توسط الكواكب مع درج البروج” ؛
- في الأدب و المنطق و الكلام و الشعر: “العجب في علم الأدب”، “الإتحاف في اختصار الأرداف”، “اختصار السلك في المنطق”، “الأحكام في علم الكلام”، “تمهيد السلاسة في علم الساسة”، “تآليف في صناعة الشعر”، “معارضة قصيدة أبي الشق”، “الجرومية في التغزل”، و له ديوان شعر جمعه ابنه محمد وأدمجه في الجزء الخامس من كتاب “اللؤلؤ والمرجان في مناقب الشيخ عبد الرحمان” الذي وضعه للتعريف بوالده؛
- ''الأقنوم في مبادئ العلوم'': دائرة معارف و هي رجز تعليمي نفيس تناول سيدي عبد الرحمن الفاسي فيها 281 علما كانت معروفة في عصره كالعقائد، و التفسير، و أصول الفقه، و النحو، و المعاني، و العلوم العقلية و التطبيقية... قال في وصفها:
جمعت منها المــوجز القريبا لكي يرى في جـــعه عجيبا
من كل مدخــل إلـــى علــوم ونظمـــه أسميه بالأقنـــوم
شبـه النقــايـة ولكــي أزيـد علما، ومنظــوم لكـي أفـيد
جئت به في قصدها تتميما كيما يكـون جامــع عظــيما
وذاك لمــا رأيـــت الأعتنــــا بما على ما قل منها ودنــا
وددت لو لم تخـل من فنون تزيد والحديث ذو شــــجون
و في الفصل السادس و العشرون المتعلق بالأدب يقول سيدي عبد الرحمن الفاسي:
علم بكيفية إيجــاد الكــلام مع البلاغة بنثـــر أو نظـــام
لابد مـن دراســـة الأخبـــار فيه وعلم سالف الأعصــار
ولينتخ من كلــها صحـــيحة مع جودة العقـول والقـريحة
فيدخل الأحسن فـي كـلامـه بطريق تليــق فـي مقامــه
إلى أن يقول:
وليعــط أرفــع الكلام للـــرفيع من المخاطب ويخفى للوضيع
وليسلك الإيجــــاز في محـله كـل مقــــام مفـــــرد بقــــوله
إذ ليس الاختصــار بالمحـمود في كل ما يــرام من مقــصود
و فيما يتعلق بالأسلوب يقول الفاسي ببراعة وقصد عميق:
وهو عبـارة عــن المــنوال لنسج ما ركــب مـن مثـال
بصورة صارت لدى الخيـال بالذهن كالقالب والمنوال
انتزعت بالذهن مـن أعيان تراكب صحت بها معــاني
يرصها فـي قالــب كــالبنا أنواعها تخـــص فنــا فنـا
و في حديثه عن الذوق يقول الناظم:
والذوق وجــــداني لـــدى الكـــلام في اللسن مثل الذوق في الطعام
إذ بممــارسـة أسلـــــوب الـــــعرب حصلـــــت الملكـــــة التي تحــــب
صاحبها يسمــــــع غيـــر المعتـــــاد له يـــــراه عـــــن لســـــــانه حــــد
فـــــــذلك الــــــذوق يمجـــــــــه به لكونه خــــــــرج عـــن أســـــــلوبه
كانت وفاة سيدي عبد الرحمان الفاسي بفاس يوم الثلاثاء 16 جمادى الأولى عام 1096هـ/20 أبريل 1685م، و دفن بزاوية والده سيدي عبد القادر في حي القلقليين التي كان يدرس بها، وقبره معروف هناك اليوم.
اشتهر عبد الرحمن بحسن خُلقه، و تواضعه، و إنصافه، مما جعل ثلّة من كبار علماء عصره يصفونه بأوصاف حميدة:
- ففيه قال والده: ''سُيُوطِيُّ زَمَانه''،
- و أنشد فيه أبو سالم العيّاشي:
مَا فِـي البَسِيطَةِ طُرّاً مَنْ يُبَارِيكَــــا يَا أَطْيَبَ الـمُنْتَمَى سُبْحَانَ بَارِيكَـــا
وَقَدْ سَبَرْتُ الوَرَى فَلَمْ أَجِدْ أَحَـــــداً مِمَن يَرُومُ العُلَا مِنْهُم يُوَازِيكَـــــا
شَرْقاً وَغَرْباً فَلَمْ يَطْرُقْ مَسَامِعَنَــــا منْ فِي سِنِينِ الصِّبَا يـَجْرِي مَجَارِيكَـا
مَنْ أَلَفَّ الكُتْبَ فِـي سِنِّ البُلُوغِ وَمَـنْ لَهُ بِكُلِّ العُلُومِ كَفَتَاوِيكَــــــــا
غُصْنُ الـمَجَادَة فِـي دَوْحِ السِّيَادَةِ منْ رَوْض الوِلَايَةِ قَدْ جَلَّتْ مَعَالِيكَـــــا
رُقِيتَ فِـي رُتَبِ الـمَجْدِ الأَثِيلِ فَمَــا فِـي عَصْرِنَا أَحَدٌ يَرْقَى مَرَاقِيكَــــا
- و قال فيه محمد بن الطيب القادري: ''اتسعت مشاركته في العلوم، و شاعت براعته في المنظوم، أحد الأعلام الحفّاظ، له الذّوق السليم، و الفتح العظيم، و الغوص على الدقائق، و الاهتداء للّطائف الرّقائق، يأتي بالعجائب، و يحيط بما يدانيه من الغرائب، كثير التقييد، متّسع لكل مفيد، مُقَرَّبٌ مِشْكَار، شامخ لكلّ العزّ و المقدار''،
- و قال محمد بن محمد مخلوف: ''العمدة المحقّق، المتفنّن في العلوم، الحامل لراية المنثور و المنظوم''،
- و قال محمد بن جعفر الكتاني: ''إذا حضر في مجلس فهو الصّدر، و إذا تكلّم في مسألة شفا فيها الغليل''.
- و استدل محمد الأخضر في كتابه بشهادة الباحث لوبينياك في دراسته عن “الفصل المتعلق بالشفعة من العمل الفاسي “هسبريس جزء 26: 1939، ص: 193-239” التي يقول فيها: “يقدم كتاب العمل الفاسي المشهور في الفصل المتعلق بالشفعة مصلحة حقيقية، بما يأتي به من تجديد وتنوع في العمل الفقهي، ويعطي أمثلة متعددة لهذا التطور في الفقه الإيجابي المغربي، الذي يكون أحد ملامحه الأكثر جاذبية لبعض العقول الغربية، فالعمل الموضوع أمام الضرورات والحالات الجديدة، التي لم تكن معروفة عند المؤلفين القدماء، لم يتردد في أن يكيف لها القواعد ويلينها ويدخل الفروق الضرورية ليضمنه للمتقاضين حقا أكثر إنسانية وملائمة لمطامحهم وحاجياتهم، دون أن يتعارض مع القواعد الأساسية للفقه الأصلي؛ وهكذا يبدو، من حين لآخر، أن المبدأ القديم لثبات الفقه الإسلامي، ينبغي أن يراجع بعزم وإقدام”.
و لقد قام برثائه مجموعة من العلماء، من بينهم أبو سالم العياشي الذي يقول في مطلع قصيدته الرثائية:
ما في البسيطة طرا يباريكا يا أطيب المنتمى سبحان باريكا
و يقول عبد الملك التجموعتي في مطلع قصيدته الرثائية:
رحمك يا عبد الرحمان وحماك لولاك ما لذ لي القريض لولاك
(1040-1096هـ/1631-1685م)
هو الإمام العلّامة أبو زيد عبد الرحمن ابن الشيخ عبد القادر بن علي بن أبي المحاسن يوسف الفاسي الفِهري، فقيه و عالم. ولد عند زوال يوم الأحد سابع عشر جمادى الأخيرة عام 1040هـ بمنزل والده في العيون من عدوة فاس القرويين. و بها نشأ وحفظ القرآن و هو ابن سبع سنين.
قرأ على كثير من علماء فاس في وقته، على رأسهم والده سيدي عبد القادر الفاسي (تـ 1091هـ)،و عمّه أحمد بن علي الفاسي (تـ 1062هـ)، و قريبه محمد بن أحمد بن أبي المحاسن الفاسي (تـ 1084هـ)، و الشيخ حمدون بن محمد الآبار (صاحب حاشية على ''مختصر خليل'' و فتاوي كثيرة و كان قد تقلد خطة الخطابة بجامع الأندلس بفاس، تـ 1071هـ)، و أحمد بن محمد الزموري (خطتي القضاء والتدريس، تـ 1057هـ)، و محمد ميارة (صاحب الشرحين على ''المرشد المعين على الضروري من علوم'' الدين لابن عاشر، و شرح ''لامية الزقاق''، و شرح ''تحفة ابن عاصم في الأحكام''، تـ 1072هـ)، و أحمد بن محمد القلصادي (تـ 1063هـ)، و محمد بن أحمد الصبّاغ (تـ 1076هـ)، و عبد الرحمان ابن القاضي، ابن عم المؤرخ الشهير أحمد ابن القاضي (كان عالما مشاركا و كانت له دراية كبيرة بعلم القراءات الذي كان يدرسه في جامع القرويين، تـ 1082هـ).
و بعدما تمكن من ناصية العلوم، جلس للتدريس، فكانت حِلَقُه العلميّة منارة تَعُجُّ بشيوخه و أقرانه و طُلّاب العلم، مثل: ابنه محمد (تـ 1134هـ)، و محمد بن محمد البُوعْنَاني (تـ 1063هـ)، و أبو عبد الله عبد الله بن محمد العيَّاشي (تـ 1073هـ) و من في طبقتهم.
و مما عرف به سيدي عبد الرحمن أيضا انكبابه على التأليف في مختلف العلوم، فترك مؤلفات تربو على مائتي كتاب في الحديث، العقائد والفقه المالكي، والقضاء، والتصوف، و الأدب، و التاريخ، و الطب، و الفلك ، و التراجم، و الأنساب، استوفى ابنه محمد ذكرها في الكتاب الذي ألفه في والده الموسوم بـ: ''اللؤلؤ و المرجان في مناقب الشيخ عبد الرحمن''. من أبرز مؤلفاته نذكر:
- في الحديث و الفقه و القضاء: “استطابة التحديث بمصطلح الحديث”، ''مفتاح الشفاء” (أي شفاء القاضي عياض)، “السكينة في تحديث أهل المدينة”، ''ابتهاج الأرواح بنظم كتاب الاقتراح'' (كتاب الاقتراح للسيوطي)، “العمل الفاسي” الذي هو أشهر ما أبدع فيه العلامة عبد الرحمن الفاسي، وهو مؤلف جامع مفيد في الأقضية و الأحكام التي صدرت عن قضاة فاس، نظمه المؤلف في 427 بيت من بحر الرجز ملخصا فيه سلسلة من الصيغ القضائية، و لأنه كتاب مختصر، فقد وضعت له شروح متعددة؛
- في التصوف و التراجم: ''تحفة الأكابر في مناقب الشيخ عبد القادر''، “ابتهاج البصائر فيمن قرأ على الشيخ عبد القادر”، وابتهاج القلوب بخبر الشيخ أبي المحاسن و شيخه المجذوب''، ''أزهار البستان في مناقب الشيخ أبي محمد عبد الرحمن''، “عوارف المنة في مناقب أبي عبد الله محمد فتحا بن عبد الله معن محيي السنة”، و له “بائية في مدح صلحاء فاس” مطلعها:
ألا مل إلى فاس فتلك مني القلب وحدث بها عمن ثوى باطن الترب
وقد عارض بها سينية ابن باديس في مدح الشيخ عبد القادر الجيلاني:
ألا مل إلى بغداد فهي مني النفس وحدث بها عمن ثوى ساكن الرمس
- في الطب: “اختصار أرجوزة ابن سينا في الطب”، “تهذيب المقاصد في الطب من نصبة الموالد”، “الاصطلاح في علاج العرض الهام”، “التلميح في التشريح”، “تفسير الأعشاب” ؛
- في الفلك: ''نخبة الطلاب في عمل الأسطرلاب''، “الانتخاب في عمل الأسطرلاب”، “برقات المعاني في أوقات الأيام والليالي”، و “تحفة الطلاب في عمل الأسطرلاب”، “توجيزالمسهوم من آداب النجوم”، “توسط الكواكب مع درج البروج” ؛
- في الأدب و المنطق و الكلام و الشعر: “العجب في علم الأدب”، “الإتحاف في اختصار الأرداف”، “اختصار السلك في المنطق”، “الأحكام في علم الكلام”، “تمهيد السلاسة في علم الساسة”، “تآليف في صناعة الشعر”، “معارضة قصيدة أبي الشق”، “الجرومية في التغزل”، و له ديوان شعر جمعه ابنه محمد وأدمجه في الجزء الخامس من كتاب “اللؤلؤ والمرجان في مناقب الشيخ عبد الرحمان” الذي وضعه للتعريف بوالده؛
- ''الأقنوم في مبادئ العلوم'': دائرة معارف و هي رجز تعليمي نفيس تناول سيدي عبد الرحمن الفاسي فيها 281 علما كانت معروفة في عصره كالعقائد، و التفسير، و أصول الفقه، و النحو، و المعاني، و العلوم العقلية و التطبيقية... قال في وصفها:
جمعت منها المــوجز القريبا لكي يرى في جـــعه عجيبا
من كل مدخــل إلـــى علــوم ونظمـــه أسميه بالأقنـــوم
شبـه النقــايـة ولكــي أزيـد علما، ومنظــوم لكـي أفـيد
جئت به في قصدها تتميما كيما يكـون جامــع عظــيما
وذاك لمــا رأيـــت الأعتنــــا بما على ما قل منها ودنــا
وددت لو لم تخـل من فنون تزيد والحديث ذو شــــجون
و في الفصل السادس و العشرون المتعلق بالأدب يقول سيدي عبد الرحمن الفاسي:
علم بكيفية إيجــاد الكــلام مع البلاغة بنثـــر أو نظـــام
لابد مـن دراســـة الأخبـــار فيه وعلم سالف الأعصــار
ولينتخ من كلــها صحـــيحة مع جودة العقـول والقـريحة
فيدخل الأحسن فـي كـلامـه بطريق تليــق فـي مقامــه
إلى أن يقول:
وليعــط أرفــع الكلام للـــرفيع من المخاطب ويخفى للوضيع
وليسلك الإيجــــاز في محـله كـل مقــــام مفـــــرد بقــــوله
إذ ليس الاختصــار بالمحـمود في كل ما يــرام من مقــصود
و فيما يتعلق بالأسلوب يقول الفاسي ببراعة وقصد عميق:
وهو عبـارة عــن المــنوال لنسج ما ركــب مـن مثـال
بصورة صارت لدى الخيـال بالذهن كالقالب والمنوال
انتزعت بالذهن مـن أعيان تراكب صحت بها معــاني
يرصها فـي قالــب كــالبنا أنواعها تخـــص فنــا فنـا
و في حديثه عن الذوق يقول الناظم:
والذوق وجــــداني لـــدى الكـــلام في اللسن مثل الذوق في الطعام
إذ بممــارسـة أسلـــــوب الـــــعرب حصلـــــت الملكـــــة التي تحــــب
صاحبها يسمــــــع غيـــر المعتـــــاد له يـــــراه عـــــن لســـــــانه حــــد
فـــــــذلك الــــــذوق يمجـــــــــه به لكونه خــــــــرج عـــن أســـــــلوبه
كانت وفاة سيدي عبد الرحمان الفاسي بفاس يوم الثلاثاء 16 جمادى الأولى عام 1096هـ/20 أبريل 1685م، و دفن بزاوية والده سيدي عبد القادر في حي القلقليين التي كان يدرس بها، وقبره معروف هناك اليوم.
اشتهر عبد الرحمن بحسن خُلقه، و تواضعه، و إنصافه، مما جعل ثلّة من كبار علماء عصره يصفونه بأوصاف حميدة:
- ففيه قال والده: ''سُيُوطِيُّ زَمَانه''،
- و أنشد فيه أبو سالم العيّاشي:
مَا فِـي البَسِيطَةِ طُرّاً مَنْ يُبَارِيكَــــا يَا أَطْيَبَ الـمُنْتَمَى سُبْحَانَ بَارِيكَـــا
وَقَدْ سَبَرْتُ الوَرَى فَلَمْ أَجِدْ أَحَـــــداً مِمَن يَرُومُ العُلَا مِنْهُم يُوَازِيكَـــــا
شَرْقاً وَغَرْباً فَلَمْ يَطْرُقْ مَسَامِعَنَــــا منْ فِي سِنِينِ الصِّبَا يـَجْرِي مَجَارِيكَـا
مَنْ أَلَفَّ الكُتْبَ فِـي سِنِّ البُلُوغِ وَمَـنْ لَهُ بِكُلِّ العُلُومِ كَفَتَاوِيكَــــــــا
غُصْنُ الـمَجَادَة فِـي دَوْحِ السِّيَادَةِ منْ رَوْض الوِلَايَةِ قَدْ جَلَّتْ مَعَالِيكَـــــا
رُقِيتَ فِـي رُتَبِ الـمَجْدِ الأَثِيلِ فَمَــا فِـي عَصْرِنَا أَحَدٌ يَرْقَى مَرَاقِيكَــــا
- و قال فيه محمد بن الطيب القادري: ''اتسعت مشاركته في العلوم، و شاعت براعته في المنظوم، أحد الأعلام الحفّاظ، له الذّوق السليم، و الفتح العظيم، و الغوص على الدقائق، و الاهتداء للّطائف الرّقائق، يأتي بالعجائب، و يحيط بما يدانيه من الغرائب، كثير التقييد، متّسع لكل مفيد، مُقَرَّبٌ مِشْكَار، شامخ لكلّ العزّ و المقدار''،
- و قال محمد بن محمد مخلوف: ''العمدة المحقّق، المتفنّن في العلوم، الحامل لراية المنثور و المنظوم''،
- و قال محمد بن جعفر الكتاني: ''إذا حضر في مجلس فهو الصّدر، و إذا تكلّم في مسألة شفا فيها الغليل''.
- و استدل محمد الأخضر في كتابه بشهادة الباحث لوبينياك في دراسته عن “الفصل المتعلق بالشفعة من العمل الفاسي “هسبريس جزء 26: 1939، ص: 193-239” التي يقول فيها: “يقدم كتاب العمل الفاسي المشهور في الفصل المتعلق بالشفعة مصلحة حقيقية، بما يأتي به من تجديد وتنوع في العمل الفقهي، ويعطي أمثلة متعددة لهذا التطور في الفقه الإيجابي المغربي، الذي يكون أحد ملامحه الأكثر جاذبية لبعض العقول الغربية، فالعمل الموضوع أمام الضرورات والحالات الجديدة، التي لم تكن معروفة عند المؤلفين القدماء، لم يتردد في أن يكيف لها القواعد ويلينها ويدخل الفروق الضرورية ليضمنه للمتقاضين حقا أكثر إنسانية وملائمة لمطامحهم وحاجياتهم، دون أن يتعارض مع القواعد الأساسية للفقه الأصلي؛ وهكذا يبدو، من حين لآخر، أن المبدأ القديم لثبات الفقه الإسلامي، ينبغي أن يراجع بعزم وإقدام”.
و لقد قام برثائه مجموعة من العلماء، من بينهم أبو سالم العياشي الذي يقول في مطلع قصيدته الرثائية:
ما في البسيطة طرا يباريكا يا أطيب المنتمى سبحان باريكا
و يقول عبد الملك التجموعتي في مطلع قصيدته الرثائية:
رحمك يا عبد الرحمان وحماك لولاك ما لذ لي القريض لولاك
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin