مع الحبيب المصطفى :تعامله ﷺ مع المذنبين (3)
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
284ـ تعامله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع المذنبين (3)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِنْسَانُ ضَعِيفٌ، قَدْ يَسْتَزِلُّهُ الشَّيْطَانُ فَيُوقِعُهُ في مَعْصِيَةٍ مِنَ المَعَاصِي، أَو في كَبِيرَةٍ مِنَ الكَبَائِرِ، أَو في مُنْكَرٍ مِنَ المُنْكَرَاتِ، فَيَكُونُ وَقْعُ هَذِهِ المَعْصِيَةِ عَلَى نُفُوسِ الآخَرِينَ كَبِيرَاً جِدَّاً، وَتَكُونُ رُدُودُ الفِعْلِ خَاطِئَةً وَخَطِيرَةً جِدَّاً في كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ، وَبِذَلِكَ تَكُونُ العَوَاقِبُ وَخِيمَةً جِدَّاً.
بَعْضُ النَّاسِ إِذَا رَأَى أَحَدَاً وَقَعَ في كَبِيرَةٍ مِنَ الكَبَائِرِ يَتَبَرَّأُ مِنْهُ مُبَاشَرَةً، وَيَنْفَضُّ عَنْهُ، وَلَا يُكَلِّمُهُ، وَلَا يُجَالِسُهُ، وَيُقَاطِعُهُ، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْأَلُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ صَارَ في نَظَرِهِ فَاسِقَاً، مَارِقَاً مِنَ الدِّينِ، وَبِذَلِكَ تَحُلُّ الطَّامَّةُ، وَيَقَعُ هَذَا العَاصِي في قَبْضَةِ الشَّيْطَانِ إِنْ كَانَ إِنْسِيَّاً أَو جِنِّيَّاً، وَهَذَا المَوْقِفُ مِنْ أَعَزِّ وَأَغْلَى أُمْنِيَاتِ الشَّيْطَانِ، وَكَمْ يَسُرُّ شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ هَذَا التَّصَرُّفُ مَعَ العُصَاةِ، لِذَا حَذَّرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
«سَلُوا اللهَ العَافِيَةَ»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِذَا رَأَيْتُمْ أَخَاكُمْ قَارِفَاً ذَنْبَاً فَلَا تَكُونُوا أَعْوَانَاً لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ، تَقُولُونَ: اللَّهُمَّ أَخْزِهِ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، وَلَكِنْ سَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ. رواه البيهقي.
لِمَاذَا؟
تَذَكَّرْ بِأَنَّكَ لَسْتَ مَعْصُومَاً، وَتَذَكَّرْ بِأَنَّكَ قَدْ تَقَعُ أَنْتَ في نَفْسِ الخَطَأِ، وَرُبَّمَا تَزِلُّ قَدَمُكَ في يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ، وَرُبَّمَا أَنْ تَضْعُفَ نَفْسُكَ أَمَامَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ وَالمُغْرِيَاتِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا رَأَيْتُمْ عَاصِيَاً وَمُذْنِبَاً، إِذَا رَأَيْتُمْ مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ، تَـصَرَّفُوا الـتَّصَرُّفَ الصَّحِيحَ مَعَهُ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سَلَامَتِهِ، وَأُولَى التَّصَرُّفَاتِ تَذَكَّرُوا حَسَنَاتِهِ، فَرُبَّمَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُهُ كَثِيرَةً وَكَثِيرَةً جِدَّاً، وَمَنْ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ كَثِيرَةً وَكَثِيرَةً جِدَّاً، فَرُبَّمَا تِلْكَ المَعْصِيَةُ لَا تَضُرُّهُ، كَمَا أَنَّ الخَبَثَ إِذَا وَقَعَ في المَاءِ الكَثِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ.
«وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَعَلَّمْ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يَكُونُ التَّعَامُلُ مَعَ الإِنْسَانِ إِذَا وَقَعَ في خَطَأٍ وَذَنْبٍ وَكَبِيرَةٍ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَتْ لَهُ مَحَاسِنُ كَثِيرَةٌ، وَفَضَائِلُ كَبِيرَةٌ.
روى الإمام البخاري عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ، وَالمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، قَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً، وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا».
فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الكِتَابَ.
فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ.
فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ؛ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا (هِيَ شُعُورُهَا المَضْفُورَةُ).
فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟».
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقَاً فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدَاً يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرَاً وَلَا ارْتِدَادَاً، وَلَا رِضَاً بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلَامِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ صَدَقَكُمْ».
قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ.
قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرَاً، وَمَا يُدْرِيكَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَهْمَا عَظُمَتْ شَخْصِيَّةُ الإِنْسَانِ وَكَبُرَتْ، وَمَهْمَا بَلَغَتْ دَرَجَتُهُ، قَدْ يَقَعُ في الخَطَأِ، وَقَدْ يَقَعُ في كَبِيرَةٍ مِنَ الكَبَائِرِ، وَهَذَا الخَطَأُ، وَتِلْكَ الكَبِيرَةُ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ دَائِرَةِ الإِيمَانِ مَا دَامَ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لِمَا فَعَلَ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ بِأَنَّ خَطَأَ مَنْ غَلَبَتْ حَسَنَاتُهُ وَخَيْرُهُ على سَيِّئَاتِهِ وَشَرِّهِ لَيْسَ كَخَطَأِ غَيْرِهِ، مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ» رواه أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ زَلَّتْ قَدَمُهُ فَلَا تَتَعَجَّلُوا عَلَيْهِ، وَلَا تَكُونُوا عَوْنَاً للشَّيْطَانِ عَلَيْهِ، تَذَكَّرُوا حَسَنَاتِهِ، وَتَذَكَّرُوا أَفْعَالَ البِرِّ التي عَمِلَهَا قَبْلَ أَنْ يَقَعَ في تِلْكَ الزَّلَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سَلَامَتِهِ.
لَا تَجْعَلُوا السَّيِّئَةَ تَأْتِي عَلَى كُلِّ الحَسَنَاتِ، وَلَا تَجْعَلُوا الخَطَأَ يَذْهَبُ بِكُلِّ المَحَاسِنِ، فَهَذَا ظُلْمٌ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رَغِّبُوا العَاصِينَ في التَّوْبَةِ، لَا تُقَنِّطُوهُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ذَكِّرُوهُمْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئَاً لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
لَا تَجْعَلُوا العُصَاةَ لُقْمَةً سَائِغَةً لِشَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ، ارْحَمُوهُمْ، أَعِيدُوهُمْ إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَالأُسْلُوبِ اللَّطِيفِ، قَالَ تعالى: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلَاً لَيِّنَاً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَاً﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: روى البيهقي عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَصَابَ ذَنْبَاً وَكَانُوا يَسُبُّونَهُ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَجَدْتُمُوهُ فِي قَلِيبٍ أَلَمْ تَكُونُوا تَسْتَخْرِجُونَهُ؟.
قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: فَلَا تَسُبُّوا أَخَاكُمْ، وَاحْمَدُوا اللهَ الَّذِي عَافَاكُمْ.
قَالُوا: أَفَلَا نَبْغَضُهُ؟
قَالَ: إِنَّمَا أَبْغَضُ عَمَلُهُ، فَإِذَا تَرَكَ فَهُوَ أَخِي.
أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ العُصَاةِ؟
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
284ـ تعامله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع المذنبين (3)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِنْسَانُ ضَعِيفٌ، قَدْ يَسْتَزِلُّهُ الشَّيْطَانُ فَيُوقِعُهُ في مَعْصِيَةٍ مِنَ المَعَاصِي، أَو في كَبِيرَةٍ مِنَ الكَبَائِرِ، أَو في مُنْكَرٍ مِنَ المُنْكَرَاتِ، فَيَكُونُ وَقْعُ هَذِهِ المَعْصِيَةِ عَلَى نُفُوسِ الآخَرِينَ كَبِيرَاً جِدَّاً، وَتَكُونُ رُدُودُ الفِعْلِ خَاطِئَةً وَخَطِيرَةً جِدَّاً في كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ، وَبِذَلِكَ تَكُونُ العَوَاقِبُ وَخِيمَةً جِدَّاً.
بَعْضُ النَّاسِ إِذَا رَأَى أَحَدَاً وَقَعَ في كَبِيرَةٍ مِنَ الكَبَائِرِ يَتَبَرَّأُ مِنْهُ مُبَاشَرَةً، وَيَنْفَضُّ عَنْهُ، وَلَا يُكَلِّمُهُ، وَلَا يُجَالِسُهُ، وَيُقَاطِعُهُ، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْأَلُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ صَارَ في نَظَرِهِ فَاسِقَاً، مَارِقَاً مِنَ الدِّينِ، وَبِذَلِكَ تَحُلُّ الطَّامَّةُ، وَيَقَعُ هَذَا العَاصِي في قَبْضَةِ الشَّيْطَانِ إِنْ كَانَ إِنْسِيَّاً أَو جِنِّيَّاً، وَهَذَا المَوْقِفُ مِنْ أَعَزِّ وَأَغْلَى أُمْنِيَاتِ الشَّيْطَانِ، وَكَمْ يَسُرُّ شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ هَذَا التَّصَرُّفُ مَعَ العُصَاةِ، لِذَا حَذَّرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
«سَلُوا اللهَ العَافِيَةَ»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِذَا رَأَيْتُمْ أَخَاكُمْ قَارِفَاً ذَنْبَاً فَلَا تَكُونُوا أَعْوَانَاً لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ، تَقُولُونَ: اللَّهُمَّ أَخْزِهِ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، وَلَكِنْ سَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ. رواه البيهقي.
لِمَاذَا؟
تَذَكَّرْ بِأَنَّكَ لَسْتَ مَعْصُومَاً، وَتَذَكَّرْ بِأَنَّكَ قَدْ تَقَعُ أَنْتَ في نَفْسِ الخَطَأِ، وَرُبَّمَا تَزِلُّ قَدَمُكَ في يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ، وَرُبَّمَا أَنْ تَضْعُفَ نَفْسُكَ أَمَامَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ وَالمُغْرِيَاتِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا رَأَيْتُمْ عَاصِيَاً وَمُذْنِبَاً، إِذَا رَأَيْتُمْ مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ، تَـصَرَّفُوا الـتَّصَرُّفَ الصَّحِيحَ مَعَهُ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سَلَامَتِهِ، وَأُولَى التَّصَرُّفَاتِ تَذَكَّرُوا حَسَنَاتِهِ، فَرُبَّمَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُهُ كَثِيرَةً وَكَثِيرَةً جِدَّاً، وَمَنْ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ كَثِيرَةً وَكَثِيرَةً جِدَّاً، فَرُبَّمَا تِلْكَ المَعْصِيَةُ لَا تَضُرُّهُ، كَمَا أَنَّ الخَبَثَ إِذَا وَقَعَ في المَاءِ الكَثِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ.
«وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَعَلَّمْ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يَكُونُ التَّعَامُلُ مَعَ الإِنْسَانِ إِذَا وَقَعَ في خَطَأٍ وَذَنْبٍ وَكَبِيرَةٍ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَتْ لَهُ مَحَاسِنُ كَثِيرَةٌ، وَفَضَائِلُ كَبِيرَةٌ.
روى الإمام البخاري عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ، وَالمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، قَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً، وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا».
فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الكِتَابَ.
فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ.
فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ؛ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا (هِيَ شُعُورُهَا المَضْفُورَةُ).
فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟».
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقَاً فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدَاً يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرَاً وَلَا ارْتِدَادَاً، وَلَا رِضَاً بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلَامِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ صَدَقَكُمْ».
قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ.
قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرَاً، وَمَا يُدْرِيكَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَهْمَا عَظُمَتْ شَخْصِيَّةُ الإِنْسَانِ وَكَبُرَتْ، وَمَهْمَا بَلَغَتْ دَرَجَتُهُ، قَدْ يَقَعُ في الخَطَأِ، وَقَدْ يَقَعُ في كَبِيرَةٍ مِنَ الكَبَائِرِ، وَهَذَا الخَطَأُ، وَتِلْكَ الكَبِيرَةُ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ دَائِرَةِ الإِيمَانِ مَا دَامَ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لِمَا فَعَلَ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ بِأَنَّ خَطَأَ مَنْ غَلَبَتْ حَسَنَاتُهُ وَخَيْرُهُ على سَيِّئَاتِهِ وَشَرِّهِ لَيْسَ كَخَطَأِ غَيْرِهِ، مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ» رواه أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ زَلَّتْ قَدَمُهُ فَلَا تَتَعَجَّلُوا عَلَيْهِ، وَلَا تَكُونُوا عَوْنَاً للشَّيْطَانِ عَلَيْهِ، تَذَكَّرُوا حَسَنَاتِهِ، وَتَذَكَّرُوا أَفْعَالَ البِرِّ التي عَمِلَهَا قَبْلَ أَنْ يَقَعَ في تِلْكَ الزَّلَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سَلَامَتِهِ.
لَا تَجْعَلُوا السَّيِّئَةَ تَأْتِي عَلَى كُلِّ الحَسَنَاتِ، وَلَا تَجْعَلُوا الخَطَأَ يَذْهَبُ بِكُلِّ المَحَاسِنِ، فَهَذَا ظُلْمٌ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رَغِّبُوا العَاصِينَ في التَّوْبَةِ، لَا تُقَنِّطُوهُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ذَكِّرُوهُمْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئَاً لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
لَا تَجْعَلُوا العُصَاةَ لُقْمَةً سَائِغَةً لِشَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ، ارْحَمُوهُمْ، أَعِيدُوهُمْ إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَالأُسْلُوبِ اللَّطِيفِ، قَالَ تعالى: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلَاً لَيِّنَاً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَاً﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: روى البيهقي عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَصَابَ ذَنْبَاً وَكَانُوا يَسُبُّونَهُ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَجَدْتُمُوهُ فِي قَلِيبٍ أَلَمْ تَكُونُوا تَسْتَخْرِجُونَهُ؟.
قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: فَلَا تَسُبُّوا أَخَاكُمْ، وَاحْمَدُوا اللهَ الَّذِي عَافَاكُمْ.
قَالُوا: أَفَلَا نَبْغَضُهُ؟
قَالَ: إِنَّمَا أَبْغَضُ عَمَلُهُ، فَإِذَا تَرَكَ فَهُوَ أَخِي.
أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ العُصَاةِ؟
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin