«اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ, وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ, فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
118ـ «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لِنَستَعِدَّ لِمَصرَعِ المَوتِ الذي يَأتينا على حِينِ غِرَّةٍ، وذلكَ بالإيمانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ، وأن نَستَغِلَّ أنفاسَ أعمارِنا التي تَمُرُّ مَرَّ الرِّيحِ، أو كالبَرقِ الخَاطِفِ بِطَاعَةِ رَبِّنا عزَّ وجلَّ، وبِما يُقَرِّبُنا منهُ تعالى.
السَّعيدُ من ماتَ على طَاعَةِ الله عزَّ وجلَّ، وطَاعَةِ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وعلى مَحَبَّةِ الله ورَسولِهِ؛ والشَّقِيُّ من ماتَ على مَعصِيَةِ الله تعالى، ومَعصِيَةِ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام مسلم عَن ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ، فَبَكَى طَوِيلاً وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟
أرادَ وَلَدُهُ أن يُحَسِّنَ ظَنَّهُ بالله تعالى، وذلكَ من خِلالِ صُحبَتِهِ لسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولأصحَابِهِ الكِرامِ.
وفي رِوَايَةِ الحاكم قالَ لهُ وَلَدُهُ عَبدُ الله: فَصِفْ لَنَا المَوتَ وعَقلُكَ مَعَكَ.
فقال: يا بُنَيَّ، المَوتُ أَجَلُّ من أن يُوصَفَ، ولكِنِّي سَأَصِفُ لَكَ مِنهُ شَيئاً، أَجِدُني كَأَنَّ عَلَى عُنُقِي جِبالَ رَضوى ـ جبل يَنبُع ـ، وأَجِدُني كَأَنَّ في جَوفِي شَوكُ السِّلاحِ، وأَجِدُني كَأَنَّ نَفسِي تَخرُجُ من ثُقبِ إِبرَةٍ.
ويقُولُ الإمام مسلم: قَالَ: فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله.
إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلى أَطبْاقٍ ثَلاثٍ: لَقَدْ رَأَيْتُني وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضاً لرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنِّي، وَلا أَحبَّ إِليَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ قَدِ استمْكنْت مِنْهُ فقَتلْتهُ ، فَلَوْ مُتُّ عَلى تِلْكَ الحالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّار .
فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الإِسْلامَ في قَلْبي أَتيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ :ابْسُطْ يمينَكَ فَلأُبَايعْكَ، فَبَسَطَ يمِينَهُ فَقَبَضْتُ يَدِي.
فقال: «مالك يا عمرو؟».
قلت: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرطَ.
قالَ: «تَشْتَرطُ ماذَا؟».
قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لي.
قَالَ: أَمَا عَلمْتَ أَنَّ الإِسْلام يَهْدِمُ ما كَانَ قَبلَهُ، وَأَن الهجرَةَ تَهدمُ ما كان قبلَها، وأَنَّ الحَجَّ يَهدِمُ ما كانَ قبلَهُ؟».
وما كان أَحَدٌ أَحَبَّ إِليَّ مِنْ رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلا أَجَلّ في عَيني مِنْه، ومَا كُنتُ أُطِيقُ أَن أَملأَ عَيني مِنه إِجلالاً له، ولو سُئِلتُ أَن أَصِفَهُ ما أَطَقتُ، لأَنِّي لم أَكن أَملأ عَيني مِنه ولو مُتُّ على تِلكَ الحَال لَرَجَوتُ أَن أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ.
ثم وُلِّينَا أَشيَاءَ ما أَدري ما حَالي فِيهَا ؟ فَإِذا أَنا مُتُّ فلا تصحَبنِّي نَائِحَةٌ ولا نَارٌ، فإذا دَفَنتموني، فشُنُّوا عليَّ التُّرَابَ شَنَّاً، ثم أَقِيمُوا حولَ قَبري قَدْرَ ما تُنَحَرُ جَزورٌ، وَيقْسَمُ لحْمُهَا، حَتَّى أَسْتَأْنِس بكُمْ ، وأنظُرَ ما أُراجِعُ بِهِ رسُلَ ربي؟
فماذا أعْدَدْنا نَحنُ لأوَّلِ لَيلَةٍ في قُبورِنا؟
﴿فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: دَفْنُ المُسلِمِ بَعدَ مَوتِهِ فَرضُ كِفَايَةٍ بإجماعِ الفُقَهاءِ إن أمكَنَ دَفْنُهُ، قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَه﴾. وأوَّلُ من قامَ بالدَّفْنِ هوَ قابيلُ الذي أرشَدَهُ اللهُ تعالى إلى دَفْنِ أخيهِ هَابيلَ، كما قال تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِين﴾.
«بِسْمِ الله، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله»:
أيُّها الإخوة الكرام: يَتبَعُ المَيْتَ ثَلاثَةٌ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ».
فَعِندَما نُشَيِّعُ المَيْتَ ونَصِلُ به إلى القَبرِ، يَجِبُ وَضْعُهُ في قَبرِهِ الذي هوَ أوَّلُ مَنازِلِ الآخِرَةِ، ويَقولُ وَاضِعُهُ، بَعدَ وَضْعِهِ على شِقِّهِ الأيمَنِ تُجاهَ القِبلَةِ: بِسْمِ الله، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الترمذي عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُدْخِلَ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ ـ وَقَالَ أَبُو خَالِدٍ مَرَّةً: إِذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي لَحْدِهِ ـ قَالَ مَرَّةً: «بِسْمِ الله، وبالله، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله». وَقَالَ مَرَّةً: «بِسْمِ الله، وبالله، وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ».
يَعني:بِسمِ الله وَضَعناكَ، وعلى مِلَّةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَلَّمناكَ، وهذا لَيسَ دُعاءً، بل شَهَادَةٌ من المُشَيِّعينَ لهُ، فالمُؤمِنونَ شُهَداءُ الله في أرضِهِ.
ثمَّ تُحَلُّ عُقَدُ الكَفَنِ، ويُسَوَّى اللَّبِنُ على القَبرِ، وتُسَدُّ الفُرَجُ بالمَدَرِ والقَصَبِ أو غَيرِ ذلكَ، كَي لا يَنزِلَ التُّرابُ على المَيْتِ.
﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: قولوا لِكُلِّ عَبدٍ مُتَكَبِّرٍ مُتَجَبِّرٍ يَعيثُ في الأرضِ فَساداً: رُوَيدَكَ، لقد خُلِقتَ من الأرضِ التي تُوطَأُ بالأقدامِ، وسَوفَ تَرجِعُ إلَيها إن شِئتَ وإن أبَيتَ، وسَوفَ تَخرُجُ منها للعَرضِ وللحِسابِ، وتَذَكَّرْ قَولَ الله تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾.
ولهذا يُستَحَبُّ عِندَ دَفْنِ المَيْتِ، بَعدَ أن يُوضَعَ في قَبرِهِ، ويُسَوَّى اللَّبِنُ على لَحْدِهِ، وتُسَدَّ الفُرَجُ، أن يُحثَى عَلَيهِ من قِبَلِ رَأسِهِ ثَلاثاً، لما روى ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، ثُمَّ أَتَى قَبْرَ الْمَيِّتِ، فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلَاثاً.
ويَقولُ في الحَثيَةِ الأولى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ﴾ وفي الحَثيَةِ الثَّانِيَةِ: ﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ وفي الحَثيَةِ الثَّالِثَةِ: ﴿وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾.
وقِيلَ: يَقولُ في الأولى: اللَّهُمَّ جَافِ الأرضَ عن جَنبَيْهِ، وفي الثَّانِيَةِ: اللَّهُمَّ افتَحْ أبوابَ السَّماءِ لِرُوحِهِ، وفي الثَّالِثَةِ: اللَّهُمَّ زَوِّجْهُ من الحُورِ العِينِ، وللمَرأةِ: اللَّهُمَّ أدخِلْها الجَنَّةَ بِرَحمَتِكَ.
الجُلوسُ بَعدَ الدَّفْنِ:
أيُّها الإخوة الكرام: صَرَّحَ الفُقَهاءُ بأنَّهُ يُستَحَبُّ أن يَجلِسَ المُشَيِّعونَ للمَيْتِ بَعدَ دَفْنِهِ لِدُعاءٍ، أو لِتِلاوَةِ قُرآنٍ، بِمِقدارِ ما يُنحَرُ الجَزورُ، ويُفَرَّقُ لَحمُهُ، روى أبو داود عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ».
وكانَ ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما يَستَحِبُّ أن يَقرَأَ على القَبرِ بَعدَ الدَّفْنِ أوَّلَ سُورَةِ البَقَرَةِ، وخَاتِمَتَها.
لما روى الإمام مسلم عن ابنِ العَاصِ أنَّهُ قال: فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنَّاً، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ، وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: القَبرُ يَنتَظِرُ كُلَّ وَاحِدٍ فينا، والدَّفْنُ في القَبرِ من إكرامِ الله عزَّ وجلَّ لابنِ آدَمَ، قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَه﴾.
القَبرُ يُذَكِّرُنا بالآخِرَةِ، ويُقَصِّرُ آمالَنَا في الحَيَاةِ ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ».
القَبرُ يَغرِسُ في قُلوبِنا بأنَّ النَّاسَ سَواسِيَةٌ، لا تَفَاضُلَ بَينَهُم إلا بالتَّقوى.
القَبرُ يُحَرِّضُ المُؤمِنَ على الطَّاعاتِ.
يُذكَرُ بأنَّ عَمروَ بنَ العَاصِ رَأى مَيْتاً يُقْبَرُ، فأسرَعَ إلى المَسجِدِ فَصَلَّى رَكعَتَينِ.
فَقِيلَ لهُ: لِمَ فَعَلتَ هذا؟
قالَ: تَذَكَّرتُ قَولَ الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾. فاشتَهَيتُ أن أُصَلِّيَ قَبلَ أن يُحالَ بَيني وبَينَ الصَّلاةِ.
أمَا تَشتَهي قَولَ: لا إلهَ إلا اللهُ؟ أمَا تَشتَهي صِلَةَ الرَّحِمِ؟ أمَا تَشتَهي الصُّلحَ؟ فافعَل ذلِكَ قَبلَ أن يُحالَ بَينَكَ وبينَ ذلِكَ، افعَلِ الطَّاعَاتِ قَبلَ أن يُحالَ بَينَكَ وبَينَهَا.
وفي الخِتامِ يَقولُ سَيِّدُنا سَلمانُ الفَارِسِيُّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: ثَلاثٌ أَعجَبَتنِي حتَّى أَضحَكَتنِي: مُؤَمِّلُ الدُّنيا والمَوتُ يَطلُبُهُ، وغَافِلٌ ولَيسَ بِمَغفولٍ عنهُ، وضَاحِكٌ لا يَدرِي أَسَاخِطٌ عَلَيهِ رَبُّ العَالَمينَ أم رَاضٍ.
وثَلاثٌ أَحزَنَتنِي حتَّى أَبكَتنِي: فِراقُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وحِزبِهِ ـ أو قالَ: فِراقُ مُحَمَّدٍ والأَحِبَّةِ، وهَولُ المَطلَعِ، والوُقُوفُ بَينَ يَدَيِ الله عزَّ وجلَّ، لا أَدرِي إلى جَنَّةٍ يُؤمَرُ بي أو إلى نَارٍ. رواه البيهقي.
اللَّهُمَّ لا تَجعَلنا من النَّادِمينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
118ـ «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لِنَستَعِدَّ لِمَصرَعِ المَوتِ الذي يَأتينا على حِينِ غِرَّةٍ، وذلكَ بالإيمانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ، وأن نَستَغِلَّ أنفاسَ أعمارِنا التي تَمُرُّ مَرَّ الرِّيحِ، أو كالبَرقِ الخَاطِفِ بِطَاعَةِ رَبِّنا عزَّ وجلَّ، وبِما يُقَرِّبُنا منهُ تعالى.
السَّعيدُ من ماتَ على طَاعَةِ الله عزَّ وجلَّ، وطَاعَةِ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وعلى مَحَبَّةِ الله ورَسولِهِ؛ والشَّقِيُّ من ماتَ على مَعصِيَةِ الله تعالى، ومَعصِيَةِ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام مسلم عَن ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ، فَبَكَى طَوِيلاً وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟
أرادَ وَلَدُهُ أن يُحَسِّنَ ظَنَّهُ بالله تعالى، وذلكَ من خِلالِ صُحبَتِهِ لسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولأصحَابِهِ الكِرامِ.
وفي رِوَايَةِ الحاكم قالَ لهُ وَلَدُهُ عَبدُ الله: فَصِفْ لَنَا المَوتَ وعَقلُكَ مَعَكَ.
فقال: يا بُنَيَّ، المَوتُ أَجَلُّ من أن يُوصَفَ، ولكِنِّي سَأَصِفُ لَكَ مِنهُ شَيئاً، أَجِدُني كَأَنَّ عَلَى عُنُقِي جِبالَ رَضوى ـ جبل يَنبُع ـ، وأَجِدُني كَأَنَّ في جَوفِي شَوكُ السِّلاحِ، وأَجِدُني كَأَنَّ نَفسِي تَخرُجُ من ثُقبِ إِبرَةٍ.
ويقُولُ الإمام مسلم: قَالَ: فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله.
إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلى أَطبْاقٍ ثَلاثٍ: لَقَدْ رَأَيْتُني وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضاً لرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنِّي، وَلا أَحبَّ إِليَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ قَدِ استمْكنْت مِنْهُ فقَتلْتهُ ، فَلَوْ مُتُّ عَلى تِلْكَ الحالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّار .
فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الإِسْلامَ في قَلْبي أَتيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ :ابْسُطْ يمينَكَ فَلأُبَايعْكَ، فَبَسَطَ يمِينَهُ فَقَبَضْتُ يَدِي.
فقال: «مالك يا عمرو؟».
قلت: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرطَ.
قالَ: «تَشْتَرطُ ماذَا؟».
قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لي.
قَالَ: أَمَا عَلمْتَ أَنَّ الإِسْلام يَهْدِمُ ما كَانَ قَبلَهُ، وَأَن الهجرَةَ تَهدمُ ما كان قبلَها، وأَنَّ الحَجَّ يَهدِمُ ما كانَ قبلَهُ؟».
وما كان أَحَدٌ أَحَبَّ إِليَّ مِنْ رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلا أَجَلّ في عَيني مِنْه، ومَا كُنتُ أُطِيقُ أَن أَملأَ عَيني مِنه إِجلالاً له، ولو سُئِلتُ أَن أَصِفَهُ ما أَطَقتُ، لأَنِّي لم أَكن أَملأ عَيني مِنه ولو مُتُّ على تِلكَ الحَال لَرَجَوتُ أَن أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ.
ثم وُلِّينَا أَشيَاءَ ما أَدري ما حَالي فِيهَا ؟ فَإِذا أَنا مُتُّ فلا تصحَبنِّي نَائِحَةٌ ولا نَارٌ، فإذا دَفَنتموني، فشُنُّوا عليَّ التُّرَابَ شَنَّاً، ثم أَقِيمُوا حولَ قَبري قَدْرَ ما تُنَحَرُ جَزورٌ، وَيقْسَمُ لحْمُهَا، حَتَّى أَسْتَأْنِس بكُمْ ، وأنظُرَ ما أُراجِعُ بِهِ رسُلَ ربي؟
فماذا أعْدَدْنا نَحنُ لأوَّلِ لَيلَةٍ في قُبورِنا؟
﴿فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: دَفْنُ المُسلِمِ بَعدَ مَوتِهِ فَرضُ كِفَايَةٍ بإجماعِ الفُقَهاءِ إن أمكَنَ دَفْنُهُ، قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَه﴾. وأوَّلُ من قامَ بالدَّفْنِ هوَ قابيلُ الذي أرشَدَهُ اللهُ تعالى إلى دَفْنِ أخيهِ هَابيلَ، كما قال تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِين﴾.
«بِسْمِ الله، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله»:
أيُّها الإخوة الكرام: يَتبَعُ المَيْتَ ثَلاثَةٌ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ».
فَعِندَما نُشَيِّعُ المَيْتَ ونَصِلُ به إلى القَبرِ، يَجِبُ وَضْعُهُ في قَبرِهِ الذي هوَ أوَّلُ مَنازِلِ الآخِرَةِ، ويَقولُ وَاضِعُهُ، بَعدَ وَضْعِهِ على شِقِّهِ الأيمَنِ تُجاهَ القِبلَةِ: بِسْمِ الله، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الترمذي عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُدْخِلَ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ ـ وَقَالَ أَبُو خَالِدٍ مَرَّةً: إِذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي لَحْدِهِ ـ قَالَ مَرَّةً: «بِسْمِ الله، وبالله، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله». وَقَالَ مَرَّةً: «بِسْمِ الله، وبالله، وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ».
يَعني:بِسمِ الله وَضَعناكَ، وعلى مِلَّةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَلَّمناكَ، وهذا لَيسَ دُعاءً، بل شَهَادَةٌ من المُشَيِّعينَ لهُ، فالمُؤمِنونَ شُهَداءُ الله في أرضِهِ.
ثمَّ تُحَلُّ عُقَدُ الكَفَنِ، ويُسَوَّى اللَّبِنُ على القَبرِ، وتُسَدُّ الفُرَجُ بالمَدَرِ والقَصَبِ أو غَيرِ ذلكَ، كَي لا يَنزِلَ التُّرابُ على المَيْتِ.
﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: قولوا لِكُلِّ عَبدٍ مُتَكَبِّرٍ مُتَجَبِّرٍ يَعيثُ في الأرضِ فَساداً: رُوَيدَكَ، لقد خُلِقتَ من الأرضِ التي تُوطَأُ بالأقدامِ، وسَوفَ تَرجِعُ إلَيها إن شِئتَ وإن أبَيتَ، وسَوفَ تَخرُجُ منها للعَرضِ وللحِسابِ، وتَذَكَّرْ قَولَ الله تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾.
ولهذا يُستَحَبُّ عِندَ دَفْنِ المَيْتِ، بَعدَ أن يُوضَعَ في قَبرِهِ، ويُسَوَّى اللَّبِنُ على لَحْدِهِ، وتُسَدَّ الفُرَجُ، أن يُحثَى عَلَيهِ من قِبَلِ رَأسِهِ ثَلاثاً، لما روى ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، ثُمَّ أَتَى قَبْرَ الْمَيِّتِ، فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلَاثاً.
ويَقولُ في الحَثيَةِ الأولى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ﴾ وفي الحَثيَةِ الثَّانِيَةِ: ﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ وفي الحَثيَةِ الثَّالِثَةِ: ﴿وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾.
وقِيلَ: يَقولُ في الأولى: اللَّهُمَّ جَافِ الأرضَ عن جَنبَيْهِ، وفي الثَّانِيَةِ: اللَّهُمَّ افتَحْ أبوابَ السَّماءِ لِرُوحِهِ، وفي الثَّالِثَةِ: اللَّهُمَّ زَوِّجْهُ من الحُورِ العِينِ، وللمَرأةِ: اللَّهُمَّ أدخِلْها الجَنَّةَ بِرَحمَتِكَ.
الجُلوسُ بَعدَ الدَّفْنِ:
أيُّها الإخوة الكرام: صَرَّحَ الفُقَهاءُ بأنَّهُ يُستَحَبُّ أن يَجلِسَ المُشَيِّعونَ للمَيْتِ بَعدَ دَفْنِهِ لِدُعاءٍ، أو لِتِلاوَةِ قُرآنٍ، بِمِقدارِ ما يُنحَرُ الجَزورُ، ويُفَرَّقُ لَحمُهُ، روى أبو داود عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ».
وكانَ ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما يَستَحِبُّ أن يَقرَأَ على القَبرِ بَعدَ الدَّفْنِ أوَّلَ سُورَةِ البَقَرَةِ، وخَاتِمَتَها.
لما روى الإمام مسلم عن ابنِ العَاصِ أنَّهُ قال: فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنَّاً، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ، وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: القَبرُ يَنتَظِرُ كُلَّ وَاحِدٍ فينا، والدَّفْنُ في القَبرِ من إكرامِ الله عزَّ وجلَّ لابنِ آدَمَ، قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَه﴾.
القَبرُ يُذَكِّرُنا بالآخِرَةِ، ويُقَصِّرُ آمالَنَا في الحَيَاةِ ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ».
القَبرُ يَغرِسُ في قُلوبِنا بأنَّ النَّاسَ سَواسِيَةٌ، لا تَفَاضُلَ بَينَهُم إلا بالتَّقوى.
القَبرُ يُحَرِّضُ المُؤمِنَ على الطَّاعاتِ.
يُذكَرُ بأنَّ عَمروَ بنَ العَاصِ رَأى مَيْتاً يُقْبَرُ، فأسرَعَ إلى المَسجِدِ فَصَلَّى رَكعَتَينِ.
فَقِيلَ لهُ: لِمَ فَعَلتَ هذا؟
قالَ: تَذَكَّرتُ قَولَ الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾. فاشتَهَيتُ أن أُصَلِّيَ قَبلَ أن يُحالَ بَيني وبَينَ الصَّلاةِ.
أمَا تَشتَهي قَولَ: لا إلهَ إلا اللهُ؟ أمَا تَشتَهي صِلَةَ الرَّحِمِ؟ أمَا تَشتَهي الصُّلحَ؟ فافعَل ذلِكَ قَبلَ أن يُحالَ بَينَكَ وبينَ ذلِكَ، افعَلِ الطَّاعَاتِ قَبلَ أن يُحالَ بَينَكَ وبَينَهَا.
وفي الخِتامِ يَقولُ سَيِّدُنا سَلمانُ الفَارِسِيُّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: ثَلاثٌ أَعجَبَتنِي حتَّى أَضحَكَتنِي: مُؤَمِّلُ الدُّنيا والمَوتُ يَطلُبُهُ، وغَافِلٌ ولَيسَ بِمَغفولٍ عنهُ، وضَاحِكٌ لا يَدرِي أَسَاخِطٌ عَلَيهِ رَبُّ العَالَمينَ أم رَاضٍ.
وثَلاثٌ أَحزَنَتنِي حتَّى أَبكَتنِي: فِراقُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وحِزبِهِ ـ أو قالَ: فِراقُ مُحَمَّدٍ والأَحِبَّةِ، وهَولُ المَطلَعِ، والوُقُوفُ بَينَ يَدَيِ الله عزَّ وجلَّ، لا أَدرِي إلى جَنَّةٍ يُؤمَرُ بي أو إلى نَارٍ. رواه البيهقي.
اللَّهُمَّ لا تَجعَلنا من النَّادِمينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin