مع الحبيب المصطفى: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم)
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
109ـ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: كَلِمَةُ التَّوحيدِ ـ لا إلهَ إلا اللهُ ـ نَدخُلُ بها في هذا الدِّينِ الحَنيفِ، وبها نَسعَدُ في حياتِنَا الدُّنيا إن شاءَ اللهُ، وإذَا خُتِمَت بِهَا حَيَاتُنَا كَمُلَت بِهَا سَعَادَتُنَا؛ كَلِمَةُ التَّوحيدِ من أجلِها أُقيمَتِ السَّماواتُ والأرضُ، ونَزَلَت من أجلِها الكُتُبُ السَّماوِيَّةُ والصُّحُفُ المُقَدَّسَةُ، ومن أجلِها أُرسِلَ الرُّسُلُ من قِبَلِ الله عزَّ وجلَّ، ومن أجلِها خُلِقَتِ الجَنَّةُ والنَّارُ ونُصِبَ الصِّراطُ وَوُضِعَ المِيزانُ.
كَلِمَةُ التَّوحيدِ هيَ أفضَلُ كَلِمَةٍ قالَها سَادَةُ البَشَرِ من الأنبِياءِ والمُرسَلينَ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عنهُم، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
كَلِمَةُ التَّوحيدِ هيَ المِيثاقُ الذي أُخِذَ على بَني آدَمَ من عالَمِ الذَّرِّ، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾.
لَقِّنْها كُلَّ مُحتَضَرٍ:
أيُّها الإخوة الكرام: حافِظوا على كَلِمَةِ التَّوحيدِ، ولَقِّنوها كُلَّ مُحتَضَرٍ وخاصَّةً من المُؤمِنينَ، وذلكَ لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
لَقِّنْها كُلَّ مُحتَضَرٍ، ولو كانَ كافِراً، مُتَأَسِّياً بِصَاحِبِ الخُلُقِ العَظيمِ الذي أرسَلَهُ اللهُ تعالى رَحمَةً للعَالَمينَ، فهذا الحَبيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسمَعُ بِمَرَضِ شَابٍ يَهودِيٍّ، وكانَ من جِيرانِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فماذا كانَ مَوقِفُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ منهُ؟ واليَهودُ هُم أشَدُّ النَّاسِ عَدَاوَةً للذينَ آمَنوا، قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أشَدَّ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾.
هل فَرِحَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَرَضِهِ؟ هل دَعا عَلَيهِ بالمَوتِ وسُوءِ الخَاتِمَةِ، وهوَ القائِلُ في الحَديثِ الشَّريفِ: «فوالله لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ»؟ رواه الشيخان عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
بل على العَكسِ من ذلكَ تَماماً، قامَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِزِيارَتِهِ، ودَعَاهُ إلى قَولِ كَلِمَةِ التَّوحيدِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ.
فَقَالَ لَهُ: «قُلْ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ».
فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لله الَّذِي أَنْقَذَهُ مِن النَّارِ».
«يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله»:
أيُّها الإخوة الكرام: إذا كانَ هذا هوَ مَوقِفَ الحَبيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ من هُم أشَدُّ النَّاسِ عَدَاوَةً للذينَ آمَنوا، فَكَيفَ يَكونُ مَوقِفُهُ مَعَ من كانَ يُدافِعُ عنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وهوَ على غَيرِ مِلَّتِهِ؟
لقد كانَ حَريصاً على هِدَايَتِهِ أكثَرَ من حِرصِهِ على هِدَايَةِ ذلكَ اليَهودِيِّ.
روى الشيخان عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ الله بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ.
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَالِبٍ: «يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله».
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ الله بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟
فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا والله لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ».
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾. وَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾.
السَّعيدُ من خُتِمَ لهُ على هذهِ الكَلِمَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: السَّعيدُ من خُتِمَ لهُ على كَلِمَةِ التَّوحيدِ ـ لا إلهَ إلا اللهُ ـ والشَّقِيُّ من حُرِمَها عِندَ المَوتِ والعِياذُ بالله تعالى، وخُتِمَ على عَكسِها، جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْماً صَلَاةَ الْعَصْرِ بِنَهَارٍ، ثُمَّ قَامَ خَطِيباً، فَلَمْ يَدَعْ شَيْئاً يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا أَخْبَرَنَا بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، وَكَانَ فِيمَا قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، أَلَا فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ».
وَكَانَ فِيمَا قَالَ: «أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلاً هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ».
قَالَ: فَبَكَى أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ: قَدْ والله رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا.
فَكَانَ فِيمَا قَالَ: «أَلَا إِنَّهُ يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ، وَلَا غَدْرَةَ أَعْظَمُ مِنْ غَدْرَةِ إِمَامِ عَامَّةٍ، يُرْكَزُ لِوَاؤُهُ عِنْدَ اسْتِهِ ـ خَلفَ ظَهرِهِ، والاستُ هوَ الدُّبُرُ ـ».
فَكَانَ فِيمَا حَفِظْنَا يَوْمَئِذٍ: «أَلَا إِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى، فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِناً وَيَحْيَا مُؤْمِناً وَيَمُوتُ مُؤْمِناً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِراً وَيَحْيَا كَافِراً وَيَمُوتُ كَافِراً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِناً وَيَحْيَا مُؤْمِناً وَيَمُوتُ كَافِراً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِراً وَيَحْيَا كَافِراً وَيَمُوتُ مُؤْمِناً».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: السَّعَادَةُ كُلُّ السَّعَادَةِ في حُسنِ الخَاتِمَةِ، ولا أجمَلَ ولا أكمَلَ من أن تَكونَ الخَاتِمَةُ على قَولِ: لا إلهَ إلا اللهُ، لأنَّ هذهِ الكَلِمَةَ هيَ أفضَلُ الكَلِماتِ على الإطلاقِ، وهيَ من أعظَمِ الحَسَناتِ التي يَتَقَرَّبُ بها العَبدُ إلى الله تعالى، لأنَّها شَهادَةُ الله تعالى لِذَاتِهِ القُدسِيَّةِ، قال تعالى: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَـهَ إِلا هُوَ﴾. فهل هُناكَ شَرَفٌ أعظَمُ من هذا الشَّرَفِ إذ يَشهَدُ العَبدُ لله تعالى بالوَحْدَانِيَّةِ التي شَهِدَ بها لِذَاتِهِ؟
وهل هُناكَ حَسَنَةٌ أعظَمُ منها؟ فإذا خُتِمَت بها حَياةُ الإنسانِ دَخَلَ الجَنَّةَ. أسألُ اللهَ تعالى أن يَرزُقَنا هذهِ الكَلِمَةَ عِندَ سَكَراتِ المَوتِ، وأن تُختَمَ بها حَياتُنا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
109ـ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: كَلِمَةُ التَّوحيدِ ـ لا إلهَ إلا اللهُ ـ نَدخُلُ بها في هذا الدِّينِ الحَنيفِ، وبها نَسعَدُ في حياتِنَا الدُّنيا إن شاءَ اللهُ، وإذَا خُتِمَت بِهَا حَيَاتُنَا كَمُلَت بِهَا سَعَادَتُنَا؛ كَلِمَةُ التَّوحيدِ من أجلِها أُقيمَتِ السَّماواتُ والأرضُ، ونَزَلَت من أجلِها الكُتُبُ السَّماوِيَّةُ والصُّحُفُ المُقَدَّسَةُ، ومن أجلِها أُرسِلَ الرُّسُلُ من قِبَلِ الله عزَّ وجلَّ، ومن أجلِها خُلِقَتِ الجَنَّةُ والنَّارُ ونُصِبَ الصِّراطُ وَوُضِعَ المِيزانُ.
كَلِمَةُ التَّوحيدِ هيَ أفضَلُ كَلِمَةٍ قالَها سَادَةُ البَشَرِ من الأنبِياءِ والمُرسَلينَ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عنهُم، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
كَلِمَةُ التَّوحيدِ هيَ المِيثاقُ الذي أُخِذَ على بَني آدَمَ من عالَمِ الذَّرِّ، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾.
لَقِّنْها كُلَّ مُحتَضَرٍ:
أيُّها الإخوة الكرام: حافِظوا على كَلِمَةِ التَّوحيدِ، ولَقِّنوها كُلَّ مُحتَضَرٍ وخاصَّةً من المُؤمِنينَ، وذلكَ لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
لَقِّنْها كُلَّ مُحتَضَرٍ، ولو كانَ كافِراً، مُتَأَسِّياً بِصَاحِبِ الخُلُقِ العَظيمِ الذي أرسَلَهُ اللهُ تعالى رَحمَةً للعَالَمينَ، فهذا الحَبيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسمَعُ بِمَرَضِ شَابٍ يَهودِيٍّ، وكانَ من جِيرانِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فماذا كانَ مَوقِفُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ منهُ؟ واليَهودُ هُم أشَدُّ النَّاسِ عَدَاوَةً للذينَ آمَنوا، قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أشَدَّ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾.
هل فَرِحَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَرَضِهِ؟ هل دَعا عَلَيهِ بالمَوتِ وسُوءِ الخَاتِمَةِ، وهوَ القائِلُ في الحَديثِ الشَّريفِ: «فوالله لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ»؟ رواه الشيخان عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
بل على العَكسِ من ذلكَ تَماماً، قامَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِزِيارَتِهِ، ودَعَاهُ إلى قَولِ كَلِمَةِ التَّوحيدِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ.
فَقَالَ لَهُ: «قُلْ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ».
فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لله الَّذِي أَنْقَذَهُ مِن النَّارِ».
«يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله»:
أيُّها الإخوة الكرام: إذا كانَ هذا هوَ مَوقِفَ الحَبيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ من هُم أشَدُّ النَّاسِ عَدَاوَةً للذينَ آمَنوا، فَكَيفَ يَكونُ مَوقِفُهُ مَعَ من كانَ يُدافِعُ عنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وهوَ على غَيرِ مِلَّتِهِ؟
لقد كانَ حَريصاً على هِدَايَتِهِ أكثَرَ من حِرصِهِ على هِدَايَةِ ذلكَ اليَهودِيِّ.
روى الشيخان عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ الله بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ.
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَالِبٍ: «يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله».
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ الله بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟
فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا والله لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ».
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾. وَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾.
السَّعيدُ من خُتِمَ لهُ على هذهِ الكَلِمَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: السَّعيدُ من خُتِمَ لهُ على كَلِمَةِ التَّوحيدِ ـ لا إلهَ إلا اللهُ ـ والشَّقِيُّ من حُرِمَها عِندَ المَوتِ والعِياذُ بالله تعالى، وخُتِمَ على عَكسِها، جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْماً صَلَاةَ الْعَصْرِ بِنَهَارٍ، ثُمَّ قَامَ خَطِيباً، فَلَمْ يَدَعْ شَيْئاً يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا أَخْبَرَنَا بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، وَكَانَ فِيمَا قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، أَلَا فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ».
وَكَانَ فِيمَا قَالَ: «أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلاً هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ».
قَالَ: فَبَكَى أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ: قَدْ والله رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا.
فَكَانَ فِيمَا قَالَ: «أَلَا إِنَّهُ يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ، وَلَا غَدْرَةَ أَعْظَمُ مِنْ غَدْرَةِ إِمَامِ عَامَّةٍ، يُرْكَزُ لِوَاؤُهُ عِنْدَ اسْتِهِ ـ خَلفَ ظَهرِهِ، والاستُ هوَ الدُّبُرُ ـ».
فَكَانَ فِيمَا حَفِظْنَا يَوْمَئِذٍ: «أَلَا إِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى، فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِناً وَيَحْيَا مُؤْمِناً وَيَمُوتُ مُؤْمِناً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِراً وَيَحْيَا كَافِراً وَيَمُوتُ كَافِراً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِناً وَيَحْيَا مُؤْمِناً وَيَمُوتُ كَافِراً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِراً وَيَحْيَا كَافِراً وَيَمُوتُ مُؤْمِناً».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: السَّعَادَةُ كُلُّ السَّعَادَةِ في حُسنِ الخَاتِمَةِ، ولا أجمَلَ ولا أكمَلَ من أن تَكونَ الخَاتِمَةُ على قَولِ: لا إلهَ إلا اللهُ، لأنَّ هذهِ الكَلِمَةَ هيَ أفضَلُ الكَلِماتِ على الإطلاقِ، وهيَ من أعظَمِ الحَسَناتِ التي يَتَقَرَّبُ بها العَبدُ إلى الله تعالى، لأنَّها شَهادَةُ الله تعالى لِذَاتِهِ القُدسِيَّةِ، قال تعالى: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَـهَ إِلا هُوَ﴾. فهل هُناكَ شَرَفٌ أعظَمُ من هذا الشَّرَفِ إذ يَشهَدُ العَبدُ لله تعالى بالوَحْدَانِيَّةِ التي شَهِدَ بها لِذَاتِهِ؟
وهل هُناكَ حَسَنَةٌ أعظَمُ منها؟ فإذا خُتِمَت بها حَياةُ الإنسانِ دَخَلَ الجَنَّةَ. أسألُ اللهَ تعالى أن يَرزُقَنا هذهِ الكَلِمَةَ عِندَ سَكَراتِ المَوتِ، وأن تُختَمَ بها حَياتُنا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin