مع الحبيب المصطفى: تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
69ـ صورة من غضب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (3)
تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: كُلُّنا يَغضَبُ، ولكن يَجِبُ عَلَينا أن نُصَنِّفَ أنفُسَنا هل غَضَبُنا يُرضي اللهَ تعالى أم يُسخِطُهُ؟ لأنَّ هُناكَ غَضَباً يُرضي اللهَ تعالى، وغَضَباً يُسخِطُ اللهَ تعالى.
فإن كانَ الغَضَبُ لله تعالى فهوَ يُرضيهِ، وإلا فهوَ يُسخِطُ اللهَ تعالى، فمن غَضِبَ حَمِيَّةً أو عَصَبِيَّةً لِغَيرِ الله تعالى فقد أسخَطَ اللهَ تعالى.
خُلُقُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كانَ خُلُقُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القُرآنَ، كانَ يَتَأدَّبُ بآدابِهِ، ويَتَخَلَّقُ بأخلاقِهِ، فما مَدَحَهُ القُرآنُ كانَ فيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رِضاهُ، وما ذَمَّهُ القُرآنُ كانَ فيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَخَطُهُ، فكانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَرضى لِرِضاهُ، ويَغضَبُ لِغَضَبِهِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد والطبراني في الكبير ـ واللَّفظُ له ـ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ خَلْقُهُ الْقُرْآنَ، يَغْضَبُ لِغَضَبِهِ، وَيَرْضَى لِرِضَاهُ.
صُوَرٌ من غَضَبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: من خِلالِ قَولِ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون﴾. ومن خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾. لِنَنظُر أينَ نحنُ من التَّأَسِّي بسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الغَضَبِ إذا رَأَينَا مُخالَفَةً شَرعِيَّةً في بُيوتِنا؟
روى الإمام البخاري في كِتابِ الأدَبِ، بَابُ مَا يَجُوزُ مِن الْغَضَبِ وَالشِّدَّةِ لِأَمْرِ الله تعالى، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ ـ هوَ السِّترُ الرَّقيقُ وراءَ السِّترِ الغَليظِ ـ فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ.
وَقَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ».
وفي روايةٍ للإمام مسلم قالت رَضِيَ اللهُ عنها: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي ـ هيَ الرَّفُّ، أو الطَّاقُ الذي يُوضَعُ فيهِ شَيءٌ ـ بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ هَتَكَهُ وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ.
وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ الله».
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَطَعْنَاهُ، فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد غَضِبَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَما رَأى تِلكَ الصُّوَرَ والتَّماثيلَ في بَيتِهِ، لأنَّها تَمنَعُ دُخولَ مَلائِكَةَ الرَّحمَةِ إلى ذلكَ البَيتِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها أَنَّهَا قَالَتْ: وَاعَدَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ، وَفِي يَدِهِ عَصاً فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ وَقَالَ: «مَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلُهُ».
ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ هَاهُنَا؟»
فَقَالَتْ: والله مَا دَرَيْتُ.
فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ».
فَقَالَ: مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ، إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ.
وفي رواية الإمام البخاري عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةُ تَمَاثِيلَ».
حالُ بُيوتِنا اليَومَ:
أيُّها الإخوة الكرام: أكثَرُنا يَغضَبُ اليَومَ في بَيتِهِ، يَغضَبُ من الزَّوجَةِ، ومن الوَلَدِ، ومن البِنتِ، ولكن هل هذا الغَضَبُ لله تعالى؟
مُنكَراتٌ في البُيوتِ كَثيرَةٌ، وكَثيرَةٌ جِدَّاً، فأينَ الغاضِبُ لله تعالى؟
صُوَرٌ وتَماثيلُ، ويا حَبَّذا لو اقتَصَرَ النَّاسُ على الصُّوَرِ الفُوتوغرافِيَّةِ، بل التَّماثيلُ التي لا خِلافَ بينَ الفُقَهاءِ في تَحريمِها، وإضافَةً إلى الصُّوَرِ، البَعضُ يَصطَحِبُ الكَلبَ من بَيتِهِ إلى سَيَّارَتِهِ، والصُّوَرُ والكِلابُ تَمنَعُ دُخولَ مَلائِكَةَ الرَّحمَةِ ذاكَ البَيتَ، فهل استَغنى النَّاسُ عن مَلائِكَةِ الرَّحمَةِ؟!
من هذهِ المُنكَراتِ الألبِسَةُ الضَّيِّقَةُ التي تَصِفُ عَورَةَ المَرأةِ، يَدخُلُ الأبُ، ويَدخُلُ الأخُ، ويَدخُلُ العَمُّ، ويَدخُلُ الخالُ، ويَدخُلُ المَحارِمُ، ولا أحَدَ يَغضَبُ لله تعالى، والكُلُّ يَذكُرُ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القائِلِ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
هلَّا غَضِبتَ لله تعالى عِندَما تَرى ذلكَ المَنكَرَ، وأمَرتَ بالمَعروفِ ونَهَيتَ عن المُنكَرِ؟ لأنَّ من عَلاماتِ صِدقِ المَحَبَّةِ أن تُخَلِّصَ أهلَ بَيتِكَ من نارِ جَهَنَّمَ.
من هذهِ المُنكَراتِ التي لا يَغضَبُ لها الرَّجُلُ في البَيتِ، تَنَمُّصُ النِّساءِ بإزالَةِ شَعرِ الحاجِبِ واللَّعِبِ فيهِ، كُلَّ يَومٍ في شَكلٍ، والكُلُّ يَذكُرُ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القائِلِ: « لَعَنَ اللهُ الْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَوَشِّمَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ، اللَّاتي يُغَيِّرنَ خَلْقَ الله عزَّ وجلَّ» رواه النسائي عن عبد الله رَضِيَ اللهُ عنهُ.
بل رُبَّما أن تَرى بَعضَ الرِّجالِ من يَأمُرُ زَوجَتَهُ بالمُنكَرِ والعِياذُ بالله تعالى.
من هذهِ المُنكَراتِ اختِلاطُ الرَّجالِ بالنِّساءِ، معَ وُجودِ الزِّينَةِ على المَرأةِ أمامَ الرَّجُلِ الأجنَبِيِّ من أقارِبِها، ومعَ وُجودِ الغِناءِ، بل رُبَّما معَ وُجودِ الرَّقصِ والمُزاحِ، إلى غَيرِ ذلكَ من المَحظوراتِ الشَّرعِيَّةِ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد عَشعَشَ الشَّيطانُ في كَثيرٍ من بُيوتِ المُسلِمينَ، وأوقَعَهُم في المُخالَفاتِ الشَّرعِيَّةِ، حتَّى أوقَعَ البَعضَ في المُوبِقاتِ، وما ذاكَ إلا لإهمالِ راعي البَيتِ لِرَعِيَّتِهِ، وما هذا البَلاءُ الذي يُصَبُّ على الأمَّةِ إلا نَتيجَةَ إهمالِ كُلِّ راعٍ رَعِيَّتَهُ، والأَسوَءُ حالاً أن يَغُشَّ الرَّاعي رَعِيَّتَهُ، فلا يأمُرُ بِمَعروفٍ، ولا يَنهى عن مُنكَرٍ، وما ذاكَ إلا لِيَكسِبَ رِضا النَّاسِ حَسْبَ ظَنِّهِ، ومن أرضى النَّاسَ بِسَخَطِ الله تعالى سَخِطَ اللهُ تعالى عَلَيهِ، وأسخَطَ النَّاسَ عَلَيهِ.
لِيَسمَعْ كُلُّ من غَشَّ رَعِيَّتَهُ، فلم يُراقِبْهُم، ولم يَأمُرْهُم بِمَعروفٍ، ولم يَنهَهُم عن مُنكَرٍ، ولم يَغضَبْ لله تعالى إذا رأى المُنكَراتِ في رَعِيَّتِهِ، لِيَسمَعْ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القائِلِ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» رواه الإمام مسلم عن مَعْقِل بن يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
أليسَ من الغِشِّ للرَّعِيَّةِ ـ والزَّوجَةُ والأولادُ من جُملَةِ الرَّعِيَّةِ للرَّجُلِ ـ عَدَمُ مُراقَبَتِهِم، وعَدَمُ تَذكيرِهِم، وعَدَمُ الغَضَبِ لله تعالى؟
أسألُ اللهَ تعالى أن يُلهِمَنا الرُّشدَ في كُلِّ أُمورِنا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
69ـ صورة من غضب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (3)
تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: كُلُّنا يَغضَبُ، ولكن يَجِبُ عَلَينا أن نُصَنِّفَ أنفُسَنا هل غَضَبُنا يُرضي اللهَ تعالى أم يُسخِطُهُ؟ لأنَّ هُناكَ غَضَباً يُرضي اللهَ تعالى، وغَضَباً يُسخِطُ اللهَ تعالى.
فإن كانَ الغَضَبُ لله تعالى فهوَ يُرضيهِ، وإلا فهوَ يُسخِطُ اللهَ تعالى، فمن غَضِبَ حَمِيَّةً أو عَصَبِيَّةً لِغَيرِ الله تعالى فقد أسخَطَ اللهَ تعالى.
خُلُقُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كانَ خُلُقُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القُرآنَ، كانَ يَتَأدَّبُ بآدابِهِ، ويَتَخَلَّقُ بأخلاقِهِ، فما مَدَحَهُ القُرآنُ كانَ فيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رِضاهُ، وما ذَمَّهُ القُرآنُ كانَ فيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَخَطُهُ، فكانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَرضى لِرِضاهُ، ويَغضَبُ لِغَضَبِهِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد والطبراني في الكبير ـ واللَّفظُ له ـ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ خَلْقُهُ الْقُرْآنَ، يَغْضَبُ لِغَضَبِهِ، وَيَرْضَى لِرِضَاهُ.
صُوَرٌ من غَضَبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: من خِلالِ قَولِ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون﴾. ومن خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾. لِنَنظُر أينَ نحنُ من التَّأَسِّي بسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الغَضَبِ إذا رَأَينَا مُخالَفَةً شَرعِيَّةً في بُيوتِنا؟
روى الإمام البخاري في كِتابِ الأدَبِ، بَابُ مَا يَجُوزُ مِن الْغَضَبِ وَالشِّدَّةِ لِأَمْرِ الله تعالى، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ ـ هوَ السِّترُ الرَّقيقُ وراءَ السِّترِ الغَليظِ ـ فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ.
وَقَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ».
وفي روايةٍ للإمام مسلم قالت رَضِيَ اللهُ عنها: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي ـ هيَ الرَّفُّ، أو الطَّاقُ الذي يُوضَعُ فيهِ شَيءٌ ـ بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ هَتَكَهُ وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ.
وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ الله».
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَطَعْنَاهُ، فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد غَضِبَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَما رَأى تِلكَ الصُّوَرَ والتَّماثيلَ في بَيتِهِ، لأنَّها تَمنَعُ دُخولَ مَلائِكَةَ الرَّحمَةِ إلى ذلكَ البَيتِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها أَنَّهَا قَالَتْ: وَاعَدَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ، وَفِي يَدِهِ عَصاً فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ وَقَالَ: «مَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلُهُ».
ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ هَاهُنَا؟»
فَقَالَتْ: والله مَا دَرَيْتُ.
فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ».
فَقَالَ: مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ، إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ.
وفي رواية الإمام البخاري عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةُ تَمَاثِيلَ».
حالُ بُيوتِنا اليَومَ:
أيُّها الإخوة الكرام: أكثَرُنا يَغضَبُ اليَومَ في بَيتِهِ، يَغضَبُ من الزَّوجَةِ، ومن الوَلَدِ، ومن البِنتِ، ولكن هل هذا الغَضَبُ لله تعالى؟
مُنكَراتٌ في البُيوتِ كَثيرَةٌ، وكَثيرَةٌ جِدَّاً، فأينَ الغاضِبُ لله تعالى؟
صُوَرٌ وتَماثيلُ، ويا حَبَّذا لو اقتَصَرَ النَّاسُ على الصُّوَرِ الفُوتوغرافِيَّةِ، بل التَّماثيلُ التي لا خِلافَ بينَ الفُقَهاءِ في تَحريمِها، وإضافَةً إلى الصُّوَرِ، البَعضُ يَصطَحِبُ الكَلبَ من بَيتِهِ إلى سَيَّارَتِهِ، والصُّوَرُ والكِلابُ تَمنَعُ دُخولَ مَلائِكَةَ الرَّحمَةِ ذاكَ البَيتَ، فهل استَغنى النَّاسُ عن مَلائِكَةِ الرَّحمَةِ؟!
من هذهِ المُنكَراتِ الألبِسَةُ الضَّيِّقَةُ التي تَصِفُ عَورَةَ المَرأةِ، يَدخُلُ الأبُ، ويَدخُلُ الأخُ، ويَدخُلُ العَمُّ، ويَدخُلُ الخالُ، ويَدخُلُ المَحارِمُ، ولا أحَدَ يَغضَبُ لله تعالى، والكُلُّ يَذكُرُ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القائِلِ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
هلَّا غَضِبتَ لله تعالى عِندَما تَرى ذلكَ المَنكَرَ، وأمَرتَ بالمَعروفِ ونَهَيتَ عن المُنكَرِ؟ لأنَّ من عَلاماتِ صِدقِ المَحَبَّةِ أن تُخَلِّصَ أهلَ بَيتِكَ من نارِ جَهَنَّمَ.
من هذهِ المُنكَراتِ التي لا يَغضَبُ لها الرَّجُلُ في البَيتِ، تَنَمُّصُ النِّساءِ بإزالَةِ شَعرِ الحاجِبِ واللَّعِبِ فيهِ، كُلَّ يَومٍ في شَكلٍ، والكُلُّ يَذكُرُ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القائِلِ: « لَعَنَ اللهُ الْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَوَشِّمَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ، اللَّاتي يُغَيِّرنَ خَلْقَ الله عزَّ وجلَّ» رواه النسائي عن عبد الله رَضِيَ اللهُ عنهُ.
بل رُبَّما أن تَرى بَعضَ الرِّجالِ من يَأمُرُ زَوجَتَهُ بالمُنكَرِ والعِياذُ بالله تعالى.
من هذهِ المُنكَراتِ اختِلاطُ الرَّجالِ بالنِّساءِ، معَ وُجودِ الزِّينَةِ على المَرأةِ أمامَ الرَّجُلِ الأجنَبِيِّ من أقارِبِها، ومعَ وُجودِ الغِناءِ، بل رُبَّما معَ وُجودِ الرَّقصِ والمُزاحِ، إلى غَيرِ ذلكَ من المَحظوراتِ الشَّرعِيَّةِ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد عَشعَشَ الشَّيطانُ في كَثيرٍ من بُيوتِ المُسلِمينَ، وأوقَعَهُم في المُخالَفاتِ الشَّرعِيَّةِ، حتَّى أوقَعَ البَعضَ في المُوبِقاتِ، وما ذاكَ إلا لإهمالِ راعي البَيتِ لِرَعِيَّتِهِ، وما هذا البَلاءُ الذي يُصَبُّ على الأمَّةِ إلا نَتيجَةَ إهمالِ كُلِّ راعٍ رَعِيَّتَهُ، والأَسوَءُ حالاً أن يَغُشَّ الرَّاعي رَعِيَّتَهُ، فلا يأمُرُ بِمَعروفٍ، ولا يَنهى عن مُنكَرٍ، وما ذاكَ إلا لِيَكسِبَ رِضا النَّاسِ حَسْبَ ظَنِّهِ، ومن أرضى النَّاسَ بِسَخَطِ الله تعالى سَخِطَ اللهُ تعالى عَلَيهِ، وأسخَطَ النَّاسَ عَلَيهِ.
لِيَسمَعْ كُلُّ من غَشَّ رَعِيَّتَهُ، فلم يُراقِبْهُم، ولم يَأمُرْهُم بِمَعروفٍ، ولم يَنهَهُم عن مُنكَرٍ، ولم يَغضَبْ لله تعالى إذا رأى المُنكَراتِ في رَعِيَّتِهِ، لِيَسمَعْ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القائِلِ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» رواه الإمام مسلم عن مَعْقِل بن يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
أليسَ من الغِشِّ للرَّعِيَّةِ ـ والزَّوجَةُ والأولادُ من جُملَةِ الرَّعِيَّةِ للرَّجُلِ ـ عَدَمُ مُراقَبَتِهِم، وعَدَمُ تَذكيرِهِم، وعَدَمُ الغَضَبِ لله تعالى؟
أسألُ اللهَ تعالى أن يُلهِمَنا الرُّشدَ في كُلِّ أُمورِنا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin