مع الحبيب المصطفى: بهذا أمرت
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
62ـ بهذا أمرت
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: يَقولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في مَعنى قَولِهِ تعالى: ﴿من ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً واللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾.
صَدَّرَ اللهُ سُبحانَهُ الآيَةَ بألطَفِ أنواعِ الخِطابِ، وهوَ الاستِفهامُ المتَضَمِّنُ لمعنَى الطَّلَبِ، وهوَ أبلَغُ في الطَّلَبِ من صِيغَةِ الأمرِ، والمعنى: هل أحَدٌ يَبذُلُ هذا القَرضَ الحَسَنَ فَيُجازَى عليهِ أضعافاً مُضاعَفَةً؟
وسُمِّيَ ذلكَ الإنفاقُ قَرضاً حَسَناً حَثَّاً للنُّفوسِ وبَعثاً لها على البَذْلِ، لأنَّ الباذِلَ مَتَى عَلِمَ أنَّ عَينَ مَالِهِ يَعودُ إليهِ ولا بُدَّ، طَوَّعَت له نَفسُهُ بَذْلَهُ وسَهُلَ عليه إخراجُهُ.
فإن عَلِمَ أنَّ المستَقرِضَ مَلِيٌّ وَفِيٌّ مُحسِنٌ كانَ أبلَغَ في طِيبِ قَلبِهِ وسَماحَةِ نَفسِهِ، فإن عَلِمَ أنَّ المستَقرِضَ يَتَّجِرُ له بما اقتَرَضَهُ ويُنَمِّيهِ له ويُثَمِّرُهُ حتَّى يَصيرَ أضعافَ ما بَذَلَهُ كانَ بالقَرضِ أسمَحَ وأسمَحَ.
صَنائِعُ المَعروفِ تَقي مَصارِعَ السُّوءِ:
أيُّها الإخوة الكرام: روى الطبراني عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَت: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ، وكُلُّ مَعروفٍ صَدَقَةٌ، وأهلُ المعروفِ في الدُّنيا أهلُ المعروفِ في الآخِرَةِ، وأهلُ المنكَرِ في الدُّنيا أهلُ المنكَرِ في الآخِرَةِ، وأوَّلُ من يَدخُلُ الجَنَّةَ أهلُ المعروفِ».
أجوَدَ النَّاسِ، وخاصَّةً في رَمَضان:
أيُّها الإخوة الكرام: شَهرُ رَمَضانَ المبارَكَ هوَ شَهرُ الجَودِ والعَطاءِ، تَتَضاعَفُ فيهِ الحَسَناتُ، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَن تَقَرَّبَ فيه بِخصلَةٍ من الخَيرِ، كانَ كَمَن أدَّى فَريضَةً فيما سِواهُ، ومَن أدَّى فيهِ فَريضَةً كانَ كَمَن أدَّى سَبعينَ فَريضَةً فيما سِواهُ» رواه البيهقي عن سَلمانَ الفارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وقد كانَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أجوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجوَدَ ما يَكونُ في رَمَضانَ، روى الشيخان عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِن الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
وكيفَ لا يَكونُ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كذلكَ وهوَ القائِلُ فيما رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ».
وقالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ يَمِينَ الله مَلْأَى، لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ـ دائِمُ العَطاءِ ـ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْفَيْضُ ـ أَوْ الْقَبْضُ ـ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
«بهذا أُمِرتُ»:
أيُّها الإخوة الكرام: أخرج الترمذي في الشمائِلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَكِنِ ابْتَعْ عَلَيَّ، فَإِذَا جَاءَنِي شَيْءٌ قَضَيْتُهُ».
فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله، قَدْ أَعْطَيْتَهُ، فَمَا كَلَّفَكَ اللهُ مَا لاَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ عُمَرَ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ الله، أَنْفِقْ وَلا تَخَفْ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلالاً، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعُرِفَ فِي وَجْهِهِ الْبِشْرُ، لِقَوْلِ الأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ قَالَ: «بِهَذَا أُمِرْتُ».
«اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً»:
أيُّها الإخوة الكرام: أكثِروا من الإنفاقِ في هذا الشَّهرِ العَظيمِ المبارَكِ، وخاصَّةً في هذهِ الأزمَةِ، وإيَّاكُم والإمساكَ خَشيَةَ الفَقرِ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً».
اِغتَنِم الأجرَ في الصَّدَقَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: اِغتَنِموا أجرَ الصَّدَقَةِ، واغتَنِموا أعظَمَها أجراً، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أَتَى رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ؟
فَقَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَت الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، أَلَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ».
أيُّها الإخوة الكرام: السَّعيدُ المُوَفَّقُ هوَ الذي يَتَنافَسُ معَ الآخَرينَ في فِعلِ الخَيراتِ، ويُسابِقُ الخَيراتِ قَبلَ أن تَفوتَهُ، لأنَّهُ لا يَدري أحَدُنا متى يَنتَهي أجَلُهُ.
روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِماً؟»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.
قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُم الْيَوْمَ جَنَازَةً؟»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.
قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُم الْيَوْمَ مِسْكِيناً؟»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.
قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُم الْيَوْمَ مَرِيضاً؟»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: الإنفاقُ من كَمالِ الإيمانِ وحُسنِ الإسلامِ، ودَليلٌ على حُسنِ الظَّنِّ بالله تعالى والثِّقَةِ به، وهوَ شُكرٌ لِنِعمَةِ الله تعالى، وسَبَبٌ لِنَيلِ حُبِّ الله تعالى، وحُبِّ العِبادِ، وسَبَبٌ لِتَقوِيَةِ العلاقاتِ الاجتِماعِيَّةِ بينَ أفرادِ الأمَّةِ.
الإنفاقُ دَليلُ الطَّبعِ السَّليمِ، وهوَ طَريقٌ مُوصِلَةٌ إلى الجَنَّةِ، وسَبَبٌ لِبَرَكَةِ المالِ ولِنَمائِهِ، وصَدَقَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القائلُ: «ثَلَاثٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنْ كُنْتُ لَحَالِفاً عَلَيْهِنَّ، لَا يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ، فَتَصَدَّقُوا، وَلَا يَعْفُو عَبْدٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ الله إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا، وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ» رواه الإمام أحمد عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
اللَّهُمَّ وَفِّقنا لما تُحِبُّهُ وتَرضاهُ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
62ـ بهذا أمرت
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: يَقولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في مَعنى قَولِهِ تعالى: ﴿من ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً واللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾.
صَدَّرَ اللهُ سُبحانَهُ الآيَةَ بألطَفِ أنواعِ الخِطابِ، وهوَ الاستِفهامُ المتَضَمِّنُ لمعنَى الطَّلَبِ، وهوَ أبلَغُ في الطَّلَبِ من صِيغَةِ الأمرِ، والمعنى: هل أحَدٌ يَبذُلُ هذا القَرضَ الحَسَنَ فَيُجازَى عليهِ أضعافاً مُضاعَفَةً؟
وسُمِّيَ ذلكَ الإنفاقُ قَرضاً حَسَناً حَثَّاً للنُّفوسِ وبَعثاً لها على البَذْلِ، لأنَّ الباذِلَ مَتَى عَلِمَ أنَّ عَينَ مَالِهِ يَعودُ إليهِ ولا بُدَّ، طَوَّعَت له نَفسُهُ بَذْلَهُ وسَهُلَ عليه إخراجُهُ.
فإن عَلِمَ أنَّ المستَقرِضَ مَلِيٌّ وَفِيٌّ مُحسِنٌ كانَ أبلَغَ في طِيبِ قَلبِهِ وسَماحَةِ نَفسِهِ، فإن عَلِمَ أنَّ المستَقرِضَ يَتَّجِرُ له بما اقتَرَضَهُ ويُنَمِّيهِ له ويُثَمِّرُهُ حتَّى يَصيرَ أضعافَ ما بَذَلَهُ كانَ بالقَرضِ أسمَحَ وأسمَحَ.
صَنائِعُ المَعروفِ تَقي مَصارِعَ السُّوءِ:
أيُّها الإخوة الكرام: روى الطبراني عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَت: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ، وكُلُّ مَعروفٍ صَدَقَةٌ، وأهلُ المعروفِ في الدُّنيا أهلُ المعروفِ في الآخِرَةِ، وأهلُ المنكَرِ في الدُّنيا أهلُ المنكَرِ في الآخِرَةِ، وأوَّلُ من يَدخُلُ الجَنَّةَ أهلُ المعروفِ».
أجوَدَ النَّاسِ، وخاصَّةً في رَمَضان:
أيُّها الإخوة الكرام: شَهرُ رَمَضانَ المبارَكَ هوَ شَهرُ الجَودِ والعَطاءِ، تَتَضاعَفُ فيهِ الحَسَناتُ، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَن تَقَرَّبَ فيه بِخصلَةٍ من الخَيرِ، كانَ كَمَن أدَّى فَريضَةً فيما سِواهُ، ومَن أدَّى فيهِ فَريضَةً كانَ كَمَن أدَّى سَبعينَ فَريضَةً فيما سِواهُ» رواه البيهقي عن سَلمانَ الفارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وقد كانَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أجوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجوَدَ ما يَكونُ في رَمَضانَ، روى الشيخان عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِن الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
وكيفَ لا يَكونُ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كذلكَ وهوَ القائِلُ فيما رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ».
وقالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ يَمِينَ الله مَلْأَى، لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ـ دائِمُ العَطاءِ ـ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْفَيْضُ ـ أَوْ الْقَبْضُ ـ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
«بهذا أُمِرتُ»:
أيُّها الإخوة الكرام: أخرج الترمذي في الشمائِلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَكِنِ ابْتَعْ عَلَيَّ، فَإِذَا جَاءَنِي شَيْءٌ قَضَيْتُهُ».
فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله، قَدْ أَعْطَيْتَهُ، فَمَا كَلَّفَكَ اللهُ مَا لاَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ عُمَرَ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ الله، أَنْفِقْ وَلا تَخَفْ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلالاً، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعُرِفَ فِي وَجْهِهِ الْبِشْرُ، لِقَوْلِ الأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ قَالَ: «بِهَذَا أُمِرْتُ».
«اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً»:
أيُّها الإخوة الكرام: أكثِروا من الإنفاقِ في هذا الشَّهرِ العَظيمِ المبارَكِ، وخاصَّةً في هذهِ الأزمَةِ، وإيَّاكُم والإمساكَ خَشيَةَ الفَقرِ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً».
اِغتَنِم الأجرَ في الصَّدَقَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: اِغتَنِموا أجرَ الصَّدَقَةِ، واغتَنِموا أعظَمَها أجراً، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أَتَى رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ؟
فَقَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَت الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، أَلَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ».
أيُّها الإخوة الكرام: السَّعيدُ المُوَفَّقُ هوَ الذي يَتَنافَسُ معَ الآخَرينَ في فِعلِ الخَيراتِ، ويُسابِقُ الخَيراتِ قَبلَ أن تَفوتَهُ، لأنَّهُ لا يَدري أحَدُنا متى يَنتَهي أجَلُهُ.
روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِماً؟»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.
قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُم الْيَوْمَ جَنَازَةً؟»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.
قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُم الْيَوْمَ مِسْكِيناً؟»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.
قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُم الْيَوْمَ مَرِيضاً؟»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: الإنفاقُ من كَمالِ الإيمانِ وحُسنِ الإسلامِ، ودَليلٌ على حُسنِ الظَّنِّ بالله تعالى والثِّقَةِ به، وهوَ شُكرٌ لِنِعمَةِ الله تعالى، وسَبَبٌ لِنَيلِ حُبِّ الله تعالى، وحُبِّ العِبادِ، وسَبَبٌ لِتَقوِيَةِ العلاقاتِ الاجتِماعِيَّةِ بينَ أفرادِ الأمَّةِ.
الإنفاقُ دَليلُ الطَّبعِ السَّليمِ، وهوَ طَريقٌ مُوصِلَةٌ إلى الجَنَّةِ، وسَبَبٌ لِبَرَكَةِ المالِ ولِنَمائِهِ، وصَدَقَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القائلُ: «ثَلَاثٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنْ كُنْتُ لَحَالِفاً عَلَيْهِنَّ، لَا يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ، فَتَصَدَّقُوا، وَلَا يَعْفُو عَبْدٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ الله إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا، وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ» رواه الإمام أحمد عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
اللَّهُمَّ وَفِّقنا لما تُحِبُّهُ وتَرضاهُ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin