مع الحبيب المصطفى: فأبى أن يستغفر لهم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
61ـ فأبى أن يستغفر لهم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: المُتَأمِّلُ في القِيَمِ الأخلاقِيَّةِ كُلِّها يَجِدُ أنَّ الحَياءَ أشبَهُ ما يَكونُ بِمَنزِلَةِ الرَّحِمِ التي تَوَلَّدَت منها جَميعُ القِيَمِ الأخلاقِيَّةِ، إذا ليسَ لإنسانٍ أن يَتَحَلَّى بِخُلُقٍ من الأخلاقِ الفاضِلَةِ ما لم يَكُن فيهِ خُلُقُ الحَياءِ، وصَدَقَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القائِلُ: «الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ» رواه الشيخان عن عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وروى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ ـ أي: يَنهاهُ عنهُ، ويُقَبِّحُ له فِعلَهُ، ويَزجُرُهُ عن كَثرَتِهِ ـ يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ».
وَصْفُ الحياءِ في الأحاديثِ الشَّريفَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَسمَعْ إلى بَعضِ أحاديثِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الحَياءِ:
أولاً: روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، وَمَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ»
ثانياً: روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ»
ثالثاً: روى البيهقي والطبراني عن قُرَّةَ بن إياسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَذُكِرَ عِنْدَهُ الْحَيَاءُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، الْحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ؟
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ».
رابعاً: روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْحَيَاءُ مِن الْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ ـ يعني: الفُحشَ من القَولِ ـ مِن الْجَفَاءِ ـ يعني: غِلَظَ الطَّبعِ ـ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ».
خامساً: روى الطبراني في الأوسط عن عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يا عائِشَةُ، لو كانَ الحَياءُ رجُلاً لَكانَ رجُلاً صالِحَاً، ولو كانَ البَذَاءُ رجُلاً لَكانَ رَجُلَ سُوءٍ».
سادساً: روى البيهقي عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ يَقولُ: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ أوَّلَ ما يُرفَعُ من هذهِ الأمَّةِ الحَياءُ والأمانَةُ، فَسَلُوهُمَا اللهَ عزَّ وجلَّ».
وفي رواية لأبي يعلى عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أوَّلُ ما يُرفَعُ من هذهِ الأمَّةِ الحَياءُ والأمانَةُ، وآخِرُ ما يَبقَى منها الصَّلاةُ، وقَد يُصَلِّي قَومٌ لا خَلاقَ لَهُم».
«اِستَحيَيتُ من ربِّي»:
أيُّها الإخوة الكرام: سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ الأمَّةَ كيفَ يَكونُ الحَياءُ، وخاصَّةً من الله تعالى.
روى الشيخان في حديثِ الإسراءِ والمِعراجِ، عن أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَفَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟
قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلَاةً.
قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ.
فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا.
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا.
فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ.
فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا.
فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ.
فَرَاجَعْتُهُ فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ.
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ.
فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ استَحيا من الله تعالى في مَسألَةِ التَّخفيفِ عن الأمَّةِ بشَأنِ الصَّلاةِ، فهل الأمَّةُ تَستَحي من الله تعالى فلا تَعصِهِ عَمداً؟
الجُرأةَ على المَعصِيَةِ أمرٌ خَطيرٌ، وخاصَّةً إذا جاهَرَ بها العَبدُ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ الله عَنْهُ».
أمَا يَخشى هذا المُجاهِرُ من حِرمانِ الشَّفاعَةِ يومَ القِيامَةِ؟
روى الإمام أحمد والبزار عن عَبْد الله بْن الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ مَرَّ وَصَاحِبٌ لَهُ بِأَيْمَنَ وَفِئَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ حَلُّوا أُزُرَهُمْ، فَجَعَلُوهَا مَخَارِيقَ يَجْتَلِدُونَ بِهَا ـ أي: لَفُّوا ثِيابَهُم وجَدَلوها فصارت كالحِبالِ التي يَتَضارَبُ بها الصِّبيانُ ـ وَهُمْ عُرَاةٌ.
قَالَ عَبْدُ الله: فَلَمَّا مَرَرْنَا بِهِمْ قَالُوا: إِنَّ هَؤُلَاءِ قِسِّيسُونَ فَدَعُوهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ تَبَدَّدُوا.
فَرَجَعَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُغْضَباً، حَتَّى دَخَلَ وَكُنْتُ أَنَا وَرَاءَ الْحُجْرَةِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «سُبْحَانَ الله!! لَا مِن الله اسْتَحْيَوْا، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ اسْتَتَرُوا».
وَأُمُّ أَيْمَنَ عِنْدَهُ تَقُولُ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ يَا رَسُولَ الله.
قَالَ عَبْدُ الله: فَبِلَأْيٍ مَا أَسْتَغْفِرُ لَهُمْ.
وقَولُهُ: فَبِلَأْيٍ: أي بِشِدَّةٍ، ومنهُ اللَّأواءُ، والمعنى: أنَّهُ أستَغفر لهم بعد شدة امتناعه من ذَلِكَ
ومن روايَة البزَّار: فَأبَى أن يَستَغفِرَ لهُم.
أيُّها الإخوة الكرام: أمَا يَستَحيي العَبدُ من ربِّهِ؟ خَيرُ الله إلى العَبدِ نازِلٌ، وشَرُّ العَبدِ إلى الله صاعِدٌ.
اللَّهُمَّ ارزُقنا حَقَّ الحَياءِ منكَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
61ـ فأبى أن يستغفر لهم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: المُتَأمِّلُ في القِيَمِ الأخلاقِيَّةِ كُلِّها يَجِدُ أنَّ الحَياءَ أشبَهُ ما يَكونُ بِمَنزِلَةِ الرَّحِمِ التي تَوَلَّدَت منها جَميعُ القِيَمِ الأخلاقِيَّةِ، إذا ليسَ لإنسانٍ أن يَتَحَلَّى بِخُلُقٍ من الأخلاقِ الفاضِلَةِ ما لم يَكُن فيهِ خُلُقُ الحَياءِ، وصَدَقَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القائِلُ: «الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ» رواه الشيخان عن عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وروى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ ـ أي: يَنهاهُ عنهُ، ويُقَبِّحُ له فِعلَهُ، ويَزجُرُهُ عن كَثرَتِهِ ـ يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ».
وَصْفُ الحياءِ في الأحاديثِ الشَّريفَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَسمَعْ إلى بَعضِ أحاديثِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الحَياءِ:
أولاً: روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، وَمَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ»
ثانياً: روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ»
ثالثاً: روى البيهقي والطبراني عن قُرَّةَ بن إياسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَذُكِرَ عِنْدَهُ الْحَيَاءُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، الْحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ؟
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ».
رابعاً: روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْحَيَاءُ مِن الْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ ـ يعني: الفُحشَ من القَولِ ـ مِن الْجَفَاءِ ـ يعني: غِلَظَ الطَّبعِ ـ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ».
خامساً: روى الطبراني في الأوسط عن عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يا عائِشَةُ، لو كانَ الحَياءُ رجُلاً لَكانَ رجُلاً صالِحَاً، ولو كانَ البَذَاءُ رجُلاً لَكانَ رَجُلَ سُوءٍ».
سادساً: روى البيهقي عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ يَقولُ: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ أوَّلَ ما يُرفَعُ من هذهِ الأمَّةِ الحَياءُ والأمانَةُ، فَسَلُوهُمَا اللهَ عزَّ وجلَّ».
وفي رواية لأبي يعلى عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أوَّلُ ما يُرفَعُ من هذهِ الأمَّةِ الحَياءُ والأمانَةُ، وآخِرُ ما يَبقَى منها الصَّلاةُ، وقَد يُصَلِّي قَومٌ لا خَلاقَ لَهُم».
«اِستَحيَيتُ من ربِّي»:
أيُّها الإخوة الكرام: سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ الأمَّةَ كيفَ يَكونُ الحَياءُ، وخاصَّةً من الله تعالى.
روى الشيخان في حديثِ الإسراءِ والمِعراجِ، عن أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَفَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟
قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلَاةً.
قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ.
فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا.
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا.
فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ.
فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا.
فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ.
فَرَاجَعْتُهُ فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ.
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ.
فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ استَحيا من الله تعالى في مَسألَةِ التَّخفيفِ عن الأمَّةِ بشَأنِ الصَّلاةِ، فهل الأمَّةُ تَستَحي من الله تعالى فلا تَعصِهِ عَمداً؟
الجُرأةَ على المَعصِيَةِ أمرٌ خَطيرٌ، وخاصَّةً إذا جاهَرَ بها العَبدُ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ الله عَنْهُ».
أمَا يَخشى هذا المُجاهِرُ من حِرمانِ الشَّفاعَةِ يومَ القِيامَةِ؟
روى الإمام أحمد والبزار عن عَبْد الله بْن الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ مَرَّ وَصَاحِبٌ لَهُ بِأَيْمَنَ وَفِئَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ حَلُّوا أُزُرَهُمْ، فَجَعَلُوهَا مَخَارِيقَ يَجْتَلِدُونَ بِهَا ـ أي: لَفُّوا ثِيابَهُم وجَدَلوها فصارت كالحِبالِ التي يَتَضارَبُ بها الصِّبيانُ ـ وَهُمْ عُرَاةٌ.
قَالَ عَبْدُ الله: فَلَمَّا مَرَرْنَا بِهِمْ قَالُوا: إِنَّ هَؤُلَاءِ قِسِّيسُونَ فَدَعُوهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ تَبَدَّدُوا.
فَرَجَعَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُغْضَباً، حَتَّى دَخَلَ وَكُنْتُ أَنَا وَرَاءَ الْحُجْرَةِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «سُبْحَانَ الله!! لَا مِن الله اسْتَحْيَوْا، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ اسْتَتَرُوا».
وَأُمُّ أَيْمَنَ عِنْدَهُ تَقُولُ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ يَا رَسُولَ الله.
قَالَ عَبْدُ الله: فَبِلَأْيٍ مَا أَسْتَغْفِرُ لَهُمْ.
وقَولُهُ: فَبِلَأْيٍ: أي بِشِدَّةٍ، ومنهُ اللَّأواءُ، والمعنى: أنَّهُ أستَغفر لهم بعد شدة امتناعه من ذَلِكَ
ومن روايَة البزَّار: فَأبَى أن يَستَغفِرَ لهُم.
أيُّها الإخوة الكرام: أمَا يَستَحيي العَبدُ من ربِّهِ؟ خَيرُ الله إلى العَبدِ نازِلٌ، وشَرُّ العَبدِ إلى الله صاعِدٌ.
اللَّهُمَّ ارزُقنا حَقَّ الحَياءِ منكَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin