مع الحبيب المصطفى: حتى تنتهي الشفاعة إلي
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
55 ـ حتى تنتهي الشفاعة إلي
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: للعِبادَةِ لَذَّةٌ وحَلاوَةٌ، ونَعيمٌ وطَلاوَةٌ، فمن طَعِمَ حَلاوَتَها، وذاقَ لَذَّتَها، تَعَلَّقَ بها وعَشِقَها، ولا يَنفَكُّ عنها، لأنَّها تَصيرُ راحَتَهُ وريحانَهُ، فلا يَرتاحُ بِدونِها، ولا يَدَعُها إلا بِمَشَقَّةٍ غالِبَةٍ، كَنُعاسٍ ومَرَضٍ شَديدٍ.
وأعظَمُ من ذاقَ حَلاوَةَ العِبادَةِ، وأعظَمُ من نَعِمَ بها، وشَهِدَ أسرارَها وأنوارَها هوَ سيِّدُنا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إمامُ العُبَّادِ، وسيِّدُ العابِدينَ، وسيِّدُ الأولِياءِ والصَّالِحينَ، وأعظَمُ الأنبِياءِ والمُرسَلينَ، عليهِم صَلَواتُ الله وسَلامُهُ أجمعين، وأتقى الأوَّلينَ والآخِرينَ.
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: من عَرَفَ الآمِرَ عَشِقَ أمرَهُ، ومن عَرَفَ المُكَلِّفَ عَشِقَ تَكليفَهُ، ومن عَرَفَ ربَّهُ تفانى في تَنفيذِ ما أمَرَهُ به، حُبَّاً وشَوقاً وشُكراً.
هذا سيِّدُنا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يأمُرُهُ ربُّنا عزَّ وجلَّ بِقَولِهِ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾. ومعنى ﴿نَافِلَةً لَّكَ﴾ أي: عِبادَةً زائِدَةً لكَ على بَقِيَّةِ الفَرائِضِ، وبهذا يَكونُ قِيامُ اللَّيلِ فَريضَةً في حَقِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وإمَّا أن يَكونَ قِيامُ اللَّيلِ نافِلَةً في حَقِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ تَطَوُّعاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هيَ خالِصَةٌ له في رِفعَةِ دَرَجاتِهِ، وكَثرَةِ حَسَناتِهِ، لأنَّهُ لا ذَنبَ عليه.
فالتَّهَجُّدُ نافِلَةٌ في حَقِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخِلافِ الأمَّةِ، فإنَّ لها ذُنُوباً، وهيَ تَحتاجُ إلى كَفَّاراتٍ، ولهُم تَقصيراتٌ، وهيَ تَحتاجُ إلى مُكَمِّلاتٍ، فالتَّطَوُّعُ من الأمَّةِ لِتَكفيرِ الذُّنوبِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ﴾. ويَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» رواه الحاكم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
فهُم بِحاجَةٍ إلى تَكفيرِ هذهِ الخَطايا، ويَكونُ ذَلكَ بالنَّوافِلِ.
أو يَكونُ التَّطَوُّعُ منهُم لِتَكميلِ ما نَقَصَ من الفرائِضِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِن انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِن الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ».
﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: فالتَّهَجُّدُ الذي كُلِّفَ به سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ليسَ لمغفِرَةِ ذَنبٍ، لأنَّهُ لا ذَنبَ لهُ، ولا لِتَكميلِ نَقصٍ لأنَّهُ ما أنقَصَ شيئاً، بل هوَ لمزيدِ الرَّفعِ في دَرَجاتِهِ في الآخِرَةِ.
لذلكَ رَتَّبَ ربُّنا عزَّ وجلَّ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على صَلاةِ النَّافِلَةِ والتَّهَجُّدِ المَقامَ المَحمودَ الذي تَحمَدُهُ عليهِ الخَلائِقُ كُلُّهُم، الأوَّلونَ والآخِرونَ، وهوَ مَقامُ الشَّفاعَةِ العامَّةِ العُظمى، قال تعالى: ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾.
روى الإمام البخاري عن ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثاً ـ جَمَاعاتٍ ـ، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا، يَقُولُونَ: يَا فُلَانُ اشْفَعْ، يَا فُلَانُ اشْفَعْ، حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ.
﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام مسلم عن سَعدِ بنِ هِشامٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال لعائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟
قال: بَلَى.
قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ.
قَالَ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ وَلَا أَسْأَلَ أَحَداً عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ.
ثُمَّ بَدَا لِي فَقُلْتُ: أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾.
قال: بَلَى.
قَالَتْ: فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً، وَأَمْسَكَ اللهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً فِي السَّمَاءِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعاً بَعْدَ فَرِيضَةٍ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ أعظَمَ مِنحَةٍ يَمنَحُها اللهُ تعالى لِعَبدِهِ هيَ مِنحَةُ التَّلَذُّذِ بالعِبادَةِ، وهيَ راحَةُ النَّفسِ وسَعادَتُها، وسِرُّ اطمِئنانِ القَلبِ وانشِراحِ الصَّدرِ، وهيَ سَبَبٌ لِوَساعَةِ الصَّدرِ.
ولَذَّةُ العِبادَةِ تَتَفاوَتُ من مؤمنٍ لآخَرَ، وذلكَ حسبَ قُوَّةِ الإيمانِ وضَعفِهِ، والسَّعيدُ من جاهَدَ نَفسَهُ وألزَمَها العِبادَةَ حتَّى تُصبِحَ المُستَراحَ لهُ.
يَقولُ سيِّدُنا مُعاذُ بنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ عِندَ مَوتِهِ وهوَ يَبكي: إنَّما أبكي على ظَمَأ الهَواجِرِ، وقِيامِ لَيلِ الشِّتاءِ، ومُزاحَمَةِ العُلَماءِ بالرُّكَبِ عِندَ حِلَقِ الذِّكرِ. اهـ.
ويَقولُ بَعضُ الصَّالِحينَ: مَساكينُ أهلِ الدُّنيا خَرَجوا منها وما ذاقوا أطيَبَ ما فيها.
قيلَ: وما أطيَبُ ما فيها؟
قال: مَحَبَّةُ الله تعالى ومَعرِفَتُهُ وذِكرُهُ.
اللَّهُمَّ أكرِمنا بِلَذَّةِ الطَّاعَةِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
55 ـ حتى تنتهي الشفاعة إلي
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: للعِبادَةِ لَذَّةٌ وحَلاوَةٌ، ونَعيمٌ وطَلاوَةٌ، فمن طَعِمَ حَلاوَتَها، وذاقَ لَذَّتَها، تَعَلَّقَ بها وعَشِقَها، ولا يَنفَكُّ عنها، لأنَّها تَصيرُ راحَتَهُ وريحانَهُ، فلا يَرتاحُ بِدونِها، ولا يَدَعُها إلا بِمَشَقَّةٍ غالِبَةٍ، كَنُعاسٍ ومَرَضٍ شَديدٍ.
وأعظَمُ من ذاقَ حَلاوَةَ العِبادَةِ، وأعظَمُ من نَعِمَ بها، وشَهِدَ أسرارَها وأنوارَها هوَ سيِّدُنا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إمامُ العُبَّادِ، وسيِّدُ العابِدينَ، وسيِّدُ الأولِياءِ والصَّالِحينَ، وأعظَمُ الأنبِياءِ والمُرسَلينَ، عليهِم صَلَواتُ الله وسَلامُهُ أجمعين، وأتقى الأوَّلينَ والآخِرينَ.
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: من عَرَفَ الآمِرَ عَشِقَ أمرَهُ، ومن عَرَفَ المُكَلِّفَ عَشِقَ تَكليفَهُ، ومن عَرَفَ ربَّهُ تفانى في تَنفيذِ ما أمَرَهُ به، حُبَّاً وشَوقاً وشُكراً.
هذا سيِّدُنا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يأمُرُهُ ربُّنا عزَّ وجلَّ بِقَولِهِ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾. ومعنى ﴿نَافِلَةً لَّكَ﴾ أي: عِبادَةً زائِدَةً لكَ على بَقِيَّةِ الفَرائِضِ، وبهذا يَكونُ قِيامُ اللَّيلِ فَريضَةً في حَقِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وإمَّا أن يَكونَ قِيامُ اللَّيلِ نافِلَةً في حَقِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ تَطَوُّعاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هيَ خالِصَةٌ له في رِفعَةِ دَرَجاتِهِ، وكَثرَةِ حَسَناتِهِ، لأنَّهُ لا ذَنبَ عليه.
فالتَّهَجُّدُ نافِلَةٌ في حَقِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخِلافِ الأمَّةِ، فإنَّ لها ذُنُوباً، وهيَ تَحتاجُ إلى كَفَّاراتٍ، ولهُم تَقصيراتٌ، وهيَ تَحتاجُ إلى مُكَمِّلاتٍ، فالتَّطَوُّعُ من الأمَّةِ لِتَكفيرِ الذُّنوبِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ﴾. ويَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» رواه الحاكم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
فهُم بِحاجَةٍ إلى تَكفيرِ هذهِ الخَطايا، ويَكونُ ذَلكَ بالنَّوافِلِ.
أو يَكونُ التَّطَوُّعُ منهُم لِتَكميلِ ما نَقَصَ من الفرائِضِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِن انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِن الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ».
﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: فالتَّهَجُّدُ الذي كُلِّفَ به سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ليسَ لمغفِرَةِ ذَنبٍ، لأنَّهُ لا ذَنبَ لهُ، ولا لِتَكميلِ نَقصٍ لأنَّهُ ما أنقَصَ شيئاً، بل هوَ لمزيدِ الرَّفعِ في دَرَجاتِهِ في الآخِرَةِ.
لذلكَ رَتَّبَ ربُّنا عزَّ وجلَّ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على صَلاةِ النَّافِلَةِ والتَّهَجُّدِ المَقامَ المَحمودَ الذي تَحمَدُهُ عليهِ الخَلائِقُ كُلُّهُم، الأوَّلونَ والآخِرونَ، وهوَ مَقامُ الشَّفاعَةِ العامَّةِ العُظمى، قال تعالى: ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾.
روى الإمام البخاري عن ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثاً ـ جَمَاعاتٍ ـ، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا، يَقُولُونَ: يَا فُلَانُ اشْفَعْ، يَا فُلَانُ اشْفَعْ، حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ.
﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام مسلم عن سَعدِ بنِ هِشامٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال لعائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟
قال: بَلَى.
قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ.
قَالَ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ وَلَا أَسْأَلَ أَحَداً عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ.
ثُمَّ بَدَا لِي فَقُلْتُ: أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾.
قال: بَلَى.
قَالَتْ: فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً، وَأَمْسَكَ اللهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً فِي السَّمَاءِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعاً بَعْدَ فَرِيضَةٍ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ أعظَمَ مِنحَةٍ يَمنَحُها اللهُ تعالى لِعَبدِهِ هيَ مِنحَةُ التَّلَذُّذِ بالعِبادَةِ، وهيَ راحَةُ النَّفسِ وسَعادَتُها، وسِرُّ اطمِئنانِ القَلبِ وانشِراحِ الصَّدرِ، وهيَ سَبَبٌ لِوَساعَةِ الصَّدرِ.
ولَذَّةُ العِبادَةِ تَتَفاوَتُ من مؤمنٍ لآخَرَ، وذلكَ حسبَ قُوَّةِ الإيمانِ وضَعفِهِ، والسَّعيدُ من جاهَدَ نَفسَهُ وألزَمَها العِبادَةَ حتَّى تُصبِحَ المُستَراحَ لهُ.
يَقولُ سيِّدُنا مُعاذُ بنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ عِندَ مَوتِهِ وهوَ يَبكي: إنَّما أبكي على ظَمَأ الهَواجِرِ، وقِيامِ لَيلِ الشِّتاءِ، ومُزاحَمَةِ العُلَماءِ بالرُّكَبِ عِندَ حِلَقِ الذِّكرِ. اهـ.
ويَقولُ بَعضُ الصَّالِحينَ: مَساكينُ أهلِ الدُّنيا خَرَجوا منها وما ذاقوا أطيَبَ ما فيها.
قيلَ: وما أطيَبُ ما فيها؟
قال: مَحَبَّةُ الله تعالى ومَعرِفَتُهُ وذِكرُهُ.
اللَّهُمَّ أكرِمنا بِلَذَّةِ الطَّاعَةِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin