مع الحبيب المصطفى: الوصايا الربانية للحبيب ﷺ (7)
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
51 ـ الوصايا الربانية للحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (7)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: يَقولُ لُقمانُ الحَكيمُ لابنِهِ: يَا بُنَيَّ، لا تَعَلَّمِ الْعِلْمَ لِتُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِتُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ تُرَائِيَ بِهِ فِى الْمَجَالِسِ، وَلا تَتْرُكِ الْعِلْمَ زُهْداً فِيهِ وَرَغْبَةً فِى الْجَهَالَةِ، يَا بُنَيَّ، اخْتَرِ الْمَجَالِسَ عَلَى عَيْنِكَ، وَإِذَا رَأَيْتَ قَوْماً يَذْكُرُونَ اللهَ فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، فَإِنَّكَ إِنْ تَكُنْ عَالِماً يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ، وَإِنْ تَكُنْ جَاهِلاً يُعَلِّمُوكَ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَةٍ فَيُصِيبَكَ مَعَهُمْ، وَإِذَا رَأَيْتَ قَوْماً لا يَذْكُرُونَ اللهَ فَلا تَجْلِسْ مَعَهُمْ، فَإِنَّكَ إِنْ تَكُنْ عَالِماً لا يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ، وَإِنْ تَكُنْ جَاهِلاً زَادُوكَ غَيَّاً، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِمْ بِعَذَابٍ فَيُصِيبَكَ مَعَهُمْ. رواه الدارمي.
أيُّها الإخوة الكرام: الإنسانُ الدَّاعي إلى الله تعالى، يَدعو إلى الله تعالى جَميعَ الخَلقِ، ولكن إذا رأى أهلَ الفِسقِ والفُجورِ والاستِهزاءِ عليهِ أن يُعرِضَ عنهُم.
الوَصِيَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ السَّابِعَةُ للحَبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: الوَصِيَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ السَّابِعَةُ في سورَةِ الحِجرِ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هيَ قَولُهُ تعالى:
﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين﴾
أيُّها الإخوة الكرام: يَأمُرُ اللهُ تعالى سيِّدَنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالإعراضِ عن المُشرِكينَ المُستَهزِئينَ المُصِرِّينَ، وأن لا يُضَيِّعَ وَقتَهُ معَ هؤلاءِ، لأنَّ سيِّدَنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كانَ حَريصاً كُلَّ الحِرصِ على هِدايَةِ قَومِهِ، وكانَ يُحَمِّلُ نَفسَهُ في سَبيلِ دَعوَتِهِم إلى الحَقِّ فَوقَ ما يَتَحَمَّل.
ذلك مَبلَغُهُم من العِلمِ:
أيُّها الإخوة الكرام: في مَوطِنٍ آخَرَ من القُرآنِ العَظيمِ يَأمُرُ اللهُ تعالى سيِّدَنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يُعرِضَ عمَّن أعرَضَ عن ذِكرِ الله تعالى ويُبَيِّنُ لهُ لماذا هذا الأمرُ، فَيَقولُ اللهُ تعالى في سورَةِ النَّجمِ: ﴿فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾.
فاللهُ تعالى ما أمَرَهُ بالإعراضِ عنهُم إلا لأنَّهُم هُمُ البادِئونَ بالإعراضِ عن ذِكرِ الله تعالى، ولأنَّهُم جَعَلوا غايَتَهُمُ الحَياةَ الدُّنيا، وقِيمَةُ الإنسانِ بالغايَةِ التي يَنشُدُها، هؤلاءِ ما آمَنوا إلا بالدُّنيا وحُظوظِهِم وشَهَواتِهِمُ العاجِلَةِ، فقالوا: ﴿مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّون﴾.
روى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ، وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ».
﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: في سورَةِ الأعرافِ كذلكَ يَأمُرُ اللهُ تعالى سيِّدَنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يُعرِضَ عن الجاهِلينَ، فَيَقولُ اللهُ تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين﴾.
هذهِ الآيَةُ تَضَمَّنَت أُصولَ الفَضائِلِ ومَكارِمَ الأخلاقِ فيما يَتَعَلَّقُ بِمُعامَلَةِ الإنسانِ معَ الغَيرِ، ويَقولُ جَعفَرُ الصَّادِقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: أمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَكارِمِ الأخلاقِ، وليسَ في القُرآنِ آيَةٌ أجمَعُ لِمَكارِمِ الأخلاقِ من هذهِ الآيَةِ. اهـ.
ويَقولُ عبدُ الله بنُ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: والله مَا أَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ إلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ. اهـ.
أيُّها الإخوة الكرام: الإعراضُ عن الجاهِلينَ مَطلوبٌ شَرعاً، وإلا وَقَعَ الإنسانُ في الجَدَلِ، ونَتيجَةُ الجَدَلِ معَ الجاهِلِ تُفضي إلى نتائِجَ غَيرِ مَحمودَةٍ.
والجاهِلُ ليسَ هوَ الأُمِّيَّ، لأنَّ الأُمِّيَّ لا يَعلَمُ، وهذا إقناعُهُ سَهلٌ، أمَّا الجاهِلُ هوَ الذي يَعلَمُ ويُخالِفُ ما يَعلَمُ، ودَليلُ ذلكَ قَولُهُ تعالى عن سيِّدِنا يوسُفَ علهِ السَّلامُ: ﴿وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِين﴾. هل سيِّدُنا يوسُفُ عليهِ السَّلامُ لا يَعلَمُ بأنَّ المَيلَ إلى النِّساءِ الأجنَبِيَّاتِ لا يَجوزُ؟ لذلكَ من عَلِمَ وخالَفَ عَمَلُهُ عِلمَهُ فهوَ من الجاهِلينَ، ولهذا مَطلوبٌ من الدَّاعي إلى الله تعالى أن يُعرِضَ عن الجاهِلينَ بعدَ الأخذِ بالعَفوِ والأمرِ بالعُرفِ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إذا كانَ هذا التَّوجيهُ من الله تعالى لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَعصومِ، وذلكَ أن يُعرِضَ عن الجاهِلينَ، وأن لا يُجالِسَهُم بعدَ النُّصحِ والتَّذكيرِ، فنحنُ من بابِ أَولى وأَولى.
مُجالَسَةُ هؤلاءِ تَضُرُّ في دِينِ العَبدِ، وقد تَدفَعُهُ إلى الإعراضِ عن دِينِ الله تعالى، لأنَّهُ ما هَلَكَ من هَلَكَ إلا بِمُصاحَبَةِ الجاهِلينَ، قال تعالى في حَقِّ واحِدٍ من هؤلاءِ: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً﴾.
مُجالَسَةُ هؤلاءِ ضَرَرٌ مُحَقَّقٌ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً».
ولنَسمَع جَميعاً إلى وَصِيَّةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كما جاء في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه أبو يعلى عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قال: قيل: يا رسولَ الله، أيُّ جُلَسائِنَا خَيرٌ؟
قال: «من ذَكَّرَكُمُ اللهَ رُؤيَتُهُ، وزادَ في عِلمِكُم مَنطِقُهُ، وذَكَّرَكُم بالآخِرَةِ عَمَلُهُ».
اللَّهُمَّ وَفِّقنا لِمُجالَسَةِ الصَّالِحينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
51 ـ الوصايا الربانية للحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (7)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: يَقولُ لُقمانُ الحَكيمُ لابنِهِ: يَا بُنَيَّ، لا تَعَلَّمِ الْعِلْمَ لِتُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِتُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ تُرَائِيَ بِهِ فِى الْمَجَالِسِ، وَلا تَتْرُكِ الْعِلْمَ زُهْداً فِيهِ وَرَغْبَةً فِى الْجَهَالَةِ، يَا بُنَيَّ، اخْتَرِ الْمَجَالِسَ عَلَى عَيْنِكَ، وَإِذَا رَأَيْتَ قَوْماً يَذْكُرُونَ اللهَ فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، فَإِنَّكَ إِنْ تَكُنْ عَالِماً يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ، وَإِنْ تَكُنْ جَاهِلاً يُعَلِّمُوكَ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَةٍ فَيُصِيبَكَ مَعَهُمْ، وَإِذَا رَأَيْتَ قَوْماً لا يَذْكُرُونَ اللهَ فَلا تَجْلِسْ مَعَهُمْ، فَإِنَّكَ إِنْ تَكُنْ عَالِماً لا يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ، وَإِنْ تَكُنْ جَاهِلاً زَادُوكَ غَيَّاً، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِمْ بِعَذَابٍ فَيُصِيبَكَ مَعَهُمْ. رواه الدارمي.
أيُّها الإخوة الكرام: الإنسانُ الدَّاعي إلى الله تعالى، يَدعو إلى الله تعالى جَميعَ الخَلقِ، ولكن إذا رأى أهلَ الفِسقِ والفُجورِ والاستِهزاءِ عليهِ أن يُعرِضَ عنهُم.
الوَصِيَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ السَّابِعَةُ للحَبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: الوَصِيَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ السَّابِعَةُ في سورَةِ الحِجرِ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هيَ قَولُهُ تعالى:
﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين﴾
أيُّها الإخوة الكرام: يَأمُرُ اللهُ تعالى سيِّدَنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالإعراضِ عن المُشرِكينَ المُستَهزِئينَ المُصِرِّينَ، وأن لا يُضَيِّعَ وَقتَهُ معَ هؤلاءِ، لأنَّ سيِّدَنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كانَ حَريصاً كُلَّ الحِرصِ على هِدايَةِ قَومِهِ، وكانَ يُحَمِّلُ نَفسَهُ في سَبيلِ دَعوَتِهِم إلى الحَقِّ فَوقَ ما يَتَحَمَّل.
ذلك مَبلَغُهُم من العِلمِ:
أيُّها الإخوة الكرام: في مَوطِنٍ آخَرَ من القُرآنِ العَظيمِ يَأمُرُ اللهُ تعالى سيِّدَنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يُعرِضَ عمَّن أعرَضَ عن ذِكرِ الله تعالى ويُبَيِّنُ لهُ لماذا هذا الأمرُ، فَيَقولُ اللهُ تعالى في سورَةِ النَّجمِ: ﴿فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾.
فاللهُ تعالى ما أمَرَهُ بالإعراضِ عنهُم إلا لأنَّهُم هُمُ البادِئونَ بالإعراضِ عن ذِكرِ الله تعالى، ولأنَّهُم جَعَلوا غايَتَهُمُ الحَياةَ الدُّنيا، وقِيمَةُ الإنسانِ بالغايَةِ التي يَنشُدُها، هؤلاءِ ما آمَنوا إلا بالدُّنيا وحُظوظِهِم وشَهَواتِهِمُ العاجِلَةِ، فقالوا: ﴿مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّون﴾.
روى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ، وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ».
﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: في سورَةِ الأعرافِ كذلكَ يَأمُرُ اللهُ تعالى سيِّدَنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يُعرِضَ عن الجاهِلينَ، فَيَقولُ اللهُ تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين﴾.
هذهِ الآيَةُ تَضَمَّنَت أُصولَ الفَضائِلِ ومَكارِمَ الأخلاقِ فيما يَتَعَلَّقُ بِمُعامَلَةِ الإنسانِ معَ الغَيرِ، ويَقولُ جَعفَرُ الصَّادِقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: أمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَكارِمِ الأخلاقِ، وليسَ في القُرآنِ آيَةٌ أجمَعُ لِمَكارِمِ الأخلاقِ من هذهِ الآيَةِ. اهـ.
ويَقولُ عبدُ الله بنُ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: والله مَا أَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ إلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ. اهـ.
أيُّها الإخوة الكرام: الإعراضُ عن الجاهِلينَ مَطلوبٌ شَرعاً، وإلا وَقَعَ الإنسانُ في الجَدَلِ، ونَتيجَةُ الجَدَلِ معَ الجاهِلِ تُفضي إلى نتائِجَ غَيرِ مَحمودَةٍ.
والجاهِلُ ليسَ هوَ الأُمِّيَّ، لأنَّ الأُمِّيَّ لا يَعلَمُ، وهذا إقناعُهُ سَهلٌ، أمَّا الجاهِلُ هوَ الذي يَعلَمُ ويُخالِفُ ما يَعلَمُ، ودَليلُ ذلكَ قَولُهُ تعالى عن سيِّدِنا يوسُفَ علهِ السَّلامُ: ﴿وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِين﴾. هل سيِّدُنا يوسُفُ عليهِ السَّلامُ لا يَعلَمُ بأنَّ المَيلَ إلى النِّساءِ الأجنَبِيَّاتِ لا يَجوزُ؟ لذلكَ من عَلِمَ وخالَفَ عَمَلُهُ عِلمَهُ فهوَ من الجاهِلينَ، ولهذا مَطلوبٌ من الدَّاعي إلى الله تعالى أن يُعرِضَ عن الجاهِلينَ بعدَ الأخذِ بالعَفوِ والأمرِ بالعُرفِ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إذا كانَ هذا التَّوجيهُ من الله تعالى لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَعصومِ، وذلكَ أن يُعرِضَ عن الجاهِلينَ، وأن لا يُجالِسَهُم بعدَ النُّصحِ والتَّذكيرِ، فنحنُ من بابِ أَولى وأَولى.
مُجالَسَةُ هؤلاءِ تَضُرُّ في دِينِ العَبدِ، وقد تَدفَعُهُ إلى الإعراضِ عن دِينِ الله تعالى، لأنَّهُ ما هَلَكَ من هَلَكَ إلا بِمُصاحَبَةِ الجاهِلينَ، قال تعالى في حَقِّ واحِدٍ من هؤلاءِ: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً﴾.
مُجالَسَةُ هؤلاءِ ضَرَرٌ مُحَقَّقٌ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً».
ولنَسمَع جَميعاً إلى وَصِيَّةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كما جاء في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه أبو يعلى عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قال: قيل: يا رسولَ الله، أيُّ جُلَسائِنَا خَيرٌ؟
قال: «من ذَكَّرَكُمُ اللهَ رُؤيَتُهُ، وزادَ في عِلمِكُم مَنطِقُهُ، وذَكَّرَكُم بالآخِرَةِ عَمَلُهُ».
اللَّهُمَّ وَفِّقنا لِمُجالَسَةِ الصَّالِحينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin