مع الحبيب المصطفى: الوصايا الربانية للحبيب ﷺ (2)
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
46ـ الوصايا الربانية للحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (2)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: الإنسانُ المُؤمِنُ الحَقُّ هوَ من طُلَّابِ الآخِرَةِ، وليسَ من طُلَّابِ الدُّنيا، يَقولُ سيِّدُنا عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَداً حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ. رواه الإمام البخاري.
ويَقولُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا، وَالرَّاغِبِينَ فِي الْآخِرَةِ، أُولَئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا أَرْضَ الله بِسَاطاً، وَتُرَابَهَا فِرَاشاً، وَمَاءَهَا طِيباً، وَالْكِتَابَ شِعَاراً، وَالدُّعَاءَ دِثَاراً، وَرَفَضُوا الدُّنْيَا رَفْضاً. رواه البيهقي.
أيُّها الإخوة الكرام: الواجِبُ على كُلِّ واحِدٍ منَّا أن يَكونَ داعِياً إلى الله تعالى، ومُرَغِّباً الآخرينَ في الزُّهدِ بالدُّنيا، والطَّمعِ في الآخِرَةِ، لأنَّ الدُّنيا فانِيَةٌ مهما دامَت، والآخِرَةَ باقِيَةٌ بِبَقاءِ الله تعالى.
ومن كانَ هذا وَصْفَهُ وَجَبَ عليهِ أن يَنظُرَ إلى تَوجيهِ ربِّنا عزَّ وجلَّ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَوَصِيَّتِهِ له، لأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سيِّدُ الدُّعاةِ إلى الله تعالى.
الوَصِيَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ الثَّانِيَةُ للحَبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: الوَصِيَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ الثَّانِيَةُ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في سورَةِ الحِجرِ هيَ قَولُهُ تعالى:
﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾
لمَّا صَبَّرَ اللهُ تعالى سيِّدَنا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على أذى قَومِهِ، وأمَرَهُ أن يَصفَحَ الصَّفحَ الجَميلَ، أتبَعَ ذلكَ بِذِكرِ النِّعَمِ العَظيمَةِ التي خَصَّهُ بها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ الإنسانَ إذا تَذَكَّرَ نِعَمَ الله تعالى عليه، سَهُلَ عليه الصَّفحُ والتَّجاوُزُ، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيم﴾. السَّبعُ المَثاني هيَ الفاتِحَةُ، كما يَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
المُؤمِنُ إذا تَذَكَّرَ نِعمَةَ الله السَّابِقَةِ عليهِ، سَهُلَ عليه الصَّفحُ والتَّجاوُزُ، فكيفَ إذا عَرَفَ بأنَّ الله تعالى وَعَدَهُ على الصَّفحِ الجَميلِ بِنِعمَةٍ أعظَمَ، قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾؟
والعَجيبُ في العَبدِ الذي شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للإسلامِ، وحَبَّبَ إلى قَلبِهِ الإيمانَ أن لا يَستَجيبَ لِقَولِهِ تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: بعدَ أنْ ذَكَّرَ اللهُ تعالى سيِّدَنا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالنِّعمَةِ العُظمى ـ نِعمَةِ القُرآنِ العَظيمِ ـ أمَرَهُ بِقَولِهِ: ﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾.
وهل سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمُدُّ عَينَيهِ إلى زَهرَةِ الحياةِ الدُّنيا من الأصنافِ التي ذَكَرَها ربُّنا عزَّ وجلَّ بِقَولِهِ: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا واللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب﴾؟
كيفَ يَمُدُّ عَينَيهِ إلى زَهرَةِ الحَياةِ الدُّنيا، وهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ عليهِ أن يَكونَ نبِيَّاً مَلِكاً، أو نبِيَّاً عبداً، فاختارَ أن يَكونَ نبِيَّاً عبداً، يَجوعُ يوماً فَيَصبِرُ، ويَشبَعُ يوماً فَيَحمَدُ؟
بل من غَباءِ قُرَيشٍ أن تَعرِضَ على سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُلكَ والرِّياسَةَ والمالَ والجاهَ والنِّساءَ مُقابِلَ أن يَترُكَ دَعوَتَهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: هذا التَّوجيهُ الرَّبَّانِيُّ، وهذهِ الوَصِيَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هيَ في الحَقيقَةِ لأمَّتِهِ من بَعدِهِ، وخاصَّةً للدُّعاةِ منهُم، أن لا يَمُدُّوا أعيُنَهُم إلى زَهرَةِ الحَياةِ الدُّنيا التي أعطاها اللهُ تعالى لِغَيرِهِم اختِباراً وابتِلاءً، فإذا كانَ الحَقُّ جلَّ جلالُهُ أمَرَ بِعَدَمِ مَدِّ العينِ لِزَهرَةِ الحَياةِ الدُّنيا، فهل من المعقولِ أن يُقاتِلَ المُؤمِنُ الآخَرينَ من أجلِ أن يَصِلَ إلى زَهرَةِ الحَياةِ الدُّنيا من مالٍ وجاهٍ وسِيادَةٍ ورِيادَةٍ؟
زُهدُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدُّنيا:
أيُّها الإخوة الكرام: الكُلُّ يَعلَمُ زُهدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدُّنيا، وكيفَ لا يَكونُ زاهِداً فيها، وهوَ القائِلُ: «مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» رواه الترمذي عن عبدِ الله بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
بل كانَ يَدعو سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «اللَّهُمَّ اجعَل رِزقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وفي روايةٍ: «كَفافاً».
والقوتُ: هوَ ما يُمسِكُ الرَّمَقَ من المَطعَمِ.
والكَفافُ: هوَ الذي لا يَفضُلُ عن الشَّيءِ، ويَكونُ بِقَدَرِ الحاجَةِ إليهِ.
وتَقولُ السَّيِّدَةُ عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها: تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي رَفِّي ـ الطَّاقُ على أطرافِ البيتِ كالرُّفوفِ ـ مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلَّا شَطْرَ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ. رواه الشيخان.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: في خِتامِ هذهِ الوَصِيَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾. أقولُ لِنَفسي، ولِكُلِّ دُعاةِ الإصلاحِ، وحَمَلَةِ رِسالَةِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ: اُذكُروا قَولَ سيِّدِنا عمرو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، حينَ كانَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِصْرَ قال: مَا أَبْعَدَ هَدْيَكُمْ مِنْ هَدْيِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا هُوَ فَكَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَرْغَبُ النَّاسِ فِيهَا. رواه الإمام أحمد.
اللَّهُمَّ أخرِج من قُلوبِنا حُبَّ الدُّنيا بِكُلِّ صُوَرِها وأشكالِها. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
46ـ الوصايا الربانية للحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (2)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: الإنسانُ المُؤمِنُ الحَقُّ هوَ من طُلَّابِ الآخِرَةِ، وليسَ من طُلَّابِ الدُّنيا، يَقولُ سيِّدُنا عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَداً حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ. رواه الإمام البخاري.
ويَقولُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا، وَالرَّاغِبِينَ فِي الْآخِرَةِ، أُولَئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا أَرْضَ الله بِسَاطاً، وَتُرَابَهَا فِرَاشاً، وَمَاءَهَا طِيباً، وَالْكِتَابَ شِعَاراً، وَالدُّعَاءَ دِثَاراً، وَرَفَضُوا الدُّنْيَا رَفْضاً. رواه البيهقي.
أيُّها الإخوة الكرام: الواجِبُ على كُلِّ واحِدٍ منَّا أن يَكونَ داعِياً إلى الله تعالى، ومُرَغِّباً الآخرينَ في الزُّهدِ بالدُّنيا، والطَّمعِ في الآخِرَةِ، لأنَّ الدُّنيا فانِيَةٌ مهما دامَت، والآخِرَةَ باقِيَةٌ بِبَقاءِ الله تعالى.
ومن كانَ هذا وَصْفَهُ وَجَبَ عليهِ أن يَنظُرَ إلى تَوجيهِ ربِّنا عزَّ وجلَّ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَوَصِيَّتِهِ له، لأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سيِّدُ الدُّعاةِ إلى الله تعالى.
الوَصِيَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ الثَّانِيَةُ للحَبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: الوَصِيَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ الثَّانِيَةُ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في سورَةِ الحِجرِ هيَ قَولُهُ تعالى:
﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾
لمَّا صَبَّرَ اللهُ تعالى سيِّدَنا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على أذى قَومِهِ، وأمَرَهُ أن يَصفَحَ الصَّفحَ الجَميلَ، أتبَعَ ذلكَ بِذِكرِ النِّعَمِ العَظيمَةِ التي خَصَّهُ بها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ الإنسانَ إذا تَذَكَّرَ نِعَمَ الله تعالى عليه، سَهُلَ عليه الصَّفحُ والتَّجاوُزُ، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيم﴾. السَّبعُ المَثاني هيَ الفاتِحَةُ، كما يَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
المُؤمِنُ إذا تَذَكَّرَ نِعمَةَ الله السَّابِقَةِ عليهِ، سَهُلَ عليه الصَّفحُ والتَّجاوُزُ، فكيفَ إذا عَرَفَ بأنَّ الله تعالى وَعَدَهُ على الصَّفحِ الجَميلِ بِنِعمَةٍ أعظَمَ، قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾؟
والعَجيبُ في العَبدِ الذي شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للإسلامِ، وحَبَّبَ إلى قَلبِهِ الإيمانَ أن لا يَستَجيبَ لِقَولِهِ تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: بعدَ أنْ ذَكَّرَ اللهُ تعالى سيِّدَنا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالنِّعمَةِ العُظمى ـ نِعمَةِ القُرآنِ العَظيمِ ـ أمَرَهُ بِقَولِهِ: ﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾.
وهل سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمُدُّ عَينَيهِ إلى زَهرَةِ الحياةِ الدُّنيا من الأصنافِ التي ذَكَرَها ربُّنا عزَّ وجلَّ بِقَولِهِ: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا واللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب﴾؟
كيفَ يَمُدُّ عَينَيهِ إلى زَهرَةِ الحَياةِ الدُّنيا، وهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ عليهِ أن يَكونَ نبِيَّاً مَلِكاً، أو نبِيَّاً عبداً، فاختارَ أن يَكونَ نبِيَّاً عبداً، يَجوعُ يوماً فَيَصبِرُ، ويَشبَعُ يوماً فَيَحمَدُ؟
بل من غَباءِ قُرَيشٍ أن تَعرِضَ على سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُلكَ والرِّياسَةَ والمالَ والجاهَ والنِّساءَ مُقابِلَ أن يَترُكَ دَعوَتَهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: هذا التَّوجيهُ الرَّبَّانِيُّ، وهذهِ الوَصِيَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هيَ في الحَقيقَةِ لأمَّتِهِ من بَعدِهِ، وخاصَّةً للدُّعاةِ منهُم، أن لا يَمُدُّوا أعيُنَهُم إلى زَهرَةِ الحَياةِ الدُّنيا التي أعطاها اللهُ تعالى لِغَيرِهِم اختِباراً وابتِلاءً، فإذا كانَ الحَقُّ جلَّ جلالُهُ أمَرَ بِعَدَمِ مَدِّ العينِ لِزَهرَةِ الحَياةِ الدُّنيا، فهل من المعقولِ أن يُقاتِلَ المُؤمِنُ الآخَرينَ من أجلِ أن يَصِلَ إلى زَهرَةِ الحَياةِ الدُّنيا من مالٍ وجاهٍ وسِيادَةٍ ورِيادَةٍ؟
زُهدُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدُّنيا:
أيُّها الإخوة الكرام: الكُلُّ يَعلَمُ زُهدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدُّنيا، وكيفَ لا يَكونُ زاهِداً فيها، وهوَ القائِلُ: «مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» رواه الترمذي عن عبدِ الله بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
بل كانَ يَدعو سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «اللَّهُمَّ اجعَل رِزقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وفي روايةٍ: «كَفافاً».
والقوتُ: هوَ ما يُمسِكُ الرَّمَقَ من المَطعَمِ.
والكَفافُ: هوَ الذي لا يَفضُلُ عن الشَّيءِ، ويَكونُ بِقَدَرِ الحاجَةِ إليهِ.
وتَقولُ السَّيِّدَةُ عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها: تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي رَفِّي ـ الطَّاقُ على أطرافِ البيتِ كالرُّفوفِ ـ مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلَّا شَطْرَ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ. رواه الشيخان.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: في خِتامِ هذهِ الوَصِيَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾. أقولُ لِنَفسي، ولِكُلِّ دُعاةِ الإصلاحِ، وحَمَلَةِ رِسالَةِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ: اُذكُروا قَولَ سيِّدِنا عمرو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، حينَ كانَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِصْرَ قال: مَا أَبْعَدَ هَدْيَكُمْ مِنْ هَدْيِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا هُوَ فَكَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَرْغَبُ النَّاسِ فِيهَا. رواه الإمام أحمد.
اللَّهُمَّ أخرِج من قُلوبِنا حُبَّ الدُّنيا بِكُلِّ صُوَرِها وأشكالِها. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin