مع الحبيب المصطفى: فَزَيِّنُوا دِينَكُمْ بِهِمَا
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
43ـ فَزَيِّنُوا دِينَكُمْ بِهِمَا
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: يُعَدُّ الكَرَمُ أَمارَةً مائِزَةً للمُؤمِنِ عن غَيرِهِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الحاكم وأحمد وغيرهُما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ».
والكَرَمُ ليسَ مَحصُوراً بالمالِ كما يُتَوَهَّمُ في ظَاهِرِ الكَلِمَةِ، وإنَّما هوَ بَذْلُ كُلِّ مَا فِيهِ خَيرٌ وتَفَضُّلٌ، وإِيصَالُ مَعروفٍ، وحُسنُ لِقاءٍ، وسَعَةُ صَدْرٍ، وتَحَمُّلُ أَذىً، ولِينُ الجَانِبِ، وسُهُولَةُ النَّوالِ.
ولقد أكرَمَنا اللهُ تعالى بِدِينٍ هَذَّبَنا، وجَعَلَ من أتباعِهِ الصَّادِقينَ كُرَماءَ، وكانَ الواحِدُ منهُم في كَرَمِهِ وبَذْلِهِ وعَطائِهِ أرغَبَ منهُ في إمساكِهِ وأثَرَةِ نَفسِهِ، ولا يُتَصَوَّرُ في الكَرَمِ كَثرَةُ المَبذولِ أو كِبَرِهِ حتَّى تَتَحَقَّقَ شِيمَةُ الكَرَمِ، وإنَّما بِحَسْبِ الإِنسانِ أن يُعطِيَ من نَفسِهِ وقُدرَتِهِ على حَسْبِ ما يَملِكُ ويُطيقُ.
التَّرغيبُ في الكَرَمِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد جاءَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيُعَلِّمَ الأمَّةَ الكَرَمَ من خِلالِ أقوالِهِ الشَّريفَةَ، وأفعالِهِ الكَريمَةَ:
أولاً: بَيَّنَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّ صِفَةَ الكَرَمِ هيَ من صِفاتِ وأَسماءِ الله تعالى، روى الحاكم عن طَلحَةَ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ اللهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ ومَعَالِيَ الأمورِ، ويُبغِضُ ـ أو قال: يَكرَهُ ـ سَفْسَافَهَا».
وروى ابن أبي شيبة عن طَلحَةَ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللهَ جَوادٌ يُحِبُّ الجَوادَ».
ثانياً: بَيَّنَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَنزِلَةَ العَبدِ الكَريمِ، روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِن الله، قَرِيبٌ مِن الْجَنَّةِ، قَرِيبٌ مِن النَّاسِ، بَعِيدٌ مِن النَّارِ، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِن الله، بَعِيدٌ مِن الْجَنَّةِ، بَعِيدٌ مِن النَّاسِ، قَرِيبٌ مِن النَّارِ، وَلَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَالِمٍ بَخِيلٍ».
ثالثاً: بَيَّنَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّ الكَريمَ آخِذٌ بِيَدِهِ ربُّنا عزَّ وجلَّ، روى الطبراني في الأوسط عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قال: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَجَافُوا ـ وفي روايةٍ: تَجَاوَزُوا ـ عن ذَنبِ السَّخِيِّ، فإنَّ اللهَ آخِذٌ بِيَدَيهِ كُلَّما عَثَرَ».
رابعاً: بَيَّنَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّهُ لا يَصلُحُ لِدِينِنا إلا الكَرَمُ، روى الطبراني في الكبير عَنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَخْلَصَ هَذَا الدِّينَ لِنَفْسِهِ، وَلا يَصْلُحُ لِدِينِكُمْ إِلا السَّخَاءُ وَحَسَنُ الْخَلْقِ، فَزَيِّنُوا دِينَكُمْ بِهِمَا».
خامساً: بَيَّنَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّ السَّيِّدَ في النَّاسِ هوَ الكَريمُ، روى الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بني عُبَيْدٍ؟».
قَالُوا: الْجَدُّ بنُ قَيْسٍ، عَلَى أَنَّ فِيهِ بُخْلاً.
قَالَ: فَأَيُّ دَاءٍ أَدْوى مِنَ الْبُخْلِ، بَلْ سَيِّدُكُمْ وابنُ سَيِّدُكُمْ بِشْرُ بن الْبَرَاءِ بن مَعْرُورٍ» وكانَ جَواداً كَرِيماً.
ويَقولُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُما: سَادَةُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا الْأَسْخِيَاءُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْأَتْقِيَاءُ. رواه البيهقي.
كانَ أجوَدَ النَّاسِ بالخَيرِ:
أيُّها الإخوة الكرام: كما وَجَّهَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأمَّةَ إلى الكَرَمِ بِأحاديثِهِ الشَّريفَةِ، كذلكَ وَجَّهَهُم بالسُّلوكِ والعَمَلِ، فَكانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أجوَدَ النَّاسِ بالخَيرِ، وكَانَ أَجوَدَ ما يَكونُ في رَمضانَ، حينَ يَلقاهُ جِبريلُ عليه السَّلامُ.
روى الإمام البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
وروى الترمذي عن سيِّدِنا عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ في وَصْفِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، وَكَانَ رَبْعَةً مِن الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَا بِالسَّبِطِ، كَانَ جَعْداً رَجِلاً، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ، وَكَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتَدِ، أَجْرَدُ ذُو مَسْرُبَةٍ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعاً، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ كَفَّاً، وَأَشْرَحُهُمْ صَدْراً، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ. يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وروى الإمام مسلم عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَنَماً بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، أَسْلِمُوا، فوالله إِنَّ مُحَمَّداً لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ.
فقالَ أنسٌ رَضِيَ اللهُ عنهُ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا.
وروى أبو داود عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ حَدِيثاً مِنْ رَجُلٍ فَأَعْجَبَنِي، فَقُلْتُ: اكْتُبْهُ لِي، فَأَتَى بِهِ مَكْتُوباً مُذَبَّراً ـ مَكْتُوبًا مَنْقُوطًا لِيَسْهُل قِرَاءَته ـ ، دَخَلَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ عَلَى عُمَرَ وَعِنْدَهُ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَعْدٌ وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ.
فَقَالَ عُمَرُ لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعْدٍ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ مَالِ النَّبِيِّ صَدَقَةٌ، إِلَّا مَا أَطْعَمَهُ أَهْلَهُ وَكَسَاهُمْ، إِنَّا لَا نُورَثُ».
قَالُوا: بَلَى.
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: فَكَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ عَلَى أَهْلِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِفَضْلِهِ.
وروى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ، فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْساً فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ ـ يعني جَعَلَت لبناً مُجَفَّفاً خَلَطَتْهُ بالتَّمرِ والسَّمنِ وجَعَلَتْهُ في قَدَحٍ ـ
فَقَالَتْ: يَا أَنَسُ، اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ: بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيْكَ أُمِّي، وَهِيَ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ الله.
قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهَا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ الله.
فَقَالَ: «ضَعْهُ».
ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلَاناً وَفُلَاناً وَفُلَاناً، وَمَنْ لَقِيتَ، وَسَمَّى رِجَالاً.
قَالَ: فَدَعَوْتُ مَنْ سَمَّى وَمَنْ لَقِيتُ.
قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: عَدَدَ كَمْ كَانُوا؟
قَالَ: زُهَاءَ ثَلَاثِ مِائَةٍ.
وَقَالَ لِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَنَسُ، هَاتِ التَّوْرَ».
قَالَ: فَدَخَلُوا حَتَّى امْتَلَأَتْ الصُّفَّةُ وَالْحُجْرَةُ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِيَتَحَلَّقْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، وَلْيَأْكُلْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ».
قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا.
قَالَ: فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ وَدَخَلَتْ طَائِفَةٌ، حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ.
فَقَالَ لِي: «يَا أَنَسُ، ارْفَعْ».
قَالَ: فَرَفَعْتُ، فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: شَهرُ رَمضانَ المُبارَكَ شَهرٌ يُزادُ فيهِ في رِزقِ المُؤمنِ، واعلَموا أنَّهُ ما أنفَقتُم من شيءٍ فهوَ يُخلِفُهُ، وتَذَكَّروا أنَّ النَّفَقَةَ في العُسرِ قَبلَ اليُسرِ، وفي الشِّدَّةِ قَبلَ الرَّخاءِ، هيَ دَليلٌ على صِدْقِ الإيمانِ وصِحَّتِهِ، ومن أرادَ جَنَّةً عَرضُها السَّماواتُ والأرضُ فَليَكُن كريماً، قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء﴾.
اللَّهُمَّ اجعَلنا من أهلِ الكَرَمِ معَ الإخلاصِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
43ـ فَزَيِّنُوا دِينَكُمْ بِهِمَا
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: يُعَدُّ الكَرَمُ أَمارَةً مائِزَةً للمُؤمِنِ عن غَيرِهِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الحاكم وأحمد وغيرهُما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ».
والكَرَمُ ليسَ مَحصُوراً بالمالِ كما يُتَوَهَّمُ في ظَاهِرِ الكَلِمَةِ، وإنَّما هوَ بَذْلُ كُلِّ مَا فِيهِ خَيرٌ وتَفَضُّلٌ، وإِيصَالُ مَعروفٍ، وحُسنُ لِقاءٍ، وسَعَةُ صَدْرٍ، وتَحَمُّلُ أَذىً، ولِينُ الجَانِبِ، وسُهُولَةُ النَّوالِ.
ولقد أكرَمَنا اللهُ تعالى بِدِينٍ هَذَّبَنا، وجَعَلَ من أتباعِهِ الصَّادِقينَ كُرَماءَ، وكانَ الواحِدُ منهُم في كَرَمِهِ وبَذْلِهِ وعَطائِهِ أرغَبَ منهُ في إمساكِهِ وأثَرَةِ نَفسِهِ، ولا يُتَصَوَّرُ في الكَرَمِ كَثرَةُ المَبذولِ أو كِبَرِهِ حتَّى تَتَحَقَّقَ شِيمَةُ الكَرَمِ، وإنَّما بِحَسْبِ الإِنسانِ أن يُعطِيَ من نَفسِهِ وقُدرَتِهِ على حَسْبِ ما يَملِكُ ويُطيقُ.
التَّرغيبُ في الكَرَمِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد جاءَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيُعَلِّمَ الأمَّةَ الكَرَمَ من خِلالِ أقوالِهِ الشَّريفَةَ، وأفعالِهِ الكَريمَةَ:
أولاً: بَيَّنَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّ صِفَةَ الكَرَمِ هيَ من صِفاتِ وأَسماءِ الله تعالى، روى الحاكم عن طَلحَةَ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ اللهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ ومَعَالِيَ الأمورِ، ويُبغِضُ ـ أو قال: يَكرَهُ ـ سَفْسَافَهَا».
وروى ابن أبي شيبة عن طَلحَةَ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللهَ جَوادٌ يُحِبُّ الجَوادَ».
ثانياً: بَيَّنَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَنزِلَةَ العَبدِ الكَريمِ، روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِن الله، قَرِيبٌ مِن الْجَنَّةِ، قَرِيبٌ مِن النَّاسِ، بَعِيدٌ مِن النَّارِ، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِن الله، بَعِيدٌ مِن الْجَنَّةِ، بَعِيدٌ مِن النَّاسِ، قَرِيبٌ مِن النَّارِ، وَلَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَالِمٍ بَخِيلٍ».
ثالثاً: بَيَّنَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّ الكَريمَ آخِذٌ بِيَدِهِ ربُّنا عزَّ وجلَّ، روى الطبراني في الأوسط عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قال: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَجَافُوا ـ وفي روايةٍ: تَجَاوَزُوا ـ عن ذَنبِ السَّخِيِّ، فإنَّ اللهَ آخِذٌ بِيَدَيهِ كُلَّما عَثَرَ».
رابعاً: بَيَّنَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّهُ لا يَصلُحُ لِدِينِنا إلا الكَرَمُ، روى الطبراني في الكبير عَنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَخْلَصَ هَذَا الدِّينَ لِنَفْسِهِ، وَلا يَصْلُحُ لِدِينِكُمْ إِلا السَّخَاءُ وَحَسَنُ الْخَلْقِ، فَزَيِّنُوا دِينَكُمْ بِهِمَا».
خامساً: بَيَّنَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّ السَّيِّدَ في النَّاسِ هوَ الكَريمُ، روى الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بني عُبَيْدٍ؟».
قَالُوا: الْجَدُّ بنُ قَيْسٍ، عَلَى أَنَّ فِيهِ بُخْلاً.
قَالَ: فَأَيُّ دَاءٍ أَدْوى مِنَ الْبُخْلِ، بَلْ سَيِّدُكُمْ وابنُ سَيِّدُكُمْ بِشْرُ بن الْبَرَاءِ بن مَعْرُورٍ» وكانَ جَواداً كَرِيماً.
ويَقولُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُما: سَادَةُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا الْأَسْخِيَاءُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْأَتْقِيَاءُ. رواه البيهقي.
كانَ أجوَدَ النَّاسِ بالخَيرِ:
أيُّها الإخوة الكرام: كما وَجَّهَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأمَّةَ إلى الكَرَمِ بِأحاديثِهِ الشَّريفَةِ، كذلكَ وَجَّهَهُم بالسُّلوكِ والعَمَلِ، فَكانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أجوَدَ النَّاسِ بالخَيرِ، وكَانَ أَجوَدَ ما يَكونُ في رَمضانَ، حينَ يَلقاهُ جِبريلُ عليه السَّلامُ.
روى الإمام البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
وروى الترمذي عن سيِّدِنا عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ في وَصْفِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، وَكَانَ رَبْعَةً مِن الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَا بِالسَّبِطِ، كَانَ جَعْداً رَجِلاً، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ، وَكَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتَدِ، أَجْرَدُ ذُو مَسْرُبَةٍ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعاً، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ كَفَّاً، وَأَشْرَحُهُمْ صَدْراً، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ. يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وروى الإمام مسلم عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَنَماً بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، أَسْلِمُوا، فوالله إِنَّ مُحَمَّداً لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ.
فقالَ أنسٌ رَضِيَ اللهُ عنهُ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا.
وروى أبو داود عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ حَدِيثاً مِنْ رَجُلٍ فَأَعْجَبَنِي، فَقُلْتُ: اكْتُبْهُ لِي، فَأَتَى بِهِ مَكْتُوباً مُذَبَّراً ـ مَكْتُوبًا مَنْقُوطًا لِيَسْهُل قِرَاءَته ـ ، دَخَلَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ عَلَى عُمَرَ وَعِنْدَهُ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَعْدٌ وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ.
فَقَالَ عُمَرُ لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعْدٍ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ مَالِ النَّبِيِّ صَدَقَةٌ، إِلَّا مَا أَطْعَمَهُ أَهْلَهُ وَكَسَاهُمْ، إِنَّا لَا نُورَثُ».
قَالُوا: بَلَى.
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: فَكَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ عَلَى أَهْلِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِفَضْلِهِ.
وروى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ، فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْساً فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ ـ يعني جَعَلَت لبناً مُجَفَّفاً خَلَطَتْهُ بالتَّمرِ والسَّمنِ وجَعَلَتْهُ في قَدَحٍ ـ
فَقَالَتْ: يَا أَنَسُ، اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ: بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيْكَ أُمِّي، وَهِيَ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ الله.
قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهَا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ الله.
فَقَالَ: «ضَعْهُ».
ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلَاناً وَفُلَاناً وَفُلَاناً، وَمَنْ لَقِيتَ، وَسَمَّى رِجَالاً.
قَالَ: فَدَعَوْتُ مَنْ سَمَّى وَمَنْ لَقِيتُ.
قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: عَدَدَ كَمْ كَانُوا؟
قَالَ: زُهَاءَ ثَلَاثِ مِائَةٍ.
وَقَالَ لِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَنَسُ، هَاتِ التَّوْرَ».
قَالَ: فَدَخَلُوا حَتَّى امْتَلَأَتْ الصُّفَّةُ وَالْحُجْرَةُ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِيَتَحَلَّقْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، وَلْيَأْكُلْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ».
قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا.
قَالَ: فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ وَدَخَلَتْ طَائِفَةٌ، حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ.
فَقَالَ لِي: «يَا أَنَسُ، ارْفَعْ».
قَالَ: فَرَفَعْتُ، فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: شَهرُ رَمضانَ المُبارَكَ شَهرٌ يُزادُ فيهِ في رِزقِ المُؤمنِ، واعلَموا أنَّهُ ما أنفَقتُم من شيءٍ فهوَ يُخلِفُهُ، وتَذَكَّروا أنَّ النَّفَقَةَ في العُسرِ قَبلَ اليُسرِ، وفي الشِّدَّةِ قَبلَ الرَّخاءِ، هيَ دَليلٌ على صِدْقِ الإيمانِ وصِحَّتِهِ، ومن أرادَ جَنَّةً عَرضُها السَّماواتُ والأرضُ فَليَكُن كريماً، قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء﴾.
اللَّهُمَّ اجعَلنا من أهلِ الكَرَمِ معَ الإخلاصِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin