مقاصد الإسلام الثلاثة وأثرها فى النهضة
حسين القاضى
جاءت رسالة الإسلام لتحقيق ثلاثة مقاصد؛ المقصد الأول: عبادة الله، والثانى: تزكية النفس، والثالث عمارة الأرض، عن المقصد الأول قال تعالى: «وما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»، وعن تزكية النفس قال: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا»، وعن عمارة الأرض قال: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ».
ولقد قامت نهضة الإسلام بالتوازى بين المقاصد الثلاثة، ثم تعددت مواضع الخلل فى فهم الإسلام، من حيث التركيز على المقصد الأول، وهو إقامة الشعائر التعبدية مع ترك تزكية النفس وعمارة الأرض (التيارات السلفية نموذجاً)، وركز البعض على جانب تزكية النفس، وتركوا جانب العبادة والعمارة (بعض الصوفية نموذجاً)، وركز آخرون على عمارة الأرض، ونحّوا العبادات وتزكية النفس جانباً (بعض العلمانيين نموذجاً).
مع أن العبادة بمعناها الواسع تشمل الجانب الشعائرى كالصلاة والحج، كما تشمل جانب التزكية (التصوف)، الذى يمثل الروح التى تسمو بعلاقة الإنسان بالله، وترفعه بها عن أدران المادية العمياء، ويغمر الصفاء جوارحَه ومشاعره وخواطره.
ويتسع مفهوم التصوف (الحقيقى) ليتطابق مع مقصد عمارة الأرض، (وقطعاً مع عبادة الله) من حيث إن التصوف الحقيقى يشمل النجار الممسك بمنشاره، والمعلم الممسك بقلمه، ويلوّن المشاعر الإنسانية بصدق العبودية، وينقّى النفس من آفاتها، وكان أعلام الصوفية الكبار دعاة نهضة وبناء، وقادة إصلاح وعلم، وحملة مبادئ السمو النفسى والتهذيب الأخلاقى.
وفى عمارة الأرض التى جعلها الإسلام مقصداً من أعلى مقاصده نجد أن الطبيبَ وهو يعالج المرضى، والمزارعَ المنحنى بفأسه على أرضه، والصانعَ العاكف على آلاته.. إلخ، أولئك جميعاً فى صلاة وعبادة ما دام إنتاجهم يخدم الوطن، ويفيد المجتمع، نقل «القرطبى» فى تفسيره لآية «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»: «أمركم ببناء المساكن، وغرس الأشجار، وحفر الأنهار وغيرها».
والتمحور أمام مقصد واحد كالعبادة بمفهومها الشعائرى بل أمام جزء من هذا المقصد ترتب عليه أن بعض المتحدثين باسم الإسلام قدّموا للناس إسلاماً لا يزيدهم إلا جهلاً، فصوّروا الإسلام على أنه كائن مكشر الأنياب، كث اللحية، حاد الطباع، وأحيوا قضايا كان ينبغى أن تموت مكانها، وغاب الخطاب الذى يُنشد موازين العدل والنهضة والرخاء والحضارة والإحياء.
ومن ثَمَّ خرج من دائرة اهتمامهم منكرات وآثام لا حصر لها، كالحقد والغل والحسد والكراهية وشهوة حب المنزلة بين الناس، والإغراق فى جمع المال، وانتهاك الحقوق، ومنع البنات من الميراث، والتراخى عن أداء العمل الوظيفى، وما إلى ذلك من آفات باطنة وظاهرة، وبات بعض الدعاة أو المتدينين لا يستفزهم إلا لبس الفتيات، أو لقطة فى فيلم، فيقيمون الدنيا على ذلك، ولا يستفزهم انتهاك الحقوق، أو الوساطة والمحسوبية فى الوظائف، أو انتشار قيم الخمول والتراخى والتكاسل، وأضحت قيم مثل: (البناء - الحضارة - النهضة - التجديد - الحقوق - إدراك الواقع - الهداية - الرحمة - الإحياء - التنمية - العمارة) غائبة إلى حد ما فى خطابنا الدينى.
إذاً يمكن القول بأن الإسلام جاء بالصلاة والصوم وسائر العبادات المعروفة (عبادة)، كما جاء بالأخلاق الرفيعة، والسمو النفسى، والرقى الإنسانى، والرحمة والرفق والإحسان (تزكية)، واحتاج الاجتماع البشرى إلى بروز دور العقل، ودعم البحث العلمى، واختراق الآفاق، وظهور الشركات والمصانع، واختراع السيارات والطائرات، واستخراج الثروات، وشق الطرق، وصناعة الطب، وتبادل السلع والمنتجات (العمارة)، والثلاثة جميعها اسمها (عبادة)، والاقتصار على جانب واحد منها يمثل خللاً كبيراً، ولن تتقدم الأمة ما لم تصبح عمارة الأرض لها من الأهمية مثل الصلاة والصيام.
حسين القاضى
جاءت رسالة الإسلام لتحقيق ثلاثة مقاصد؛ المقصد الأول: عبادة الله، والثانى: تزكية النفس، والثالث عمارة الأرض، عن المقصد الأول قال تعالى: «وما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»، وعن تزكية النفس قال: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا»، وعن عمارة الأرض قال: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ».
ولقد قامت نهضة الإسلام بالتوازى بين المقاصد الثلاثة، ثم تعددت مواضع الخلل فى فهم الإسلام، من حيث التركيز على المقصد الأول، وهو إقامة الشعائر التعبدية مع ترك تزكية النفس وعمارة الأرض (التيارات السلفية نموذجاً)، وركز البعض على جانب تزكية النفس، وتركوا جانب العبادة والعمارة (بعض الصوفية نموذجاً)، وركز آخرون على عمارة الأرض، ونحّوا العبادات وتزكية النفس جانباً (بعض العلمانيين نموذجاً).
مع أن العبادة بمعناها الواسع تشمل الجانب الشعائرى كالصلاة والحج، كما تشمل جانب التزكية (التصوف)، الذى يمثل الروح التى تسمو بعلاقة الإنسان بالله، وترفعه بها عن أدران المادية العمياء، ويغمر الصفاء جوارحَه ومشاعره وخواطره.
ويتسع مفهوم التصوف (الحقيقى) ليتطابق مع مقصد عمارة الأرض، (وقطعاً مع عبادة الله) من حيث إن التصوف الحقيقى يشمل النجار الممسك بمنشاره، والمعلم الممسك بقلمه، ويلوّن المشاعر الإنسانية بصدق العبودية، وينقّى النفس من آفاتها، وكان أعلام الصوفية الكبار دعاة نهضة وبناء، وقادة إصلاح وعلم، وحملة مبادئ السمو النفسى والتهذيب الأخلاقى.
وفى عمارة الأرض التى جعلها الإسلام مقصداً من أعلى مقاصده نجد أن الطبيبَ وهو يعالج المرضى، والمزارعَ المنحنى بفأسه على أرضه، والصانعَ العاكف على آلاته.. إلخ، أولئك جميعاً فى صلاة وعبادة ما دام إنتاجهم يخدم الوطن، ويفيد المجتمع، نقل «القرطبى» فى تفسيره لآية «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»: «أمركم ببناء المساكن، وغرس الأشجار، وحفر الأنهار وغيرها».
والتمحور أمام مقصد واحد كالعبادة بمفهومها الشعائرى بل أمام جزء من هذا المقصد ترتب عليه أن بعض المتحدثين باسم الإسلام قدّموا للناس إسلاماً لا يزيدهم إلا جهلاً، فصوّروا الإسلام على أنه كائن مكشر الأنياب، كث اللحية، حاد الطباع، وأحيوا قضايا كان ينبغى أن تموت مكانها، وغاب الخطاب الذى يُنشد موازين العدل والنهضة والرخاء والحضارة والإحياء.
ومن ثَمَّ خرج من دائرة اهتمامهم منكرات وآثام لا حصر لها، كالحقد والغل والحسد والكراهية وشهوة حب المنزلة بين الناس، والإغراق فى جمع المال، وانتهاك الحقوق، ومنع البنات من الميراث، والتراخى عن أداء العمل الوظيفى، وما إلى ذلك من آفات باطنة وظاهرة، وبات بعض الدعاة أو المتدينين لا يستفزهم إلا لبس الفتيات، أو لقطة فى فيلم، فيقيمون الدنيا على ذلك، ولا يستفزهم انتهاك الحقوق، أو الوساطة والمحسوبية فى الوظائف، أو انتشار قيم الخمول والتراخى والتكاسل، وأضحت قيم مثل: (البناء - الحضارة - النهضة - التجديد - الحقوق - إدراك الواقع - الهداية - الرحمة - الإحياء - التنمية - العمارة) غائبة إلى حد ما فى خطابنا الدينى.
إذاً يمكن القول بأن الإسلام جاء بالصلاة والصوم وسائر العبادات المعروفة (عبادة)، كما جاء بالأخلاق الرفيعة، والسمو النفسى، والرقى الإنسانى، والرحمة والرفق والإحسان (تزكية)، واحتاج الاجتماع البشرى إلى بروز دور العقل، ودعم البحث العلمى، واختراق الآفاق، وظهور الشركات والمصانع، واختراع السيارات والطائرات، واستخراج الثروات، وشق الطرق، وصناعة الطب، وتبادل السلع والمنتجات (العمارة)، والثلاثة جميعها اسمها (عبادة)، والاقتصار على جانب واحد منها يمثل خللاً كبيراً، ولن تتقدم الأمة ما لم تصبح عمارة الأرض لها من الأهمية مثل الصلاة والصيام.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin