الدرس الستون
حُرْمَةُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالرِّبَا
جامع الخيرات
درس ألقاه الفقيه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد الشيبيّ رحمه الله تعالى يوم السادس عشر من ربيع الآخر سنة ثمان و تسعين و ثلاثمائة و ألف و هو في بيان حُرمةِ نِكاحِ المتعة و الربا و وُقوع النَّسخِ في الشرائع و فضل مرتبة العلم .
قال رحمه الله تعالى رحمة واسعة:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ وَسَلَّمَ.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ الْعِبَادَ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ وَكَلَّفَهُمْ بِمُقْتَضَى عَدْلِهِ ثُمَّ إِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ارْتَضَى لِعِبَادِهِ كُلِّهِمْ دِينًا وَاحِدًا وَلَمْ يَرْتَضِ لَهُمْ دِينًا سِوَاهُ وَهُوَ الإِسْلامُ فَالإِسْلامُ هُوَ دِينُ الْمَلائِكَةِ وَهُوَ دِينُ سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ. ثُمَّ إِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ شَرَائِعَ الإِسْلامِ مُخْتَلِفَةً عَلَى حَسَبِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَخْتَلِفَ الْعَقِيدَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَقِيدَةَ الإِسْلامِ لا تَقْتَضِى مَصْلَحَةُ الْخَلْقِ أَنْ تَخْتَلِفَ بِاخْتِلافِ الأُمَمِ فَلَمْ يُنْسَخِ الإِسْلامُ قَطُّ وَلَكِنِ الشَّرَائِعُ الَّتِى هِىَ فُرُوعُ الإِسْلامِ تَقْتَضِى مَصَالِحُ الْخَلْقِ أَنْ تَخْتَلِفَ لِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ فَكَانَ فِى شَرْعِ ءَادَمَ مَثَلًا حُكْمٌ لَمْ يَكُنْ فِى مَا سِوَى شَرْعِهِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْبَشَرِ كَانَتْ تَقْتَضِى ذَلِكَ الْحُكْمَ وَهُوَ تَزْوِيجُ أَوْلادِ ءَادَمَ الذُّكُورِ بِالإِنَاثِ فَكَانَ يُزَوِّجُ الذَّكَرَ مِنْ هَذَا الْبَطْنِ لِلأُنْثَى مِنَ الْبَطْنِ الثَّانِى وَكَانَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ أَنَّ حَوَّاءَ كَانَتْ تَلِدُ فِى كُلِّ بَطْنٍ ذَكَرًا وَأُنْثَى وَكَانَ الزِّنَى فِى ذَلِكَ الزَّمَنِ نِكَاحَ أُخْتِهِ الَّتِى خَرَجَتْ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِى خَرَجَ مِنْهُ هَذَا كَان الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِمْ [أَىْ مَعَ تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ بِغَيْرِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ]، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَوْلادِ ءَادَمَ أَنَّهُ وَقَعَ فِى هَذَا الْحَرَامِ وَلَمْ تَكُنْ جَرِيمَةُ ابْنِ ءَادَمَ الَّذِى قَتَلَ أَخَاهُ نَاشِئَةً مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ فِى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِلَ قُرْبَانَ أَحَدِ الأَخَوَيْنِ وَلَمْ يَقْبَلْ قُرْبَانَ الآخَرِ فَأَطْغَاهُ الشَّيْطَانُ وَلِهَذَا أَقْدَمَ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ.
ثُمَّ بَعْدَ ءَادَمَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى زِوَاجَ الأَخِ مِنْ أُخْتِهِ مُطْلَقًا ثُمَّ لَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ رَسُولٍ يُرْسِلُهُ اللَّهُ فِى زَمَنٍ يُوحَى إِلَيْهِ بِنَسْخِ بَعْضِ الأَحْكَامِ الَّتِى كَانَتْ فِى شَرْعِ الرَّسُولِ الَّذِى قَبْلَهُ لَيْسَ يَنْسَخُهَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِنَّمَا اللَّهُ تَعَالَى يُوحِى إِلَيْهِ بِنَسْخِ بَعْضِ شَرْعِ الرَّسُولِ الَّذِى قَبْلَهُ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِى شَرْعِ التَّوْرَاةِ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ فِى ءَانٍ وَاحِدٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ جَائِزًا فِى شَرْعِ يَعْقُوبَ إِلَى أَنْ جَاءَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ ﷺ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَرْعًا فِيهِ نَسْخُ بَعْضِ الأَحْكَامِ الَّتِى كَانَتْ فِى شَرَائِعِ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُ، بَلْ كَانَ فِى شَرْعِهِ ﷺ مَا جَاءَ نَاسِخًا بَعْضَ الأَحْكَامِ الَّتِى كَانَتْ مُقَرَّرَةً فِى شَرْعِهِ ﷺ قَبْلَ النَّسْخِ وَذَلِكَ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الْمُتْعَةِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ إِبَاحَتَهَا فِى زَمَنٍ، كَانَ أَصْلُ إِبَاحَةِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ لِلْحَرْبِ وَالضَّرُورَةِ، كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَمَا يَكُونُونَ فِى السَّفَرِ لِلْغَزَوَاتِ أَىْ لِلْجِهَادِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ تَطُولُ عَلَيْهِمُ الْعُزُوبَةُ فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ أَنْ يَسْتَمْتِعُوا مِنَ النِّسَاءِ تَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ وَرَحْمَةً بِهِمْ ثُمَّ نَزَلَ الْوَحْىُ السَّمَاوِىُّ بِتَحْرِيمِهَا فِى غَزْوَةِ خَيْبَرَ ثُمَّ أُنْزِلَ الْوَحْىُ بِإِبَاحَتِهَا وَذَلِكَ فِى غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَسَافَةَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ بَعِيدَةٌ فَكَانَ مِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ فِى غَزْوَةِ الْفَتْحِ أَنْ يَسْتَمْتِعُوا مِنَ النِّسَاءِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ إِبَاحَةَ الْمُتْعَةِ فَحَرَّمَهَا تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [انْظُرْ فَتْحَ الْبَارِى لِابْنِ حَجَرٍ بَابُ نَهْىِ النَّبِىِّ ﷺ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ] فَكَانَ الْوَحْىُ الَّذِى حَرَّمَهَا عَامَ الْفَتْحِ هُوَ ءَاخِرَ مَا نَزَلَ فِى مُتْعَةِ النِّسَاءِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حَرَّمَهَا إِنِّى كُنْتُ قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ بِالِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ اهـ [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِى سُنَنِهِ بَابُ النَّهْىِ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ] وَكَانَ مِنَ السَّبَبِ الْمُقْتَضِى لِإِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَتِ النِّسَاءُ الْمُسْلِمَاتُ قِلَّةً فَعِنْدَمَا كَثُرَتِ النِّسَاءُ الْمُسْلِمَاتُ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَبَ دَخَلُوا فِى دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا بَعْدَ الْفَتْحِ لَمْ تَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ تَدْعُو إِلَى مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَكَانَ السَّبَبُ الَّذِى أُبِيحَ مِنْ أَجْلِهِ مُتْعَةُ النِّسَاءِ الْمَشَقَّةَ الَّتِى كَانُوا يُقَاسُونَهَا فِى الْحَرْبِ وَقِلَّةَ النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ فَلَمَّا زَالَ السَّبَبَانِ لَمْ تَقْتَضِ الْمَصْلَحَةُ إِبَاحَتَهَا ثُمَّ إِنَّ هُنَاكَ سَبَبًا ءَاخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمِيرَاثَ وَالْعِدَّةَ وَأَحْكَامَ الطَّلاقِ لَمْ تَكُنْ تَرَتَّبَتْ قَبْلَ ذَلِكَ [لَمْ يَكُنْ نَزَلَ حُكْمُهَا قَبْلَ ذَلِكَ] فَلَمَّا تَرَتَّبَتْ هَذِهِ الأَحْكَامُ بِالْوَحْىِ الَّذِى نَزَلَتْ بِهِ لَمْ يَبْقَ دَاعٍ لِضَرُورَةِ إِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ.
وَمِمَّا كَانَ حَرَامًا فِى شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا الرِّبَا فَأَكْلُ الرِّبَا كَانَ حَرَامًا فِى شَرْعِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مَثَلًا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْءَانُ وَالْحَدِيثُ فَأَمَّا الْقُرْءَانُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِى حَقِّ الْيَهُودِ فِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ﴾ ذَمَّهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَكْلِهِمُ الرِّبَا بَعْدَ أَنْ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ وَحْيًا، ثُمَّ لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بُعِثَ فِى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى نَبِيِّنَا ﷺ فِى بَدْءِ الْبِعْثَةِ تَحْرِيمَ الرِّبَا إِنَّمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِزَمَانٍ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَتَعَاطَوْنَ الرِّبَا قَبْلَ نُزُولِ تَحْرِيمِهِ عَلَى الرَّسُولِ غَيْرَ مُؤَاخَذِينَ، وَإِنَّمَا أَخَرَّ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَ أَكْلِ الرِّبَا فِى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ إِلَى مَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِالرِّبَا بِكَثْرَةٍ فَكَانَ مِنَ الْحِكْمَةِ أَلَّا يُعَجَّلَ عَلَيْهِمْ بِتَحْرِيمِ هَذَا الأَمْرِ الْفَاشِى الْمُنْتَشِرِ بَيْنَهُمْ فِى مُعَامَلاتِهِمْ تَرْغِيبًا فِى الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ الْيَهُودَ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ أَكْلُ الرِّبَا فِى شَرْعِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فَهُوَ مَا رَوَيْنَاهُ بِالإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ فِى جَامِعِ التِّرْمِذِىِّ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بنِ عَسَّالٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ يَهُودِىٌّ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِىِّ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ لا تَقُلْ نَبِىٌّ فَإِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ لَكَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ [قَالَ الطِّيبِىُّ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ السُّرُورِ الْمُضَاعَفِ لِأَنَّهُمْ يُكْنُونَ عَنِ السُّرُورِ بِقُرَّةِ الْعَيْنِ اهـ انْظُرْ قُوتَ الْمُغْتَذِى] فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلاهُ عَنْ تِسْعِ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَقَالَ لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا تَسْرِقُوا وَلا تَزْنُوا وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا تَمْشُوا بِبَرِىءٍ إِلَى ذِى سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ وَلا تَسْحَرُوا وَلا تَأْكُلُوا الرِّبَا الْحَدِيثَ إِلَى ءَاخِرِهِ [فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَقَالا نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِىٌّ قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِى قَالُوا إِنَّ دَاوُدَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ لا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَتِهِ نَبِىٌّ وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ] قَالَ التِّرْمِذِىُّ فِى هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ لا مَصْلَحَةَ لِلْعِبَادِ فِى أَنْ يَأْتِىَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ﷺ نَبِىٌّ بِنَسْخِ بَعْضِ شَرْعِهِ وَأَنَّ شَرْعَهُ مُوَافِقٌ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ إِلَى نِهَايَةِ الدُّنْيَا فَلَمْ تَكُنْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ حَاجَةٌ إِلَى نَسْخِ مَا تَقَرَّرَ مِنْ شَرْعِ مُحَمَّدٍ ﷺ فِى حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْهَمُوهُ وَيُحِلُّوا حَلالَهُ وَيُحَرِّمُوا حَرَامَهُ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ أَىْ أَنَّ قَوَاعِدَ الدِّينِ وَأُصُولَ أَحْكَامِهِ قَدْ تَمَّتْ فَلا حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى غَيْرِهَا وَكَانَ نُزُولُ الآيَةِ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِشَهْرَيْنِ وَشَىْءٍ.
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَثْنَى فِى كِتَابِهِ عَلَى الْعِلْمِ فِى عِدَّةِ ءَايَاتٍ وَحَضَّ عَلَيْهِ وَبَيَّنَ رَسُولُهُ ﷺ جَزَاهُ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِهِ خَيْرَ مَا جَازَى بِهِ نَبِيًّا فَضْلَ الْعِلْمِ وَذَلِكَ أَنَّ عِلْمَ الدِّينِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَائِرُ طَوَائِفِ النَّاسِ وَلا يَسْتَغْنِى عَنِ الْعِلْمِ طَبَقَةٌ مِنْ طَبَقَاتِ النَّاسِ فَلِذَلِكَ كَانَتْ [أَىْ حَصَلَتْ وَتَقَرَّرَتْ فَكَانَتْ هُنَا تَامَّةٌ] أَهَمِيَّةُ عِلْمِ الدِّينِ فِى هَذَا الْعَصْرِ الَّذِى طَغَى فِيهِ الْجَهْلُ بِعِلْمِ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ عَلَى أَعْمَالِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ. وَلَمَّا كَانَ عِلْمُ الدِّينِ فِى الْعُصُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَعَصْرِ التَّابِعِينَ وَعَصْرِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَمَا يَلِى ذَلِكَ أَوْفَرَ بِكَثِيرٍ كَانَتْ حَالُ الْمُسْلِمِينَ أَحْسَنَ بِكَثِيرٍ مِمَّا صِرْنَا إِلَيْهِ فِى هَذِهِ الْعُصُورِ فَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ وَلا تَغُرَنَّكُمْ دَعْوَى أُنَاسٍ نَبَذُوا الْعِلْمَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَانْشَغَلُوا بِالطَّرِيقَةِ وَالذِّكْرِ وَالأَوْرَادِ، الذِّكْرُ يَحْتَاجُ إِلَى عِلْمٍ وَكَذَلِكَ الِانْقِطَاعُ لِلتَّعَبُّدِ، وَفَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ الْعَابِدِ وَبَيْنَ الْعَالِمِ وَيَكْفِى دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَيْنَاهُ فِى جَامِعِ التِّرْمِذِىِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِى عَلَى أَدْنَاكُمْ وَإِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ حَتَّى الْحِيتَانَ فِى الْبَحْرِ لَيُصَلُّونَ [أَىْ يَسْتَغْفِرُونَ] عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ اهـ [رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ فِى سُنَنِهِ] وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ فَسَادًا كَبِيرًا وَيُنْجِى اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمَهَالِكِ خَلْقًا كَثِيرًا.
وَهَذِهِ الْمُفَاضَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِى هَذَا الْحَدِيثِ هِىَ بَيْنَ عَالِمٍ هُوَ حَقُّ الْعَالِمِ وَبَيْنَ عَابِدٍ هُوَ حَقُّ الْعَابِدِ وَأَمَّا إِذَا خَلا الْعَالِمُ عَنْ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ فَإِنَّهُ لا يَكُونُ لَهُ هَذَا الْفَضْلُ وَكَذَلِكَ الْعَابِدُ إِذَا لَمْ تَكُنْ عِبَادَتُهُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَمُوَافَقَةِ الأَحْكَامِ فَإِنَّهَا كَالْعَدَمِ فَالْعَابِدُ الَّذِى ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوَ مَنْ كَانَ يَعْرِفُ مَا يُصَحِّحُ بِهِ عِبَادَتَهُ لَيْسَ الَّذِى يَتَعَبَّدُ عَلَى الْخَلَلِ وَلا يَعْرِفُ كَيْفَ تَصِحُّ صَلاتُهُ وَطَهَارَتُهُ فَإِنَّ هَذَا عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ مِنَ الْهَلاكِ. وَمِنْ عِظَمِ فَضْلِ الْعَالِمِ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ فِى وَصْفِ عُلَمَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ عُلَمَاءُ حُلَمَاءُ بَرَرَةٌ أَتْقِيَاءُ كَأَنَّهُمْ مِنَ الْفِقْهِ أَنْبِيَاءُ اهـ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِى الْحِلْيَةِ فَهَذَا أَيْضًا يُعْلَمُ بِهِ شَرَفُ الْعِلْمِ وَعُلُوُّ مَنْزِلَتِهِ فَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِلْمُ وَالْعِبَادَةُ فَذَلِكَ مِنْ أَسْمَى الْمَرَاتِبِ.
وَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ يُعْرَفُ بِهِ مَرَاتِبُ الأَعْمَالِ مَا هُوَ الْفَاضِلُ وَمَا هُوَ الأَفْضَلُ وَمَا هُوَ الْمُحَرَّمُ وَمَا هُوَ الْمَكْرُوهُ وَمَا هُوَ مِنَ الْمَعَاصِى فِى مَرْتَبَةِ الْكَبَائِرِ وَمَا هُوَ مِنْهَا فِى مَرْتَبَةِ الصَّغَائِرِ ظَهَرَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعِلْمَ مِنْ أَسْنَى الأَعْمَالِ وَمَا أُنْفِقَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الأَوْقَاتِ وَمِنْ أَوْلَى مَا عُلِّقَتْ بِهِ الرَّغَبَاتُ فَعَلَيْكُمْ بِتَحْصِيلِهِ وَلَوِ انْشَغَلْتُمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الأَشْيَاءِ الَّتِى تَطْمَعُ إِلَيْهَا النُّفُوسُ فَالْوِلايَةُ حَقُّ الْوِلايَةِ هِىَ الْعِلْمُ مَعَ الْعَمَلِ فَمَنْ قَرَأَ طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ فِى الْعُصُورِ الْمَاضِيَةِ وَعَرَفَ مَنَاقِبَهُمْ عَلِمَ ذَلِكَ حَقَّ الْعِلْمِ هَذَا الْفَقِيهُ الْعَالِمُ الْمُحَدِّثُ أَبُو عَمْرِو بنُ الصَّلاحِ الشَّهْرَزُورِىُّ الدِّمَشْقِىُّ [فِى طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ الْكُبْرَى أَنَّهُ تُوُفِّىَ سَنَةَ 643] مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ السَّابِعِ الْهِجْرِىِّ حُفِرَ عَنْ قَبْرِهِ فِى دِمَشْقَ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً تَقْرِيبًا مِنْ أَجْلِ التَّخْطِيطِ الْهَنْدَسِىِّ لِفَتْحِ شَارِعٍ فَعُثِرَ عَلَى جُثَّتِهِ صَحِيحَةً لَمْ يَبْلَ شَىْءٌ مِنْ جَسَدِهِ وَلا بَلِىَ كَفَنُهُ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى حَىِّ الْمَيْدَانِ فِى دِمَشْقَ فَدُفِنَ هُنَاكَ. هَذَا أَبُو عَمْرِو بنُ الصَّلاحِ لَمْ يَكُنْ فِى الشُّهْرَةِ بَيْنَ الأُمَّةِ بِمَثَابَةِ الشَّافِعِىِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَؤُلاءِ فَرْقٌ بَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بَيْنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيِّينَ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الصِّيتُ الَّذِى يُقَارَنُ بِهِ مَعَ الشَّافِعِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْجَمِيعِ وَلَمْ يَنَلْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ حَدَّثَنِى بِذَلِكَ عَالِمٌ مِنْ دِمَشْقَ يُسَمَّى أَبَا سُلَيْمَانَ الزَّبِيبِىَّ وَهُوَ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ مُوَظَّفُ الأَوْقَافِ عَبْدُ الْمُتَعَالِ وَهُوَ حَدَّثَهُ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِهِ.
انتهى واللهُ تعالى أعلم.
حُرْمَةُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالرِّبَا
جامع الخيرات
درس ألقاه الفقيه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد الشيبيّ رحمه الله تعالى يوم السادس عشر من ربيع الآخر سنة ثمان و تسعين و ثلاثمائة و ألف و هو في بيان حُرمةِ نِكاحِ المتعة و الربا و وُقوع النَّسخِ في الشرائع و فضل مرتبة العلم .
قال رحمه الله تعالى رحمة واسعة:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ وَسَلَّمَ.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ الْعِبَادَ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ وَكَلَّفَهُمْ بِمُقْتَضَى عَدْلِهِ ثُمَّ إِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ارْتَضَى لِعِبَادِهِ كُلِّهِمْ دِينًا وَاحِدًا وَلَمْ يَرْتَضِ لَهُمْ دِينًا سِوَاهُ وَهُوَ الإِسْلامُ فَالإِسْلامُ هُوَ دِينُ الْمَلائِكَةِ وَهُوَ دِينُ سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ. ثُمَّ إِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ شَرَائِعَ الإِسْلامِ مُخْتَلِفَةً عَلَى حَسَبِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَخْتَلِفَ الْعَقِيدَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَقِيدَةَ الإِسْلامِ لا تَقْتَضِى مَصْلَحَةُ الْخَلْقِ أَنْ تَخْتَلِفَ بِاخْتِلافِ الأُمَمِ فَلَمْ يُنْسَخِ الإِسْلامُ قَطُّ وَلَكِنِ الشَّرَائِعُ الَّتِى هِىَ فُرُوعُ الإِسْلامِ تَقْتَضِى مَصَالِحُ الْخَلْقِ أَنْ تَخْتَلِفَ لِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ فَكَانَ فِى شَرْعِ ءَادَمَ مَثَلًا حُكْمٌ لَمْ يَكُنْ فِى مَا سِوَى شَرْعِهِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْبَشَرِ كَانَتْ تَقْتَضِى ذَلِكَ الْحُكْمَ وَهُوَ تَزْوِيجُ أَوْلادِ ءَادَمَ الذُّكُورِ بِالإِنَاثِ فَكَانَ يُزَوِّجُ الذَّكَرَ مِنْ هَذَا الْبَطْنِ لِلأُنْثَى مِنَ الْبَطْنِ الثَّانِى وَكَانَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ أَنَّ حَوَّاءَ كَانَتْ تَلِدُ فِى كُلِّ بَطْنٍ ذَكَرًا وَأُنْثَى وَكَانَ الزِّنَى فِى ذَلِكَ الزَّمَنِ نِكَاحَ أُخْتِهِ الَّتِى خَرَجَتْ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِى خَرَجَ مِنْهُ هَذَا كَان الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِمْ [أَىْ مَعَ تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ بِغَيْرِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ]، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَوْلادِ ءَادَمَ أَنَّهُ وَقَعَ فِى هَذَا الْحَرَامِ وَلَمْ تَكُنْ جَرِيمَةُ ابْنِ ءَادَمَ الَّذِى قَتَلَ أَخَاهُ نَاشِئَةً مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ فِى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِلَ قُرْبَانَ أَحَدِ الأَخَوَيْنِ وَلَمْ يَقْبَلْ قُرْبَانَ الآخَرِ فَأَطْغَاهُ الشَّيْطَانُ وَلِهَذَا أَقْدَمَ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ.
ثُمَّ بَعْدَ ءَادَمَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى زِوَاجَ الأَخِ مِنْ أُخْتِهِ مُطْلَقًا ثُمَّ لَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ رَسُولٍ يُرْسِلُهُ اللَّهُ فِى زَمَنٍ يُوحَى إِلَيْهِ بِنَسْخِ بَعْضِ الأَحْكَامِ الَّتِى كَانَتْ فِى شَرْعِ الرَّسُولِ الَّذِى قَبْلَهُ لَيْسَ يَنْسَخُهَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِنَّمَا اللَّهُ تَعَالَى يُوحِى إِلَيْهِ بِنَسْخِ بَعْضِ شَرْعِ الرَّسُولِ الَّذِى قَبْلَهُ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِى شَرْعِ التَّوْرَاةِ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ فِى ءَانٍ وَاحِدٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ جَائِزًا فِى شَرْعِ يَعْقُوبَ إِلَى أَنْ جَاءَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ ﷺ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَرْعًا فِيهِ نَسْخُ بَعْضِ الأَحْكَامِ الَّتِى كَانَتْ فِى شَرَائِعِ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُ، بَلْ كَانَ فِى شَرْعِهِ ﷺ مَا جَاءَ نَاسِخًا بَعْضَ الأَحْكَامِ الَّتِى كَانَتْ مُقَرَّرَةً فِى شَرْعِهِ ﷺ قَبْلَ النَّسْخِ وَذَلِكَ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الْمُتْعَةِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ إِبَاحَتَهَا فِى زَمَنٍ، كَانَ أَصْلُ إِبَاحَةِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ لِلْحَرْبِ وَالضَّرُورَةِ، كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَمَا يَكُونُونَ فِى السَّفَرِ لِلْغَزَوَاتِ أَىْ لِلْجِهَادِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ تَطُولُ عَلَيْهِمُ الْعُزُوبَةُ فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ أَنْ يَسْتَمْتِعُوا مِنَ النِّسَاءِ تَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ وَرَحْمَةً بِهِمْ ثُمَّ نَزَلَ الْوَحْىُ السَّمَاوِىُّ بِتَحْرِيمِهَا فِى غَزْوَةِ خَيْبَرَ ثُمَّ أُنْزِلَ الْوَحْىُ بِإِبَاحَتِهَا وَذَلِكَ فِى غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَسَافَةَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ بَعِيدَةٌ فَكَانَ مِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ فِى غَزْوَةِ الْفَتْحِ أَنْ يَسْتَمْتِعُوا مِنَ النِّسَاءِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ إِبَاحَةَ الْمُتْعَةِ فَحَرَّمَهَا تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [انْظُرْ فَتْحَ الْبَارِى لِابْنِ حَجَرٍ بَابُ نَهْىِ النَّبِىِّ ﷺ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ] فَكَانَ الْوَحْىُ الَّذِى حَرَّمَهَا عَامَ الْفَتْحِ هُوَ ءَاخِرَ مَا نَزَلَ فِى مُتْعَةِ النِّسَاءِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حَرَّمَهَا إِنِّى كُنْتُ قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ بِالِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ اهـ [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِى سُنَنِهِ بَابُ النَّهْىِ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ] وَكَانَ مِنَ السَّبَبِ الْمُقْتَضِى لِإِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَتِ النِّسَاءُ الْمُسْلِمَاتُ قِلَّةً فَعِنْدَمَا كَثُرَتِ النِّسَاءُ الْمُسْلِمَاتُ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَبَ دَخَلُوا فِى دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا بَعْدَ الْفَتْحِ لَمْ تَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ تَدْعُو إِلَى مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَكَانَ السَّبَبُ الَّذِى أُبِيحَ مِنْ أَجْلِهِ مُتْعَةُ النِّسَاءِ الْمَشَقَّةَ الَّتِى كَانُوا يُقَاسُونَهَا فِى الْحَرْبِ وَقِلَّةَ النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ فَلَمَّا زَالَ السَّبَبَانِ لَمْ تَقْتَضِ الْمَصْلَحَةُ إِبَاحَتَهَا ثُمَّ إِنَّ هُنَاكَ سَبَبًا ءَاخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمِيرَاثَ وَالْعِدَّةَ وَأَحْكَامَ الطَّلاقِ لَمْ تَكُنْ تَرَتَّبَتْ قَبْلَ ذَلِكَ [لَمْ يَكُنْ نَزَلَ حُكْمُهَا قَبْلَ ذَلِكَ] فَلَمَّا تَرَتَّبَتْ هَذِهِ الأَحْكَامُ بِالْوَحْىِ الَّذِى نَزَلَتْ بِهِ لَمْ يَبْقَ دَاعٍ لِضَرُورَةِ إِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ.
وَمِمَّا كَانَ حَرَامًا فِى شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا الرِّبَا فَأَكْلُ الرِّبَا كَانَ حَرَامًا فِى شَرْعِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مَثَلًا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْءَانُ وَالْحَدِيثُ فَأَمَّا الْقُرْءَانُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِى حَقِّ الْيَهُودِ فِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ﴾ ذَمَّهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَكْلِهِمُ الرِّبَا بَعْدَ أَنْ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ وَحْيًا، ثُمَّ لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بُعِثَ فِى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى نَبِيِّنَا ﷺ فِى بَدْءِ الْبِعْثَةِ تَحْرِيمَ الرِّبَا إِنَّمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِزَمَانٍ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَتَعَاطَوْنَ الرِّبَا قَبْلَ نُزُولِ تَحْرِيمِهِ عَلَى الرَّسُولِ غَيْرَ مُؤَاخَذِينَ، وَإِنَّمَا أَخَرَّ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَ أَكْلِ الرِّبَا فِى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ إِلَى مَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِالرِّبَا بِكَثْرَةٍ فَكَانَ مِنَ الْحِكْمَةِ أَلَّا يُعَجَّلَ عَلَيْهِمْ بِتَحْرِيمِ هَذَا الأَمْرِ الْفَاشِى الْمُنْتَشِرِ بَيْنَهُمْ فِى مُعَامَلاتِهِمْ تَرْغِيبًا فِى الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ الْيَهُودَ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ أَكْلُ الرِّبَا فِى شَرْعِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فَهُوَ مَا رَوَيْنَاهُ بِالإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ فِى جَامِعِ التِّرْمِذِىِّ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بنِ عَسَّالٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ يَهُودِىٌّ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِىِّ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ لا تَقُلْ نَبِىٌّ فَإِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ لَكَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ [قَالَ الطِّيبِىُّ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ السُّرُورِ الْمُضَاعَفِ لِأَنَّهُمْ يُكْنُونَ عَنِ السُّرُورِ بِقُرَّةِ الْعَيْنِ اهـ انْظُرْ قُوتَ الْمُغْتَذِى] فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلاهُ عَنْ تِسْعِ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَقَالَ لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا تَسْرِقُوا وَلا تَزْنُوا وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا تَمْشُوا بِبَرِىءٍ إِلَى ذِى سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ وَلا تَسْحَرُوا وَلا تَأْكُلُوا الرِّبَا الْحَدِيثَ إِلَى ءَاخِرِهِ [فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَقَالا نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِىٌّ قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِى قَالُوا إِنَّ دَاوُدَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ لا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَتِهِ نَبِىٌّ وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ] قَالَ التِّرْمِذِىُّ فِى هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ لا مَصْلَحَةَ لِلْعِبَادِ فِى أَنْ يَأْتِىَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ﷺ نَبِىٌّ بِنَسْخِ بَعْضِ شَرْعِهِ وَأَنَّ شَرْعَهُ مُوَافِقٌ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ إِلَى نِهَايَةِ الدُّنْيَا فَلَمْ تَكُنْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ حَاجَةٌ إِلَى نَسْخِ مَا تَقَرَّرَ مِنْ شَرْعِ مُحَمَّدٍ ﷺ فِى حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْهَمُوهُ وَيُحِلُّوا حَلالَهُ وَيُحَرِّمُوا حَرَامَهُ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ أَىْ أَنَّ قَوَاعِدَ الدِّينِ وَأُصُولَ أَحْكَامِهِ قَدْ تَمَّتْ فَلا حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى غَيْرِهَا وَكَانَ نُزُولُ الآيَةِ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِشَهْرَيْنِ وَشَىْءٍ.
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَثْنَى فِى كِتَابِهِ عَلَى الْعِلْمِ فِى عِدَّةِ ءَايَاتٍ وَحَضَّ عَلَيْهِ وَبَيَّنَ رَسُولُهُ ﷺ جَزَاهُ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِهِ خَيْرَ مَا جَازَى بِهِ نَبِيًّا فَضْلَ الْعِلْمِ وَذَلِكَ أَنَّ عِلْمَ الدِّينِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَائِرُ طَوَائِفِ النَّاسِ وَلا يَسْتَغْنِى عَنِ الْعِلْمِ طَبَقَةٌ مِنْ طَبَقَاتِ النَّاسِ فَلِذَلِكَ كَانَتْ [أَىْ حَصَلَتْ وَتَقَرَّرَتْ فَكَانَتْ هُنَا تَامَّةٌ] أَهَمِيَّةُ عِلْمِ الدِّينِ فِى هَذَا الْعَصْرِ الَّذِى طَغَى فِيهِ الْجَهْلُ بِعِلْمِ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ عَلَى أَعْمَالِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ. وَلَمَّا كَانَ عِلْمُ الدِّينِ فِى الْعُصُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَعَصْرِ التَّابِعِينَ وَعَصْرِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَمَا يَلِى ذَلِكَ أَوْفَرَ بِكَثِيرٍ كَانَتْ حَالُ الْمُسْلِمِينَ أَحْسَنَ بِكَثِيرٍ مِمَّا صِرْنَا إِلَيْهِ فِى هَذِهِ الْعُصُورِ فَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ وَلا تَغُرَنَّكُمْ دَعْوَى أُنَاسٍ نَبَذُوا الْعِلْمَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَانْشَغَلُوا بِالطَّرِيقَةِ وَالذِّكْرِ وَالأَوْرَادِ، الذِّكْرُ يَحْتَاجُ إِلَى عِلْمٍ وَكَذَلِكَ الِانْقِطَاعُ لِلتَّعَبُّدِ، وَفَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ الْعَابِدِ وَبَيْنَ الْعَالِمِ وَيَكْفِى دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَيْنَاهُ فِى جَامِعِ التِّرْمِذِىِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِى عَلَى أَدْنَاكُمْ وَإِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ حَتَّى الْحِيتَانَ فِى الْبَحْرِ لَيُصَلُّونَ [أَىْ يَسْتَغْفِرُونَ] عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ اهـ [رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ فِى سُنَنِهِ] وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ فَسَادًا كَبِيرًا وَيُنْجِى اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمَهَالِكِ خَلْقًا كَثِيرًا.
وَهَذِهِ الْمُفَاضَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِى هَذَا الْحَدِيثِ هِىَ بَيْنَ عَالِمٍ هُوَ حَقُّ الْعَالِمِ وَبَيْنَ عَابِدٍ هُوَ حَقُّ الْعَابِدِ وَأَمَّا إِذَا خَلا الْعَالِمُ عَنْ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ فَإِنَّهُ لا يَكُونُ لَهُ هَذَا الْفَضْلُ وَكَذَلِكَ الْعَابِدُ إِذَا لَمْ تَكُنْ عِبَادَتُهُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَمُوَافَقَةِ الأَحْكَامِ فَإِنَّهَا كَالْعَدَمِ فَالْعَابِدُ الَّذِى ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوَ مَنْ كَانَ يَعْرِفُ مَا يُصَحِّحُ بِهِ عِبَادَتَهُ لَيْسَ الَّذِى يَتَعَبَّدُ عَلَى الْخَلَلِ وَلا يَعْرِفُ كَيْفَ تَصِحُّ صَلاتُهُ وَطَهَارَتُهُ فَإِنَّ هَذَا عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ مِنَ الْهَلاكِ. وَمِنْ عِظَمِ فَضْلِ الْعَالِمِ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ فِى وَصْفِ عُلَمَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ عُلَمَاءُ حُلَمَاءُ بَرَرَةٌ أَتْقِيَاءُ كَأَنَّهُمْ مِنَ الْفِقْهِ أَنْبِيَاءُ اهـ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِى الْحِلْيَةِ فَهَذَا أَيْضًا يُعْلَمُ بِهِ شَرَفُ الْعِلْمِ وَعُلُوُّ مَنْزِلَتِهِ فَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِلْمُ وَالْعِبَادَةُ فَذَلِكَ مِنْ أَسْمَى الْمَرَاتِبِ.
وَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ يُعْرَفُ بِهِ مَرَاتِبُ الأَعْمَالِ مَا هُوَ الْفَاضِلُ وَمَا هُوَ الأَفْضَلُ وَمَا هُوَ الْمُحَرَّمُ وَمَا هُوَ الْمَكْرُوهُ وَمَا هُوَ مِنَ الْمَعَاصِى فِى مَرْتَبَةِ الْكَبَائِرِ وَمَا هُوَ مِنْهَا فِى مَرْتَبَةِ الصَّغَائِرِ ظَهَرَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعِلْمَ مِنْ أَسْنَى الأَعْمَالِ وَمَا أُنْفِقَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الأَوْقَاتِ وَمِنْ أَوْلَى مَا عُلِّقَتْ بِهِ الرَّغَبَاتُ فَعَلَيْكُمْ بِتَحْصِيلِهِ وَلَوِ انْشَغَلْتُمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الأَشْيَاءِ الَّتِى تَطْمَعُ إِلَيْهَا النُّفُوسُ فَالْوِلايَةُ حَقُّ الْوِلايَةِ هِىَ الْعِلْمُ مَعَ الْعَمَلِ فَمَنْ قَرَأَ طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ فِى الْعُصُورِ الْمَاضِيَةِ وَعَرَفَ مَنَاقِبَهُمْ عَلِمَ ذَلِكَ حَقَّ الْعِلْمِ هَذَا الْفَقِيهُ الْعَالِمُ الْمُحَدِّثُ أَبُو عَمْرِو بنُ الصَّلاحِ الشَّهْرَزُورِىُّ الدِّمَشْقِىُّ [فِى طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ الْكُبْرَى أَنَّهُ تُوُفِّىَ سَنَةَ 643] مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ السَّابِعِ الْهِجْرِىِّ حُفِرَ عَنْ قَبْرِهِ فِى دِمَشْقَ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً تَقْرِيبًا مِنْ أَجْلِ التَّخْطِيطِ الْهَنْدَسِىِّ لِفَتْحِ شَارِعٍ فَعُثِرَ عَلَى جُثَّتِهِ صَحِيحَةً لَمْ يَبْلَ شَىْءٌ مِنْ جَسَدِهِ وَلا بَلِىَ كَفَنُهُ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى حَىِّ الْمَيْدَانِ فِى دِمَشْقَ فَدُفِنَ هُنَاكَ. هَذَا أَبُو عَمْرِو بنُ الصَّلاحِ لَمْ يَكُنْ فِى الشُّهْرَةِ بَيْنَ الأُمَّةِ بِمَثَابَةِ الشَّافِعِىِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَؤُلاءِ فَرْقٌ بَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بَيْنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيِّينَ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الصِّيتُ الَّذِى يُقَارَنُ بِهِ مَعَ الشَّافِعِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْجَمِيعِ وَلَمْ يَنَلْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ حَدَّثَنِى بِذَلِكَ عَالِمٌ مِنْ دِمَشْقَ يُسَمَّى أَبَا سُلَيْمَانَ الزَّبِيبِىَّ وَهُوَ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ مُوَظَّفُ الأَوْقَافِ عَبْدُ الْمُتَعَالِ وَهُوَ حَدَّثَهُ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِهِ.
انتهى واللهُ تعالى أعلم.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin