..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 9

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:58

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء التاسع
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1

    “ 139 “

    فقال له الشيخ : أين هو ؟ فقال : هو فيه ، فأخذته حالة وهو يقول : هو فيه ، فبهت الحاضرون وتحيروا .
    أنشدنا ابن الأعرابي :
    سقى اللّه حيا بين صارة والحمى * حمى فيه صوب المدجنات الواطر

    أمين وادّ اللّه ركبا إليهم * بخير ووقاهم صروف المقادر


    ولمهيار الديلمي في الشيب :
    أسفت لحلم كان لي يوم بارق * فأخرجه جهل الصبابة عن بعدي
    وما زلت أبكي منذ حلّت بحاجر * قوى جلدي حتى تداعى تجلدي
    تحرّس بأحقاف اللوا عمر ساعة * ولولا مكان الريب قلت له ازدد
    وقل صاحب لي ضلّ بألبان قلبه * لعلك أن يلقاك هاد فيهتدي
    فسلم على ماء به برد غلتي * وظل أراك كان للوصل موعدي
    وقل لحمام البانتين مهنئا * تغني خليّا من غرام وغرّد
    فيا أهل نجد كيف بالغور بعدكم * بقاء تهاميّ يهيم بمنجد
    ملكتم عزيزا رقه فتعطّفوا * على منكر للذل لم يتعود



    وله أيضا من هذا الباب :
    يا ليلتي بحاجر * إن عاد ماض فارجعي
    أرضى بأخبار الريا * ح والبروق اللمع
    وأين من برق الحمى * شائمة بلعلع


    وله أيضا من هذا الباب :
    أودع فؤادي حرقا أودع * ذاتك تؤذي أنت في أضلعي
    وارم سهام الطرف ، أو كفها * أنت بما ترمي مصاب معي
    موقعها القلب وأنت الذي * مسكنه بذاك الموضع

    ومن ثمرات المحبة عند أهلها ما حدثني به عبد الرحمن ، عن أبي بكر ، عن الجيري ، عن ابن باكويه ، عن إبراهيم بن محمد المالكي ، عن يوسف بن أحمد البغدادي ، عن ابن أبي الحواري ، قال : حججت أنا وأبو سليمان الداراني ، فبينما نحن نسير إذ سقطت السطيحة مني ، وكان برد عظيم ، فأخبرت أبا سليمان ، فقال : سلّم وصلّ على محمد ، وقل : يا رادّ الضالة ، ويا هاديا من الضلالة ، ردّ الضالة ، فإذا بواحد ينادي : من ذهبت له سطيحة ، فأخذتها منه ، فقال لي أبو سليمان : لا تتركنا بلا ماء . فبينما نحن نسير إذا برجل


    “ 140 “


    عليه طمران ، أي ثوبان خلقان رثان ، ونحن قد تدرعنا بالفراء من شدة البرد ، وهو يرشح عرقا ، فقال له أبو سليمان : ألا نؤثرك ببعض ما معنا ؟ فقال الرجل : يا داراني الحر والبرد خلقان للّه عز وجل ، إن أمرهما أن يغشياني أصاباني ، وإن أمرهما أن يتركاني تركاني ، يا داراني ، تصف الزهد ، وتخاف من البرد ، أنا شيخ أسيح في هذه البريّة منذ ثلاثين سنة ما انتقضت ولا ارتعدت . يلبسني في البرد فيحا من محبته ، ويلبسني في الصيف برد محبته .

    ثم ولّى ، وهو يقول : يا داراني ، تبكي وتصيح وتستريح على الترويح . فكان أبو سليمان يقول : لم يعرفني غيره .
    قلت : كنت أطلب بيت المقدس ، فدخل عليّ شاب كالعود ، عليه أثر السياحة ، وأنا بمسجد بظاهر بيسان ، وكان صاحبي عبد الرحمن بن علي اللواتي يعمل لي شغلا بين يديّ ، فدنا منا ، وأخذ السكين من يد عبد الرحمن ، فأصلح به نعلا كان له ، ثم قال لي :
    تكون فقيرا وتمشي بعدة ، فقلت له : يا فقير ، تراك قد احتجت إليها ، فلو كانت ما يضرك ؟
    فقال لي : لما احتجت وجدتك ، فأصلحت شأني ، وأراحني اللّه من حملها ، فكن مثلي واتركها ، فإذا احتجت إليها وجدت حاجتك عند مثلك ، وتكون بينها سالم الحال مع اللّه .
    ثم خرج مسرعا ، فطلبته فلم أره حتى الآن . سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، أستغفرك وأتوب إليك .

    موعظة الفضيل بن عياض لأمير المؤمنين هارون الرشيد بمكة زادها اللّه شرفا
    روينا من حديث أبي نعيم ، عن سليمان بن أحمد ، عن محمد بن زكريا العلائي ، عن أبي عمر النحوي ، عن الفضل بن الربيع ، قال : حج هارون الرشيد ، فأتاني ، فخرجت مسرعا ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، لو أرسلت إليّ لأتيتك ، فقال : ويحك قد حاك في نفسي شيء ، فانظر لي رجلا أسأله . فقلت : هاهنا سفيان بن عيينة . قال : امض بنا إليه ، فأتيناه ، فقرعت الباب ، فقال : من ذا ؟ فقلت : أجب أمير المؤمنين ، فخرج مسرعا ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لو أرسل إليّ لأتيتك ، فقال له : خذ لما جئناك له رحمك اللّه ، فحدثه ساعة ، ثم قال : عليك دين ؟ قال : نعم ، قال : اقض دينه . فلما خرجنا قال : ما أغنى عني صاحبك شيئا ، انظر لي رجلا أسأله . فقلت له : هاهنا عبد الرزاق ، فذكر مثل ما جرى له مع سفيان .

    وقال : ما أغنى عني صاحبك شيئا ، انظر لي رجلا أسأله . فقلت : هاهنا الفضيل بن عياض ، قال : امض بنا إليه ، فإذا هو قائم يصلي يتلو آية من القرآن يرددها ، قال : اقرع الباب ،


    “ 141 “

    فقرعت ، فقال : من ؟ قلت : أجب أمير المؤمنين ، قال : وما لي ولأمير المؤمنين ؟ فقلت :
    سبحان اللّه ، أما عليك طاعته ؟ فنزل ففتح الباب ، ثم ارتقى إلى الغرفة ، ثم أطفأ السراج ، ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت ، فدخلنا فجعلنا نجول عليه بأيدينا ، فسبقت كف هارون الرشيد قبلي إليه ، فقال : يا لها من كف ما ألينها ، إن نجت غدا من عذاب اللّه عز وجل .

    فقلت في نفسي : ليكلمنا الليلة كلاما من قلب نقي ، فقال له : خذ لما جئناك له رحمك اللّه ، فقال له : إن عمر بن عبد العزيز لما ولّي الخلافة دعا سالم بن عبد اللّه ، ومحمد بن كعب القرظيّ ، ورجاء بن حيوة ، فقال لهم : إني قد ابتليت بهذا البلاء ، فأشيروا عليّ ، فعدّ الخلافة بلاء ، وعددتها أنت وأصحابك نعمة . فقال له سالم بن عبد اللّه : إن أردت النجاة من عذاب اللّه فصم عن الدنيا ، وليكن إفطارك منها الموت .

    وقال محمد بن كعبان : إن أردت النجاة من عذاب اللّه فليكن كبير المؤمنين عندك أبا ، وأوسطهم عندك أخا ، وأصغرهم عندك ولدا ، فوقّر أباك ، وأكرم أخاك ، وتحنن على ولدك .

    وقال رجاء بن حيوة : إن أردت النجاة من عذاب اللّه فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك ، واكره لهم ما تكره لنفسك ، ثم متّ إن شئت . فإني أقول لك : يا هارون الرشيد ، إني أخاف عليك أشد الخوف يوم تزلّ فيه الأقدام ، فهل معك رحمك اللّه من يشير عليك بمثل هذا ؟ فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه ، فقلت له : أرفق بأمير المؤمنين ، فقال : تقتله أنت وأصحابك ، وأرفق به أنا ، ثم أفاق فقال له : زدني رحمك اللّه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكى إليه ، فكتب إليه : يا أخي أذكّرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد ، وإياك أن ينصرف بك من عند اللّه عز وجل ، فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء . فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فقال له : ما أقدمك ؟ قال : خلعت قلبي بكتابك ، لا أعود إلى ولاية حتى ألقى اللّه ، قال : فبكى هارون بكاء شديدا ، ثم قال : زدني رحمك اللّه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن العباس عم المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ، جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال : يا رسول اللّه ، أمّرني على إمارة ،
    فقال له : « إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة ، فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل » ، فبكى هارون ، وقال : زدني رحمك اللّه ،
    قال : يا حسن الوجه ، أنت الذي يسألك اللّه تعالى عن هذا الخلق يوم القيامة ، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل ، وإياك أن تصبح أو تمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك ،
    فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : « من أصبح عنده غش لم يرح رائحة الجنة » ، فبكى هارون ، وقال له : عليك دين ؟ قال : نعم ، لربي ، لم يحاسبني عليه ،



    “ 142 “

    والويل لي إن سألني ، والويل لي إن ناقشني ، والويل لي إن لم ألهم حجتي ، قال : إنما أعني من دين العباد ، قال : إن ربي لم يأمرني بهذا ، وقد قال اللّه عز وجل : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ، فقال له : هذه ألف دينار ، خذها وأنفقها على عيالك ، وتقوّى بها على عبادتك ، فقال : سبحان اللّه ، أنا أدلّك على طريق النجاة ، وأنت تكافئني بمثل هذا ، سلّمك اللّه ووفقك . ثم صمت فلم يكلمنا ، فخرجنا من عنده ، فلما صرنا على الباب قال لي هارون :
    إذ أدللتني على رجل فدلّني على مثل هذا ، هذا سيد المسلمين . فدخلت عليه امرأة من نسائه ، فقالت : يا هذا ، ما ترى ما نحن فيه من ضيق الحال ؟ فلو قبلت هذا المال لفرّجت به عنّا ،
    فقال لها : مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه ، فلما كبر نحروه ، فأكلوا لحمه .
    فلما سمع هارون هذا الكلام قال : ندخل فعسى أن يأخذ المال ، فلما علم الفضيل بنا خرج فجلس في السطح على باب الغرفة ، فجاء هارون فجلس إلى جانبه ، فجعل يكلمه ولا يجيبه . فبينما نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء ،
    فقالت : يا هذا ، قد آذيت الشيخ هذه الليلة فانصرف رحمك اللّه .

    وروينا من حديث ابن ودعان ، عن ظاهر بن محمد بن يوسف بن علي بن وسيم ، عن جعفر بن إبراهيم ، عن عبد الكريم بن الهيثم ، عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن أبي زياد ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إنما يوقى الناس من إحدى ثلاث : إما من شبهة في الدين ارتكبوها ، أو شهوة لذة آثروها ، أو غضبة لحمية أعملوها ، فإذا لاحت لكم شبهة فأجلوها باليقين ، وإذا عرضت لكم شهوة فأقمعوها بالزهد ، وإذا عرضت لكم غضبة فأردؤها بالعفو إنه ينادي مناد يوم القيامة : من له أجر على اللّه فليقم ، فيقومون العافون عن الناس . ألم تر إلى قوله تعالى : فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَ اللَّهِ » .
    ومن سماعنا على قول الرضيّ بالنفس :
    أما علم الغادون والقلب خلفهم * بضمّ زفير يصدع القلب ضمّه
    بأن وميض البرق ما لا أشيمه * وإن نسيم الروض ما لا أشمّه


    ومن سماعنا على قوله أيضا بالنفس :
    ولما أبى الإظعان إلا فراقنا * وللبين وعد ليس فيه كذاب
    رجعت ودمعي جازع من تجلدي * يروم نزولا للجوى فيهاب
    وأثقل محمول على العين ماؤها * إذا بان أحباب وعزّ إياب

    وعلى قوله في التوديع أيضا بالنفس :


    “ 143 “

    وإني إذا اصطكت ركاب مطيّكم * وثوّر حاد بالرفاق عجول
    أخالف بين الراحتين على الحشى * وأنظر إني ملتم فأميل
    ومن وقائع بعض الفقراء ، ما حدثنا به أبو محمد عبد اللّه ابن الأستاذ المروزيّ بإشبيلية ، قال : قال لي بعض الصالحين : رأيت في الواقعة أبا مدين ، وأبا حامد ، وأبا طالب ، وأبا يزيد ، وخلقا كثيرا من الصوفية ،
    فقال أبو يزيد لأبي مدين : زدنا من كلامك في التوحيد ، فقال : التوحيد هو الحق ، ومنوّر القلب ، ومحرّك الظواهر ، وعلّام الغيوب ، نظر العارفون فتاهوا إذ لم يعمّر قلوبهم إلا هو ، فهم به والهون ، قلوبهم تسرح في رضاه في الحضرة العليّة ، وأسرارهم مما سواه فارغة خليّة ، جالت أسرارهم في الملكوت فلاحظوا عظمته ، وتجلى لقلوبهم فأنطقهم حكمته ، فهو للعارف ضياء ونور ، وقد أشغله به عن الجنة والقصور ، آنسه به فهو جليسه ، وأفناه عنه فتلاشى كثيفة ، فامتزج المعني بالمعنى ، فكان هو .


    ذهبت الرسوم ، وفنيت العلوم ، ولم يبق إذ ذاك إلا الحي القيوم ، وهو معنى المعاني ، والحي الباقي ، وكشف سرّ العارف ما ذا يلاقي من البر والإحسان ، ولذة النظر ، وغيبته عن الأغيار وعن جملة البشر ، تنزّه عن تنزيهه فنزّهه به ، وفني عن الأكوان بمشاهدة ربه ، فعدا عن الأسماء ، وسما عن الصفات ، واضمحلت كليته في مشاهدة الذات .
    هذه علوم ، وهذه أسرار يكاشف بها من هو لها مختار ، فينبتها في الوجود ، فيظهر ما عنده ويحيي بها القلوب ، وينجز له وعده ، فيرويها الحق بالماء الصافي ، ويعالج علّتها بالعلم الشافي ، فيبري بها من الأسقام ، ومن جملة العلل ، ويصلحها ويعلّمها من الأسرار ما لم تكن تعلم ، فعلم العارف موصول المعرفة ، فيظهر له الحق فيألف لمألوفه . فاستمع لهذه العلوم ، واصغ إليها بقلبك ، فكلّ من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام .

    ومن باب البلاغة
    يحكى عن يحيى بن خالد ، أنه وصف الفضل بن سهل وهو غلام على دين المجوسية للرشيد ، وذكر أدبه وحسن معرفته ، فعمل على ضمّه إلى المأمون ، فقال ليحيى يوما : أدخل إليّ هذا الغلام المجوسي حتى أنظر إليه .
    فأوصله ، فلما مثل بين يديه ووقف ، تحيّر ، فأراد الكلام فارتجّ عليه ، فأدركته كبوة . فنظر الرشيد إلى يحيى نظرة منكرة ، لما كان يقدّم من إفراط ثنائه عليه ، فانبعث الفضل بن سهل ،
    فقال : يا أمير المؤمنين ، إن من أيمن الدلالة على فراهة المملوك شدّة إفراط هيبته لسيده ، فقال له الرشيد : أحسنت ، واللّه إن كان سكوتك لتقول هذا ، إنه لحسن ، وإن كان شيء أدركك عند انقطاعك ، إنه لأحسن ،




    “ 144 “

    أو حسن . ثم جعل لا يسأله عن شيء إلا رآه فيه مقدّما ، فضمّه إلى المأمون .
    حدثني أبو عبد اللّه بن عبد الجليل ، قال : مرّ الحجاج بن يوسف بشخص من عمّاله كان قد صلبه ، فوجد عند خشبته صبيا صغيرا ، فاستنطقه الحجاج فقال له : يا صبي ، ما تقول في هذا الراكب ؟ فقال : أيها الأمير ، هو زرع نعمتك ، وحصيد نقمتك . فسأل عن الغلام ، فوجده ابن ذلك المصلوب ، فقرّبه وأقعده مقعد أبيه .

    وحدثنا أيضا عن الأصمعي ، قال : لقيت بالبادية صبيا لم يدرك الحلم ، فاستنطقته فوجدته بليغا فصيحا ، فاستخبرته هل عنده شيء من عرض الدنيا ، فقال : يا عم ، واللّه ما أملك اليوم درهما واحدا . قال : فقلت له : تودّ أن تكون لك مائة ألف وتكون أحمق ؟ فقال له : لا واللّه يا عم . قلت : ولم ؟ قال : أخاف أن يجني عليّ حمقي جناية تذهب بمالي ، ويبقى عليّ حمقي .

    وحدثنا أيضا من هذا الباب ، قال : كان الرشيد يميل لعبد اللّه المأمون أكثر من ميله إلى محمد الأمين ، فقالت زبيدة ، وهي أمّ الأمين : يا أمير المؤمنين ، إنك تميل إلى المأمون أكثر من ميلك إلى ولدي الأمين . فقال لها : ما أنا حيث ظننت ، ولكني تفرّست في النجابة أكثر من الأمين . قالت : فأحبّ من أمير المؤمنين أن يختبرهما بحضرتي .

    قال : فبعث خلف الأمين أولا ، فقال له : يا محمد ، إني جلست هذا المقام ، وآليت على نفسي لا يسألني منكم أحد شيئا إلا أعطيته ما سأل ، فقال : أسألك كلب بني فلان ، وبازي بني فلان ، فكلب مشهور ، وبازي مشهور . فقال له : لك ذلك ، ثم انصرف .
    فاستدعى المأمون ، فوقف بباب الستر ، فأذن له ، فدخل وسلّم ، فقال له : ادن فدنا ، وخدم ووقف ، فما زال يقول : ادن وهو يدنو ويخدم ، إلى أن وقف بين يديه ، فأمره بزيادة الدنوّ ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، هذا مقام العبد من مولاه . فقال : يا بنيّ ، إني جلست هذا المقام ، وآليت على نفسي لا يسألني أحد منكم على شيء إلا أعطيته ما سأل . قال : فأطرق واغرورقت عيناه بالدموع ، وقال له : يا أمير المؤمنين ، أسألك في الخلافة بعدك ، وأرجو اللّه أن لا يذيقني فقدك . فقال : انصرف .
    وحدثنا أيضا ، قال : مرّ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بغلمان يلعبون وفيهم عبد اللّه بن الزبير ، ففرّ الصبيان خوفا من عمر إلا عبد اللّه بن الزبير . فقال له عمر : يا عبد اللّه ، لم لم تفرّ كما فرّ أصحابك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، لم أكن على ريبة فأخافك ، ولم أكن في الطريق الضيّق فأوسّع لك .




    “ 145 “


    موعظة
    حدّثنا صاحبنا أيضا أبو عبد اللّه بن عبد الجليل بمكة قال : يحكى أن ملكا من ملوك اليونانيين انتبه من منامه في بعض الغدوات فأتته قيّمة ملبسه بثيابه فلبسها ، وناولته المرآة فرأى شيبة في لحيته فقال : المقراض يا جارية ، فأتته به ، فقصّ الشيبة وناولها إياها ، فتناولتها ووضعتها في كفها وأصغت إليها بأذنها ساعة والملك ينظر إليها ، فقال لها : ما الذي تصغين إليه يا جارية ؟ قالت : أستمع إلى ما تقول هذه الشعرة التي عظم مصابها بمفارقة الكرامة العظمى حين سخطها الملك وأقصاها . فقال لها : فما الذي سمعت من قولها ؟
    قالت : زعم قلبي أنه سمعه تقول كلاما لا يجترئ لساني على النطق به لاتقائي سطوة الملك .
    فقال لها : قولي على حال آمنة وعدم توقّ ما لزمت أسلوب الحكمة .
    قالت : إنها تقول : أيها الملك المسلّط على أمر قصير ، إني ظننت بك البطش والاعتداء عليّ ، فلم أظهر على سطح جسدك حتى بضت وحضنت بيضي ، فأفرخت وأعهدت لبناتي بالأخذ بثأري عهدا إذ كأنهنّ خرجن فجعلن للأخذ بثأري باستئصالك أو تنغيص لذتك وتنحيف قوّتك حتى تعدّ الهلك راحة . فقال : اكتبي كلامك هذا ، فكتبته في صحيفة فناولته إياها .

    فتأملها مرارا ، ثم قام ودخل بيت النسّاك ولبس زيّ النسك ، وترك الملك حتى لحق بربه .
    وأنشدني في هذا المعنى صاحبنا علي بن محمد القفصيّ :
    وناذرة بالشيب حلّت بعارضي * فبادرتها بالنتف خوفا من الحتف
    فقالت على ضعفي استطلت ووحدتي * رويدك للجيش الذي جاء من خلفي

    ومن هذا الباب ما حدثنا أيضا به صاحبنا أبو عبد اللّه قال : دخلت حرقة بنت أبي قابوس النعمان بن المنذر ابن ماء السماء على سعد بن أبي وقاص ، وهو بالقادسية إذ ذاك مع جملة من جواريها وعليهن المسوح السود والصلبان صلت البنود ، فسلمن عليه ، فلم يميز حرقة من بين جواريها لمشاركتها إياهن في الزيّ وكنّ رواهب ، فقال سعد : أفيكنّ حرقة ؟

    فقال : ها أنا ذه ، فقال : أنت حرقة ، فقالت : فما تكرارك استفهامي ، اعلم أيها الأمير أن الدنيا دار قلعة وزوال ، فما تدوم على حال ، تنتقل بأهلها انتقال ، وتعقبهم حالا بعد حال ، وإنا كنا ملوك هذه الأرض ، يجبى إلينا خراجها ، ويطيعنا أهلها ، فدنا مدى المدة ، وزوال الدولة ، فلما أدبر الأمر ، وصاح بنا صائح الدهر ، فصدع عصانا ، وشتت ملانا ، وكذا الدهر يا سعد ، إنه ليس من قوم أتحفهم بفرحة إلا أعقبهم بقرحة ،
    وأنشدت :
    بينا نسوس الناس والأمر أمرنا * إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف
    فأفّ لدنيا لا يدوم نعيمها * تقلّب تارات بنا وتصرّف


    “ 146 “

    قال : فبينما هي تخاطب سعدا رضي اللّه عنه إذ دخل عمرو بن معدي كرب ، فقال :
    أنت حرقة التي كانت تفرش لك الأرض من قصرك إلى بيعتك بالديباج المبطن بالوشي ؟
    قالت : نعم ، قال لها : ما الذي دهمك ، وأذهب محمود شيمك ، وغوّر ينابيع نعمك ، وقطع سطوات نقمك ؟ قالت : يا عمرو ، إن للدهر عثرات تلحق السيد من الملوك بالعبد المملوك ، وتخفض ذا الرفعة ، وتذلّ ذا النعمة .
    وإن هذا أمر كنا ننتظره ، فلما حل بنا لم ننكره ، فسألها سعد ، فيما ذا قصدت له ؟ فاستوصلته ، فوصلها وقضى حوائجها ، فلما انفصلت عنه سئلت ما ذا لقيت منه ؟

    فأنشدت تقول :
    صان لي ذمّتي وأكرم وجهي * إنما يكرم الكريم الكريم

    وحدثنا أيضا قال : قال الأصمعيّ : بينما أطوف بالبيت إذ بجارية متعلقة بأستار الكعبة
    وهي تنشد وتقول :
    يا ربّ إنك ذو أمن ومغفرة * دارك بعفوك أرواح المحبّينا
    الذاكرين الهوى ليلا إذا هجعوا * والنائمين على الأيدي مكبّينا
    يا ربّ كن لهم عونا إذا ظلموا * واعطف بقلب الذي يهوون آمينا

    قال : فقلت : يا جارية ، أفي هذا المقام ، وحول هذا البيت الحرام تذكرين الهوى ؟
    قالت : أو تعرف الهوى ؟ قلت : وأنت تعرفينه ؟ قالت : بليت به صغيرة ، وأحطت به خبرا كبيرة . قلت : صفيه لي . قالت : جلّ أن يخفى ، ودق أن يرى ، فهو كامن ككمون النار في الحجر ، إن قدحته أورى ، وإن تركته توارى . قال الأصمعي : فما سمعت من وصفه بمثل ما وصفته .

    وحدثنا محمد بن سعيد رحمه اللّه ، قال : قال وهب بن ناجية الرصافي : كنت أحد من وقعت عليه التهمة في مال مصر أيام الواثق ، فطلبني السلطان طلبا شديدا حتى ضاقت عليّ الرصافة وغيرها ، فخرجت إلى البادية مرتادا رجلا عزيز الدار ، منيع الجار ، أعوذ به ، وأنزل عليه ، فبينما أنا أسير إذ رأيت خياما ، فعدلت إليها ، فملت إلى بيت منها مضروب وبفنائه رمح مركوز ، وفرس مربوط ، فدنوت فسلّمت ، فردّ عليّ نساء من رواء السجف ، وقالت لي إحداهن : اطمئن يا حضريّ ، فنعم مناخ الضيفان بواك القدر ومهدك السفر .

    قلت : وأنّى يطمئن المطلوب ، أو يأمن المرغوب ، من دون أن يأوي إلى جبل يعصمه ، أو مأمن ، أو مفزع يمنعه ، وقليلا ما يهجع من السلطان طالبه والخوف غالبه .
    قالت : لقد ترجم لسانك عن ذنب عظيم ، وقلب صغير ، وإيم اللّه لقد حللت بفناء رجل لا يضام بفنائه أحد ، ولا يجوع بساحته كبد ، هذا الأسود بن قتان ، أخواله كعب ، وأعمامه شيبان ،



    “ 147 “


    صعلوك الحي في ماله ، وسيدهم في حاله ، وسندهم في فعاله ، صدوق الجوار ، وقود النار ، وبهذا وصفته إمامة بنت خزرج حيث تقول :
    إذا شئت أن تلقى فتى لو وزنته * بكل معديّ وكل يماني
    وفا بهما فضلا وجودا وسؤددا * وربّا فذاك الأسود بن قتان
    فتى لا يرى في ساحة الأرض مثله * ليوم ضراب أو ليوم طعان
    قال : فقلت : يا جارية ، وأنّى لي به ؟ فقالت : يا خادم ، مولاك ، فلم تلبث أن جاءت وهو معها في جماعة من قومه ، وقال : أي المنعمين علينا أنت ؟ فسبقتني المرأة وقالت : يا أبا المرهف ، هذا رجل بنت به أوطانه ، وأزعجه زمانه ، وأوحشه سلطانه ، وقد ضمنّا له ما يضمن لمثله على مثلك . قال : بل اللّه قاك ، أشهدكم يا بني عمي ، أن هذا الرجل في جواري وفي ذمتي ، فمن آذاه فقد آذاني ، ومن كاده فقد كادني ، وأمر ببيت فضرب إلى جانبه .


    وقال : هذا بيتك وأنا جارك وهؤلاء رجالك . فلم أزل بينهم في خفض عيش حتى سرت عنهم .
    أنشدني يونس بن يحيى ، قال : أنشدني أبو الفتوح محمد بن محمد بن علي بن محمد الطائي ، قال : أنشدني أبو حفص عمر بن محمد الشيرازي ، قال : أنشدني القاضي أبو علي الحسن بن علي بن محمد الوحشي ،
    قال : أنشدنا الفضل بن أحمد الحصيني لبعضهم :
    أتلعب بالدعاء وتزدريه * وما يدريك ما فعل الدّعاء
    سهام الليل لا تخطي ولكن * لها أمد وللأمد انقضاء
    وحدثني يونس بن يحيى ، قال : أنبأنا محمد بن محمد ، قال : أنا أبو بكر محمد بن منصور السمعاني ، قال : أخبرنا أبو منصور أحمد بن الحسين بن علي العموري ، حدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان البصري ، انا بشر بن أحمد المهرجاني ، أنا أبو جعفر أحمد بن الحسن الحذّا ، انا بعض أصحابنا ، عن عبد الأعلى بن حماد البوسيّ ، قال :
    دخلت على المتوكل فقال : يا أبا يحيى ، قد هممنا أن نصلك بخير فقد أفعت الأيام ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، سمعت مسلم بن خالد المكي يقول : من لم يشكر الهمة لم يشكر النعمة ، ثم قلت : أفلا أنشدك بيتين قالهما بعض الشعراء ؟ قال : ما هما ؟

    فأنشدته :
    لأشكرنك معروفا هممت به * إن اهتمامك بالمعروف معروف
    ولا ألومك إن لم يمضه قدر * فالشيء بالقدر المحتوم مصروف
    قال : فاستحسنهما وكتبهما بيده من إعجابه لهما ، وأمر لي بجائزة .



    “ 148 “



    روينا من حديث الهاشمي بسنده إلى ابن عباس رضي اللّه عنه ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « أكثر واذكر هازم اللذات ، فإنكم إن ذكرتموه في ضيق وسعه عليكم فرضيتم به فأجرتم ، وإن ذكرتموه في غنى بغّضه إليكم فجدتم به فأثبتم أن ذكر الموت قاطع الآمال ، والليالي مدنيات الآجال ، وإن المرء بين يومين : يوم قد مضى أحصى فيه عمله فختم عليه ، ويوم قد بقي لا يدري لعله لا يصل إليه ، وإن العبد عند خروج نفسه ، وحلول رمسه ، يرى جزاء ما أسلف ، وقلة غناء ما أخلف ، ولعله من باطل جمعه ، ومن حق منعه » .

    لما قرأنا هذا الحديث على شيخنا الإمام اللغوي الأديب أبي ذرّ مصعب بن محمد بن مسعود الخشني ، ثم الحياني ، قال لنا : هازم اللذات بالمعجمة ،
    وقال : معناه قاطع ، هكذا رواه لنا .

    موعظة بعض الصالحين لعبد الملك
    روينا من حديث ابن مروان ، عن إبراهيم الحربي ، عن الرياشي ، عن الأصمعي ، قال : خطب عبد الملك بن مروان بمكة ، لما حجّ يوما ، فلما صار إلى موضع العظة ، قام إليه رجل فقال : مهلا ، إنكم تأمرون ولا تؤمرون ، وتنهون ولا تنهون ، أفنفتدي بسيرتكم في أنفسكم ، أم نطيع أمركم بألسنتكم ؟ فإن قلتم اقتدوا بسيرتنا ، فأين وكيف وما الحجة ؟

    وكيف الاقتداء بسيرة الظلمة ؟ وإن قلتم أطيعوا أمرنا واقبلوا نصحنا ، فكيف ينصح غيره من يغشّ نفسه ؟ وإن قلتم خذوا الحكمة من حيث وجدتموها ، فعلام قلّدناكم أزمّة أمورنا ؟ أما علمتم أن فينا من هو أفصح منكم بفنون العظات ، وأعرف بوجوه اللغات ؟ فتلجلجوا عنها ، وإلا فأطلقوا عقالها يبتدر إليها الذين شردتموهم في البلدان . إن لكل قائم يوما لا يعدوه ، وكتابا بعده يتلوه ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .

    روينا من حديث ابن الخطاب ، قال : قال محمد بن أحمد بن عمر الزيبقي ، ثنا محمد بن سليمان الفرار ، عن أبي بكر الحنفي ، عن بكر بن مسمار ، قال : سمعت عامر بن سعد بن أبي وقاص قال : كان سعد بن أبي وقاص في إبل وغنم ، فأتاه ابنه عمر ، فلما رآه قال : أعوذ باللّه من شر هذا الراكب . فلما انتهى إليه قال : يا أبت ، أرضيت أن تكون أعرابيا في إبلك وغنمك ، والناس يتنازعون الملك ؟ قال : فضرب سعد صدر عمر بيده
    وقال :اسكت يا بني ، فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : « إن اللّه يحب العبد التقي الغني الخفي » .
    وحدثنا بعض شيوخنا من أهل الأدب والتاريخ ، رحمه اللّه ، في بعض مجالسه ،



    “ 149 “
    وكان حسن المناظرة ، قال : لما كان من أمر عبد الرحمن بن الأشعث الكندي ما كان ، قال الحجاج : اطلبوا لي شهاب بن حرقة السعدي ، في الأسرى أو في القتلى ، فطلبوه فوجدوه في الأسرى . فلما دخل على الحجاج ، قال له : من أنت ؟ قال : أنا شهاب بن حرقة . قال :
    واللّه لأقتلنك . قال : لم يكن الأمير بالذي يقتلني . قال : ولم ويلك ؟ قال : لأن فيّ خصالا لا يرغب فيهنّ إلا أمير . قال : وما هنّ ؟ قال : ضروب الصحفة ، هزوم للكثيبة ، أحمي الجار ، وأذبّ عن الدمار ، وأجود في العسر واليسر ، غير بطيء عن النصر . قال الحجاج :
    ما أحسن هذه الخصال . فأخبرني بأشد شيء مرّ عليك . قال : نعم ، أصلح اللّه الأمير .

    شعر
    بينا أنا أسير * ومركبي يسير
    في عصبة من قومي * في ليلتي ويومي
    يمضون كالأجادل * في الحرب كالبواسل
    أنا المطاع فيهم * في كل ما يليهم
    فسرت خمسا عوما * وبعد خمس يوما
    حتى وردت أرضا * ما قد ترام عرضا
    من بلد البحرين * عند طلوع العين
    فجئتهم نهارا * ألتمس المغارا
    حتى إذا كان السحر * من بعد ما غاب القمر
    إذا أنا بعير * بقوها حقير
    موفورة متاعا * مقبلة سراعا
    فصلت بالسّنان * مع سادة فتيان
    فسقتها جميعا * أحثّها سريعا
    أريد رمل عالج * أنعج بالعناعج
    أسير في الليالي * خرقا بعيدا خالي
    وقد لقينا تعبا * وبعد ذاك نصبا
    حتى إذا هبطنا * من بعد ما علونا
    عنت لنا سدانه * قد كان فيها عانه
    فرمتها بقوسي * في مهمه كالترس



    “ 150 “


    حتى إذا ما أمعنت * في القفر ثم درمت
    وردت قصرا منهلا * في جوفه طام خلا
    وعنده خيمة * في جوفها نعيمة
    غريرة كالشمس * فاقت جميع الإنس
    نعجت مهري عندها * حتى وقفت معها
    حيّيت ثم ردّت * في لطف وحيّت
    فقلت يا لعوب * والطفلة العروب
    هل عندكم قراء * إذ نحن بالعراء
    قالت نعم برحب * في لطف وقرب
    اربع هنا عتيدا * ولا تكن بعيدا
    حتى يجيك عامر * مثل الهلال الزاهر
    فعجت عن قريب * في باطن الكثيب
    حتى رأيت عامرا * يحمل ليثا حادرا

    على عتيق سابح * كمثل طرف اللامحقال : وكان الحجاج متكئا فاستوى جالسا ، ثم قال : ويحك دعني من السجع والرجز وخذ في الحديث ، قال : نعم أيها الأمير ، ثم نزل فربط فرسه وجمع حجارة ، وأوقد عليها نارا ، وشقّ عن بطن الأسد ، وألقى مراقه في النار ، وجعلت أصلح اللّه الأمير أسمع للحم الأسد تشديدا ، فقالت له نعيمة : قد جاءنا ضيف وأنت في الصيد ، قال : فما فعل ؟ فقالت :

    ها هو ذاك بظهر الخيمة ، فأومت إليّ فأتيتها ، فإذا أنا بغلام أمرد كأن وجهه دائرة القمر ، فربط فرسي إلى جنب فرسه ، ودعاني إلى طعامه فلم أمتنع من أكل لحم الأسد لشدة الجوع ، فأكلت أنا ونعيمة منه بعضه ، وأتى الغلام على آخره ، ثم مال إلى زقّ فيه خمر فشرب وسقاني ، فشربت ثم شرب الغلام حتى أتى على آخره . فبينما نحن كذلك إذ سمعنا وقع حوافر خيل أصحابي ، فقمت وركبت فرسي ، وتناولت رمحي ، وسرت معهم ، ثم قلت : يا غلام ، خلّ عن الجارية ولك ما سواها ، فقال : ويحك احفظ الممالحة . قلت : لا بد من الجارية . فالتفت إليها وقال لها : قفي وانظري فعلي في هؤلاء اللئام . ثم قال : يا فتيان ، هل لكم في العافية وإلا فارس لفارس ؟ فبرز إليه رجل من أصحابي ، فقال له الغلام : من أنت ؟ فلست أقاتل إلا كفؤا . قال : أنا عاصم بن كلبة السعديّ ، فشدّ عليه وأنشأ يقول :إنك يا عاصم بي لجاهل * إذ رمت أمرا أنت عنه نأكل



    “ 151 “


    إني كميّ في الحروب بازل * ليث إذا اصطك الليوث باسل
    ضرّاب هامات العدا منازل * قتال أقران الوغى مقاتل
    قال : ثم طعنه طعنة فقتله ، ثم قال : يا فتيان ، هل لكم في العافية وإلا فارس لفارس ؟
    فتقدم إليه آخر من أصحابي فقال له الغلام : من أنت ؟
    قال : أنا صابر بن حرقة السعدي ، فشدّ عليه ،

    وأنشأ يقول :
    إنك والإله لست صابرا * على سنان يجذب المقادرا
    ومنصل مثل الشهاب باترا * في كفّ قرن يمنع الحرائرا
    إني إذا ما رمت أن أقاسرا * يكون قرني في الحروب باترا

    ثم طعنه طعنة فقتله ، ثم قال : هل لكم في العافية وإلا فارس لفارس ؟ فلما رأيت ذلك هالني أمره ، وأشفقت على أصحابي ، فقلت : احملوا عليه حملة رجل واحد ،

    فلما رأى ذلك أنشأ يقول :
    الآن طاب الموت ثم طابا * إذ تطلبون رخصه كعابا
    ولا نريد بعدها عتابا * فدونها الطعن مع الضرابا
    فركبت نعيمة فرسها ، وأخذت رمحها ووقفت ، فما زال يجادلنا ونعيمة حتى قتل منا عشرين رجلا ، فأشفقت على أصحابي ، فقلت : يا عامر ، بحق الممالحة يا غلام قد قبلنا العافية ، ثم قال : ما كان أحسن هذا لو كان أولا ، وتركنا وسالمنا . ثم قلت : يا عامر ، بحق الممالحة من أنت ؟ قال : عامر بن حرقة الطائي وهذه ابنة عمي ، ونحن في هذه البرية منذ زمان ودهر ، ما مرّ بنا أنسي غيركم ، فقلت : من أين طعامكم ؟ قال : من حشرات الطير والوحش والسباع ، قلت : من أين شرابكم ؟ قال : الخمر ، أجلبها من بلاد البحرين كل عام مرة أو مرتين ، قلت : إن معي مائة من الإبل موفورة متاعا ، فخذ منها حاجتك ، قال : لا حاجة لي فيها ، ولو أردت ذلك لكنت أقدر عليه ، فارتحلنا عنهم منصرفين .

    قال الحجاج :
    الآن طاب قتلك يا عدو اللّه لغدرك بالفتى ، قال : قد كان خروجي على الأمير أصلحه اللّه أعظم من ذلك ، فإن عفا عني الأمير رجوت أن لا يؤاخذني بغيره ، فأطلقه ووصله إلى بلاده . قلت : وهذا عامر بن حرقة الطائي منا ،

    وربما قد ذكرته في بعض قصائدي مع المشاهير من أجدادي في المفاخرة .

    ولنا في هذا الباب شعر :
    أشدّ على قاسي اللجام سناني * فيكرع من حوض الدماء سناني
    فأروي به من حوض كل غشمشم * يحمي قرونته ليوم طعان


    “ 152 “
    فيرجع ريّانا وقد كان يانعا * كما عاد مبيضّا لأحمر قاني
    حتى إذا ضاق المجال على فتى * ضربت على رأس الحسام بناني
    وجرّدته من غمده وكسوته * غمدا من الهامات والأبدان

    وحدثني بعض الأدباء ، عن الحجاج بن يوسف الثقفي أنه قال : قعد الحجاج يوما في سكرة له فيها جماعة من الناس من جملتهم حميد الأرقط ، وكان شاعرا ، فقام وأنشد قصيدة يصف فيها الحرب ، فقال له الحجاج : أما القول فقد أجدته ، وإني سائلك يا حميد عمّا ذا يسأل الأمير ؟ قال : هل قاتلت قط ؟ قال : لا أيها الأمير إلا في النوم ، فقال له : فكيف كانت وقعتك ؟

    قال : انتبهت وأنا منهزم وقلت :
    يقول لي الأمير بغير جرم * تقدّم حين جدّ بنا المراسي
    وما لي أن أطعتك من حياة * وما لي غير هذا الرأس رأسي
    قيل لبعضهم : ما لك لا تغزو ؟ قال : واللّه إني لأبغض الموت على فراشي ، فكيف أذهب إليه ركضا ؟

    مثل
    احذر من غراب ، وأجبن من صرصار . ويقال : من صافر . ويقال : أجبن من المنزوف ضرطا .
    قال أبو ذرّ : كان من حديثه أن نسوة من العرب لم يكن لهن رجل ، فتزوجت واحدة منهن رجلا كان ينام إلى الضحى ، فإذا انتبه ضربنه ، وقلن له : قم فاصطبح ، فيقول : العادية نبهتني . فلما رأين ذلك يكثر منه سررن به ، وقلن : إن صاحبنا واللّه شجاع جريء ، ألا ترين إلى ما يقول كلما نبّهناه ؟ فقالت إحداهن : تعالين نجربه ، فأتينه وأيقظنه ، فقال : أو لعادية نبهتني ؟ فقلن له : نواصي الخيل معك ،
    فجعل يقول :الخيل الخيل ، ويضرّط حتى مات ، فضرب به المثل .

    يقول الغرّارة :
    ما كان ينفعني مقال نسائهم * وقتلت خلف رجالهم لا يبعد

    وقال الآخر عن فراره يعتذر :
    وما جبنت خيلي ولكن تذكرت * مرابطها من بر بعيص وميسرا
    وقيل لبعض الجبناء : انهزمت فغضب الأمير عليك ، قال : لغضب الأمير وأنا حي أحب إليّ من أن يرضى عليّ وأنا ميت .
    حدثنا بعض الأدباء ، قال : في أخبار عمرو بن معدي كرب الزبيدي صاحب

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/11/2024, 11:55