والعلم علمان: كسبى ووراثى ، قال عليه الصلاة والسلام" من عمل بما علن وأورثه الله علم ما لم يعلم ".
فالكسبى : يؤخذ من صدور الرجال كما قال لى سيدى عبد العالى رضى الله تعالى عنه قبل مجيئى إلى الأزهر :" العلم يؤخذ من صدور الرجال لا من الكتب ".
ووهى : وهو أنواع:
وأوله : ما كان بواسطة روح الواسطة بينه وبين عين الحقائق صلى الله عليه وىله وسلم ، وهو خفى وربما يخفى على الملتقى فضلا عن القارئ.
وإذا كان الفيض فى حال فربما خفى عن المريد المتلقى بعض ما كتبه إذا تنزل عن ذاك الحال ، وقد يكون مناما ، وقد يكون بين اليقظة والنوم ، وقد يكون كلاما بواسطة شراب أو طعام يقدمه شيخه له ن وقد يكون كالبذور فى أرض قلبه ، وبحسب خصبها ينمو زرعها ، وقد يكون عن الشيخ يقظة بمشاهدة قلبية أو مشاهدة ظاهرية.
والثانى: الاتصال بالحضرة النبوية ، وهو اتصال عظيم يختلف باختلاف المقامات ]وما منا إلا له مقام معلوم[ ، ]هم درجات عند الله [.
وبحسب الدرجات تتنزل الفيوضات ، وأعلاها درجة رؤيته صلى الله عليه وىله وسلم يقظة والسماع منه.
خرق الحجب
واعلم ياأخانا بارك الله فينا أن رؤيته صلى الله عليه وآله وسلم يقظة تكون على طريق خرق العادة ، وذلك بعد أن تصل إلى رؤية ما وراء الجدار ونحوه ، ولا يكون بعين البصر ، وإنما يكون بعين البصيرة القلبية ، ويكون فى حال عجيب ، وعند احتجاجه صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا حضر صلى الله عليه وآله وسلم بمجلس ولم تحصل لك رؤيته ربما شعرت باهتزاز الأرض ، وذلك لك دون غيرك ، وربما شممت رائحة طيبة.
أقرب الطرق لرؤية النبى صلى الله عليه وآله وسلم
وفى الصلاة العظيمية ما يكشف لك كثيرا من مثل هذا ، فعليك بها إن أردت أقرب الطرق وأهونها عليك بهذه الشروط وهى:
1- أن تسبغ الوضوء مراعيا فضائله مع استعمال السواك.
2- صلاة ركعتين : الأولى بالفاتحة والنصر ، والثانية بالفاتحة والإخلاص.
3- بعد السلام تذكر ذنوبك وتنوى التوبة النصوح من جميع المعاصى ، ثم تتلو الاستغفار سبعين مرة والاستغفار الكبير سبع مرات ، ثم تتلو الفاتحة لشيخك وتشاهده بقلبك عن يمينك ثم تشاهد الحضرة النبوية أمامك.
4- ثم تتلو الصلاة العظيمية بقدر الاستطاعة وتفتح عينى قلبك عند قولك " تعظيما لحقك يامولانا يامحمد ياذا الخلق العظيم".
ولا تزال تترقى ما داومت على هذه الكيفية ، وقد أشار إليها السيد الختم الميرغنى رضى الله تعالى عنه ، وقليل من هذا خير من كثير.
فلا تجعلن قولى هذا منك موضع الإهمال ، حتى يفتح الله لك ما تعسر من الأقفال.
واجتنب عند ذلك أكل البصل النيئ والثوم والكراث والفسيخ وكل ذى رائحة كريهة ، ولابد من حلق ما أمرت بحلقه ، والمسك اطيب ، وبخور المستكى التركى مع شئ من العود أو عود الند.
قال ابن النحوى رحمه الله تعالى :
وإذا أبصرت منار هدى
فاحذر إذ ذاك من العرج
لتكون من السباق إذا
ما جئت إلى تلك الفرج
فهناك العيش وبهجته
فلمبتهج ولمنتهج
وقد وقف بنا القلم هنا ، وسنرجع إن شاء الله تعالى فى ذكر مثل هذا إليك فى رسالة خاصة بالصلاة العظيمية.
قال شيخنا رضى الله تعالى عنه:
" فإنه وبال عليه إن دخل فيه"
قال سيدى الشيخ صالح الجعفرى: أى ذلك الأمر الممنوع شرعا.
والوبال : هو العذاب ، فتارة فى الدنيا والآخرة ، وتارة فى الدنيا ، وتارة فى الآخرة.
واعلم ياأخانا هداك الله وهدانا: أن مشايخ الطريق يقولون فى كلامهم :" تجمعنا الطاعة وتفرق بيننا المعصية ".
وأى وبال أشد على المريد من التفرقة بينه وبين شيخه؟
اعلم أن كل شيخ طريق مأذون من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأصول الصوفية : تنحصر فى هذه الكمالات:
1- فناء فى الشيخ.
2- فإذا رأى منك قدمك إلى رسول الله صلى الله عليه وىله وسلم.
3- فإذا رأى منك النبى صلى الله عليه وىله وسلم الفناء فيه صلى الله عليه وىله وسلم قدمك إلى الله تعالى.
ثم سافر هذا الرجل إلى المدينة المنورة ومكث بها زمنا ، ثم رجع إلى بلاده ، وتوفى بها عام 1370هـ تقريبا عليه الرحمة والرضوان.
ومن الوبال على المريد إنكاره على شيخه المباشر ، أو على شيخه الذى فى البرزخ ، وعليه أن يسلم تسليما.
ثلاثة على خطر
سمعت من شيخى وأستاذى الذى هو كان سببا لى فى الخير الكثير أخذت عنه العهد منذ خمسة وثلاثين عاما وذكرت معه كثيرا ، وخدمته ولازمته ورأيت منه الكرامات والبركات. سلالة السبط سيدنا ومولانا السيد الحسن رضى الله عنه ، ألا وهو السيد محمد بن السيد عبد العالى ابن الإمام شيخ الطريقة ومعدن الحقيقة سيدنا ومولانا السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنهم أجمعين.
سمعته وهو شيخى وأستاذي السيد محمد عبد العالى الملقب بالسيد الشريف يقول : ثلاثة على خطر :
ابن الشيخ ، وزوجته ، وتلميذه المقرب إليه.
1- لأن ابنه يعتمد على جاه والده ويتكاسل عن العمل ، أما إذا اتبع والده نال حقين : حق العمل ، وحق القرابة.
2- والزوجة يخشى عليها مخالفة أمر الشيخ وغضبه ، أما إذا أطاعته فلها حقان : حق العمل بالأوراد ، وحق الزوجية.
3- والتلميذ المقرب من الشيخ ربما اطلع على عبادة الشيخ فاستقلها فى نظره ، أو يرى شيئا لا يعجبه فيظن سوءا فيهلك ، أما إذا أخلص للشيخ كان له حقان : حق الأوراد ، وحق الخدمة للشيخ"
انتهى كلامه.
وممن نال ذلك الخير الشيخ إبراهيم الرشيد تلميذ سيدى أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنهما فإنه تتلمذ لسيدى أحمد ووالى خدمته حتى إن سيدى أحمد قبض ورأسه الشريف على حجر سيدى إبراهيم.
نسال الله أن يرزقنا رضا المشايخ ، وبصرف عنا شر غضبه أنه نعم الكافى القدير.
ومن الوبال فى الدنيا رؤيته لنفسه شيخا مع الشيخ قبل أن يأذن له.
سمعت حكاية عن بعض العلماء :
أن تلميذا للشيخ الغزالى رضى الله تعالى عنه صار يدرس بالبلد التى بها شيخه ، فحدثته نفسه بالخروج من تلك البلدة وأنه استغنى عن الشيخ. فركب السفينة وسافر ، ففى وسط البحر اضطربت الأمواج وتحركت السفينة ، فقال للبحر : اسكن يابحر إنما عليك بحر مثلك.
فمدت إليه سمكة من البحر رأسها وقالت له : ياأيها البحر ما قولك فى رجل مسخ هل تعتد عدة وفاة أم عدة طلاق؟
فسكت ولم يجب بشئ ، وقال لملاح السفينة : رد السفينة إلى حيث بدأنا السير ، فرجع إلى الشيخ الغزالى ، فقال له : ما الذى ردك من سفرك؟ قال : سؤال سئلته.
ثم ذكر له سؤال السمكة ، فقال له الشيخ الغزالى :
1- ننظر فيه أن كان مسخ حجرا اعتدت زوجته عدة وفاة.
2- وأن كان مسخ حيوانا آخر اعتدت عدة طلاق.
فرجع التلميذ ، فلما وصل المكان من البحر خرجت له السمكة ، فقال لها الجواب الذى سمعه من شيخه ، فقالت له السمكة :" ذاك البحر لا أنت"ا هـ.
وهكذا أن شاء الله كلما وقفت فكرتى سفينتى حتى يقال لى : ذاك من الشيخ لا منك.
إشارات خفية خطيرة
وهكذا فى الحال ما يغنى عن المقال ، وفى الإشارة ما يغنى عن العبارة ، وفى التسليم شراب التسنيم ، وفى المحبة شراب المربة ، وفى المشاهدة ما يغنى عن المجاهدة ، وفى مشاهدة ابن إدريس ما يغنى عن التدريس ، وفى ملاحظته تنزيل عبارته ، وفى خياله فيوضات مقاله ، وفى إكباره أسراره ، وفى لمعان أنواره وأحزابه فتح بابه ؟ وفى أوراده نفه أولاده ، وفى تكريم أولاده عين وداده ، وفى حب ابنه السيد عثمان ما يقربك من خمر الدنان.
وقد سلمنا له حاله ومقاله فاستفتح سماء العلو ، ففتح له ما عز على غيره ، فكان منا مكان القلب من الجسد ، فكشف له بحبه لشيخه ونال بانتسابه إليه الدرر الغوالى ابنه السيد عبد العالى.
وكم من مغترف ، وكم من سامع ، وكم من سابح فى بحره المتلاطم الأمواج المالئ للفجاج ، فعليك بالاتباع لهذا الشيخ عالى الهمم ، راسخ القدم حتى تذوق من مودته وتنال من بركته ]رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت أنه حميد مجيد[ من كنوز غيوب أسرار أوراد شيخه وبخدمتك له ما يسخر لك العوالم.
وقد نال ابن السنوسى من إخلاصه لشيخه الوراثة الجامعة للصفات المحيطة بجميع التجليات ، فقيل فيه كشيخه ذى الأفعال الأحمدية ، وهكذا جذب ابن الأهدل ، جذب الشيخ من مكة إلى اليمن فأكمل وهكذا جذب المجذوب ، ونال به ظافر فظفر ، واظهر الرشيد العجائب والعبر.
وهكذا كان السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه ، بحر علم زاخر ، وفيذ قدس طاهر ، مربيا ربانيا ، وطبيبا روحانيا ، ما غمدت أسيافه ، ولا أنكرت القرى أضيافه ، فإن الدليل فعليك بأوراده ؛ لتكون من جملة وراده.
فكم ورد عليك واردون ، وانتفع بعلمه السامعون ، وككم أحيا قلوبا فاستنارت ، وغلى سماء العلى طارت ، تلاميذه عارفون ، وأتباعهم أحمديون.
له فى كل زمان رجال تظهر ، وأسرار تبهر ، وعلامات نجمية ، ومدارك إدريسية ، تربيته لا تنقطع عن أحبابه ، ولهم موائد أنسه واقترابه ، له دول وجولات ، وجنود كالجبال الراسيات ، وكم عليه نعم من الله تترا ] اعملوا آل داود شكرا[.
ومن الوبال على المريد اختلاطه بالمنكرين الذين كلامهم كالحجارة ، وان قلب المريد كالزجاجة " والزجاجة كسرها لا يجبر" فمن عرض قلبه لهم فقد عرض زجاجته للكسر.
واعلم يا أيها المريد هدانا الله وإياك لنوره التام ، وأدخلنا وإياك فى حضرة القدس التى لا يكدر صفوها بوجه من الوجوه : أن الآية فى اللغة هى العلامة التى تدل على الشئ المراد ، وهى إما قولية كآيات القران الحكيم ، وإما فعليه بلا واسطة ترى كالسماء والأرض ، وأما بواسطة كالمعجزات للرسل عليهم الصلاة والسلام ، والكرامات للأولياء ، لأن الآية من القرآن العظيم دليل على وجود الله تعالى ، والسموات والأرض وما فيهن دليل كذلك.
والمعجزة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دليل على صدقه ، والكرامة من الولى دليل على صدق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
إذا علمت كلامى هذا علمت معنى قوله تعالى :]وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم [.
فجلوسك مع المنكرين وسماعك لقولهم حرام ، إذ أنت مأمور بالإعراض عنهم ، ففكر فى قولى هذا ولا تهمله فإنه نفيس أن شاء الله تعالى.
قال سيدى أحمد بن إدريس صاحب العلم النفيس رضى الله تعالى عنه: الأب أبوان:
1- أبو الروح.
2- وأبو الجسد ، وأبو الروح أفضل من أب الجسد ، وأراد رضى الله تعالى عنه بأبى الروح شيخ الطريق.
وأما أن كان الشيخ من العترة الطاهرة النبوية فيجب حبه لذلك زيادة على حبه لكونه شيخا.
وإنني أعجب بهذين البيتين للشيخ الأكبر سيدى محيى الدين بن عربى رضى الله تعالى عنه:
جعلت ولائى آل طه فريضة
على رغم أهل البعد يورثنى القربى
فما طلب المبعوث أجرا على الهدى
ببعثه إلا المودة فى القربى
ومن الوبال على المريد انتماؤه للمدعين ممن يدعون الاجتهاد ، وينكرون على الأئمة رضوان الله تعالى عليهم ، وهم لا يعرفون القرآن ولا الحديث ولا علم الأصول فهم فتنة بين المسلمين ، وهم أضر على المريد السالك من المعاصى.
ومن العجب أن حالهم لا يعجب أحدا إلا الجهال وشركهم لا يصطاد إلا الجهال كما قال الشاعر: إن الطيور على أشكالها تقع.
ومن علاماتهم غبرة على وجوههم ، وأنهم من أهل الوجهين ، وبخلهم إلا على من يوافق قولهم ، وكثرة كلامهم بغير ذكر الله تعال ، وإظهار الحماقة عند الحديث معهم ، واحتقارهم لمن دونهم ولو كان أعلم وأشرف ، وكثرة غفلتهم عن ذكر الله تعالى ، وكثرة الرياء واعتناؤهم بكل ما يراه الناس ، وبغضهم للصوفية ، وإنكارهم عليهم ، وإنكار كرامات الأولياء ، واتخاذهم قولهم مهنة للعيش ، وعجزهم عند المناظرة مع أى عالم ، واحتقار جميع المسلمين وتضليلهم وتسفيه آرائهم.
فالمريد السالك فى طريق الله تعالى يحذر هؤلاء ، ويصحب الأخيار.
ومن الوبال على المريد أن تحدثه نفسه برؤية الحق سبحانه يقظة ، أو أن يرى نورا منه ، أو يسمع له كلاما ، أو يشم له رائحة.
كل ذلك مكن صفات الحوادث ومستحيل على الحق سبحانه وتعالى.
وإذا رأى نورا أو شم رائحة طيبة ، أو سمع صوتا بكلام طيب فإنه يكون ممن قال الله تعالى له: ]إن الذين يبايعونك أنما يبايعون الله [.
فكما أنه ناب عن الله تعالى فى البيعة لاستحالتها عليه تعالى بالكيفية المعهودة ، كذلك ينوب المريد السالك الذاكر من خوارق العادات ، أو أن يكون ملكا من قبل الحق سبحانه وتعالى ، أو أن العمل نفسه ينتقل إلى درجة الحس فتقوى الروح نوره وتشم رائحته الطيبة ، والله تعالى أعلم.
ومن الوبال على المريد الصادق تعلق حب الدنيا بقبله ، وذلك دليل على حياته الأولى النفسية العادية.
قال ابن الفارض رحمه الله تعالى :" ها أنت حى إن كنت صادقا مت " يعنى ميولك إلى الدنيا وإلى شهواتها واغترارك بنفسك ، ورؤية عملك دليل على حياتك.
أن كنت صادقا فى حبك لله تعالى كن معه كالميت الذى ترك الدنيا وما فيها:
ومن الدلائل أن تراه مسلما
وفى حياتى قتلى
والمراد بالموت قطع النفس عن شهواتها كما ينقطع الجسم بعد الموت عن عيش الدنيا ولذائذها.
ومعنى الحياة أن تتغلب الروح على الجسد ، ويكون لها الحكم النورانى والتعليق الرحمانى.
جنود الهوى : فكانت العين تهوى النظر إلى ما تشتهى ، والأذن تهوى سماع ما تشتهى ، واللسان يهوى من الكلام ما تشتهى النفس ، واليد تتحرك على ما تأمر به النفس ، والبطن والفرج إلى ما تأمر به النفس ، فهذه هى جنود الهوى للنفس الأمارة ، فإن تغلبت النفس على الروح واستولت على تلك الجنود كان الإنسان حيا بالحياة الحيوانية الشهوانية ، وان تغلبت الروح على الجسد كان لها الحكم على تلك الجنود ، فالأول هو الميت يعنى الشهوات ، والثانى هو الحى يعنى بالحياة الروحية الملكية ، قال ابن الفارض رحمه الله: فأهل الهوى جندى وحكمى على الكل.
فاستمع إلى تلك الغرائب لعلك أن تشهد بعض العجائب ، ففى الحزبين الأولين من أحزابنا ما يكشف لك عن سر كلامنا ، فجل فيهما بروحك حتى تموت نفسك ، وينقطع عن السوى أنسك ، ثم تموت وتحيا بها ، وتكسى ثياب القبول والبهاء.
فمن كلماتها ينهل عليك فرات عذبها المنهل ، من مناهل ما وراء المثل ، وقد جعلنا فيها ما أودعته ابن عربى فى مؤلفاته ، وابن الفارض فى منظوماته.
لا تثريب عليك أن تقرأ غير تلك الأحزاب. فقد جمعت لك ما حضر وما غاب.
هذه الكعبة ولكن أين الطائفون؟ وهذه عرفات العرفان فأين الواقفون؟ هذه يخرج منها للناس فأين الشاربون؟
واعلم أن لكل شيخ طريق عقاقير فى أوراده تصلح لأولاده السالكين طريقه ، فيها فيتامينات التقوية والتغذية ، وفيها بلسم الشفاء ، وفيها ما وصوله وهى روحه وريحانه.
ويقول سيدى عبد السلام الأسمر رضى الله تعالى عنه:
ياتارك وردى ما تنده بى.
ويقول:
واللى عرف شيخه يحميه ، واللى خدم شيخه من خمرته يسقيه.
ويقول: مريدى ينطق بريقى فى كل قصيدة.
ويتكلم عن شيخه رضى الله تعالى عنه:
سيدى وأبى وسلطانى
من البعد جانى يرعانى
كالطير حايم آه آه
وعلى المريد العاقل إذا سمع كلاما لأى ولى وصف به شيخه ايضا ولا يرى شيخه أقل من غيره بل يغتفر له تقديمه على أقرانه من أهل زمانه.
قال ابن الفارض رحمه الله تعالى :
وفى حياته قتلى.
فهما قتلان وحياتان ، فالقتل الأول قتل الروح ،وهو كناية عن تغلب النفس عليها. والقتل الثانى قتل النفس وهو كناية عن تغلب الروح عليها ، وهكذا شهداء المعارك.واعلم ياأخانا إذا أردت أن تدخل فى شهداء المعارك لتنال إحدى الحسنيين بإحدى القتلتين فى ميدان القتال ، فاقتحم ميدان الرياضة والعزلة والانفصال ، فتحيا بإحدى القتلتين حياة الشهداء ، الذين هم أحياء بعد قتلهم وعند ربهم ، ولهم اتصال بأحبابهم ، ولهم فرح بهم وبقدومهم إليهم.
أما فى جنة عدنهم وإما فى مشاهدة ربهم ، ولكل أدراك وتوجه ، وانتباه واتصال وقرب ، وجذب وحب ، وامدادات وبركات ، ونفحات وخيرات.
وتهيأ ياعبد الله بروحك ، وأنصت بقلبك لما سيلقى عليك : ان حب الدنيا فى قلب المريد ]كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت[.
فحرك نسمات قربك الماحية لنعوتك. لتمحو معها بيوت عنكبوتك. فما حل إلهى فى بيت عنكبوت. لا ، والذى نفسى بيده حتى يموت ، فتخل عن سفاسف أمورك ، وانظر بعين قلبك إلينا وما سطرته يدك من سطورك.
]فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب[ ، ] هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب[. وان حجابك عنا رؤيتك لنفسك ، وغفلتك عن حظيرة قدسك ، وان سفاسف أمورك اشتغالك بدار غرورك أو ميول قلبك إليها لتغنى ، إذ كلما مال إليها مال عنا.
فلا ميول فى طريقنا لمن تذوق المعانى ، ودخل فى الميدان ، وظهرت له المرائى ، وصار هو المرئى والرائى ، وعرف ما لم يعرفه الغير ، وكان على جادة الطريق فى السير. عليكم بالأحزاب بعد تلاوة القرآن العظيم
فعليك بالأحزاب بعد تلاوة القرآن العظيم ، تتنزل عليك معانى أسرار السبع المثانى والحواميم.
ثم عليك بالأحزاب التى ما سطرها ولى فى أوراده ، ولا قدمها متقدم لأولاده ، فهى خطيبك الذى يهتز منبر قلبك لعظاته ، وشيخك الحاضر الذى تصغى بروحك لجواهر كلماته ، وغناك من فقرك ، وعلمك بعد جهلك ، وجندك الناصر ، وبأسك القاهر ، وسلطانك المجند ، وقصرك المشيد ، فإذا أهملتها فقد أضعت عزك ، وأوقفت سيرك ، وعطلت النجب واليعملات ، وحق لك أن تبكى عليك الباكيات.
وهكذا حال من ترك الأوراد ، واقتحم العقبة بغير زاد. وأدخل سيفه فى قرابه ، والعدو على بابه ، ونسى الحرب والمعركة ، ولم يذكر قوله تعالى : ]ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [.
واعلم ياأيها الإنسان إن أثمرت أشجارك بالورد. فبما أعطيناك من ورد ، وما شم منك من طيبها لا منك ، ومنا وإلينا لا عنك ، فلدينا بحار تعلو أمواجها ، ويعجزك عبور فجاجها.
أيها المريد أعنى على نفسك
فأعنى على نفسك بنفائس الأحزاب التى تطيب بها أنفاسك ، وتكثر حراسك ، وتزاد أنوارك ، وتطيب ثمارك ، ففكر فيمن وكلت إليه ، وكان معول سلوكك عليه ، نظراته تحييك ، وإمداداته تبقيك ، فحليهن به إذا وافاك ، وبإقباله عليك رباك.
وباقباله عليك رباك.
نعم قد أحالنا شيخنا إليه ،وأوقفنا بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ منه انشقت الأسرار ، وانفلقت الأنوار ، وفيه ارتقت الحقائق ، وتحقق به أهل الطرائق.
قال ابن الفارض رحمه الله تعالى :
فأدر لحاظك فى محاسن وجهه
تلقى جميع الحسن فيه مصورا
ليست لحاظ الرأس ولكن لحاظ القلب ، لمن جلسوا على كراسى القرب.
فنظروا بالجميع ، إلى هذا الشفيع ، صلى الله عليه وآله وسلم.
نظروا بالجميع وما حققول النظر ، فكيف لو نظروا إليه بالبصر؟
قال البوصيرى رحمه الله تعالى :
وكيف يدرك فى الدنيا حقيقته
قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
فايش تقول فى طريقنا هذا الذى مربيك فيه سراج العوالم صلى الله عليه وآله وسلم.
وإنها لنعمة كبرى ومنقبة عظمى تتضاءل أمامها الجبال الراسيات ، وتغتبط درر معانيها البحار الزاخرات ، وذلك مما اختص به طريقنا رب الأرض والسماء ]يختص برحمته من يشاء[.
ومن الوبال على المريد نسيانه شيخه وتعلق قلبه بغيره وقراءته لأوراد غير شيخه مع ترك أوراد شيخه ، فيقال له كما قال سيدى عبد لبرعى رحمه الله تعالى :
آثرت غيرى على لكن
كما يدين الفتى يدان
أو أن يأخذ عهدا غير عهده بأن يدخل طريقا غير طريق شيخه ، أما إذا تحقق وكشفت له الحجب ورفعت له الرتب حتى صار يقول : أمرنا بكذا ، فلا حجر عليه إذ ذاك.
فيكون مثله كالمقلد إذا بلغ رتبة الاجتهاد.
فتارة يكون مجتهدا فى مذهبه الذى درسه ، وتارة يكون مجتهدا مطلقا.
قوله رضى الله تعالى عنه :
وهذه القاعدة هى أساس الأعمال والأقوال كلها ، فمن تحقق بها ورسخ فيها كانت أحواله كلها مبنية على السداد ظاهرا وباطنا لا يدخلها خلل بوجه من الوجوه.
لأنها كالميزان الذى يبين المبهم ، فهذه القاعدة تبين للإنسان نتيجة العمل قبل الدخول فيه وتسمى النتائج التصورية وهى لا توجد لا عند من تحقق بهذه القاعدة.
لأنها تأمرك قبل العمل بفكرة ، تدخلك ميادين حضرة ، فيها نتائج الأعمال قبل الدخول فيها.
ثم هنا الإنسان إما أن يعلم فيرجع عن قبيح فعله لما علم ، وأما أن يعلم ولا يرجع ، وأما أنه لا يعلم فلا يرجع ، فالأول عاقل ، والثانى شبه مجنون ، والثالث مجنون.
فالذى علم سوء العاقبة من سوء العمل]فهو على نور من ربه[ والذى علم ولم يرجع فهو كما فى قوله تعالى : ]وأضله الله على علم [. ومن لم يعلم فهو ضال خاض مع الخائضين بلا علم ]وكنا نخوض مع الخائضين [.أى لا علم ولا عقيدة فهو منزل منزلة المجنون.
فمن جهل هذه القاعدة أساسا لهمله فقد فاز ، وأسس بنيانه على أساس متين] أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار ربه فى نار جهنم[.
ومن تحقق فى هذه القاعدة كانت أحواله كلها على الكتاب والسنة ظاهرا بمراعاة الظاهر وباطنا بمراعاة الباطن.
والظاهر : الأعمال والأقوال.
والباطن : القلب، وفى الحديث : " ... ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ".
وكلام السيد رضى الله تعالى عنه يدخل تحت قوله تعالى :" إن الذين اتقوا إذا مستهم طائف من الشيطان" أى وسواس " تذكروا" أن الله ناظر إليهم ]فإذا هم مبصرون[ سبيل النجاة ا هـ. جلالين.
قال سيدى صالح الجعفرى: " تذكروا " أى ذكروا الله مع وجود غفلة فنقلهم من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود حضرة ، فاطمأنت وجود حضرة ، فاطمأنت قلوبهم بعداضطرابها]ألا بذكر الله تطمئن القلوب[.
فلما اطمأنوا شاهدوا ، فلما شاهدوا جاهدوا ] وجاهدوا فى الله حق جهاده[ ، فلما جاهدوا واهتدوا ] والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا[ ، فلما اهتدوا وعدهم الحسنى وزيادة ] للذين أحسنوا الحسنى وزيادة[.
فلما زادهم جعلوا حبه زادهم ، واشتاقوا إلى وجهه الكريم ودعوه بالغداة والعشى] يدعون ربهم بالغداوة والعشى يريدون وجهه[.
فإذا النداء الأقدس من الكمال الالهى المقدس : أين المشتاقون إلى ؟ فجفت جنوبهم المضاجع ونورهم لمع ] تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا[ ، فسهروا الليالى ، وأضاءوا كاللآلى ، وشمروا قانتين ساجدين وقائمين ] أمن هو آناء الليل ساجدا وقائما[
فلما انسلخوا عن بشريتهم وتغلبت عليهم روحانيتهم ، فهؤلاء لا بد ان تكون أحوالهم كلها مبنية على السداد ، لأنها أحوال روحانية مجردة عن دسائس النفس ظاهرا وباطنا ، كصفة الروح فإنها نورانية ظاهرا وباطنا ، كذلك ما صدر منها أن يكون كذلك.
وقد نشأ الله المرسلين والأنبياء عليهم الصلاة و والسلام على هذا الحال فلم يصدر منهم خلل ما بوجه من الوجوه.
وهذه الصفة فى الرسل عليهم الصلاة والسلام حقيقية وفى الأتباع وراثية.
وكذلك كل ما صدر من خوارق وعلوم ومعارف فإنها بطريق الإتباع والوراثة.
وكان من اجلهم وأوسعهم دائرة فى هذا المقام نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ربنا الى الناس كافة ، فجميع الورثة من جميع الأمم إلى يوم القيامة هم وراثه تابعوه صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد أجاد شيخنا الشفا القطب النفيس مولانا السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه حينما وكلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتولى تربيتنا ، وقد شاهد كثير من إخواننا ذلك إلى يومنا هذا.
فاختص الله الآخذين لطريقه المحمدى بالتربية المحمدية.
وكأن السيد لاحظ حين تلقيه الذكر الخاص به وأنه فيه الجمع بين الحضرتين وهو : لا اله الا الله محمد رسول الله. وكذلك فى قوله: واجمع بينى وبينه إلخ ، ما يزيد على التربية لأن الجمع والملازمة يزيدان على التربية.
فامتاز هذا الطريق فى أوراده بهذه الميزات المميزات له ، وأن صاحبه كانت له القدم الراسخة فى المتابعة المحمدية الظاهرة فى جميع أحواله ، فكانت الرابطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رابطة قوية متينة. وقالوا : إن كل مريد يرث من مقام شيخه محاله على قدر اجتهاده واستعداده ووثوق الشيخ به.
نقل ابن الأثير عن سيدنا على رضى الله تعالى عنه وكرم الله وجهه أنه قال :" ان فى هذا الصدر لعلما لم أجد له لقنا لكن أصبت لقنا غير ثقة " ومعنى اللقن : الفهم.
قال مولانا العرف بالله تعالى الشيخ صالح الحعفرى رضى الله تعالى عن أجداده:
فالشيخ ينظر إلى ذكاء المريد وأمانته على الأسرار:وعدم اغتراره بها بعد ظهرها عليه ، ومراعاة الأدب مع الشيخ وحفظ مقامه ودرجته عنده ولا كان ليس بذاك. نعوذ بالله من ذلك.
كل ما يصدر من الشيخ غيث للمريد
واعلم ياأخانا هداك الله وهدانا : أن مثل المشايخ كالسحب تحمل رحمة الله المساقة لسقى القلوب المحمدية لتحيا بها الحياة الطيبة ، وأن رياح حبك وإخلاصك إليهم تسوق غيثهم إليك.
فرضاهم غيث ، ودعاؤهم غيث ، وأورادهم غيث ، وطعامهم غيث ، وشرابهم غيث ، واطعامهم غيث ، وخدمتهم غيث ، وتوجههم غيث ، وكلامهم غيث ، وثناؤهم عليك غيث ، وذمهم لك غيث ، وتأديبهم لك غيث ، وكل شئ حاصل منهم غيث.
فهئ نفسك لغيوث شيخك عسى أن تحيى ارض قلبك فتخرج من موت روحك إلى حياتها ، ومن غفلتها إلى التفافها ، ومن سجنها إلى إخراجها ، ومن قيدها إلى حلها ، ومن حرامها إلى حلالها ، ومن حلها إلى حرمها ، ومن حرمها إلى معرفة حرمتها ، ومن حرمتها إلى عرفات معرفتها ، ومنن معرفتها إلى فرط حبها ، ومن فرط حبها إلى حيرتها
كما قال سيدى ابن الفارض رضى الله تعالى عنه :
زدنى بفرط الحب فيك تحيرا
وارحم حشا بلظى هواك تسعرا
وبذلك تصل إلى ما وراء ذلك ، وتغيب عن ملك نفسك وجميع الممالك
وتفكؤ فى قوله تعالى : ] كل شئ هالك إلا وجهه[.
فتبحث بعد حياتك عن الحى ، وبعد فنائك عن الباقى ، فتدرك ببحثك كل شئ إلا الذى ]ليس كمثله شئ[.
فعند ذلك تكون حيرتك عبرة ، وجهلك حكمة ، وعجز قدرة ، وعدم إدراكك إدراكا.
ثم تفكر فى العرش العظيم وفى مكانه وزمانه فيرجع عقلك إليك عاجزا كليلا ، فكيف انت امام خالقه ومبدعه؟ قد أعجزتك روحك علما وهى بين جنبيك.
وهكذا عجزك عنها بين يديك دواليك.
فهل عرفت روحك ياابن التراب والسماء؟ أم وقفت عند جسمك الذى هو من طين من الطين والماء؟ وهل نظرت بعينك مقر رزقك وكيف ينزل عليك؟
فإذا عجزت عن شئونك فكيف تدرك من بيده الشئون ، وأمره بين الكاف والنون؟ فلا تحم حول الحمى فيقتلك الظما.
وفكر فى قوله تعالى : ]وما رميت إذ ولكن الله رمى [ ، فسبحان الظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم.
تذكرت روحى كيف روحى فلم أجد
لروحى سبيلا والسبيل هو الوقف
فكيف لعقلى أن يفكر فى الذى
له العقل مخلوق كذا الروح والكيف
له الملك والأملاك والعز وحده
له الخير والإكرام والعطف واللطف
على العرش رب العرش لكن كقوله
وليس لنا من بعد ما قاله وصف
قال السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه:
وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم :" حاسبول أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزن عليكم".
قال سيدى العارف بالله تعالى الشيخ صالح الجعفرى رضى الله تعالى عنه: جعل السيد رضى الله تعالى عنه: القاعدة الأولى كلها شرحا لهذا الحديث ، وغنه لشرح عظيم مطابق لمعنى الحديث.
فإذا رجعت إلى القاعدة من أولها علمت ذلك ، والله الموفق إلى سواء السبيل ، وهو حسبى ونعم الوكيل.
فالكسبى : يؤخذ من صدور الرجال كما قال لى سيدى عبد العالى رضى الله تعالى عنه قبل مجيئى إلى الأزهر :" العلم يؤخذ من صدور الرجال لا من الكتب ".
ووهى : وهو أنواع:
وأوله : ما كان بواسطة روح الواسطة بينه وبين عين الحقائق صلى الله عليه وىله وسلم ، وهو خفى وربما يخفى على الملتقى فضلا عن القارئ.
وإذا كان الفيض فى حال فربما خفى عن المريد المتلقى بعض ما كتبه إذا تنزل عن ذاك الحال ، وقد يكون مناما ، وقد يكون بين اليقظة والنوم ، وقد يكون كلاما بواسطة شراب أو طعام يقدمه شيخه له ن وقد يكون كالبذور فى أرض قلبه ، وبحسب خصبها ينمو زرعها ، وقد يكون عن الشيخ يقظة بمشاهدة قلبية أو مشاهدة ظاهرية.
والثانى: الاتصال بالحضرة النبوية ، وهو اتصال عظيم يختلف باختلاف المقامات ]وما منا إلا له مقام معلوم[ ، ]هم درجات عند الله [.
وبحسب الدرجات تتنزل الفيوضات ، وأعلاها درجة رؤيته صلى الله عليه وىله وسلم يقظة والسماع منه.
خرق الحجب
واعلم ياأخانا بارك الله فينا أن رؤيته صلى الله عليه وآله وسلم يقظة تكون على طريق خرق العادة ، وذلك بعد أن تصل إلى رؤية ما وراء الجدار ونحوه ، ولا يكون بعين البصر ، وإنما يكون بعين البصيرة القلبية ، ويكون فى حال عجيب ، وعند احتجاجه صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا حضر صلى الله عليه وآله وسلم بمجلس ولم تحصل لك رؤيته ربما شعرت باهتزاز الأرض ، وذلك لك دون غيرك ، وربما شممت رائحة طيبة.
أقرب الطرق لرؤية النبى صلى الله عليه وآله وسلم
وفى الصلاة العظيمية ما يكشف لك كثيرا من مثل هذا ، فعليك بها إن أردت أقرب الطرق وأهونها عليك بهذه الشروط وهى:
1- أن تسبغ الوضوء مراعيا فضائله مع استعمال السواك.
2- صلاة ركعتين : الأولى بالفاتحة والنصر ، والثانية بالفاتحة والإخلاص.
3- بعد السلام تذكر ذنوبك وتنوى التوبة النصوح من جميع المعاصى ، ثم تتلو الاستغفار سبعين مرة والاستغفار الكبير سبع مرات ، ثم تتلو الفاتحة لشيخك وتشاهده بقلبك عن يمينك ثم تشاهد الحضرة النبوية أمامك.
4- ثم تتلو الصلاة العظيمية بقدر الاستطاعة وتفتح عينى قلبك عند قولك " تعظيما لحقك يامولانا يامحمد ياذا الخلق العظيم".
ولا تزال تترقى ما داومت على هذه الكيفية ، وقد أشار إليها السيد الختم الميرغنى رضى الله تعالى عنه ، وقليل من هذا خير من كثير.
فلا تجعلن قولى هذا منك موضع الإهمال ، حتى يفتح الله لك ما تعسر من الأقفال.
واجتنب عند ذلك أكل البصل النيئ والثوم والكراث والفسيخ وكل ذى رائحة كريهة ، ولابد من حلق ما أمرت بحلقه ، والمسك اطيب ، وبخور المستكى التركى مع شئ من العود أو عود الند.
قال ابن النحوى رحمه الله تعالى :
وإذا أبصرت منار هدى
فاحذر إذ ذاك من العرج
لتكون من السباق إذا
ما جئت إلى تلك الفرج
فهناك العيش وبهجته
فلمبتهج ولمنتهج
وقد وقف بنا القلم هنا ، وسنرجع إن شاء الله تعالى فى ذكر مثل هذا إليك فى رسالة خاصة بالصلاة العظيمية.
قال شيخنا رضى الله تعالى عنه:
" فإنه وبال عليه إن دخل فيه"
قال سيدى الشيخ صالح الجعفرى: أى ذلك الأمر الممنوع شرعا.
والوبال : هو العذاب ، فتارة فى الدنيا والآخرة ، وتارة فى الدنيا ، وتارة فى الآخرة.
واعلم ياأخانا هداك الله وهدانا: أن مشايخ الطريق يقولون فى كلامهم :" تجمعنا الطاعة وتفرق بيننا المعصية ".
وأى وبال أشد على المريد من التفرقة بينه وبين شيخه؟
اعلم أن كل شيخ طريق مأذون من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأصول الصوفية : تنحصر فى هذه الكمالات:
1- فناء فى الشيخ.
2- فإذا رأى منك قدمك إلى رسول الله صلى الله عليه وىله وسلم.
3- فإذا رأى منك النبى صلى الله عليه وىله وسلم الفناء فيه صلى الله عليه وىله وسلم قدمك إلى الله تعالى.
ثم سافر هذا الرجل إلى المدينة المنورة ومكث بها زمنا ، ثم رجع إلى بلاده ، وتوفى بها عام 1370هـ تقريبا عليه الرحمة والرضوان.
ومن الوبال على المريد إنكاره على شيخه المباشر ، أو على شيخه الذى فى البرزخ ، وعليه أن يسلم تسليما.
ثلاثة على خطر
سمعت من شيخى وأستاذى الذى هو كان سببا لى فى الخير الكثير أخذت عنه العهد منذ خمسة وثلاثين عاما وذكرت معه كثيرا ، وخدمته ولازمته ورأيت منه الكرامات والبركات. سلالة السبط سيدنا ومولانا السيد الحسن رضى الله عنه ، ألا وهو السيد محمد بن السيد عبد العالى ابن الإمام شيخ الطريقة ومعدن الحقيقة سيدنا ومولانا السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنهم أجمعين.
سمعته وهو شيخى وأستاذي السيد محمد عبد العالى الملقب بالسيد الشريف يقول : ثلاثة على خطر :
ابن الشيخ ، وزوجته ، وتلميذه المقرب إليه.
1- لأن ابنه يعتمد على جاه والده ويتكاسل عن العمل ، أما إذا اتبع والده نال حقين : حق العمل ، وحق القرابة.
2- والزوجة يخشى عليها مخالفة أمر الشيخ وغضبه ، أما إذا أطاعته فلها حقان : حق العمل بالأوراد ، وحق الزوجية.
3- والتلميذ المقرب من الشيخ ربما اطلع على عبادة الشيخ فاستقلها فى نظره ، أو يرى شيئا لا يعجبه فيظن سوءا فيهلك ، أما إذا أخلص للشيخ كان له حقان : حق الأوراد ، وحق الخدمة للشيخ"
انتهى كلامه.
وممن نال ذلك الخير الشيخ إبراهيم الرشيد تلميذ سيدى أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنهما فإنه تتلمذ لسيدى أحمد ووالى خدمته حتى إن سيدى أحمد قبض ورأسه الشريف على حجر سيدى إبراهيم.
نسال الله أن يرزقنا رضا المشايخ ، وبصرف عنا شر غضبه أنه نعم الكافى القدير.
ومن الوبال فى الدنيا رؤيته لنفسه شيخا مع الشيخ قبل أن يأذن له.
سمعت حكاية عن بعض العلماء :
أن تلميذا للشيخ الغزالى رضى الله تعالى عنه صار يدرس بالبلد التى بها شيخه ، فحدثته نفسه بالخروج من تلك البلدة وأنه استغنى عن الشيخ. فركب السفينة وسافر ، ففى وسط البحر اضطربت الأمواج وتحركت السفينة ، فقال للبحر : اسكن يابحر إنما عليك بحر مثلك.
فمدت إليه سمكة من البحر رأسها وقالت له : ياأيها البحر ما قولك فى رجل مسخ هل تعتد عدة وفاة أم عدة طلاق؟
فسكت ولم يجب بشئ ، وقال لملاح السفينة : رد السفينة إلى حيث بدأنا السير ، فرجع إلى الشيخ الغزالى ، فقال له : ما الذى ردك من سفرك؟ قال : سؤال سئلته.
ثم ذكر له سؤال السمكة ، فقال له الشيخ الغزالى :
1- ننظر فيه أن كان مسخ حجرا اعتدت زوجته عدة وفاة.
2- وأن كان مسخ حيوانا آخر اعتدت عدة طلاق.
فرجع التلميذ ، فلما وصل المكان من البحر خرجت له السمكة ، فقال لها الجواب الذى سمعه من شيخه ، فقالت له السمكة :" ذاك البحر لا أنت"ا هـ.
وهكذا أن شاء الله كلما وقفت فكرتى سفينتى حتى يقال لى : ذاك من الشيخ لا منك.
إشارات خفية خطيرة
وهكذا فى الحال ما يغنى عن المقال ، وفى الإشارة ما يغنى عن العبارة ، وفى التسليم شراب التسنيم ، وفى المحبة شراب المربة ، وفى المشاهدة ما يغنى عن المجاهدة ، وفى مشاهدة ابن إدريس ما يغنى عن التدريس ، وفى ملاحظته تنزيل عبارته ، وفى خياله فيوضات مقاله ، وفى إكباره أسراره ، وفى لمعان أنواره وأحزابه فتح بابه ؟ وفى أوراده نفه أولاده ، وفى تكريم أولاده عين وداده ، وفى حب ابنه السيد عثمان ما يقربك من خمر الدنان.
وقد سلمنا له حاله ومقاله فاستفتح سماء العلو ، ففتح له ما عز على غيره ، فكان منا مكان القلب من الجسد ، فكشف له بحبه لشيخه ونال بانتسابه إليه الدرر الغوالى ابنه السيد عبد العالى.
وكم من مغترف ، وكم من سامع ، وكم من سابح فى بحره المتلاطم الأمواج المالئ للفجاج ، فعليك بالاتباع لهذا الشيخ عالى الهمم ، راسخ القدم حتى تذوق من مودته وتنال من بركته ]رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت أنه حميد مجيد[ من كنوز غيوب أسرار أوراد شيخه وبخدمتك له ما يسخر لك العوالم.
وقد نال ابن السنوسى من إخلاصه لشيخه الوراثة الجامعة للصفات المحيطة بجميع التجليات ، فقيل فيه كشيخه ذى الأفعال الأحمدية ، وهكذا جذب ابن الأهدل ، جذب الشيخ من مكة إلى اليمن فأكمل وهكذا جذب المجذوب ، ونال به ظافر فظفر ، واظهر الرشيد العجائب والعبر.
وهكذا كان السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه ، بحر علم زاخر ، وفيذ قدس طاهر ، مربيا ربانيا ، وطبيبا روحانيا ، ما غمدت أسيافه ، ولا أنكرت القرى أضيافه ، فإن الدليل فعليك بأوراده ؛ لتكون من جملة وراده.
فكم ورد عليك واردون ، وانتفع بعلمه السامعون ، وككم أحيا قلوبا فاستنارت ، وغلى سماء العلى طارت ، تلاميذه عارفون ، وأتباعهم أحمديون.
له فى كل زمان رجال تظهر ، وأسرار تبهر ، وعلامات نجمية ، ومدارك إدريسية ، تربيته لا تنقطع عن أحبابه ، ولهم موائد أنسه واقترابه ، له دول وجولات ، وجنود كالجبال الراسيات ، وكم عليه نعم من الله تترا ] اعملوا آل داود شكرا[.
ومن الوبال على المريد اختلاطه بالمنكرين الذين كلامهم كالحجارة ، وان قلب المريد كالزجاجة " والزجاجة كسرها لا يجبر" فمن عرض قلبه لهم فقد عرض زجاجته للكسر.
واعلم يا أيها المريد هدانا الله وإياك لنوره التام ، وأدخلنا وإياك فى حضرة القدس التى لا يكدر صفوها بوجه من الوجوه : أن الآية فى اللغة هى العلامة التى تدل على الشئ المراد ، وهى إما قولية كآيات القران الحكيم ، وإما فعليه بلا واسطة ترى كالسماء والأرض ، وأما بواسطة كالمعجزات للرسل عليهم الصلاة والسلام ، والكرامات للأولياء ، لأن الآية من القرآن العظيم دليل على وجود الله تعالى ، والسموات والأرض وما فيهن دليل كذلك.
والمعجزة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دليل على صدقه ، والكرامة من الولى دليل على صدق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
إذا علمت كلامى هذا علمت معنى قوله تعالى :]وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم [.
فجلوسك مع المنكرين وسماعك لقولهم حرام ، إذ أنت مأمور بالإعراض عنهم ، ففكر فى قولى هذا ولا تهمله فإنه نفيس أن شاء الله تعالى.
قال سيدى أحمد بن إدريس صاحب العلم النفيس رضى الله تعالى عنه: الأب أبوان:
1- أبو الروح.
2- وأبو الجسد ، وأبو الروح أفضل من أب الجسد ، وأراد رضى الله تعالى عنه بأبى الروح شيخ الطريق.
وأما أن كان الشيخ من العترة الطاهرة النبوية فيجب حبه لذلك زيادة على حبه لكونه شيخا.
وإنني أعجب بهذين البيتين للشيخ الأكبر سيدى محيى الدين بن عربى رضى الله تعالى عنه:
جعلت ولائى آل طه فريضة
على رغم أهل البعد يورثنى القربى
فما طلب المبعوث أجرا على الهدى
ببعثه إلا المودة فى القربى
ومن الوبال على المريد انتماؤه للمدعين ممن يدعون الاجتهاد ، وينكرون على الأئمة رضوان الله تعالى عليهم ، وهم لا يعرفون القرآن ولا الحديث ولا علم الأصول فهم فتنة بين المسلمين ، وهم أضر على المريد السالك من المعاصى.
ومن العجب أن حالهم لا يعجب أحدا إلا الجهال وشركهم لا يصطاد إلا الجهال كما قال الشاعر: إن الطيور على أشكالها تقع.
ومن علاماتهم غبرة على وجوههم ، وأنهم من أهل الوجهين ، وبخلهم إلا على من يوافق قولهم ، وكثرة كلامهم بغير ذكر الله تعال ، وإظهار الحماقة عند الحديث معهم ، واحتقارهم لمن دونهم ولو كان أعلم وأشرف ، وكثرة غفلتهم عن ذكر الله تعالى ، وكثرة الرياء واعتناؤهم بكل ما يراه الناس ، وبغضهم للصوفية ، وإنكارهم عليهم ، وإنكار كرامات الأولياء ، واتخاذهم قولهم مهنة للعيش ، وعجزهم عند المناظرة مع أى عالم ، واحتقار جميع المسلمين وتضليلهم وتسفيه آرائهم.
فالمريد السالك فى طريق الله تعالى يحذر هؤلاء ، ويصحب الأخيار.
ومن الوبال على المريد أن تحدثه نفسه برؤية الحق سبحانه يقظة ، أو أن يرى نورا منه ، أو يسمع له كلاما ، أو يشم له رائحة.
كل ذلك مكن صفات الحوادث ومستحيل على الحق سبحانه وتعالى.
وإذا رأى نورا أو شم رائحة طيبة ، أو سمع صوتا بكلام طيب فإنه يكون ممن قال الله تعالى له: ]إن الذين يبايعونك أنما يبايعون الله [.
فكما أنه ناب عن الله تعالى فى البيعة لاستحالتها عليه تعالى بالكيفية المعهودة ، كذلك ينوب المريد السالك الذاكر من خوارق العادات ، أو أن يكون ملكا من قبل الحق سبحانه وتعالى ، أو أن العمل نفسه ينتقل إلى درجة الحس فتقوى الروح نوره وتشم رائحته الطيبة ، والله تعالى أعلم.
ومن الوبال على المريد الصادق تعلق حب الدنيا بقبله ، وذلك دليل على حياته الأولى النفسية العادية.
قال ابن الفارض رحمه الله تعالى :" ها أنت حى إن كنت صادقا مت " يعنى ميولك إلى الدنيا وإلى شهواتها واغترارك بنفسك ، ورؤية عملك دليل على حياتك.
أن كنت صادقا فى حبك لله تعالى كن معه كالميت الذى ترك الدنيا وما فيها:
ومن الدلائل أن تراه مسلما
وفى حياتى قتلى
والمراد بالموت قطع النفس عن شهواتها كما ينقطع الجسم بعد الموت عن عيش الدنيا ولذائذها.
ومعنى الحياة أن تتغلب الروح على الجسد ، ويكون لها الحكم النورانى والتعليق الرحمانى.
جنود الهوى : فكانت العين تهوى النظر إلى ما تشتهى ، والأذن تهوى سماع ما تشتهى ، واللسان يهوى من الكلام ما تشتهى النفس ، واليد تتحرك على ما تأمر به النفس ، والبطن والفرج إلى ما تأمر به النفس ، فهذه هى جنود الهوى للنفس الأمارة ، فإن تغلبت النفس على الروح واستولت على تلك الجنود كان الإنسان حيا بالحياة الحيوانية الشهوانية ، وان تغلبت الروح على الجسد كان لها الحكم على تلك الجنود ، فالأول هو الميت يعنى الشهوات ، والثانى هو الحى يعنى بالحياة الروحية الملكية ، قال ابن الفارض رحمه الله: فأهل الهوى جندى وحكمى على الكل.
فاستمع إلى تلك الغرائب لعلك أن تشهد بعض العجائب ، ففى الحزبين الأولين من أحزابنا ما يكشف لك عن سر كلامنا ، فجل فيهما بروحك حتى تموت نفسك ، وينقطع عن السوى أنسك ، ثم تموت وتحيا بها ، وتكسى ثياب القبول والبهاء.
فمن كلماتها ينهل عليك فرات عذبها المنهل ، من مناهل ما وراء المثل ، وقد جعلنا فيها ما أودعته ابن عربى فى مؤلفاته ، وابن الفارض فى منظوماته.
لا تثريب عليك أن تقرأ غير تلك الأحزاب. فقد جمعت لك ما حضر وما غاب.
هذه الكعبة ولكن أين الطائفون؟ وهذه عرفات العرفان فأين الواقفون؟ هذه يخرج منها للناس فأين الشاربون؟
واعلم أن لكل شيخ طريق عقاقير فى أوراده تصلح لأولاده السالكين طريقه ، فيها فيتامينات التقوية والتغذية ، وفيها بلسم الشفاء ، وفيها ما وصوله وهى روحه وريحانه.
ويقول سيدى عبد السلام الأسمر رضى الله تعالى عنه:
ياتارك وردى ما تنده بى.
ويقول:
واللى عرف شيخه يحميه ، واللى خدم شيخه من خمرته يسقيه.
ويقول: مريدى ينطق بريقى فى كل قصيدة.
ويتكلم عن شيخه رضى الله تعالى عنه:
سيدى وأبى وسلطانى
من البعد جانى يرعانى
كالطير حايم آه آه
وعلى المريد العاقل إذا سمع كلاما لأى ولى وصف به شيخه ايضا ولا يرى شيخه أقل من غيره بل يغتفر له تقديمه على أقرانه من أهل زمانه.
قال ابن الفارض رحمه الله تعالى :
وفى حياته قتلى.
فهما قتلان وحياتان ، فالقتل الأول قتل الروح ،وهو كناية عن تغلب النفس عليها. والقتل الثانى قتل النفس وهو كناية عن تغلب الروح عليها ، وهكذا شهداء المعارك.واعلم ياأخانا إذا أردت أن تدخل فى شهداء المعارك لتنال إحدى الحسنيين بإحدى القتلتين فى ميدان القتال ، فاقتحم ميدان الرياضة والعزلة والانفصال ، فتحيا بإحدى القتلتين حياة الشهداء ، الذين هم أحياء بعد قتلهم وعند ربهم ، ولهم اتصال بأحبابهم ، ولهم فرح بهم وبقدومهم إليهم.
أما فى جنة عدنهم وإما فى مشاهدة ربهم ، ولكل أدراك وتوجه ، وانتباه واتصال وقرب ، وجذب وحب ، وامدادات وبركات ، ونفحات وخيرات.
وتهيأ ياعبد الله بروحك ، وأنصت بقلبك لما سيلقى عليك : ان حب الدنيا فى قلب المريد ]كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت[.
فحرك نسمات قربك الماحية لنعوتك. لتمحو معها بيوت عنكبوتك. فما حل إلهى فى بيت عنكبوت. لا ، والذى نفسى بيده حتى يموت ، فتخل عن سفاسف أمورك ، وانظر بعين قلبك إلينا وما سطرته يدك من سطورك.
]فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب[ ، ] هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب[. وان حجابك عنا رؤيتك لنفسك ، وغفلتك عن حظيرة قدسك ، وان سفاسف أمورك اشتغالك بدار غرورك أو ميول قلبك إليها لتغنى ، إذ كلما مال إليها مال عنا.
فلا ميول فى طريقنا لمن تذوق المعانى ، ودخل فى الميدان ، وظهرت له المرائى ، وصار هو المرئى والرائى ، وعرف ما لم يعرفه الغير ، وكان على جادة الطريق فى السير. عليكم بالأحزاب بعد تلاوة القرآن العظيم
فعليك بالأحزاب بعد تلاوة القرآن العظيم ، تتنزل عليك معانى أسرار السبع المثانى والحواميم.
ثم عليك بالأحزاب التى ما سطرها ولى فى أوراده ، ولا قدمها متقدم لأولاده ، فهى خطيبك الذى يهتز منبر قلبك لعظاته ، وشيخك الحاضر الذى تصغى بروحك لجواهر كلماته ، وغناك من فقرك ، وعلمك بعد جهلك ، وجندك الناصر ، وبأسك القاهر ، وسلطانك المجند ، وقصرك المشيد ، فإذا أهملتها فقد أضعت عزك ، وأوقفت سيرك ، وعطلت النجب واليعملات ، وحق لك أن تبكى عليك الباكيات.
وهكذا حال من ترك الأوراد ، واقتحم العقبة بغير زاد. وأدخل سيفه فى قرابه ، والعدو على بابه ، ونسى الحرب والمعركة ، ولم يذكر قوله تعالى : ]ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [.
واعلم ياأيها الإنسان إن أثمرت أشجارك بالورد. فبما أعطيناك من ورد ، وما شم منك من طيبها لا منك ، ومنا وإلينا لا عنك ، فلدينا بحار تعلو أمواجها ، ويعجزك عبور فجاجها.
أيها المريد أعنى على نفسك
فأعنى على نفسك بنفائس الأحزاب التى تطيب بها أنفاسك ، وتكثر حراسك ، وتزاد أنوارك ، وتطيب ثمارك ، ففكر فيمن وكلت إليه ، وكان معول سلوكك عليه ، نظراته تحييك ، وإمداداته تبقيك ، فحليهن به إذا وافاك ، وبإقباله عليك رباك.
وباقباله عليك رباك.
نعم قد أحالنا شيخنا إليه ،وأوقفنا بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ منه انشقت الأسرار ، وانفلقت الأنوار ، وفيه ارتقت الحقائق ، وتحقق به أهل الطرائق.
قال ابن الفارض رحمه الله تعالى :
فأدر لحاظك فى محاسن وجهه
تلقى جميع الحسن فيه مصورا
ليست لحاظ الرأس ولكن لحاظ القلب ، لمن جلسوا على كراسى القرب.
فنظروا بالجميع ، إلى هذا الشفيع ، صلى الله عليه وآله وسلم.
نظروا بالجميع وما حققول النظر ، فكيف لو نظروا إليه بالبصر؟
قال البوصيرى رحمه الله تعالى :
وكيف يدرك فى الدنيا حقيقته
قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
فايش تقول فى طريقنا هذا الذى مربيك فيه سراج العوالم صلى الله عليه وآله وسلم.
وإنها لنعمة كبرى ومنقبة عظمى تتضاءل أمامها الجبال الراسيات ، وتغتبط درر معانيها البحار الزاخرات ، وذلك مما اختص به طريقنا رب الأرض والسماء ]يختص برحمته من يشاء[.
ومن الوبال على المريد نسيانه شيخه وتعلق قلبه بغيره وقراءته لأوراد غير شيخه مع ترك أوراد شيخه ، فيقال له كما قال سيدى عبد لبرعى رحمه الله تعالى :
آثرت غيرى على لكن
كما يدين الفتى يدان
أو أن يأخذ عهدا غير عهده بأن يدخل طريقا غير طريق شيخه ، أما إذا تحقق وكشفت له الحجب ورفعت له الرتب حتى صار يقول : أمرنا بكذا ، فلا حجر عليه إذ ذاك.
فيكون مثله كالمقلد إذا بلغ رتبة الاجتهاد.
فتارة يكون مجتهدا فى مذهبه الذى درسه ، وتارة يكون مجتهدا مطلقا.
قوله رضى الله تعالى عنه :
وهذه القاعدة هى أساس الأعمال والأقوال كلها ، فمن تحقق بها ورسخ فيها كانت أحواله كلها مبنية على السداد ظاهرا وباطنا لا يدخلها خلل بوجه من الوجوه.
لأنها كالميزان الذى يبين المبهم ، فهذه القاعدة تبين للإنسان نتيجة العمل قبل الدخول فيه وتسمى النتائج التصورية وهى لا توجد لا عند من تحقق بهذه القاعدة.
لأنها تأمرك قبل العمل بفكرة ، تدخلك ميادين حضرة ، فيها نتائج الأعمال قبل الدخول فيها.
ثم هنا الإنسان إما أن يعلم فيرجع عن قبيح فعله لما علم ، وأما أن يعلم ولا يرجع ، وأما أنه لا يعلم فلا يرجع ، فالأول عاقل ، والثانى شبه مجنون ، والثالث مجنون.
فالذى علم سوء العاقبة من سوء العمل]فهو على نور من ربه[ والذى علم ولم يرجع فهو كما فى قوله تعالى : ]وأضله الله على علم [. ومن لم يعلم فهو ضال خاض مع الخائضين بلا علم ]وكنا نخوض مع الخائضين [.أى لا علم ولا عقيدة فهو منزل منزلة المجنون.
فمن جهل هذه القاعدة أساسا لهمله فقد فاز ، وأسس بنيانه على أساس متين] أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار ربه فى نار جهنم[.
ومن تحقق فى هذه القاعدة كانت أحواله كلها على الكتاب والسنة ظاهرا بمراعاة الظاهر وباطنا بمراعاة الباطن.
والظاهر : الأعمال والأقوال.
والباطن : القلب، وفى الحديث : " ... ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ".
وكلام السيد رضى الله تعالى عنه يدخل تحت قوله تعالى :" إن الذين اتقوا إذا مستهم طائف من الشيطان" أى وسواس " تذكروا" أن الله ناظر إليهم ]فإذا هم مبصرون[ سبيل النجاة ا هـ. جلالين.
قال سيدى صالح الجعفرى: " تذكروا " أى ذكروا الله مع وجود غفلة فنقلهم من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود حضرة ، فاطمأنت وجود حضرة ، فاطمأنت قلوبهم بعداضطرابها]ألا بذكر الله تطمئن القلوب[.
فلما اطمأنوا شاهدوا ، فلما شاهدوا جاهدوا ] وجاهدوا فى الله حق جهاده[ ، فلما جاهدوا واهتدوا ] والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا[ ، فلما اهتدوا وعدهم الحسنى وزيادة ] للذين أحسنوا الحسنى وزيادة[.
فلما زادهم جعلوا حبه زادهم ، واشتاقوا إلى وجهه الكريم ودعوه بالغداة والعشى] يدعون ربهم بالغداوة والعشى يريدون وجهه[.
فإذا النداء الأقدس من الكمال الالهى المقدس : أين المشتاقون إلى ؟ فجفت جنوبهم المضاجع ونورهم لمع ] تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا[ ، فسهروا الليالى ، وأضاءوا كاللآلى ، وشمروا قانتين ساجدين وقائمين ] أمن هو آناء الليل ساجدا وقائما[
فلما انسلخوا عن بشريتهم وتغلبت عليهم روحانيتهم ، فهؤلاء لا بد ان تكون أحوالهم كلها مبنية على السداد ، لأنها أحوال روحانية مجردة عن دسائس النفس ظاهرا وباطنا ، كصفة الروح فإنها نورانية ظاهرا وباطنا ، كذلك ما صدر منها أن يكون كذلك.
وقد نشأ الله المرسلين والأنبياء عليهم الصلاة و والسلام على هذا الحال فلم يصدر منهم خلل ما بوجه من الوجوه.
وهذه الصفة فى الرسل عليهم الصلاة والسلام حقيقية وفى الأتباع وراثية.
وكذلك كل ما صدر من خوارق وعلوم ومعارف فإنها بطريق الإتباع والوراثة.
وكان من اجلهم وأوسعهم دائرة فى هذا المقام نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ربنا الى الناس كافة ، فجميع الورثة من جميع الأمم إلى يوم القيامة هم وراثه تابعوه صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد أجاد شيخنا الشفا القطب النفيس مولانا السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه حينما وكلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتولى تربيتنا ، وقد شاهد كثير من إخواننا ذلك إلى يومنا هذا.
فاختص الله الآخذين لطريقه المحمدى بالتربية المحمدية.
وكأن السيد لاحظ حين تلقيه الذكر الخاص به وأنه فيه الجمع بين الحضرتين وهو : لا اله الا الله محمد رسول الله. وكذلك فى قوله: واجمع بينى وبينه إلخ ، ما يزيد على التربية لأن الجمع والملازمة يزيدان على التربية.
فامتاز هذا الطريق فى أوراده بهذه الميزات المميزات له ، وأن صاحبه كانت له القدم الراسخة فى المتابعة المحمدية الظاهرة فى جميع أحواله ، فكانت الرابطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رابطة قوية متينة. وقالوا : إن كل مريد يرث من مقام شيخه محاله على قدر اجتهاده واستعداده ووثوق الشيخ به.
نقل ابن الأثير عن سيدنا على رضى الله تعالى عنه وكرم الله وجهه أنه قال :" ان فى هذا الصدر لعلما لم أجد له لقنا لكن أصبت لقنا غير ثقة " ومعنى اللقن : الفهم.
قال مولانا العرف بالله تعالى الشيخ صالح الحعفرى رضى الله تعالى عن أجداده:
فالشيخ ينظر إلى ذكاء المريد وأمانته على الأسرار:وعدم اغتراره بها بعد ظهرها عليه ، ومراعاة الأدب مع الشيخ وحفظ مقامه ودرجته عنده ولا كان ليس بذاك. نعوذ بالله من ذلك.
كل ما يصدر من الشيخ غيث للمريد
واعلم ياأخانا هداك الله وهدانا : أن مثل المشايخ كالسحب تحمل رحمة الله المساقة لسقى القلوب المحمدية لتحيا بها الحياة الطيبة ، وأن رياح حبك وإخلاصك إليهم تسوق غيثهم إليك.
فرضاهم غيث ، ودعاؤهم غيث ، وأورادهم غيث ، وطعامهم غيث ، وشرابهم غيث ، واطعامهم غيث ، وخدمتهم غيث ، وتوجههم غيث ، وكلامهم غيث ، وثناؤهم عليك غيث ، وذمهم لك غيث ، وتأديبهم لك غيث ، وكل شئ حاصل منهم غيث.
فهئ نفسك لغيوث شيخك عسى أن تحيى ارض قلبك فتخرج من موت روحك إلى حياتها ، ومن غفلتها إلى التفافها ، ومن سجنها إلى إخراجها ، ومن قيدها إلى حلها ، ومن حرامها إلى حلالها ، ومن حلها إلى حرمها ، ومن حرمها إلى معرفة حرمتها ، ومن حرمتها إلى عرفات معرفتها ، ومنن معرفتها إلى فرط حبها ، ومن فرط حبها إلى حيرتها
كما قال سيدى ابن الفارض رضى الله تعالى عنه :
زدنى بفرط الحب فيك تحيرا
وارحم حشا بلظى هواك تسعرا
وبذلك تصل إلى ما وراء ذلك ، وتغيب عن ملك نفسك وجميع الممالك
وتفكؤ فى قوله تعالى : ] كل شئ هالك إلا وجهه[.
فتبحث بعد حياتك عن الحى ، وبعد فنائك عن الباقى ، فتدرك ببحثك كل شئ إلا الذى ]ليس كمثله شئ[.
فعند ذلك تكون حيرتك عبرة ، وجهلك حكمة ، وعجز قدرة ، وعدم إدراكك إدراكا.
ثم تفكر فى العرش العظيم وفى مكانه وزمانه فيرجع عقلك إليك عاجزا كليلا ، فكيف انت امام خالقه ومبدعه؟ قد أعجزتك روحك علما وهى بين جنبيك.
وهكذا عجزك عنها بين يديك دواليك.
فهل عرفت روحك ياابن التراب والسماء؟ أم وقفت عند جسمك الذى هو من طين من الطين والماء؟ وهل نظرت بعينك مقر رزقك وكيف ينزل عليك؟
فإذا عجزت عن شئونك فكيف تدرك من بيده الشئون ، وأمره بين الكاف والنون؟ فلا تحم حول الحمى فيقتلك الظما.
وفكر فى قوله تعالى : ]وما رميت إذ ولكن الله رمى [ ، فسبحان الظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم.
تذكرت روحى كيف روحى فلم أجد
لروحى سبيلا والسبيل هو الوقف
فكيف لعقلى أن يفكر فى الذى
له العقل مخلوق كذا الروح والكيف
له الملك والأملاك والعز وحده
له الخير والإكرام والعطف واللطف
على العرش رب العرش لكن كقوله
وليس لنا من بعد ما قاله وصف
قال السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه:
وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم :" حاسبول أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزن عليكم".
قال سيدى العارف بالله تعالى الشيخ صالح الجعفرى رضى الله تعالى عنه: جعل السيد رضى الله تعالى عنه: القاعدة الأولى كلها شرحا لهذا الحديث ، وغنه لشرح عظيم مطابق لمعنى الحديث.
فإذا رجعت إلى القاعدة من أولها علمت ذلك ، والله الموفق إلى سواء السبيل ، وهو حسبى ونعم الوكيل.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin