قال الشارح صاحب الكتاب :
فجعلت هذا الكتاب المسمى بعنقا مغرب بيانا لمعرفة هذين المقامين
مقام الإمام والختم
ومتى ما تكلمت على مثل هذا المذكور فانما أريد بذلك
أن أذكر العالمين عالم الأكوان وعالم الانسان ليتبين
الغرض من المضاهاة ويظهر الأمر المقصود فى ؟؟؟ مع
من العالم الكبير ومضاهاته مع العالم الصغير والمراد به
فى الذى يتوصل به إلى معرفة الله تعالى هذا السالك يعرفه
ويعقله ويكون سببا لمعرفته ثم أضاهية ومقابلته أيضا
بسره العجيب المودع فى صغر حجم هذا الانسان وأبين الذى
ينكره والذى يجهله وهذا الذى أذكره من الأكوان فى الخارج
فليس هو غرضى ولا غرض كلما اتصف فى هذا المعنى ولا فى هذا
الفن يعنى فى فن علم التوحيد ومعرفة هذا العالم الانسانى لأن
معرفته مقيدة بمعرفة الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم من
عرف نفسه فقد عرف ربه لأن قوله فقد للتحقيق يعنى عرف ربه
حقيقة وأما ذكر الملاحم لأن الكفار ما عرفوا الله تعالى إلا
بعد الجهاد وكذلك كفار الصفات المذمومة باطنا ما انكشف
لهم الحق إلا بالجهاد فى قمع الأخلاق المذمومة لأن الله تعالى
أمرنا بها على سبيل التعريض قال تعالى { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } أي طريقنا الذى يصل به إلينا وأيضاً أبين
معرفة ما ظهر من الأسرار فى هذا الكتاب الكون المفصل
المفرق وإنما الغرض هذا الشكل الانسانى والهيكل الجثمانى
وفى ما وجد فى صغر حجم هذا العين الانسانى وما انحصر فى
صغر حجم هذا الشخص الآدمى المخلوق من ماء وطين وإنما سمى
انسانا لصفة عرضت له فنسى أمر ربه فقال تعالى { وَلَقَدْ عَهِدْنَا
إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }فأخبرنا أن النسيان عرض
له واسقطه من درجة أولى العزم فالآن فحقق ما المراد منك
ودقق نظرك فيك أيها اللبيب العاقل فإن العاقل من عقل
عن الله تعالى ما يراد منه وتنبه أي الغافل عن الالتفات
إلى غيرك فإن الكفو فيك يدلك على معرفة معبودك فإنك
إن التفت إلى غير هذا هل ينفع غدا فى المقام بين يدى الله تعالى
فى الأخرة وهل ينفعك كون السلطان فى أحكامه عادلا أو
جايرا وهل ينفعك كونه عالما أو جاهلا أو شحيحا أو باذلا
لا والله يا خى إنما أنت مأمور بالمعرفة والخضوع بالمذلة
لحقه قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } والعبادة
لا تكون إلا بالمعرفة ولهذا قال بعضهم معناه ليعرفونى
والمعرفة لا تكون إلا بالذل لأنه سبحانه انفرد بالعزة والعظمة
بالعزة والعظمة فهما من شئون الرب والذل والمسكنة
من شئون العبد قال تعالى أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلى
وفى حديث آخر المنكسرة قلوبهم والمندرسة قبورهم وقال
الشيخ زين الدين عمر بن الفارض رضى الله عنه *
*ولو عز فيها الذل ما ذلى فى الهوى * ولم يكن لولا الذل فى الحب عزتى *
أي ان عز فيها الذل فأنا ليس العز مطلوبى وإنما أنا أريد الفنا
الكلى مع قطع النظر إلى العز والذل ومقامهما وأريد رضى
المحبوبة فأنا خرجت عن طور العقل ومراداته والنفس
والتفاتها إلى غير المحبوبة فما الفايدة إلا فى الأمور الأخروية
وهل فى الالتفات إلى غير الله تعالى فايدة حتى انظر إلى ذلك
السلطان الجاير والعادل وأقول متى وإلى أي متى تولى وأمر هذه
الولاية والجند على هذه الامصار واجعل عقلى اماما على
اقتدى به فى هذه الأمور والبحث عنه واطلب منه البحث عن
الآداب المستنبطة من الأحكام الشرعية وإذا اشتغلت
بهذه الأشيا متى ينصلح ما فى باطنى ومتى يستقيم ظاهرى
وإذا حصلت هذه المناقشة والتفت إلى هذا المعنى وقلت
أنا أبايع رسول الالهام الذى جاءنى من نفسى وأبايعه بالصدق
فى الجهاد على إصلاح ما بدى منه من خلقى وإيجادى فى أولى
ورشدى إلى انتهاءى وآخرى وكل هذا فى معرض الاستفهام
فكأنه جرد عن نفسه من يخاطبه نيابة عن الغير فى معرض النصيحة
ثم قال فمتى لم أجعل هذا الذى قلته لك نظرى الذى أقصده
واعتمده وإلا هلكت وأذهب نفسى فى غير مرادها وهو بخلاف
مراد الله تعالى قال تعالى{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ
عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }ومتى ما اعرضت عن اللهو
والاشتغال بأمر الناس من حسن أو قبيح فشلت عن مراد الله
تعالى فاعرضت عنهم حتى تمكنت حينيذ من أمر نجاتى التى هى
مآلى ومعادى وتملكت مدينة وجودى وحكمت على جميع اعضاءى
ظاهرا وباطنا إذ أشار لنا بذلك صلى الله عليه وسلم كيف
وقد قال صلى الله عليه وسلم فى معرض النصيحة وهو يخاطب
بذلك جميع أمته حيث يقول كلكم راع وكلكم مسئول عن
رعيته أشار صلى الله عليه وسلم بالمجاهدة للانسان فى نفسه
من حيث حواسه ظاهرا وباطنا وجعله راع لها لأنه مطلوبا
بالحق فى ظاهره بالأوامر والنواهى الشرعية وفى باطنه بنفى الصفات
المذمومة ليحصل له الصفا والاخلاص ليرقى درجة الولاية لأنها
انما تنال بصفات القلوب لأن القلب إذا زال عنه الران أشرق
على عالم السر وبلغ ما له فى عالم غيبه ونفذت الروح بذلك
الصفا فى عالم حسه وبما اغترفته من الفيض فى عالم معناه
وهو عالم غيبه لأن هذا الأمر شاهد لكل أحدٍ من هذه الأمة
إذا نام رجعت الروح من الحواس الظاهرة ونفذت إلى عالم
الغيب من الحواس الباطنة وحصل لها التجلى بالرؤيا فى عالم
الخيال فإذا استيقظ نفذت الروح فى اليقظة بما حصل لها
قال الشيخ ابن الفارض قدس سره *
وما ذاك إلا النفس عند اشتغالها * بعالمها فى مظهر البشريتى *
تجلت لها بالعين فى شكل عالم * هداها إلى فهم المعانى الغريبة
فإذا استيقظ رجعت الروح ونفذت فى الحواس الظاهرة وإذا
نام نفذت فى الحواس الباطنة ورجعت الروح إلى عالمها
الأصلى التى كانت فيه روح مجردة وصار الجسد كالبرزخ
بين عالم النوم واليقظة فالعارف إذا تجردت نفسه
عن مألوفاتها البشرية حصل لها الحسرات سواء كان
فى النوم أو فى اليقظة قال الشيخ عمر قدس سره *
وقل لى من التى عليها ؟؟؟ * وقد ركدت منها الحواس بغفوتى *
وذلك إذا ركدت الحواس الظاهرة فتنفذ الروح من الحواس الباطنة فتبقى عند ذلك روحا مجردة فترجع إلى عالمها فيتجلى لها نور ربى ويأذن لملك الرؤيا أن يجرد من نفس الراءى مثالا يكون مبشرا فى اليقظة وفى الحديث كل ليلة ينزل أمر ربنا إلى سماء الدنيا وينادى عبادى هل من تايب ، فإذا كان الأمر على هذا الجد فالجهاد فى الظاهر بالعبادة وفى الباطن بنفى الأخلاق الذميمة والاشتغال بتحصيل درجة الصفا أولى ولهذا لزمنا إلى الجهاد ظاهرا وباطنا ولزمنا الوفاء بالعهد الذى أخذه علينا فى عالم الذر ولهذا شرع لنا النبى صلى الله عليه وسلم الدعاء فى الطواف بالبيت عند تقبيل الحجر أن نذكر الوفاء بالعهد بأن نقول اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك يعنى الذى أخذته علينا عند قولك { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } فلما أقر من أقر وأنكر من أنكر قال امسحوا بأيديكم على هذا الحجر وحكايته مشهورة أنه كان فى الابتداء ملكا شاهدا على آدم مسخه حجرا لهتكه حرمة آدم ثم أنه أنزله إلى آدم تعظيما وقال له امسح دموعك به فلما مسح ظهر آدم وأخرج ذريته إلى يوم القيامة على هيئة الذر قال { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ }
فكل من آمن أمره أن يمسح بيده على الحجر لأخذ العهد فأخذ علينا به العهد فى عالم الذر وهو الآن يأخذ العهد علينا به فى الطواف وأشار إلى هذا
بقوله صلى الله عليه وسلم أن الحجر يشهد لمن قبله بالبراءة ولولا أن يكون ملكا ما كان يشهد بالبراءة فإن الحجارة فى البيت كثيرة ولكنها لم تكن مأمورة بحمل العهد ولكن من حلم الله تعالى أن يشهد لك بذلك فى الآخرة فما لنا لغرض نفرط فى الأمور التى هى سبيل طريق النجاة وهو ظاهر قويم لكل عارف سالك ونتبع النفس والتفاتها إلى الخسة الدنيوية ويقع منها بأحط المراتب والدرجات والحال أنها المطية إلى كلا السبيلين فإما أنها من الفايزين وإما من الخاسرين فإن كانت من الفايزين فهى فى أعلى الدرجات لهم جنات عند الله وإن كانت من الخاسرين فهى فى الدرك الأسفل من النار ما هذا فعل من قال إنى عاقل تقريع وتحذير لمن جرد من نفسه أو لمن يريد هذه المراتب مع التفاته إلى السلطان ولعدله ولظلمه والبحث عن أموره وتجنب هذه المعاقل التى هى سبب نجاتك فى معادك وتعقلك عما ؟؟؟؟ يوول بك إلى الدركا ويوصلك إلى أعالى الدرجات ثم تأمل فى كتابى هذا تجد ما يعرفك مرامك ويعقل عليك ضالتك فمتى ما ذكرت من أمور التربية فى كتابى هذا يعنى عنقا مغرب أو فى غيره من المضاهات إنما أريد به حادثا من حوادث الأكوان الحادثة لتكون على بصيرة ما أنبهك عليه وما أريده بك وما أريده منك فإنما غرضى منه أن أثبته كالمثال فى سمع السامع وغرضى منه ما يقابله من ذلك الحادث أو الحادثة التى تحدث فى الكون من ذكر الملاحم فإنما أذكره واقابله بالملاحم الباطنة كل حادثة بما يقابلها من حرب وتكون بمثله وفى فتح حصن فإنما نريد به فتح المدينة الانسانية فإن أشرنا إلى حرب إنما نريد به المحاربة مع الشيطان وصفات نفسه المذمومة فى الانسان وفى كل ما يقابله فتصرف النظر إليه قال تعالى { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } وتنظر فيه وفيما يؤل إليه إلى ذاتنا من الأمر المهم الذى هو بالنسبة إلى غير غفلة وإلينا سبيل إلى طريق نجاتنا فإن كنت ممن عليه بالتوفيق فامشيه بهذا المنوال الذى وصفته لك بكليته المشتملة على جميع أجزايه من حيث المقابلة بكل جزء فى هذه النشاة إلى الخلقة الانسانية التى أكرمك بها على حسب القابلية وما يعطيه ذلك المقام بحسب جسمانياته وما فى وما فى ذلك من تعلقه بالأمور الحيوانية وأما تعلقه بحسب روحانيته المتشكلة فى عالم الخيال تارة فى صورة الملك وتارة فى صورة الروحانى وتارة فى صورة الحيوان وتارة فى صورة الانسان فصورته قابلة للتشكل وقابلة لكل ما فى العالم فإياك إنى أحذر أن تتوهم أيه الأخ الراغب المحب الشفيق الناظر فى كتابنا والمطلع على كلامنا ان غرضى ومرادى من كتبى كلها هذا الكتاب وغيره مما يمكنك الاطلاع عليها أن تفهم منها الكلام فيما خرج عن ذاتى أو تفهم غير ما أريده من غير صفاتى المنحصرة فى هذا العالم الانسانى أن نلحظ فيه من الأمور التى هى غير سبيل نجاتى فإن إلتماسها نجاتى فى المقام بين يدى الله تعالى فإنها وقاية من العذاب فى الآخرة قال تعالى { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }
ثم لما فرغ من النشر اتى ببراعة الاستهلال نظما لتأكيد ما تقدم ولزيادة البيان فقال فما أبالى الغاء الجواب إذا وتقديره إذا نفسى التى بين جنبى أن تساعدنى فما أبالى فيما أطلبه على سبيل النجاة من الهلكة بمن قد فاز من الطالبين بحق العبودية أو بمن هلك منهم فانى ان باليت فلا يفيدنى شئ كمن هو خايف وقال حصن فإنه لا يمنع العدو بمجرد قوله حصن وكذا لو قال اليايس من الدنيا ألف دينار لا يستغنى فأنا ما أبالى إلا بنفسى التى بين جنبى ثم التفت يخاطب الشخص الذى جرده من نفسه وهو انسان وجوده فقال فانظر أيه السالك إلى ملكك الأدنى أى الدانى إليك فإنه أقرب إليك من البعيد الخارج عنك وهو أولى بالتفكير والاعتبار من غيره تجد حينيذ فى كل شخص من أشخاص العالم على أجوايه ملكا موكلا به وقد ورد فى معنى قوله تعالى { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ } ملكان يتعاقبان الملكين الموكلين بعمل النهار وهما الملكين الموكلين بعمل الليل فانظر فيما لك أي عملك قبل أن يوزن عليك بالعدل فإنك إن عاملته بالعدل عاملك بالفضل والاكرام قال تعالى { ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ } واستقم بما يريده شرعا واجعل الاستقامة لك على الدوام والمراقبة فى كل آونة أي فى كل أوان فإن رجح ميزانك بان لك الطريق فالزمه واسلك به أي الطريق الذى زنته واجعله لك إماما وسر خلفه فإنه نعم الدليل مزاين وفى نسخة من حيث ما سلكا من طريق الحقيقة والشريعة فـأي طــريق كـان فـقد نـاداه مـنه بـقـوله " وَمَـا آتـَاكُمُ الرَّسُــولُ فَخُـذُوهُ وَمَــا نَهــَاكُمْ عَـنْهُ فَانْتَــهُـوا " وإن سـلكـته مـن الحـقيـقة قال تـعالى "رِجَـالٌ لَا تُـلْهِـيهِمْ تِجَــارَةٌ وَلَا بَــيْعٌ عَـنْ ذِكْــرِ اللّـَهِ " "رِجَـالٌ صَــدَقُوا مَـا عَاهَـدُوا اللّـَهَ عَـلَيْهِ فَـمِنْهُمْ مَنْ قَضَـى نَحْـبَهُ وَمِـنْهُمْ مَـنْ يَنْتَـظِرُ وَمَـا بَدَّلـُوا تَبْـدِيلًا " واحـذر من التلبـيس ولا تـكن مــاردا تتـلبـس بصــورة الإنســان في جـثـمان الشــياطين وتسـعـى فـي أمــورك بمـفـسدة تلقـيـها فـي ســلك ذاتـك وقلبـك الـذي هــو مــهد التجـلي الإلهـي لكي اســتدراك كـن فيه كـمن هـو في وجــوده مـلكـا فــإنك إن تجــردت عـن الشهـوات والالتـفـاتـات النفــس فتــملك وجـودك ويحــصل للـروح الترقـي في الأعـمال الصـالحة فتكـون فـي مـقابلة المــلك بســبب المـداومـة عـلى العــبادة ثـم شــرع يخـاطب من يطـلب طــريق التوحـيد وقـال فليتـأمـل ولــي أي مـن اسـتولى هـذا الكـتاب المشـتمل عـلى الحـكـمة وهـذه المدينــة الإنـسانيــة فـإني أذكــر الأمـرين اللذين هـما العــالم الأكــبر المتفــرق الأجــزاء وأجــعـله كـالقشـر صــونا بمــنزلة الوعــا يســتدل بـه من قصـر فـهـمه وأجـعل مـا يـقابـله من العـالم الأصــغـر مـن الإنســان كـاللبــاب ومــاذا تـصــنع بالقـشـر مـع فـــقدان
اللب فإنـه لا يخــفـي للســبب الذي أشــرت إليــه في هـذا الكــتاب وذكـرته بـشـرط أن يتـبـين السـامـع كــلامـي الذي وضـعتــه مـن كــتابـي ومـا يجـعـله من صــفات الباطــن فلينــظر في الشـيء الذي يـعرفـه فـي الخــارج ويدركــه ولا يـدر مـعـانيـه وهـو يشـاهــده ويعـقله ولكــن لا يــصل إليــه ولو وصـل إليـه بالتـدبير والاعــتبار ودقـق الفــكر وفــهمه وكــان على بصــيرة يــناله بـها دون ذكـرى لهــذه الأمـثال وقـولي إيــاه أي مـن تــلقاء نفــسي مـن غــير أن أتعــرض لـها مـا لحــظت سـاعة من السـاعة محــياه وجـهه الذي أوجــهه لك ولا تعــرضت لذكــره ظـاهـر أو لا عــرضت قـدر لمحــة بـارق أي مـا دللـت قـدر مـا يلمــح من رويـة البـرق عـلى معــناه ولكـن لمـا رأيت الهــمم قاصـرة عن إدراك المـعانـي الـتي لــها أعـانـي ولا تحــسبـني أذكـره حـقيقـة فـإنمـا أسـوقـه عـلى طــريق المجــاز وأمــثله أمـثالا أجـعـلها للتـقريب إلى فــهمك فـإن المـعـانـي لا يمـكـن تجــسيمها وإنمـا أجـعـل المـعانـي في ضـمن تـلك الأمـثال وهـي مـندمجـة في صـغر حجـم الإنسـان فالأمـور الخــارجة إلـى العـالـم قـوالـب المـعـاني ألا تـرى أن اللـه تـعالى إذا أراد أن يبــشرك في النــوم بمـا يحـصل لك في اليقظــة يجــسم لك المـعـانـي فـي عــالـم الخــيال لتكـون قـالبا لتحـصيل المـعـانـي المبــشر بـها في اليقـظة وإنمـا أراد سبــحانه بذلك التــقريب إلـى فـهمـك فأردت أنا أيـضا إبــراز هـذه المـعـاني تـقريبـا لفـهـمك جـمـالا ومجــالا نجــول فـيه للتــهذيب فـي نفـسك ومجـاهـدتـها وســا أي السـاعـة لمـا فـيـه من الدلالــة لأن الحــرف إذا كــان مفـهما عـلم باقـيه كالـزاي من زيـد وتـقديـره السـاعـة أورد ذلـك وأبـالـغ فـي الإشــار إليـه إن شـاء اللــه تـعالـى فإنـي لا حـول لـي ولا قــوة إلا بمشـيئتـه في هــذا الكــتاب وغــيره من لآلـي الأصــداف ولأن الألفــاظ أصــداف والمــعـانـي لآليــهـا ونواشــي التـناوش التــناول والانتيــاش مــثله قـال تـعـالى " وَأَنَّــى لَهُمُ التّـَنَاوُشُ مِـنْ مَكـَانٍ بَعِـيدٍ "
يـقـول أنـى لـهم تـناول الإيـمان فــي الآخـرة وقـد كـفـروا بـه في الدنيـا ولك أن تـهـمز الـواو كـما يـقـال أقـتت ووقـتت وقـريء بـها جـميعا ويـقال نشــته خــيرا أي أنلتــه وإنشـاوهـا وإيجــادهـا فـيتـناوله مـن الأعــراف أي المـعـرفـة القايــمة بالمـعـانـي وقـيـل العــراف الســواري يتـناولـها مـن وراه الســور وهـو المـذكـور في سـورة الأعــراف الـقـايـم بـين الجــنة والنـار اللتـــان هــما مصــير الفـريقـين وكــذلك الـــواردات التــي هـي أصــداف لآلـيء نشــأت مـن مضـاهـات الأكــوان وهـي أمــثال نصــبها الحــق لعبــاده المؤمـنين الذيـن رســخ في قلوبــهم الإيمــان ليــزدادوا إيمــانا والعـارفـين يـزدادوا مـعـرفة وجـعلهـا لهــم حـبالة لمـن يكـن بــها صـايد لتـلك المـعـاني التـي هـي بمـنزلـة اللآلـي وأصدافـها بـمنزلة الحـبايـل ونصـبها تـعالى لتـكـون المـعـاني تحـفـة يجـتنيها من كـان قـاصـد الغـوص مـن هـذا البحــر لإخـراج هـذه الأسـرار ونصـها أيـضا عــبرة يعــتبر بـها مـن كـان لبــيب عـاقل قـال اللـه تـعالى " إِنَّمـَا يَتَذَكَّـرُ أُولُـو الْأَلْبَـابِ " أولـوا القـلـوب والعـقـول ونصــبـها مـلاطـفـة يـلاطـفـه بــها مــلاطــفـة حــبيب لحــبيبه لقـوله تـعالى في الحـديث القـدسـي " ما تقرب إلي عـبدي بأحـسن ما افـترضـته عـليه فـلا يــزال يتــقـرب إلــى بالنـوافـل حــتى أحــبه ؟؟؟ والحـبيب الأعـظم صـاحـب الشـرع العـالي المـقـدار صـلى الله عـليـه وســلم بحـر طـامس لجـميع الشـرايع وبحـري مـثل محـمد صـلى الله عـليه وسـلم ورأسي غـاطـس فـيه يخـرج مـنه اللآلـي والجــواهـر النفـيسـة الثمــينة التــي لا يمــكن أن يخـرجـها غـير البحــر لأنه مخــصوص به وبإخــراج جــواهــره أزلا وهـي لآلـي إشــارات مـعاينـة فـي أصـداف ألفـاظ عــبارات مجـموعة لأنه صـلى اللـه عـليه وسـلم أعــطي جـوامع الكـلم
فـمن ذلك البحــر الذي أخــرج لنـا مـنه مفـتاح حجـة ومـا فـيه مـن الأســرار الظـاهـرة المشـيرة إلى لجــة وإيضــاح محجــة من الأســرار البـارزة من البــيت الأعـظم لمـن قصـده في تـلك الأسـرار البـاطـنة التــي يقذفــها الله تـعالى بواسـطة الإلهــام بـعـد المـشـقة مـع عــدم الوصـول إليـه دونهـا فـأشـار إليـه بقـوله ولمـا لـم يتـمكـن القاصــد مـن الوصـول إلـى البــيت العـتيق الذي هـو الكـعبة وإنمـا ســمي عـتيقا لعـتق من طــاف بـه من هــذه الأمــة وقيـل عــتيق لسـبـقه بالبــناء عـلى وجــه الأرض فـهـو أول بـيـت وضــع للنـاس قيـــل إن بــناءه قبـل آدم بنتــه المــلايكة وقيــل من قبــل خــلق الدنيــا وهـي درة كـان فيـها مكــان البــيت وكذلك البــيت الذي في وجــود العـارف فـلا يـمكن أن يصــل إليـه إلا مـن كـان قـادرا عـلى المسـير حـتى يقطـع الطــريق وكـل فـج عـميق يعـني البـعيد الذي لا يمــكن إلـى أقصــاه إلا بالشـق الأنفـس وكـذلك من أراد الوصــول إلى البــيت الأعـظم الذي نســبت عـظـمته إلى صاحــب العـظـمة سـبـحانه وتـعالى حـيث قـال في الحـديث القدسـي " مـا وسـعـني أرضــي ولا سـمائـي ووسعـني قلب عـبدي المؤمـن " من غـير حـلول ولا اتحـاد فـهو أيضـا عـتـيق لأن مـن حــصل له التجـلي الإلهــي عـتـق من النار
وهــيهات أن يصـل إلى هذا البحـر العــميق إلا مـن تـرك جـميع الأخـلاق المـذمـومة ويتـرك الإلـف الذي ألفـه أو يركــن إليــه من والـد وولـد ويتـرك الوطــن الظـاهـر فـي طـلب الوطـن الباطـن الـذي يصـيره إلى منـازل القـرب الذي أثـنى عليه صـلى الله عـليه وسـلم بقوله حـب الوطـن مـن الإيمـان ويهـجر الخـلة والأصحـاب ويتـرك الظـعن أي السـير إلى غـير مـرضـاته قـال تـعالـى " يَوْمَ ظَعْنِكُمْ " ولا يـقال ظـعـن إلا للإبــل التـي عـليها الهـوادج كـان فـيها نسـاء أو لـم يكـن
قال:
قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِيْنَا ... نُخَبِّرْكِ اليَقِيْنَ وَتُخْبِرِيْنَا
فـإن كـان مـن يظـعـن إلـى البــيت الحــرام ويفـارق الأهــل والـولد أي لا يجـعـل له التـفـات إلى ســواه ومـتى التـفت إلى غـيره فـاتـه المـقصـود ألا تــرى إلـى ســـيدنا إبراهـــيم عــليـه الســـلام لمـا التـفـت إلـى الولـد أمــر بـذبحـه فـلما فـرغ إليـه قـلده رد عـليه ولـده فكـذلك قاصـد البــيت لمـا تـرك جـميع التـفاته وقطــع المراحـل وألـف الصحــراء ويسـتوحـش مـع المـشـقـة والنصــب في ســيره إلـى البــيت الحــرام مـن كـل أحــد من النـاس لاحـتمـال الغــفـلة عـن التـلبيـة والتكـبـير عـلى كـل شـرف والتـسبيـح في كـل واد حـتى إذا وصــل فـي ســيره إلـى المــيقـات الذي هـو مكــان إحـــرامـه
ولاحــت له أنــوار المـلاحــظات خـرج بوصـوله إليـه مـن رق الأوقــات التــي كــانت تستــعبده بشـهواتـها وانسـلخ من لبـاس الخــيلا وتجــرد من مخـيطه إشــارة إلى الخــروج عن الدنيــا ولبــس الواجــب وهـو الإزار والـرداء وهـو إشــارة عــما ســوى اللــَّــه تـعـالى مـن مـألوفـات نفــسه والتـردي بالمـأمـورات ويكــون فــي ذلك كــمن خــرج مـن تركــيبه الجـثـماني إلـى بســيطه الروحـانـي وأخـذ يكـبر ويسـبح ويلبــي من دعــاه وَأَذِّنْ فِي النَّـاسِ بِالْحَـجِّ يَأْتُـوكَ رِجَـالًا وَعَـلَى كُـلِّ ضَـامِـرٍ يَأْتِـينَ مِـنْ كُـلِّ فَـجٍّ عَـمِيقٍ لِيَشْـهَدُوا مَـنَافِعَ الحـج ومن شــوقه إلى الفــوز بالمـنافع فـنسـي مـا كـان يجــده قبـل ذلك ممـا دعــاه واكـتسبـه مـن الهــفـوات واســتبـدل بــه القربــات وبــدلت بالتــوبة الســيئات حــسنات وصــعـد كـــدآ بالفـتح والمــد وهو أكـام بـقـرب مـكة فـإذا صــعـده ورقـا أعــلاه لاح له نـور الولايــة ومــنازل الـقـرب ومحـل نظــر الحــق الذي هـو عــلم الهــدى المقصــود المطــلق بالتـوجـه في جـميع أنـواع العـبادات وكـذا إذا أتـى البــيت المقصـود بالمضـاهـات فـإنه عـلم التـوحـيد والصـلة باللـــه تـعالى مـن كـل جـهـة أتـيتـه فـإذا دخــل الحــرم أي الأرض المحــرم فــيها الصــيد وحــرم مـا كـان عــليه حــلالا مـن عـقد نكـاح واصطـياد وقطــع شجــر وكـذلك إذا دخـلت حــرم وجـودك
وهـو مـوقـع الأسـرار المـودعـة فـيك بالقـوة ولـم تـعـقد نكــاح شــيـطان بنفــس والاصطــياد للصـفـات المـذمـومـة ولا قطـعـت شجــرة التـقـوى ولثـم الحجــر أي قبلـت الحجــر الأســود الذي هـو حجـر بهــت بيتـك وقبـل تقبـيله تذكــره العــهد الذي كــان مـيثـاق الأزل أي الذي كــان مــنك فـي وقـت أخــذ المـيثـاق وقـل عـند ذلك اللهـم إيمــانا بــك ووفــاء بعهـدك الذي أخـذته عـلي عـند أخـذ المـيثاق بـهذا الحجــر حـين قـلت لي أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ وكـذلك المضـاهـات بـعـالم أَلَسْـتُ فـإنـي لمـا كــنت فـي كــتم العــدم فـأوجـدني فـي الخـلق الأول وأبـرزني إلى عــالم التركــيب وأمــرني ونهــاني فـإذا عــرف هــذا وطــاف بكـعبة أحـاط حـينيذ بالمــناسك الظـاهـرة والمـناسك التـي حـصلت نشـأتـه أي بإيجـــاده فـي خـلقه الأول ومــناسـكه البـاطـنة وهكـذا فـي جـميع مـناسكه ظـاهـرا وبـاطـنا بطــريق المـقابـلة لممـلكة وجــودك وتمـشـي عـلى مــا ســلكته مـن مــسالكه وقابــله شــيا بشـيء وكـلما يكــون مـن المـناسـك ظــاهـرا اجــعله بـاطـنا مـع مـراعـاة المـقابـلة فـذلك هــو المطــلوب والحــاج الـذي يهــنا فـاعـله بالقبــول ولـــولا السـآمة وخــوف المــلل مـن قـارئه والمـتأمـل فـيه لعـرفـتكم بــه وبجـميع المــناسـك الواجــبة والمـندوبة مـنسكـا مـنسكـا عـلى سـبيل الاســتقرآ ظـاهـرا وبـاطـنا إلى آخـره من جـمـيع مـناســك الحــج ثـم شـرع يذكــر الســبب المــوجب إلى ابتـدايه بفـوايد الحــج قـال وإنمـا ابتــدأت بـه في أول شــروعي في هـذا الكــتاب المســمى بـعـنقا مـغـرب بنكـتة الحــج والتنكــيت مـا يفـرع عـلى الأصـل أي في معــناه أي الحــج من المـعـانـي الباطـنة وسـبب ذلك تكــرار القـصد وهـو النيـة في المنـاسـك إلى الواحــد الفـرد ولمـا كـان الحـج في اللغــة هـو القصـد كـما يقال رجـل محجـوج أي مقصـود وقـال بعضــهم
وأشهد من عوف حلولا كثيرة ... يحجون ست الزبرقان المعصفرا
وهـو لكـثرة الاخـتلاف إليـه هـذا هـو الأصـل ثـم تعــورف اسـتـعماله في القـصد إلى مكـة للنسـك تـقول حججـت البيـت أحجـه حجـا فأنا حـاج وفيـه إشــارة إلـى المـناسـك ليسـت مـقصـودة لذاتــها بـل لمعـانيهـا التـي هـي بالعـرض لتحصـيلها ولهـا مـقابـلات فـي عــالمـك بمنســك القصــد الأعــظم إلى الله تـعالى في أول مـقام يطــلب لكـل طــالب ؟؟؟ في أول طـلبه أو لكــل من يحــاول أمــرا أي في الأمــور البـاطـنة المـشرفة عـلى الأســرار الواردة من حــضرة الجـانب الأكـبر فأنا يعــني الشــيخ بنفـسه أريد أقصــد أن أوضــح من الوضــوح وهو الظــهور لك أي الراغــب في هـذا المــسلك أو فـي هـذا الكــتاب مـعـاني أسـرار مدخـرة في فـضا كـتم أرض وجــودك فـإذا بـاشــرتها بالحــرث والبـدر أشــرقت عـليها ســماء الأســرار واشــتاقت للرتـق الذي انفـصلت عنه ومن شدة اشتياقها إلى تلك المصاحبة القديمة فتبكى وأرسل سماوها سحابا متراكما فينزل عليك هنالك مدرارا فاكتسبت عند ذلك أرض وجودك من سماء أسرارك صفاتها وبرز منها معانى الكامنة المقصودة لذاتها وانقلبت من صورة المعانى إلى صورة الجسمانى قال تعالى }أَنَّ السَّماواتِ وَالأَرضَ كانَتا رَتقًا فَفَتَقناهُما { فهى فى كل عام تتفكر تلك الساعة التى كانت بينهما فى حالة الرتق فتشرف عليها وترسل دموع سحابها وكذلك إذا اشرفت الواردات بالأسرار المستفيضة من حضرة القدس امطرت سحاب الرحمة على وجودك لأجل ذلك العهد الذى كان بينهما فأنا أوضحت لك أولا قصدى الذى أقصده لتجعله لك سبيلا تسلكه وقد جعلته لك قصدا شرعيا ومقاماً جمعياً من جهة الحج ومناسكه والحج الأكبر من حيث المعانى الباطنة التى هى موقع الأسرار الربانية فإنه يعنى الحج والمناسك الشرعية القايمة بها الحوايج الجسمانية إذا كان القصد إليها بهذه المثابة وهذا المقدار من الثواب والأجور العظيمة فى هذا المعنى وهو أول مراتب البداية فى العبادة مع عدم فرضه على العموم وعدم رده الفريضة ثانيا بتردد الحاج إليه بهذا الشان فما ظنك ايها السالك بالنهاية التى بدايتها ملاحظة الظاهر بالقصد ونهايتها ملاحظة البيت الأعظم الذى هو القلب وما يقذف فيه من الالهام مع عدم قطع الشواغل والتفاته إلى محل نظر الحق تعالى فإنه القلب وهو كعبة وجودك إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ولاكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم وأين من يقدر يحصى قدر هذه الغاية ونهايتها فإنها ليس هى مقصودة لذاتها وإنما هى حبايل يتوصل بها العارف مع العجز[وَمَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ] أي ما قدروا نهاية عظمته .
ونهاية علمهم إلى السموات وهى مطويات بيمينه سبحانك ما عبدناك حق عبادتك والسموات ومن فيهن يحمده ويثنى عليه ولولا ما حمد نور الشمس واثنى عليه لم يكن لها من الزيادة فى النور ما يمدها ذات بدره لأن ضياء القمر إنما هو مكتسب من نور الشمس فإذا كانت الشمس حمدت واثنت عليه حصل لها من الزيادة فى النور ما تمد به نور القمر فإذا غفلت الشمس عن التحميد حصل لها الكسوف وذهب نورها وكذلك القمر إذا غفل عن التحميد سبقته الشمس عند حيلولة الأرض فينخسف ضياه وحجبت ذاته وكذلك العارف حمده بالروح التى هى شمس عالمه استمدت الجوارح ذلك وهى ذات النفس فإذا حصل منها فترة عند بعض التفات النفس إلى الشهوات انخسف ضياءها وزال نورها فشرع لك الشارع بطريق الندب صلاة التوبة بالتضرع والابتهال وعلمك ذلك وجعلها لك سنة وأشار إلى أن الذنوب تكسف شمس التوحيد وتخسف قمر الإيمان وأن الصلاة النافلة جلا وهما قيامين طويلين فى كل قيام ركوعين وهى إشارة إلى عدم الملل من النوافل فإنه ورد ما تقرب إلى عبدى بمثل أداء ما افترضت عليه فلا يزال يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه .
فألق السمع أي اسمع ما أقول لك وتراه فى كتابى قال تعالى} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ { أي ألق سمعك لما أقوله واشهد لما أشرت لك من مقام الجمع بين المناسك الظاهرة والمناسك الباطنة واجمع بين أجزاء الكون المفصل وما يضاهيه من أجزاء هذه الانسان فإن معرفتها أمر مهم فى هذا الشان الذى نحن بصدده وقد نبهتك غير مرة على أن معرفة نفسك دليل على معرفة الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم من عرف نفسه فقد عرف ربه ثم شرع رضى الله تعالى عنه يذكر باقى المناسك نظما لزيادة الإيضاح قال حين بدا بالجملة الانشايية على صورة التنبيه أقول وروح القدس أي أقول والجواب أن روح القدس وهو جبريل والمقدس المنزه هو الله تعالى على الاطلاق والروح القايم بالإنسان قد ينفث النفث شبيه بالنفخ وهو أقل من التفل فى النفس وينتقل النفس فى ذلك النفخ إلى مقام الروح وقال صاحب التجريد فى كلمة التوحيد إنما اشترى النفس فى قوله تعالى} إِنَّ اللَّـهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم {ولم يقل أرواحهم ولا قلوبهم قال إنما اشترى النفس دون الروح لأنها معيبة والروح حبيبة فاشتراها لينقلها من مقام النفس إلى مقام الروح واشترى النفس ولم يشتر القلب لأن النفس تستعبدها اللذات وتسترقها الشهوات فاشتراها وسلمها إلى الملك وألهمها قبول ما يلقى إليها لينقلها من مقام النفس إلى مقام القلب بواسطة الالهام وهو الروح الذى ينفث أي ينفخ فيها فتحيا بالأسرار الربانية ويحصل لها الفيض بالواردات فتستحق عند ذلك التجلى فإذا وصل العارف إلى هذه المنزلة شهدت الشريعة على ظاهره والحقيقة على باطنه فحينئذ ان سمع سمع بالله وإن نطق نطق بالله وان بطش بطش بالله وذلك أنه عرف ما حكم الله تعالى فى كل حاسة من حواسه الخمس وإليه الإشارة بقوله بان وجود الحق المأمورين باتباعه فى العدد الخمس وقد يراد به الخمسة أحرف الجلالة فإن أصل الجلالة ا ل ل ا ه لا بمعنى الحصر بل بمعنى الدلالة وقد يراد بالعدد الخمس الأحكام الشرعية وهى الحلال والحرام والواجب والمكروه والمندوب فقد ورد الشرع إلينا يبعث جبريل فى روع النبى صلى الله عليه وسلم ومن حيث الباطن الحواس الخمس الباطنة محل ورود الالهام وقدفه إلى القلب بواسطة الروح فيحيه ويندفع إلى الحافظة إلى وقت بروزه فالحواس الباطنة محل وجود الحق بالعلم والمعرفة قال تعالى }وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ {بالمراقبة فالسر يراقب القلب بما يطرأ عليه من أعمال الجوارح فإن كانت طاعة أشرق نورها إلى السر فترقى الروح إلى منتهى الأعمال وهى سدرة المنتهى والقلب يراقب السر لما يرد عليه من الفيض فيتناوله ويدفعه إلى الحس المشترك فيدفعه إلى الحافظة إلى وقت بروزه فيستلمه ملك الروح فينفذه إلى خارج الجوارح فتبادر الجوارح الظاهرة فى طلبها وايجادها فى الحس فالقلب برزخ بين عالم السر وعالم الحس
وكذا الكعبة واسطة بين العبد والرب بالمعانى المفهومة من المناسك المنصوبة لتحصيل تلك المعانى فالكعبة منصوبة لصحة الصلاة وفى المعنى الصلاة إنما هى له لا إليها ولهذا سن لنا النبى صلى الله عليه وسلم التوحيد فى أول شروعنا فى الصلاة بعد النية قبل قراءة الفاتحة لتعلم أن توجهك إلى الكعبة بالعرض وله حقيقة وكذا فى الطواف حول البيت قال صلى الله عليه وسلم الطواف بالبيت صلاة إلا ان الله تعالى أحل فيه اشار لك بقوله الطواف صلاة أي ليس المراد بالطواف ان تدور حول البيت بل المراد انتهاء دورك اليه قال تعالى}كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ{واستلام الحجر فهو مقصود لمعنيانِ أحدهما أن يشهد لمن قبله بالبراءة
والثانى أن يتذكر به يوم الميثاق أيا كعبة الأشهاد أي تشهد لمن طاف حولها ويشاهدها من هذه الأمة وكذلك قلب العارف يشهد له بالربوبية ويشهد للرسل بالتصديق ويشهد لصاحبه بالإيمان فهو كعبة الشهود من جهة الشاهد والمشهود أن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم وهى حرم الأمن لمن دخلها وكذلك العارف إذا دخل كعبة اشهاده ونادى بحرف النداء يا حرم الأنفس لمن دخله انس بالأمن من العذاب بقوله تعالى }حَرَمًا آمِنًا {لأنه محترم باحترامه ارتفعت العداوة بين القلب والنفس ويطرد الشيطان اللعين لأنه هو الذى زين لها الشهوات الدنيوية فعند ذلك تأنس إلى القلب فيشهد لها بالإذعان وتكتسب من صفاته فعند ذلك يسلمها إلى الملك ويلهمها قبول ما يلقى إليها قال تعالى{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}
فالزمها بالعمل الصالح فلهذا المعنى أشار إلى زمزم بياء النداء وقال يا زمزم الفيض الذى تعلقت به الآمال وقد صدق الأمل ينبوعه وفيضه بحرمة زم على النفس اى تقدم وضم على النفس ليزول عنها الظمأ وإذا زال ظماها حصل شفاوها لقوله صلى الله عليه وسلم ماء زمزم لما شرب له منه سر البيت الذى هو محل التجلى الإلهى وفى الحديث ان الله لينظر إلى قلب عبده المؤمن فى اليوم والليلة نيفا وأربعين مرة أو كما قال نحو البيت الذى هو قبلة التوجه قال تعالى {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } يبغى وصاله أي يطلب أن يصله بالواردات فإنها لا تنشأ إلا عن رضاه والرضا هو الوصال إليه وعند وصول البيت ينبغى ؟؟؟ النفس بالتحقيق من رعونتها ومن تلوينها ومن دنس اللبس وهو الذنوب الحاصلة من دسايس الخواطر الملبوسة التى لبسها الشيطان على النفس فإنه يلبس الباطن بصورة الحق كما قال بعضهم
* ؟؟؟؟ المرء فى التقوى صرعته * إن لم يكن حق من فيض العنايات *
لأنها خبيرة بالمضرات وإدخالها عليه الدسايس من حيث لا يدرى
تدس الداء فى ذر اللذات فإذا برزت من هذه الأمور الخبيثة استحقت الرتبة فى المقام
فجعلت هذا الكتاب المسمى بعنقا مغرب بيانا لمعرفة هذين المقامين
مقام الإمام والختم
ومتى ما تكلمت على مثل هذا المذكور فانما أريد بذلك
أن أذكر العالمين عالم الأكوان وعالم الانسان ليتبين
الغرض من المضاهاة ويظهر الأمر المقصود فى ؟؟؟ مع
من العالم الكبير ومضاهاته مع العالم الصغير والمراد به
فى الذى يتوصل به إلى معرفة الله تعالى هذا السالك يعرفه
ويعقله ويكون سببا لمعرفته ثم أضاهية ومقابلته أيضا
بسره العجيب المودع فى صغر حجم هذا الانسان وأبين الذى
ينكره والذى يجهله وهذا الذى أذكره من الأكوان فى الخارج
فليس هو غرضى ولا غرض كلما اتصف فى هذا المعنى ولا فى هذا
الفن يعنى فى فن علم التوحيد ومعرفة هذا العالم الانسانى لأن
معرفته مقيدة بمعرفة الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم من
عرف نفسه فقد عرف ربه لأن قوله فقد للتحقيق يعنى عرف ربه
حقيقة وأما ذكر الملاحم لأن الكفار ما عرفوا الله تعالى إلا
بعد الجهاد وكذلك كفار الصفات المذمومة باطنا ما انكشف
لهم الحق إلا بالجهاد فى قمع الأخلاق المذمومة لأن الله تعالى
أمرنا بها على سبيل التعريض قال تعالى { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } أي طريقنا الذى يصل به إلينا وأيضاً أبين
معرفة ما ظهر من الأسرار فى هذا الكتاب الكون المفصل
المفرق وإنما الغرض هذا الشكل الانسانى والهيكل الجثمانى
وفى ما وجد فى صغر حجم هذا العين الانسانى وما انحصر فى
صغر حجم هذا الشخص الآدمى المخلوق من ماء وطين وإنما سمى
انسانا لصفة عرضت له فنسى أمر ربه فقال تعالى { وَلَقَدْ عَهِدْنَا
إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }فأخبرنا أن النسيان عرض
له واسقطه من درجة أولى العزم فالآن فحقق ما المراد منك
ودقق نظرك فيك أيها اللبيب العاقل فإن العاقل من عقل
عن الله تعالى ما يراد منه وتنبه أي الغافل عن الالتفات
إلى غيرك فإن الكفو فيك يدلك على معرفة معبودك فإنك
إن التفت إلى غير هذا هل ينفع غدا فى المقام بين يدى الله تعالى
فى الأخرة وهل ينفعك كون السلطان فى أحكامه عادلا أو
جايرا وهل ينفعك كونه عالما أو جاهلا أو شحيحا أو باذلا
لا والله يا خى إنما أنت مأمور بالمعرفة والخضوع بالمذلة
لحقه قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } والعبادة
لا تكون إلا بالمعرفة ولهذا قال بعضهم معناه ليعرفونى
والمعرفة لا تكون إلا بالذل لأنه سبحانه انفرد بالعزة والعظمة
بالعزة والعظمة فهما من شئون الرب والذل والمسكنة
من شئون العبد قال تعالى أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلى
وفى حديث آخر المنكسرة قلوبهم والمندرسة قبورهم وقال
الشيخ زين الدين عمر بن الفارض رضى الله عنه *
*ولو عز فيها الذل ما ذلى فى الهوى * ولم يكن لولا الذل فى الحب عزتى *
أي ان عز فيها الذل فأنا ليس العز مطلوبى وإنما أنا أريد الفنا
الكلى مع قطع النظر إلى العز والذل ومقامهما وأريد رضى
المحبوبة فأنا خرجت عن طور العقل ومراداته والنفس
والتفاتها إلى غير المحبوبة فما الفايدة إلا فى الأمور الأخروية
وهل فى الالتفات إلى غير الله تعالى فايدة حتى انظر إلى ذلك
السلطان الجاير والعادل وأقول متى وإلى أي متى تولى وأمر هذه
الولاية والجند على هذه الامصار واجعل عقلى اماما على
اقتدى به فى هذه الأمور والبحث عنه واطلب منه البحث عن
الآداب المستنبطة من الأحكام الشرعية وإذا اشتغلت
بهذه الأشيا متى ينصلح ما فى باطنى ومتى يستقيم ظاهرى
وإذا حصلت هذه المناقشة والتفت إلى هذا المعنى وقلت
أنا أبايع رسول الالهام الذى جاءنى من نفسى وأبايعه بالصدق
فى الجهاد على إصلاح ما بدى منه من خلقى وإيجادى فى أولى
ورشدى إلى انتهاءى وآخرى وكل هذا فى معرض الاستفهام
فكأنه جرد عن نفسه من يخاطبه نيابة عن الغير فى معرض النصيحة
ثم قال فمتى لم أجعل هذا الذى قلته لك نظرى الذى أقصده
واعتمده وإلا هلكت وأذهب نفسى فى غير مرادها وهو بخلاف
مراد الله تعالى قال تعالى{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ
عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }ومتى ما اعرضت عن اللهو
والاشتغال بأمر الناس من حسن أو قبيح فشلت عن مراد الله
تعالى فاعرضت عنهم حتى تمكنت حينيذ من أمر نجاتى التى هى
مآلى ومعادى وتملكت مدينة وجودى وحكمت على جميع اعضاءى
ظاهرا وباطنا إذ أشار لنا بذلك صلى الله عليه وسلم كيف
وقد قال صلى الله عليه وسلم فى معرض النصيحة وهو يخاطب
بذلك جميع أمته حيث يقول كلكم راع وكلكم مسئول عن
رعيته أشار صلى الله عليه وسلم بالمجاهدة للانسان فى نفسه
من حيث حواسه ظاهرا وباطنا وجعله راع لها لأنه مطلوبا
بالحق فى ظاهره بالأوامر والنواهى الشرعية وفى باطنه بنفى الصفات
المذمومة ليحصل له الصفا والاخلاص ليرقى درجة الولاية لأنها
انما تنال بصفات القلوب لأن القلب إذا زال عنه الران أشرق
على عالم السر وبلغ ما له فى عالم غيبه ونفذت الروح بذلك
الصفا فى عالم حسه وبما اغترفته من الفيض فى عالم معناه
وهو عالم غيبه لأن هذا الأمر شاهد لكل أحدٍ من هذه الأمة
إذا نام رجعت الروح من الحواس الظاهرة ونفذت إلى عالم
الغيب من الحواس الباطنة وحصل لها التجلى بالرؤيا فى عالم
الخيال فإذا استيقظ نفذت الروح فى اليقظة بما حصل لها
قال الشيخ ابن الفارض قدس سره *
وما ذاك إلا النفس عند اشتغالها * بعالمها فى مظهر البشريتى *
تجلت لها بالعين فى شكل عالم * هداها إلى فهم المعانى الغريبة
فإذا استيقظ رجعت الروح ونفذت فى الحواس الظاهرة وإذا
نام نفذت فى الحواس الباطنة ورجعت الروح إلى عالمها
الأصلى التى كانت فيه روح مجردة وصار الجسد كالبرزخ
بين عالم النوم واليقظة فالعارف إذا تجردت نفسه
عن مألوفاتها البشرية حصل لها الحسرات سواء كان
فى النوم أو فى اليقظة قال الشيخ عمر قدس سره *
وقل لى من التى عليها ؟؟؟ * وقد ركدت منها الحواس بغفوتى *
وذلك إذا ركدت الحواس الظاهرة فتنفذ الروح من الحواس الباطنة فتبقى عند ذلك روحا مجردة فترجع إلى عالمها فيتجلى لها نور ربى ويأذن لملك الرؤيا أن يجرد من نفس الراءى مثالا يكون مبشرا فى اليقظة وفى الحديث كل ليلة ينزل أمر ربنا إلى سماء الدنيا وينادى عبادى هل من تايب ، فإذا كان الأمر على هذا الجد فالجهاد فى الظاهر بالعبادة وفى الباطن بنفى الأخلاق الذميمة والاشتغال بتحصيل درجة الصفا أولى ولهذا لزمنا إلى الجهاد ظاهرا وباطنا ولزمنا الوفاء بالعهد الذى أخذه علينا فى عالم الذر ولهذا شرع لنا النبى صلى الله عليه وسلم الدعاء فى الطواف بالبيت عند تقبيل الحجر أن نذكر الوفاء بالعهد بأن نقول اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك يعنى الذى أخذته علينا عند قولك { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } فلما أقر من أقر وأنكر من أنكر قال امسحوا بأيديكم على هذا الحجر وحكايته مشهورة أنه كان فى الابتداء ملكا شاهدا على آدم مسخه حجرا لهتكه حرمة آدم ثم أنه أنزله إلى آدم تعظيما وقال له امسح دموعك به فلما مسح ظهر آدم وأخرج ذريته إلى يوم القيامة على هيئة الذر قال { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ }
فكل من آمن أمره أن يمسح بيده على الحجر لأخذ العهد فأخذ علينا به العهد فى عالم الذر وهو الآن يأخذ العهد علينا به فى الطواف وأشار إلى هذا
بقوله صلى الله عليه وسلم أن الحجر يشهد لمن قبله بالبراءة ولولا أن يكون ملكا ما كان يشهد بالبراءة فإن الحجارة فى البيت كثيرة ولكنها لم تكن مأمورة بحمل العهد ولكن من حلم الله تعالى أن يشهد لك بذلك فى الآخرة فما لنا لغرض نفرط فى الأمور التى هى سبيل طريق النجاة وهو ظاهر قويم لكل عارف سالك ونتبع النفس والتفاتها إلى الخسة الدنيوية ويقع منها بأحط المراتب والدرجات والحال أنها المطية إلى كلا السبيلين فإما أنها من الفايزين وإما من الخاسرين فإن كانت من الفايزين فهى فى أعلى الدرجات لهم جنات عند الله وإن كانت من الخاسرين فهى فى الدرك الأسفل من النار ما هذا فعل من قال إنى عاقل تقريع وتحذير لمن جرد من نفسه أو لمن يريد هذه المراتب مع التفاته إلى السلطان ولعدله ولظلمه والبحث عن أموره وتجنب هذه المعاقل التى هى سبب نجاتك فى معادك وتعقلك عما ؟؟؟؟ يوول بك إلى الدركا ويوصلك إلى أعالى الدرجات ثم تأمل فى كتابى هذا تجد ما يعرفك مرامك ويعقل عليك ضالتك فمتى ما ذكرت من أمور التربية فى كتابى هذا يعنى عنقا مغرب أو فى غيره من المضاهات إنما أريد به حادثا من حوادث الأكوان الحادثة لتكون على بصيرة ما أنبهك عليه وما أريده بك وما أريده منك فإنما غرضى منه أن أثبته كالمثال فى سمع السامع وغرضى منه ما يقابله من ذلك الحادث أو الحادثة التى تحدث فى الكون من ذكر الملاحم فإنما أذكره واقابله بالملاحم الباطنة كل حادثة بما يقابلها من حرب وتكون بمثله وفى فتح حصن فإنما نريد به فتح المدينة الانسانية فإن أشرنا إلى حرب إنما نريد به المحاربة مع الشيطان وصفات نفسه المذمومة فى الانسان وفى كل ما يقابله فتصرف النظر إليه قال تعالى { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } وتنظر فيه وفيما يؤل إليه إلى ذاتنا من الأمر المهم الذى هو بالنسبة إلى غير غفلة وإلينا سبيل إلى طريق نجاتنا فإن كنت ممن عليه بالتوفيق فامشيه بهذا المنوال الذى وصفته لك بكليته المشتملة على جميع أجزايه من حيث المقابلة بكل جزء فى هذه النشاة إلى الخلقة الانسانية التى أكرمك بها على حسب القابلية وما يعطيه ذلك المقام بحسب جسمانياته وما فى وما فى ذلك من تعلقه بالأمور الحيوانية وأما تعلقه بحسب روحانيته المتشكلة فى عالم الخيال تارة فى صورة الملك وتارة فى صورة الروحانى وتارة فى صورة الحيوان وتارة فى صورة الانسان فصورته قابلة للتشكل وقابلة لكل ما فى العالم فإياك إنى أحذر أن تتوهم أيه الأخ الراغب المحب الشفيق الناظر فى كتابنا والمطلع على كلامنا ان غرضى ومرادى من كتبى كلها هذا الكتاب وغيره مما يمكنك الاطلاع عليها أن تفهم منها الكلام فيما خرج عن ذاتى أو تفهم غير ما أريده من غير صفاتى المنحصرة فى هذا العالم الانسانى أن نلحظ فيه من الأمور التى هى غير سبيل نجاتى فإن إلتماسها نجاتى فى المقام بين يدى الله تعالى فإنها وقاية من العذاب فى الآخرة قال تعالى { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }
ثم لما فرغ من النشر اتى ببراعة الاستهلال نظما لتأكيد ما تقدم ولزيادة البيان فقال فما أبالى الغاء الجواب إذا وتقديره إذا نفسى التى بين جنبى أن تساعدنى فما أبالى فيما أطلبه على سبيل النجاة من الهلكة بمن قد فاز من الطالبين بحق العبودية أو بمن هلك منهم فانى ان باليت فلا يفيدنى شئ كمن هو خايف وقال حصن فإنه لا يمنع العدو بمجرد قوله حصن وكذا لو قال اليايس من الدنيا ألف دينار لا يستغنى فأنا ما أبالى إلا بنفسى التى بين جنبى ثم التفت يخاطب الشخص الذى جرده من نفسه وهو انسان وجوده فقال فانظر أيه السالك إلى ملكك الأدنى أى الدانى إليك فإنه أقرب إليك من البعيد الخارج عنك وهو أولى بالتفكير والاعتبار من غيره تجد حينيذ فى كل شخص من أشخاص العالم على أجوايه ملكا موكلا به وقد ورد فى معنى قوله تعالى { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ } ملكان يتعاقبان الملكين الموكلين بعمل النهار وهما الملكين الموكلين بعمل الليل فانظر فيما لك أي عملك قبل أن يوزن عليك بالعدل فإنك إن عاملته بالعدل عاملك بالفضل والاكرام قال تعالى { ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ } واستقم بما يريده شرعا واجعل الاستقامة لك على الدوام والمراقبة فى كل آونة أي فى كل أوان فإن رجح ميزانك بان لك الطريق فالزمه واسلك به أي الطريق الذى زنته واجعله لك إماما وسر خلفه فإنه نعم الدليل مزاين وفى نسخة من حيث ما سلكا من طريق الحقيقة والشريعة فـأي طــريق كـان فـقد نـاداه مـنه بـقـوله " وَمَـا آتـَاكُمُ الرَّسُــولُ فَخُـذُوهُ وَمَــا نَهــَاكُمْ عَـنْهُ فَانْتَــهُـوا " وإن سـلكـته مـن الحـقيـقة قال تـعالى "رِجَـالٌ لَا تُـلْهِـيهِمْ تِجَــارَةٌ وَلَا بَــيْعٌ عَـنْ ذِكْــرِ اللّـَهِ " "رِجَـالٌ صَــدَقُوا مَـا عَاهَـدُوا اللّـَهَ عَـلَيْهِ فَـمِنْهُمْ مَنْ قَضَـى نَحْـبَهُ وَمِـنْهُمْ مَـنْ يَنْتَـظِرُ وَمَـا بَدَّلـُوا تَبْـدِيلًا " واحـذر من التلبـيس ولا تـكن مــاردا تتـلبـس بصــورة الإنســان في جـثـمان الشــياطين وتسـعـى فـي أمــورك بمـفـسدة تلقـيـها فـي ســلك ذاتـك وقلبـك الـذي هــو مــهد التجـلي الإلهـي لكي اســتدراك كـن فيه كـمن هـو في وجــوده مـلكـا فــإنك إن تجــردت عـن الشهـوات والالتـفـاتـات النفــس فتــملك وجـودك ويحــصل للـروح الترقـي في الأعـمال الصـالحة فتكـون فـي مـقابلة المــلك بســبب المـداومـة عـلى العــبادة ثـم شــرع يخـاطب من يطـلب طــريق التوحـيد وقـال فليتـأمـل ولــي أي مـن اسـتولى هـذا الكـتاب المشـتمل عـلى الحـكـمة وهـذه المدينــة الإنـسانيــة فـإني أذكــر الأمـرين اللذين هـما العــالم الأكــبر المتفــرق الأجــزاء وأجــعـله كـالقشـر صــونا بمــنزلة الوعــا يســتدل بـه من قصـر فـهـمه وأجـعل مـا يـقابـله من العـالم الأصــغـر مـن الإنســان كـاللبــاب ومــاذا تـصــنع بالقـشـر مـع فـــقدان
اللب فإنـه لا يخــفـي للســبب الذي أشــرت إليــه في هـذا الكــتاب وذكـرته بـشـرط أن يتـبـين السـامـع كــلامـي الذي وضـعتــه مـن كــتابـي ومـا يجـعـله من صــفات الباطــن فلينــظر في الشـيء الذي يـعرفـه فـي الخــارج ويدركــه ولا يـدر مـعـانيـه وهـو يشـاهــده ويعـقله ولكــن لا يــصل إليــه ولو وصـل إليـه بالتـدبير والاعــتبار ودقـق الفــكر وفــهمه وكــان على بصــيرة يــناله بـها دون ذكـرى لهــذه الأمـثال وقـولي إيــاه أي مـن تــلقاء نفــسي مـن غــير أن أتعــرض لـها مـا لحــظت سـاعة من السـاعة محــياه وجـهه الذي أوجــهه لك ولا تعــرضت لذكــره ظـاهـر أو لا عــرضت قـدر لمحــة بـارق أي مـا دللـت قـدر مـا يلمــح من رويـة البـرق عـلى معــناه ولكـن لمـا رأيت الهــمم قاصـرة عن إدراك المـعانـي الـتي لــها أعـانـي ولا تحــسبـني أذكـره حـقيقـة فـإنمـا أسـوقـه عـلى طــريق المجــاز وأمــثله أمـثالا أجـعـلها للتـقريب إلى فــهمك فـإن المـعـانـي لا يمـكـن تجــسيمها وإنمـا أجـعـل المـعانـي في ضـمن تـلك الأمـثال وهـي مـندمجـة في صـغر حجـم الإنسـان فالأمـور الخــارجة إلـى العـالـم قـوالـب المـعـاني ألا تـرى أن اللـه تـعالى إذا أراد أن يبــشرك في النــوم بمـا يحـصل لك في اليقظــة يجــسم لك المـعـانـي فـي عــالـم الخــيال لتكـون قـالبا لتحـصيل المـعـانـي المبــشر بـها في اليقـظة وإنمـا أراد سبــحانه بذلك التــقريب إلـى فـهمـك فأردت أنا أيـضا إبــراز هـذه المـعـاني تـقريبـا لفـهـمك جـمـالا ومجــالا نجــول فـيه للتــهذيب فـي نفـسك ومجـاهـدتـها وســا أي السـاعـة لمـا فـيـه من الدلالــة لأن الحــرف إذا كــان مفـهما عـلم باقـيه كالـزاي من زيـد وتـقديـره السـاعـة أورد ذلـك وأبـالـغ فـي الإشــار إليـه إن شـاء اللــه تـعالـى فإنـي لا حـول لـي ولا قــوة إلا بمشـيئتـه في هــذا الكــتاب وغــيره من لآلـي الأصــداف ولأن الألفــاظ أصــداف والمــعـانـي لآليــهـا ونواشــي التـناوش التــناول والانتيــاش مــثله قـال تـعـالى " وَأَنَّــى لَهُمُ التّـَنَاوُشُ مِـنْ مَكـَانٍ بَعِـيدٍ "
يـقـول أنـى لـهم تـناول الإيـمان فــي الآخـرة وقـد كـفـروا بـه في الدنيـا ولك أن تـهـمز الـواو كـما يـقـال أقـتت ووقـتت وقـريء بـها جـميعا ويـقال نشــته خــيرا أي أنلتــه وإنشـاوهـا وإيجــادهـا فـيتـناوله مـن الأعــراف أي المـعـرفـة القايــمة بالمـعـانـي وقـيـل العــراف الســواري يتـناولـها مـن وراه الســور وهـو المـذكـور في سـورة الأعــراف الـقـايـم بـين الجــنة والنـار اللتـــان هــما مصــير الفـريقـين وكــذلك الـــواردات التــي هـي أصــداف لآلـيء نشــأت مـن مضـاهـات الأكــوان وهـي أمــثال نصــبها الحــق لعبــاده المؤمـنين الذيـن رســخ في قلوبــهم الإيمــان ليــزدادوا إيمــانا والعـارفـين يـزدادوا مـعـرفة وجـعلهـا لهــم حـبالة لمـن يكـن بــها صـايد لتـلك المـعـاني التـي هـي بمـنزلـة اللآلـي وأصدافـها بـمنزلة الحـبايـل ونصـبها تـعالى لتـكـون المـعـاني تحـفـة يجـتنيها من كـان قـاصـد الغـوص مـن هـذا البحــر لإخـراج هـذه الأسـرار ونصـها أيـضا عــبرة يعــتبر بـها مـن كـان لبــيب عـاقل قـال اللـه تـعالى " إِنَّمـَا يَتَذَكَّـرُ أُولُـو الْأَلْبَـابِ " أولـوا القـلـوب والعـقـول ونصــبـها مـلاطـفـة يـلاطـفـه بــها مــلاطــفـة حــبيب لحــبيبه لقـوله تـعالى في الحـديث القـدسـي " ما تقرب إلي عـبدي بأحـسن ما افـترضـته عـليه فـلا يــزال يتــقـرب إلــى بالنـوافـل حــتى أحــبه ؟؟؟ والحـبيب الأعـظم صـاحـب الشـرع العـالي المـقـدار صـلى الله عـليـه وســلم بحـر طـامس لجـميع الشـرايع وبحـري مـثل محـمد صـلى الله عـليه وسـلم ورأسي غـاطـس فـيه يخـرج مـنه اللآلـي والجــواهـر النفـيسـة الثمــينة التــي لا يمــكن أن يخـرجـها غـير البحــر لأنه مخــصوص به وبإخــراج جــواهــره أزلا وهـي لآلـي إشــارات مـعاينـة فـي أصـداف ألفـاظ عــبارات مجـموعة لأنه صـلى اللـه عـليه وسـلم أعــطي جـوامع الكـلم
فـمن ذلك البحــر الذي أخــرج لنـا مـنه مفـتاح حجـة ومـا فـيه مـن الأســرار الظـاهـرة المشـيرة إلى لجــة وإيضــاح محجــة من الأســرار البـارزة من البــيت الأعـظم لمـن قصـده في تـلك الأسـرار البـاطـنة التــي يقذفــها الله تـعالى بواسـطة الإلهــام بـعـد المـشـقة مـع عــدم الوصـول إليـه دونهـا فـأشـار إليـه بقـوله ولمـا لـم يتـمكـن القاصــد مـن الوصـول إلـى البــيت العـتيق الذي هـو الكـعبة وإنمـا ســمي عـتيقا لعـتق من طــاف بـه من هــذه الأمــة وقيـل عــتيق لسـبـقه بالبــناء عـلى وجــه الأرض فـهـو أول بـيـت وضــع للنـاس قيـــل إن بــناءه قبـل آدم بنتــه المــلايكة وقيــل من قبــل خــلق الدنيــا وهـي درة كـان فيـها مكــان البــيت وكذلك البــيت الذي في وجــود العـارف فـلا يـمكن أن يصــل إليـه إلا مـن كـان قـادرا عـلى المسـير حـتى يقطـع الطــريق وكـل فـج عـميق يعـني البـعيد الذي لا يمــكن إلـى أقصــاه إلا بالشـق الأنفـس وكـذلك من أراد الوصــول إلى البــيت الأعـظم الذي نســبت عـظـمته إلى صاحــب العـظـمة سـبـحانه وتـعالى حـيث قـال في الحـديث القدسـي " مـا وسـعـني أرضــي ولا سـمائـي ووسعـني قلب عـبدي المؤمـن " من غـير حـلول ولا اتحـاد فـهو أيضـا عـتـيق لأن مـن حــصل له التجـلي الإلهــي عـتـق من النار
وهــيهات أن يصـل إلى هذا البحـر العــميق إلا مـن تـرك جـميع الأخـلاق المـذمـومة ويتـرك الإلـف الذي ألفـه أو يركــن إليــه من والـد وولـد ويتـرك الوطــن الظـاهـر فـي طـلب الوطـن الباطـن الـذي يصـيره إلى منـازل القـرب الذي أثـنى عليه صـلى الله عـليه وسـلم بقوله حـب الوطـن مـن الإيمـان ويهـجر الخـلة والأصحـاب ويتـرك الظـعن أي السـير إلى غـير مـرضـاته قـال تـعالـى " يَوْمَ ظَعْنِكُمْ " ولا يـقال ظـعـن إلا للإبــل التـي عـليها الهـوادج كـان فـيها نسـاء أو لـم يكـن
قال:
قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِيْنَا ... نُخَبِّرْكِ اليَقِيْنَ وَتُخْبِرِيْنَا
فـإن كـان مـن يظـعـن إلـى البــيت الحــرام ويفـارق الأهــل والـولد أي لا يجـعـل له التـفـات إلى ســواه ومـتى التـفت إلى غـيره فـاتـه المـقصـود ألا تــرى إلـى ســـيدنا إبراهـــيم عــليـه الســـلام لمـا التـفـت إلـى الولـد أمــر بـذبحـه فـلما فـرغ إليـه قـلده رد عـليه ولـده فكـذلك قاصـد البــيت لمـا تـرك جـميع التـفاته وقطــع المراحـل وألـف الصحــراء ويسـتوحـش مـع المـشـقـة والنصــب في ســيره إلـى البــيت الحــرام مـن كـل أحــد من النـاس لاحـتمـال الغــفـلة عـن التـلبيـة والتكـبـير عـلى كـل شـرف والتـسبيـح في كـل واد حـتى إذا وصــل فـي ســيره إلـى المــيقـات الذي هـو مكــان إحـــرامـه
ولاحــت له أنــوار المـلاحــظات خـرج بوصـوله إليـه مـن رق الأوقــات التــي كــانت تستــعبده بشـهواتـها وانسـلخ من لبـاس الخــيلا وتجــرد من مخـيطه إشــارة إلى الخــروج عن الدنيــا ولبــس الواجــب وهـو الإزار والـرداء وهـو إشــارة عــما ســوى اللــَّــه تـعـالى مـن مـألوفـات نفــسه والتـردي بالمـأمـورات ويكــون فــي ذلك كــمن خــرج مـن تركــيبه الجـثـماني إلـى بســيطه الروحـانـي وأخـذ يكـبر ويسـبح ويلبــي من دعــاه وَأَذِّنْ فِي النَّـاسِ بِالْحَـجِّ يَأْتُـوكَ رِجَـالًا وَعَـلَى كُـلِّ ضَـامِـرٍ يَأْتِـينَ مِـنْ كُـلِّ فَـجٍّ عَـمِيقٍ لِيَشْـهَدُوا مَـنَافِعَ الحـج ومن شــوقه إلى الفــوز بالمـنافع فـنسـي مـا كـان يجــده قبـل ذلك ممـا دعــاه واكـتسبـه مـن الهــفـوات واســتبـدل بــه القربــات وبــدلت بالتــوبة الســيئات حــسنات وصــعـد كـــدآ بالفـتح والمــد وهو أكـام بـقـرب مـكة فـإذا صــعـده ورقـا أعــلاه لاح له نـور الولايــة ومــنازل الـقـرب ومحـل نظــر الحــق الذي هـو عــلم الهــدى المقصــود المطــلق بالتـوجـه في جـميع أنـواع العـبادات وكـذا إذا أتـى البــيت المقصـود بالمضـاهـات فـإنه عـلم التـوحـيد والصـلة باللـــه تـعالى مـن كـل جـهـة أتـيتـه فـإذا دخــل الحــرم أي الأرض المحــرم فــيها الصــيد وحــرم مـا كـان عــليه حــلالا مـن عـقد نكـاح واصطـياد وقطــع شجــر وكـذلك إذا دخـلت حــرم وجـودك
وهـو مـوقـع الأسـرار المـودعـة فـيك بالقـوة ولـم تـعـقد نكــاح شــيـطان بنفــس والاصطــياد للصـفـات المـذمـومـة ولا قطـعـت شجــرة التـقـوى ولثـم الحجــر أي قبلـت الحجــر الأســود الذي هـو حجـر بهــت بيتـك وقبـل تقبـيله تذكــره العــهد الذي كــان مـيثـاق الأزل أي الذي كــان مــنك فـي وقـت أخــذ المـيثـاق وقـل عـند ذلك اللهـم إيمــانا بــك ووفــاء بعهـدك الذي أخـذته عـلي عـند أخـذ المـيثاق بـهذا الحجــر حـين قـلت لي أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ وكـذلك المضـاهـات بـعـالم أَلَسْـتُ فـإنـي لمـا كــنت فـي كــتم العــدم فـأوجـدني فـي الخـلق الأول وأبـرزني إلى عــالم التركــيب وأمــرني ونهــاني فـإذا عــرف هــذا وطــاف بكـعبة أحـاط حـينيذ بالمــناسك الظـاهـرة والمـناسك التـي حـصلت نشـأتـه أي بإيجـــاده فـي خـلقه الأول ومــناسـكه البـاطـنة وهكـذا فـي جـميع مـناسكه ظـاهـرا وبـاطـنا بطــريق المـقابـلة لممـلكة وجــودك وتمـشـي عـلى مــا ســلكته مـن مــسالكه وقابــله شــيا بشـيء وكـلما يكــون مـن المـناسـك ظــاهـرا اجــعله بـاطـنا مـع مـراعـاة المـقابـلة فـذلك هــو المطــلوب والحــاج الـذي يهــنا فـاعـله بالقبــول ولـــولا السـآمة وخــوف المــلل مـن قـارئه والمـتأمـل فـيه لعـرفـتكم بــه وبجـميع المــناسـك الواجــبة والمـندوبة مـنسكـا مـنسكـا عـلى سـبيل الاســتقرآ ظـاهـرا وبـاطـنا إلى آخـره من جـمـيع مـناســك الحــج ثـم شـرع يذكــر الســبب المــوجب إلى ابتـدايه بفـوايد الحــج قـال وإنمـا ابتــدأت بـه في أول شــروعي في هـذا الكــتاب المســمى بـعـنقا مـغـرب بنكـتة الحــج والتنكــيت مـا يفـرع عـلى الأصـل أي في معــناه أي الحــج من المـعـانـي الباطـنة وسـبب ذلك تكــرار القـصد وهـو النيـة في المنـاسـك إلى الواحــد الفـرد ولمـا كـان الحـج في اللغــة هـو القصـد كـما يقال رجـل محجـوج أي مقصـود وقـال بعضــهم
وأشهد من عوف حلولا كثيرة ... يحجون ست الزبرقان المعصفرا
وهـو لكـثرة الاخـتلاف إليـه هـذا هـو الأصـل ثـم تعــورف اسـتـعماله في القـصد إلى مكـة للنسـك تـقول حججـت البيـت أحجـه حجـا فأنا حـاج وفيـه إشــارة إلـى المـناسـك ليسـت مـقصـودة لذاتــها بـل لمعـانيهـا التـي هـي بالعـرض لتحصـيلها ولهـا مـقابـلات فـي عــالمـك بمنســك القصــد الأعــظم إلى الله تـعالى في أول مـقام يطــلب لكـل طــالب ؟؟؟ في أول طـلبه أو لكــل من يحــاول أمــرا أي في الأمــور البـاطـنة المـشرفة عـلى الأســرار الواردة من حــضرة الجـانب الأكـبر فأنا يعــني الشــيخ بنفـسه أريد أقصــد أن أوضــح من الوضــوح وهو الظــهور لك أي الراغــب في هـذا المــسلك أو فـي هـذا الكــتاب مـعـاني أسـرار مدخـرة في فـضا كـتم أرض وجــودك فـإذا بـاشــرتها بالحــرث والبـدر أشــرقت عـليها ســماء الأســرار واشــتاقت للرتـق الذي انفـصلت عنه ومن شدة اشتياقها إلى تلك المصاحبة القديمة فتبكى وأرسل سماوها سحابا متراكما فينزل عليك هنالك مدرارا فاكتسبت عند ذلك أرض وجودك من سماء أسرارك صفاتها وبرز منها معانى الكامنة المقصودة لذاتها وانقلبت من صورة المعانى إلى صورة الجسمانى قال تعالى }أَنَّ السَّماواتِ وَالأَرضَ كانَتا رَتقًا فَفَتَقناهُما { فهى فى كل عام تتفكر تلك الساعة التى كانت بينهما فى حالة الرتق فتشرف عليها وترسل دموع سحابها وكذلك إذا اشرفت الواردات بالأسرار المستفيضة من حضرة القدس امطرت سحاب الرحمة على وجودك لأجل ذلك العهد الذى كان بينهما فأنا أوضحت لك أولا قصدى الذى أقصده لتجعله لك سبيلا تسلكه وقد جعلته لك قصدا شرعيا ومقاماً جمعياً من جهة الحج ومناسكه والحج الأكبر من حيث المعانى الباطنة التى هى موقع الأسرار الربانية فإنه يعنى الحج والمناسك الشرعية القايمة بها الحوايج الجسمانية إذا كان القصد إليها بهذه المثابة وهذا المقدار من الثواب والأجور العظيمة فى هذا المعنى وهو أول مراتب البداية فى العبادة مع عدم فرضه على العموم وعدم رده الفريضة ثانيا بتردد الحاج إليه بهذا الشان فما ظنك ايها السالك بالنهاية التى بدايتها ملاحظة الظاهر بالقصد ونهايتها ملاحظة البيت الأعظم الذى هو القلب وما يقذف فيه من الالهام مع عدم قطع الشواغل والتفاته إلى محل نظر الحق تعالى فإنه القلب وهو كعبة وجودك إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ولاكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم وأين من يقدر يحصى قدر هذه الغاية ونهايتها فإنها ليس هى مقصودة لذاتها وإنما هى حبايل يتوصل بها العارف مع العجز[وَمَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ] أي ما قدروا نهاية عظمته .
ونهاية علمهم إلى السموات وهى مطويات بيمينه سبحانك ما عبدناك حق عبادتك والسموات ومن فيهن يحمده ويثنى عليه ولولا ما حمد نور الشمس واثنى عليه لم يكن لها من الزيادة فى النور ما يمدها ذات بدره لأن ضياء القمر إنما هو مكتسب من نور الشمس فإذا كانت الشمس حمدت واثنت عليه حصل لها من الزيادة فى النور ما تمد به نور القمر فإذا غفلت الشمس عن التحميد حصل لها الكسوف وذهب نورها وكذلك القمر إذا غفل عن التحميد سبقته الشمس عند حيلولة الأرض فينخسف ضياه وحجبت ذاته وكذلك العارف حمده بالروح التى هى شمس عالمه استمدت الجوارح ذلك وهى ذات النفس فإذا حصل منها فترة عند بعض التفات النفس إلى الشهوات انخسف ضياءها وزال نورها فشرع لك الشارع بطريق الندب صلاة التوبة بالتضرع والابتهال وعلمك ذلك وجعلها لك سنة وأشار إلى أن الذنوب تكسف شمس التوحيد وتخسف قمر الإيمان وأن الصلاة النافلة جلا وهما قيامين طويلين فى كل قيام ركوعين وهى إشارة إلى عدم الملل من النوافل فإنه ورد ما تقرب إلى عبدى بمثل أداء ما افترضت عليه فلا يزال يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه .
فألق السمع أي اسمع ما أقول لك وتراه فى كتابى قال تعالى} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ { أي ألق سمعك لما أقوله واشهد لما أشرت لك من مقام الجمع بين المناسك الظاهرة والمناسك الباطنة واجمع بين أجزاء الكون المفصل وما يضاهيه من أجزاء هذه الانسان فإن معرفتها أمر مهم فى هذا الشان الذى نحن بصدده وقد نبهتك غير مرة على أن معرفة نفسك دليل على معرفة الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم من عرف نفسه فقد عرف ربه ثم شرع رضى الله تعالى عنه يذكر باقى المناسك نظما لزيادة الإيضاح قال حين بدا بالجملة الانشايية على صورة التنبيه أقول وروح القدس أي أقول والجواب أن روح القدس وهو جبريل والمقدس المنزه هو الله تعالى على الاطلاق والروح القايم بالإنسان قد ينفث النفث شبيه بالنفخ وهو أقل من التفل فى النفس وينتقل النفس فى ذلك النفخ إلى مقام الروح وقال صاحب التجريد فى كلمة التوحيد إنما اشترى النفس فى قوله تعالى} إِنَّ اللَّـهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم {ولم يقل أرواحهم ولا قلوبهم قال إنما اشترى النفس دون الروح لأنها معيبة والروح حبيبة فاشتراها لينقلها من مقام النفس إلى مقام الروح واشترى النفس ولم يشتر القلب لأن النفس تستعبدها اللذات وتسترقها الشهوات فاشتراها وسلمها إلى الملك وألهمها قبول ما يلقى إليها لينقلها من مقام النفس إلى مقام القلب بواسطة الالهام وهو الروح الذى ينفث أي ينفخ فيها فتحيا بالأسرار الربانية ويحصل لها الفيض بالواردات فتستحق عند ذلك التجلى فإذا وصل العارف إلى هذه المنزلة شهدت الشريعة على ظاهره والحقيقة على باطنه فحينئذ ان سمع سمع بالله وإن نطق نطق بالله وان بطش بطش بالله وذلك أنه عرف ما حكم الله تعالى فى كل حاسة من حواسه الخمس وإليه الإشارة بقوله بان وجود الحق المأمورين باتباعه فى العدد الخمس وقد يراد به الخمسة أحرف الجلالة فإن أصل الجلالة ا ل ل ا ه لا بمعنى الحصر بل بمعنى الدلالة وقد يراد بالعدد الخمس الأحكام الشرعية وهى الحلال والحرام والواجب والمكروه والمندوب فقد ورد الشرع إلينا يبعث جبريل فى روع النبى صلى الله عليه وسلم ومن حيث الباطن الحواس الخمس الباطنة محل ورود الالهام وقدفه إلى القلب بواسطة الروح فيحيه ويندفع إلى الحافظة إلى وقت بروزه فالحواس الباطنة محل وجود الحق بالعلم والمعرفة قال تعالى }وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ {بالمراقبة فالسر يراقب القلب بما يطرأ عليه من أعمال الجوارح فإن كانت طاعة أشرق نورها إلى السر فترقى الروح إلى منتهى الأعمال وهى سدرة المنتهى والقلب يراقب السر لما يرد عليه من الفيض فيتناوله ويدفعه إلى الحس المشترك فيدفعه إلى الحافظة إلى وقت بروزه فيستلمه ملك الروح فينفذه إلى خارج الجوارح فتبادر الجوارح الظاهرة فى طلبها وايجادها فى الحس فالقلب برزخ بين عالم السر وعالم الحس
وكذا الكعبة واسطة بين العبد والرب بالمعانى المفهومة من المناسك المنصوبة لتحصيل تلك المعانى فالكعبة منصوبة لصحة الصلاة وفى المعنى الصلاة إنما هى له لا إليها ولهذا سن لنا النبى صلى الله عليه وسلم التوحيد فى أول شروعنا فى الصلاة بعد النية قبل قراءة الفاتحة لتعلم أن توجهك إلى الكعبة بالعرض وله حقيقة وكذا فى الطواف حول البيت قال صلى الله عليه وسلم الطواف بالبيت صلاة إلا ان الله تعالى أحل فيه اشار لك بقوله الطواف صلاة أي ليس المراد بالطواف ان تدور حول البيت بل المراد انتهاء دورك اليه قال تعالى}كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ{واستلام الحجر فهو مقصود لمعنيانِ أحدهما أن يشهد لمن قبله بالبراءة
والثانى أن يتذكر به يوم الميثاق أيا كعبة الأشهاد أي تشهد لمن طاف حولها ويشاهدها من هذه الأمة وكذلك قلب العارف يشهد له بالربوبية ويشهد للرسل بالتصديق ويشهد لصاحبه بالإيمان فهو كعبة الشهود من جهة الشاهد والمشهود أن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم وهى حرم الأمن لمن دخلها وكذلك العارف إذا دخل كعبة اشهاده ونادى بحرف النداء يا حرم الأنفس لمن دخله انس بالأمن من العذاب بقوله تعالى }حَرَمًا آمِنًا {لأنه محترم باحترامه ارتفعت العداوة بين القلب والنفس ويطرد الشيطان اللعين لأنه هو الذى زين لها الشهوات الدنيوية فعند ذلك تأنس إلى القلب فيشهد لها بالإذعان وتكتسب من صفاته فعند ذلك يسلمها إلى الملك ويلهمها قبول ما يلقى إليها قال تعالى{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}
فالزمها بالعمل الصالح فلهذا المعنى أشار إلى زمزم بياء النداء وقال يا زمزم الفيض الذى تعلقت به الآمال وقد صدق الأمل ينبوعه وفيضه بحرمة زم على النفس اى تقدم وضم على النفس ليزول عنها الظمأ وإذا زال ظماها حصل شفاوها لقوله صلى الله عليه وسلم ماء زمزم لما شرب له منه سر البيت الذى هو محل التجلى الإلهى وفى الحديث ان الله لينظر إلى قلب عبده المؤمن فى اليوم والليلة نيفا وأربعين مرة أو كما قال نحو البيت الذى هو قبلة التوجه قال تعالى {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } يبغى وصاله أي يطلب أن يصله بالواردات فإنها لا تنشأ إلا عن رضاه والرضا هو الوصال إليه وعند وصول البيت ينبغى ؟؟؟ النفس بالتحقيق من رعونتها ومن تلوينها ومن دنس اللبس وهو الذنوب الحاصلة من دسايس الخواطر الملبوسة التى لبسها الشيطان على النفس فإنه يلبس الباطن بصورة الحق كما قال بعضهم
* ؟؟؟؟ المرء فى التقوى صرعته * إن لم يكن حق من فيض العنايات *
لأنها خبيرة بالمضرات وإدخالها عليه الدسايس من حيث لا يدرى
تدس الداء فى ذر اللذات فإذا برزت من هذه الأمور الخبيثة استحقت الرتبة فى المقام
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin