ثم أخذ الشيخ يتأسف على ما فات منه فتذكر فى تلك الأماكن الشريفة فيا حسرتى يوما ببطن محسر بكسر السين موضع بمنى والحسرة أشد التلهف على الشئ الفايت تقول عنه حسر على الشئ بالكسريحسر حسرا أو حسرة فهو حسير وحسرت غيرى تحسيرا والحسرة محلها القلب المتلهف على فوت المراتب فإنه لو كانت أوقاته كلها طاعات كان فى أعلى الدرجات وإليه الإشارة بقول زين الدين عمر بن الفارض قدس سره *
* إن كان منزلتى فى الحب عندكم * ما قد رأيت فقد ضيعت أيامى *
لما رآ مقامه العالى تأسف على الأيام الماضية فى البطالة فإنها لو لم تقع فى البطالة كان مقامى أعلى مما رأيت أو على الذى يطلع على هذه الأسرار ولا يسعى فى طلبها وقد دلنى ذلك الوادى بحره على جرودى سقر كذلك وادى القلب وما نشأ فيه من الحرارة والزفرات الناشية عن الندم والحسرات من خوف عذاب الرجس القذر وقال القرافى فى قوله {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} أنه العقاب والغضب وهو مضارع لقوله الرجز قال ولعلهما لغتان بدلت السين زايا والرجس بالفتح الصوت الشديد فمن خوف صوته العذاب تجرعت سم مقاطعة الذنوب بالصبر من دنس النفس بالجرعا والاجرع وكذا الجرعة بالتحريك واحدة الجرع وهى رملة مستوية لا تنبت شيا بالقرب من مكة ؟؟؟ ندامةٍ وهو مفعول تجرعت أي حين رأيت تلك الأماكن ندمت على مشهدٍ شهدته فى تفريط الأعمال وشهد على بما فعلته قد كان منى ومضى بالأمس لآن الأيام ثلاثة فأمس مضى بالندامة وغدا لا أدرى ما يكون فاشتغل بيومك الذى أنت فيه وما النافية خفت بالخيف وهو ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن سبيل الماء وبه سمى مسجد الخيف بمنى وما خوفى بمسجد الخيوفِ الذى بوادى منى وارتحالى منه وإنما بيان أخاف على ذا النفس بالتفاتها واشتغالها بالتفريط فخوفى من ظلمة الرمس أى تراب
القبر قال بعضهم *
* يخفض من مسمي أو فى أفاعى * تصوت هامتى فى راس قبر *
أي إنما أخاف من ظلمة القبر ولكن بمزدلف الحجاج ومنه ازدلفوا أي تقدموا والمزدلفة موضع بمكة يحط الحاج فيه بعد تفرقهم من عرفات وفيه المشعر الحرام قال تعالى{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ} الآية ويندب النوم فيه قليلا ويلم منه حصى الجمار وفيه إشارة إلى الاستراحة من الذنوب والذكر ولم حصى الجمار إشارة إلى الاستعداد إلى محاربة الشيطان فى وادى منى ولذلك اعنته أى وجهت ناقتى التى هى النفس لأنها المطية المكلفة إلى الأعمال قال الله تعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} لانعم بالمزدلفة لانعمها برجوعى فى الدار الآخرة والحق بالجنس من اخواننا الصالحين الذين سبقونا بالإيمان جمعت لك أيها السالك الراغب بجمع أي بمزدلفة لأنها تسمى بجمع بين غيبى الانسان المعنوى وبين شاهدى أي ما يشاهد من ذاتى الجسمانية وصفات كل منهما وما يحصل من كل منهما فحصلت من جمعها بنورين نور الشريعة المكلف بها ظاهرى ونور الحقيقة والمعرفة بالله تعالى المكلف بها باطنى وحصل من مجموع النورين انشراح صدرى بالإيمان قال تعالى {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ}
وهو النور الذى حصلت عليه لم أشهد به شيا من الغفلات والخطرات التى هى من زينة النفس لأنها محجوبة عن التجلى وعن الواردات التى ترد على القلب لأنها متى اطلعت النفس على الواردات افرطت فى الدعوى ولهذا اشترط أهل هذا الشان الفنا حتى عن الفنا لأن للخلطة شوايب فيها الدعوى ومرادهم الدعوى الفناء الكلى فلما خلصت من شوايب النفس جعلت الأمانى جمع أمنية أي ما أتمناه وأطلبه عندما هى طرفيه أي عند الوقت الذى كنت به فى منى المكان الذى اطرد به الشيطان بالاستعداد الذى اكمنته من جمع الحصى لأرجمه بها الجمرات فهى عليه كالنار المحرقة وعند نزولى بالواد المذكور فى عيد الأضحى وهو نحر النفوس فلما رجعت من عرفات بالغفران جعل نحر الشاة فدآ من النحر الذى استوحيته بالغفلة فأفضيت إلى البيت وطوفتها به وبما حصل لى من الفيض وما حصل لها من الفدآ قال تعالى
}وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ{فانظره بالطرد والعكس اما من حيث طرده منى ومن حيث عكسه إذا قلبت الحروف ينم وهو من النمو أي الزيادة فى المقام العالى لمن أراد الحج الباطن لأنه إذا كان الحج الظاهر بهذه المثابة فما ظنك بالحج الباطن الذى هو المقصد الأسنى ففى الجمرات ؟؟؟ غربى مسجد الخيف فاولهم جمرة العقبة فى رونق الضحى يعنى بعد صلاة الصبح عند شروق الضحى وهى بالغرض الأوراد التى يشتغل بها العارف من بعد صلاة الصبح إلى رونق الضحى وبها ؟؟؟ عدو الجهل الذى هو الشيطان لقوله صلى الله عليه وسلم ان الشيطان ليضع خرطومه على قلب ابن آدم يوسوس له حتى إذا ذكر الله خنس فارتد خايبا فى نكس وانهدم ما بناه من المصايد والمكايد لأنه ورد فى الحديث أن كل إنسان له شيطان موكل به فلما خلصت من المكايد التى نصبها استسلمته كما روى عنه صلى الله عليه وسلم وأنت يا رسول الله ما لك شيطان قال بلى
ولكـنه أسـلم عـلى يـدي فـعند ذلك صفـيت ودخـلت في عـموم قوله تـعالى " إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ " وقـام أمــري عـلى حكــم الصــفا ينـادي إِنَّ عِـبَادِي لَيـْسَ لَكَ عَـلَيْهِمْ سُــلْطَانٌ فـعـند ذلك ظـهرت عـلى حـقيقـتي وهـو المـعنى القايـم بذاتـي وعلى جـميع مـا فـيه من المضـاهات بكل حـسن وقبــيح كـما فصحـت عـنه بـلغة غـريبة فـما أنا من عـرب فـصاح يدرون مـا أقول ولا أنـا من فـرس ثم إني بـعـد أن رمـيت الجـمرات وحـصبت العــدو وركــنت من فـتنته بـميلي إلى الركــن اليمــاني اسـتسلمه لأن في اسـتسلام اليمـاني اليـمن من اليمـين وهو اسـم الجـنة قال تـعالى " وَأَصْحَابُ الْيَمِـينِ مَا أَصْـحَابُ الْيَمِـينِ " وأيضـا الأمـن من الخـوف في جــنة القــدس أي جـنة اللــه المـقدس عن شـريك ومـثيل ثم إني عـند اســتلام الركــن أقمــت أناجــي بالمـقام الذي أقـام به إبراهــيم الخـليل يـناجـي ربـه وكـذلك أناجـي مـهيمنا شـهيدا قايمـا عـلى كـل نفـس بـما كـسبت تعالى عن التحــديد بالكـيف والأين وأن يوصـف بالفــصل والوصــل فــلا يـقال في جـهة ولا حـين ولا بالجـزء والجـنس تـعالى عـن ذلك لأن الجــزء مـا وقـع لشيء بـعينه غـير مـتناول للغـير والجـنس مـا وقـع عـلى كـثيرين مخـتلفين بالحـقايق فـي جـواب مـا هـو فـهو لا يوصـف بالبـعض ولا بالكــل ولا بجـوهـر ولا بـعرض لأنهـا حـادثة فشاهـدته لذ لا فـي عـالـم الذر فـي وقـت بـيعة الحجـر حـين أخـذ عـلينا المـيثاق وقـال امسحـوا بأيديكـم عـلى هـذا الحجـر الذي هـو الآن في ركـن الكـعـبة الأيمن تسـود من لمـس المـشركات في الحـيض وكـذلك الحجـر الأسـود الذي هـو في كـعبة وجـودك وقـد ذكـره الشـيخ فـي كـتابه التــدبيرات الإلهـــية فــي المـديـنة الإنســانية قـال وهـو حجــر عــزيز فـيه عــبرة ومحـــله بحــر الظــلمات وله أنــوار عجـيبة وهـو نكـتة ذاتـية في القـلب كمـثل الإنســان في العــين الذي هـو محــل الرؤيا وكـالسـاعة في الجـمعة كما قال عـليه الصـلاة والسـلام وقد تمثـلت له الجـمعة مـرآة وفيهـا نكـتة سـوداء وأخـبر أنهـا السـاعة التـي في الجـمعة فـإذا كـان الرين عـلى القـلب لـم يظـهر لذلك الحجـر وجـود وجـميع الأرواح التي في الإنسـان من عـقل وغـيره إنمـا هـو مترقـب لمشـاهدة تـلك النقطـة فـإذا بـدت مـا لهـا تـقابـل سـوى حـضرة الحـق الذاتـية فـينتشر من ذلك الحجر نـور مـن أجـل التـجلي فيسـري في زوايـا الجـسـم فـيبهـت العـقـل وغــيره ويبـصـر ذلـك النـور المنفـهـق مـن ذلك الحجــر شـعشـعانه فـلا يظــهر له تصــريف ولا حـركة لا ظـاهرة ولا بـاطـنة فإن أراد الله تـعالى أن يبـقي هـذا العـبد أرســل على القـلب سحـابة كـون مـا تحـول بـين هـذا النـور المــنفهق من تـلك النقطـة وبـين القـلب
فـينشـر النـور إليهـا مـنعكسا وتـسـرح الأرواح والجــوارح وذلـك هو التـثبـت فـيبـقى العــبد مـشـاهـدا وراء تـلك السحـابة لبـقاء الرسـم ويبـقى التجـلي دايمـا لا يزول أبــدا في ذلك الحجــر ولهـذا يقول كـثير أن الحــق ما تجـلى لشـيء قط ثـم اتحجـب عـنه بـعد ذلك ولكـن تخـتلف الصـفات وكـذلك من كـتب اللــه فـي قـلبه الإيمــان لا يمحـوه أبـدا ولذلك قـال أوليــك الذين كــتب اللـــه فـي قـلوبهـم الإيمـان فــهذا هـو الحجــر الأسـود المطـلوب الذي يبلغـك إلى مـشاهـدة المحـبوب فاعـلم ذلك ولـو حجـب قــلوب العـارفـين طــرفة عـين لهـلكـوا واســود من نكــث العــهود لذى المــتعاهـدين كـانوا في الجـاهلية يعـاهدوا ثـم يجـعلوا اللمـس عـمدتـهم فـي عــقد العــهود ثم ينكـثوهـا فاســود مـن ذلك لمـا روي في الحــديث أن الحجــر الأسـود لما أنزله اللـه تـعالى من الجــنة كـان أبــيض فـلما طــافت بـه الـزوار لمـستـه أيـدي العـصـيان اسـود مـن الذنـوب ومـن نكـث العــهود وكـذلك القـلب إذا عــلاه الـران مـن فـعـل الذنـوب فإنـه يسـود وبالحجـر أي حجــر إسـماعـيل حجـرت على الوجـود الإنسان وكـونه مشتـملا علي أي عـلى ذاتـي حـسا ومعـنى فـلا يغـدوا أي يـروح غـدوة والغـدو نقـيض الـرواح وقـد غــدا يغـدوا غـدوا وقـوله تـعالـى " بِالْغُــدُوِّ وَالْآصَــالِ " أي بالعـدوات فـعـبر بالفـعل عـن الوقـت وهـو الزمــان وهـي نسـبة إلى أول النهـار ولا يمـس أي جـعلت الحجــر عـليها رقــيبا لا يفارقـها في جـميع حـالاتـها لأنـه آخـذ بـناصـيتها
مَــا مِنْ دَابَّـةٍ إِلَّا هُـوَ آخِـذٌ بِنَاصِـيَتِهَا إِنَّ رَبّـِي عَـلَى صِـرَاطٍ مُسْتَـقِيمٍ وفي مـوقفـي عـرفـات التـي تعـارفت فيهـا حـوى النفــس وآدم العــقل وظــهر مـن بـينهما مــولود المـعرفـة باللـه تعالـى قـال لـي بلسـان الإلهـام الـوارد عـلى تعـرف الذي تشـاهـده فـهـذا المــوقف الأعــظم فـي القيـامـة وأنت فـيه بـين المهـابة أي الخـوف مـنه والأنـس وهـو الرجــا فـلما قضـيت الحـج الظـاهـر والحـج البـاطـن أعـلنت أظـهرت حـال كـوني مـنشدا أي مـعلنا بسـيري مـفعـول أعـلنت وهـو المـسـير فـي ســلوك هـذا المـقام بـين الجـهر لذلك الإعـلان للـذات أي لمـا أعـلنت بالـذات الأحــدية بـين الجـهـر والهـمس واللمـس لـغة الخــفـا ثـم قصــدت ســفـينة إحـساسـي وهـو الجـسـد الذي هــو كـالسـفينة لمــعـنا والأعــضاء الظــاهرة كـالمـقاديـف والقـلب كـالرايـس قـال تـعالـى " وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ " ثـم ركــبت عـليها قـال تـعالـى " وَعَلَى الْفُـلْكِ تُحْمَلُونَ " فـلم تـزل تـارة تسـيرها الريـاح وتـارة بـالمـقـاديف قـال تـعالى " وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ " وكـذلك العــارف فــتارة تســيره أرواح الشــرايع النبــوية وتـارة ريـاح أفكــاره الناطــقـة الخـرس أي خـرس ولاكـنها ناطـقة بـمعانيهـا التـي تـنشا عـن السـر فـلما مخـرت هذه السـفينة في سـيرها نحو الوجـود المطـلق الذي ليـس كـمثله شـيء وعـاينت مـن احـتجب بـسيف المهـابـة وهـو الأمـر والنهـي الشـرعـي الذي من تجـاوزه تصمد مـن جـل عـن رتــبة الإنـس أي أن يكـون فـي مـرتبـة البـشر وصـورة البـشـر الجـسمانية فـلا يكـيف ولا يقـاس بـمثله فـلما وصـلت سـفينة وجـودي إليـه دعــاني بـه بــلا واسـطـة وقـال يـا عـبدي فـلبـيت مجــيبا طــايعا فــعبدي مـنادى وحـرف النــدآ محـذوف تـقديره يـا عـبدي وإنمـا حـذف للـوزن وهـو جـايز الحـذف كـما في قـوله " يُوسُـفُ أَعْـرِضْ عَنْ هَـذَا " تـقديره يـا يوسـف أعـرض عـن هـذا وكـذلك إذا حـصل الفـيض فـينادى بالمـعـنى أو عـلى لـسان الشـارع قـال تـعالى " اسْتَجِـيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُـولِ إِذَا دَعَـاكُـمْ " فـإن الشـارع الأعــظم يـنادة نيـابة عن اللـه تـعالى وكـذلك إذا دخــل العــبد فـي الصــلاة فـقد دخـل في المـناجـاة والإشــارة بـقوله ربـنا لك الحــمد سـمع الله لمن حـمده فـالعـبد يـقول ربـنا لك الحـمد ثـم يجـيب نفـسه نيـابة عـن الله بـقوله سـمع الله لمـن حــمده تأمــل هــذا الفــتح والفــيض الذي لا يتـناهـى فـوق النهـاية وفـوق جـنا الغـرس أي فـوق مـا تجــنيه مـن الأشجــار يـقال أتـانا بجـناية طـيبة لكـل مـا يجـتني وثـمر جـني عـلى فـعيل حـين تجـني من ثـمار غـرسك الذي غـرسـته فـي الجـنة فإن ذلك مـراد النفـس ومـيلها إلـى الطــيبات فـي الجــنة وهـذا الغــرس الـذي هـو التوحـيد ؟؟؟؟؟ المــعرفة باللـه تـعالى وجــناها مــنازل القــرب إلـى الله تـعالى فـعاينت حـينيذ بالعـين البـاصـرة في الآخـرة مـوجـودا بــلا عـين أي بــلا حــدقة والـة مبصــر أي يبصـر يدركـه لقوله تعالـى " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ " وسـرح عـيني أي عـين بصــيرتي وهـي عــين هــيكلي وجـعل لـي في الجــنة مسـرحا ومـراحا فانطــلقت إلى المـشاهـدة مـن الحــبس أي من الدنيـا لأنهـا سـجن المـؤمن فكـنت كـموسى لمـا حـصل له التجـلي عـلى جـبل الطـور والمـناجـات طـلب الرؤيا حـين قـال لربـه وطـمع في الرؤيـا أريـد أرى ذاتـا أي قـال رَبِّ أَرِنِـي أَنْظُـرْ إِلَيْـكَ قَالَ لَـنْ تَـرَانِي لأنك في بـرزخ الفـنا وأنـا لا يـراني الفـاني لأن الفـاني لا يرى البـاقـي تـعالت عـن الحـس لأن البصـر الفـانـي لا يـرى إلا مـا كـان ممسـوسـا وَلَكِنِ انْظُـرْ إِلَى الْجَـبَلِ فَإِنِ اسْتَـقَرَّ مَكَـانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَـلَمَّا تَجَلـَّى رَبُّـهُ لِلْجَـبَلِ جَـعَلَهُ دَكّـًا وكـذلك العـارف فـدك مـن هـيبـة المتجــلي الجـبال الهــوى والدنيــا والتكـبر والريـاح وجـميع جــبال الصــفات المـذمومـة الراســيات عـلى أرض النفــس جــلالة أي مـن هــيبة جـــلالة الجــبال الراســيات دكــت واخـتفت وغــيب مـوســـى وتصــاغر حــتى لم يشــعر بـشيء واخـتفى العـرض مـن هـيبة ذلك التجـلي ودخـل في الكـرسي لأن جـميع المخـلوقات في جـانب الـرسي كحـبة ملقاة فـي فـلاة فـمن تجـلي الرب لمـوسـى التـقوى اخــتفى عـرش الإيمـان في كـرسـي القـلب وخـر مـوسـى التـقوى صـعقا ودكـت جـبال النفـس وحـصل الفـنا الكـلي عـند تجـلي نـور الجـبار وفـنى ظـاهـرا وبـاطـنا وكـل بـصره عـن الرؤيـة وكـنت حـينيذ كخـفاش وهـو طـير يطــير بالليـل ويخـتفـي بالنهـار لقصــور بصــره إذا أراد تمتــعـا لرؤيتــــه شــمس الضـحى فإنـه لا يمــكن أن يـراهـا إذا طـلعت وحجــبه عن ذلك ضـعف بصـره فانهـد أي الخـفـاش من لمحــة الشـمـس مــيتا لكــونه عــمى عن إدراك الكــون كـله عـند انبهـاره عـما كـان يدركـه في الليـل وكـذلك من سـلك هـذه المــسالك العـظيـمة ولـم يتـناولهـا مـن أفــواه المـرشـدين ربـما أفـضت به إلـى الهـلاك بدخـوله فـيما لا يـعرفـه فـلا ذاتــه يـعـني الخـفاش أو السـالك مـن غـير مـرشـد أبـقـى ولا أدرك المـنا من رؤيـة الشـمس وكذلك من غـره الأمـاني من غير عمل وغـودرت في طـمع مـا لا يمـكن أن يكــون فبـقـيت في الأمـوات جـسما بـلا نفـس أي بـلا روح فـمت قبـل مـوتي لقوله صـلى الله عـليه وسـلم مـوتوا قـبل أن تـموتوا ولكـنني عـند ذلك أدعـى على القـرب بقـوله إنـي قـريب أجـيب دعـوة الـداع إذا دعـان وقـد دعـاني إلى بـابـه وإن كــنت في مـقام الغـفـلة فإنـه لا يفـارقني مـع البـعـد والنـوى أي الصحــبة كـما تـقول نـواك الله أي صحـبك فـي سـفرك وحـفظـك
قـال بعــضهم :
يا عـمرو أحـسن نـواك الله بالرشـد ... واقـرأ سـلامي على الرفـقـاء بالثـمد وهـو الداعــي والمجـيب قـال تـعالى " ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " وذلـك النــدا بـلا كـيـف فـتـارة أدعــي بالرسـول اسـتجـيبوا للـه وللرسـول وتـارة أدعــي بال؟؟؟ الكــريم الـذي هـو الــروح العـلوي مـن عـالم الأمــر وتــارة مـن نفــسي التـي تـدعي بالعـرش فـيجرد مـنها أمـثال في عـالم الخـيال يدعـوني بهـا يَـا أَيَّتُـهَا النَّفْـسُ الْمُطْـمَئِنَّةُ ارْجِـعـِي إِلَـى رَبِّـكِ رَاضِـيَةً مَـرْضِـيَّةً فَادْخُـلِي فِي عِـبَادِي وَادْخُـلِي جَـنَّتِي فـمن لم يكـن قصـده عـلى طـريق هـذه الحإجـة أي عـلى هـذه الطـريقة ظـاهـرا وبـاطـنا ولم تصـح له هـذه الحجـة والحـج القصـد وقد حـج بـنوا فكـان إذا طــالوا الاخـتلاف إليـه والتـردد مــرة بـعد أخـرى وكـذلك العـارف فـي قصـده الأعـظم المحجـوب عـنه وهـو يطـلب في قصـده العـين المشـاهدة من أعــيان المـناسـك الظـاهـرة التـي هـي مـراسـم المـناسك واشـتـغل بالغـفـلة عـن المـعاني القايـمة بـها التـي هـي مـوضـوعة لـها بالعـرض لا بالـذات ومن قصــد هـذه الرسـوم فـهو فـي حـضرة الأيـن أي الأعـيان المـوضوعة في الأحجـار المـبنية وحــضرة عـينه ولأجـل هـذا قـال أبو يزيد البــسطامي عـن حجـة البـيت قـال أول مـرة رأيـت البـيت وفـي الثـانيـة رأيـت رب البــيت ولـم أر البـيت فاسـلك يـا خـي فـي هـذا الطـريق الذي أشـرنا إليـه من مـقابـلة حـج الظـاهر بالحـج الباطـن وقد قـل الرفـيق أي الصـاحب في هـذا المـسلك والرفـيق من الرفـق أي المـساعـد لك حـتى يتـصـل بـه أي بـاللـه مـن غـير انفــصال فـإنك إن اشتـغـلت بالأيـن فـهو لأيـن ووقـعـت في البـين وبـعـدت عـن العـين وتنـفصـل عـنه وإنمــا يكـون حــظك من الحـج تـل شــهدته من انيــة المــناسـك الظــاهرة إليـه مـرجـعكم فـينيبكـم بمـا كـنتم تعـملون وهـو رجـوع مـن غـير اتــصال بالله تـعالى وتســقط عـن درجـة الولايـة وحـينيذ جــاهـد في ســلوك هـذا الطـريق لتــنال الوصــال ويكـون ظــلالك لا يفــارقك وهـو مـعـكم أيـنما كــنتم كالظـل فـإن ظــل الإنسـان لا يفـارقه ولا هـو مـتصل بـه ولا مـنفصل يســجد له مـا خـفي من الحـواس البـاطـنة وصـار كـل مـنهما ظـاهـرا وبـاطـنا يسـبحه بالغــدو وهـو أول النهــار والآصــال آخـره وقـيل الآصــال الليـل مـبالغـة فــي عــدم الغـفلة.. فَـــصْل ومـن ذلك البحــر الطــامر والبحــر الغاطر تـنزل روح أمـين وهـو الوحـي أول ما بـدأ بـه صـلى الله عـليه وسـلم من الوحـي الرؤيـا الصـالحـة تأتـي بإشـراق صـبح مـبين أي كـفلق الصـبح ثـم قـوي الوحـي حـتى صـار في اليـقظة وذلك إشـارة لمـن أراد الوصــول إلـى اللـه تـعالى ودرجـة الولايـة فإنـها تكـون أول مـبشـرات الولايـة وهـي جـزء من ســتة وأربـعـين جـزء من النبـوة وهـي بـدايـة النبــوة والنهـاية بـنزول جـبريل وكـذلك الوحــي الإلهـامـي في نـهايـة الولايـة فـالنبـوة بطـريق الوهـب والولايـة بطـريق الكـسب فـالنبـي مأمــور بالجــهاد ظـاهرا وبـاطـنا والولـي بالجـهاد ظـاهرا فـي حـواسـه الظـاهرة وبـاطـنا في حـواسـه البـاطـنة ولمـا أشـرق نـور الولايـة وهـزم الصـبح أي صـبحـها المـسفر عن الأسـرار المـشرقة انهـزم جـيوش الليـل أي ليـل الغـفلة والظـلم والجــور مـن حـزب الله ألا إن حــزب اللـه هـم الغـالبون وعـملت جـيوش صـبح الطـاعـة في جـيوش ليـل المعـصية وأوجـف أي اضطـرب ووجـف وقـد وجـف البــعير يجـف وجـفا ووجـيفا وأوجــفته أنا ويـقال أوجـف فأعجـف وكــذلك أوجـف صــبح الطــاعـة أي اضطــرب على جـيش ليــل المعـصية حـتى لـم يبـق لتـلك الظـلمـات المـتراكمة أثـر قـال الله تـعالى " مَـا أَوْجَـفْتُمْ عَـلَيْهِ مِـنْ خَـيْلٍ وَلَا رِكَـابٍ " أي مـا أعملتـم عـليه مـن الاســتعداد بسـوابق الخــيل المـعـدة لذلـك فـلما تـراء الجـمعـان فاهـزمـوهم وخـسر هـنالك المـبطـلون وجـعـل بســبب ذلك الجـسم المـركـب الجـامع للفـريقين والرسـم في قـبضة العـين المـعــنوي فـلما اسـترقـته الشــهوات واستـعـبدته اللــذات وغــلب عـليه العـدو الشـيطان فخـلصه وأعـتقه مـن رق كـونه فخـلص مـن رق نفـسـه وألبـسـه رداء الحــفـظ بالتـقـوى بالســنة الـغـراء وزيــن بـاطـنه بالإخــلاص وهــو صـونه من السـقـوط في شـركة الشـيطـان ومضـلاته ومنحــه مشـاهـدة كـل شـيء بحـقيقتـه وعـينـه ولهـذا كـان من دعائه صـلى الله عـليه وسـلم اللهـم أرنا الأشـياء كـما هي في أي وجـهة ووجـه كـل شـيء كـان من أينه أي كـل أينية من مـراده من أمـر ونــهي فـإنها محــل أيـنية الحــق وإليـه الإشـارة بـقوله لـما سـأله أحــمـد ابـن حـنبل في المـنام وقـال يـا رب بـم يتـقرب إليـك المـتقربون قـال بكــلامي فـنبهك عـلى أن كـلامه أينيـة من أينياتـه لأنـه فيـه الأمــر والنهـي قـال تـعالى " شِـرْعَـةً وَمِـنْهَاجًـا " يـعـني طـريقا مـشروعـا إليـه سـبحـانه ثـم إن الشـيخ التـفـت إلى المـضاهـاة وجــرد مـن نفـسـه سـايلا
ثـم إن الشـيخ التـفـت إلى المـضاهـاة وجــرد مـن نفـسـه سـايلا في صـورة رجـل يسـأله أو يكـون ظـاهر الأمـر عـلى مـا ذكـره من أمـر الرجـل الذي ذكـره فـقال عـند ذلك
سـألني رجـل من أهـل تــبريز بـلد في العـجم أو الذي بــرز مـن وجـوده
وهـو ممـن يـقـول وينبـيء بـدولة العـزيز مـلك مـصـر
لأن كـل من مـلك مـصـر يـقال له العـزيـز وكـل مـن مـلك الـروم يـقال له قـيصر وكـل مـن مـلك العـجم يقال له كـسـرى
والحـاصـل مـن عـلامـاته ظــهور دولـة العـزيـز
وعـــنـد انقضـايها يكـون خــتم أوليـايه
أو الذي أعـزه لله تـعالى بـنصره وهـو القـلب قـال تـعالى " هُـوَ الَّذِي أَيَّـدَكَ بِنَصْـرِهِ وَبِالْمُؤْمِـنِينَ " " وَأَنْـزَلَ جُـنُودًا لَمْ تَرَوْهَـا " فجـاهد فـي الأعــداء وهـم جـنود النـفـس والشـيطان ؟؟؟ فاهـزمـوهم قـال تـعالى " وَمَا النَّصْـرُ إِلَّا مِنْ عِـنْدِ اللَّـهِ " وهـي أول المـلاحم المـعدة من عـلامـة السـاعةالتـي هـي الوصـول إلى اللــه تـعالى وانقـضـا دنيـا النفـس والشـيطان
وقـد يـراد به ظـاهر المهـدي وعـيسى فـهما عـزيزان لأن عـيسى عـليه السـلام كـان في دور النبـوة وقـد أعـزه اللــه تـعالى بخـتم دور الـولاية المحــمدية
وأن هــذا الرجـل المشـار إليــه في إبـراز السـلوك ينكـر ســقوط التمــييز بالعــلامة الدالة عـلى ظــهوره
وينكــر خـتم الأوليـاء ويعـرض من دلالـة مـنكراته مـن أســـرار أشـراط السـاعة وهـذه الجـملة كـلها جـواب عـن قـوله:
ســألني رجــل مـن تــبريز عـن دولة العـزيز
وهـذه الجـملة كـلها جـواب عـن قـوله ســألني رجــل مـن تــبريز عـن دولة العـزيز وفي ضـمنه عـلامـات السـاعة وأمـاراتـها أي أمــارات ظــهورها وحـقايقـها وعـن أشـراط السـاعـة البـاطـنة وإشــاراتها التـي تضـاهيـها من حـيث البـاطن مـن عـلاماتـها طــلوع الشــمس من مـغربـها وهـي أحـد العـشرات وأولـها وأنا أريـد أن أبـين له روحـانيـة مقصــدها الذي أراده اللـه تـعالى بخــروجـها من المـغـرب ومـذهبـها إلـى المـشرق وســبب رجـوعهـا لى المـغـرب قـبل بـلوغـها المـشـرق وذلك إشـارة إلى غـضب الله تـعالى مـن أفـعـال عـباده ومـن كـون أنـهم يتـوبون ثـم يعـودون وهـذا ســبب إغــلاق بـاب التـوبـة
وكـذلك العـارف إذا أظـلم وجـوده بالمـعاصـي ولم يتفـكر في التـوبـة ربـما أصـر على ذلك حـتى يتـناقص الإيمــانلأن الإيمــان يزيـد وينقــص يـزيد بالطـاعة وينقـص بالمـعصـية قـال تـعالـى " وَيَـزْدَادَ الَّذِيـنَ آمَـنُوا إِيمَـانًا " فـإذا نقـص الإيمـان بالمـعصيـة واستخـف بـها ولازم التجــرأ بالإصــرار وهــتك محـارم اللـه تـعالى واسـتـمر عـلى إبـقاء زلـة وحـوبة الحــوب بالضـم الإثـم والحـاب مـثله ويـقال حـبت بكـذا أي أثـمت تحـوب حـوبا وحـوبة حـتى دخـل عـليه القـنوط وآيس مـن رحـمة اللــه تـعالى وقـع فـي الكـفـر فـعند ذلك تخـرج شـمـس وجـوده المـعـلقة بإغــلاق بـاب تـوبـته إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْـفِـرُ أَنْ يُشْـرَكَ بِـهِ وَيَغْـفِـرُ مَـا دُونَ ذَلِكَ لِمَـنْ يَشَـاءُ ومـن العـلامـات المـذكـورة نفـخ دابـة أي وقـد سـألني عـن سـبب خروج الدابـة ونفخـها بـعد ذلـك وذلـك أنهـا تكـون للـفرق بـين المـؤمـن والكـافر لأن الآيـة الأولـى الأمـر فـيها مبــهم فـيريـد اللـه تـعـالى بـذلك أن يظــهر فضــيلة المـؤمن التــايب مـن الكـافر ويبـين أيــضا أن التـوبة صـفة المـؤمـن قـال تـعـالى " وَتُـوبُـوا إِلَى اللَّـهِ جَـمِيعًا أَيُّهَا الْمُـؤْمِـنُونَ "
وكـذلك خـروج دابــة الغـفـلة التـي غـفـلها وأوســمته بالحـرمـان ليظـهر الفـرق بـينه وبـين من يظـهر الصـلاح ويضـمر خـلافه وكـذلك العـارف السـالك إذا خـرجت دابـة الفـرق بـين الصـفـا والمـروة أي من بـين الصـفـات المحـمـودة والمـذمـومة ووسـمته الصـفات المـذمومة وجـعل حـينيذ له الفـرق وعـلم كـل مـنهما مـا له فعـند ذلك نزول مـسيح أي نزول عــيسى ابن مـريم عـليه السـلام وفـيه سـر وذلك أنه يكـون خـاتم المـؤمنين تظــهر فـايدة قـوله صـلى الله عـليه وسلم كـيف تضـام أمــتي وتشـقى وأنـا قـايدهـم وعـيسى سـايـقـهم وقـد يـراد بـه فـي الآخـرة أن يكـون صـلى اللـه عليه وسـلم سـايقـهم إلى الجـنة وعـيسى قـايدهـم وكـذلك نـزول مــسيح وجـودك وهـو الإلهــام ليمـسح عـن نفـسـك جـعـلها ومـن عـلاماته خـسف جـيش وذلك بـعد خـروج المـهدي فـيرسل السـفياني جـيشا لقتـاله فـيأتـون المـديـنة الفـيحـآ مـديـنة الرســول صـلى اللَّــه عـليه وســلم فـينهـبونها ثـلاثـة أيــام وليـاليـها ثــم يخــرجون مـتوجـهين إلى مكــة حـتى إذا كـانوا بمـهامـة وهـي المـفـازة البـعـيدة الأطــراف والجـمع المـهامـه وهـي أرض البــيدا بـعـث اللَّــه تـعالى جـبريل عـليه السـلام لهـلاكـهم فـيأتيـهم فـيضـرب الأرض برجـله ضـربـة فـيخـسف اللَّـه تـعالى بـهم
وكـذلك إذا خـرج مــهدي وجـودك فــيبعث الشـيطان جـيشا قـال اللّــَه تـعالـى " وَأَجْـلِبْ عَلَيْـهِمْ بِخَـيْلِكَ وَرَجِـلِكَ فيدخـلون مـدينة وجـودك فـي حـال الغـفلة مـنك ويسـتولي جـند الشيطان عـلى مـا فــيها وأفـسدوهـا وجـعـلوا أعــزة أهــلها أذلـة فـزكـاها البـاري تـعالى قـال " وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ " فـعند ذلك تفــتح ملحـمة عـظمى لقـوله صـلى اللَّـه عـليه وسـلم لا تـقوم السـاعة حـتى تحـسر الفراة ( الفرات ) عـلى جـبل مـن ذهـب يقـتتل النـاس عـليه فـيقتل مـن كـل مـاية تـسعة وتـسعون ويـقول كـل رجـل لعـلي أكـون أنا الذي أنجـو فإذا تـقرر هـذا فـالعـارف لا تـقوم قـيامته حـتى يحـسر فـرات المـعرفة عن جـبل من ذهـب الصـفات المـذمومـة والمحــمودة فـإن غـلب المــيل إلى الدنيـا ولهـوهـا وزيـنتها فـتتراكم جـنود المـعـرفة ومن زهـدهـا نجـا مـن الفـتنة ومـن اقتحــمها هـلك فـينجـوا مـن كـل تـسعة وتـسعين واحدا يـقـول لعـلي أنجـو من فـتنة الدنـيا وقـل مـن ينجـو إلا مـن عـصمه اللَّـه تـعالى
ومـن عـلاماتها التي سـألني عـنها فـتح مـدينـة كبرى وذلك عـند خـروج المـهـدي فـيملك جـبـل الديـلـم والقسـطنطـينية ورومــية الكــبرى وكـنيسـة الذهــب
وكــذلك العـارف فإذا فـتح المـدينـة الإنسـانية ومـلك جـبال الهـوى ورومــية محـل المـلوك وهـو الإيمـان ومحـله القـلب واســتولى عـلى كـنيـسة النفــس بتكــبيرة وتحـمـيدة وإظــهار شــعاير الإســلام عـلى مقتــضى الســنة الغـراء السمحـاء وآدابـها لا بالمرهـفات أي السـيـوف الهـنديـة البـيض المصـقولة ولا بـزرق الأسـنة أي بـطعن الرمـاح الخـطـية
وكـذلك السـالك إنمـا هـو مـأمـور بـلزوم الفـرايـض ومـن الســنة ما يسـتطيع قـال تـعالى: مـا تـقرب إلـى عـبدي بأحـسن ما افـترضت عـليه وقال صـلى اللـه عـليه وسلم: مـا أمركـم الله بـه فـعضـوا عـليه بالنواجـذ ومـا أمـرتكم بـه فـافـعلوا مـنه ما استطـعتم فـالعـارف يــلازم الســنـة بالقـبـول والتـوفـيق وخــتم ولايـة معـطوف عـلي تكـبير وتــهليل وتـقديره وفــتح مـدينة كـبرى يفـتحها خـتم الأوليــاء بتكـبير وتـهليل وروضـته خـضراء يـعني أن مـبدأ نـزول عــيسى بدمــشق وهـي الروضـة الخـضراء وكـذلك عـيسى الإلهـام مـبدأ نـزوله عـلى أرض وجـودك المخـضرة بمـا حـصل لهـا مـن الفـيض الربـاني المـوجودة حقيـقته مـن المـنبع الأعـظم الذي هـو الكـتاب والسـنة وسـر بـداية النبـوة ويدخـل في عـموم قـوله تـعالى " قُـلْ هَذِهِ سَـبِيلِي أَدْعُـو إِلَى اللَّـهِ عَلَى بَصِـيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَــنِي " أي اتبـع ســنتي والولايـة أول درجـة النبـوة وهـي محجــة بيـضـآ أي هـذه السـنة مـن حـيث أنهـا مـراد اللـه ورسـوله محـفوفـة بالنـور والفـيض مـن الجـناب العـالي المـنفي ظـلمة الكـفر والغـفلة ولا يـنال هـذا الفـيض وإشـراق هـذا النور إلا من خـرج مـن مـقامـه الذي أوقفـه عـن نيـل المـراتـب الكـليـة وانحـط عـن مـقـام الكـبر إلى مـقـام أنـزل بمـعنى يتـنزل عن كل صـفة تكـبر وعـلو إلى مـقـام أنـزل مـنه ممـا كـانت تألفــه نفـسه من طـلب رياسـة وطـلب مـدحة إلى غـير ذلك فصـح له شـرف العـلا الأكـمل ونسـب إليـه نسـبة ولاء قال تـعالى " نَحْـنُ أَوْلِيَـاؤُكُمْ فِـي الْحَـيَاةِ الدُّنْيـَا وَفِـي الْآخِـرَةِ " وإلى هـذا أشــار ابن الفـارض:
ولو كنتَ بي من نقطة ِ الباءِ خفضة ً ... رُفعتَ إلى مالَمْ تنلهُ بحيلة ِ
قال الشارح :
فأولت الطلسم الصـفر كتابا مشكـلا ونطقه لي بتساهل معانيه وبدور إشـارة إلى المبادرة فاسـتيقظت وأنا في فـترة فـعند ذلك حصلت من فيض شيخنا لمحة برق غير خلب برقت من سم إبرة فأمطر علي سحـاب غيث مغيث فانتهجت أرض وجـودي وأنبتت ما فيها من الكـلأ فأزهرت حسنا وبها فبينما أنا أرتع في رياضها إذ وجدت ضالة فالتقطتـها وهي الحكـمة في هذه المدنية الإنسانية وقـوله صلى الله عليه وسلم الحكـمة ضـالة المؤمن حيث وجدها التقطـها أي أخذها بالتفكـر والاعتبار بقوله تعالى " سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ " وقد ضاهى شيخنا هذه المدنية الإنسانية بالعالم جـميعه وجعل ذكر الملاحم الظاهـرة بمنزلة القالب لتحـصيل معنى الملاحم الباطنة فإنه تعالى رضي الله عنه أشار إليه في النظم في بعض كلامه بقوله فاعرف إلهـك من قبل الممـات فإن تمت فأنت على التقليد مسجون وقد مدحه العلامة شيخ زمـانه مجد الدين الفيروزابادي صـاحب القامـوس لما سيل عن القراءة في كتب الشيخ أعاد الله تعالى علينا من بركاته فأجاب ما صورته اللهـم أنطـقنا بما فيه رضـاك. الذي أعتقده في حـال المسـئول عنه وأدين لله به أن كان شـيخ الطريقة حالا وعـلما وإمام التحقيق حقيقة ورسـما وسمى رسوم المعاني فعلا وإسما إذا تغلغل فكر المـرء في طـرف من مجده غرقت فيه خواطره في عباب لا تدركه الدلاء وسحاب تتناقص عنه الأنواء وكانت دعواته تخـترق السبع الطباق وتفترق بركاته فـتملأ الآفاق وإن ظـني به أنني ما أنصفته وأنشد شعر
وما علي إذا ما قلت معتقدي ... دع العذول يظن الجهل عدوانا
والله والله والله العظـيم ومن ... أقـام حجـة لله برهــانا
إن الذي قلت شيا من مناقبه ... ألا لعل زدت الوصف نقصانا
وأما كتبه ومصنفاته البحـار الزواخر التي بجواهرها وكثرتها لا يعرف لها أول ولا آخـر وما وضـع الواضعون مثلها وإنما خص الله بمعرفة قدرها أهـلها. صاحب كلام القاموس وأما ما جـنح إليه فكري القاهر وذهني الفاتر في مدحه نظما حيث أقول:
والله والله أيمـانا موكـدة ... يمـيز صـدق فلا زور ولا كذب
قد كان بحرا مع الأمواج طامية ... والسفن سايرة والريح تضطرب
فالشيخ محيي لدين الله رايها ... بالجد والعزم لا خوف ولا حرب
كـم فـك رموز علم مقفلة ... وفـاق أقرانه مشهور بالعرب
عقد على جيد هذا الزمن بهجته ... تزهو جواهره بالفطن والأدب
عـلا على الغر قريب الدهر مرتبة ... وصاغ ألفاظه من تبره الذهب
كـبريته الأحمر الشفا وطالعه ... يدور في فلك الأفـلاك للطلب
أكسيره الخارج الأجسام معكر ... في جوهر النفس بالتدبير يكتسب
كـذا خزانته عـنقا مغربـة ... لطالب راغب بالجـد والنصب
يغوص في بحر أفكار يجني جواهره ... في كل فرد يتيم لؤلؤ رطب
قد بايع النفس يبغي وصلا رغدا ... وغاب عن جنسه والحير والتعب
فالحاتم الطائي ذاخر فاقه وما ... عمت فضايله للعجم والعـرب
لل؟؟؟؟؟ تـاج من جـلالته ... لما أتـاه سـليم فـاز بالأدب
وعمه النصـر بالفتح المبـين له... والأمن يدخله مصر بلا تعب
فإن تكن سالكا منهاجـه رغـبا ... ففي فتوحاته سلك لمرتقب
فغرة الدهر أضحت وعلى سيرته ... من نالها جاهدا يعلو على الرتب
و؟؟؟ ما قلت بعضا من فضايله ... فالعجز عن ضبطها أيضا وعن نسب
فطالما حاولت هذا الديوان وحـمت حول هذا الميدان وتقهقرت خوف العجز في مقارنة الشجعان وأقول للنفس لا يقاس الأبطال بالبطال لما حـوى فيه من الإعجـاز وموجـة اللفـظ والإيجــاز
* إن كان منزلتى فى الحب عندكم * ما قد رأيت فقد ضيعت أيامى *
لما رآ مقامه العالى تأسف على الأيام الماضية فى البطالة فإنها لو لم تقع فى البطالة كان مقامى أعلى مما رأيت أو على الذى يطلع على هذه الأسرار ولا يسعى فى طلبها وقد دلنى ذلك الوادى بحره على جرودى سقر كذلك وادى القلب وما نشأ فيه من الحرارة والزفرات الناشية عن الندم والحسرات من خوف عذاب الرجس القذر وقال القرافى فى قوله {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} أنه العقاب والغضب وهو مضارع لقوله الرجز قال ولعلهما لغتان بدلت السين زايا والرجس بالفتح الصوت الشديد فمن خوف صوته العذاب تجرعت سم مقاطعة الذنوب بالصبر من دنس النفس بالجرعا والاجرع وكذا الجرعة بالتحريك واحدة الجرع وهى رملة مستوية لا تنبت شيا بالقرب من مكة ؟؟؟ ندامةٍ وهو مفعول تجرعت أي حين رأيت تلك الأماكن ندمت على مشهدٍ شهدته فى تفريط الأعمال وشهد على بما فعلته قد كان منى ومضى بالأمس لآن الأيام ثلاثة فأمس مضى بالندامة وغدا لا أدرى ما يكون فاشتغل بيومك الذى أنت فيه وما النافية خفت بالخيف وهو ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن سبيل الماء وبه سمى مسجد الخيف بمنى وما خوفى بمسجد الخيوفِ الذى بوادى منى وارتحالى منه وإنما بيان أخاف على ذا النفس بالتفاتها واشتغالها بالتفريط فخوفى من ظلمة الرمس أى تراب
القبر قال بعضهم *
* يخفض من مسمي أو فى أفاعى * تصوت هامتى فى راس قبر *
أي إنما أخاف من ظلمة القبر ولكن بمزدلف الحجاج ومنه ازدلفوا أي تقدموا والمزدلفة موضع بمكة يحط الحاج فيه بعد تفرقهم من عرفات وفيه المشعر الحرام قال تعالى{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ} الآية ويندب النوم فيه قليلا ويلم منه حصى الجمار وفيه إشارة إلى الاستراحة من الذنوب والذكر ولم حصى الجمار إشارة إلى الاستعداد إلى محاربة الشيطان فى وادى منى ولذلك اعنته أى وجهت ناقتى التى هى النفس لأنها المطية المكلفة إلى الأعمال قال الله تعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} لانعم بالمزدلفة لانعمها برجوعى فى الدار الآخرة والحق بالجنس من اخواننا الصالحين الذين سبقونا بالإيمان جمعت لك أيها السالك الراغب بجمع أي بمزدلفة لأنها تسمى بجمع بين غيبى الانسان المعنوى وبين شاهدى أي ما يشاهد من ذاتى الجسمانية وصفات كل منهما وما يحصل من كل منهما فحصلت من جمعها بنورين نور الشريعة المكلف بها ظاهرى ونور الحقيقة والمعرفة بالله تعالى المكلف بها باطنى وحصل من مجموع النورين انشراح صدرى بالإيمان قال تعالى {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ}
وهو النور الذى حصلت عليه لم أشهد به شيا من الغفلات والخطرات التى هى من زينة النفس لأنها محجوبة عن التجلى وعن الواردات التى ترد على القلب لأنها متى اطلعت النفس على الواردات افرطت فى الدعوى ولهذا اشترط أهل هذا الشان الفنا حتى عن الفنا لأن للخلطة شوايب فيها الدعوى ومرادهم الدعوى الفناء الكلى فلما خلصت من شوايب النفس جعلت الأمانى جمع أمنية أي ما أتمناه وأطلبه عندما هى طرفيه أي عند الوقت الذى كنت به فى منى المكان الذى اطرد به الشيطان بالاستعداد الذى اكمنته من جمع الحصى لأرجمه بها الجمرات فهى عليه كالنار المحرقة وعند نزولى بالواد المذكور فى عيد الأضحى وهو نحر النفوس فلما رجعت من عرفات بالغفران جعل نحر الشاة فدآ من النحر الذى استوحيته بالغفلة فأفضيت إلى البيت وطوفتها به وبما حصل لى من الفيض وما حصل لها من الفدآ قال تعالى
}وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ{فانظره بالطرد والعكس اما من حيث طرده منى ومن حيث عكسه إذا قلبت الحروف ينم وهو من النمو أي الزيادة فى المقام العالى لمن أراد الحج الباطن لأنه إذا كان الحج الظاهر بهذه المثابة فما ظنك بالحج الباطن الذى هو المقصد الأسنى ففى الجمرات ؟؟؟ غربى مسجد الخيف فاولهم جمرة العقبة فى رونق الضحى يعنى بعد صلاة الصبح عند شروق الضحى وهى بالغرض الأوراد التى يشتغل بها العارف من بعد صلاة الصبح إلى رونق الضحى وبها ؟؟؟ عدو الجهل الذى هو الشيطان لقوله صلى الله عليه وسلم ان الشيطان ليضع خرطومه على قلب ابن آدم يوسوس له حتى إذا ذكر الله خنس فارتد خايبا فى نكس وانهدم ما بناه من المصايد والمكايد لأنه ورد فى الحديث أن كل إنسان له شيطان موكل به فلما خلصت من المكايد التى نصبها استسلمته كما روى عنه صلى الله عليه وسلم وأنت يا رسول الله ما لك شيطان قال بلى
ولكـنه أسـلم عـلى يـدي فـعند ذلك صفـيت ودخـلت في عـموم قوله تـعالى " إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ " وقـام أمــري عـلى حكــم الصــفا ينـادي إِنَّ عِـبَادِي لَيـْسَ لَكَ عَـلَيْهِمْ سُــلْطَانٌ فـعـند ذلك ظـهرت عـلى حـقيقـتي وهـو المـعنى القايـم بذاتـي وعلى جـميع مـا فـيه من المضـاهات بكل حـسن وقبــيح كـما فصحـت عـنه بـلغة غـريبة فـما أنا من عـرب فـصاح يدرون مـا أقول ولا أنـا من فـرس ثم إني بـعـد أن رمـيت الجـمرات وحـصبت العــدو وركــنت من فـتنته بـميلي إلى الركــن اليمــاني اسـتسلمه لأن في اسـتسلام اليمـاني اليـمن من اليمـين وهو اسـم الجـنة قال تـعالى " وَأَصْحَابُ الْيَمِـينِ مَا أَصْـحَابُ الْيَمِـينِ " وأيضـا الأمـن من الخـوف في جــنة القــدس أي جـنة اللــه المـقدس عن شـريك ومـثيل ثم إني عـند اســتلام الركــن أقمــت أناجــي بالمـقام الذي أقـام به إبراهــيم الخـليل يـناجـي ربـه وكـذلك أناجـي مـهيمنا شـهيدا قايمـا عـلى كـل نفـس بـما كـسبت تعالى عن التحــديد بالكـيف والأين وأن يوصـف بالفــصل والوصــل فــلا يـقال في جـهة ولا حـين ولا بالجـزء والجـنس تـعالى عـن ذلك لأن الجــزء مـا وقـع لشيء بـعينه غـير مـتناول للغـير والجـنس مـا وقـع عـلى كـثيرين مخـتلفين بالحـقايق فـي جـواب مـا هـو فـهو لا يوصـف بالبـعض ولا بالكــل ولا بجـوهـر ولا بـعرض لأنهـا حـادثة فشاهـدته لذ لا فـي عـالـم الذر فـي وقـت بـيعة الحجـر حـين أخـذ عـلينا المـيثاق وقـال امسحـوا بأيديكـم عـلى هـذا الحجـر الذي هـو الآن في ركـن الكـعـبة الأيمن تسـود من لمـس المـشركات في الحـيض وكـذلك الحجـر الأسـود الذي هـو في كـعبة وجـودك وقـد ذكـره الشـيخ فـي كـتابه التــدبيرات الإلهـــية فــي المـديـنة الإنســانية قـال وهـو حجــر عــزيز فـيه عــبرة ومحـــله بحــر الظــلمات وله أنــوار عجـيبة وهـو نكـتة ذاتـية في القـلب كمـثل الإنســان في العــين الذي هـو محــل الرؤيا وكـالسـاعة في الجـمعة كما قال عـليه الصـلاة والسـلام وقد تمثـلت له الجـمعة مـرآة وفيهـا نكـتة سـوداء وأخـبر أنهـا السـاعة التـي في الجـمعة فـإذا كـان الرين عـلى القـلب لـم يظـهر لذلك الحجـر وجـود وجـميع الأرواح التي في الإنسـان من عـقل وغـيره إنمـا هـو مترقـب لمشـاهدة تـلك النقطـة فـإذا بـدت مـا لهـا تـقابـل سـوى حـضرة الحـق الذاتـية فـينتشر من ذلك الحجر نـور مـن أجـل التـجلي فيسـري في زوايـا الجـسـم فـيبهـت العـقـل وغــيره ويبـصـر ذلـك النـور المنفـهـق مـن ذلك الحجــر شـعشـعانه فـلا يظــهر له تصــريف ولا حـركة لا ظـاهرة ولا بـاطـنة فإن أراد الله تـعالى أن يبـقي هـذا العـبد أرســل على القـلب سحـابة كـون مـا تحـول بـين هـذا النـور المــنفهق من تـلك النقطـة وبـين القـلب
فـينشـر النـور إليهـا مـنعكسا وتـسـرح الأرواح والجــوارح وذلـك هو التـثبـت فـيبـقى العــبد مـشـاهـدا وراء تـلك السحـابة لبـقاء الرسـم ويبـقى التجـلي دايمـا لا يزول أبــدا في ذلك الحجــر ولهـذا يقول كـثير أن الحــق ما تجـلى لشـيء قط ثـم اتحجـب عـنه بـعد ذلك ولكـن تخـتلف الصـفات وكـذلك من كـتب اللــه فـي قـلبه الإيمــان لا يمحـوه أبـدا ولذلك قـال أوليــك الذين كــتب اللـــه فـي قـلوبهـم الإيمـان فــهذا هـو الحجــر الأسـود المطـلوب الذي يبلغـك إلى مـشاهـدة المحـبوب فاعـلم ذلك ولـو حجـب قــلوب العـارفـين طــرفة عـين لهـلكـوا واســود من نكــث العــهود لذى المــتعاهـدين كـانوا في الجـاهلية يعـاهدوا ثـم يجـعلوا اللمـس عـمدتـهم فـي عــقد العــهود ثم ينكـثوهـا فاســود مـن ذلك لمـا روي في الحــديث أن الحجــر الأسـود لما أنزله اللـه تـعالى من الجــنة كـان أبــيض فـلما طــافت بـه الـزوار لمـستـه أيـدي العـصـيان اسـود مـن الذنـوب ومـن نكـث العــهود وكـذلك القـلب إذا عــلاه الـران مـن فـعـل الذنـوب فإنـه يسـود وبالحجـر أي حجــر إسـماعـيل حجـرت على الوجـود الإنسان وكـونه مشتـملا علي أي عـلى ذاتـي حـسا ومعـنى فـلا يغـدوا أي يـروح غـدوة والغـدو نقـيض الـرواح وقـد غــدا يغـدوا غـدوا وقـوله تـعالـى " بِالْغُــدُوِّ وَالْآصَــالِ " أي بالعـدوات فـعـبر بالفـعل عـن الوقـت وهـو الزمــان وهـي نسـبة إلى أول النهـار ولا يمـس أي جـعلت الحجــر عـليها رقــيبا لا يفارقـها في جـميع حـالاتـها لأنـه آخـذ بـناصـيتها
مَــا مِنْ دَابَّـةٍ إِلَّا هُـوَ آخِـذٌ بِنَاصِـيَتِهَا إِنَّ رَبّـِي عَـلَى صِـرَاطٍ مُسْتَـقِيمٍ وفي مـوقفـي عـرفـات التـي تعـارفت فيهـا حـوى النفــس وآدم العــقل وظــهر مـن بـينهما مــولود المـعرفـة باللـه تعالـى قـال لـي بلسـان الإلهـام الـوارد عـلى تعـرف الذي تشـاهـده فـهـذا المــوقف الأعــظم فـي القيـامـة وأنت فـيه بـين المهـابة أي الخـوف مـنه والأنـس وهـو الرجــا فـلما قضـيت الحـج الظـاهـر والحـج البـاطـن أعـلنت أظـهرت حـال كـوني مـنشدا أي مـعلنا بسـيري مـفعـول أعـلنت وهـو المـسـير فـي ســلوك هـذا المـقام بـين الجـهر لذلك الإعـلان للـذات أي لمـا أعـلنت بالـذات الأحــدية بـين الجـهـر والهـمس واللمـس لـغة الخــفـا ثـم قصــدت ســفـينة إحـساسـي وهـو الجـسـد الذي هــو كـالسـفينة لمــعـنا والأعــضاء الظــاهرة كـالمـقاديـف والقـلب كـالرايـس قـال تـعالـى " وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ " ثـم ركــبت عـليها قـال تـعالـى " وَعَلَى الْفُـلْكِ تُحْمَلُونَ " فـلم تـزل تـارة تسـيرها الريـاح وتـارة بـالمـقـاديف قـال تـعالى " وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ " وكـذلك العــارف فــتارة تســيره أرواح الشــرايع النبــوية وتـارة ريـاح أفكــاره الناطــقـة الخـرس أي خـرس ولاكـنها ناطـقة بـمعانيهـا التـي تـنشا عـن السـر فـلما مخـرت هذه السـفينة في سـيرها نحو الوجـود المطـلق الذي ليـس كـمثله شـيء وعـاينت مـن احـتجب بـسيف المهـابـة وهـو الأمـر والنهـي الشـرعـي الذي من تجـاوزه تصمد مـن جـل عـن رتــبة الإنـس أي أن يكـون فـي مـرتبـة البـشر وصـورة البـشـر الجـسمانية فـلا يكـيف ولا يقـاس بـمثله فـلما وصـلت سـفينة وجـودي إليـه دعــاني بـه بــلا واسـطـة وقـال يـا عـبدي فـلبـيت مجــيبا طــايعا فــعبدي مـنادى وحـرف النــدآ محـذوف تـقديره يـا عـبدي وإنمـا حـذف للـوزن وهـو جـايز الحـذف كـما في قـوله " يُوسُـفُ أَعْـرِضْ عَنْ هَـذَا " تـقديره يـا يوسـف أعـرض عـن هـذا وكـذلك إذا حـصل الفـيض فـينادى بالمـعـنى أو عـلى لـسان الشـارع قـال تـعالى " اسْتَجِـيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُـولِ إِذَا دَعَـاكُـمْ " فـإن الشـارع الأعــظم يـنادة نيـابة عن اللـه تـعالى وكـذلك إذا دخــل العــبد فـي الصــلاة فـقد دخـل في المـناجـاة والإشــارة بـقوله ربـنا لك الحــمد سـمع الله لمن حـمده فـالعـبد يـقول ربـنا لك الحـمد ثـم يجـيب نفـسه نيـابة عـن الله بـقوله سـمع الله لمـن حــمده تأمــل هــذا الفــتح والفــيض الذي لا يتـناهـى فـوق النهـاية وفـوق جـنا الغـرس أي فـوق مـا تجــنيه مـن الأشجــار يـقال أتـانا بجـناية طـيبة لكـل مـا يجـتني وثـمر جـني عـلى فـعيل حـين تجـني من ثـمار غـرسك الذي غـرسـته فـي الجـنة فإن ذلك مـراد النفـس ومـيلها إلـى الطــيبات فـي الجــنة وهـذا الغــرس الـذي هـو التوحـيد ؟؟؟؟؟ المــعرفة باللـه تـعالى وجــناها مــنازل القــرب إلـى الله تـعالى فـعاينت حـينيذ بالعـين البـاصـرة في الآخـرة مـوجـودا بــلا عـين أي بــلا حــدقة والـة مبصــر أي يبصـر يدركـه لقوله تعالـى " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ " وسـرح عـيني أي عـين بصــيرتي وهـي عــين هــيكلي وجـعل لـي في الجــنة مسـرحا ومـراحا فانطــلقت إلى المـشاهـدة مـن الحــبس أي من الدنيـا لأنهـا سـجن المـؤمن فكـنت كـموسى لمـا حـصل له التجـلي عـلى جـبل الطـور والمـناجـات طـلب الرؤيا حـين قـال لربـه وطـمع في الرؤيـا أريـد أرى ذاتـا أي قـال رَبِّ أَرِنِـي أَنْظُـرْ إِلَيْـكَ قَالَ لَـنْ تَـرَانِي لأنك في بـرزخ الفـنا وأنـا لا يـراني الفـاني لأن الفـاني لا يرى البـاقـي تـعالت عـن الحـس لأن البصـر الفـانـي لا يـرى إلا مـا كـان ممسـوسـا وَلَكِنِ انْظُـرْ إِلَى الْجَـبَلِ فَإِنِ اسْتَـقَرَّ مَكَـانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَـلَمَّا تَجَلـَّى رَبُّـهُ لِلْجَـبَلِ جَـعَلَهُ دَكّـًا وكـذلك العـارف فـدك مـن هـيبـة المتجــلي الجـبال الهــوى والدنيــا والتكـبر والريـاح وجـميع جــبال الصــفات المـذمومـة الراســيات عـلى أرض النفــس جــلالة أي مـن هــيبة جـــلالة الجــبال الراســيات دكــت واخـتفت وغــيب مـوســـى وتصــاغر حــتى لم يشــعر بـشيء واخـتفى العـرض مـن هـيبة ذلك التجـلي ودخـل في الكـرسي لأن جـميع المخـلوقات في جـانب الـرسي كحـبة ملقاة فـي فـلاة فـمن تجـلي الرب لمـوسـى التـقوى اخــتفى عـرش الإيمـان في كـرسـي القـلب وخـر مـوسـى التـقوى صـعقا ودكـت جـبال النفـس وحـصل الفـنا الكـلي عـند تجـلي نـور الجـبار وفـنى ظـاهـرا وبـاطـنا وكـل بـصره عـن الرؤيـة وكـنت حـينيذ كخـفاش وهـو طـير يطــير بالليـل ويخـتفـي بالنهـار لقصــور بصــره إذا أراد تمتــعـا لرؤيتــــه شــمس الضـحى فإنـه لا يمــكن أن يـراهـا إذا طـلعت وحجــبه عن ذلك ضـعف بصـره فانهـد أي الخـفـاش من لمحــة الشـمـس مــيتا لكــونه عــمى عن إدراك الكــون كـله عـند انبهـاره عـما كـان يدركـه في الليـل وكـذلك من سـلك هـذه المــسالك العـظيـمة ولـم يتـناولهـا مـن أفــواه المـرشـدين ربـما أفـضت به إلـى الهـلاك بدخـوله فـيما لا يـعرفـه فـلا ذاتــه يـعـني الخـفاش أو السـالك مـن غـير مـرشـد أبـقـى ولا أدرك المـنا من رؤيـة الشـمس وكذلك من غـره الأمـاني من غير عمل وغـودرت في طـمع مـا لا يمـكن أن يكــون فبـقـيت في الأمـوات جـسما بـلا نفـس أي بـلا روح فـمت قبـل مـوتي لقوله صـلى الله عـليه وسـلم مـوتوا قـبل أن تـموتوا ولكـنني عـند ذلك أدعـى على القـرب بقـوله إنـي قـريب أجـيب دعـوة الـداع إذا دعـان وقـد دعـاني إلى بـابـه وإن كــنت في مـقام الغـفـلة فإنـه لا يفـارقني مـع البـعـد والنـوى أي الصحــبة كـما تـقول نـواك الله أي صحـبك فـي سـفرك وحـفظـك
قـال بعــضهم :
يا عـمرو أحـسن نـواك الله بالرشـد ... واقـرأ سـلامي على الرفـقـاء بالثـمد وهـو الداعــي والمجـيب قـال تـعالى " ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " وذلـك النــدا بـلا كـيـف فـتـارة أدعــي بالرسـول اسـتجـيبوا للـه وللرسـول وتـارة أدعــي بال؟؟؟ الكــريم الـذي هـو الــروح العـلوي مـن عـالم الأمــر وتــارة مـن نفــسي التـي تـدعي بالعـرش فـيجرد مـنها أمـثال في عـالم الخـيال يدعـوني بهـا يَـا أَيَّتُـهَا النَّفْـسُ الْمُطْـمَئِنَّةُ ارْجِـعـِي إِلَـى رَبِّـكِ رَاضِـيَةً مَـرْضِـيَّةً فَادْخُـلِي فِي عِـبَادِي وَادْخُـلِي جَـنَّتِي فـمن لم يكـن قصـده عـلى طـريق هـذه الحإجـة أي عـلى هـذه الطـريقة ظـاهـرا وبـاطـنا ولم تصـح له هـذه الحجـة والحـج القصـد وقد حـج بـنوا فكـان إذا طــالوا الاخـتلاف إليـه والتـردد مــرة بـعد أخـرى وكـذلك العـارف فـي قصـده الأعـظم المحجـوب عـنه وهـو يطـلب في قصـده العـين المشـاهدة من أعــيان المـناسـك الظـاهـرة التـي هـي مـراسـم المـناسك واشـتـغل بالغـفـلة عـن المـعاني القايـمة بـها التـي هـي مـوضـوعة لـها بالعـرض لا بالـذات ومن قصــد هـذه الرسـوم فـهو فـي حـضرة الأيـن أي الأعـيان المـوضوعة في الأحجـار المـبنية وحــضرة عـينه ولأجـل هـذا قـال أبو يزيد البــسطامي عـن حجـة البـيت قـال أول مـرة رأيـت البـيت وفـي الثـانيـة رأيـت رب البــيت ولـم أر البـيت فاسـلك يـا خـي فـي هـذا الطـريق الذي أشـرنا إليـه من مـقابـلة حـج الظـاهر بالحـج الباطـن وقد قـل الرفـيق أي الصـاحب في هـذا المـسلك والرفـيق من الرفـق أي المـساعـد لك حـتى يتـصـل بـه أي بـاللـه مـن غـير انفــصال فـإنك إن اشتـغـلت بالأيـن فـهو لأيـن ووقـعـت في البـين وبـعـدت عـن العـين وتنـفصـل عـنه وإنمــا يكـون حــظك من الحـج تـل شــهدته من انيــة المــناسـك الظــاهرة إليـه مـرجـعكم فـينيبكـم بمـا كـنتم تعـملون وهـو رجـوع مـن غـير اتــصال بالله تـعالى وتســقط عـن درجـة الولايـة وحـينيذ جــاهـد في ســلوك هـذا الطـريق لتــنال الوصــال ويكـون ظــلالك لا يفــارقك وهـو مـعـكم أيـنما كــنتم كالظـل فـإن ظــل الإنسـان لا يفـارقه ولا هـو مـتصل بـه ولا مـنفصل يســجد له مـا خـفي من الحـواس البـاطـنة وصـار كـل مـنهما ظـاهـرا وبـاطـنا يسـبحه بالغــدو وهـو أول النهــار والآصــال آخـره وقـيل الآصــال الليـل مـبالغـة فــي عــدم الغـفلة.. فَـــصْل ومـن ذلك البحــر الطــامر والبحــر الغاطر تـنزل روح أمـين وهـو الوحـي أول ما بـدأ بـه صـلى الله عـليه وسـلم من الوحـي الرؤيـا الصـالحـة تأتـي بإشـراق صـبح مـبين أي كـفلق الصـبح ثـم قـوي الوحـي حـتى صـار في اليـقظة وذلك إشـارة لمـن أراد الوصــول إلـى اللـه تـعالى ودرجـة الولايـة فإنـها تكـون أول مـبشـرات الولايـة وهـي جـزء من ســتة وأربـعـين جـزء من النبـوة وهـي بـدايـة النبــوة والنهـاية بـنزول جـبريل وكـذلك الوحــي الإلهـامـي في نـهايـة الولايـة فـالنبـوة بطـريق الوهـب والولايـة بطـريق الكـسب فـالنبـي مأمــور بالجــهاد ظـاهرا وبـاطـنا والولـي بالجـهاد ظـاهرا فـي حـواسـه الظـاهرة وبـاطـنا في حـواسـه البـاطـنة ولمـا أشـرق نـور الولايـة وهـزم الصـبح أي صـبحـها المـسفر عن الأسـرار المـشرقة انهـزم جـيوش الليـل أي ليـل الغـفلة والظـلم والجــور مـن حـزب الله ألا إن حــزب اللـه هـم الغـالبون وعـملت جـيوش صـبح الطـاعـة في جـيوش ليـل المعـصية وأوجـف أي اضطـرب ووجـف وقـد وجـف البــعير يجـف وجـفا ووجـيفا وأوجــفته أنا ويـقال أوجـف فأعجـف وكــذلك أوجـف صــبح الطــاعـة أي اضطــرب على جـيش ليــل المعـصية حـتى لـم يبـق لتـلك الظـلمـات المـتراكمة أثـر قـال الله تـعالى " مَـا أَوْجَـفْتُمْ عَـلَيْهِ مِـنْ خَـيْلٍ وَلَا رِكَـابٍ " أي مـا أعملتـم عـليه مـن الاســتعداد بسـوابق الخــيل المـعـدة لذلـك فـلما تـراء الجـمعـان فاهـزمـوهم وخـسر هـنالك المـبطـلون وجـعـل بســبب ذلك الجـسم المـركـب الجـامع للفـريقين والرسـم في قـبضة العـين المـعــنوي فـلما اسـترقـته الشــهوات واستـعـبدته اللــذات وغــلب عـليه العـدو الشـيطان فخـلصه وأعـتقه مـن رق كـونه فخـلص مـن رق نفـسـه وألبـسـه رداء الحــفـظ بالتـقـوى بالســنة الـغـراء وزيــن بـاطـنه بالإخــلاص وهــو صـونه من السـقـوط في شـركة الشـيطـان ومضـلاته ومنحــه مشـاهـدة كـل شـيء بحـقيقتـه وعـينـه ولهـذا كـان من دعائه صـلى الله عـليه وسـلم اللهـم أرنا الأشـياء كـما هي في أي وجـهة ووجـه كـل شـيء كـان من أينه أي كـل أينية من مـراده من أمـر ونــهي فـإنها محــل أيـنية الحــق وإليـه الإشـارة بـقوله لـما سـأله أحــمـد ابـن حـنبل في المـنام وقـال يـا رب بـم يتـقرب إليـك المـتقربون قـال بكــلامي فـنبهك عـلى أن كـلامه أينيـة من أينياتـه لأنـه فيـه الأمــر والنهـي قـال تـعالى " شِـرْعَـةً وَمِـنْهَاجًـا " يـعـني طـريقا مـشروعـا إليـه سـبحـانه ثـم إن الشـيخ التـفـت إلى المـضاهـاة وجــرد مـن نفـسـه سـايلا
ثـم إن الشـيخ التـفـت إلى المـضاهـاة وجــرد مـن نفـسـه سـايلا في صـورة رجـل يسـأله أو يكـون ظـاهر الأمـر عـلى مـا ذكـره من أمـر الرجـل الذي ذكـره فـقال عـند ذلك
سـألني رجـل من أهـل تــبريز بـلد في العـجم أو الذي بــرز مـن وجـوده
وهـو ممـن يـقـول وينبـيء بـدولة العـزيز مـلك مـصـر
لأن كـل من مـلك مـصـر يـقال له العـزيـز وكـل مـن مـلك الـروم يـقال له قـيصر وكـل مـن مـلك العـجم يقال له كـسـرى
والحـاصـل مـن عـلامـاته ظــهور دولـة العـزيـز
وعـــنـد انقضـايها يكـون خــتم أوليـايه
أو الذي أعـزه لله تـعالى بـنصره وهـو القـلب قـال تـعالى " هُـوَ الَّذِي أَيَّـدَكَ بِنَصْـرِهِ وَبِالْمُؤْمِـنِينَ " " وَأَنْـزَلَ جُـنُودًا لَمْ تَرَوْهَـا " فجـاهد فـي الأعــداء وهـم جـنود النـفـس والشـيطان ؟؟؟ فاهـزمـوهم قـال تـعالى " وَمَا النَّصْـرُ إِلَّا مِنْ عِـنْدِ اللَّـهِ " وهـي أول المـلاحم المـعدة من عـلامـة السـاعةالتـي هـي الوصـول إلى اللــه تـعالى وانقـضـا دنيـا النفـس والشـيطان
وقـد يـراد به ظـاهر المهـدي وعـيسى فـهما عـزيزان لأن عـيسى عـليه السـلام كـان في دور النبـوة وقـد أعـزه اللــه تـعالى بخـتم دور الـولاية المحــمدية
وأن هــذا الرجـل المشـار إليــه في إبـراز السـلوك ينكـر ســقوط التمــييز بالعــلامة الدالة عـلى ظــهوره
وينكــر خـتم الأوليـاء ويعـرض من دلالـة مـنكراته مـن أســـرار أشـراط السـاعة وهـذه الجـملة كـلها جـواب عـن قـوله:
ســألني رجــل مـن تــبريز عـن دولة العـزيز
وهـذه الجـملة كـلها جـواب عـن قـوله ســألني رجــل مـن تــبريز عـن دولة العـزيز وفي ضـمنه عـلامـات السـاعة وأمـاراتـها أي أمــارات ظــهورها وحـقايقـها وعـن أشـراط السـاعـة البـاطـنة وإشــاراتها التـي تضـاهيـها من حـيث البـاطن مـن عـلاماتـها طــلوع الشــمس من مـغربـها وهـي أحـد العـشرات وأولـها وأنا أريـد أن أبـين له روحـانيـة مقصــدها الذي أراده اللـه تـعالى بخــروجـها من المـغـرب ومـذهبـها إلـى المـشرق وســبب رجـوعهـا لى المـغـرب قـبل بـلوغـها المـشـرق وذلك إشـارة إلى غـضب الله تـعالى مـن أفـعـال عـباده ومـن كـون أنـهم يتـوبون ثـم يعـودون وهـذا ســبب إغــلاق بـاب التـوبـة
وكـذلك العـارف إذا أظـلم وجـوده بالمـعاصـي ولم يتفـكر في التـوبـة ربـما أصـر على ذلك حـتى يتـناقص الإيمــانلأن الإيمــان يزيـد وينقــص يـزيد بالطـاعة وينقـص بالمـعصـية قـال تـعالـى " وَيَـزْدَادَ الَّذِيـنَ آمَـنُوا إِيمَـانًا " فـإذا نقـص الإيمـان بالمـعصيـة واستخـف بـها ولازم التجــرأ بالإصــرار وهــتك محـارم اللـه تـعالى واسـتـمر عـلى إبـقاء زلـة وحـوبة الحــوب بالضـم الإثـم والحـاب مـثله ويـقال حـبت بكـذا أي أثـمت تحـوب حـوبا وحـوبة حـتى دخـل عـليه القـنوط وآيس مـن رحـمة اللــه تـعالى وقـع فـي الكـفـر فـعند ذلك تخـرج شـمـس وجـوده المـعـلقة بإغــلاق بـاب تـوبـته إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْـفِـرُ أَنْ يُشْـرَكَ بِـهِ وَيَغْـفِـرُ مَـا دُونَ ذَلِكَ لِمَـنْ يَشَـاءُ ومـن العـلامـات المـذكـورة نفـخ دابـة أي وقـد سـألني عـن سـبب خروج الدابـة ونفخـها بـعد ذلـك وذلـك أنهـا تكـون للـفرق بـين المـؤمـن والكـافر لأن الآيـة الأولـى الأمـر فـيها مبــهم فـيريـد اللـه تـعـالى بـذلك أن يظــهر فضــيلة المـؤمن التــايب مـن الكـافر ويبـين أيــضا أن التـوبة صـفة المـؤمـن قـال تـعـالى " وَتُـوبُـوا إِلَى اللَّـهِ جَـمِيعًا أَيُّهَا الْمُـؤْمِـنُونَ "
وكـذلك خـروج دابــة الغـفـلة التـي غـفـلها وأوســمته بالحـرمـان ليظـهر الفـرق بـينه وبـين من يظـهر الصـلاح ويضـمر خـلافه وكـذلك العـارف السـالك إذا خـرجت دابـة الفـرق بـين الصـفـا والمـروة أي من بـين الصـفـات المحـمـودة والمـذمـومة ووسـمته الصـفات المـذمومة وجـعل حـينيذ له الفـرق وعـلم كـل مـنهما مـا له فعـند ذلك نزول مـسيح أي نزول عــيسى ابن مـريم عـليه السـلام وفـيه سـر وذلك أنه يكـون خـاتم المـؤمنين تظــهر فـايدة قـوله صـلى الله عـليه وسلم كـيف تضـام أمــتي وتشـقى وأنـا قـايدهـم وعـيسى سـايـقـهم وقـد يـراد بـه فـي الآخـرة أن يكـون صـلى اللـه عليه وسـلم سـايقـهم إلى الجـنة وعـيسى قـايدهـم وكـذلك نـزول مــسيح وجـودك وهـو الإلهــام ليمـسح عـن نفـسـك جـعـلها ومـن عـلاماته خـسف جـيش وذلك بـعد خـروج المـهدي فـيرسل السـفياني جـيشا لقتـاله فـيأتـون المـديـنة الفـيحـآ مـديـنة الرســول صـلى اللَّــه عـليه وســلم فـينهـبونها ثـلاثـة أيــام وليـاليـها ثــم يخــرجون مـتوجـهين إلى مكــة حـتى إذا كـانوا بمـهامـة وهـي المـفـازة البـعـيدة الأطــراف والجـمع المـهامـه وهـي أرض البــيدا بـعـث اللَّــه تـعالى جـبريل عـليه السـلام لهـلاكـهم فـيأتيـهم فـيضـرب الأرض برجـله ضـربـة فـيخـسف اللَّـه تـعالى بـهم
وكـذلك إذا خـرج مــهدي وجـودك فــيبعث الشـيطان جـيشا قـال اللّــَه تـعالـى " وَأَجْـلِبْ عَلَيْـهِمْ بِخَـيْلِكَ وَرَجِـلِكَ فيدخـلون مـدينة وجـودك فـي حـال الغـفلة مـنك ويسـتولي جـند الشيطان عـلى مـا فــيها وأفـسدوهـا وجـعـلوا أعــزة أهــلها أذلـة فـزكـاها البـاري تـعالى قـال " وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ " فـعند ذلك تفــتح ملحـمة عـظمى لقـوله صـلى اللَّـه عـليه وسـلم لا تـقوم السـاعة حـتى تحـسر الفراة ( الفرات ) عـلى جـبل مـن ذهـب يقـتتل النـاس عـليه فـيقتل مـن كـل مـاية تـسعة وتـسعون ويـقول كـل رجـل لعـلي أكـون أنا الذي أنجـو فإذا تـقرر هـذا فـالعـارف لا تـقوم قـيامته حـتى يحـسر فـرات المـعرفة عن جـبل من ذهـب الصـفات المـذمومـة والمحــمودة فـإن غـلب المــيل إلى الدنيـا ولهـوهـا وزيـنتها فـتتراكم جـنود المـعـرفة ومن زهـدهـا نجـا مـن الفـتنة ومـن اقتحــمها هـلك فـينجـوا مـن كـل تـسعة وتـسعين واحدا يـقـول لعـلي أنجـو من فـتنة الدنـيا وقـل مـن ينجـو إلا مـن عـصمه اللَّـه تـعالى
ومـن عـلاماتها التي سـألني عـنها فـتح مـدينـة كبرى وذلك عـند خـروج المـهـدي فـيملك جـبـل الديـلـم والقسـطنطـينية ورومــية الكــبرى وكـنيسـة الذهــب
وكــذلك العـارف فإذا فـتح المـدينـة الإنسـانية ومـلك جـبال الهـوى ورومــية محـل المـلوك وهـو الإيمـان ومحـله القـلب واســتولى عـلى كـنيـسة النفــس بتكــبيرة وتحـمـيدة وإظــهار شــعاير الإســلام عـلى مقتــضى الســنة الغـراء السمحـاء وآدابـها لا بالمرهـفات أي السـيـوف الهـنديـة البـيض المصـقولة ولا بـزرق الأسـنة أي بـطعن الرمـاح الخـطـية
وكـذلك السـالك إنمـا هـو مـأمـور بـلزوم الفـرايـض ومـن الســنة ما يسـتطيع قـال تـعالى: مـا تـقرب إلـى عـبدي بأحـسن ما افـترضت عـليه وقال صـلى اللـه عـليه وسلم: مـا أمركـم الله بـه فـعضـوا عـليه بالنواجـذ ومـا أمـرتكم بـه فـافـعلوا مـنه ما استطـعتم فـالعـارف يــلازم الســنـة بالقـبـول والتـوفـيق وخــتم ولايـة معـطوف عـلي تكـبير وتــهليل وتـقديره وفــتح مـدينة كـبرى يفـتحها خـتم الأوليــاء بتكـبير وتـهليل وروضـته خـضراء يـعني أن مـبدأ نـزول عــيسى بدمــشق وهـي الروضـة الخـضراء وكـذلك عـيسى الإلهـام مـبدأ نـزوله عـلى أرض وجـودك المخـضرة بمـا حـصل لهـا مـن الفـيض الربـاني المـوجودة حقيـقته مـن المـنبع الأعـظم الذي هـو الكـتاب والسـنة وسـر بـداية النبـوة ويدخـل في عـموم قـوله تـعالى " قُـلْ هَذِهِ سَـبِيلِي أَدْعُـو إِلَى اللَّـهِ عَلَى بَصِـيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَــنِي " أي اتبـع ســنتي والولايـة أول درجـة النبـوة وهـي محجــة بيـضـآ أي هـذه السـنة مـن حـيث أنهـا مـراد اللـه ورسـوله محـفوفـة بالنـور والفـيض مـن الجـناب العـالي المـنفي ظـلمة الكـفر والغـفلة ولا يـنال هـذا الفـيض وإشـراق هـذا النور إلا من خـرج مـن مـقامـه الذي أوقفـه عـن نيـل المـراتـب الكـليـة وانحـط عـن مـقـام الكـبر إلى مـقـام أنـزل بمـعنى يتـنزل عن كل صـفة تكـبر وعـلو إلى مـقـام أنـزل مـنه ممـا كـانت تألفــه نفـسه من طـلب رياسـة وطـلب مـدحة إلى غـير ذلك فصـح له شـرف العـلا الأكـمل ونسـب إليـه نسـبة ولاء قال تـعالى " نَحْـنُ أَوْلِيَـاؤُكُمْ فِـي الْحَـيَاةِ الدُّنْيـَا وَفِـي الْآخِـرَةِ " وإلى هـذا أشــار ابن الفـارض:
ولو كنتَ بي من نقطة ِ الباءِ خفضة ً ... رُفعتَ إلى مالَمْ تنلهُ بحيلة ِ
قال الشارح :
فأولت الطلسم الصـفر كتابا مشكـلا ونطقه لي بتساهل معانيه وبدور إشـارة إلى المبادرة فاسـتيقظت وأنا في فـترة فـعند ذلك حصلت من فيض شيخنا لمحة برق غير خلب برقت من سم إبرة فأمطر علي سحـاب غيث مغيث فانتهجت أرض وجـودي وأنبتت ما فيها من الكـلأ فأزهرت حسنا وبها فبينما أنا أرتع في رياضها إذ وجدت ضالة فالتقطتـها وهي الحكـمة في هذه المدنية الإنسانية وقـوله صلى الله عليه وسلم الحكـمة ضـالة المؤمن حيث وجدها التقطـها أي أخذها بالتفكـر والاعتبار بقوله تعالى " سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ " وقد ضاهى شيخنا هذه المدنية الإنسانية بالعالم جـميعه وجعل ذكر الملاحم الظاهـرة بمنزلة القالب لتحـصيل معنى الملاحم الباطنة فإنه تعالى رضي الله عنه أشار إليه في النظم في بعض كلامه بقوله فاعرف إلهـك من قبل الممـات فإن تمت فأنت على التقليد مسجون وقد مدحه العلامة شيخ زمـانه مجد الدين الفيروزابادي صـاحب القامـوس لما سيل عن القراءة في كتب الشيخ أعاد الله تعالى علينا من بركاته فأجاب ما صورته اللهـم أنطـقنا بما فيه رضـاك. الذي أعتقده في حـال المسـئول عنه وأدين لله به أن كان شـيخ الطريقة حالا وعـلما وإمام التحقيق حقيقة ورسـما وسمى رسوم المعاني فعلا وإسما إذا تغلغل فكر المـرء في طـرف من مجده غرقت فيه خواطره في عباب لا تدركه الدلاء وسحاب تتناقص عنه الأنواء وكانت دعواته تخـترق السبع الطباق وتفترق بركاته فـتملأ الآفاق وإن ظـني به أنني ما أنصفته وأنشد شعر
وما علي إذا ما قلت معتقدي ... دع العذول يظن الجهل عدوانا
والله والله والله العظـيم ومن ... أقـام حجـة لله برهــانا
إن الذي قلت شيا من مناقبه ... ألا لعل زدت الوصف نقصانا
وأما كتبه ومصنفاته البحـار الزواخر التي بجواهرها وكثرتها لا يعرف لها أول ولا آخـر وما وضـع الواضعون مثلها وإنما خص الله بمعرفة قدرها أهـلها. صاحب كلام القاموس وأما ما جـنح إليه فكري القاهر وذهني الفاتر في مدحه نظما حيث أقول:
والله والله أيمـانا موكـدة ... يمـيز صـدق فلا زور ولا كذب
قد كان بحرا مع الأمواج طامية ... والسفن سايرة والريح تضطرب
فالشيخ محيي لدين الله رايها ... بالجد والعزم لا خوف ولا حرب
كـم فـك رموز علم مقفلة ... وفـاق أقرانه مشهور بالعرب
عقد على جيد هذا الزمن بهجته ... تزهو جواهره بالفطن والأدب
عـلا على الغر قريب الدهر مرتبة ... وصاغ ألفاظه من تبره الذهب
كـبريته الأحمر الشفا وطالعه ... يدور في فلك الأفـلاك للطلب
أكسيره الخارج الأجسام معكر ... في جوهر النفس بالتدبير يكتسب
كـذا خزانته عـنقا مغربـة ... لطالب راغب بالجـد والنصب
يغوص في بحر أفكار يجني جواهره ... في كل فرد يتيم لؤلؤ رطب
قد بايع النفس يبغي وصلا رغدا ... وغاب عن جنسه والحير والتعب
فالحاتم الطائي ذاخر فاقه وما ... عمت فضايله للعجم والعـرب
لل؟؟؟؟؟ تـاج من جـلالته ... لما أتـاه سـليم فـاز بالأدب
وعمه النصـر بالفتح المبـين له... والأمن يدخله مصر بلا تعب
فإن تكن سالكا منهاجـه رغـبا ... ففي فتوحاته سلك لمرتقب
فغرة الدهر أضحت وعلى سيرته ... من نالها جاهدا يعلو على الرتب
و؟؟؟ ما قلت بعضا من فضايله ... فالعجز عن ضبطها أيضا وعن نسب
فطالما حاولت هذا الديوان وحـمت حول هذا الميدان وتقهقرت خوف العجز في مقارنة الشجعان وأقول للنفس لا يقاس الأبطال بالبطال لما حـوى فيه من الإعجـاز وموجـة اللفـظ والإيجــاز
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin