..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: بصائر ـ مريم عبد الرحمن المطوع
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty27/4/2024, 17:10 من طرف Admin

» كتاب: زيارة للجنّة والنّار ـ مصطغى محمود
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty27/4/2024, 17:04 من طرف Admin

» كتاب: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصّحيحة ـ محمد الصوباني ـ ج1
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty27/4/2024, 16:58 من طرف Admin

» كتاب: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصّحيحة ـ محمد الصوباني ـ ج2
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty27/4/2024, 16:57 من طرف Admin

» كتاب: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصّحيحة ـ محمد الصوباني ـ ج3
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty27/4/2024, 16:54 من طرف Admin

» كتاب: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصّحيحة ـ محمد الصوباني ـ ج4
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty27/4/2024, 16:52 من طرف Admin

» كتاب: نهج الحكمة ـ أسامة الصاوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty27/4/2024, 16:47 من طرف Admin

» كتاب: الجزء الأول درب السلامة في إرشادات العلامة | الشيخ جميل حليم
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty24/4/2024, 15:58 من طرف Admin

» كتاب: الجزء الثاني درب السلامة في إرشادات العلامة | الشيخ جميل حليم
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty24/4/2024, 15:57 من طرف Admin

» كتاب: التعاون على النهي عن المنكر | الشيخ عبد الله الهرري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty24/4/2024, 15:55 من طرف Admin

» كتاب: شرح الصفات الثلاث عشرة | الشيخ عبد الله الهرري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty24/4/2024, 15:54 من طرف Admin

» كتاب: بغية الطالب لمعرفة العلم الديني الواجب الجزء الأول | الشيخ عبد الله الهرري الحبشي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty24/4/2024, 15:52 من طرف Admin

» كتاب: بغية الطالب لمعرفة العلم الديني الواجب الجزء الثاني | الشيخ عبد الله الهرري الحبشي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty24/4/2024, 15:51 من طرف Admin

» كتاب: الأطراف الحليمية | الشيخ الدكتور جميل حليم
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty24/4/2024, 15:43 من طرف Admin

» كتاب: الكوكب المنير بجواز الاحتفال بمولد الهادي البشير | الشيخ جميل حليم
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty24/4/2024, 15:42 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

لا يوجد مستخدم

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 67708
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة Empty من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات "2 - 3"البقرة

    مُساهمة من طرف Admin 19/4/2020, 23:49

    كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي جمع وتأليف محمود محمود الغراب
    تفسير سورة البقرة ( 2 ) : آية 2
    "ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ" ( 2 )
    « ذلِكَ »مبتدأ ليس بفاعل ولا مفعول لما لم يسم فاعله ، ولا يصح أن يكون فاعلا لقوله« لا رَيْبَ فِيهِ »فلو كان فاعلا لوقع الريب ، لأن الفاعل إنما هو منزله لا هو ، ولا يقال فيه أيضا مفعول لم يسم فاعله لأنه من ضرورته أن يتقدمه كلمة على بنية مخصوصة محلها النحو و« الْكِتابُ »هنا نفس الفعل والفعل لا يقال فيه فاعل ولا مفعول ، وهو مرفوع فلم يبق إلا أن يكون مبتدأ ، وجاء بعد قوله« ألم »إشارة إلى موجود بيد أن فيه بعدا ، وسبب البعد لما أشار إلى الكتاب ، وهو المفروق محل التفصيل والإشارة نداء على رأس البعد عند أهل اللّه ( 1 ) فقوله « ذا » حرف مبهم فبيّن ذلك المبهم بقوله« الْكِتابُ »وهو حقيقة ذا
    ________________________________________
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    قوله: " ذلِكَ الْكِتابُ " ( 3 )الآية .
    ذا إشارة ، والألف واللام للعهد ، فالإشارة للكتاب المسؤول المعهود هو هذا ، ولا وجه لقوله( ألم )في الإعراب ، ومن أعربه فقد أخطأ ، فإن إعراب الكلام تابع لمعرفة معانيه ، وهذا مجهول المعنى ، ولا سيما في الخط حيث لم يقيد بحركة ، وقوله« لا رَيْبَ فِيهِ »يقول لا شك فيه ، فيحتمل أن يكون العامل في« فِيهِ »ما في الريب من معنى الفعل ، أو في الهدى من كائن ، فإن له تعلقا بالريب وتعلقا بالهدى ، وفي القرآن من ذلك كثير مثل« هذَا »في( يس )في قوله( مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ، هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ )فله وجه إلى ما ، ووجه إلى مرقدنا ، وكذلك( وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ )في سورة النور يطلبه« يُسَبِّحُ »بالفاعلية ، ويطلبه الابتداء بالمبتدئية ، وضمير لا تلهيهم يعود عليهم في الوجهين معا ، وكذلك هذا يجوز الوقف على
    ص 47


    وساق الكتاب بحر في التعريف والعهد ، فذلك الكتاب هو الكتاب المرقوم ، لأن أمهات الكتب ثلاثة : الكتاب المسطور والكتاب المرقوم والكتاب المجهول . والكتاب ضم معنى إلى معنى ، والمعاني لا تقبل الضم إلى المعاني حتى تودع في الحروف والكلمات ، فإذا حوتها الكلمات والحروف قبلت ضم بعضها إلى بعض فانضمت بحكم التبع لانضمام الحروف ، وانضمام الحروف تسمى كتابة ، فذلك الكتاب المرقوم المنزل عليك هو علمي لا علمك« لا رَيْبَ فِيهِ »عند أهل الحقائق أنزله في معرض الهداية« هُدىً لِلْمُتَّقِينَ »فهو في معرض الهداية لمن اتقاني وأنت المنزل فأنت محله ، ولا بد لكل كتاب من أم ، وأمه ذلك الكتاب المجهول لا تعرفه أبدا ، وقال تعالى« ذلِكَ »ولم يقل تلك آيات الكتاب ، فالكتاب للجمع والآيات للتفرقة ، وذلك مذكر مفرد ، وتلك مفرد مؤنث ، فأشار تعالى بذلك الكتاب أولا لوجود الجمع أصلا قبل الفرق ، كما أشار بالآيات إلى محل الأحكام والقضايا .
    - إشارة - الكتاب المرقوم هو هذا القرآن ، والكتاب المسطور هو الوجود كله ، والكتاب المجهول هو علم اللّه تعالى .


    سورة البقرة ( 2 ) : آية 3
    الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ( 3 )

    [ بحث في الإيمان ]
    بحث في الإيمان : إن الإيمان عبارة عن نور حاصل من قبل الحق تعالى ، قابل لكل ما
    ________________________________________
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    " فِيهِ " ويجوز الابتداء به فيقرأ : فيه« هُدىً لِلْمُتَّقِينَ »هدى أي بيان ، أي أن الكتاب يتضمن بيان ما أراد اللّه أن يخبر به عباده ، من طريق السعادة التي من سلك عليها نجا ، وخص المتقين بالذكر ، فإن المتقي هو الذي يحذر ويخاف ، فيؤديه حذره إلى البحث والتفتيش عن الأمر الذي تكون فيه سعادته ، فيتبين له من القرآن ذلك ، فيما هو معجز يحصل له التصديق بالمخبر به ، وهو النبي صلّى اللّه عليه وسلم ، وبما يتضمنه من المعاني يحصل له التصديق بها ، فإن اللّه هو الصادق في خبره ، لا يجوز عليه الكذب ، ولا يشترط في المتقي هنا أن يكون مؤمنا في حال تقواه .
    فإنه صاحب نظر وطلب واستكشاف عن بيان الأمر ، فإذا تبين له آمن ، وإذا آمن استصحبه التقوى والحذر من مخالفة اللّه فيما أمر به ونهى ، وفيما يطرأ على القلوب من الشكوك والشبه المضلة ، فلا تزال التقوى له صفة ، قوله ( 4 )« الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ »هو نعت للمتقين ، وقد يكون مبتدأ ، ويكون الخبر الجملة من قوله« أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ » .ثم اعلم أن المعلومات على قسمين :
    ص 48




    يرد منه من دين وشرع ونحوهما ، فيستحق حامله بوصف قبوله المذكور الأمن من سخط الرحمن ، فيسمى بهذا الوصف والحكم الخاص إيمانا وتصديقا ، وعلى التحقيق إنما هو أول اعتبار من العلم متعلق بالدين والشرع وحداني النعت ، من غير اعتبار تأيد بدليل وبرهان عقلي أو سمعي أو كشفي ، فإذا تأيد بشيء من ذلك صار علما وإيقانا ، وخرج من كونه إيمانا ، ثم إن محل هذا النور يختلف بحسب رقة حجب العادة والطبع الحائل بين النفس والقلب ، وبين قبولهما الدين والشرع وبحسب كثافتهما ، فمهما رقّت الحجب وشفت يرد هذا النور من ضمن إخبار مخبر صادق عن الحق تعالى ، رغما منه بطريق السمع غالبا ، ويخلص إلى القلب فيتلقاه القلب بالقبول ، وذلك يكون نفس التصديق الذي محله القلب .
    والدليل على كونه نورا قول النبي صلّى اللّه عليه وسلم : [ فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور ] وذلك في آخر حديث تمثيل اليهود والنصارى والمسلمين وتمثيل إجارتهم وأجورهم .
    وأما الدليل على وروده على القلب قوله عزّ من قائل [ أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ] فيظهر القلب وآثاره ، ويتميز بعد أن كان مغمورا ومستورا ومقهورا تحت سلطنة النفس وآثارها ، ثم بعد هذا الورود يسري أثره من الباطن والقلب إلى ظاهر النفس ، حتى إلى صورتها البدنية وسائر قواها وأعضائها ، فتنقاد وتستسلم وتلين بعد انشراح الصدر له ولأحكامه الظاهرة والباطنة .
    كما قال تعالى [ ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه ] ويسمى هذا النور بحكم سرايته في الظاهر وتليينه إياه وانقياد الظاهر له ولأحكامه إسلاما ، ومهما تراكمت الحجب لم يرد هذا النور من ضمن الأخبار المذكورة إلا على ظاهر النفس من قبل أن ينشرح الصدر ، فتتلقاه النفس بقبول مختلس ، فتنقاد له ولأحكامه الظاهرة الحسية ، رغبة أو رهبة متعلقة بالظاهر ، كحقن الدم وصون المال والعرض ، ويسمى هذا النور بهذا القدر اليسير من الانقياد الظاهري إسلاما ، لكن لما لم يخلص ذلك إلى القلب ، لكثافة الحجب وعدم سرايته إلى الباطن أصلا ، لم ينشرح له الصدر ، ولم ينبسط لقبوله كما قال تعالى [ قالت
    ________________________________________
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    معلومات تستقل العقول بإدراكها ، كالعلم بوجود الحق سبحانه وتوحيده ، ونسب نعوت الكمال والجلال إليه ، وما يجب له وما يستحيل عليه ، وما يجوز أن يكون منه في خلقه ، كل ذلك لا يفتقر إلى خبر ولا مخبر ، وقسم آخر لا تستقل العقول بإدراكه ، وهو وقوع ما يجوز
    ص 49


    الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ] فأما إذا سرى أثر قبول الظاهر إلى الباطن وحكم قبول القلب إلى النفس ، بتلطيف الحجب وغلبة حكم العبادة على أحكام العادة ، فيحصل إما تمام شرح الصدر أو بعضه ، وذلك قول اللّه تعالى [ أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نور من ربه ] .
    ويعم حكم القبول للقلب من النفس ، ويتحد وصفهما الذي هو الإسلام والإيمان ، كما أخبر اللّه تعالى عن حال مؤمني قوم لوط في ذلك بقوله عزّ وجل من قائل : [ فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ] فعلى هذا يكون لهذا النور بحسب محليه - أعني النفس والقلب - ظاهر وباطن فظاهره الانقياد القائم بالنفس وآلاتها التي هي القوى والأعضاء البدنية ، وله ثلاث مراتب فمبدؤها وصف المنافقين وذلك قبل شرح الصدر ، وهو انقياد النفس الأمارة بالسوء رغبة أو رهبة دنيوية فحسب ، ووسطها نعت الأبرار من المسلمين ، وهو انقياد النفس اللوامة للأوامر والنواهي ظاهرا وباطنا ، ولكن عن رغبة ورهبة متعلقة بالآخرة ، واستيفاء حظوظ النفس من الجنة بنعمها المحسوسة ودرجاتها ، وذلك في أثناء شرح الصدر ، وغايتها صفة المؤمنين الموقنين المقربين المخلصين ، وهو انقياد النفس المطمئنة ، ظاهرا وباطنا خالصا مخلصا من غير شائبة حظ النفس أصلا دنيا وآخرة .
    وهو المراد بقول الخليل عليه السلام( إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ « أَسْلِمْ » قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) .
    وبما وصى بنيه يعقوب عليه السلام بقوله( فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )وذلك بعد تمام شرح الصدر وفتح القلب ، وهو ظهوره من مشيمة النفس والروح ، وهذا النور الإيماني من هذه الحيثية الظاهرة ومن حيثية عموم الحكم واتحاد الوصف المذكورين قبيل هذا أيضا قابل للزيادة والنقصان ، لكون الأعمال البدنية منها ، فيزيد بزيادتها وينتقص بانتقاصها ، وأما باطنه وحقيقته المكتوب في القلب ، فهو مجرد التصديق ، وحداني النعت ، غير قابل من هذه الحيثية زيادة ونقصانا ، نعم قد يقوى ويضعف ظهوره برقة الحجب وكثافتها ، وربما يتأيد ويتقوى ويتفرع منه أشعة في الظاهر والباطن ، ولكن القوة والضعف والتأييد والظهور والأشعة ، كلها من نعوته وصفاته ، لا من أجزاء حقيقته ومقوماته ، ثم إن هذه الحيثية الباطنية التصديقية أيضا لها ثلاث
    ________________________________________
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    أن يكون منه أو عدم وقوعه ، فهذا القسم مغيب عن العقول ، فلا تدركه إلا بالخبر الصدق ،
    ص 50


    درجات : أولها إيمان العوام ، وهو الاعتقاد الصحيح السليم الذي هو أصل الصراط المستقيم ، ووسطاها سرايتها في النفس وجميع قواها وآلاتها البدنية واستصحابها مع كل حركة وسكنة قولا وفعلا ، وثمرة ذلك الائتمار لجميع الأوامر والانتهاء عن جميع النواهي ظاهرا وباطنا .
    وقوله صلّى اللّه عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن « الحديث »
    من هذه المرتبة الوسطى الإيمانية ، فإنه نفى الإيمان عمن لم يستصحبه في جميع حركاته وسكناته ، ولو صحبه حال فعل الزنا والسرقة باستحضار الحق تعالى ولزوم أوامره ونواهيه لما أقدم على ذلك ، فكان الإيمان المنفي من هذه المرتبة الوسطى لا الأعلى والأدنى .
    وأعلى مراتب الإيمان ظهور عروقه الكلية الضاربة إلى الروح الروحانية ، وثمرة ذلك تعديل الأخلاق وتبديلها ، أو صرفها فيما ظهر حسنا جميلا بالنسبة إلى تلك المصارف ، ويؤول الأمر من هذه المرتبة إلى أن تزول الحجب كلها أو أكثرها ، ويظهر القلب فتصحو سماؤه عن غمام الشك والريب ، وتنجلي فيه آيات الرب تعالى وتقدس ، ويصير الإيمان إحسانا ، ويعود الكشف عيانا ، وهنالك الولاية للّه الحق ، فدخل في مرتبة الإحسان .
    واعلم أيدك اللّه أن الإيمان بمعناه اللغوي ، الذي هو إعطاء الأمان .
    إنما يتعدى بنفسه فيقال : « آمنته » وأما ما يتضمن معنى التصديق والاعتراف الباطن فيعدى بالباء ، كقوله تعالى : ( يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )وذلك باطنه المتعلق بالقلب وهو الأصل .
    وأما ما يتضمن معنى الانقياد والاستسلام المتعلق بالنفس فيعدى باللام كقوله عزّ وجل« أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ »فالذي يقبل التشعب والانقسام والزيادة والنقصان من هذا النور إنما هو الظاهري المعدّى باللام ، الذي هو حقيقة الإسلام لا الباطن المعدى بالباء الذي هو الأصل الذي تفرعت منه الأغصان ، والتشعب المذكور في الحديث ( الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الإيمان ) وقد ذكر الإمام أبو القاسم الراغب في ذريعته في معنى انقسام الإيمان المذكور في هذا الحديث كلاما بليغا ، وحصر شعبه في اثنين وسبعين شعبة .
    وحاصل كلامه : أن الإيمان شيئان ، تصديق وأعمال .
    فالتصديق على ثلاث مراتب : أعلى وهو المراد بقوله« الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا »وأوسط وهو الظن المقارب لليقين بسبب
    ________________________________________
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    فإذا وردت عليه صدّقت به ، فهو قوله« الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ » وهو ما وقع به الإخبار من اللّه
    ص 51


    أمارة قوته ، كما قال تعالى« يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ».
    وأدنى وهو التقليد المحض ، والأعمال أيضا ثلاثة : خلافة معينة بقوله« وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ »وعبادة مرادة بقوله« إِلَّا لِيَعْبُدُونِ »وعمارة أرض كقوله تعالى« وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها »فهذه ستة ، وكل واحد منها صدوره إما أن يكون عن رغبة ورهبة أو عن إخلاص فهذه اثنتا عشرة ، وكل واحد منها إما يكون المؤمن في مبدئه أو في وسطه أو في منتهاه ، فإن كل فضيلة ورذيلة لا تنفك عنها .
    فاثنتا عشرة في ثلاث صارت ستا وثلاثين ، وكل واحد منها إما أن يكون باجتباء وهبي ، وإما باهتداء كسبي ، فصارت اثنتين وسبعين شعبة من غير زيادة ونقصان ، هذا حاصل كلام الراغب رحمة اللّه تعالى ، وقد أجاد في هذا الحصر والتقسيم ، إلا أنه حمل البضع الذي هو العدد المجهول على الاثنين ، وقد اختلف في الاثنين هل هو من العدد أم لا ، على أن الأكثر مالوا إلى أن البضع لا يقع إلا على العدد المجهول من الثلاثة إلى التسعة ، فقد عين واختار أمرا مختلفا فيه ، وأيضا يصير الفرع على ما قرره أفضل وأعلى من الأصل .
    ويلوح لي في هذا الحصر والتقسيم وجه آخر مناسب لأفضلية هذا القول وحمل البضع الوضع إجماعا ، وذلك أنا قد قررنا آنفا أن حقيقة الإيمان باطنا أمر وحداني غير قابل للتجزئة والقسمة والتشعب ، وإنما ينقسم من حيث ظاهره وصفاته ونعوته الظاهرة وذلك هو الإسلام وهو المعدى باللام ، وحسبت حروف البضع بحساب الجمل ، فرأيت أن دلالة لفظ البضع على عدد الثمانية أشد وأقوى من دلالتها على غير ذلك من الأعداد فحملناه هاهنا على ذلك ، فانحصرت شعب الإيمان وانقسمت على ثمان وسبعين شعبة ، ووجه ذلك أن كل ما يصدر من ظاهر نفس الإنسان من حيث قواها وآلاتها ، التي تصلح إضافة العمل إليها مبنيا على نية منتشئة من أصل الإيمان وماهيته ، التي بسراية تلك النية يقع ذلك التصادر في معرض المجازاة شرعا .
    ينقسم ثلاثة أقسام :
    أحدها قولي محض ، مثل قول« لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ » *مثلا .
    ثانيها عملي محض كالجهاد والزكاة .
    وثالثها متركب منهما كالصلاة ، ثم إن العملي إما أن يكون باجتماع القوى والآلات ، أو بتفرد كل قوة وآلة بما يخصه من العمل ، فالقولي وحده والمتركب منه ومن العملي والمتركب من العمليات ثلاثة أقسام ، وبقي ما تفرد
    ________________________________________
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    مجملا ومفصلا ، مثل ( فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) ومثل قوله
    ص 52


    كل قوة وآلة بما يخصه من العمل ، وذلك نوعان : نوع غايته والمقصود منه العلم والإدراك لا غير ، وذلك منحصر في خمسة أصناف : هي الحواس الخمس ، السمع والبصر والشم والذوق واللمس . والنوع الثاني ما لا يكون غايته العلم والإدراك بل غايته منحصرة في أمرين : أحدهما جلب المنفعة أو اللذة ، وذلك يكون بالقوة الشهوية ، والأمر الثاني دفع المضرة والألم وذلك بالقوة الغضبية ، وآلات هاتين القوتين ومظاهرها خمسة أيضا إحداها اليد التي ينتهي إليها إعلاء كلمة الحق بضرب أعناق مخالفيه ، وثانيها الرجل التي بها يسارع إلى الائتمار بأمر( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ) ،وثالثها الرأس الذي به يتقرب إلى اللّه تعالى بأمر( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ) ،ورابعها البطن الذي به يقوم بقاء الشخص بالمبادرة إلى أمر ( كلوا ) ، وخامسها الفرج الذي تعلق به بقاء النوع بواسطة الانتداب بأمر ( تناكحوا ) وليس غير ما أحصيناه قوة وآلة في الظاهر يعمل ويتقرب بها إلى اللّه تعالى أصلا ، فهذه العشرة مع الثلاثة المذكورة آنفا صارت ثلاثة عشر ، وكل واحد منها ينقسم قسمين : أحدهما فعلي كما وصفنا ، والثاني تركي كالصوم وجميع مقتضيات الحياة ، فتصير ستا وعشرين ، وكل واحد منها إما أن يكون صدوره ابتغاء مرضاة اللّه تعالى وخالصا لوجهه غير مشوب بعلة نفسانية أصلا أو يكون مشوبا بعلة .
    والعلة النفسية نوعان :
    رغبة ورهبة باقتضاء قوتي الشهوة والغضب وبحسبها ، فهذه الثلاثة تضرب في ست وعشرين تصير ثمانيا وسبعين .
    فانحصرت شعب ظاهر الإيمان التي أفضلها قول لا إله إلا اللّه بسراية أصلها الذي هو القصد والنية المنتشئة من باطن الإيمان وأصله ومنبعثة في ثمان وسبعين شعبة ، ويحتمل أن يعد باطن الإيمان الوحداني من جملة شعبه الظاهرة ، تسمية للأصل والذات باسم الفرع والصفة ، فتصير الشعب تسعا وسبعين ويحمل البضع على أكثر ما يحتمله في العدد ، كما أن الراغب حمله على أقل العدد من وجه ، واللّه تعالى أعلم . وإذا علمت أن الإيمان نور وارد على القلب والنفس ، قابل لكل ما يرد من الحق من أنوار الأمر والنهي المقربة إلى اللّه تعالى ، المزيلة لظلمة الطبيعة العنصرية ، والمظهرة سبيل القرب إليه تعالى وتقدس ، علمت أن التقوى هي السلوك في ذلك السبيل ، والتقرب إليه عزّ وجل بإتيان الأوامر وأداء الواجبات والمندوبات التي هي مقتضاها ، وبالانتهاء عن النواهي وترك المحرمات والشبهات والانحرافات التي هي من
    ________________________________________
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    ( حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ )و( فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ )وما أشبه ذلك ، ومن الغيب أيضا
    ص 53


    مقتضياتها ، والدخول بواسطة ذلك الإتيان والانتهاء في وقاية رضى اللّه تعالى وهدايته ونفعه


    [ شعب الإيمان ]
    ولطفه - شعب الإيمان - اعلم أن الإيمان بضع وسبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق ، وأعلاها لا إله إلا اللّه ، وما بينهما على قسمين من اللّه : عمل وترك ، أي مأمور به ومنهي عنه ، فالمنهي عنه هو الذي يتعلق به الترك وهو قوله لا تفعل ، والمأمور به هو الذي يتعلق به العمل وهو قوله افعل ، وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا .
    وقال صلّى اللّه عليه وسلم : [ ما نهيتكم عنه فانتهوا ] وأطلق ولم يقيد وقال في الأمر « وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم » فهذا من رحمته بأمته ، وهو لا ينطق عن الهوى فهذا من رحمة اللّه تعالى بعباده : وأمره بما وجب به الإيمان على نوعين : فرض ومندوب ، والنهي على قسمين نهي حظر ونهي كراهة ، والفرض على نوعين : فرض كفاية وفرض عين .
    وكذلك الواجب أقول فيه : واجب موسع وواجب مضيق ، فالواجب الموسع موسع بالزمان وموسع بالتخيير وهو الواجب المخير فيه مثل كفارة المتمتع ، وإتيان ما يؤتى من هذا كله وترك ما يترك من هذا كله هو الإيمان الذي فيه سعادة العباد ، فالبضع والسبعون من الإيمان هو الفرض منه من عمل وترك وأما غير الفرض كالمندوبات والمكروهات فيكاد لا ينحصر عند أحد ، فابحث عليها في الكتاب والسنة .
    ومن شعب الإيمان :
    الشهادة بالتوحيد وبالرسالة ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد ، والوضوء والغسل من الجنابة والغسل يوم الجمعة ، والصبر ، والشكر ، والورع والحياء ، والأمان ، والنصيحة ، وطاعة أولي الأمر ، والذكر ، وكف الأذى ، وأداء الأمانة ، ونصرة المظلوم وترك الظلم ، وترك الاحتقار ، وترك الغيبة ، وترك النميمة ، وترك التحسس ، والاستئذان ، وغض البصر ، والاعتبار ، وسماع الأحسن من القول واتباعه ، والدفع بالتي هي أحسن ، وترك الجهر بالسوء من القول ، والكلمة الطيبة ، وحفظ الفرج ، وحفظ اللسان ، والتوبة ، والتوكل ، والخشوع ، وترك اللغو ، والاشتغال بما يعني وترك ما لا يعني ، وحفظ العهد والوفاء بالعقود ، والتعاون على البر والتقوى وترك التعاون على الإثم والعدوان ، والتقوى ، والبر ، والقنوت ، والصدق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإصلاح ذات البين وترك إفساد ذات البين ، وخفض الجناح ، واللين ، وبر الوالدين ، وترك العقوق ، والدعاء ، والرحمة بالخلق ، وتوقير الكبير
    ________________________________________
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    ما هو من مجازات العقول ، وهو ما وقفت فيه ، فلم تحكم عليه بوجوب ولا جواز ولا إحالة ،
    ص 54


    ومعرفة شرفه ورحمة الصغير ، والقيام بحدود اللّه ، وترك دعوى الجاهلية فإن النبي صلّى اللّه عليه وسلم يقول : دعوها فإنها منتنة ، والتودد ، والحب في اللّه والبغض في اللّه ، والتؤدة ، والحلم ، والعفاف ، والبذاذة ، وترك التدابر ، وترك التحاسد ، وترك التباغض ، وترك التناجش ، وترك شهادة الزور وترك قول الزور ، وترك الهمز واللمز والغمز ، وشهود الجماعات ، وإفشاء السلام ، والتهادي ، وحسن الخلق ، وحسن العهد ، والسمت الصالح ، وحفظ السر ، والنكاح والإنكاح ، وحب الفأل ، وحب أهل البيت ، وترك الطيرة ، وحب النساء ، وحب الطيب ، وحب الأنصار ، وتعظيم الشعائر ، وتعظيم حرمات اللّه ، وترك الغش ، وترك حمل السلاح على المؤمن ، وتجهيز الميت والصلاة على الجنائز ، وعيادة المريض ، وإماطة الأذى ، وأن تحب لكل مؤمن ما تحب لنفسك .
    وأن يكون اللّه ورسوله أحب إليك مما سواهما ، وأن تكره أن تعود في الكفر ، وأن تؤمن بملائكة اللّه ، وكتبه ، ورسله ، وبكل ما جاءت به الرسل من عند اللّه ، من ذلك نعلم أن الإيمان نور شعشعاني ، ظهر عن صفة مطلقة لا تقبل التقييد ، فإذا خالط هذا النور بشاشة القلوب لا يتصور في صاحبه شك ، لأن الشك لا يجد محلا يعمره ، فإن محله الدليل ولا دليل ، فما ثم على ما يرد عليه الدخل ولا الشك بل هو في مزيد ، فالإيمان لا تعطيه إقامة الدليل بل هو نور إلهي يلقيه اللّه في قلب من شاء من عباده ، وقد يكون عقيب الدليل وقد لا يكون هناك دليل أصلا .
    كما قال تعالى : ( وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا )فنور الإيمان وهب إلهي ليس فيه من الكسب شيء ، ولا أثر للدلالة فيه البتة ، فإن الإيمان كشف نوري لا يقبل الشبهة ، وهو لا يقبل الزوال لأنه نور إلهي ، وصاحب الدليل لا يقدر على عصمة نفسه من الدخل عليه في دليله القادح ، فيرده هذا الداخل إلى محل النظر ، فصاحب الإيمان يصف الحق بما لا تقبله الأدلة ، ويتأوله المؤمن به من حيث الدليل ، فينقصه من الإيمان بقدر ما نفاه عنه دليله ، وموطن الدنيا اقتضى أن ينحجب الخلق عن اللّه ، إذ لو أشهدهم نفسه في الدنيا لبطل حكم القضاء والقدر ، الذي هو علم اللّه في خلقه بما يكون عنهم وفيهم ، فكان حجابه رحمة بهم وإبقاء عليهم ، فإن تجليه سبحانه يعطي بذاته القهر فلا يتمكن معه دعوى ، والإيمان لا يكون إلا بالخبر لا بالعيان« الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ »فليس المؤمن إلا من يؤمن بالغيب ، وهو الخبر الذي جاء من عند اللّه ، فإن الخبر بما هو خبر يقبل الصدق والكذب ،
    ________________________________________
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    وقد يمكن أن يكون من ذلك رؤية اللّه سبحانه ، فإذا قررها الخبر الصدق تعين الحكم وأن ذلك
    ص 55


    فالصدق متعلقه الخبر ، ومحله الصادق ، وليس بصفة لأصحاب الأدلة العلماء الذين آمنوا بما أعطتهم الآيات والمعجزات من الدلالة على صدق دعواه فذلك علم ، والصدق نور يظهر على قلب العبد ، يصدق به هذا المخبر ، ويكشف بذلك النور أنه صدق ، ويرجع عنه برجوع المخبر ، لأن النور يتبع المخبر حيث مشى ، والمصدق بالدليل ليس هذا حكمه ، إن رجع المخبر لم يرجع لرجوعه ، فالمؤمنون على قسمين : مؤمن عن نظر واستدلال وبرهان ، فهذا لا يوثق بإيمانه ولا يخالط نوره بشاشة القلوب ، فإن صاحبه لا ينظر إليه إلا من خلف حجاب دليله ، وما من دليل لأصحاب النظر إلا وهو معرض للدخل فيه والقدح ولو بعد حين ، فلا يمكن لصاحب البرهان أن يخالط الإيمان بشاشة قلبه وهذا الحجاب بينه وبينه ، والمؤمن الآخر الذي كان برهانه عين حصول الإيمان في قلبه لا أمر آخر . ثم إن المؤمن على نوعين :
    مؤمن له عين فيه نور ، بذلك العين إذا اجتمع بنور الإيمان أدرك المغيبات التي متعلقها الإيمان ، ومؤمن ما لعينه سوى نور الإيمان ، فنظر إليه به ونظر إلى غيره به ، فالأول يمكن أن يقوم بعينه أمر يزيل عنه النور الذي إذا اجتمع بنور الإيمان أدرك الأمور التي ألزمه الإيمان القول بها ، وهو المؤمن الذي لا دليل له وينظر الأشياء بذاته ، فيدخله الشك ممن يشككه فإن فطرته تعطي النظر في الأدلة ، إلا أنه لم ينظر فإذا نبّه تنبه ، فمثل هذا إن لم يسرع إليه الذوق وإلا خيف عليه ، والمؤمن الآخر هو بمنزلة الجسد الذي قد تسوت بنيته ، واستوت آلات قواه ، وتركبت طبقات عينه ، غير أنه ما نفخ فيه الروح فلا نور لعينه .
    فإذا كان الإنسان بهذه المثابة من الطمس ، فنفخ فيه روح الإيمان ، فأبصرت عينه بنور الإيمان الأشياء ، فلا يتمكن له إدخال الشكوك عليه جملة ورأسا ، فإنه ما لعينه نور سوى نور الإيمان ، والضد لا يقبل الضد ، فما له نور في عينه يقبل به الشك والقدح فيما يراه ، ومتى لم يكن الإيمان بهذه المثابة وإلا فقليل أن يجيء منه ما جاء من الأنبياء والأولياء من الصدق بالإلهيات ، فالفطر الذكية التي تقبل النظر في المعقولات من أكبر الموانع لحصول ما ينبغي
    ________________________________________
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    من قبيل الممكنات ، قوله« وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ »يقول : يتمون نشأتها كما أمروا بها ، والألف واللام للتعريف بالصلاة المشروعة لا اللغوية ، وإتمام نشأتها وكمال صورتها يختلف باختلاف الحالات ، يحصرها ثلاثة أحوال : الواحدة أن يصلي الرجل وحده فيتم ركوعها وسجودها وما تحوي عليه
    ص 56


    أن يحصل من العلم الإلهي ، والفطر المطموسة هي القابلة التي لا نور لعينها من ذاتها إلا من نور الإيمان ، فلا تعطي فطرته النظر في الأمور على اختلافها ، ومنزلة الأنبياء فيما يأخذونه من الغيب بطريق الإيمان من الملائكة منزلة المؤمنين مع ما يأخذونه من الأنبياء ، فالأنبياء مؤمنون بما يلقي إليهم الروح ، والروح مؤمن بما يلقي إليه من يلقي إليه .
    فالمؤمن هو الذي لا نور لعين بصيرته إلا نور الإيمان ، وليس الإيمان المعتبر عندنا إلا أن يقال الشيء لقول المخبر على ما أخبر به ، أو يفعل ما يفعل لقول المخبر لا لعين الدليل العقلي .
    « وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ »وقعت الصلاة في الرتبة الثانية من قواعد الإيمان التي بني الإسلام عليها .
    في الخبر الصحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا اللّه ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، والحج ) فعلم الصحابة أنه صلّى اللّه عليه وسلم راعى الترتيب لما يدخل الواو من الاحتمال .
    ولهذا لما قال بعض رواة هذا الحديث من الصحابة لما سرده فقال : والحج وصوم رمضان ، أنكر عليه وقال له ( وصوم رمضان والحج ) فقدّمه ، وعلمنا أنه أراد الترتيب ، ونبه على أن لا ننقل عنه صلّى اللّه عليه وسلم إلا عين ما تلفظ به ، فإنه من العلماء من يرى نقل الحديث المتلفظ به من النبي صلّى اللّه عليه وسلم على المعنى .
    فالصلاة ثانية في القواعد ، مشتقة من المصلي في الخيل ، وهو الذي يلي السابق في الحلبة ، والسابق من القواعد الشهادة ، والمصلي هي الصلاة ، وجعل الزكاة تلي الصلاة لأن الزكاة التطهير فناسبت الصلاة ، فإن الصلاة لا يقبلها اللّه بغير طهور ، والزكاة تطهير الأموال ، ومن شروط الصلاة طهارة الثياب والأبدان والبقعة التي توقع الصلاة عليها وفيها كانت ما كانت ، وجعل الصوم يلي الزكاة ، لما شرع اللّه في صوم رمضان عند انقضائه من زكاة الفطر فلم يبق الحج إلا أن يكون آخرا .
    واعلم أن الصلاة تضاف إلى ثلاثة وإلى رابع ثلاثة بمعنيين بمعنى شامل وبمعنى غير شامل ، فتضاف الصلاة إلى الحق بالمعنى الشامل وهو الرحمة - فإن اللّه وصف نفسه بالرحيم - ووصف عباده بها فقال( أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) *وقال تعالى( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ )فوصف نفسه بأنه يصلي أي يرحمكم . وتضاف الصلاة إلى الملائكة بمعنى الرحمة ،
    ________________________________________
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    من الأقوال والأفعال كما علمنا الشارع لنا ، وهذا سار في كل مصل على كل حال ، والثانية أن يكون المصلي مع إمام وحده ، فمن تمام صلاته وإقامته الاقتداء به ، فلا يرفع حتى يرفع ، ولا
    ص 57


    والاستغفار ، والدعاء للمؤمنين ، قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ )فصلاة الملائكة ما ذكرناه ، قال اللّه عزّ وجل في حق الملائكة وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا )وتضاف الصلاة إلى البشر بمعنى الرحمة ، والدعاء والأفعال المخصوصة المعلومة شرعا ، فجمع البشر هذه الثلاث المراتب المسماة صلاة ، قال تعالى آمرا لنا« وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ » *وتضاف الصلاة إلى كل ما سوى اللّه ، من جميع المخلوقات : ملك وإنسان وحيوان ونبات ومعدن بحسب ما فرضت عليه وعينت له .
    قال تعالى Sad أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ )فأضاف الصلاة إلى الكل ، والتسبيح في لسان العرب الصلاة .
    وإقامة الصلاة ظهور نشأتها على أتم خلقها ، وخلقها يختلف باختلاف من تنسب إليه ، وكل صلاة مما ذكرنا تامة الخلقة ، حتى الصلاة المنسوبة إلى الجماد والنبات والحيوان ، ما عدا الإنس والجان .
    فإن صلاتهما إذا أنشئاها قد تكون مخلقة أو غير تامة الخلقة ، لذلك أمرهما تعالى بقوله« وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ » *وإقامة البشر للصلاة المنسوبة إلى الإنسان والجن هو أن تنسب إليهم بمعنى الرحمة ، كما نسبت إلى الحق ، وبمعنى الدعاء والرحمة ، كما نسبت إلى الملائكة . وبمعنى الدعاء والرحمة وإتمام التكبير والقيام والركوع والسجود والجلوس كما ورد في الخبر ، فمن أتم ركوعها وسجودها وما شرع فيها ، وإن كان في جماعة مما تستحقه صلاة الجماعة والائتمام فقد أكمل خلقها ، وإن كان انتقص منها شيء كانت له بحسب ما انتقص منها ، واللّه لا يقبلها ناقصة .
    فيضم بعض الصلوات إلى بعض فإن كانت له مائة صلاة وفيها نقص كملت بعضها من بعض ، وأدخلت على الحق كاملة ، فتصير المائة صلاة مثلا ثمانين صلاة أو خمسين أو عشرة أو زائدا على ذلك أو ناقصا عنه ، هكذا هي صلاة الثقلين ، وربط إقامة الصلاة بأزمان هي الأوقات المفروض فيها إقامة الصلوات المفروضات ، قال تعالى( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً )أي مفروضة في وقت معين سواء كان موسعا أو مضيقا ، وربطها بأماكن وهي المساجد ، والمبادرة إلى أول الأوقات في العبادات هو الأحوط والمطلوب من العباد في حال التكليف ،
    ________________________________________
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    يفعل شيئا قبل فعل إمامه ، والحالة الثالثة أن يكون في جماعة ، فمن تمام صلاته التراص في الصف وإلزاق المناكب وتسوية الصف ، فهذا إقامة الصلاة ، وسميت صلاة لأنها في المرتبة الثانية من شهادة
    ص 58


    قال تعالى: ( أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ )ولهذا الاحتراز والاحتياط يحمل الأمر الإلهي - إذا ورد معرى عن قرائن الأحوال التي يفهم منه الندب أو الإباحة - على الوجوب ، ويحمل النهي كذلك على الحظر إذا تعرى عن قرينة حال تعطيك الكراهة ، ولا تتوقف عن حمل الأمر والنهي على ما قلناه ، إلا بقرينة حال تخرجهما عن حكم الوجوب في الأمر ، وحكم الحظر في النهي .« وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ »فرضا كان أو تطوعا ، فالفرض من ذلك قد عين اللّه أصنافه ، ورتّبه على نصاب وزمان معين ، والتطوع من ذلك لا يقف عنده شيء ، وجعله تعالى إنفاقا لأنه له وجه ونسبة إلى الحق ، ووجه ونسبة إلى الخلق ، لأنه من النفق وهو جحر اليربوع ويسمى النافقاء ، له بابان إذا طلب من باب ليصاد خرج من الباب الآخر ، كالكلام المحتمل إذا قيدت صاحبه بوجه ، أمكن أن يقول لك إنما أردت الوجه الآخر من محتملات اللفظ . ورد أن الصدقة تقع بيد الرحمن قبل وقوعها بيد السائل فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ، فهذه نسبة إلهية مع الغنى المطلق الذي يستحقه ، والنسب الإلهية لا ينكرها إلا من ليس بمؤمن خالص .
    فإن اللّه يقول Sad وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً ) *واليد العليا هي المنفقة ، فهي خير بكل وجه من اليد السفلى التي هي الآخذة ، فلما كان العطاء له نسبة إلى الحق والغنى ، ونسبة إلى الخلق والحاجة سماه اللّه إنفاقا ، فالعلماء ينفقون بالوجهين فيرون الحق فيما يعطونه معطيا وآخذا ، ويشاهدون أيديهم هي التي يظهر فيها العطاء والأخذ ، ولا يحجبهم هذا عن هذا ، والمعطي بحق والآخذ بحق ليسا على السواء في المرتبة ولا في الاسم ولا في الحال .
    ________________________________________
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    التوحيد ، وتلك السابقة . وهذه متأخرة عنها ، تأخر المصلي عن السابق في الحلبة ، فإنه يليه ، في الحديث الصحيح ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا اللّه ، وإقام الصلاة ) فأتى بها ثانية تابعة بلفظة الإقامة ، وهكذا جاءت هنا« يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ »وإذا وقع الإيمان باللّه ، فليس من حيث الدليل .
    وإنما هو من حيث ما جاء به الخبر من قوله: ( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ )وشبه ذلك ، فصدّقنا قوله ، فذلك التصديق هو الإيمان ، وهو نور يقذفه اللّه في قلب من شاء من عباده ، قوله تعالى« وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ »من هنا للتبيين ، ولها وجه إلى التبعيض ، والآية وردت على جهة المدح بصفة الكرم ، فعلى هذا سواء كان ذلك الرزق حراما أو حلالا ، ومن حمل الرزق على أنه الحلال خاصة وهو قوله تعالى( بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )
    ص 59

      الوقت/التاريخ الآن هو 12/5/2024, 19:53