طهارة نسبه الشريف صلى الله عليه وسلم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: طَهَارَةُ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادِهِ إلى الإِمَامِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، عَنْ مُحَمَّدِ البَاقِرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، في قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾. قَالَ: لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ مِنْ وِلَادَةِ الجَاهِلِيَّةِ.
قَالَ مُحَمَّدُ ـ البَاقِرُ ـ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ» قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ.
وَرَوَى البَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلى أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْرَجَنِي مِنَ النِّكَاحِ، وَلَمْ يُخْرِجْنِي مِنَ السَّفَّاحِ».
وَرَوَى البَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ:
أَنا محمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، بْنِ هاشِمِ، بْنِ عَبْدِ مَنافِ، بْنِ قُصَيٍّ، بْنِ كِلَابٍ، بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ، بْنِ لُؤَيٍّ، بْنِ غَالِبٍ، بْنِ فِهْرٍ، بْنِ مَالِكٍ، بْنِ النَّضْرِ، بْنِ كِنانَةَ، بْنِ خُزَيُمَةَ، بْنِ مُدْرِكَةَ، بْنِ إِلْياسَ، بْنِ مُضَرَ، بْنِ نِزَارِ.
وَمَا افتَرَقَ النَّاسُ فِرْقَتَيْنِ إِلَّا جَعَلَنِي اللهُ فِي خَيْرِهَا فِرْقَةً، فَأُخْرِجْتُ مِنْ بَيْنِ أَبَوَيَّ، فَلَمْ يُصِبْنِي شَيْءٌ مِنْ عُهْرِ الجَاهِلِيَّةِ، وَخَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي وَأُمِّي، فَأَنا خَيْرُكُمْ نَسَبَاً وَخَيْرُكُمْ أَبَاً» قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: تَفَرَّدَ بِهِ القُدَامَى، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ ـ أَيْ: تُقَوِّيهِ ـ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ السَّكَنِ وَغَيْرُهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ المَدِينَةَ مَرْجِعَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ: يَا رَسُولَ الله، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَمْتَدِحَكَ؟
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ، لَا يَفْضُضِ اللهُ فَاكَ» (هَذَا دُعَاءٌ للعَبَّاسِ بِصِيَانَةِ فَمِهِ عَنْ كُلِّ خَلَلٍ وَفَسَادٍ، حِسَّاً وَمَعْنَىً).
فَقَالَ الْعَبَّاسُ:
مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الـظِّلَالِ وَفِي *** مُـسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ
ثُمَّ هَـبَطْتَ الْبِلَادَ لَا بَـشَـرٌ أَنْــ *** ـــتَ وَلَا مُـضْـغَـةٌ وَلَا عَــلَقُ
بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ الـسَّـفِـينَ وَقَدْ *** أَلْجَمَ نَـسْـرَاً وَأَهْـلَـهُ الْـغَـــرَقُ
تُنَقَّلُ مِنْ صَــالِـبٍ إِلَى رَحِــمٍ *** إِذَا مَضَى عَـالَـمٌ بَـدَا طَــــــبَقُ
وَرَدْتَ نَـــــــارَ الخَلِيلِ مُكْتَتِمَاً *** في صُلْبِهِ أَنْتَ كَيْفَ يَـحْـتَرِقُ؟!
حَتَّى احْتَوَى بَـيْتُكَ المُهَيْمِنُ مِنْ *** خِنْدِفَ عَلْيَـــــاءَ تَحْتَهَا النُّـطُقُ
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِــدْتَ أَشْـرَقَتِ الــ *** أَرْضُ وَضَاءَتْ بِـــنُورِكَ الْأُفُقُ
فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ الـضِّيَاءِ وَفِي النْـ *** ـنُـورِ وَسُبْلِ الرَّشَادِ نَــــخْتَرِقُ
شَرْحُ الأَبْيَاتِ:
شَرْحُ البَيْتِ الأَوَّلِ: أَيْ: مِنْ قَبْلِ الهُبُوطِ إلى الأَرْضِ طِبْتَ في ظِلَالِ الجَنَّةِ، حَيْثُ كُنْتَ في صُلْبِ آدَمَ، وَفِي مُسْتَوْدَعٍ، أَيْ: المَوْضِعُ الذي كَانَ آدَمُ وَحَوَّاءُ بِهِ في الجَنَّةِ، وَهُوَ حَيْثُ طَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ.
شَرْحُ البَيْتِ الثَّانِي: أَيْ: نَزَلْتَ إلى الأَرْضِ لَمَّا هَبَطَ إِلَيْهَا آدَمُ، وَأَنْتَ في صُلْبِهِ.
تَرْكَبُ السَّفِينَ: اسْمُ جِنْسٍ، وَالمُرَادُ بِهِ سَفِينَةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَيْ: كُنْتَ مُسْتَقِرَّاً في صُلْبِ سَامِ بْنِ نُوحٍ لَمَّا رَكْبِ السَّفِينَةِ.
أَلْجَمَ نَسْرَاً وَأَهْلَهُ الْغَرَقُ: أَيْ: وَقَدْ أَلْجَمَ الغَرَقُ بِسَبَبِ الطُّوفَانِ نَسْرَاً، وَهُوَ أَحَدُ أَصْنَامِ قَوْمِ نُوحٍ، كَمَا أَلْجَمَ وَأَغْرَقَ أَهْلَ الصَّنَمِ الذين عَبَدُوهُ.
مِنْ صَالِبٍ: أَيْ: مِنْ صُلْبٍ.
إِذَا مَضَى عَالَمٌ بَدَا طَبَقُ: أَيْ: كُلَّمَا مَضَى عَالَمٌ أَنْتَ فِيهِ بِوَاسِطَةِ مَنْ كُنْتَ في صُلْبِهِ، ظَهَرَ طَبَقٌ ـ أَيْ: عَالَمٌ ـ آخَرُ تَكُونُ فِيهِ بِانْتِقَالِكَ مِنْ أَصْلٍ لِفَرْعٍ، فَالطَّبَقُ هُوَ العَالَمُ، وَالمُرَادُ بِهِ: القَرْنُ.
مُكْتَتِمَاً: أَيْ: مَخْفِيَّاً.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَرْحُ البَيْتِ السَّادِسِ: المُرَادُ بِالبَيْتِ: الشَّرَفُ، وَالمُهَيْمِنُ: الشَّاهِدُ المَحْفُوظُ مِنَ الشَّيْنِ، وَالمَعْنَى: احْتَوَى شَرَفُكَ يَا رَسُولَ اللهِ الشَّاهِدُ عَلَى فَضْلِكَ، أَعْلَى مَكَانٍ مِنْ نَسَبِ خِنْدِفَ ـ بِكَسْرِ الخَاءِ وَالدَّالِ ـ وَهُوَ في الأَصْلِ: المَشْيُ بِهَرْوَلَةٍ، ثُمَّ جُعِلَ عَلَمَاً عَلَى امْرَأَةِ إِلْيَاسِ بْنِ مُضَرٍ، لَمَّا خَرَجَتْ تُهَرْوِلُ بَيْنَ بَنِيهَا الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ ضُرِبَ مَثَلَاً للنَّسَبِ العَالِي، وَالنُّطْقُ: جَمْعُ نِطَاقٍ، وَهِيَ النَّوَاحِي الوَاسِعَةُ، وَالأَوْسَاطُ الشَّاسِعَةُ، وَالمُرَادُ رَفْعُ شَرَفِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ كُلِّ شَرَفٍ، كَرِفْعَةِ قِمَّةِ الجَبَلِ فَوْقَ النَّوَاحِي وَالأَوْسَاطِ. اهـ. مُلَخَّصَاً مِنْ شَرْحِ المَوَاهِبِ.
(انْظُرْ هَذِهِ الأَبْيَاتَ في تَارِيخِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَالمَوَاهِبِ وَشَرْحِهَا، وَمَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَتَارِيخِ الإِسْلَامِ للذَّهَبِيِّ، وَغَيْرِهَا).
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: طَهَارَةُ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادِهِ إلى الإِمَامِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، عَنْ مُحَمَّدِ البَاقِرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، في قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾. قَالَ: لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ مِنْ وِلَادَةِ الجَاهِلِيَّةِ.
قَالَ مُحَمَّدُ ـ البَاقِرُ ـ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ» قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ.
وَرَوَى البَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلى أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْرَجَنِي مِنَ النِّكَاحِ، وَلَمْ يُخْرِجْنِي مِنَ السَّفَّاحِ».
وَرَوَى البَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ:
أَنا محمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، بْنِ هاشِمِ، بْنِ عَبْدِ مَنافِ، بْنِ قُصَيٍّ، بْنِ كِلَابٍ، بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ، بْنِ لُؤَيٍّ، بْنِ غَالِبٍ، بْنِ فِهْرٍ، بْنِ مَالِكٍ، بْنِ النَّضْرِ، بْنِ كِنانَةَ، بْنِ خُزَيُمَةَ، بْنِ مُدْرِكَةَ، بْنِ إِلْياسَ، بْنِ مُضَرَ، بْنِ نِزَارِ.
وَمَا افتَرَقَ النَّاسُ فِرْقَتَيْنِ إِلَّا جَعَلَنِي اللهُ فِي خَيْرِهَا فِرْقَةً، فَأُخْرِجْتُ مِنْ بَيْنِ أَبَوَيَّ، فَلَمْ يُصِبْنِي شَيْءٌ مِنْ عُهْرِ الجَاهِلِيَّةِ، وَخَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي وَأُمِّي، فَأَنا خَيْرُكُمْ نَسَبَاً وَخَيْرُكُمْ أَبَاً» قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: تَفَرَّدَ بِهِ القُدَامَى، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ ـ أَيْ: تُقَوِّيهِ ـ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ السَّكَنِ وَغَيْرُهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ المَدِينَةَ مَرْجِعَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ: يَا رَسُولَ الله، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَمْتَدِحَكَ؟
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ، لَا يَفْضُضِ اللهُ فَاكَ» (هَذَا دُعَاءٌ للعَبَّاسِ بِصِيَانَةِ فَمِهِ عَنْ كُلِّ خَلَلٍ وَفَسَادٍ، حِسَّاً وَمَعْنَىً).
فَقَالَ الْعَبَّاسُ:
مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الـظِّلَالِ وَفِي *** مُـسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ
ثُمَّ هَـبَطْتَ الْبِلَادَ لَا بَـشَـرٌ أَنْــ *** ـــتَ وَلَا مُـضْـغَـةٌ وَلَا عَــلَقُ
بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ الـسَّـفِـينَ وَقَدْ *** أَلْجَمَ نَـسْـرَاً وَأَهْـلَـهُ الْـغَـــرَقُ
تُنَقَّلُ مِنْ صَــالِـبٍ إِلَى رَحِــمٍ *** إِذَا مَضَى عَـالَـمٌ بَـدَا طَــــــبَقُ
وَرَدْتَ نَـــــــارَ الخَلِيلِ مُكْتَتِمَاً *** في صُلْبِهِ أَنْتَ كَيْفَ يَـحْـتَرِقُ؟!
حَتَّى احْتَوَى بَـيْتُكَ المُهَيْمِنُ مِنْ *** خِنْدِفَ عَلْيَـــــاءَ تَحْتَهَا النُّـطُقُ
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِــدْتَ أَشْـرَقَتِ الــ *** أَرْضُ وَضَاءَتْ بِـــنُورِكَ الْأُفُقُ
فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ الـضِّيَاءِ وَفِي النْـ *** ـنُـورِ وَسُبْلِ الرَّشَادِ نَــــخْتَرِقُ
شَرْحُ الأَبْيَاتِ:
شَرْحُ البَيْتِ الأَوَّلِ: أَيْ: مِنْ قَبْلِ الهُبُوطِ إلى الأَرْضِ طِبْتَ في ظِلَالِ الجَنَّةِ، حَيْثُ كُنْتَ في صُلْبِ آدَمَ، وَفِي مُسْتَوْدَعٍ، أَيْ: المَوْضِعُ الذي كَانَ آدَمُ وَحَوَّاءُ بِهِ في الجَنَّةِ، وَهُوَ حَيْثُ طَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ.
شَرْحُ البَيْتِ الثَّانِي: أَيْ: نَزَلْتَ إلى الأَرْضِ لَمَّا هَبَطَ إِلَيْهَا آدَمُ، وَأَنْتَ في صُلْبِهِ.
تَرْكَبُ السَّفِينَ: اسْمُ جِنْسٍ، وَالمُرَادُ بِهِ سَفِينَةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَيْ: كُنْتَ مُسْتَقِرَّاً في صُلْبِ سَامِ بْنِ نُوحٍ لَمَّا رَكْبِ السَّفِينَةِ.
أَلْجَمَ نَسْرَاً وَأَهْلَهُ الْغَرَقُ: أَيْ: وَقَدْ أَلْجَمَ الغَرَقُ بِسَبَبِ الطُّوفَانِ نَسْرَاً، وَهُوَ أَحَدُ أَصْنَامِ قَوْمِ نُوحٍ، كَمَا أَلْجَمَ وَأَغْرَقَ أَهْلَ الصَّنَمِ الذين عَبَدُوهُ.
مِنْ صَالِبٍ: أَيْ: مِنْ صُلْبٍ.
إِذَا مَضَى عَالَمٌ بَدَا طَبَقُ: أَيْ: كُلَّمَا مَضَى عَالَمٌ أَنْتَ فِيهِ بِوَاسِطَةِ مَنْ كُنْتَ في صُلْبِهِ، ظَهَرَ طَبَقٌ ـ أَيْ: عَالَمٌ ـ آخَرُ تَكُونُ فِيهِ بِانْتِقَالِكَ مِنْ أَصْلٍ لِفَرْعٍ، فَالطَّبَقُ هُوَ العَالَمُ، وَالمُرَادُ بِهِ: القَرْنُ.
مُكْتَتِمَاً: أَيْ: مَخْفِيَّاً.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَرْحُ البَيْتِ السَّادِسِ: المُرَادُ بِالبَيْتِ: الشَّرَفُ، وَالمُهَيْمِنُ: الشَّاهِدُ المَحْفُوظُ مِنَ الشَّيْنِ، وَالمَعْنَى: احْتَوَى شَرَفُكَ يَا رَسُولَ اللهِ الشَّاهِدُ عَلَى فَضْلِكَ، أَعْلَى مَكَانٍ مِنْ نَسَبِ خِنْدِفَ ـ بِكَسْرِ الخَاءِ وَالدَّالِ ـ وَهُوَ في الأَصْلِ: المَشْيُ بِهَرْوَلَةٍ، ثُمَّ جُعِلَ عَلَمَاً عَلَى امْرَأَةِ إِلْيَاسِ بْنِ مُضَرٍ، لَمَّا خَرَجَتْ تُهَرْوِلُ بَيْنَ بَنِيهَا الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ ضُرِبَ مَثَلَاً للنَّسَبِ العَالِي، وَالنُّطْقُ: جَمْعُ نِطَاقٍ، وَهِيَ النَّوَاحِي الوَاسِعَةُ، وَالأَوْسَاطُ الشَّاسِعَةُ، وَالمُرَادُ رَفْعُ شَرَفِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ كُلِّ شَرَفٍ، كَرِفْعَةِ قِمَّةِ الجَبَلِ فَوْقَ النَّوَاحِي وَالأَوْسَاطِ. اهـ. مُلَخَّصَاً مِنْ شَرْحِ المَوَاهِبِ.
(انْظُرْ هَذِهِ الأَبْيَاتَ في تَارِيخِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَالمَوَاهِبِ وَشَرْحِهَا، وَمَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَتَارِيخِ الإِسْلَامِ للذَّهَبِيِّ، وَغَيْرِهَا).
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
27/4/2024, 17:10 من طرف Admin
» كتاب: زيارة للجنّة والنّار ـ مصطغى محمود
27/4/2024, 17:04 من طرف Admin
» كتاب: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصّحيحة ـ محمد الصوباني ـ ج1
27/4/2024, 16:58 من طرف Admin
» كتاب: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصّحيحة ـ محمد الصوباني ـ ج2
27/4/2024, 16:57 من طرف Admin
» كتاب: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصّحيحة ـ محمد الصوباني ـ ج3
27/4/2024, 16:54 من طرف Admin
» كتاب: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصّحيحة ـ محمد الصوباني ـ ج4
27/4/2024, 16:52 من طرف Admin
» كتاب: نهج الحكمة ـ أسامة الصاوي
27/4/2024, 16:47 من طرف Admin
» كتاب: الجزء الأول درب السلامة في إرشادات العلامة | الشيخ جميل حليم
24/4/2024, 15:58 من طرف Admin
» كتاب: الجزء الثاني درب السلامة في إرشادات العلامة | الشيخ جميل حليم
24/4/2024, 15:57 من طرف Admin
» كتاب: التعاون على النهي عن المنكر | الشيخ عبد الله الهرري
24/4/2024, 15:55 من طرف Admin
» كتاب: شرح الصفات الثلاث عشرة | الشيخ عبد الله الهرري
24/4/2024, 15:54 من طرف Admin
» كتاب: بغية الطالب لمعرفة العلم الديني الواجب الجزء الأول | الشيخ عبد الله الهرري الحبشي
24/4/2024, 15:52 من طرف Admin
» كتاب: بغية الطالب لمعرفة العلم الديني الواجب الجزء الثاني | الشيخ عبد الله الهرري الحبشي
24/4/2024, 15:51 من طرف Admin
» كتاب: الأطراف الحليمية | الشيخ الدكتور جميل حليم
24/4/2024, 15:43 من طرف Admin
» كتاب: الكوكب المنير بجواز الاحتفال بمولد الهادي البشير | الشيخ جميل حليم
24/4/2024, 15:42 من طرف Admin