..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي Empty كتاب: [النوع الثاني علم الفروع وهو الفقه] من كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي

    مُساهمة من طرف Admin 20/11/2019, 15:14

    [النَّوْع الثَّانِي عِلْمُ الْفُرُوعِ وَهُوَ الْفِقْهُ]
    قَوْلُهُ (وَالنَّوْعُ الثَّانِي عِلْمُ الْفُرُوعِ) ، وَهُوَ الْفِقْهُ سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ فَرْعًا لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْأَدِلَّةِ الْكُلِّيَّةِ فِيهِ مِثْلُ كَوْنِ الْكِتَابِ حُجَّةً مَثَلًا عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَعَلَى صِدْقِ الْمُبَلِّغِ وَهُوَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَكَانَ هَذَا النَّوْعُ فَرْعًا لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إذْ الْفَرْعُ عَلَى مَا قِيلَ هُوَ الَّذِي يَفْتَقِرُ فِي وُجُودِهِ إلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، أَيْ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَإِذَا تَمَّتْ هَذِهِ الْأَوْجُهُ كَانَ فِقْهًا، عِلْمُ الْمَشْرُوعِ بِنَفْسِهِ، أَيْ عِلْمُ الْأَحْكَامِ مِثْلُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَالْوَاجِبِ وَالْمَنْهِيِّ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ، إتْقَانُ الْمَعْرِفَةِ بِهِ، أَيْ أَحْكَامُ الْعِرْفَانِ بِذَلِكَ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ أَيْ ذَلِكَ الْإِتْقَانُ هُوَ، مَعْرِفَةُ النُّصُوصِ بِمَعَانِيهَا، أَيْ مَعَ مَعَانِيهَا كَقَوْلِك دَخَلْت عَلَيْهِ بِثِيَابِ السَّفَرِ أَيْ مَعَهَا وَاشْتَرَيْت الْفَرَسَ بِلِجَامِهِ وَسَرْجِهِ أَيْ مَعَهُمَا أَوْ مَعْنَاهُ مُلْتَبِسَةٌ بِمَعَانِيهَا وَكَانَتْ الْجُمْلَةُ وَاقِعَةً مَوْقِعَ الْحَالِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] أَيْ مُلْتَبِسَةٌ بِالدُّهْنِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَعَانِي الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةُ وَالْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي تُسَمَّى عِلَلًا، وَكَانَ السَّلَفُ لَا يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْعِلَّةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْمَعْنَى أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ» أَيْ عِلَلٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إحْدَى بِلَفْظَةِ التَّأْنِيثِ وَثَلَاثٍ بِدُونِ الْهَاءِ، وَضَبْطُ الْأُصُولِ بِفُرُوعِهَا أَيْ الْأُصُولِ الْمُخْتَصَّةِ بِهَذَا النَّوْعِ مَعَ فُرُوعِهَا مِثَالُ مَا ذَكَرْنَا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] كِنَايَةٌ عَنْ الْحَدَثِ، فَهَذَا مَعْرِفَةُ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَيَعْرِفَ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْحُكْمِ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ عَنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ الْحَيِّ فَإِذَا أَتْقَنَ الْمَعْرِفَةَ بِهَذَا الطَّرِيقِ عَرَفَ الْحُكْمَ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَمِثَالُ ضَبْطِ الْأَصْلِ بِفَرْعِهِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الشَّكَّ لَا يُعَارِضُ الْيَقِينَ فَإِذَا شَكَّ فِي طَهَارَتِهِ وَقَدْ تَيَقَّنَ بِالْحَدَثِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَبِالْعَكْسِ لَا يَجِبُ.
    وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ هُوَ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِلْمِ لَا نَفْسُهُ إذْ الِابْتِلَاءُ يَحْصُلُ بِهِ لَا بِالْعِلْمِ نَفْسِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الشَّيْخَ قَسَّمَ نَفْسَ الْعِلْمِ أَوَّلًا ثُمَّ أَدْخَلَ الْعَمَلَ فِي قِسْمَةِ الْعِلْمِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِّ الْعِلْمِ وَحَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا أَدْخَلَ الْعَمَلَ فِي التَّقْسِيمِ بِالتَّقْيِيدِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْعِلْمُ الْمُنْجِي وَالنَّجَاةُ لَيْسَتْ إلَّا فِي انْضِمَامِ الْعَمَلِ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْعَمَلَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ الِاعْتِقَادُ وَفِي هَذَا النَّوْعِ بِالْجَوَارِحِ مَعَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دُخُولَ الْعَمَلِ فِي التَّقْسِيمِ يَضُرُّ بِهِ لِأَنَّك إذَا فَسَّرْت الْحَيَوَانَ مَثَلًا بِأَنَّهُ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ وَقَسَّمْته بِأَنَّهُ أَنْوَاعُ إنْسَانٍ وَفَرَسٍ وَكَذَا وَكَذَا ثُمَّ فَسَّرْت الْإِنْسَانَ بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ فَدُخُولُ النُّطْقِ فِي التَّقْسِيمِ لَا يَضُرُّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُغَايِرًا لِلْحَيَوَانِيَّةِ حَقِيقَةً لِوُجُودِ الْحَيَوَانِيَّةِ بِكَمَالِهَا مَعَ زِيَادَةِ قَيْدٍ فَكَذَا الشَّيْخُ قَسَّمَ الْعِلْمَ بِالنَّوْعَيْنِ ثُمَّ فَسَّرَ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ وَهُوَ الْفِقْهُ بِأَنَّهُ الْعِلْمُ الْمُنْضَمُّ إلَيْهِ الْعَمَلُ فَكَانَ صَحِيحًا

    (1/12)

    وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى عِلْمَ الشَّرِيعَةِ حِكْمَةً فَقَالَ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] وَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْحِكْمَةَ فِي الْقُرْآنِ بِعِلْمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَقَالَ {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125] أَيْ بِالْفِقْهِ وَالشَّرِيعَةِ وَالْحِكْمَةُ: فِي اللُّغَةِ هُوَ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ فَكَذَلِكَ مَوْضِعُ اشْتِقَاقِ هَذَا الِاسْمِ وَهُوَ الْفِقْهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِصِفَةِ الْإِتْقَانِ مَعَ اتِّصَالِ الْعَمَلِ بِهِ قَالَ الشَّاعِرُ:
    أَرْسَلْت فِيهَا قَرْمًا ذَا إقْحَامِ ... طِبًّا فَقِيهًا بِذَوَاتِ الْإِبْلَامِ
    سَمَّاهُ فَقِيهًا لِعِلْمِهِ بِمَا يَصْلُحُ وَبِمَا لَا يَصْلُحُ وَالْعَمَلُ بِهِ فَمَنْ حَوَى هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَانَ فَقِيهًا مُطْلَقًا وَإِلَّا فَهُوَ فَقِيهٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَقَدْ نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ بِقَوْلِهِ {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: 122]
    ـــــــــــــــــــــــــــــ
    [كشف الأسرار]
    مُسْتَقِيمًا ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى مَا ادَّعَى فَقَالَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْ عَلَى أَنَّ الْفِقْهَ هُوَ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ أَنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهُ حِكْمَةً وَالْحِكْمَةُ لُغَةً اسْمٌ لِلْعِلْمِ الْمُتْقَنِ وَالْعَمَلِ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ ضِدَّهُ السَّفَهُ، وَهُوَ الْعَمَلُ عَلَى خِلَافِ مُوجِبِ الْعَقْلِ وَضِدُّ الْعِلْمِ الْجَهْلُ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْ هَوَاهَا وَعَنْ الْقَبَائِحِ مَأْخُوذٌ مِنْ حَكَمَةِ الْفَرَسِ، وَهِيَ الَّتِي تَمْنَعُهُ عَنْ الْحِدَّةِ وَالْجَمُوحَةِ وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ وَالْحَكِيمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْعَالِمُ الْعَامِلُ وَفِي عَيْنِ الْمَعَانِي كُنْهُهَا مَا يَرُدُّ الْعَقْلَ مِنْ الْخَوْضِ فِي مَعَانِي الرُّبُوبِيَّةِ إلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَبَانِي الْعُبُودِيَّةِ فَلَأَنْ يَعُودَ الْعَقْلُ مُعْتَرِفًا بِقُصُورِهِ أَحْمَدُ لَهُ مِنْ أَنْ يُتَّهَمَ بِإِرْبِهِ فِي أُمُورِهِ وَالتَّنْكِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى {خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] تَنْكِيرُ تَعْظِيمٍ كَأَنَّهُ قَالَ فَقَدْ أُوتِيَ أَيَّ خَيْرٍ كَثِيرٍ وَالْمَوْعِظَةُ الْحَسَنَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ تَعِظُهُ أَنَّك تُنَاصِحُهُ بِهَا وَتَقْصِدُ نَفْعَهُ فِيهَا وَوَصَفَ الْمَوْعِظَةَ بِالْحُسْنِ دُونَ الْحِكْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْعِظَةَ رُبَّمَا آلَتْ إلَى الْقُبْحِ بِأَنْ وَقَعَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَوَقْتِهَا.
    قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ مَخَافَةَ السَّآمَةِ» فَأَمَّا الْحِكْمَةُ فَحَسَنَةٌ أَيْنَمَا وُجِدَتْ إذْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَوْلِ الصَّوَابِ وَالْفِعْلِ الصَّوَابِ.
    قَوْلُهُ (قَالَ الشَّاعِرُ) ، وَهُوَ رُؤْبَةُ أَرْسَلْت فِيهَا أَيْ فِي النُّوقِ وَكَلِمَةُ فِي لِبَيَانِ مَوْضِعِ الْإِرْسَالِ وَمَحَلُّهَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ} [الصافات: 72] لَا لِتَعْدِيَةِ الْإِرْسَالِ إلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ تَعَدَّى إلَيْهِ بِإِلَى، وَالْقَرْمُ الْبَعِيرُ الْمُكَرَّمُ الَّذِي لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلَا يُذَلَّلُ وَلَكِنْ يَكُونُ لِلْفَحْلَةِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّيِّدِ قَرْمٌ تَشْبِيهًا لَهُ بِهِ، وَالْإِقْحَامُ إلْقَاءُ النَّفْسِ فِي الشِّدَّةِ وَفِي تَاجِ الْمَصَادِرِ الْإِقْحَام در آوردن جيزي در جيزي بِعُنْفٍ وَالطِّبُّ هُوَ الْمَاهِرُ بِالضِّرَابِ وَالْأَبْلَامِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ بَلَمَةٍ يُقَالُ نَاقَةٌ بِهَا بَلَمَةٌ شَدِيدَةٌ إذَا اشْتَدَّتْ ضَبْعَتُهَا أَيْ رَغْبَتُهَا إلَى الْفَحْلِ وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرُ أَبْلَمَتْ النَّاقَةُ إذَا وَرِمَ حَيَاؤُهَا مِنْ شِدَّةِ الضَّبَعَةِ وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِالْبَيْتِ هُوَ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ فِيهِ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ أَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الْفَقِيهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْفِقْهَ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ، فَمَنْ حَوَى أَيْ جَمَعَ.
    هَذِهِ الْجُمْلَةَ أَيْ الْوُجُوهَ الثَّلَاثَةَ، كَانَ فَقِيهًا مُطْلَقًا أَيْ كَامِلًا تَامًّا، وَإِلَّا أَيْ، وَإِنْ يَجْمَعُهَا وَاقْتَصَرَ عَلَى وَجْهٍ أَوْ وَجْهَيْنِ، فَهُوَ فَقِيهٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِوُجُودِ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْحَقِيقَةِ دُونَ الْبَعْضِ وَيُسَمِّي الشَّيْخُ هَذَا النَّوْعَ حَقِيقَةً قَاصِرَةً قَوْلُهُ (وَقَدْ نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ) أَيْ دَعَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ فِي بَيَانِ فَضِيلَةِ الْفِقْهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَتِمَّةِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْفِقْهَ هُوَ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ.
    وَبَيَانُهُ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ وَرَدَ بِفَضَائِلِ الْفِقْهِ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ آيَةٍ وَحَدِيثٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تِلْكَ الْفَضَائِلَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُ عِنْدَ تَجَرُّدِهِ عَنْ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ النُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ الْوَارِدَةِ فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ السُّوءِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف: 176] وَقَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَيْلٌ لِلْجَاهِلِ مَرَّةً وَلِلْعَالِمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ شِرَارِ الْخَلْقِ فَقَالَ اللَّهُمَّ غُفْرًا حَتَّى كُرِّرَ عَلَيْهِ فَقَالَ هُمْ الْعُلَمَاءُ السُّوءُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فَثَبَتَ أَنَّ مُطْلَقَهُ وَاقِعٌ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا تَوْضِيحُهُ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ» وَرَدَ فِيمَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ

    (1/13)

    وَصَفَهُمْ بِالْإِنْذَارِ وَهُوَ الدَّعْوَةُ إلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا» وَقَالَ: «إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»
    ـــــــــــــــــــــــــــــ
    [كشف الأسرار]
    الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ كَمَا أَشَارَ الشَّيْخُ إلَيْهِ فَأَمَّا مَنْ أَقْبَلَ عَلَى الْعِلْمِ وَتَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فَهُوَ سُخْرَةُ الشَّيْطَانِ وَضَحِكَتُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ مِثْلُهُ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَيَانِ تَبْدِيلِ أَسَامِي الْعُلُومِ أَنَّ النَّاسَ تَصَرَّفُوا فِي اسْمِ الْفِقْهِ فَخَصُّوهُ بِعِلْمِ الْفَتَاوَى وَالْوُقُوفِ عَلَى دَقَائِقِهَا وَعِلَلِهَا وَاسْمُ الْفِقْهِ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ كَانَ مُنْطَلِقًا عَلَى عِلْمِ الْآخِرَةِ وَمَعْرِفَةِ دَقَائِقِ آفَاتِ النُّفُوسِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الْآخِرَةِ وَحَقَارَةِ الدُّنْيَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} [التوبة: 122] وَالْإِنْذَارُ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْعِلْمِ دُونَ تَفَارِيعِ السَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَفْقَهُ الْعَبْدُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى يَمْقُتَ النَّاسَ فِي ذَاتِ اللَّهِ» وَرُوِيَ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ لَهَا أَشَدَّ مَقْتًا وَسَأَلَ فَرْقَدُ السِّنْجِيُّ الْحَسَنَ عَنْ شَيْءٍ فَأَجَابَهُ فَقَالَ إنَّ الْفُقَهَاءَ يُخَالِفُونَك فَقَالَ الْحَسَنُ ثَكِلَتْك أُمُّك فُرَيْقِدُ وَهَلْ رَأَيْت فَقِيهًا بِعَيْنِك إنَّمَا الْفَقِيهُ هُوَ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبُ فِي الْآخِرَةِ الْبَصِيرُ بِذَنْبِهِ الْمُدَاوِمُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ الْوَرِعُ الْكَافُّ عَنْ أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ اسْمُ الْفِقْهِ مُتَنَاوِلًا لِهَذِهِ الْعُلُومِ وَلِلْفَتَاوَى أَيْضًا فَخُصَّ بِالْفَتَاوَى لَا غَيْرُ فَتَجَرَّدَ النَّاسُ بِهِ لِأَغْرَاضِ الْجَاهِ وَالِاسْتِتْبَاعِ اسْتِرْوَاحًا بِمَا جَاءَ فِي فَضِيلَةِ الْفِقْهِ قَوْله تَعَالَى.
    {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] اللَّامُ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ نَفِيرَ الْكَافَّةِ عَنْ أَوْطَانِهِمْ لِطَلَبِ الْعِلْمِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا مُمْكِنٌ وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ وَأَمْكَنَ وَلَمْ يُؤَدِّ إلَى مَفْسَدَةٍ لَوَجَبَ لِوُجُوبِ التَّفَقُّهِ عَلَى الْكَافَّةِ؛ وَلِأَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ فَلَوْلَا نَفَرَ أَيْ فَحِينَ لَمْ يُمْكِنْ نَفِيرُ الْكَافَّةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فَهَلَّا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ طَائِفَةٌ أَيْ مِنْ كُلِّ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ جَمَاعَةٌ قَلِيلَةٌ يَكْفُونَهُمْ النَّفِيرَ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ لِيَتَكَلَّفُوا الْفَقَاهَةَ فِيهِ وَيَتَجَشَّمُوا الْمَشَاقَّ فِي أَخْذِهَا وَتَحْصِيلِهَا وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ وَلِيَجْعَلُوا غَرَضَهُمْ وَمَرْمَى هِمَّتِهِمْ فِي التَّفَقُّهِ إنْذَارَ قَوْمِهِمْ وَإِرْشَادَهُمْ وَالنَّصِيحَةَ لَهُمْ لَا مَا يَنْتَحِيهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْأَغْرَاضِ الْخَسِيسَةِ وَتَؤُمُّونَهُ مِنْ الْمَقَاصِدِ الرَّكِيكَةِ مِنْ التَّصَدُّرِ وَالتَّرَؤُّسِ وَالتَّبَسُّطِ فِي الْبِلَادِ وَالتَّشَبُّهِ بِالظَّلَمَةِ فِي مَلَابِسِهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ وَمُنَافِسَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَفُشُوِّ دَاءِ الضَّرَائِرِ بَيْنَهُمْ وَانْقِلَابِ حَمَالِقَ أَحَدِهِمْ إذَا لَمَحَ بِبَصَرِهِ مَدْرَسَةً لِآخَرَ أَوْ شِرْذِمَةً جَثَوْا بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَهَالُكَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَوْطِئَ الْعَقِبِ دُونَ النَّاسِ كُلِّهِمْ فَمَا أَبْعَدَ هَؤُلَاءِ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا} [القصص: 83] لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ إرَادَةَ أَنْ يَحْذَرُوا اللَّهَ فَيَعْمَلُوا عَمَلًا صَالِحًا وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا بَعَثَ بَعْثًا بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَبَعْدَمَا أُنْزِلَ فِي الْمُتَخَلِّفِينَ مِنْ الْآيَاتِ الشِّدَادِ اسْتَبَقَ الْمُؤْمِنُونَ عَنْ آخِرِهِمْ إلَى النَّفِيرِ وَانْقَطَعُوا جَمِيعًا عَنْ اسْتِمَاعِ الْوَحْيِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ فَأُمِرُوا أَنْ يَنْفِرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ إلَى الْجِهَادِ وَيَبْقَى أَعْقَابُهُمْ يَتَفَقَّهُونَ حَتَّى لَا يَنْقَطِعُوا عَنْ التَّفَقُّهِ الَّذِي هُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ لِأَنَّ الْجِدَالَ بِالْحُجَّةِ أَعْظَمُ أَثَرًا مِنْ الْجِهَادِ بِالسَّيْفِ وَقَوْلُهُ لِيَتَفَقَّهُوا الضَّمِيرُ فِيهِ لِلْفِرَقِ الْبَاقِيَةِ بَعْدَ الطَّوَائِفِ النَّافِرَةِ مِنْ بَيْنِهِمْ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ وَلِيُنْذِرَ الْفِرَقُ الْبَاقِيَةُ قَوْمَهُمْ النَّافِرِينَ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ بِمَا حَصَّلُوا فِي أَيَّامِ غَيْبَتِهِمْ مِنْ الْعُلُومِ وَعَلَى الْأَوَّلِ الضَّمِيرُ لِلطَّائِفَةِ النَّافِرَةِ

    (1/14)

    وَأَصْحَابُنَا هُمْ السَّابِقُونَ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَهُمْ الرُّتْبَةُ الْعُلْيَا وَالدَّرَجَةُ الْقُصْوَى فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ فِي عِلْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمُلَازَمَةِ الْقُدْوَةِ
    ـــــــــــــــــــــــــــــ
    [كشف الأسرار]
    إلَى الْمَدِينَةِ لِلتَّفَقُّهِ كَذَا فِي الْكَشَّافِ وَلَا يُقَالُ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] لِأَنَّا نَقُولُ هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لِلْآيَاتِ الَّتِي تُوجِبُ نَفَرَ الْكُلِّ.
    وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَأَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ أَوْ هِيَ نَازِلَةٌ حَالَ كَثْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَتِلْكَ فِي حَالِ قِلَّتِهِمْ أَوْ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ هُجُومِ الْعَدُوِّ وَتِلْكَ عَلَى حَالَةِ الْهُجُومِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ وَالْإِنْذَارُ هُوَ الدَّعْوَةُ إلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ لِأَنَّ الْمُنْذِرَ إذَا لَمْ يَعْمَلْ بِمَا يُنْذَرُ بِهِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا إلَى كَلَامِهِ أَصْلًا كَمَنْ أَشَارَ إلَى طَعَامٍ لَذِيذٍ وَقَالَ لَا تَأْكُلُوهُ، فَإِنَّهُ مَسْمُومٌ ثُمَّ أَخَذَ فِي أَكْلِهِ لَا يُلْتَفَتُ إلَى كَلَامِهِ أَصْلًا فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْإِنْذَارِ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْفُقَهَاءَ بِالْإِنْذَارِ بِقَوْلِهِ {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} [التوبة: 122] فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِمَا أُنْذِرُوا بِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْفَقِيهَ هُوَ الْعَالِمُ الْعَامِلُ وَالْفِقْهُ هُوَ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى ذَمَّ أَقْوَامًا عَلَى الْإِنْذَارِ بِدُونِ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] وَبِقَوْلِهِ {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] وَقَدْ حَرَّضَهُمْ هَهُنَا عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ هُوَ الدَّعْوَةُ إلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ قَالَ أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُك قَالَ أَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُك قَالَ فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونَنِي قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا» فَقِهَ الرَّجُلُ بِالْكَسْرِ فِقْهًا فَهِمَ وَفَقِهَ فَقَاهَةً إذَا صَارَ فَقِيهًا

    قَوْلُهُ (وَأَصْحَابُنَا) أَيْ أَصْحَابُ مَذْهَبِنَا وَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْحَابُهُ، هُمْ السَّابِقُونَ أَيْ الْمُتَقَدِّمُونَ، فِي هَذَا الْبَابِ أَيْ الْفِقْهِ ذَكَرَ ضَمِيرَ الْفَصْلِ لِيَدُلَّ عَلَى نَوْعِ تَخْصِيصٍ وَحَصْرٍ أَيْ هُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِالسَّبْقِ فِيهِ لَا غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُمْ أَحَدٌ فِي تَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ وَتَصْحِيحِ الْأَجْوِبَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ غَايَتَهُمْ فِي تَرْتِيبِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ وَبَذْلِ الْمَجْهُودِ فِي تِلْكَ، وَلَهُمْ الرُّتْبَةُ الْعُلْيَا أَيْ الْمَنْزِلَةُ الَّتِي لَا مَنْزِلَةَ فَوْقَهَا وَالْعُلْيَا وَالْقُصْوَى تَأْنِيثُ الْأَعْلَى وَالْأَقْصَى، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تُقْلَبَ وَاوُ الْقُصْوَى يَاءً كَوَاوِ الْعُلْيَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الصِّفَاتِ الْجَارِيَةِ مَجْرَى الْأَسْمَاءِ وَوَاوُ فُعْلَى تُقْلَبُ يَاءً فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَّا أَنَّهَا جَاءَتْ بِالْوَاوِ أَيْضًا فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ عَلَى سَبِيلِ الشُّذُوذِ كَمَا جَاءَتْ بِالْيَاءِ قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ، وَإِذَا كَانَتْ اللَّامُ وَاوًا فِي فُعْلَى، فَإِنَّهَا تُقْلَبُ فِي الصِّفَاتِ الْجَارِيَةِ مَجْرَى الْأَسْمَاءِ إلَى الْيَاءِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ مِثْلُ الدُّنْيَا وَالْعُلْيَا وَالْقُصْيَا وَقَدْ قَالُوا الْقُصْوَى فَجَاءَ عَلَى الْأَصْلِ كَمَا جَاءَ قَوِدَ وَاسْتَحْوَذَ وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ الْقُصْوَى كَالْقَوْدَى فِي مَجِيئِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَقَدْ جَاءَ الْقُصْيَا إلَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُصْوَى أَكْثَرُ كَمَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُ اسْتَصْوَبَ مَعَ مَجِيءِ اسْتَصَابَ وَأَغْلَيْت مَعَ غَالَتْ، الرَّبَّانِيُّ فِي الْمُتَأَلِّهِ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي الْكَشَّافِ الرَّبَّانِيُّ الشَّدِيدُ التَّمَسُّكِ بِدِينِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَرُبُّ النَّاسَ بِصِغَارِ الْعُلُومِ قَبْلَ كِبَارِهَا وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَرُبُّ النَّاسَ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ بِعَمَلِهِ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الرَّبِّ بِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ لِلتَّعْظِيمِ كَاللِّحْيَانِيِّ وَالنُّورَانِيِّ وَقَدْ جَاءَ رَبَّى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا وَالْقِيَاسُ هُوَ الْفَتْحُ وَالْبَاقِي مِنْ تَغَيُّرَاتِ النَّسَبِ، وَالْقُدْوَةُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ

    (1/15)

    وَهُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَالْمَعَانِي أَمَّا الْمَعَانِي فَقَدْ سَلَّمَ لَهُمْ الْعُلَمَاءُ حَتَّى سَمَّوْهُمْ أَصْحَابَ الرَّأْيِ وَالرَّأْيُ اسْمٌ لِلْفِقْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَهُمْ أَوْلَى بِالْحَدِيثِ أَيْضًا
    ـــــــــــــــــــــــــــــ
    [كشف الأسرار]
    كَالْأُسْوَةِ مِنْ الْايتِسَاءِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَيُقَالُ فُلَانٌ قُدْوَةٌ أَيْ يُقْتَدَى بِهِ يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُلَازِمُونَ طَرِيقَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي أَخْذِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ ثُمَّ مِنْ السُّنَّةِ ثُمَّ مِنْ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْقِيَاسِ وَيَسْلُكُونَ نَهْجَهُمْ وَلَا يَخْتَرِعُونَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مَا يُخَالِفُ طَرِيقَتَهُمْ فِي اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ وَاسْتِنْبَاطِهَا.
    قَوْلُهُ (وَهُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَالْمَعَانِي) وَلَمَّا طَعَنَ الْخُصُومُ فِي أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ الرَّأْيِ دُونَ الْحَدِيثِ يَعْنُونَ بِهِ أَنَّهُمْ وَضَعُوا الْأَحْكَامَ بِاقْتِضَاءِ آرَائِهِمْ فَإِنْ وَافَقَ الْحَدِيثُ رَأْيَهُمْ قَبِلُوهُ وَإِلَّا قَدَّمُوا رَأْيَهُمْ عَلَى الْحَدِيثِ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِمْ طَعْنَهُمْ بِقَوْلِهِ وَهُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ.
    وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ الشَّيْخَ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَاظَرَ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فِي أَلْوَانِ تَحْصِيلِهِ بِبُخَارَى بِإِشَارَةِ أَخِيهِ شَيْخِ الْأَنَامِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْيُسْرِ وَأَفْحَمَهُ فَلَمَّا تَفَرَّقُوا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ الْمَعَانِيَ قَدْ تَيَسَّرَتْ لِأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنْ لَا مُمَارَسَةَ لَهُمْ بِالْحَدِيثِ فَبَلَغَ الشَّيْخَ فَرَدَّهُ فِي هَذَا التَّصْنِيفِ وَقَالَ وَهُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَالْمَعَانِي أَمَّا الْمَعَانِي فَقَدْ سَلَّمَ لَهُمْ الْعُلَمَاءُ أَيْ سَلَّمُوهَا لَهُمْ إجْمَالًا وَتَفْصِيلًا أَمَّا إجْمَالًا؛ فَلِأَنَّهُمْ سَمَّوْهُمْ أَصْحَابَ الرَّأْيِ تَعْبِيرًا لَهُمْ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا سَمَّوْهُمْ بِذَلِكَ لِإِتْقَانِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَاسْتِخْرَاجِهِمْ الْمَعَانِي مِنْ النُّصُوصِ لِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ وَدِقَّةِ نَظَرِهِمْ فِيهَا وَكَثْرَةِ تَفْرِيعِهِمْ عَلَيْهَا وَقَدْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ عَامَّةُ أَهْلِ زَمَانِهِمْ فَنَسَبُوا أَنْفُسَهُمْ إلَى الْحَدِيثِ وَأَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ إلَى الرَّأْيِ وَالرَّأْيُ هُوَ نَظَرٌ الْقَلْبِ يُقَالُ رَأَى رَأْيًا بَدَلُ ديد وَرَأَى رُؤْيَا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ بخواب ديد وَرَأَى رُؤْيَةً بجشم ديد وَفِي الْمُغْرِبِ الرَّأْيُ مَا ارْتَأْهُ الْإِنْسَانُ وَاعْتَقَدَهُ وَأَمَّا تَفْصِيلًا فَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اجْتَمَعْت مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَلَسْنَا أَوْقَاتًا وَكَلَّمْته فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ فَمَا رَأَيْت رَجُلًا أَفْقَهَ مِنْهُ وَلَا أَغْوَصَ مِنْهُ فِي مَعْنَى وَحُجَّةٍ وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي كُتُبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَتَفَقَّهَ بِهَا وَعَنْ حَرْمَلَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَحَّرَ فِي الْفِقْهِ فَهُوَ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَرَادَ الْفِقْهَ فَلْيَلْزَمْ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهِ مَا صِرْت فَقِيهًا إلَّا بِاطِّلَاعِي فِي كُتُبِ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ لَحِقْته قَدْ لَازَمْت مَجْلِسَهُ وَبَلَغَ ابْنَ سُرَيْجٍ أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ فِي أَبِي حَنِيفَةَ فَدَعَاهُ وَقَالَ يَا هَذَا أَتَقَعُ فِي رَجُلٍ سَلَّمَ لَهُ جَمِيعُ الْأُمَّةِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعِلْمِ.
    وَهُوَ لَا يُسَلِّمُ لَهُمْ الرُّبْعَ قَالَ كَيْفَ ذَاكَ فَقَالَ الْعِلْمُ قِسْمَانِ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ وَأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسَائِلَ فَسُلِّمَ لَهُ النِّصْفُ ثُمَّ أَجَابَ فِيهَا وَوَافَقُوهُ فِي النِّصْفِ أَوْ أَكْثَرَ فَسُلِّمَ لَهُ الرُّبْعُ الْآخَرُ، وَإِنَّمَا خَالَفُوهُ فِي الْبَاقِي، وَهُوَ لَا يُسَلِّمُ لَهُمْ ذَلِكَ فَبَقِيَ الرُّبْعُ مُتَنَازَعًا فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُلِّ.
    قَوْلُهُ (وَهُمْ أَوْلَى بِالْحَدِيثِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَيْضًا تَفْصِيلًا وَإِجْمَالًا أَمَّا تَفْصِيلًا فَلِمَا رُوِيَ عَنْ حَيِّ بْنِ آدَمَ أَنَّهُ قَالَ إنَّ فِي الْحَدِيثِ نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا كَمَا فِي الْقُرْآنِ، وَكَانَ النُّعْمَانُ جَمَعَ حَدِيثَ أَهْلِ بَلَدِهِ كُلِّهِ فَنَظَرَ إلَى آخِرِ مَا قُبِضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِهِ فَكَانَ فَقِيهًا وَعَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْت أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: عَجَبًا لِلنَّاسِ يَقُولُونَ إنِّي أَقُولُ بِالرَّأْيِ وَمَا أُفْتِي إلَّا بِالْأَثَرِ وَعَنْ النَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَكْثَرَ أَخْذًا لِلْآثَارِ

    (1/16)

    أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ جَوَّزُوا نَسْخُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ لِقُوَّةِ مَنْزِلَةِ السُّنَّةِ عِنْدَهُمْ وَعَمِلُوا بِالْمَرَاسِيلِ تَمَسُّكًا بِالسُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَرَأَوْا الْعَمَلَ بِهِ مَعَ الْإِرْسَالِ أَوْلَى مِنْ الرَّأْيِ، وَمَنْ رَدَّ الْمَرَاسِيلَ فَقَدْ رَدَّ كَثِيرًا مِنْ السُّنَّةِ وَعَمِلَ بِالْفَرْعِ بِتَعْطِيلِ الْأَصْلِ وَقَدَّمُوا رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ عَلَى الْقِيَاسِ وَقَدَّمُوا قَوْلَ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْقِيَاسِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي: لَا يَسْتَقِيمُ الْحَدِيثُ إلَّا بِالرَّأْيِ
    ـــــــــــــــــــــــــــــ
    [كشف الأسرار]
    مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ نَصْرٍ قَالَ سَمِعْت أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ عِنْدِي صَنَادِيقُ مِنْ الْحَدِيثِ مَا أَخْرَجْت مِنْهَا إلَّا الْيَسِيرَ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ.
    وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ قَالَ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ شَدِيدَ الِاتِّبَاعِ لِلْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ، وَعَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقِيهًا مَعْرُوفًا بِالْفِقْهِ مَشْهُورًا بِالْوَرَعِ وَاسِعَ الْمَالِ صَبُورًا عَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَثِيرَ الصَّمْتِ هَارِبًا مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ، وَكَانَ إذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ اتَّبَعَهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا قَوْلٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَخَذَ بِهِ وَإِلَّا قَاسَ فَأَحْسَنَ الْقِيَاسَ، وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ (أَصْحَابُ الرَّأْيِ أَعْدَاءُ السُّنَّةِ) أَبُو حَنِيفَةَ وَأَمْثَالُهُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْهِدُ جَهْدَهُ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ عَلَى السُّنَّةِ فَلَا يُفَارِقُهَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَعَادِي السُّنَّةِ إنَّمَا هُمْ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْخُصُومَاتِ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَيَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ.
    وَأَمَّا إجْمَالًا فَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي الْكِتَابِ، وَالْمُرْسَلُ الْمُطْلَقُ، وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ مَا يَرْوِيهِ التَّابِعِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّسُولِ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ، وَالْمَرَاسِيلُ اسْمُ جَمْعٍ لَهُ كَالْمَنَاكِيرِ لِلْمُنْكَرِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، تَمَسُّكًا بِالسُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، السُّنَّةُ أَعَمُّ مِنْ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْفِعْلَ وَالْقَوْلَ وَالْحَدِيثُ مُخْتَصٌّ بِالْقَوْلِ.
    وَقِيلَ إنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ الْعَامَّ قَدْ خُصَّ مِنْهُ فَأَكَّدَهُ بِذِكْرِ الْحَدِيثِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ هَهُنَا، وَرَأَوْا أَيْ اعْتَقَدُوا الْعَمَلَ بِهِ أَيْ بِالْمُرْسَلِ مَعَ صِفَةِ الْإِرْسَالِ، أَوْلَى مِنْ الرَّأْيِ، أَيْ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ، كَثِيرًا مِنْ السُّنَّةِ، فَإِنَّهُمْ جَمَعُوا الْمَرَاسِيلَ فَبَلَغَ دَفْتَرًا قَرِيبًا مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَعُمِلَ بِالْفَرْعِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، بِتَعْطِيلِ الْأَصْلِ، أَيْ مُلْتَبِسًا بِهِ يَعْنِي عَمِلَ بِالْقِيَاسِ مُعَطِّلًا لِلْأَصْلِ، وَهُوَ الْحَدِيثُ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْعَمَلِ بِالْفَرْعِ أَنْ يَكُونَ مُقَرِّرًا لِلْأَصْلِ لَا مُعَطِّلًا لَهُ، وَقَدَّمُوا رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَشْتَهِرْ بِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِرِوَايَةِ حَدِيثٍ أَوْ حَدِيثَيْنِ، عَلَى الْقِيَاسِ، حَتَّى قَدَّمُوا رِوَايَةَ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ عَلَى الْقِيَاسِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُفَوَّضَةِ وَقَدَّمُوا قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لِاحْتِمَالِ السَّمَاعِ مِنْ الرَّسُولِ عَلَى مَا يُعْرَفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي مَوْضِعِهِ مِنْ أَقْسَامِ السُّنَّةِ وَأَبْوَابِ النَّسْخِ، وَإِذَا أَثْبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَذْهَبِهِمْ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقَدِّمُونَ الرَّأْيَ عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الثَّابِتِ الْمَتْنِ وَمَعَ ذَلِكَ قَدَّمُوا قَوْلَ الصَّحَابِيِّ وَرِوَايَةَ الْمَجْهُولِ عَلَى الْقِيَاسِ فَلَوْ زَعَمَ أَحَدٌ أَنَّهُمْ خَالَفُوا الْحَدِيثَ فِي صُورَةِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ لِمُعَارَضَةِ حَدِيثٍ آخَرَ ثَابِتٍ عِنْدَهُمْ يُؤَيِّدُهُ الْقِيَاسُ أَوْ لِدَلَالَةِ آيَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي الْكُتُبِ الطِّوَالِ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّأْيُ عِنْدَهُمْ مُقَدَّمًا عَلَى السُّنَّةِ كَمَا ظَنَّهُ الطَّاعِنُ فَكَلَّا قَوْلُهُ (لَا يَسْتَقِيمُ الْحَدِيثُ إلَّا بِالرَّأْيِ) أَيْ بِاسْتِعْمَالِ الرَّأْيِ فِيهِ بِأَنْ يُدْرِكَ مَعَانِيَهُ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْأَحْكَامِ وَلَا يَسْتَقِيمُ الرَّأْيُ إلَّا بِالْحَدِيثِ أَيْ لَا يَسْتَقِيمُ الْعَمَلُ بِالرَّأْيِ وَالْأَخْذِ بِهِ إلَّا بِانْضِمَامِ الْحَدِيثِ إلَيْهِ، مِثَالُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ سُئِلَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَنْ صَبِيَّيْنِ ارْتَضَعَا لَبَنَ شَاةٍ هَلْ ثَبَتَتْ بَيْنَهُمَا حُرْمَةُ الرَّضَاعِ فَأَجَابَ بِأَنَّهَا ثَبَتَتْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدٍ حَرُمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَأَخْطَأَ لِفَوَاتِ الرَّأْيِ.
    وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَمَّلْ أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بَيْنَ الْآدَمِيَّيْنِ لَا بَيْنَ الشَّاةِ وَالْآدَمِيِّ، وَسَمِعْت

    (1/17)

    وَلَا يَسْتَقِيمُ الرَّأْيُ إلَّا بِالْحَدِيثِ حَتَّى أَنَّ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْحَدِيثَ أَوْ عِلْمَ الْحَدِيثِ وَلَا يُحْسِنُ الرَّأْيَ فَلَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَالْفَتْوَى وَقَدْ مَلَأَ كُتُبَهُ مِنْ الْحَدِيثِ، وَمَنْ اسْتَرَاحَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ عَنْ بَحْثِ الْمَعَانِي وَنَكَلَ عَنْ تَرْتِيبِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ انْتَسَبَ إلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَهَذَا الْكِتَابُ لِبَيَانِ النُّصُوصِ بِمَعَانِيهَا وَتَعْرِيفِ الْأُصُولِ بِفُرُوعِهَا عَلَى شَرْطِ الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
    ـــــــــــــــــــــــــــــ
    [كشف الأسرار]
    عَنْ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ كَانَ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يُوتِرُ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ اسْتَنْجَى فَلْيُوتِرْ، وَنَظِيرُ الثَّانِي أَنَّ الرَّأْيَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تُنْتَقَضَ الطَّهَارَةُ بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِخَارِجَةٍ نَجِسَةٍ كَمَا هِيَ لَيْسَتْ بِحَدَثٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَكِنْ ثَبَتَ بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهَا حَدَثٌ فَوَجَبَ تَرْكُهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِسْقَاءُ فِي الصَّوْمِ لَا يَكُونُ نَاقِضًا لَهُ بِمُقْتَضَى الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ وَالصَّوْمُ إنَّمَا يَفْسُدُ مِمَّا يَدْخُلُ لَكِنْ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ فَيُتْرَكُ الرَّأْيُ بِهِ فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَسْتَقِيمُ بِدُونِ الْآخَرِ، وَلَا يَتَخَالَجَنَّ فِي وَهْمِك مَا وَقَعَ فِي وَهْمِ بَعْضِ الطَّلَبَةِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَسْتَقِيم الْحَدِيثُ إلَّا بِالرَّأْيِ وَلَا الرَّأْيُ إلَّا بِالْحَدِيثِ مُقْتَضٍ لِلدَّوْرِ فَيَكُونُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الدَّوْرِ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وُجُودِهِ مُفْتَقِرًا إلَى الْآخَرِ كَمَا إذَا قِيلَ لَا يُوجَدُ الْخَمْرُ إلَّا بِالْعِنَبِ وَلَا الْعِنَبُ إلَّا بِالْخَمْرِ فَيَبْطُلُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الرَّأْيَ لَيْسَ بِمُفْتَقِرٍ فِي وُجُودِهِ إلَى الْحَدِيثِ وَلَا الْحَدِيثُ إلَى الرَّأْيِ وَلَكِنَّ افْتِقَارَ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى الْآخَرِ فِي أَمْرٍ آخَرَ هُوَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي الْحَادِثَةِ كَعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يَفْتَقِرُ كُلُّ وَصْفٍ إلَى الْآخَرِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الدَّوْرِ فِي شَيْءٍ.
    وَهُوَ كَمَا يُقَالُ لَا يَصِيرُ السُّكْرُ سَكَنْجَبِينًا إلَّا بِالْخَلِّ وَلَا يَصِيرُ الْخَلُّ كَذَلِكَ إلَّا بِالسُّكَّرِ فَكَانَ تَوَقُّفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي صَيْرُورَتِهِ سَكَنْجَبِينًا لَا فِي وُجُودِهِ فَكَذَا هَهُنَا فَصَارَ مَعْنَى الْكَلَامِ لَا يَسْتَقِيمُ الْحَدِيثُ إلَّا بِالرَّأْيِ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَلَا الرَّأْيُ إلَّا بِالْحَدِيثِ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ أَيْضًا وَلَيْسَ فِيهَا دَوْرٌ كَمَا تَرَى، يُقَالُ اسْتَرَاحَ فُلَانٌ بِزَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو أَيْ طَلَبَ رَاحَةَ نَفْسِهِ بِالِاشْتِغَالِ بِزَيْدٍ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ عَمْرٍو وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مُسْتَرِيحٌ أَوْ مُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» ، فَمَنْ اسْتَرَاحَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، أَيْ اكْتَفَى بِهِ وَأَعْرَضَ عَنْ بَحْثِ الْمَعَانِي، وَنَكَلَ عَنْ تَرْتِيبِ الْفُرُوعِ، أَيْ أَعْرَضَ مِنْ نَكَلَ عَنْ الْعَدُوِّ وَعَنْ الْيَمِينِ إذَا جَبُنَ، لِبَيَانِ النُّصُوصِ بِمَعَانِيهَا، أَيْ مَعَ مَعَانِيهَا الدَّالَّةِ عَلَى الْأَحْكَامِ مِثْلُ الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إلَى تَمَامِ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ، وَتَعْرِيفِ الْأُصُولِ بِفُرُوعِهَا، يَعْنِي بَيَّنَ فِيهِ الْأُصُولَ ثُمَّ بَنَى عَلَى كُلِّ أَصْلٍ فُرُوعَهُ مِمَّا يَلِيقُ ذِكْرُهُ فِيهِ، عَلَى شَرْطِ الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ، قَدْ صَنَّفَ الشَّيْخُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ كِتَابًا أَطْوَلَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَبَسَطَ فِيهِ الْكَلَامَ بَسْطًا، وَكَانَ فِي مُطَالَعَةِ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَوَعَدَ أَنَّ هَذَا التَّصْنِيفَ أَوْجَزَ مِنْهُ، وَمَا تَوْفِيقِي، مِنْ بَابِ إضَافَةِ الصَّدْرِ إلَى الْمَفْعُولِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْفَاعِلِ، فَإِنَّ التَّوْفِيقَ هَهُنَا مَصْدَرُ وُفِّقَ الْمَبْنِيُّ لِلْمَفْعُولِ لَا مَصْدَرُ وَفَّقَ أَيْ وَمَا كَوْنِي مُوَفَّقًا لِإِصَابَةِ الْحَقِّ فِيمَا قَصَدْت مِنْ تَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ وَوُقُوعِهِ مُوَافِقًا لِرِضَاءِ اللَّهِ إلَّا بِمَعُونَتِهِ وَتَأْيِيدِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ اسْتَوْفَقَ رَبَّهُ فِي إمْضَاءِ الْأَمْرِ عَلَى سُنَنِهِ وَطَلَبَ مِنْهُ التَّأْيِيدَ فِي ذَلِكَ، وَالتَّوْفِيقُ جَعْلٌ الشَّيْءِ مُوَافِقًا لِلشَّيْءِ وَتَوْفِيقُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ أَنْ يَجْعَلَ أَفْعَالَهُ الظَّاهِرَةَ مُوَافِقَةً لِأَوَامِرِهِ مَعَ بَقَاءِ اخْتِيَارِهِ فِيهَا وَأَنَّ نِيَّاتِ قَلْبِهِ مُوَافِقَةٌ لِمَا يُحِبُّهُ، إلَيْهِ أُشِيرَ فِي حِصَصِ الْأَتْقِيَاءِ، وَالتَّوَكُّلُ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ مَعَ رِعَايَةِ الْأَسْبَابِ، وَالْإِنَابَةُ الْإِقْبَالُ إلَيْهِ. وَقِيلَ التَّوْبَةُ الرُّجُوعُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ إلَى اللَّهِ وَالْأَوْبَةُ الرُّجُوعُ عَنْ الطَّاعَةِ إلَيْهِ بِأَنْ لَا يَعْتَمِدَ عَلَى طَاعَتِهِ بَلْ عَلَى فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَالْإِنَابَةُ


      الوقت/التاريخ الآن هو 22/11/2024, 20:10