مَرْويَّات فضائل عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه في مُستَدرَك الحاكِم دراسة حَديثيَّة - علاقة علي بن أبي طالب بالخلفاء الراشدين
كان أبو بكر يعرف لعلي ولآل البيت فضلهم، فينزلهم منزلتهم، ويقدرهم قدرهم، ومن ذلك: أن أبا بكر رضي الله عنه صلَّى العصر يوما، ثم خرج يمشي، فرأى الحسن يلعب مع الصبيان، فحمله على عاتقه، وقال: «بأبي، شبيه بالنبي، لا شبيه بعلي ». وعلي رضي الله عنه يضحك. أوَّلاً: عليٌّ مع أبي بكر الصدِّيق – رضي الله عنهما –: وردت عِدَّةُ أخبار في شأن تأخر علي عن مبايعة أبي بكر الصديق، وجُلُّ هذه الأخبار ليست صحيحة، وفي المقابل جاءت روايات صحيحة السند تفيد بأن عليًا بايع الصديق في أول الأمر، ومن ذلك: ما جاء عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: «لما تُوفِّي رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قام خطباء الأنصار....، فذكر بيعة السقيفة، ثم قال: فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليًا، فسأل عنه، فقام أناس من الأنصار، فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وختنه، أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فبايعه» ([1]). قال الحافظ ابن كثير: «هذا إسناد صحيح محفوظ، وفيه فائدة جليلة، وهي مبايعة علي بن أبي طالب، إما في أول يوم، أو في الثاني من الوفاة، وهذان حق، فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع عن صلاة من الصلوات خلفه» ([2]). ووقف عليٌّ بعد ذلك بجوار أبي بكر الخليفة في حروبه ضد المرتدِّين، يساند ويؤازر وينصح، ويتجلَّى نصحه وصدقه يوم أراد الصدِّيق أن يخرج بنفسه لقتال المرتدِّين، فوقف له عليٌّ، وأخذ بزمام فرسه، وقال له: «إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: «شم سيفك، ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا». فرجع، وأمضى الجيش ([3]). وكان عليٌّ يعرف لأبي بكر فضله، فيقدِّمه على نفسه، وهذا بصريح قوله لا بقول أحد غيره، ومن ذلك: أن ابنه محمد بن الحنفية قال له يوما: يا أبت، أيُّ الناس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أبو بكر»، قُلتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قال: «ثُمَّ عمر»، وخشيتُ أن يقول عثمان، قُلتُ: ثُمَّ أنت؟ قال: «ما أنا إلا رجل من المسلمين» ([4]). وفي المقابل: كان أبو بكر يعرف لعلي ولآل البيت فضلهم، فينزلهم منزلتهم، ويقدرهم قدرهم، ومن ذلك: أن أبا بكر رضي الله عنه صلَّى العصر يوما، ثم خرج يمشي، فرأى الحسن يلعب مع الصبيان، فحمله على عاتقه، وقال: «بأبي، شبيه بالنبي، لا شبيه بعلي ». وعلي رضي الله عنه يضحك ([5]). وظلَّت هذه العلاقة من المودة والإخاء، والمحبة والتقدير بينهما حتى لحق الصدِّيق بربه، واستخلف عُمَرَ من بعده. ثانياً: عليٌ مع عمر بن بن الخطاب – رضي الله عنهما –: على درب الصدق والنصح والإخاء الذي سار عليه مع الصدِّيق، سار عليٌّ مع عمر بن الخطاب. وفي المقابل أيضا: كانت لعلي منزلته العالية عند الفاروق عمر، كما كانت عند أبي بكر. يقول ابن الجوزي عن عليّ: «كان أبو بكر وعمر يشاورانه ويرجعان إلى رأيه، وكان كل الصحابة مفتقرا إلى علمه، وكان عمر يقول: «أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن» ([6]). ولذلك جعله عمر من مجلس مشورته، وتراجع مرات عن رأيه، آخذا برأي علي، حينما تبيَّن له صحته، ومن ذلك: أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أُتِيَ بامرأة قد زنت، فأمر برجمها، فذهبوا بها ليرجموها، فلقيهم عليٌّ، رضي الله عنه، فقال: «ما هذه؟» قالوا: زنت فأمر عمر برجمها، فانتزعها عليٌّ من أيديهم وردَّهم، فرجعوا إلى عمر، فقال: «ما ردَّكم؟» قالوا: ردَّنا عليٌّ، قال: «ما فعل هذا عليٌّ إلا لشيء قد علمه»، فأرسل إلى عليّ، فجاء وهو شبه المغضب، فقال: «ما لك رددتَ هؤلاء؟» قال: «أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل؟» قال: «بلى»، قال عليٌّ: «فإن هذه مبتلاة بني فلان، فلعله أتاها وهو بها»، فقال عمر: «لا أدري»، قال: «وأنا لا أدري». فلم يرجمها ([7]). وفي المقابل: كان عليٌّ يعرف لعمر فضله، ويقدِّمه على نفسه، وقد مر معنا في علاقته بأبي بكر، أنه لما سُئِلَ: أيُّ الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أبو بكر»، قِيل له: ثُمَّ مَنْ؟ قال: «ثُمَّ عمر» ([8]). ولمَّا طُعن عمر، رضي الله عنه، كان عليٌّ من أشد الناس حزنا عليه، وثناءً عليه، يقول عبدالله بن عباس: «وُضِع عمر بن الخطاب على سريره، فتكنَّفه ([9]) الناس يدعون ويُثنون ويُصلُّون عليه، قبل أن يُرفع، وأنا فيهم، قال فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت إليه فإذا هو علي، فترحَّم على عمر، وقال: ما خلَّفتُ أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أني كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر» فإن كنت لأرجو، أو لأظن، أن يجعلك الله معهما» ([10]). وفي مُقابل ذلك: فإن عمر لما طُعن: رشَّح عليا للخلافة مع أهل الشورى، وذلك حينما قِيل له: أوص يا أمير المؤمنين، استخلِفْ. فقال: «ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر، أو الرهط، الذين تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض». فسمَّى عليَّاً، وعُثمانَ، والزُّبيرَ، وطلحةَ، وسعداً، وعبدالرحمن ([11]). ثالثاً: عليٌ مع عُثمان بن عفَّان – رضي الله عنهما –: بعد مقتل عمر، انعقد مجلس الشورى الذي سمَّاه هو قبل رحيله، وتولَّى زمام الأمر: عبدالرحمن بن عوف، فعزل نفسه من الاختيار، وطاف على أهل المدينة من المهاجرين والأنصار، واستمع إلى أهل الحل والعقد منهم، حتى رأى استقرار الجميع على عثمان بن عفان، فبايعه، وبايعه الجميع: المهاجرون، والأنصار، وأمراء الأجناد، والمسلمون، ومعهم علي بن أبي طالب ([12]). وظلَّت لعليّ مكانته في مجلس الخليفة، فكان عثمان يستشيره مع من يستشير، ومن أعظم الأدلة على ذلك: استشارته إياه في شأن جمع الناس على مصحف واحد، وقد كان عليٌّ يدافع عن عثمان في هذا الفعل، ويشيد بدوره فيه. يقول علي: «يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعا،... » إلى أن قال: «والله لو وُلِّيتُ لفعلتُ مثل الذي فعل» ([13]). ولمَّا وقعت الفتنة في نهاية خلافة عثمان، وحوصر من الخوارج، كان عليٌّ من أكثر الناس رغبة في الدفاع عنه، ولما منعه عثمان من ذلك، رغبة في صيانة دماء المسلمين، أرسل عليٌّ الحسن والحسين مع باقي أبناء الصحابة، كعبدالله بن الزبير، ومحمد بن طلحة، ليدافعوا عن عثمان. ولمَّا بلغه خبر مقتله قال لابنيه: «كيف قُتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟» قالا: لم نعلم، فرفع يده ولطم الحسن، وضرب صدر الحسين، وشتم محمد بن طلحة وعبدالله بن الزبير، ثم خرج وهو غضبان يسترجع ([14]). وكان عليٌّ يقول: «والله ما شاركتُ، وما قتلتُ، ولا أمرتُ، ولا رضيتُ» – يعني: قتل عثمان -([15]). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ([1]) إسناده صحيح: أخرجه الحاكم (كتاب معرفة الصحابة، باب من فضائل أبي بكر، رقم 4457) والبيهقي (كتاب قتال أهل البغي، باب الأئمة من قريش، 8/ 143)، وصحّح إسناده الحافظ ابن كثير، كما سيأتي لاحقا. ومما يدل على أهمية هذا الحديث وصحته، ما أسنده البيهقي عقبه، من أن الإمام مسلم بن الحجاج - صاحب الجامع الصحيح - ذهب إلى محمد بن إسحاق بن خزيمة - صاحب صحيح ابن خزيمة- فسأله عن هذا الحديث، فكتب له ابن خزيمة الحديث، وقرأه عليه، فقال مسلم لابن خزيمة: هذا الحديث يساوي بدنة، فقال ابن خزيمة: هذا الحديث يساوي بدنة؟! إنه يساوي بدرة.ا.هـ وإسناد هذه القصة صحيح. والبدنة: هي الناقة أو البقرة التي تنحر بمكة، وسمِّيت بدنة لعظمها وضخامتها. والبدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف دينار، والمعنى: أنه كنز ثمين. ([2]) البداية والنهاية (8/ 92). ([3]) أخرجه الدارقطني من حديث ابن عمر، والساجي من حديث عائشة؛ كما في البداية والنهاية (9/ 466). وإسناده صحيح. ([4]) أخرجه البخاري (كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلا»، رقم 3671). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (7/ 385) عن هذا الحديث: أنه مما استفاض وتواتر عن عليّ، وتوعَّد عليٌ بجلد المفتري من يفضله عليه – أي: على أبي بكر –.ا.هـ ([5]) أخرجه البخاري (كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 3542، وباب مناقب الحسن والحسين، رقم 3750) عن عقبة بن الحارث. ([6]) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (5/ 68). ([7]) صحيح بمجموع طرقه: أخرجه أحمد (1/ 154 رقم 1328) وغيره، وانظر تتمة تخريجه في حاشية المُسنَد هناك. ([8]) تقدَّم تخريجه. ([9]) أي: أحاطوا به. ([10]) متفق عليه: أخرجه البخاري (كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلا»، رقم 3677، وباب مناقب عمر بن الخطاب، رقم 3685) ومسلم (كتاب الفضائل، باب من فضائل عمر، رقم 2389). ([11]) أخرجه البخاري (كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، رقم 1392، وكتاب المناقب، باب قصة البيعة، والاتفاق على عثمان بن عفان وفيه مقتل عمر بن الخطاب، رقم 3700،) عن عمرو بن ميمون الأودي. ([12]) انظر تفاصيل الخبر في: صحيح البخاري (كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس، رقم 7207)، فتح الباري (13/ 195- 199). ([13]) أخرجه ابن أبي داود في المصاحف (ص: 97- 98) عن سويد بن غفلة، وصحَّح الحافظُ ابنُ حجرٍ إسناده في الفتح (9/ 18). ([14]) أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (2363) مُطوَّلا، من طريق ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب. ثم قال عقبه: وهذا حديث كثير التخليط، منكر الإسناد، لا يعرف صاحبه الذي رواه عن ابن أبي ذئب، وأما ابن أبي ذئب ومن فوقه فأقوياء.ا.هـ والخبر ذكره ابن حبان في الثقات (2/ 265)، والذهبي في تاريخ الإسلام (3/ 460). ([15]) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (كتاب الفتن، باب ما ذُكر في عثمان، رقم 38669)، وابن شبة في تاريخ المدينة (2256).
كان أبو بكر يعرف لعلي ولآل البيت فضلهم، فينزلهم منزلتهم، ويقدرهم قدرهم، ومن ذلك: أن أبا بكر رضي الله عنه صلَّى العصر يوما، ثم خرج يمشي، فرأى الحسن يلعب مع الصبيان، فحمله على عاتقه، وقال: «بأبي، شبيه بالنبي، لا شبيه بعلي ». وعلي رضي الله عنه يضحك. أوَّلاً: عليٌّ مع أبي بكر الصدِّيق – رضي الله عنهما –: وردت عِدَّةُ أخبار في شأن تأخر علي عن مبايعة أبي بكر الصديق، وجُلُّ هذه الأخبار ليست صحيحة، وفي المقابل جاءت روايات صحيحة السند تفيد بأن عليًا بايع الصديق في أول الأمر، ومن ذلك: ما جاء عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: «لما تُوفِّي رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قام خطباء الأنصار....، فذكر بيعة السقيفة، ثم قال: فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليًا، فسأل عنه، فقام أناس من الأنصار، فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وختنه، أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فبايعه» ([1]). قال الحافظ ابن كثير: «هذا إسناد صحيح محفوظ، وفيه فائدة جليلة، وهي مبايعة علي بن أبي طالب، إما في أول يوم، أو في الثاني من الوفاة، وهذان حق، فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع عن صلاة من الصلوات خلفه» ([2]). ووقف عليٌّ بعد ذلك بجوار أبي بكر الخليفة في حروبه ضد المرتدِّين، يساند ويؤازر وينصح، ويتجلَّى نصحه وصدقه يوم أراد الصدِّيق أن يخرج بنفسه لقتال المرتدِّين، فوقف له عليٌّ، وأخذ بزمام فرسه، وقال له: «إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: «شم سيفك، ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا». فرجع، وأمضى الجيش ([3]). وكان عليٌّ يعرف لأبي بكر فضله، فيقدِّمه على نفسه، وهذا بصريح قوله لا بقول أحد غيره، ومن ذلك: أن ابنه محمد بن الحنفية قال له يوما: يا أبت، أيُّ الناس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أبو بكر»، قُلتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قال: «ثُمَّ عمر»، وخشيتُ أن يقول عثمان، قُلتُ: ثُمَّ أنت؟ قال: «ما أنا إلا رجل من المسلمين» ([4]). وفي المقابل: كان أبو بكر يعرف لعلي ولآل البيت فضلهم، فينزلهم منزلتهم، ويقدرهم قدرهم، ومن ذلك: أن أبا بكر رضي الله عنه صلَّى العصر يوما، ثم خرج يمشي، فرأى الحسن يلعب مع الصبيان، فحمله على عاتقه، وقال: «بأبي، شبيه بالنبي، لا شبيه بعلي ». وعلي رضي الله عنه يضحك ([5]). وظلَّت هذه العلاقة من المودة والإخاء، والمحبة والتقدير بينهما حتى لحق الصدِّيق بربه، واستخلف عُمَرَ من بعده. ثانياً: عليٌ مع عمر بن بن الخطاب – رضي الله عنهما –: على درب الصدق والنصح والإخاء الذي سار عليه مع الصدِّيق، سار عليٌّ مع عمر بن الخطاب. وفي المقابل أيضا: كانت لعلي منزلته العالية عند الفاروق عمر، كما كانت عند أبي بكر. يقول ابن الجوزي عن عليّ: «كان أبو بكر وعمر يشاورانه ويرجعان إلى رأيه، وكان كل الصحابة مفتقرا إلى علمه، وكان عمر يقول: «أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن» ([6]). ولذلك جعله عمر من مجلس مشورته، وتراجع مرات عن رأيه، آخذا برأي علي، حينما تبيَّن له صحته، ومن ذلك: أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أُتِيَ بامرأة قد زنت، فأمر برجمها، فذهبوا بها ليرجموها، فلقيهم عليٌّ، رضي الله عنه، فقال: «ما هذه؟» قالوا: زنت فأمر عمر برجمها، فانتزعها عليٌّ من أيديهم وردَّهم، فرجعوا إلى عمر، فقال: «ما ردَّكم؟» قالوا: ردَّنا عليٌّ، قال: «ما فعل هذا عليٌّ إلا لشيء قد علمه»، فأرسل إلى عليّ، فجاء وهو شبه المغضب، فقال: «ما لك رددتَ هؤلاء؟» قال: «أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل؟» قال: «بلى»، قال عليٌّ: «فإن هذه مبتلاة بني فلان، فلعله أتاها وهو بها»، فقال عمر: «لا أدري»، قال: «وأنا لا أدري». فلم يرجمها ([7]). وفي المقابل: كان عليٌّ يعرف لعمر فضله، ويقدِّمه على نفسه، وقد مر معنا في علاقته بأبي بكر، أنه لما سُئِلَ: أيُّ الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أبو بكر»، قِيل له: ثُمَّ مَنْ؟ قال: «ثُمَّ عمر» ([8]). ولمَّا طُعن عمر، رضي الله عنه، كان عليٌّ من أشد الناس حزنا عليه، وثناءً عليه، يقول عبدالله بن عباس: «وُضِع عمر بن الخطاب على سريره، فتكنَّفه ([9]) الناس يدعون ويُثنون ويُصلُّون عليه، قبل أن يُرفع، وأنا فيهم، قال فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت إليه فإذا هو علي، فترحَّم على عمر، وقال: ما خلَّفتُ أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أني كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر» فإن كنت لأرجو، أو لأظن، أن يجعلك الله معهما» ([10]). وفي مُقابل ذلك: فإن عمر لما طُعن: رشَّح عليا للخلافة مع أهل الشورى، وذلك حينما قِيل له: أوص يا أمير المؤمنين، استخلِفْ. فقال: «ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر، أو الرهط، الذين تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض». فسمَّى عليَّاً، وعُثمانَ، والزُّبيرَ، وطلحةَ، وسعداً، وعبدالرحمن ([11]). ثالثاً: عليٌ مع عُثمان بن عفَّان – رضي الله عنهما –: بعد مقتل عمر، انعقد مجلس الشورى الذي سمَّاه هو قبل رحيله، وتولَّى زمام الأمر: عبدالرحمن بن عوف، فعزل نفسه من الاختيار، وطاف على أهل المدينة من المهاجرين والأنصار، واستمع إلى أهل الحل والعقد منهم، حتى رأى استقرار الجميع على عثمان بن عفان، فبايعه، وبايعه الجميع: المهاجرون، والأنصار، وأمراء الأجناد، والمسلمون، ومعهم علي بن أبي طالب ([12]). وظلَّت لعليّ مكانته في مجلس الخليفة، فكان عثمان يستشيره مع من يستشير، ومن أعظم الأدلة على ذلك: استشارته إياه في شأن جمع الناس على مصحف واحد، وقد كان عليٌّ يدافع عن عثمان في هذا الفعل، ويشيد بدوره فيه. يقول علي: «يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعا،... » إلى أن قال: «والله لو وُلِّيتُ لفعلتُ مثل الذي فعل» ([13]). ولمَّا وقعت الفتنة في نهاية خلافة عثمان، وحوصر من الخوارج، كان عليٌّ من أكثر الناس رغبة في الدفاع عنه، ولما منعه عثمان من ذلك، رغبة في صيانة دماء المسلمين، أرسل عليٌّ الحسن والحسين مع باقي أبناء الصحابة، كعبدالله بن الزبير، ومحمد بن طلحة، ليدافعوا عن عثمان. ولمَّا بلغه خبر مقتله قال لابنيه: «كيف قُتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟» قالا: لم نعلم، فرفع يده ولطم الحسن، وضرب صدر الحسين، وشتم محمد بن طلحة وعبدالله بن الزبير، ثم خرج وهو غضبان يسترجع ([14]). وكان عليٌّ يقول: «والله ما شاركتُ، وما قتلتُ، ولا أمرتُ، ولا رضيتُ» – يعني: قتل عثمان -([15]). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ([1]) إسناده صحيح: أخرجه الحاكم (كتاب معرفة الصحابة، باب من فضائل أبي بكر، رقم 4457) والبيهقي (كتاب قتال أهل البغي، باب الأئمة من قريش، 8/ 143)، وصحّح إسناده الحافظ ابن كثير، كما سيأتي لاحقا. ومما يدل على أهمية هذا الحديث وصحته، ما أسنده البيهقي عقبه، من أن الإمام مسلم بن الحجاج - صاحب الجامع الصحيح - ذهب إلى محمد بن إسحاق بن خزيمة - صاحب صحيح ابن خزيمة- فسأله عن هذا الحديث، فكتب له ابن خزيمة الحديث، وقرأه عليه، فقال مسلم لابن خزيمة: هذا الحديث يساوي بدنة، فقال ابن خزيمة: هذا الحديث يساوي بدنة؟! إنه يساوي بدرة.ا.هـ وإسناد هذه القصة صحيح. والبدنة: هي الناقة أو البقرة التي تنحر بمكة، وسمِّيت بدنة لعظمها وضخامتها. والبدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف دينار، والمعنى: أنه كنز ثمين. ([2]) البداية والنهاية (8/ 92). ([3]) أخرجه الدارقطني من حديث ابن عمر، والساجي من حديث عائشة؛ كما في البداية والنهاية (9/ 466). وإسناده صحيح. ([4]) أخرجه البخاري (كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلا»، رقم 3671). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (7/ 385) عن هذا الحديث: أنه مما استفاض وتواتر عن عليّ، وتوعَّد عليٌ بجلد المفتري من يفضله عليه – أي: على أبي بكر –.ا.هـ ([5]) أخرجه البخاري (كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 3542، وباب مناقب الحسن والحسين، رقم 3750) عن عقبة بن الحارث. ([6]) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (5/ 68). ([7]) صحيح بمجموع طرقه: أخرجه أحمد (1/ 154 رقم 1328) وغيره، وانظر تتمة تخريجه في حاشية المُسنَد هناك. ([8]) تقدَّم تخريجه. ([9]) أي: أحاطوا به. ([10]) متفق عليه: أخرجه البخاري (كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلا»، رقم 3677، وباب مناقب عمر بن الخطاب، رقم 3685) ومسلم (كتاب الفضائل، باب من فضائل عمر، رقم 2389). ([11]) أخرجه البخاري (كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، رقم 1392، وكتاب المناقب، باب قصة البيعة، والاتفاق على عثمان بن عفان وفيه مقتل عمر بن الخطاب، رقم 3700،) عن عمرو بن ميمون الأودي. ([12]) انظر تفاصيل الخبر في: صحيح البخاري (كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس، رقم 7207)، فتح الباري (13/ 195- 199). ([13]) أخرجه ابن أبي داود في المصاحف (ص: 97- 98) عن سويد بن غفلة، وصحَّح الحافظُ ابنُ حجرٍ إسناده في الفتح (9/ 18). ([14]) أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (2363) مُطوَّلا، من طريق ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب. ثم قال عقبه: وهذا حديث كثير التخليط، منكر الإسناد، لا يعرف صاحبه الذي رواه عن ابن أبي ذئب، وأما ابن أبي ذئب ومن فوقه فأقوياء.ا.هـ والخبر ذكره ابن حبان في الثقات (2/ 265)، والذهبي في تاريخ الإسلام (3/ 460). ([15]) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (كتاب الفتن، باب ما ذُكر في عثمان، رقم 38669)، وابن شبة في تاريخ المدينة (2256).
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin