عنوان المخطوط : نشر الزهر في الذكر بالجهر.
اسم المؤلف : إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين ( الكوراني )تاريخ الوفاة:1101 ه
اسم الناسخ : محمد سعيد بن حامي حسني القرشي الكوكني
بسم الله الرحمن الرحيم، وإياه نستعين.
الحمد لله المُنَزِّل : {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلً}، وصلى الله على سيدنا محمد المُشَرَّف بخطاب : { وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً*رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا}وعلى آله وأصحابه المكرمين بأولية خطاب :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}سراًّ وجهراً وعلى كل حال يحول فيه العبد تحويلا، صلاة وسلاما فائضي البركات عدد خلق الله بدوام الله الهادي من يشاء من عباده أن يكبروه تكبيرا ويهللوه تهليلا.
أما بعد : فقد ذكرت أيها الأخ المكرم أيدك الله تعالى أن بعض الوعاظ من علماء الحنفية يعظ الناس بأن ذكر الله تعالى جهراً حرام في المساجد وغيرها، وطلبتَ تحقيق ذلك من الكتب المعتبرة.
فأقول وبالله التوفيق أن النهي عن المنكر وإن كان من فروض الكفاية لكن محله في محرم مجمع عليه، أو في اعتقاد الفاعل ، ولا لعالم أن ينكر مختلفا فيه حتى يعلم من الفاعل أنه حال ارتكابه معتقد لتحريمه ؛ لاحتمال أنه حينئذ قلد من يرى حله أو جهل حرمته ، أما من ارتكب ما يرى إباحته بتقليد صحيح فلا يجوز الإنكار عليه. ولا شكّ أن هذا من منه، فإن الجهر بالذكر مطلقاً جائز بل أفضل من الإخفاء حيث لا محذور شرعيا في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه كما يأتي عن فتاوى النووي وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد وإحدى الروايتين عن الإمام مالك رضي الله عنهما، وهو أحد قولي قاضي خان، وهو قول الإمامين في تكبيرعيد الفطر، بل رواية عن الإمام أبي حنيفة نفسه رضي الله عنهم كما يأتي جميع ذلك. إذا علمت هذا فليس لحنفي يعتقد كراهة الذكر جهراً أو حرمته أن ينكر على من يعتقد استحبابه كشافعي أو جوازه كمن قلَّد مالكا لإي إحدى الروايتين عنه وأحمد بل وعلى حنفي حتى يعلم أنه لم يقلدْ القائل بجوازه أو استحبابه على أن دليل حرمة الجهر أو كراهته غير تامَّة ودلائل جوازه بل استحبابه تامَّة، فلنورد من الآيات والأحاديث والآثار ما يَسَّرَه الله مما يدلُّ على جواز الذكر جهراً بل على استحبابه بأنه للمرام وإزاحة لشبهات الأوهام، بتوفيق الله العليم العلام، ولنقدم بين يدي المطلب أصلا ينتفع به في المقصود بإذن الله النصير المعبود المحمود.
تمهيد
من المقرر في الأصول أن الآمر إذا أمر بفعل مطلق أي غير مقيَّد في اللفظ بقيد خاص كقوله اذكر من غير أن يقيده بكونه سرَّا أو جهراً، وقوله اضرب من غير أن يقيده بكونه مبرحاً وغير مبرح، فالمطلوب به الفعل الجزئي الممكن المطابق للماهية الكلية المشتركة أي فرد ما من الأفراد الممكنة لتلك الماهية لا نفس الماهية المشتركة الكلية، ولهذا قالوا صيغة الأمر لا يقتضي التكرار لأن مدلولها طلب الحقيقة الصادقة بأي جزئي كان والمرة والتكرار زائدان على الحقيقة خارجان عنها، فيجب أن يحصل الامتثال مع أيهما حصل ولا يتقيد بأحدهما دون الآخر، ومن المقرر أيضاً فيه أن المطلق ينقسم إلى حقيقي وإضافي والمطلق يشمل كلا منهما، فقولنا "رقبة مومنة"، مطلق بالنسبة إلى قولنا رقبة مومنة سليمة من العيوب، ومقيد بالنسبة إلى قولنا "رقبة" إذا تمهد هذا فنقول : كل أمر من الذكر في القرآن والأخبار إن ورد مقيدا بالجهر صريحاً أو التزاماً فهو نص في محل النزاع، وإن ورد غير مقيد بالجهر ولا بالسر سواء قيد بقيد آخر ككونه كثيراً، أو بكرة وأصيلا أو لا، فالامتثال حاصل بالجهر كما هو حاصل بالسرّ، لأن كُلًّا منهما من أفراد الذكر المطلق، والأمر بالمطلق أمر بفرد ما من أفراده الممكنة، والجهر من أفراده الممكنة عقلا الجايزة شرعا، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فثابت بالدليل من الكتب والأخبار والآثار، فمنها ما يدل على أن الجهر مأمور به في وقت معين، ومنها ما يدل على أنه مشروع مأمور به مطلقا، أما الأول فمنها قوله تعالى : {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}وجه الدلالة أن العرب كانوا يتفاخرون في المواسم فيذكرون فعال آبائهم وأيامهم ومجالسهم، ولا شك أن ذلك كان بالجهر إذ التفاخر لا يحصل إلا بالاسماع وهو ظاهر، وقد أمروا أن يذكروا الله كذكر آبائهم وأشد، فكان أمرا بالجهر التزاماً وقد امتثلوا الأمر على هذا الوجه، فقد أخرج البيهقي عن عبيد بن عميران أن عمر رضي الله عنه كان يُكَبِّر في قبته بِمِنَى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون بتكبيره، فيسمعهم أهل السوق فيكبرون بتكبيرهم حتى ترتج منى تكبيراً، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار بتخريج أحاديث الأذكار" هذا موقوف صحيح علقه البخاري بالجزم قال : وكان عمر فذكره، وقال بعده : وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام خلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاسه ومجلسه ومَمُشاة تلك الأيام جميعاً، وهذا أخرجه ابن المنذر في "الكتاب الكبير" والفاكهي في "كتاب مكة" كلاهما من طريق ابن جريج عن نافع وسنده صحيح، ونقل ابن المنذر عن الربيع عن الشافعي نحو ذلك. وأخرج البيهقي عن تميم بن سلمة قال : (خرج عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما يوم النحر فلم يرهم يكبرون فقال : مالهم لا يكبرون لقد رأيتنا في العسكر ما يُرى طرفاه فيكبر الرجل فيكبر الذي يليه حتى يرتجُّ العسكر تكبيراً) قال الحافظ ابن حجر هذا موقوف صحيح وأخرج البيهقي عن عمر وبن دينار قال : (سمعت ابن العباس رضي الله عنهما يكبر يوم الصدر ويأمر من حوله أن يكبروا فما أدري تاول قوله تعالى : {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}وقوله تعالى : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّه}قال الحافظ ابن حجر موقوف صحيح أخرجه مسدد بن سفيان ووقع في روايته يوم النفر)انتهى.
أخرج مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خرج الغد من يوم النحر حين ارتفع النهار شيئا فكبر فكبر الناس بتكبيره ثم خرج الثانية من يومه ذلك بعد ارتفاع النهار فكبر فكبر الناس بتكبيره ثم خرج الثالثة حين زاغت الشمس فكبر فكبر الناس بتكبيره حتى يتصل التكبير ويبلغ البيت فيعلم أن عمر قد خرج يرمي . أورده السيوطي في الدر المنثور، فهذا ثبوت الذكر جهراً في المسجد وغيره من السوق والفسطاط والمجلس والمَمْشَى وغيرها، هذا الجهر الذي يرتج له مِنًى والجمُّ الغفير من العسكر "فالله أكبر".
ومنها حديث أنس عند البخاري قال : (صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعاً والعصر بذي الحليفة ركعتين وسمعتهم يصرخون بهما جميعاً) قال الحافظ ابن حجر وفيه حجة للجمهور في استحباب رفع الأصوات بالتلبية، وقد روى مالك في الموطأ وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم من طريق خلاد بن السايب عن أبيه مرفوعاً : (جاءني جبريل فأمرني أن آمُرَ أصحابي يرفعون أصواتهم بالإهلال) . ورجاله ثقات.
وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال : (كنت مع ابن عمر حتى أسمع ما بين الجبلين). وأخرج أيضاً بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني من طريق المطلب بن عبد الله قال : (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية ترتج أصواتهم). انتهى.
ومنها حديث أنس عند البخاري أيضاً قال : ( صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَنَحْنُ مَعَهُ بالمدينة الظُّهْرَ أَرْبَعًا ، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ , حَمِدَ اللَّهَ , وَسَبَّحَ , وَكَبَّرَ ، ثُمَّ أَهَلَّ) الحديث.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري استحباب التسبيح وما ذكر معه قبل الإهلال قلَّ من تعرَّضَ لذكره مع ثبوته. انتهى.
فهذا جهر النبي صلى الله عليه وسلم وإسماعه الصحابة بأنواع من الذكر من التحميد والتسبيح والتكبير قبل التلبية التي هي من أنواع الذكر أيضاً.
وأما الثاني : أي ما يدل على أن الجهر بالذكر مشروع مندرج تحت الأقسام المأمور بها بأمر (اذْكُر) الوارد في القرآن والأحاديث فمنها قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} ومنها قوله تعالى : {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ} فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية الأولى يقول: (لا يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدًّا معلوما ثم عذر أهلها في حال عذر غير الذكر، فإنَّ الله لم يجعل له حدًّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه إلاّ مغلوبا على عقله، فقال اذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم، بالليل والنهار، في البر والبحر، في السفر والحضر، في الغنى والفقر، والصحة والسقم، والسر والعلانية، وعلى كل حال، وقال سبحوه بكرة وأصيلا، فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته قال الله تعالى " {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}) كذا في الذر المنثور.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية الثانية قال : (بالليل والنهار في البر والبحر وفي السفر والغنى والفقر والسقم والصحة والسر والعلانية وعلى كل حال) كذا في الذر المنثور أيضا، أي على كل حال لم يكن الشرع استثناه كحالة الجلوس على قضاء الحاجة، وحالة الجماع، وحالة الخطبة لمن يسمع صوت الخطيب وغيرها، مما هو مفصل في مظانه للذاكر باللسان.
وجه الدلالة أن ابن عباس ذلك المقدم في التفسير لقوله صلى الله عليه وسلم له : "نعم ترجمان القرآن أنت" وفي لفظ : "نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس" وقال ابن عباس : (انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل فق إنه كائن حَبْرَ هذه الأمة فاستوص به خيرا) فسرّ الآيتين مما يفيد العموم لأحوال الذاكرين أي غير المستثناة شرعا، وأحوال الذكر التي منها السر والعلانية فالجهر من المأمور به بهاتين الآيتين على تفسير ابن عباس ترجمان القرآن وحَبْر الأمة، ولا شيء من المأمور به بحرام فلا شيء من الجهر بالذكر بحرام وهو المطلوب، وإذا كان الأمر بالإكثار مقتضيا لعموم الأحوال إلا ما استثناه الشرع بتفسير ابن عباس، فلا بد لكمال الامتثال من الذكر بالجهر كالسر، وقد ورد في فضل الإكثار أحاديث كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم : (أفضل العُبَّاد درجة عند الله يوم القيامة الذاكرون الله كثيرا والذاكرات) رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيدن وقوله صلى الله عليه وسلم : (أكثروا ذكر الله عز وجل على كل حال فإنه ليس عمل أحب إلى الله ولا أنجى لعبد من كل سيئة في الدنيا والآخرة من ذكر الله) الحديث بطوله عزاه السيوطي إلى ابن صصري في أماليه عن معاذ رضي الله عنه.
كما ورد فيمن ترك الإكثار الوعيد الشديد، فقد أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من لم يكثر ذكر الله فقد برئ من الإيمان) كذا في الدر المنثور، وكأنه يشير إلى قوله تعالى في المنافقين {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} يوضحه حديث الطبراني عن أبي هريرة : (من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق) فإكثار الذكر على عموم الأحوال التي منها الجهر علامة الإيمان ومنتج السبق لقوله صلى الله عليه وسلم : ( سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ " ، قَالُوا : وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ) رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة، وقوله : ( يَا مُعَاذُ ، أَيْنَ السَّابِقُونَ ؟ " فَقُلْتُ : مَضَوْا وَتَخَلَّفَ نَاسٌ . فَقَالَ : إنَ السَّابِقينَ الَّذِينَ يَهْتِرُونَ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْتَعَ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه ابن راهوية عن معاذ، قال الحافظ بن حجر : "ويهترون بكسر المثناة الفوقانية معناه : "يديمون" والمفرّدون بتشديد الراء وبتخفيفها والتشديد المشهور والراء مفتوحة وقيل مكسورة يقال : فرد الرجل مشددا ومخففا وتفرد وانفرد والكل بمعنى، انتهى.
ومنها : الحديث الصحيح (اذكُرُوا الله حتَّى يَقُولُوا مَجْنُون) أخرجه الإمام أحمد وابن عدي والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا قال العزيزي في السراج المنير قال المناوي صححه الحاكم واقتصر ابن حجر على تحسينه وحديث ابن عباس مرفوعا عند الطبراني : ( أَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ حَتَّى يَقُولَ الْمُنَافِقُونَ : إِنَّكُمْ مُرَاءُونَ ) وحديث أبي الجوزاء مرسلًا عند سعيد بن منصور والإمام أحمد في الزهد والبيهقي : "اذكروا الله حَتَّى يَقُولَ الْمُنَافِقُونَ : إِنَّكُمْ مُرَاءُونَ " ودلالتهما على المطلوب ظاهرة لأن ذلك كما قال السيوطي في نتيجة الفكر إنما يقال عند الجهر دون الإسرار.
فنقول الذكر جهرا مأمور به من غير تعيين وقت، ولا شيء من المأمور به بحرام، فلا شيء من الذكر جهرًا بحرام وهو المطلوب، وفي الحديث تحذير للمنكرين للجهر وتنبيه على أن الذاكر بالجهر المخلص ينبغي له أن لا يبالي بكلام الناس، ولا يترك الذكر وإن قيل فيه أنه مجنون أو مراء، وله في ذلك إسوة بمتبوعه المعصوم صلى الله عليه وسلم حيث يقول تعالى :{وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} فقال تعالى في ردِّهم : {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} وقال تعالى في أول السورة : {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ. مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ. وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ. وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قال البيضاوي : "إذ تحتمل من قومك ما لا يحتمله أمثالك" فالكامل في الاتباع لا بد له من تحمل الأذى وتوطين النفس على ذلك والصبر عليه تخلقا، فإن ذلك من لوازم أهل الطريق إذا صحَّ الانتساب، سنة الله في الذين خلوا والله المستعان.
ومنها : ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده والبزار والطبراني في الحكم من طريق يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ وَعُبَادَةُ حَاضِرٌ فَصَدَّقَهُ وَقَالَ : بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " فِيكُمْ غَرِيبٌ ؟ يَعْنِي : أَهْلَ الْكِتَابِ ، فَقُلْنَا : لا يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَأَمَرَ بِغَلْقِ الْبَابِ ، وَقَالَ : " ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَقُولُوا : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ " ، فَرَفَعْنَا أَيْدِيَنَا سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ إِنَّكَ بَعَثْتَنِي بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ ، وَأَمَرْتَنِي بِهَا ، وَوَعَدْتَنِي عَلَيْهَا الْجَنَّةَ ، وَإِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ " ، ثُمَّ قَالَ : " أَبْشِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ " . وهذا صريح في أنه صلى الله عليه وسلم جهر به وأسمعهم، وظاهر أنه لم يكن نصا في أمرهم بالجهر ثم فيه دليل الذكر جماعة مجتمعين على الذكر، ودليل لتلقين الذكر للمريدين كما يفعله المشايخ، ودليل لإخلاء المجلس عن الأجنبي والمنكر لهذا الشأن حالة التلقين وغير ذلك مما فصلناه في الأنباه على تحقيق إعراب لا إله إلا الله وبالله التوفيق.
ومنها : ما أخرجه البيهقي عن زيد بن أسلم قال : قال ابن الأدرع : " انطَلَقْتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ليلةً، فمرَّ برجُل في المسجد يرفع صوته،قلت : يا رسول الله، عسى أن يكون هذا مرائيا، قال : "لا، ولكنَّه أوّاه " . وأخرج البيهقي عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو البجادين : "إنه أوّاه"، وذلك أنه كان يذكر الله. وأخرج البيهقي عن جابر بن عبد الله : أن أن رجلاً كان يرفع صوته بالذكر، فقال رجل: لو أن هذا خفض من صوته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دَعْهُ فَإِنَّهُ أَوَّاهٌ". قال ابن الأثير في النهاية :الأواه المتاوه والمتضرع، وقيل : هو الكثير البكاء، وقيل : هو الكثير الدعاء. هذا حديث حسن على شرط الترمذي لوروده من غير وجه وعدم اتهام أحد من رواته بالكذب فهذا رفع الصوت بالذكر في المسجد قد أقره النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان حراما لما أقره.
ومنها حديث أبي هريرة عند النجار مرفوعاً : "مَن لم يتغَنَّ بالقرآن فَلَيسَ مِنَّا" وحديث أبي هريرة عند البخاري أيضاً مرفوعاً : "ما أَذِنَ الله لِشيءٍ مَا أَذِنَ للنبي أن يَتَغَنَّى بالقرآن" وعند مسلم بلفظ : "مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَأَذَنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ".قال الحافظ بن حجر في فتح الباري : والأذن – بفتحتين - وأذِنَ أي : استمع، وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنِ الشَّافِعِي أَنه سُئِلَ عَن تَأْوِيل بن عُيَيْنَة التَّغَنِّي بِالِاسْتِغْنَاءِ فَلَمْ يَرْتَضِهِ وَقَالَ لَوْ أَرَادَ الِاسْتِغْنَاءَ لَقَالَ لَمْ يَسْتَغْنِ وَإِنَّمَا أَرَادَ تَحْسِينَ الصَّوْتِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَة عبد الْأَعْلَى عَن معمر عَن بن شِهَابٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِلَفْظِ مَا أُذِنَ لِنَبِيٍّ فِي التَّرَنُّمِ فِي الْقُرْآنِ ورِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ مَا أُذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ وفي لفظ حسن الترنُّم بالقرآن قَالَ الطَّبَرِيُّ : "وَالتّرَنّمَ لَا يَكُونُ إلّا بِالصّوْتِ إذَا حَسّنَهُ الْمُتَرَنّمُ وَطَرِبَ بِهِ" قَالَ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الِاسْتِغْنَاءَ لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الصَّوْتِ وَلَا لِذِكْرِ الْجَهْرِ معنى.
وَأخرج بن ماجة وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ مَرْفُوعًا : اللَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا أَيِ اسْتِمَاعًا لِلرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَته والقينة الْمُغنيَة.
قال الحافظ بن حجر : ظَوَاهِرُ الْأَخْبَارِ تُرَجِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ يَجْهَرُ بِهِ فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَرْفُوعَةً قَامَتِ الْحُجَّةُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْفُوعَةٍ فَالرَّاوِي أَعْرَفُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فقها وَقَدْ جَزَمَ الْحَلِيمِيُّ بِأَنَّهَا مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وساق إلى نقل الإجماع على استحباب سماع القرآن من ذي الصوت الحسن، حيث قال : " وَكَانَ بَيْنَ السَّلَفِ اخْتِلَافٌ فِي جَوَازِ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ أَمَّا تَحْسِينُ الصَّوْتِ وَتَقْدِيمُ حُسْنِ الصَّوْتِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا نِزَاعَ فِي ذَلِكَ".
اسم المؤلف : إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين ( الكوراني )تاريخ الوفاة:1101 ه
اسم الناسخ : محمد سعيد بن حامي حسني القرشي الكوكني
بسم الله الرحمن الرحيم، وإياه نستعين.
الحمد لله المُنَزِّل : {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلً}، وصلى الله على سيدنا محمد المُشَرَّف بخطاب : { وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً*رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا}وعلى آله وأصحابه المكرمين بأولية خطاب :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}سراًّ وجهراً وعلى كل حال يحول فيه العبد تحويلا، صلاة وسلاما فائضي البركات عدد خلق الله بدوام الله الهادي من يشاء من عباده أن يكبروه تكبيرا ويهللوه تهليلا.
أما بعد : فقد ذكرت أيها الأخ المكرم أيدك الله تعالى أن بعض الوعاظ من علماء الحنفية يعظ الناس بأن ذكر الله تعالى جهراً حرام في المساجد وغيرها، وطلبتَ تحقيق ذلك من الكتب المعتبرة.
فأقول وبالله التوفيق أن النهي عن المنكر وإن كان من فروض الكفاية لكن محله في محرم مجمع عليه، أو في اعتقاد الفاعل ، ولا لعالم أن ينكر مختلفا فيه حتى يعلم من الفاعل أنه حال ارتكابه معتقد لتحريمه ؛ لاحتمال أنه حينئذ قلد من يرى حله أو جهل حرمته ، أما من ارتكب ما يرى إباحته بتقليد صحيح فلا يجوز الإنكار عليه. ولا شكّ أن هذا من منه، فإن الجهر بالذكر مطلقاً جائز بل أفضل من الإخفاء حيث لا محذور شرعيا في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه كما يأتي عن فتاوى النووي وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد وإحدى الروايتين عن الإمام مالك رضي الله عنهما، وهو أحد قولي قاضي خان، وهو قول الإمامين في تكبيرعيد الفطر، بل رواية عن الإمام أبي حنيفة نفسه رضي الله عنهم كما يأتي جميع ذلك. إذا علمت هذا فليس لحنفي يعتقد كراهة الذكر جهراً أو حرمته أن ينكر على من يعتقد استحبابه كشافعي أو جوازه كمن قلَّد مالكا لإي إحدى الروايتين عنه وأحمد بل وعلى حنفي حتى يعلم أنه لم يقلدْ القائل بجوازه أو استحبابه على أن دليل حرمة الجهر أو كراهته غير تامَّة ودلائل جوازه بل استحبابه تامَّة، فلنورد من الآيات والأحاديث والآثار ما يَسَّرَه الله مما يدلُّ على جواز الذكر جهراً بل على استحبابه بأنه للمرام وإزاحة لشبهات الأوهام، بتوفيق الله العليم العلام، ولنقدم بين يدي المطلب أصلا ينتفع به في المقصود بإذن الله النصير المعبود المحمود.
تمهيد
من المقرر في الأصول أن الآمر إذا أمر بفعل مطلق أي غير مقيَّد في اللفظ بقيد خاص كقوله اذكر من غير أن يقيده بكونه سرَّا أو جهراً، وقوله اضرب من غير أن يقيده بكونه مبرحاً وغير مبرح، فالمطلوب به الفعل الجزئي الممكن المطابق للماهية الكلية المشتركة أي فرد ما من الأفراد الممكنة لتلك الماهية لا نفس الماهية المشتركة الكلية، ولهذا قالوا صيغة الأمر لا يقتضي التكرار لأن مدلولها طلب الحقيقة الصادقة بأي جزئي كان والمرة والتكرار زائدان على الحقيقة خارجان عنها، فيجب أن يحصل الامتثال مع أيهما حصل ولا يتقيد بأحدهما دون الآخر، ومن المقرر أيضاً فيه أن المطلق ينقسم إلى حقيقي وإضافي والمطلق يشمل كلا منهما، فقولنا "رقبة مومنة"، مطلق بالنسبة إلى قولنا رقبة مومنة سليمة من العيوب، ومقيد بالنسبة إلى قولنا "رقبة" إذا تمهد هذا فنقول : كل أمر من الذكر في القرآن والأخبار إن ورد مقيدا بالجهر صريحاً أو التزاماً فهو نص في محل النزاع، وإن ورد غير مقيد بالجهر ولا بالسر سواء قيد بقيد آخر ككونه كثيراً، أو بكرة وأصيلا أو لا، فالامتثال حاصل بالجهر كما هو حاصل بالسرّ، لأن كُلًّا منهما من أفراد الذكر المطلق، والأمر بالمطلق أمر بفرد ما من أفراده الممكنة، والجهر من أفراده الممكنة عقلا الجايزة شرعا، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فثابت بالدليل من الكتب والأخبار والآثار، فمنها ما يدل على أن الجهر مأمور به في وقت معين، ومنها ما يدل على أنه مشروع مأمور به مطلقا، أما الأول فمنها قوله تعالى : {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}وجه الدلالة أن العرب كانوا يتفاخرون في المواسم فيذكرون فعال آبائهم وأيامهم ومجالسهم، ولا شك أن ذلك كان بالجهر إذ التفاخر لا يحصل إلا بالاسماع وهو ظاهر، وقد أمروا أن يذكروا الله كذكر آبائهم وأشد، فكان أمرا بالجهر التزاماً وقد امتثلوا الأمر على هذا الوجه، فقد أخرج البيهقي عن عبيد بن عميران أن عمر رضي الله عنه كان يُكَبِّر في قبته بِمِنَى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون بتكبيره، فيسمعهم أهل السوق فيكبرون بتكبيرهم حتى ترتج منى تكبيراً، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار بتخريج أحاديث الأذكار" هذا موقوف صحيح علقه البخاري بالجزم قال : وكان عمر فذكره، وقال بعده : وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام خلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاسه ومجلسه ومَمُشاة تلك الأيام جميعاً، وهذا أخرجه ابن المنذر في "الكتاب الكبير" والفاكهي في "كتاب مكة" كلاهما من طريق ابن جريج عن نافع وسنده صحيح، ونقل ابن المنذر عن الربيع عن الشافعي نحو ذلك. وأخرج البيهقي عن تميم بن سلمة قال : (خرج عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما يوم النحر فلم يرهم يكبرون فقال : مالهم لا يكبرون لقد رأيتنا في العسكر ما يُرى طرفاه فيكبر الرجل فيكبر الذي يليه حتى يرتجُّ العسكر تكبيراً) قال الحافظ ابن حجر هذا موقوف صحيح وأخرج البيهقي عن عمر وبن دينار قال : (سمعت ابن العباس رضي الله عنهما يكبر يوم الصدر ويأمر من حوله أن يكبروا فما أدري تاول قوله تعالى : {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}وقوله تعالى : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّه}قال الحافظ ابن حجر موقوف صحيح أخرجه مسدد بن سفيان ووقع في روايته يوم النفر)انتهى.
أخرج مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خرج الغد من يوم النحر حين ارتفع النهار شيئا فكبر فكبر الناس بتكبيره ثم خرج الثانية من يومه ذلك بعد ارتفاع النهار فكبر فكبر الناس بتكبيره ثم خرج الثالثة حين زاغت الشمس فكبر فكبر الناس بتكبيره حتى يتصل التكبير ويبلغ البيت فيعلم أن عمر قد خرج يرمي . أورده السيوطي في الدر المنثور، فهذا ثبوت الذكر جهراً في المسجد وغيره من السوق والفسطاط والمجلس والمَمْشَى وغيرها، هذا الجهر الذي يرتج له مِنًى والجمُّ الغفير من العسكر "فالله أكبر".
ومنها حديث أنس عند البخاري قال : (صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعاً والعصر بذي الحليفة ركعتين وسمعتهم يصرخون بهما جميعاً) قال الحافظ ابن حجر وفيه حجة للجمهور في استحباب رفع الأصوات بالتلبية، وقد روى مالك في الموطأ وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم من طريق خلاد بن السايب عن أبيه مرفوعاً : (جاءني جبريل فأمرني أن آمُرَ أصحابي يرفعون أصواتهم بالإهلال) . ورجاله ثقات.
وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال : (كنت مع ابن عمر حتى أسمع ما بين الجبلين). وأخرج أيضاً بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني من طريق المطلب بن عبد الله قال : (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية ترتج أصواتهم). انتهى.
ومنها حديث أنس عند البخاري أيضاً قال : ( صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَنَحْنُ مَعَهُ بالمدينة الظُّهْرَ أَرْبَعًا ، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ , حَمِدَ اللَّهَ , وَسَبَّحَ , وَكَبَّرَ ، ثُمَّ أَهَلَّ) الحديث.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري استحباب التسبيح وما ذكر معه قبل الإهلال قلَّ من تعرَّضَ لذكره مع ثبوته. انتهى.
فهذا جهر النبي صلى الله عليه وسلم وإسماعه الصحابة بأنواع من الذكر من التحميد والتسبيح والتكبير قبل التلبية التي هي من أنواع الذكر أيضاً.
وأما الثاني : أي ما يدل على أن الجهر بالذكر مشروع مندرج تحت الأقسام المأمور بها بأمر (اذْكُر) الوارد في القرآن والأحاديث فمنها قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} ومنها قوله تعالى : {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ} فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية الأولى يقول: (لا يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدًّا معلوما ثم عذر أهلها في حال عذر غير الذكر، فإنَّ الله لم يجعل له حدًّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه إلاّ مغلوبا على عقله، فقال اذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم، بالليل والنهار، في البر والبحر، في السفر والحضر، في الغنى والفقر، والصحة والسقم، والسر والعلانية، وعلى كل حال، وقال سبحوه بكرة وأصيلا، فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته قال الله تعالى " {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}) كذا في الذر المنثور.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية الثانية قال : (بالليل والنهار في البر والبحر وفي السفر والغنى والفقر والسقم والصحة والسر والعلانية وعلى كل حال) كذا في الذر المنثور أيضا، أي على كل حال لم يكن الشرع استثناه كحالة الجلوس على قضاء الحاجة، وحالة الجماع، وحالة الخطبة لمن يسمع صوت الخطيب وغيرها، مما هو مفصل في مظانه للذاكر باللسان.
وجه الدلالة أن ابن عباس ذلك المقدم في التفسير لقوله صلى الله عليه وسلم له : "نعم ترجمان القرآن أنت" وفي لفظ : "نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس" وقال ابن عباس : (انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل فق إنه كائن حَبْرَ هذه الأمة فاستوص به خيرا) فسرّ الآيتين مما يفيد العموم لأحوال الذاكرين أي غير المستثناة شرعا، وأحوال الذكر التي منها السر والعلانية فالجهر من المأمور به بهاتين الآيتين على تفسير ابن عباس ترجمان القرآن وحَبْر الأمة، ولا شيء من المأمور به بحرام فلا شيء من الجهر بالذكر بحرام وهو المطلوب، وإذا كان الأمر بالإكثار مقتضيا لعموم الأحوال إلا ما استثناه الشرع بتفسير ابن عباس، فلا بد لكمال الامتثال من الذكر بالجهر كالسر، وقد ورد في فضل الإكثار أحاديث كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم : (أفضل العُبَّاد درجة عند الله يوم القيامة الذاكرون الله كثيرا والذاكرات) رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيدن وقوله صلى الله عليه وسلم : (أكثروا ذكر الله عز وجل على كل حال فإنه ليس عمل أحب إلى الله ولا أنجى لعبد من كل سيئة في الدنيا والآخرة من ذكر الله) الحديث بطوله عزاه السيوطي إلى ابن صصري في أماليه عن معاذ رضي الله عنه.
كما ورد فيمن ترك الإكثار الوعيد الشديد، فقد أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من لم يكثر ذكر الله فقد برئ من الإيمان) كذا في الدر المنثور، وكأنه يشير إلى قوله تعالى في المنافقين {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} يوضحه حديث الطبراني عن أبي هريرة : (من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق) فإكثار الذكر على عموم الأحوال التي منها الجهر علامة الإيمان ومنتج السبق لقوله صلى الله عليه وسلم : ( سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ " ، قَالُوا : وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ) رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة، وقوله : ( يَا مُعَاذُ ، أَيْنَ السَّابِقُونَ ؟ " فَقُلْتُ : مَضَوْا وَتَخَلَّفَ نَاسٌ . فَقَالَ : إنَ السَّابِقينَ الَّذِينَ يَهْتِرُونَ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْتَعَ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه ابن راهوية عن معاذ، قال الحافظ بن حجر : "ويهترون بكسر المثناة الفوقانية معناه : "يديمون" والمفرّدون بتشديد الراء وبتخفيفها والتشديد المشهور والراء مفتوحة وقيل مكسورة يقال : فرد الرجل مشددا ومخففا وتفرد وانفرد والكل بمعنى، انتهى.
ومنها : الحديث الصحيح (اذكُرُوا الله حتَّى يَقُولُوا مَجْنُون) أخرجه الإمام أحمد وابن عدي والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا قال العزيزي في السراج المنير قال المناوي صححه الحاكم واقتصر ابن حجر على تحسينه وحديث ابن عباس مرفوعا عند الطبراني : ( أَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ حَتَّى يَقُولَ الْمُنَافِقُونَ : إِنَّكُمْ مُرَاءُونَ ) وحديث أبي الجوزاء مرسلًا عند سعيد بن منصور والإمام أحمد في الزهد والبيهقي : "اذكروا الله حَتَّى يَقُولَ الْمُنَافِقُونَ : إِنَّكُمْ مُرَاءُونَ " ودلالتهما على المطلوب ظاهرة لأن ذلك كما قال السيوطي في نتيجة الفكر إنما يقال عند الجهر دون الإسرار.
فنقول الذكر جهرا مأمور به من غير تعيين وقت، ولا شيء من المأمور به بحرام، فلا شيء من الذكر جهرًا بحرام وهو المطلوب، وفي الحديث تحذير للمنكرين للجهر وتنبيه على أن الذاكر بالجهر المخلص ينبغي له أن لا يبالي بكلام الناس، ولا يترك الذكر وإن قيل فيه أنه مجنون أو مراء، وله في ذلك إسوة بمتبوعه المعصوم صلى الله عليه وسلم حيث يقول تعالى :{وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} فقال تعالى في ردِّهم : {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} وقال تعالى في أول السورة : {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ. مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ. وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ. وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قال البيضاوي : "إذ تحتمل من قومك ما لا يحتمله أمثالك" فالكامل في الاتباع لا بد له من تحمل الأذى وتوطين النفس على ذلك والصبر عليه تخلقا، فإن ذلك من لوازم أهل الطريق إذا صحَّ الانتساب، سنة الله في الذين خلوا والله المستعان.
ومنها : ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده والبزار والطبراني في الحكم من طريق يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ وَعُبَادَةُ حَاضِرٌ فَصَدَّقَهُ وَقَالَ : بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " فِيكُمْ غَرِيبٌ ؟ يَعْنِي : أَهْلَ الْكِتَابِ ، فَقُلْنَا : لا يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَأَمَرَ بِغَلْقِ الْبَابِ ، وَقَالَ : " ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَقُولُوا : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ " ، فَرَفَعْنَا أَيْدِيَنَا سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ إِنَّكَ بَعَثْتَنِي بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ ، وَأَمَرْتَنِي بِهَا ، وَوَعَدْتَنِي عَلَيْهَا الْجَنَّةَ ، وَإِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ " ، ثُمَّ قَالَ : " أَبْشِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ " . وهذا صريح في أنه صلى الله عليه وسلم جهر به وأسمعهم، وظاهر أنه لم يكن نصا في أمرهم بالجهر ثم فيه دليل الذكر جماعة مجتمعين على الذكر، ودليل لتلقين الذكر للمريدين كما يفعله المشايخ، ودليل لإخلاء المجلس عن الأجنبي والمنكر لهذا الشأن حالة التلقين وغير ذلك مما فصلناه في الأنباه على تحقيق إعراب لا إله إلا الله وبالله التوفيق.
ومنها : ما أخرجه البيهقي عن زيد بن أسلم قال : قال ابن الأدرع : " انطَلَقْتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ليلةً، فمرَّ برجُل في المسجد يرفع صوته،قلت : يا رسول الله، عسى أن يكون هذا مرائيا، قال : "لا، ولكنَّه أوّاه " . وأخرج البيهقي عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو البجادين : "إنه أوّاه"، وذلك أنه كان يذكر الله. وأخرج البيهقي عن جابر بن عبد الله : أن أن رجلاً كان يرفع صوته بالذكر، فقال رجل: لو أن هذا خفض من صوته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دَعْهُ فَإِنَّهُ أَوَّاهٌ". قال ابن الأثير في النهاية :الأواه المتاوه والمتضرع، وقيل : هو الكثير البكاء، وقيل : هو الكثير الدعاء. هذا حديث حسن على شرط الترمذي لوروده من غير وجه وعدم اتهام أحد من رواته بالكذب فهذا رفع الصوت بالذكر في المسجد قد أقره النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان حراما لما أقره.
ومنها حديث أبي هريرة عند النجار مرفوعاً : "مَن لم يتغَنَّ بالقرآن فَلَيسَ مِنَّا" وحديث أبي هريرة عند البخاري أيضاً مرفوعاً : "ما أَذِنَ الله لِشيءٍ مَا أَذِنَ للنبي أن يَتَغَنَّى بالقرآن" وعند مسلم بلفظ : "مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَأَذَنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ".قال الحافظ بن حجر في فتح الباري : والأذن – بفتحتين - وأذِنَ أي : استمع، وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنِ الشَّافِعِي أَنه سُئِلَ عَن تَأْوِيل بن عُيَيْنَة التَّغَنِّي بِالِاسْتِغْنَاءِ فَلَمْ يَرْتَضِهِ وَقَالَ لَوْ أَرَادَ الِاسْتِغْنَاءَ لَقَالَ لَمْ يَسْتَغْنِ وَإِنَّمَا أَرَادَ تَحْسِينَ الصَّوْتِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَة عبد الْأَعْلَى عَن معمر عَن بن شِهَابٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِلَفْظِ مَا أُذِنَ لِنَبِيٍّ فِي التَّرَنُّمِ فِي الْقُرْآنِ ورِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ مَا أُذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ وفي لفظ حسن الترنُّم بالقرآن قَالَ الطَّبَرِيُّ : "وَالتّرَنّمَ لَا يَكُونُ إلّا بِالصّوْتِ إذَا حَسّنَهُ الْمُتَرَنّمُ وَطَرِبَ بِهِ" قَالَ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الِاسْتِغْنَاءَ لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الصَّوْتِ وَلَا لِذِكْرِ الْجَهْرِ معنى.
وَأخرج بن ماجة وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ مَرْفُوعًا : اللَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا أَيِ اسْتِمَاعًا لِلرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَته والقينة الْمُغنيَة.
قال الحافظ بن حجر : ظَوَاهِرُ الْأَخْبَارِ تُرَجِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ يَجْهَرُ بِهِ فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَرْفُوعَةً قَامَتِ الْحُجَّةُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْفُوعَةٍ فَالرَّاوِي أَعْرَفُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فقها وَقَدْ جَزَمَ الْحَلِيمِيُّ بِأَنَّهَا مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وساق إلى نقل الإجماع على استحباب سماع القرآن من ذي الصوت الحسن، حيث قال : " وَكَانَ بَيْنَ السَّلَفِ اخْتِلَافٌ فِي جَوَازِ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ أَمَّا تَحْسِينُ الصَّوْتِ وَتَقْدِيمُ حُسْنِ الصَّوْتِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا نِزَاعَ فِي ذَلِكَ".
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin