ما اكثر واقعنا الذي يسرقنا ثم نفاجأ ان الطريق انتهى بنا
وأن الحياة قد ضاقت بنا
وأن خطواتنا نحو النهاية مسرعة بثبات يحيرنا،
أهكذا مضى الزمان بنا
أهكذا كنا ضيوفا هاهنا
لم تمت بعد، لكني استستمح فيض خيالك ليحلق معي في هذه الرحلة
اترك لخيالك العنان
قبل أن نبدأ لتترك الدنيا قليلا
اترك المال والأعمال والأهل والولد
فكم من السنوات صحبتهم
ثم اترك العنان لخيالك الشارد
عله يستطيع أن يتصور المشهد التالي
إنه مشهد فريد لم تأت أحداثه بعد لكنها قطعا آتية
لنترك هذه المقدمات
ولنبدأ المسير
في رحلة
ما بعد
الموت
صمت يخيم على الأرض فما عاد فيها حياة ولا أحياء
انتهى الزمان ومضى وقت العمل بلا حساب وأقبل وقت الحساب بلا عمل
فها قد قامت الساعة ومات الخلائق جميعهم
وما بقي إلا الله الحي الذي لا يموت
فينادي ربنا
(( لمن الملك اليوم ))
فلا يجيبه أحد
فيجيب سبحانه
(( لله الواحد القهار ))
وفجأة يقطع هذا الصمت صرخة قوية تبعث في الأجداث حياة من جديد
يا الله أهذا الجسد الذي صار رفاتا يُخلق من جديد
نعم فمن خلقه أول مرة قادر على أن يعيد إليه الحياة ....
تُبعث من جديد؛ تخرج من قبرك
تعلوك أكوام التراب
حافٍ عارٍ لا سلطان لك على نفسك
وإنما تجيب الداعي حيث دعا
تنظر إلى السماء
إلى الأرض
إلى الأحياء
إلى الجبال
إلى الأنهار
فإذا بها سماء غير السماء
وأرض غير الأرض
الأحياء في حال غير الحال
البحار والأنهار قد جفت
الجبال الراسيات قد دكت
وأنت من بين الأحياء تلهث خلف النداء لا تملك ألاّ تجيب
وكم دُعيت إلى الصلاة
فأخرت إجابة الدعوة
أما اليوم فلا سلطان لك
وفي زحمة البعث لا تنشغل إلا بنفسك
فقد رحل مالك وغاب عنك أهلك وولدك وما بقي لك سوى عملك
إنه رفيقك الذي لن يدعك فيا ترى أأحسنت رفقته أم أسأت صحبته.........
يجتمع الناس في مشهد مهيب لا يدرون ما يجري
مشهد عجيب؛ الناس من لدن آدم مجتمعون
يا الله أي كرب هذا !
الشمس فوق الرءوس فأي حر هذا
الناس يصرخون فأي ضيق هذا
وأي غفلة هذه التي كنت فيها عن مثل هذا اليوم، وفجأة يسمع الخلائق صوتا من قبل السماء فتشخص أبصارهم نحوها وإذا بالملائكة يتنزلون ليوم الفصل
إنه اليوم الذي غفلت عن إعداد العدة له
يزداد الناس فزعا على فزعهم
وخوفا على خوفهم
وأنت واقف بينهم لا تدري ما هو كائن بك
يقف الملائكة صفا واحدا فيهرع إليهم الناس يسألونهم ماذا حدث؟وماذا سيحدث؟
أجاء ربنا ؟
ترتجف الملائكة رجفة تزيد أهل الأرض كربا على كربهم
ثم تقول لهم........ إنه آت .... إنه آت
تشخص أبصار الناس نحو السماء ثانية؛ وإذا بجهنم يمسك بزمامها سبعون ألف ملك
وإذا بها تفور من الغيظ فيسمع الخلائق تغيظها
فيزدادون كربا على كربهم
وأنت من بينهم ترتقب ما يحدث
تلوم نفسك يا ليتني قدمت لمثل هذه الساعة
ولكن ندم دون جدوى
فما عاد إلا الحساب وقد ضيعت وقت العمل
تشخص أبصار الخلائق ثالثة نحو السماء
يا الله إنهم حملة العرش قادمون تدوي تسبيحاتهم أركان الأرض
ثم ينزل ربنا سبحانه
نزولا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه
فيضع كرسيه حيث يشاء
وينظر إلى خلقه جميعهم ثم يقول
« يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ »
يا الله أيبدأ الحساب الآن؛ لا ليس بعد
فسوف يطول بك الانتظار
خمسون ألف سنة واقف لا تدري أإلى الجنة أم إلى النار
حتى يضيق الناس من الانتظار
فيودون ألّو يُقضى بينهم ويعلموا مصيرهم ولو إلى النار؛ لكن !!!
ليس الكل في هذا الموقف سواء
فهذه السنوات الطوال لا يشعر بها إلا أهل الغفلة والمعاصي
أما أهل الطاعة والإيمان فتمر عليهم كما لو صلى أحدهم ركعتين لله وحده
نعم [هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ]
إنهم أهل الله وخاصته
من عاشوا على منهجه فأكرمهم في الدنيا ويوم الحساب
بل إن هناك صنف آخر من أهل الإيمان
إنهم ذوي الإمتيازات الخاصة
إنهم أصحاب أعمال وعد الله من يأتي بها ابتغاء وجهه بأن يظله بظله يوم لا ظل إلا ظله
ولك أن تتأمل الأعمال التي ميزتهم
« سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ:
الإِمَامُ الْعَادِلُ
وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ
وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ
وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ
وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ
وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ
وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ »
نعم، فأصحاب الهمم العالية يظلون شوامخ كالجبال الراسيات
حتى يوم الحشر يظلون شوامخ
الآن فتش عن نفسك لتحدد موقعك
أفي ظل الله؟؟
أم في حر وكرب وضيق وهم وغم ؟؟
تمر عليك خمسون ألف سنة بهذه الحالة لا تعرف شيئا عن مصيرك
يطول الانتظار فيضيق بالناس الحال
والآن لنعيش مع نور النبوة قليلا ، لنرى وصف النبي لهذا المشهد المهيب
« يَجْمَعُ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ
فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ
وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي
وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ
فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ، إِلَى مَا بَلَغَكُمْ
أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ
فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَبُوكُمْ آدَمُ
فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ :
يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ
خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ
وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ
وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ
أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ
أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا ؟
فَيَقُولُ رَبِّى غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ
وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ
وَنَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي
اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ .
فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ
وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا
أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ
أَلاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا
أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ؟
فَيَقُولُ رَبِّى غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ
وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، نَفْسِى نَفْسِى ،
ائْتُوا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ .
فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ ، ائْتُوا مُوسَى
عَبْدًا كَلَّمَهُ اللَّهُ وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ .
فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ .
وَيَذْكُرُ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ نَفْسٍ فَيَسْتَحِى مِنْ رَبِّهِ
فَيَقُولُ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ
وَكَلِمَةَ اللَّهِ وَرُوحَهُ .
فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ
ائْتُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -
عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ .
فَيَأْتُونِي، فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، وَسَلْ تُعْطَهُ »
ويبدأ الحساب
يقدم الخلق جميعهم بين يدي الملك الجبار
يكلمهم واحد واحد
ليس بينه وبينهم ترجمان
تعرض صحائفك
تُقرأ أعمالك
يسألك الله
أظلمتك ملائكتي
فلا تقوى على الجدال
فإنما هي أعمالك التي قدمت قد دونت
وها قد جاء يوم الحساب
يذكرك ربنا أتذكر ذنب كذا وكذا أتذكر يوم كذا وكذا
أكل هذه الذنوب فعلت
أكل هذه الجرائم ارتكبت
ذنوب لا تحصى
غيبة ونميمة
ترك للصلاة
استهزاء بالدين وأهله
كذب وظلم
عقوق للوالدين
غش وتضليل
سجل مفعم بمختلف الذنوب من أدناها إلى أقصاها
وفي حينها تحدد أنت مكانك الذي تستحقه
أتعلم لماذا ؟
لأنك ضيعت فرصة سهلة كانت بين يديك في الدنيا
أتدري ما هي؟
أنها التوبة الصادقة
إنها وحدها التي تستطيع أن تطوي هذه الصفحات
بل وتبدل السيئات حسنات
فتقرأ عليك صحائفك فتبحث عن ذنوب كنت تعملها فلا تجدها
فتسأل يا رب فعلت كذا وكذا ولم أجده
فيقول لك الله نعم عصيتني ثم تبت فغفرتها لك
ويدني عليك الله ستره فإنه الستير سبحانه
فلا يحاسبك أمام الخلائق ولا يكشف ستر ذنوب سترها عليك في الدنيا
والآن قبل أن نصل لآخر مشهد
تتبعت كل المشاهد السابقة فحدد موقعك فيها بصدق لتعلم مصيرك جيدا
لا تخف إنه بينك وبين نفسك
ولا تخف أيضا إن الفرصة لا زالت متاحة لتصحيح أوضاعك وتغيير مكانك بل وتبديل حالك من حال إلى حال
ثم يبقى المشهد الأخير
إنه مشهد الصراط الذي ينصب على جهنم
له كلاليب تخطف الناس
أتدري من تخطف ؟
تخطف من خطفته الشهوات في الدنيا وانغمس فيها فلا سبيل له من الفرار من هذه الكلاليب ليلقى في جهنم جزاء ما قدم من ذنوب
أما أهل الطاعة فيمرون على الصراط كالبرق الخاطف
ومنهم من يمر كالريح
ومنهم من يمر دون ذلك
بل منهم من يدخل الجنة حبوا
وبأي طريقة كانت
يكفيه من نعم الله أنه تجاوز كل هذه المشاهد ودخل الجنة
أما من غفل عن عدة هذا اليوم فهو أدرى بمصيره
« أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ »
فهنيأً لمن فاز
اللهم اكتبنا عندك من الفائزين
اللهم أمين
أسامة
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin