مشروعية زيارة روضات أولياء الله الصالحين
مقتبس من مجلة: الإسلام وطن
من فتاوى: الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم
سماحة مولانا الإمام المجدد حجة الإسلام والمسلمين في هذا الزمان السيد محمد ماضي أبو العزائم قدس الله سركم ونفعنا الله بكم وجعلكم وليا مرشدا لطلاب العلم النافع ما حكم زيارة القبور وما حكم زيارة روضات الأنبياء والأولياء وإذا كانت سنة فكيف نرد على المنكرين لها، وما هو الدليل العملي لسيدنا رسول الله وخلفائه في زيارة الصالحين؟.
فأجاب سماحته قائلا:
زيارة القبور:
يا بني: تقرر أن زيارة القبور سنة وكان قد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها في صدر الإسلام قبل أن تشرق أنوار الحق جلية على القلوب وتقرير أصول الإسلام فلما أن انعقدت كل القلوب على الحق وظهر أن الخلق جميعا عبيد مقهورون وعباد مربوبون وعلم كل مسلم أن كل مسلم في حاجة إلى رحمة الله وعفوه وفضله وكرمه، اتسع الأمر بعد التشديد وأمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بزيارة القبور وزارها (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان في كل سنة يزور شهداء بدر مرة أو مرتين ويزور شهداء أحد في كل جمعة وصار أنس السالكين في المقابر، فكان سيدنا عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) يأخذ المصحف ويخرج إلى القبور فيجلس بينها وصارت سنة أهل السلوك بعده، وهو إمامهم (رضي الله عنه) في هذا.
تفاوت سكان القبور:
لما كان سكان القبور يتفاوتون فمنهم من هو في حاجة إلى الاستغفار له ومنهم من هو مقبول الشفاعة عند الله مرضي القول عنده كما قال الله: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا) [طه: 109].
ونحن لا اطلاع لنا على الغيب ولكن الأحوال والأعمال وألسنة الخلق الأدلة على أن العبد مرضي القول عند الله مقبول الشفاعة لديه سبحانه وتعالى، فاذا نحن زرنا المقابر فعلينا أن نستغفر وندعو لمن نظن أنهم في حاجة إلى ذلك، ونسأل الله تعالى عند من نعتقد أنهم مقبولون عند الله قد رضي عنهم ورضي لهم قولا.
والسنة أن نتذكر الموت عند زيارة القبور ونتذكر سكراته القوية وآلام نزع الروح وجهل العاقبة فتصغر في عيوننا الدنيا وتقبح لذتها ويزول ما في نفوسنا من اللقس والرعونات فنعمل للموت ونستعد للقائه ونلتفت عن الطمع في الدنيا والغرور بزينتها الفانية.
زيارة روضات الأنبياء والأولياء والرد على منكريها:
شنع بعض من لا علم لهم بالسنة على زائري روضات أولياء الله بلا حكمة ولا قصد إزالة المنكر بل بعناد أدى إلى ضياع الحق، وعناد المنكر والسامع والحقيقة أن زيارة القبور سنة، وأن الدعاء عند رياض الصالحين الذين يظن الإنسان فيهم أنهم (رضي الله عنهم) ورضوا عنه رضي الله قولهم سنة عملية دليل ذلك ما ورد في حديث الإسراء أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل عند بيت لحم وعند قبر سيدنا موسى (عليه السلام) ووقف فصلى أي دعا وزار (صلى الله عليه وآله وسلم) القبور وخرج لزيارة شهداء بدر ووقف فدعا وورد أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى على قبر رجل من الصحابة.
والدعاء المأثور لزيارة القبور هو: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم رب هذه الأرواح الباقية والأجساد البالية أدخل عليها روحا منك وسلاما مني)، هذا وإن الأرواح لتنتفع بزيارة أهل الصلاح والتقوى وتنزل الرحمات على أهل القبور ويفوز الزائر بمغفرة الله إذا زار وليا من أولياء الله تعالى في قبره فإن أولياء الله ليسوا موتى بل هم أحياء عند ربهم يرزقون لأنهم ماتوا بالله ولله قبل موتى عزرائيل قال الله تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) [الأنعام: 122].
ومن أحياه الله لا يموت أبدا وإنما ينتقل إلى دار البرزخ يرزق فيها بتجدد الأعمال الصالحات التي سنها في حياته الدنيا والخيرات التي يكتبها الله له بالعلم الذي أبقاه للمسلمين والنعم التي تتوالى عليه من الله بما أجراه من الصدقات الباقية، فهذا حي عند ربه، له رزق بقدر أرزاق من يعمل بإرشاده فقد يكونون أكثر المسلمين فيكون – وهو ميت في قبره – له أجر كأجر الأحياء جميعا لا ينقص ذلك شيئا من أجورهم، فهل مثل هذا ميت؟ ومن ظن غير ذلك فقد جهل، هذا حي عند ربه يرزق ومن زاره فاز من الله بخير، وسمع الله دعاءه واستجاب له.
هذا إذا كان الزائر كامل الإيمان متحققا بمشاهد التوحيد أما إن كان جاهلا فالأولى – بدل الإنكار عليه – أن نعلمه آداب الزيارة ونفهمه أسرار التوحيد ونترك التشنيع عليه لأنه مؤمن مسلم والمسلم قابل للعلم إلا إذا كان ممن يعمل تلك الأعمال لعاجل الحياة الدنيا وهم قطاع طريق الله ولا يخفون على المؤمنين.
زيارة روضات الأنبياء والأولياء مرغب فيها:
زيارة روضات أولياء الله الذين رضي لهم قولا مرغب فيها، والدعاء عندها مستجاب والتوسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى وبالعمل بكتابه والعمل بسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبأوليائه المقربين مما يدل على مزيد إيمان المؤمن وتواضعه وسوء ظنه بنفسه واعتقاده أنه صغير في نظره، وأن المقام الإلهي علي عن أن يكون مثل هذا الداعي مقبولا لديه سبحانه فيتشفع بغيره ممن اجتباهم الله وأحبهم واصطفاهم واختارهم قال الله تعالى مخبرا عن ملائكته: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) [الإسراء: 57] وقال سبحانه: (وابتغوا إليه الوسيلة) [المائدة: 35] وقال سبحانه: (فاسأل به خبيرا) [الفرقان: 59].
وكم من حاجة قضاها الله تعالى وكربة فرجها الله تعالى وشدة أزالها الله تعالى، وفاقة أبدلها الله يسرا ومرض أبدله بعافية بدعاء أوليائه أو بزيارة روضاتهم ودعاء الله فيها.
أسباب إنكار الجاهلين بالسنة لزيارة القبور:
وإنما أنكر الجاهل بالسنة زيارة القبور لجهله باليقين الحاصل في قلوب عامة المسلمين من كمال التوحيد واعتقاد أن الضار والنافع هو الله، ومتى انعقد القلب على كمال الإيمان وحقيقة التوحيد فالأمر واسع لا شبهة فيه، وهل يعتقد مسلم أن مسلما يأكل ويشرب ويتغوط ويمرض ويموت ينفع أو يضر؟ ولكن الله رجالا أحبهم وأحب لأجلهم من أحبهم وقد أثنى الله تعالى على أنصار نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: (يحبون من هاجر إليهم) [الحشر: 9] فحب المؤمن للمؤمن دليل على كمال محبة الله، وعناية المؤمن بالمؤمن دليل على حسن الثقة بالله، فإذا كان المسلمون لا يحبون أولياء الله أحياء وأمواتا، فمن يحبون؟ أيحبون الملوك والأغنياء ؟ لعل المنكرين يحبون الملوك والأغنياء فإذا ماتوا تركوهم ويعتقدون أن ذلك هو الحق (لا).
ولكنا والحمد لله نحب أولياء الله ونقتدى بهم في حياتهم ونبذل ما في وسعنا لإكرامهم ابتغاء مرضاة الله، فإذا ماتوا دام حبنا، وكثر دعاؤنا لهم وزيارتنا لقبورهم.
الرسول وخلفاؤه يزورون قباء وشهداء أحد:
كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يزور مسجد قباء كل يوم سبت ويزور شهداء أحد، وعمل بسنته من بعده أبو بكر وعمر وغيرهما (رضي الله عنهم) وقد أمرنا الله تعالى بشكر الوالدين وأمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلاة عليهما بعد موتهما في حديث حسن، والعلماء أنفع من الوالدين ومن برهم المسارعة لما فيه نفع المسلمين من إحياء ذكرهم ونشر علومهم وإدامة الدعاء لله أن يلحقنا بهم، أو يجعلنا من المتشبهين بهم، فإنما أحببناهم حبا لله ورسوله ولما جملهم الله به من جمال حبه سبحانه، ومعرفته جل جلاله والمحافظة على العمل بكتابه وسنة نبيه، وما وهب سبحانه لهم من الحكمة والبيان فهم نور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المشرق على أمته، نحبهم أحياء وأمواتا ونفديهم بأنفسنا وأموالنا ولا نصغي لما يقوله الجاهل لما تفضل الله به علينا على ألسنتهم وأيديهم (رضي الله عنهم) ونفعنا بهم.
هذا مذهبي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يشرح صدور إخوتي المؤمنين للعمل به، حتى يكون أولياء الله محبوبين ومتى كان أولياء الله محبوبين سارع المسلمون إلى الاقتداء بهديهم والعمل بما كانوا عليه، وتلقي علومهم النافعة فهم كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «سرج الدنيا ومصابيح الآخرة» فتراهم – وهم أحياء بين الناس – مجهولين غرباء، فإذا انتقلوا إلى الدار الآخرة أحيا الله ذكرهم بين عباده الصالحين وسارع عباد الله في تأسيس المساجد والصدقات وأوفقوا الأعيان على مساجدهم كل ذلك من إكرام الله لهم في الدنيا، فكيف يكون إكرام الله لهم في الآخرة؟ وما من بلد من بلاد الإسلام إلا وبها مسجد باسمهم أو زاوية بها فقراء المسلمين الذين أقعدهم الجهد يرزقهم الله من حيث لا يحتسبون.
فهم (رضي الله عنهم) في حياتهم نور وبركة للمسلمين وبعد موتهم كنوز وخيرات لفقراء المسلمين يزورهم منقبض الصدر فيشرح الله صدره والعاجز عن التكسب فيرزقه الله وكم من فقراء لا عمل لهم إلا ما يجريه الله لهم على أيدي أهل العقيدة الإيمانية من إغنياء المسلمين.
أكتب هذا، وأنا استغفر الله منه إن كان أعتقد أنه مقصود به وجه الله تعالى والخير لإخوتي المؤمنين جميعا، وهو رأى رأيته أعتقد في نفسي أنه الحق، اللهم إن كان حقا فانفعني به وانفع به إخوتي المؤمنين، وإن كان غير ذلك، فأسألك أن تحفظني وإخوتي المؤمنين من عجلتي الفطرية وإعجابي برأيي واتباع هواي إنك غفور رحيم تواب كريم.
أمس في 21:08 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الرابعة: قوانين الميراث تفضل الرجال على النساء ـ د.نضير خان
أمس في 21:05 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثالثة: شهادة المرأة لا تساوي سوى نصف رجل ـ د.نضير خان
أمس في 21:02 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثانية: المرأة لا تستطيع الطلاق ـ د.نضير خان
أمس في 20:59 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الأولى: الإسلام يوجه الرجال لضرب زوجاتهم ـ د.نضير خان
أمس في 20:54 من طرف Admin
» كتاب: المرأة في المنظور الإسلامي ـ إعداد لجنة من الباحثين
أمس في 20:05 من طرف Admin
» كتاب: (درة العشاق) محمد صلى الله عليه وسلم ـ الشّاعر غازي الجَمـل
9/11/2024, 17:10 من طرف Admin
» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
9/11/2024, 17:04 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:59 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:57 من طرف Admin
» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
7/11/2024, 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin