من معاني المعرفة الذوقية
ماهر سقا أميني
قال الشيخ: اعلم أن أصل كل اختيار أو سلوك هو المعرفة، ومعرفة الله وصفاته وأسمائه الحسنى وأفعاله التي لا يسأل عنها معروضة في الكتب وعند أهل العلم وهي من المعلوم من الدين بالضرورة، إلا أن ما يصل المعرفة بالسلوك والاختيار والمواقف والاتجاهات هو ما أطلقنا عليه المعرفة الذوقية، أي المعرفة وقد دبت فيها روح الفهم عن الله ودفء المعاني مما يجعلها دافعة وآسرة للفعل والقلب، وهي المعرفة المطلوبة إذ إن ما دونها ليس أكثر من أفكار باردة كالجثث الميتة لا تحرك ساكنا ولا تحيي ميتا.
وقد نقل عن بعضهم قوله: العارف صيد المعروف، اصطاده الله ليكرمه ويجلسه في حظيرة القدس. وهذا من لطيف المعاني التي تشير إلى فضل الله وكرمه في التوفيق للمعرفة، وللعمل بما تمليه من فضائل الأعمال.
واعلم أن الانصراف إلى الدنيا والانهماك بها إنما يذهب نور المعرفة من القلب كما يذهب السحاب الأسود نور الشمس، والمعرفة نور القلوب، وليس عند الله تعالى مما يمن به على عباده أعز من المعرفة، والمعرفة حياة القلب (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها).
ومن معاني المعرفة الذوقية سئل أحدهم:أي شيء أعجب؟ قال: قلب عرف الله ثم عصاه، فمن عرف الله حق المعرفة معرفة جلالية وجمالية وكمالية لا يمكن أن يعصيه حياءً وحباً وخوفا وطمعا ورغبة وخشية وقل ما شئت، فلمعرفته سبحانه وتعالى تحكم في القلوب لا يعلم مداه إلا الله.
ومن معانيها أيضاً ما أجاب به عبد الله بن المبارك عندما سئل عن المعرفة:أن لا تتعجب من شيء، ذلك أنه القادر على كل شيء، المتصرف وحده بالمقادير، مقلب القلوب والأبصار، الحكيم الخبير العليم، فكيف تعجب بعد ذلك وهو هو كما وصفنا،
ومن معانيها رؤية الحق مع فقدان رؤية من سواه، وهذا لا يكون إلا بإيمان أصله توفيق، وذلك بأن يرى العبد في الكون كله آثار أفعال الله وإرادته ومشيئته، وعندها لا يرى إلا مولاه ولا يسأل غيره لأنه وحده المعطي المانع وان توسطت الوسائط.
ومن معانيها قول الإمام علي كرم الله وجهه عندما سئل: يا أمير المؤمنين تعبد من ترى أو لا ترى؟قال بل أعبد من أرى لا رؤية العيان ولكن رؤية القلب.
ذلك أن البصر محدود وفقير أما البصيرة فممتدة وحرة، والعلماء اليوم يقولون أن ما نعرفه من مادة الكون إنما يمثل 4٪ من الوجود، وكل هذا ونحن بصدد الحديث عن المخلوق، والبصر لا يرى من هذه النسبة إلا أقل القليل، إلا أن كرم الله سبحانه وتعالى جعل لنا بصيرة نتجاوز بها حدود المخلوق لنرى بها عظمة الخالق، وتلك هي رؤية القلب التي قصدها الإمام.
وقال أحدهم: المعرفة الحقة أن تعرف أن حركات الخلق وسكونهم بالله وحده لا شريك له، ومثل هذه المعرفة لا تترك للخلق وزنا في عينك، إذ إنهم مجرد شخوص يتجلى عليها أفعال الله تعالى، فلا تحزن ولا تغضب ولا تهتم، مادام هو الفعال لما يريد وما نحن إلا به ــ أي بإيجاده وإمداده ــ وعليه ــ بالتوكل ــ واليه ؟بالقصد والمآل ــ وفيه ــ بالسعي والجهد ــ وترك الخلق للخالق والتسليم للمدبر لكل شيء يكسب القلب طمأنينة عجيبة تجعله دائما في حضرة مولاه، فمن قال لك دبر حتى تشغل نفسك بما لا تقدر عليه، ومن قال لك اهتم وفكر وأنت لا تملك من أمرك أو من أمر الناس شيئا، ومادام أنه قد أراد فالحمد لله على ما أراد، منعا أو عطاءً، سعة أو ضيقا، شدة أو رخاءً، فكلها ابتلاءات تطوى مع الدنيا بلمحة عين ولا يبقى إلا أجر الإيمان والتسليم ولقاء المحبة والتعظيم.
وروي في الأخبار أن الحق سبحانه وتعالى أوحى إلى داوود عليه السلام:أن يا داوود اعرفني واعرف نفسك، فقال:عرفتك يا رب بالأحادية والقدرة والبقاء، وعرفت نفسي بالعجز والضعف والفناء، فقال الله تعالى:يا داوود الآن عرفتني حق المعرفة.، ومعرفة الأحادية لا تبقي شيئا أمام تجلي الأحد، فالكون كله أقل وأدنى من حبة خردل في الوجود أمام الأحد الصمد، ومعرفة القدرة تعني التسليم بالعجز والضعف والافتقار، ومعرفة البقاء تعني معاينة الفناء وهو يطوي كل شيء ولا يبقى إلا وجهه سبحانه، ثم يكون بقاء آخر يوم القيامة به وبإرادته ومشيئته، نسأل الله التحقق بمعرفة تحيي قلوبنا وتكون سببا في سعادة الدارين.
ماهر سقا أميني
قال الشيخ: اعلم أن أصل كل اختيار أو سلوك هو المعرفة، ومعرفة الله وصفاته وأسمائه الحسنى وأفعاله التي لا يسأل عنها معروضة في الكتب وعند أهل العلم وهي من المعلوم من الدين بالضرورة، إلا أن ما يصل المعرفة بالسلوك والاختيار والمواقف والاتجاهات هو ما أطلقنا عليه المعرفة الذوقية، أي المعرفة وقد دبت فيها روح الفهم عن الله ودفء المعاني مما يجعلها دافعة وآسرة للفعل والقلب، وهي المعرفة المطلوبة إذ إن ما دونها ليس أكثر من أفكار باردة كالجثث الميتة لا تحرك ساكنا ولا تحيي ميتا.
وقد نقل عن بعضهم قوله: العارف صيد المعروف، اصطاده الله ليكرمه ويجلسه في حظيرة القدس. وهذا من لطيف المعاني التي تشير إلى فضل الله وكرمه في التوفيق للمعرفة، وللعمل بما تمليه من فضائل الأعمال.
واعلم أن الانصراف إلى الدنيا والانهماك بها إنما يذهب نور المعرفة من القلب كما يذهب السحاب الأسود نور الشمس، والمعرفة نور القلوب، وليس عند الله تعالى مما يمن به على عباده أعز من المعرفة، والمعرفة حياة القلب (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها).
ومن معاني المعرفة الذوقية سئل أحدهم:أي شيء أعجب؟ قال: قلب عرف الله ثم عصاه، فمن عرف الله حق المعرفة معرفة جلالية وجمالية وكمالية لا يمكن أن يعصيه حياءً وحباً وخوفا وطمعا ورغبة وخشية وقل ما شئت، فلمعرفته سبحانه وتعالى تحكم في القلوب لا يعلم مداه إلا الله.
ومن معانيها أيضاً ما أجاب به عبد الله بن المبارك عندما سئل عن المعرفة:أن لا تتعجب من شيء، ذلك أنه القادر على كل شيء، المتصرف وحده بالمقادير، مقلب القلوب والأبصار، الحكيم الخبير العليم، فكيف تعجب بعد ذلك وهو هو كما وصفنا،
ومن معانيها رؤية الحق مع فقدان رؤية من سواه، وهذا لا يكون إلا بإيمان أصله توفيق، وذلك بأن يرى العبد في الكون كله آثار أفعال الله وإرادته ومشيئته، وعندها لا يرى إلا مولاه ولا يسأل غيره لأنه وحده المعطي المانع وان توسطت الوسائط.
ومن معانيها قول الإمام علي كرم الله وجهه عندما سئل: يا أمير المؤمنين تعبد من ترى أو لا ترى؟قال بل أعبد من أرى لا رؤية العيان ولكن رؤية القلب.
ذلك أن البصر محدود وفقير أما البصيرة فممتدة وحرة، والعلماء اليوم يقولون أن ما نعرفه من مادة الكون إنما يمثل 4٪ من الوجود، وكل هذا ونحن بصدد الحديث عن المخلوق، والبصر لا يرى من هذه النسبة إلا أقل القليل، إلا أن كرم الله سبحانه وتعالى جعل لنا بصيرة نتجاوز بها حدود المخلوق لنرى بها عظمة الخالق، وتلك هي رؤية القلب التي قصدها الإمام.
وقال أحدهم: المعرفة الحقة أن تعرف أن حركات الخلق وسكونهم بالله وحده لا شريك له، ومثل هذه المعرفة لا تترك للخلق وزنا في عينك، إذ إنهم مجرد شخوص يتجلى عليها أفعال الله تعالى، فلا تحزن ولا تغضب ولا تهتم، مادام هو الفعال لما يريد وما نحن إلا به ــ أي بإيجاده وإمداده ــ وعليه ــ بالتوكل ــ واليه ؟بالقصد والمآل ــ وفيه ــ بالسعي والجهد ــ وترك الخلق للخالق والتسليم للمدبر لكل شيء يكسب القلب طمأنينة عجيبة تجعله دائما في حضرة مولاه، فمن قال لك دبر حتى تشغل نفسك بما لا تقدر عليه، ومن قال لك اهتم وفكر وأنت لا تملك من أمرك أو من أمر الناس شيئا، ومادام أنه قد أراد فالحمد لله على ما أراد، منعا أو عطاءً، سعة أو ضيقا، شدة أو رخاءً، فكلها ابتلاءات تطوى مع الدنيا بلمحة عين ولا يبقى إلا أجر الإيمان والتسليم ولقاء المحبة والتعظيم.
وروي في الأخبار أن الحق سبحانه وتعالى أوحى إلى داوود عليه السلام:أن يا داوود اعرفني واعرف نفسك، فقال:عرفتك يا رب بالأحادية والقدرة والبقاء، وعرفت نفسي بالعجز والضعف والفناء، فقال الله تعالى:يا داوود الآن عرفتني حق المعرفة.، ومعرفة الأحادية لا تبقي شيئا أمام تجلي الأحد، فالكون كله أقل وأدنى من حبة خردل في الوجود أمام الأحد الصمد، ومعرفة القدرة تعني التسليم بالعجز والضعف والافتقار، ومعرفة البقاء تعني معاينة الفناء وهو يطوي كل شيء ولا يبقى إلا وجهه سبحانه، ثم يكون بقاء آخر يوم القيامة به وبإرادته ومشيئته، نسأل الله التحقق بمعرفة تحيي قلوبنا وتكون سببا في سعادة الدارين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin