رسالة مؤرخة في 12 ربيع الأول 1283 من الإمام محمد مهدي الصيادي للشيخ محمد أبو الهدى:
ونصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، والصلاة والسلام على عبده ونبيه وحبيبه ورسوله سيدنا محمد الهادي الأمين، وآله وأصحابه الهداة المرضيين، الطيبين الطاهرين.
أما بعد: فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى بهاء الدين محمد مهدي آل خزام الرديني الصيادي الرفاعي، المنعوت في الحضرة ب- غريب الغرباء - تولی الله أمره، وغفر ذنبه، وستر عيبه؛ ووالديه وإخوانه ومحبيه والمسلمين:
هذه كليمات أبرزها وارد الإلهام على لسان هذا العبد الحقير الفقير، كلها من صحف التَنَزلِ لحكمة ستبدو، ونكتة ستنجلي خصصتُ بها نائبي ووارثي، ولدي في الله ، محبي وحبيبي لوجه الله ، ألا وهو ابن عمي في النسب، وأخي في الحب، السيد محمد أبو الهدى، ابن الولي الصفي، الظاهر الخفي، وادِ المكارم السيد حسن أبي البركات، ابن السيد علي آل خزام، ابن السيد خزام، ابن الشيخ القطب الهمام، شيخ أهل الهيام، الشي علي آل خزام - دفين حيش - ابن شيخنا الإمام الهمام، تاج العلماء الأعلام، العارف المكين، نزيل القبيلة الخالدية ؛ بدیار حماة الشام، كوكب العارفين، السيد حسين برهان الدين الصيادي الرفاعي، الحسيني، الحسني، البصري، رضي الله عنه وعنهم أجمعين، وها هي تَمِيسُ في حُلَّةِ مجدها، وتزدهي بمضيء عِقدها، مُصدرة بأداة الخطاب، وإلى الله المرجع والمآب.
يا أيها الوارث الكريم، والولي الحميم - أيدك الله بما أيد بما أيد به عباده الصالحين، ووفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه، وكتبنا جميعا والمسلمين مع من ارتضاه. آمین - وحدِ الله ولا تشرك به شيئا، وقم بصون كلمة التوحيد، وتحقق بها، وحقق بها إخوانك؛ ومن أحبك وأطاعك، وانشر علمها في عالم الكيان، وإياك ومزلقة القول بالوحدة المطلقة؛ فذلك شرك لا محالة، وطهر سرك من الميل إلى أقوال أهل الحلول والإغلاق بالشطحات، والدعاوي العريضة، و "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
وكن مع الحق حيث كان، وعظم قدر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إعظام عارف يراه أعظم كل شيء بعد الله تعالى، واجعل القرآن إمامك وحجتك، ولا تبتغ الفتنة فيما تشابه منه، وخذ فيه تفسير المفسر الأعظم ، وإياك والرأي في الدين، قف مع الظاهر، وارع حق الإجماع، ووافق في أعمالك في الدين أحد الأئمة الأربعة؛ المجمع على قبول مذاهبهم، وقلد في موافقتك للإمام المعصوم الأعظم صلى الله عليه وسلم، ولا تحدث في الدين شيئاً، وأعلم أن ما تراه من الفروع في الأعمال؛ كله ينتهي إلى أصول صحيحة من أعمال الصحابة والآل، أخذوها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تفاضل بين الأنبياء مفاضلة تؤدي إلى إحقار أحد منهم عليهم جميعاً من الله الصلاة والسلام، وكذلك فلا تفاضل بين الأولياء رضي الله عنهم.
وأجزم بتفضيل نبيك الأعظم الأكرم سیدنا محمد صلى الله عليه وسلم على المخلوقين أجمعين؛ فإنه أرسل رحمة للعالمين، واعتقد علو قدم شیخ طريقتك بل وأستاذك على أول الأقدام الراسخة من أشياخ الطرق؛ وأساتذة العصر، ولكن كشأن أهل السنة - شرف الله مناهجهم - في تفضيل سيدنا الصديق على إخوانه الفاروق، وذي النوريين، والمرتضى، وهم على بعضهم رضي الله عنهم أجمعين، فالأفضلُ مُفَضَّلٌ، والمفضُولُ مبجل، لا يفرقون بين أحد منهم رضي الله تعالى عنهم.
واعرف للوجه العلوي في آل فاطمة - سلام الله علیها - حقه ومرتبة مجده ؛ وما له مع ربه، ولا تُكفر أحداً للذنب، ولا تقاطع للهفوة، ولا تدعي العصمة، ولا تطلبها من أحد؛ فإن الحق غیور، ولا ترتفع بدعوى؛ فوق ما وهبك ربك، وحدث بالنعمة، بيد أن لا تغلو ولا تعلو، ولا يكن حديثك متضمناَ إحقار أحد من خلق الله؛ كبر أو صغر، عَظُمَ أو حَقُرَ، ولا تشق العصا، ولا تؤاخذ مُحباً هفا، وإذا غلبتك البشرية فقابلت من عدا؛ فلا تتجاوز المثلية، وكن نظيف الباطن لكل مخلوق؛ لا تحمل لأحد من الناس ضغينة، ولا تحقد على أحد، ولا تكن حِلساً يُداس، ولا غداراً يدوس، ولا تعمل ما يُضجرك من عمل صالح، وكن وسطاً لا تُفْرِط ولا تُفَرِّط ، وخذ التقوى زادك ، والخوف من الله عمادك، وإذا ابتليت بالذنب فاستغفر؛ ولا تقنط، ولا تُمل نفسك للاستلذاذ بالمعصية ، وخذ الموت ببالك، وتفكر في أمر قدومك على ربك وسؤالك، وتدبر صَيُّورَ أمرك، وغاية حالك.
وعش عيشة وسطاً في ذاتك وأهلك وعيالك، ولا تبخل ولا تبذر، ولا تخف ولا تثقل ، وإياك والفظاظة والغلاظة، وتواضع ولا تَسقُط إلى الضَّعَةِ المُذلة، والمنزلة المخلة، واجمع محبيك وإخوانك على كلمة الحق في العقيدة ، وألصقهم ببعضهم، ولا تمل للمفرق منهم، ولا تُعر أُذُنَكَ لقول المفرق ولو صدق، ومن كان همه معك ومنك الدنيا لا غير؛ فيُكَلْ له مما أكتَالَ؛ فإن أكذب الأصدقاء عبد الغرض، وأذلهم عبد الدنيا؛ يقف مع وقتك لا مع ذاتك، همه غرضه لا ربه.
ولا تنسى الوفاء لمن وافاك، والموالاة لمن والاك، وصحح العزم فيما يؤول إلى الله ؛ ومن تراه يرى الخير والبر للإخوان، ويحب جمع الكلمة، ويكره التفرقة، فأجمعه عليك فإنه من أولياء الرحمن، وضده من أولياء الشيطان كيف كان، ولا تتكلم بغير الحكمة، ولا تجذب سالكاً لغير الحكمة، فقد قال ربك : ﴿ أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ﴾. وقف وقوراً لا متكبراً ولا خفيفاً، وزن الناس بميزان الكمال، وإذا عرفت رتبة الولدية لمن عددته في أولادك فأوقفه في منزلة الولدية، وأوقف نفسك معه في منزلة الوالدية، فإنك إن لم تفعل تخدعه وتضره، وإن لم يكن من أهل منزلة الولدية فاعمل له ما تراه من حاله وشأنه ومرتبته، كي لا تنفره، فقد أمر الحبيب صلى الله عليه وسلم القوم بالقيام لسعد، وقال: "قوموا إلى سيدكم".
وأوضح السبيل لأهل الحق على الحق من الشرع لا منك؛ ومن القلب لا من النفس، ومن الوارد لا من المخترع، ومن الهمة لا من الغرض، وباعد بطورك عن المغشوشين بآبائهم وأحسابهم وأنسابهم وهم على غير سننهم، وأحفظ لهم حقوقهم.
وأيد منهم الآل الكرام، ولا تنظر إلى هفواتهم، وعليك بالصالحين منهم، وكَرِّمِ العلماء والفقهاء والسالكين، وأهل العبادة؛ وأصحاب الذكر، وأهل التقوى والإخلاص، وأجعل إعراضك عن طلاب الدنيا ديدنك، وليكن إعراضك عنهم بابتعادك منهم، فإذا انحجبت فقد ابتعدت؛ ولم يشعر القوم، وتلك من حكم نبيك سلطان الحكماء صلى الله عليه وسلم، وإذا نصحت فلا تصرح، وإذا عرضت فلمح، وإذا أحببت أو أبغضت فليكن لله.
وإذا مالت بشريتك لحب أحد بلا سبب، أو لشأن غير ذي بال؛ فقف مع العقل، فإنه سلم الكمالات، ولا تطش؛ فإن الطيش ينكد العيش، وإذا زل بك دربك لوزر خف أو ثقل؛ فكفره بالتوبة والعمل الصالح الخالص ﴿إن الحسنات يذهبن السيئات﴾ وكن كثير الندم على فوات الأوقات الصالحات، وكثير الفرح بتجدد عهود الأوقات المرضيات.
ولتكن ممن تسيئهم سيئاتهم، وتفرحهم وتسرهم حسناتهم، والزم الأدب مع نبيك صلى الله عليه وسلم، وتحقق بمحبته ليحبك، فإذا أحبك فاعلم أن الله قد أحبك، والدليل على محبته لك صحيح محبتك له، فأكثر من الصلاة والسلام عليه، وأجهد بلفت القلوب إليه - أرواحنا لغبار قدميه الشريفين الفداء - وتحقق لأجله بمحبة آله الطاهرين، وعظم - حرمتاً له - أصحابه المرضيين، وتمسك بسنته، وغَرْ لشريعته، وأحبب العرب لأجله، وأحبب أمته محبة له.
واعلم أن المؤمنين كلهم في البدو والحضر، والشرق والغرب إخوة، فاحفظ لهم حقوق الإخوة، وراع الرحم الإنساني في الخلق أجمعين، ولا تكن جباراً عنيداً، ولا فظاً غليظاَ، ولا ظالماً ولا معيناً للظالمين، وأعز الحق وأهله، ودر معه حيث دار، واجعل الغريب والقريب في الحق سواء، وأنفق مما رزقك الله - عليك وعلى أهلك ومن تعول - حلالاً طيباً، وتصدق ما أمكنك، وأعن المحتاجين ما لم تحرج عليك، فإن الله تعالى قال: ﴿لا يكلف الله نفساً إلا وسعها﴾. وإياك وما يضجر؛ فإن الضجرة تقطع المثوبات، واعتبر في كل شيء؛ فإن الأشياء خلقت للعبرة، قال الجنيد رضي الله عنه: ما ضل معتبر، ولا تمر منكسر.
وكن صحيح العزيمة في الله وإياك والكسل، وانهض لإعلاء طريقة الله وطريقة رسوله، وطريقة وليه السيد أحمد الكبير الرفاعي الحسيني - رضي الله تعالى عنه وعنا به - وليكن ذلك لوجه الله تعالى؛ لا لعلو ولا لغلو ولا لشهرة، بل لإفراغ أخلاق الله ورسوله ووليه في الأمة، واجعل أذنك صماء عن القال والقيل، وأشغل مجلسك بسماع الكلام الحسن كالذكر والصلوات على سيد السادات، وككلام الأولياء والصالحين والمشايخ العارفين، وأئمة الهدى المتقين، والعاشقين الصادقين، وخذ ما صفا؛ ودع ما كدر.
ولا تقعد بعد الذكر مع القوم الظالمين، وعمر بيوت الله؛ جدرانها بالحجارة، وبواطنها بالعلم والأثارة، وكن حمولاً للأذى ما أمكنك إلا في أمر الدين.
ولا تعبأ بأولي الفرية من الكذابين والحاسدين، وكلما ازدادوا غيظاً ازْدًد في الله عزاً وعزيمة، وقُد إخوانك ومحبيك للتعارف والتآلف ليكونوا مظهراً لأسرار التعارف الأول، وليقم كل منهم بنصرة أخيه لوجه الله - ظالماً لنفسه كان أو مظلوماً - بالنصيحة والانتصار، وانظمهم بسلك شيخك في الحال، والمآل على نسق الصحابة والقرابة وارع حق أبيك فإنه من أوحد المحبوبين لجده الأمين صلى الله عليه وسلم، وصل الرحم، ولا تغفل عن الله؛ وأفن به وابق به، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بقلم الفقير إليه تعالى محمد مهدي الشهير بالرواس الصيادي الرفاعي الحسيني عفا الله عنه وغفر له ۱۲ ربيع الأول۱۲۸۳ هجري.
ونصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، والصلاة والسلام على عبده ونبيه وحبيبه ورسوله سيدنا محمد الهادي الأمين، وآله وأصحابه الهداة المرضيين، الطيبين الطاهرين.
أما بعد: فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى بهاء الدين محمد مهدي آل خزام الرديني الصيادي الرفاعي، المنعوت في الحضرة ب- غريب الغرباء - تولی الله أمره، وغفر ذنبه، وستر عيبه؛ ووالديه وإخوانه ومحبيه والمسلمين:
هذه كليمات أبرزها وارد الإلهام على لسان هذا العبد الحقير الفقير، كلها من صحف التَنَزلِ لحكمة ستبدو، ونكتة ستنجلي خصصتُ بها نائبي ووارثي، ولدي في الله ، محبي وحبيبي لوجه الله ، ألا وهو ابن عمي في النسب، وأخي في الحب، السيد محمد أبو الهدى، ابن الولي الصفي، الظاهر الخفي، وادِ المكارم السيد حسن أبي البركات، ابن السيد علي آل خزام، ابن السيد خزام، ابن الشيخ القطب الهمام، شيخ أهل الهيام، الشي علي آل خزام - دفين حيش - ابن شيخنا الإمام الهمام، تاج العلماء الأعلام، العارف المكين، نزيل القبيلة الخالدية ؛ بدیار حماة الشام، كوكب العارفين، السيد حسين برهان الدين الصيادي الرفاعي، الحسيني، الحسني، البصري، رضي الله عنه وعنهم أجمعين، وها هي تَمِيسُ في حُلَّةِ مجدها، وتزدهي بمضيء عِقدها، مُصدرة بأداة الخطاب، وإلى الله المرجع والمآب.
يا أيها الوارث الكريم، والولي الحميم - أيدك الله بما أيد بما أيد به عباده الصالحين، ووفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه، وكتبنا جميعا والمسلمين مع من ارتضاه. آمین - وحدِ الله ولا تشرك به شيئا، وقم بصون كلمة التوحيد، وتحقق بها، وحقق بها إخوانك؛ ومن أحبك وأطاعك، وانشر علمها في عالم الكيان، وإياك ومزلقة القول بالوحدة المطلقة؛ فذلك شرك لا محالة، وطهر سرك من الميل إلى أقوال أهل الحلول والإغلاق بالشطحات، والدعاوي العريضة، و "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
وكن مع الحق حيث كان، وعظم قدر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إعظام عارف يراه أعظم كل شيء بعد الله تعالى، واجعل القرآن إمامك وحجتك، ولا تبتغ الفتنة فيما تشابه منه، وخذ فيه تفسير المفسر الأعظم ، وإياك والرأي في الدين، قف مع الظاهر، وارع حق الإجماع، ووافق في أعمالك في الدين أحد الأئمة الأربعة؛ المجمع على قبول مذاهبهم، وقلد في موافقتك للإمام المعصوم الأعظم صلى الله عليه وسلم، ولا تحدث في الدين شيئاً، وأعلم أن ما تراه من الفروع في الأعمال؛ كله ينتهي إلى أصول صحيحة من أعمال الصحابة والآل، أخذوها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تفاضل بين الأنبياء مفاضلة تؤدي إلى إحقار أحد منهم عليهم جميعاً من الله الصلاة والسلام، وكذلك فلا تفاضل بين الأولياء رضي الله عنهم.
وأجزم بتفضيل نبيك الأعظم الأكرم سیدنا محمد صلى الله عليه وسلم على المخلوقين أجمعين؛ فإنه أرسل رحمة للعالمين، واعتقد علو قدم شیخ طريقتك بل وأستاذك على أول الأقدام الراسخة من أشياخ الطرق؛ وأساتذة العصر، ولكن كشأن أهل السنة - شرف الله مناهجهم - في تفضيل سيدنا الصديق على إخوانه الفاروق، وذي النوريين، والمرتضى، وهم على بعضهم رضي الله عنهم أجمعين، فالأفضلُ مُفَضَّلٌ، والمفضُولُ مبجل، لا يفرقون بين أحد منهم رضي الله تعالى عنهم.
واعرف للوجه العلوي في آل فاطمة - سلام الله علیها - حقه ومرتبة مجده ؛ وما له مع ربه، ولا تُكفر أحداً للذنب، ولا تقاطع للهفوة، ولا تدعي العصمة، ولا تطلبها من أحد؛ فإن الحق غیور، ولا ترتفع بدعوى؛ فوق ما وهبك ربك، وحدث بالنعمة، بيد أن لا تغلو ولا تعلو، ولا يكن حديثك متضمناَ إحقار أحد من خلق الله؛ كبر أو صغر، عَظُمَ أو حَقُرَ، ولا تشق العصا، ولا تؤاخذ مُحباً هفا، وإذا غلبتك البشرية فقابلت من عدا؛ فلا تتجاوز المثلية، وكن نظيف الباطن لكل مخلوق؛ لا تحمل لأحد من الناس ضغينة، ولا تحقد على أحد، ولا تكن حِلساً يُداس، ولا غداراً يدوس، ولا تعمل ما يُضجرك من عمل صالح، وكن وسطاً لا تُفْرِط ولا تُفَرِّط ، وخذ التقوى زادك ، والخوف من الله عمادك، وإذا ابتليت بالذنب فاستغفر؛ ولا تقنط، ولا تُمل نفسك للاستلذاذ بالمعصية ، وخذ الموت ببالك، وتفكر في أمر قدومك على ربك وسؤالك، وتدبر صَيُّورَ أمرك، وغاية حالك.
وعش عيشة وسطاً في ذاتك وأهلك وعيالك، ولا تبخل ولا تبذر، ولا تخف ولا تثقل ، وإياك والفظاظة والغلاظة، وتواضع ولا تَسقُط إلى الضَّعَةِ المُذلة، والمنزلة المخلة، واجمع محبيك وإخوانك على كلمة الحق في العقيدة ، وألصقهم ببعضهم، ولا تمل للمفرق منهم، ولا تُعر أُذُنَكَ لقول المفرق ولو صدق، ومن كان همه معك ومنك الدنيا لا غير؛ فيُكَلْ له مما أكتَالَ؛ فإن أكذب الأصدقاء عبد الغرض، وأذلهم عبد الدنيا؛ يقف مع وقتك لا مع ذاتك، همه غرضه لا ربه.
ولا تنسى الوفاء لمن وافاك، والموالاة لمن والاك، وصحح العزم فيما يؤول إلى الله ؛ ومن تراه يرى الخير والبر للإخوان، ويحب جمع الكلمة، ويكره التفرقة، فأجمعه عليك فإنه من أولياء الرحمن، وضده من أولياء الشيطان كيف كان، ولا تتكلم بغير الحكمة، ولا تجذب سالكاً لغير الحكمة، فقد قال ربك : ﴿ أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ﴾. وقف وقوراً لا متكبراً ولا خفيفاً، وزن الناس بميزان الكمال، وإذا عرفت رتبة الولدية لمن عددته في أولادك فأوقفه في منزلة الولدية، وأوقف نفسك معه في منزلة الوالدية، فإنك إن لم تفعل تخدعه وتضره، وإن لم يكن من أهل منزلة الولدية فاعمل له ما تراه من حاله وشأنه ومرتبته، كي لا تنفره، فقد أمر الحبيب صلى الله عليه وسلم القوم بالقيام لسعد، وقال: "قوموا إلى سيدكم".
وأوضح السبيل لأهل الحق على الحق من الشرع لا منك؛ ومن القلب لا من النفس، ومن الوارد لا من المخترع، ومن الهمة لا من الغرض، وباعد بطورك عن المغشوشين بآبائهم وأحسابهم وأنسابهم وهم على غير سننهم، وأحفظ لهم حقوقهم.
وأيد منهم الآل الكرام، ولا تنظر إلى هفواتهم، وعليك بالصالحين منهم، وكَرِّمِ العلماء والفقهاء والسالكين، وأهل العبادة؛ وأصحاب الذكر، وأهل التقوى والإخلاص، وأجعل إعراضك عن طلاب الدنيا ديدنك، وليكن إعراضك عنهم بابتعادك منهم، فإذا انحجبت فقد ابتعدت؛ ولم يشعر القوم، وتلك من حكم نبيك سلطان الحكماء صلى الله عليه وسلم، وإذا نصحت فلا تصرح، وإذا عرضت فلمح، وإذا أحببت أو أبغضت فليكن لله.
وإذا مالت بشريتك لحب أحد بلا سبب، أو لشأن غير ذي بال؛ فقف مع العقل، فإنه سلم الكمالات، ولا تطش؛ فإن الطيش ينكد العيش، وإذا زل بك دربك لوزر خف أو ثقل؛ فكفره بالتوبة والعمل الصالح الخالص ﴿إن الحسنات يذهبن السيئات﴾ وكن كثير الندم على فوات الأوقات الصالحات، وكثير الفرح بتجدد عهود الأوقات المرضيات.
ولتكن ممن تسيئهم سيئاتهم، وتفرحهم وتسرهم حسناتهم، والزم الأدب مع نبيك صلى الله عليه وسلم، وتحقق بمحبته ليحبك، فإذا أحبك فاعلم أن الله قد أحبك، والدليل على محبته لك صحيح محبتك له، فأكثر من الصلاة والسلام عليه، وأجهد بلفت القلوب إليه - أرواحنا لغبار قدميه الشريفين الفداء - وتحقق لأجله بمحبة آله الطاهرين، وعظم - حرمتاً له - أصحابه المرضيين، وتمسك بسنته، وغَرْ لشريعته، وأحبب العرب لأجله، وأحبب أمته محبة له.
واعلم أن المؤمنين كلهم في البدو والحضر، والشرق والغرب إخوة، فاحفظ لهم حقوق الإخوة، وراع الرحم الإنساني في الخلق أجمعين، ولا تكن جباراً عنيداً، ولا فظاً غليظاَ، ولا ظالماً ولا معيناً للظالمين، وأعز الحق وأهله، ودر معه حيث دار، واجعل الغريب والقريب في الحق سواء، وأنفق مما رزقك الله - عليك وعلى أهلك ومن تعول - حلالاً طيباً، وتصدق ما أمكنك، وأعن المحتاجين ما لم تحرج عليك، فإن الله تعالى قال: ﴿لا يكلف الله نفساً إلا وسعها﴾. وإياك وما يضجر؛ فإن الضجرة تقطع المثوبات، واعتبر في كل شيء؛ فإن الأشياء خلقت للعبرة، قال الجنيد رضي الله عنه: ما ضل معتبر، ولا تمر منكسر.
وكن صحيح العزيمة في الله وإياك والكسل، وانهض لإعلاء طريقة الله وطريقة رسوله، وطريقة وليه السيد أحمد الكبير الرفاعي الحسيني - رضي الله تعالى عنه وعنا به - وليكن ذلك لوجه الله تعالى؛ لا لعلو ولا لغلو ولا لشهرة، بل لإفراغ أخلاق الله ورسوله ووليه في الأمة، واجعل أذنك صماء عن القال والقيل، وأشغل مجلسك بسماع الكلام الحسن كالذكر والصلوات على سيد السادات، وككلام الأولياء والصالحين والمشايخ العارفين، وأئمة الهدى المتقين، والعاشقين الصادقين، وخذ ما صفا؛ ودع ما كدر.
ولا تقعد بعد الذكر مع القوم الظالمين، وعمر بيوت الله؛ جدرانها بالحجارة، وبواطنها بالعلم والأثارة، وكن حمولاً للأذى ما أمكنك إلا في أمر الدين.
ولا تعبأ بأولي الفرية من الكذابين والحاسدين، وكلما ازدادوا غيظاً ازْدًد في الله عزاً وعزيمة، وقُد إخوانك ومحبيك للتعارف والتآلف ليكونوا مظهراً لأسرار التعارف الأول، وليقم كل منهم بنصرة أخيه لوجه الله - ظالماً لنفسه كان أو مظلوماً - بالنصيحة والانتصار، وانظمهم بسلك شيخك في الحال، والمآل على نسق الصحابة والقرابة وارع حق أبيك فإنه من أوحد المحبوبين لجده الأمين صلى الله عليه وسلم، وصل الرحم، ولا تغفل عن الله؛ وأفن به وابق به، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بقلم الفقير إليه تعالى محمد مهدي الشهير بالرواس الصيادي الرفاعي الحسيني عفا الله عنه وغفر له ۱۲ ربيع الأول۱۲۸۳ هجري.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin