باب (في الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال الظاهرة والباطنة)
قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ([1]) وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾ [البيِّنة:5]. معناه الملة المستقيمة وقيل القائمة بالحق والله أعلم.
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ﴾ [النساء:100].
وقال تعالى: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ [الإسراء:25].
وقال تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: 37].
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما معناه: ولكن يناله النيات منكم، وقال إبراهيم: التقوى ما يراد به وجهه، وقال الإمام أبو الحسن الواحدي: قال الزجاج: المعنى لن يتقبل الله الدماء واللحوم وإذا كانت من غير تقوى الله تعالى وإنما يتقبل منكم ما ستتقونه به وهذا دليل على أن شيئًا من العبادات لا يصح إلا بالنية وهو أن ينوي به التقرب إلى الله تعالى وأداء ما أمر به.
أخبرنا شيخنا الإمام الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف بن سعيد بن الحسن بن المفرج بن بكار المقدسي النابلسي الشافعي رضى الله عنه قال أخبرنا أبو اليمن الكندي أخبرنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ أخبرنا أبو بكر محمد بن سليمان الواسطي حدثنا أبو نعيم عبد بن هشام الحلبي عن ابن المبارك عن يحيي بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». هذا حديث متفق على صحته مجمع على عظم موقعه وجلالته وهو أحد قواعد الإيمان وأول دعائمه وأشد الأركان وهو حديث فرد غريب باعتبار مشهور باعتبار آخر ومداره على يحيي بن سعيد الأنصاري: قال الحافظ: لا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من جهة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ولا عن عمر إلا من جهة علقمة ولا عن علقمة إلا من جهة إبراهيم بن محمد التيمي ولا عن محمد إلا من جهة يحيي بن سعيد وعن يحيي انتشرت روايته عن أكثر من مئتي إنسان أكثرهم أئمة ورواه الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في صحيحه في سبعة مواضع فرواه في أول كتابه ثم في «الإيمان» ثم في «النكاح» ثم في «العتق» ثم في «الهجرة» ثم في «ترك الحيل» ثم في «النذر»، ثم أن هذا الحديث روي في الصحيح بألفاظ: إنما الأعمال بالنيات، إنما الأعمال بالنية، وأما الذي وقع في أول كتاب «الشهاب»، الأعمال بالنيات وحذف إنما، فقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني: لا يصح إسناد هذا، وأما معنى النية فهو القصد وهو عزم([2]) القلب، وإنما: لفظة موضوعة للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه، فمعنى الحديث لا تصح الأعمال الشرعية إلا بالنية، ومن قصد بهجرته([3]) رضاء الله تعالى، ومن قصد بها الدنيا فهي حظه ليس له غيرها, وفي هذا الحديث اشتراط النية في الوضوء وغيره والغسل والتيمم والصلاة والزكاة والصوم والاعتكاف والحج وغيرها، قال إمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه: يدخل هذا الحديث في سبعين بابًا من الفقه. وقال أيضا: يدخل في هذا الحديث ثلثي العلم. وقال أبو عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه: يدخل فيه ثلث العلم. وكذا ذكره أيضًا غيرهما.
قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في أول كتابه «مختصر السنن»: معنى قول الشافعي رضي الله تعالى عنه: يدخل فيه ثلث العلم أن كسب العبد إنما يكون بقلبه ولسانه ونياته. والنية أحد أقسام كسبه وهي أرجحها لأنها تكون عبادة بانفرادها بخلاف القسمين الآخرين لأن القول والعمل يدخلهما الفساد بالرياء ولا يدخل النية، واستحب العلماء رضي الله تعالى عنهم أن تستفتح المصنفات بهذا الحديث وممن ابتدأ به في أول كتابه الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله في أول حديثه في صحيحه الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، وروينا عن الإمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله قال لو صنفت كتابا بدأت في أول كل باب منه بهذا الحديث، وروينا عنه أيضًا قال: من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ بهذا الحديث، وروينا عن الإمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي رحمه الله فيما قرأته في أول كتابه «الأعلام» في شرح صحيح البخاري قال: كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون تقديم حديث الأعمال بالنية أمام كل شيء ينشأ ويبتدئ من أمور الدين لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها، وبلغنا عن جماعات من السلف رضي الله تعالى عنهم أشياء كثيرة من نحو هذا من الاهتمام بهذا الحديث والله أعلم. وهي أن إسناده شيء يستحسن ويستغرب عند المحدثين وهي أن رواته اجتمع فيهم ثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهم يحيي بن سعيد الأنصاري ومحمد بن إبراهيم التيمي وعلقمة بن وقاص، وهذا وإن كان مستظرفًا فهو كثير في الأحاديث المستظرفة الصحيحة يجتمع ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض وأربعة تابعيون بعضهم عن بعض، وقد جمعها الحافظ عبد القادر الرهاوي رحمه الله في جزء صنفه فيها وأنا أرويها وقد اختصرتها في أول شرح «صحيح البخاري»([4]) رحمه الله. وضممت إليها ما وجدته مثلها فبلغ مجموعها زيادة على ثلاثين حديثًا والله أعلم. ومما ينبغي الاعتناء به بيان الأحاديث التي قيل إنها أصول الإسلام وأصول الدين أو عليها مدار الإسلام أو مدار الفقه والعلم فنذكرها في هذا الموضع لأن أحدها حديث الأعمال بالنية ولأنها مهمة فينبغي أن تقدم وقد اختلف العلماء في عددها اختلافًا كثيرًا وقد اجتهد في جمعها وتبيينها الشيخ الإمام الحافظ أبو عمر وعثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح رحمه الله تعالى ولا مزيد على تحقيقه وإتقانه فأنا أنقل ما ذكره رحمه الله مختصرًا. وأضم إليه ما تيسر مما لم يذكره فإن الدين النصيحة([5]): ومن النصيحة أن تضاف الفائدة التي تستغرب إلى قائلها فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله ومن أوهم ذلك وأوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له فهو جدير ألَّا ينتفع بعلمه([6]) ولا يبارك له في حال. ولم يزل أهل العلم والفضل على إضافة الفوائد إلى قائلها نسأل الله تعالى التوفيق لذلك دائمًا.
قال الشيخ أبو عمرو([7]) رحمه الله بعد أن حكم أقوال الأئمة في تعيين الأحاديث التي عليها مدار الإسلام واختلافهم في أعيانهم وعددها فبلغت ستة وعشرين حديثًا.
(أحدها) حديث، إنما الأعمال بالنيات.
(الثاني) عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا هذا ما لَيْسَ منهُ([8]) فَهُو ردٌّ». هذا حديث متفق على صحته، رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وفي رواية لمسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا». ومعنى رد مردود كالخلق بمعنى المخلوق.
(الثالث) عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ([9]) وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِى الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».
هذا حديث متفق على صحته، رويناه في صحيحيهما يوشك بضم الياء وكسر الشين المعجمة؛ أي يسرع.
(الرابع) عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق الصدوق: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطفةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ ذاكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِى لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ([10]) أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا». رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما قوله بكتب بالباء الموحدة الجارة.
(الخامس) عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»([11]). حديث صحيح رواه أبو عيسى الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي، قال أبو عيسى الترمذي: حديث صحيح. وقوله: «يريبك» بفتح أوله وضمه لغتان، الفتح أشهر.
(السادس) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: «ومنْ حسنِ إسلامِ المرءِ تركهُ ما لا يعنيهِ». حديث حسن رواه الترمذي وابن ماجه.
(السابع) عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ([12]) حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». متفق على صحته.
(الثامن) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّها النَّاسُ إنَّ اللّهَ طيِّبٌ لا يقبَلُ إلا طيِّبًا، وإنَّ اللّه تعالى أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ به المرْسلين». فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ [المؤمنون:51]. ثم ذَكرَ الرجلُ يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمُه حرام ومشرَبهُ حرام وملبسُه حرام وغُذِّيَ بالحرَام، فَأنَّى يُستجابُ لذلك([13]). رواه مسلم في صحيحه.
(التاسع) حديث «لا ضَرَرَ([14]) ولا ضِرَار» رواه مالك مرسلًا ورواه الدارقطني وجماعة من وجوه متصلًا وهو حديث حسن. (العاشر) عن تميم الدارمي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»([15]) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». رواه مسلم. (الحادي عشر) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِكَثْرَة([16]) مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ». متفق على صحته.
(الثاني عشر) عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِيَ الله وَأَحَبَّنِيَ النَّاسُ. فَقَالَ: «ازْهَدْ([17]) فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ الله وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبك النَّاس». حديث حسن رواه ابن ماجه.
(الثالث عشر) عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا الله، وَأَنِّي رَسُولُ الله إِلَا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ». متفق على صحته.
(الرابع عشر) عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَا بِحَقِّ الإِسْلَامِ([18])، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله تعالى». متفق على صحته. (الخامس عشر) عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلَامُ([19]) عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق على صحته. (السادس عشر) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ». حديث بهذا اللفظ وبعضه في الصحيحين.
(السابع عشر) عن وَابِصَة بن مَعْبَد رضي الله تعالى عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ؟». قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ([20]) فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِى الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ». وفي رواية: «وإن أفتاك المفتون». حديث حسن رواه أحمد بن حنبل والدارمي وغيرهما.
وفي صحيح مسلم من رواية النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ».
(الثامن عشر) عن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الله كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىيءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ». رواه مسلم. والقتلة والذبحة بكسر أولهما.
(التاسع عشر) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ([21]) خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». متفق على صحته. (العشرون) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني. قال: «لَا تَغْضَب([22])». فردد مرارًا قال: «لَا تَغْضَب». رواه البخاري في صحيحه. (الحادي والعشرون) عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الله تَعَالى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا». رواه الدارقطني بإسناد حسن.
(الثاني والعشرون) عن أبي ذر ومعاذ رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتَّقِ الله([23]) حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». رواه الترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وفي بعض نسخه المعتمدة حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(الثالث والعشرون) عن معاذ رضي الله تعالى عنه قال: قلت: يَا رَسُولَ الله أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عَلَيْهِ، تَعْبُدُ الله وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ -ثُمَّ قَالَ- أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ. الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ». ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿يَعْمَلُونَ﴾ ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ([24]) الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ الْجِهَاد». ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ». قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. ذروة السنام: أعلاه وهي بضم الذال وكسرها.
(الرابع والعشرون) عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. (الخامس والعشرون) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ. احْفَظِ الله يَحْفَظْكَ، احْفَظِ الله تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ([25]) الله وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ([26]) بِالله وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ». رواه الترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي رواية غير الترمذي: «احْفَظِ الله تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ rيَكْن لِيُخْطِئَكَ». وفي آخره: «وَاعْلَم أَنَّ النَّصْرَ مَعَ([27]) الصَّبْر، وَالْفَرَج مَعَ الْكَرْب وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا».
(السادس والعشرون) حديث ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما في الإيمان بالقدر وبيان الإيمان والإسلام والإحسان وبيان علامات القيامة فهذه الأحاديث التي ذكرها الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى ومما في معناها أحدها وهو (السابع والعشرون) عن سفيان بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله قُلْ لِي فِي الإِسْلَامِ قَوْلًا لًا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ. قَالَ: «قُلْ آمَنْتُ بِالله ثُمَّ اسْتَقِمْ». رواه مسلم. (الثامن والعشرون) عن أبي مسعود البدري عقبة بن عمر رضى الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا لم([28]) تستح فاصنع ما شئت». رواه البخاري في صحيحه. (التاسع والعشرون) عن جابر رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْس الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَحَلَّلْتُ الْحَلَالَ وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». رواه مسلم.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ([1]) وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾ [البيِّنة:5]. معناه الملة المستقيمة وقيل القائمة بالحق والله أعلم.
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ﴾ [النساء:100].
وقال تعالى: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ [الإسراء:25].
وقال تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: 37].
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما معناه: ولكن يناله النيات منكم، وقال إبراهيم: التقوى ما يراد به وجهه، وقال الإمام أبو الحسن الواحدي: قال الزجاج: المعنى لن يتقبل الله الدماء واللحوم وإذا كانت من غير تقوى الله تعالى وإنما يتقبل منكم ما ستتقونه به وهذا دليل على أن شيئًا من العبادات لا يصح إلا بالنية وهو أن ينوي به التقرب إلى الله تعالى وأداء ما أمر به.
أخبرنا شيخنا الإمام الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف بن سعيد بن الحسن بن المفرج بن بكار المقدسي النابلسي الشافعي رضى الله عنه قال أخبرنا أبو اليمن الكندي أخبرنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ أخبرنا أبو بكر محمد بن سليمان الواسطي حدثنا أبو نعيم عبد بن هشام الحلبي عن ابن المبارك عن يحيي بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». هذا حديث متفق على صحته مجمع على عظم موقعه وجلالته وهو أحد قواعد الإيمان وأول دعائمه وأشد الأركان وهو حديث فرد غريب باعتبار مشهور باعتبار آخر ومداره على يحيي بن سعيد الأنصاري: قال الحافظ: لا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من جهة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ولا عن عمر إلا من جهة علقمة ولا عن علقمة إلا من جهة إبراهيم بن محمد التيمي ولا عن محمد إلا من جهة يحيي بن سعيد وعن يحيي انتشرت روايته عن أكثر من مئتي إنسان أكثرهم أئمة ورواه الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في صحيحه في سبعة مواضع فرواه في أول كتابه ثم في «الإيمان» ثم في «النكاح» ثم في «العتق» ثم في «الهجرة» ثم في «ترك الحيل» ثم في «النذر»، ثم أن هذا الحديث روي في الصحيح بألفاظ: إنما الأعمال بالنيات، إنما الأعمال بالنية، وأما الذي وقع في أول كتاب «الشهاب»، الأعمال بالنيات وحذف إنما، فقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني: لا يصح إسناد هذا، وأما معنى النية فهو القصد وهو عزم([2]) القلب، وإنما: لفظة موضوعة للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه، فمعنى الحديث لا تصح الأعمال الشرعية إلا بالنية، ومن قصد بهجرته([3]) رضاء الله تعالى، ومن قصد بها الدنيا فهي حظه ليس له غيرها, وفي هذا الحديث اشتراط النية في الوضوء وغيره والغسل والتيمم والصلاة والزكاة والصوم والاعتكاف والحج وغيرها، قال إمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه: يدخل هذا الحديث في سبعين بابًا من الفقه. وقال أيضا: يدخل في هذا الحديث ثلثي العلم. وقال أبو عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه: يدخل فيه ثلث العلم. وكذا ذكره أيضًا غيرهما.
قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في أول كتابه «مختصر السنن»: معنى قول الشافعي رضي الله تعالى عنه: يدخل فيه ثلث العلم أن كسب العبد إنما يكون بقلبه ولسانه ونياته. والنية أحد أقسام كسبه وهي أرجحها لأنها تكون عبادة بانفرادها بخلاف القسمين الآخرين لأن القول والعمل يدخلهما الفساد بالرياء ولا يدخل النية، واستحب العلماء رضي الله تعالى عنهم أن تستفتح المصنفات بهذا الحديث وممن ابتدأ به في أول كتابه الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله في أول حديثه في صحيحه الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، وروينا عن الإمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله قال لو صنفت كتابا بدأت في أول كل باب منه بهذا الحديث، وروينا عنه أيضًا قال: من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ بهذا الحديث، وروينا عن الإمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي رحمه الله فيما قرأته في أول كتابه «الأعلام» في شرح صحيح البخاري قال: كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون تقديم حديث الأعمال بالنية أمام كل شيء ينشأ ويبتدئ من أمور الدين لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها، وبلغنا عن جماعات من السلف رضي الله تعالى عنهم أشياء كثيرة من نحو هذا من الاهتمام بهذا الحديث والله أعلم. وهي أن إسناده شيء يستحسن ويستغرب عند المحدثين وهي أن رواته اجتمع فيهم ثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهم يحيي بن سعيد الأنصاري ومحمد بن إبراهيم التيمي وعلقمة بن وقاص، وهذا وإن كان مستظرفًا فهو كثير في الأحاديث المستظرفة الصحيحة يجتمع ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض وأربعة تابعيون بعضهم عن بعض، وقد جمعها الحافظ عبد القادر الرهاوي رحمه الله في جزء صنفه فيها وأنا أرويها وقد اختصرتها في أول شرح «صحيح البخاري»([4]) رحمه الله. وضممت إليها ما وجدته مثلها فبلغ مجموعها زيادة على ثلاثين حديثًا والله أعلم. ومما ينبغي الاعتناء به بيان الأحاديث التي قيل إنها أصول الإسلام وأصول الدين أو عليها مدار الإسلام أو مدار الفقه والعلم فنذكرها في هذا الموضع لأن أحدها حديث الأعمال بالنية ولأنها مهمة فينبغي أن تقدم وقد اختلف العلماء في عددها اختلافًا كثيرًا وقد اجتهد في جمعها وتبيينها الشيخ الإمام الحافظ أبو عمر وعثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح رحمه الله تعالى ولا مزيد على تحقيقه وإتقانه فأنا أنقل ما ذكره رحمه الله مختصرًا. وأضم إليه ما تيسر مما لم يذكره فإن الدين النصيحة([5]): ومن النصيحة أن تضاف الفائدة التي تستغرب إلى قائلها فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله ومن أوهم ذلك وأوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له فهو جدير ألَّا ينتفع بعلمه([6]) ولا يبارك له في حال. ولم يزل أهل العلم والفضل على إضافة الفوائد إلى قائلها نسأل الله تعالى التوفيق لذلك دائمًا.
قال الشيخ أبو عمرو([7]) رحمه الله بعد أن حكم أقوال الأئمة في تعيين الأحاديث التي عليها مدار الإسلام واختلافهم في أعيانهم وعددها فبلغت ستة وعشرين حديثًا.
(أحدها) حديث، إنما الأعمال بالنيات.
(الثاني) عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا هذا ما لَيْسَ منهُ([8]) فَهُو ردٌّ». هذا حديث متفق على صحته، رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وفي رواية لمسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا». ومعنى رد مردود كالخلق بمعنى المخلوق.
(الثالث) عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ([9]) وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِى الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».
هذا حديث متفق على صحته، رويناه في صحيحيهما يوشك بضم الياء وكسر الشين المعجمة؛ أي يسرع.
(الرابع) عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق الصدوق: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطفةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ ذاكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِى لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ([10]) أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا». رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما قوله بكتب بالباء الموحدة الجارة.
(الخامس) عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»([11]). حديث صحيح رواه أبو عيسى الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي، قال أبو عيسى الترمذي: حديث صحيح. وقوله: «يريبك» بفتح أوله وضمه لغتان، الفتح أشهر.
(السادس) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: «ومنْ حسنِ إسلامِ المرءِ تركهُ ما لا يعنيهِ». حديث حسن رواه الترمذي وابن ماجه.
(السابع) عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ([12]) حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». متفق على صحته.
(الثامن) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّها النَّاسُ إنَّ اللّهَ طيِّبٌ لا يقبَلُ إلا طيِّبًا، وإنَّ اللّه تعالى أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ به المرْسلين». فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ [المؤمنون:51]. ثم ذَكرَ الرجلُ يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمُه حرام ومشرَبهُ حرام وملبسُه حرام وغُذِّيَ بالحرَام، فَأنَّى يُستجابُ لذلك([13]). رواه مسلم في صحيحه.
(التاسع) حديث «لا ضَرَرَ([14]) ولا ضِرَار» رواه مالك مرسلًا ورواه الدارقطني وجماعة من وجوه متصلًا وهو حديث حسن. (العاشر) عن تميم الدارمي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»([15]) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». رواه مسلم. (الحادي عشر) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِكَثْرَة([16]) مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ». متفق على صحته.
(الثاني عشر) عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِيَ الله وَأَحَبَّنِيَ النَّاسُ. فَقَالَ: «ازْهَدْ([17]) فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ الله وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبك النَّاس». حديث حسن رواه ابن ماجه.
(الثالث عشر) عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا الله، وَأَنِّي رَسُولُ الله إِلَا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ». متفق على صحته.
(الرابع عشر) عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَا بِحَقِّ الإِسْلَامِ([18])، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله تعالى». متفق على صحته. (الخامس عشر) عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلَامُ([19]) عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق على صحته. (السادس عشر) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ». حديث بهذا اللفظ وبعضه في الصحيحين.
(السابع عشر) عن وَابِصَة بن مَعْبَد رضي الله تعالى عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ؟». قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ([20]) فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِى الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ». وفي رواية: «وإن أفتاك المفتون». حديث حسن رواه أحمد بن حنبل والدارمي وغيرهما.
وفي صحيح مسلم من رواية النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ».
(الثامن عشر) عن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الله كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىيءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ». رواه مسلم. والقتلة والذبحة بكسر أولهما.
(التاسع عشر) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ([21]) خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». متفق على صحته. (العشرون) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني. قال: «لَا تَغْضَب([22])». فردد مرارًا قال: «لَا تَغْضَب». رواه البخاري في صحيحه. (الحادي والعشرون) عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الله تَعَالى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا». رواه الدارقطني بإسناد حسن.
(الثاني والعشرون) عن أبي ذر ومعاذ رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتَّقِ الله([23]) حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». رواه الترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وفي بعض نسخه المعتمدة حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(الثالث والعشرون) عن معاذ رضي الله تعالى عنه قال: قلت: يَا رَسُولَ الله أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عَلَيْهِ، تَعْبُدُ الله وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ -ثُمَّ قَالَ- أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ. الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ». ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿يَعْمَلُونَ﴾ ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ([24]) الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ الْجِهَاد». ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ». قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. ذروة السنام: أعلاه وهي بضم الذال وكسرها.
(الرابع والعشرون) عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. (الخامس والعشرون) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ. احْفَظِ الله يَحْفَظْكَ، احْفَظِ الله تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ([25]) الله وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ([26]) بِالله وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ». رواه الترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي رواية غير الترمذي: «احْفَظِ الله تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ rيَكْن لِيُخْطِئَكَ». وفي آخره: «وَاعْلَم أَنَّ النَّصْرَ مَعَ([27]) الصَّبْر، وَالْفَرَج مَعَ الْكَرْب وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا».
(السادس والعشرون) حديث ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما في الإيمان بالقدر وبيان الإيمان والإسلام والإحسان وبيان علامات القيامة فهذه الأحاديث التي ذكرها الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى ومما في معناها أحدها وهو (السابع والعشرون) عن سفيان بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله قُلْ لِي فِي الإِسْلَامِ قَوْلًا لًا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ. قَالَ: «قُلْ آمَنْتُ بِالله ثُمَّ اسْتَقِمْ». رواه مسلم. (الثامن والعشرون) عن أبي مسعود البدري عقبة بن عمر رضى الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا لم([28]) تستح فاصنع ما شئت». رواه البخاري في صحيحه. (التاسع والعشرون) عن جابر رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْس الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَحَلَّلْتُ الْحَلَالَ وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». رواه مسلم.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin