الحمد لله، حمداً نكرم به بكمال التوفيق لحسن الدخول إلى حضرته إذا صلينا، وصلى الله وسلم على إمام أهل الحضور مع الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن سلك نهجه إلى يوم الدين وبعد..
هل استشعرت أيها المريد معنى الدخول إلى حضرة الله في تكبيرة الإحرام، ومن استمع إلى هذا الكلام ثم عاد بعدها بليلة ممن شاهد وسمع، هل استحضر هذا المعنى فدخل إلى الصلاة دخول أصحاب القلوب.. الله أكبر، عندها انتهى الحديث وبها يُبتدَأ..
في المجلس الماضي توصلنا بعد ذكر الاستعداد للدخول إلى الصلاة إلى لحظة الدخول إلى الصلاة، وذكرنا استشعار قلوبنا لمعنى الدخول إلى حضرة الله، فإذا رفعت يديك فألقيت ما سواه وراء ظهرك وقلت الله أكبر جامعاً لهمك وقلبك عليه وانتقلت من جميع ما يحيط بك من الأكوان، ومن جميع ما يختلجك أنت في كونك فأنت كون في داخلك، وألقيت جميع ذلك وراء ظهرك ودخلت إلى حضرته (الله أكبر)، شرعت في الاستفتاح طالباً الفتح منه سبحانه وتعالى، بأي صيغة من الصيغ التي وردت عنه صلى الله عليه وسلم “وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض….” قال الإمام الحسن ابن صالح البحرالجفري رحمه الله تعالى في كتابه (صفة صلاة المقربين): (واحذر أن يكذب حالك مقالك) أنت تقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض.. فهل أنت متوجه إليه في تلك اللحظة؟ أم أن قلبك مخالف للمعنى الذي تقول؟ أو إذا أخذت بالرواية الأخرى (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين….) هل استشعرت معنى أن كلياتك لله رب العالمين الآن؟ صلاتك، نسكك، محياك، مماتك، هل كلها أصبحت لله رب العالمين؟ هذا معنىً من معاني حقائق التوحيد ودقائق التوحيد ألا تشركه في الحضور معه في حضرته مع سواه جل جلاله..
فاتحة الكتاب
إذا شرعت في فاتحة الكتاب ابتدأت الحوار ابتدأت المناجاة ابتدأت المكالمة.. سيدنا موسى عليه السلام تميز بأنه كليم الله، وسيدنا موسى رفع عنه الحجاب فصار يسمع مكالمة الله له، أنت بمعنى آخر كليم لله، لكن لم يأذن لك برفع الحجاب في هذه الدنيا فأنت تعتقد وتتيقن بأن الله يكلمك في هذه الساعة، فأنت كليم الله بمعنى دون تلك الرتبة لكنه معنى من معاني المكالمة..
أما ورد أن العبد إذا قال: (بسم الله الرَّحمَن الرّحيم * الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ) قال الله تعالى: (حمدني عبدي) يجيبك يكالمك الحق عز وجل، فإذا قلت (الرَّحمَنِ الرَّحيم) قال الله عز وجل (أثنى علي عبدي)، فإذا قلت: (مَالكِ يومِ الدّينِ) قال الله عزوجل: (مجدني عبدي)، سبحان الله!! من أنا وما ذكري وما لساني ومن أكون عندما يتلفظ لساني الذي هفا وقصر مع الله بحمد لله يكون لهذا الحمد قيمة عند ملك الملوك جل جلاله في تلاوة كلامه فيخاطبني يقول حمدني عبدي، وما يكون حمدي لكنه حمدي له بما أنزله هو من حمدٍ حمدَ به نفسه (الرحمن الرحيم)، يقول (أثنى علي عبدي) من أنت حتى يكون لي ولك هذا القدر لكن من فضل الله عليك أن أكرمك وعلمك كيف تثني به كيف تثني عليه كما أثنى هو على نفسه به، عندما تقول: (مالك يوم الدين) يقول مجدني عبدي، وهو المجيد سبحانه وتعالى قبل أن يوجد موجود في الوجود..
فإذا قلت: (إياك نعبد) استشعرت بقولة (إيّاك) خلوص توحيده في قلبك، لامعبود سواك، (إيّاكَ نعبدُ وإيّاكَ نستعينُ) ارتقيت في لحظة إياك نعبد وإياك نستعين مرتقىً عالياً، وهو أنك تستشعر معنى الأدب الكامل مع الله فأنت تعلن توحيده بعبادته وتستعينه سبحانه وتعالى على تصحيح هذه العبادة، لا يفهم قط من قولنا إياك نعبد وإياك نستعين أن إياك نعبد تنفصل عن إياك نستعين، إياك نعبد وإياك نستعين حتى في عبادتنا إياك، وإياك نعبد في استعانتا بك على ما أقمتنا فيه في شؤون حياتنا وفي شؤون معاشنا ومعادنا إياك نعبد وإياك نستعين، وقد ألف الإمام الهروي رحمه الله كتابا كاملا أسماه (منازل السائرين بين إيّاك نعبد وإيّاك نستعين) شرحه الإمام الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه أسماه (مدارج السالكين) في مجلدات أربعة هذا الكتاب في الترقيات التي تكون في إياك نعبد وإياك نستعين، إذا قال العبد (إياك نعبد وإياك نستعين)، قال الله عزوجل (هذه بيني وبين عبدي)، إيه من أنت ومن أنا، ما أكرمك؟، أهذه مقابلتك لمن تحب؟، أهذا إسعادك لمن تحب؟ الله، أهكذا تقابل من يقبل عليك ولو لحظة؟ ترفعني وأنا العبد المذنب الصغير العاصي الغافل المقصر، أقول لك (إياك نعبد وإياك نستعين) بما أنزلته فتقول: (هذه ببني وبين عبدي).. الله الله، يرفعك إلى درجة بينك وبينه صلة (بيني وبين عبدي يقول الله ولعبدي ما سأل)، يفتح لك الباب، يليق وأنت في هذا الحال العظيم من الخطاب مع الله ومخاطبة الله لك ويجعل بينك وبينه صلة وتكون غافلا القلب عنه؟!! إياك نعبد وإياك نستعين، العقل في الدكان، إياك نعبد وإياك نستعين، الاختبارات الامتحان، إياك نعبد وإياك نستعين، بعد الصلاة نخرج للمشوار الفلاني نشتري كذا، (إياك نعبد وإياك نستعين) معه سبحانه عزوجل، و إذا قال (ولعبدي ما سأل) مباشرة علمك ما تسأل فيما انزل في كتابه حتى لا تفوتك هذه اللحظة فتطلب ما لا يليق في هذه الحضرة..
(اهدِنا الصِّراطَ المُستقيمَ صراطَ الّذينَ أنعَمتَ علَيهم)، قال أحد أشياخنا: انظروا في الصلاة وهي أقدس الحضرات حضرة الصلاة، في مناجاته وبكتابه علمنا أن نعلق قلوبنا بالصالحين علمنا أن نرتبط بالصالحين حتى ونحن في حضرته، هذا من عين التوحيد له سبحانه وتعالى، لماذا نقول (إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم)، هو يعلم الصراط المستقيم سبحانه وتعالى هو غير محتاج لأن ندله ما هو الصراط المستقيم؟ صراط أولئك الذين أنعمت عليهم لكنه أنزله على هذا النحو في كتابه لكي يعلمنا نحن أن الصراط المستقيم لا يتأتى السير عليه إلا بصلة بالمنعم عليهم، إلا بأن ترتبط قلوبنا بمعنى الحب في الله والبغض في الله، بمعنى الولاء لله ولمن أحب الله سبحانه وتعالى، (صراط الذين أنعمت عليهم) علمنا أن حصولنا على الاستقامة والسير على الصراط المستقيم أحد خطوات الوصول إليه يكون بصلتنا بالمستقيمين، من هم الذين أنعم الله عليهم، في آية أخرى يقول الله عزوجل (ومن يطعِ اللهَ والرَّسُولَ فأولئكَ مَعَ الّذينَ أنعَمَ اللهُ عَليهم منَ النّبيّينَ والصّدّيقينَ والشهدَاء والصَّالحينَ وحَسُنَ أولئكَ رفيقاً) حسّن رفقتهم الحق سبحانه وتعالى (ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما) لو علم الله فضلاً يفوق هذا الفضل لذكره في هذا الموقف (وكفى بالله عليما)، (اهدنا الصِّراطَ المُستقيمَ صراطَ الّذينَ أنعَمت عليهم غير المغضُوبِ عَلَيهم) من الذين خالفوا وبدلوا وهم يعلمون، (وَلا الضّالينَ) الذين ضللوا فانحرفوا وساروا خلف أئمة الضلال ممن ساقوهم إلى الانحراف عن الصراط المستقيم، (آمين)،..
هذه الفاتحة، لا!! هذا مفتاح من مفاتيح الدخول إلى معنى الفاتحة، وإلا فقد قال الإمام علي بن أبي طالب لو أردت أن أملي معاني سورة الفاتحة لأوقرت سبعين بعيراً؛ أي سأملي كلام يكتب في كتب عددها تكون حمل سبعين بعيراً من الكتب التي سأمليها في معاني سورة الفاتحة، ثم قال رضي الله عنه وهو باب مدينة العلم: (لو أردت أن أملي معاني بسم الله الرحمن الرحيم _ البسملة التي في الفاتحة_ لأوقرت سبعين بعيراً) ثم قال: (لو أردت أن أملي معنى الباء في بسم الله الرحمن الرحيم لأوقرت سبعين بعيراً)، سبحان المعطي، البعض قد يستكثر أو يستغرب ماذا سيقال في الباء أوفي البسملة أوحتى في الفاتحة! نعم من لم يعلم له أن يقول ذلك، لكن..(وإذا لم ترَ الهلالَ فسلّم لأناسٍ رأوهُ بالأبصارِ)، إذا لم ترتق فاعرف قدر من ارتقى، وإذا كنت تستكثر أن يكون في الفاتحة هذه المعاني، فاستغفر الله!! لأن الفاتحة كلام الله، بل هي عِدل البقية من كلام الله في كتاب الله، جعل الله عز وجل السبع المثاني عدلاً للقرآن الكريم، هل تستغرب؟ (قل لو كانَ البَحرُ مدَاداً لكلمَاتِ ربّي لنفِدَ البحرُ قبلَ أن تنفدَ كلمَاتُ ربّي ولَو جئنا بمثلهِ مدداً).
ثم تقرأ ما تيسر أو يقرأ الإمام وتنصت بحضور القلب، فإذا استحضر قلبك شيئاً من تذوق عظمة خطاب الله؛ ما معنى أن تقرأ شيئاً من القرآن الكريم أوتستمع إلى الإمام وهو يقرأ؟ معناه أن الله يخاطبك الآن، الذي يدعوا يخاطب الله لكن الذي يقرأ القرآن يخاطبه الله لأنك تقرأ كلام الله الموجه إليك فالله يخاطبك سبحانه وتعالى، فكيف ستنصت إلى الله إذا خاطبك؟ إن كنت محباً مشتاقاً إنصات المحب كيف يكون؟ إن كنت مستشعراً هيبة المتكلم المتهيب كيف يكون؟ إن كنت خجلا من تقصيرك معه الخجل كيف يكون؟ إن كنت طامعاً في فضله الطامع في فضل المتكلم كيف ينصت إلى كلامه؟ إن كنت مشفقاً على نفسك من غضبه المشفق كيف ينصت؟ هذه معاني تدور على قلوب الصادقين إذا استمعوا إلى القرآن الكريم، هذا قبل الركوع.
الركوع والسجود.. وسر الخضوع لله
فإذا قلت (الله أكبر) وركعت استشعرت أنك تقترب بالانحناء إلى الله عزوجل، الحق عزوجل لا تحويه سماء ولا أرض فهو منزه عن الزمان والمكان فهو سبحانه وتعالى حيث كان قبل أن يخلق الزمان والمكان، لكن ما معنى أن نقترب بالركوع نقترب بالسجود (كَلاّ لا تطِعهُ واسجُد واقترِب) معنى هذا أن الاقتراب إليه يكون بالخضوع، جعل الاقتراب أكثر كلما انحنيت أكثر، ما معنى هذا؟ معناه أنك تقترب أكثر كلما خضعت أكثر، لماذا؟ هو غني عن خضوعي وخضوع العالمين الكون كله خاضع له جل جلاله..
“أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي” تعرف لماذا؟ والله أعلم لأنك تقترب من الحقيقة أكثر، والله عزوجل اسمه الحق وكلما اقتربت من الحق-الله- اقتربت من الحق- الحقيقة-، الخضوع اقتراب من حقيقتك أنت التي خلقك الله عليها، في الحقيقة أنت ضعيف أنت عاجز أنت فقير ذليل لولا فضل الله عليك بفضل الله عليك، فكلما خضعت أكثر كلما لامست حقيقتك أكثر، كلما اقتربت من حقيقتك أكثر اقتربت من الحق أكثر سبحانه وتعالى، ولهذا “سبحان ربي العظيم” استشعار عظمته له صلة باستشعار ضآلتك وأنت تركع له.
ثم إذا قلت أنت أو قال الإمام (سمع الله لمن حمد) هو سبحانه وتعالى يسمع من حمد ومن لم يحمد، لكن سماعه لمن يحمده عزوجل على وصف خاص… سماع قبول وتقريب وعطاء وإكرام، تقول (ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملئ السماوات وملئ الأرض وملئ ما شئت من شيء بعد)، هذه من علمنا إياها؟ الصحابة كانوا يقولون (ربنا لك الحمد) هكذا تعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يصلون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أعرابي أي بدوي، جاء وصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، سبحان الله الأعراب بصفاء الفطرة ونقائها كانوا يستشعرون ويتذوقون الكلمة يعرفون قيمة الكلمة، فهو عندما سمع النبي يقول (سمع الله لمن حمد) عندما سمع هذه الكلمة أن الله يسمع من يحمده عاش لذة الحمد، الله الآن يسمعني! فقال: (ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملئ السماوات وملئ الأرض وملئ ما شئت من شيء بعد)، أخذ يتبحبح بالثناء على الله لما نازل قلبه من نشوة استشعار أن الله عزوجل يسمعه لما سمع النبي يقول (سمع الله لمن حمده)..
هل تسمعها كما سمعها البدوي هذا الذي ما كان يقرأ ولا يكتب؟؟ يا متعلم!! يادارس!! يا متعلمة!! يا دارسة!!، هذا البدوي ما كان يقرأ ولا يكتب جاء من البادية لكنه كان صاحب قلب حاضر، حتى السماوات والأرض ما عادت تكفيتي بأن تمتلأ حمداً أريد أكثر من ذلك أن أحمدك، فلما انتهى المصطفى من الصلاة أقبل عليهم بوجه، الله.. كيف كانوا ينظرون إلى إقبالته إذا التفت إليهم بعد الصلاة بوجه من قابل ربه أعلى مراتب المقابلة، أعظم من قابل العظيم من الخلق أقبل بوجهه المنير عليهم، فقال: “من الذي قد كان قالها آنفا” في رواية أن الأعرابي قال: أنا يا رسول الله، وفي رواية أن الأعرابي أحجم خشي أن يكون قد أساء أو أن النبي تأذى من صوته ومن كلامه، فكررها صلى الله عليه وسلم “من الذي قد قالها آنفاً فلقد رأيت بضع وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يثبتها في صحيفته“، قال أنا يا رسول الله تأكد أن المسألة فيها رضى..
وهذا درس كيف رسول الله شرع لنا أصبحت سنة تقريرية – السنة قولية قالها رسول الله وفعلية فعلها رسول الله وتقريرية أقرها رسول الله؛ النبي رأى أحد الصحابة يعمل عملاً فيقره عليه فتكون سنة – فكان إقرار النبي للصحابي الأعرابي علمنا كيف نتعلم ممن معنا، رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح بعد ذلك يقولها عندما سمعها من أحد أتباعه.
فإذا قال الإمام (الله أكبر) وسجد، تهيأت لحضرة السجود..
التشهد، ومقام الشهود
فإذا جلست بين السجدتين استشعر معنى الأدب، جلسة الافتراش التي تكون بين السجدتين فيها نوع تهيب أو شعور بالهيبة، فتذكر الله وتستغفر، ثم تعود إلى السجدة ترتقي معنى آخر من معاني القرب، ثم تقوم إلى الصلاة من السجود فترفع رأسك وتنتهض قائماً بين يديه بعظمة الوقوف، تدوم على هذا الحال حتى تصل إلى التشهد.
تستشعر بالتشهد أنك دخلت إلى حضرة خاصة، جاء في بعض الروايات – البعض ضعف سندها لكنهم ممن يصح روايتهم في مثل هذا الموضع، أن أصل التحيات موقف حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج، لما جاوز السبع الطباق في السماوات وإذ جاوز سدرة المنتهى تأخر جبريل وتقدم سيدنا محمد، يا محمد أنت إذا تقدمت اخترقت أي اخترقت هذه الأنوار وأنا إن تقدمت احترقت، كل واحد له مقام، نعم كل له مقامه وهذا سيدنا محمد، فلما وصل إلى حضرة خاطبه فيها الحق عزوجل بغير واسطة ونازله من حضرة الحق ما نازله في تلكم الحضرة، حيا ربه “التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله” فجاءه الخطاب من الله “السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته” فذكر صلى الله عليه وسلم من صلح من أتباعه فقال “السلام علينا“ تلقى السلام من الله ثم أفاضه صلى الله عليه وسلم على الصالحين “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين“..
هذا المعنى تعيشه في معراجك أنت في كل صلاة؛ في حضرة خاصة في كل صلاة، فإذا قلت التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله استشعرت أنك في حضرة خاصة أنك تخاطب الله، ثم تسلم على سيدنا محمد – بأي قول بأي رواية أخذت بقصة المعراج هذه أو لم تأخذ لا إشكال- في النهاية هل ثبت أنك تسلم على رسول الله في التحيات، أنت تسلم على رسول الله في التحيات؛ فأنت في حضرة الله في الصلاة التي تدخل فيها تخاطب الله الذي توحده سبحانه علمك رسول الله بما أمره الله به أن تسلم على سيدنا محمد وأنت في الصلاة؛ فسيدنا محمد معك وأنت في صلاتك تسلم عليه، ما معنى معك؟ أي تستحضر أنك تسلم عليه، هذا من عظمته من رفعة قدره عند الله جعلنا الله عزوجل نعبده سبحانه وتعالى وفي عبادتنا له سبحانه وتعالى نسلم على سيدنا محمد؛ هل تصح صلاتك من غير أن تسلم على سيدنا محمد؟ الفقهاء قالوا لا تصح الصلاة بدون أن تسلم على سيدنا محمد، في الصلاة؟ في الصلاة تسلم على سيدنا محمد وأنت تصلي..
وهذا متصل بالتوحيد مرتبط بعمق التوحيد، لهذا جعلت شهادة التوحيد مرتبطة بعدها مباشرة، تقول “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين” لا يوسوس لك الشيطان أن ذكر الصالحين وأنت في الصلاة ربما يوصلك إلى الإخلال بالتوحيد، “أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله” ففي صلاتك توحيدك جاء بعد ذكرك للصالحين وسلامك على الصالحين، كيف لا نحب الصالحين!! كيف لا نتعلق بهم!! المرء مع من أحب ثم بعد ذلك تصلي على أصلح الصالحين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هذه صلاتنا هكذا علمنا رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى (ومَا ينطقُ عنِ الهَوى إن هُو إلاّ وَحيٌ يُوحَى) أين نذهب بهذا البرهان، الصلاة هكذا في صلاتك في حضرتك مع الله آخر ما تقوله تصلي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، منتهى معراج الصلاة منتهى ما تصل إليه في صلاتك في قربك من الله أن تصلي على سيدنا محمد، (اللهم صلِّ على سيدنا محمد) أو قلت (اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم..) أو قلت (اللهم صلِّ على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل سيدنا محمد وأزواجه وذريته كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم…) على أي نحو هذه كلها وردت، إن أدخلت لفظ السيادة فهو اختيار كبار الأئمة من علماء المسلمين، وإن اختصرت على الموصوف عليه اللهم صلي على سيدنا محمد فهو اختيار لكبار أئمة المسلمين، كلاهما قائم، ثم بعد ذلك تأتي بالدعاء الوارد قبيل التسليم وتسلم،..
نحن نعبد السلام !!
تختم صلاتك بالسلام لتستشعر أنك جئت من حضرة السلام سبحانه وتعالى، ويتعلم العالم أجمع أن السلام ليس مجرد ألفاظ تذكر في المؤتمرات أو وسائل الإعلام، مهما تكلم العالم اليوم عن السلام فلن يعرفوا السلام ولن ينالوه، السلام ليس بكلام، السلام اسم من أسماء الله..
إذا جاءت اليوم أمم أو ثقافات تتحكم في السلام فنحن معاشر المسلمين نعبد السلام، هم يحترمون السلام نحن نعبد السلام إلهنا هو السلام سبحانه وتعالى، لكن معنى السلام الذي نتحدث عنه بدايته تنبع من باطن الإنسان، حقيقة هذا السلام وسكونه وطمأنينته وأمانه تنبع من الداخل، فلهذا من جاء من حضرة السلام واجه العالم بالسلام سبحانه وتعالى..
فيقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل تكلم إذا كان بجانبك أحد من الناس؟ نعم تقصد بذلك من على يمنك وجميع المسلمين من الإنس والجن والملائكة أجمعين فإذا لم يكن بجانبك أحد تقولها أو لا تقولها طيب تقول لمن ليس بجانبك أحد، تقولها لتشعر نفسك وتخاطب الأكوان التي تحيط بك انك تسلم على جميع هذا الكون من حضرة خالق الكون سبحانه وتعالى، وتعلم أن حقيقة صلاتك أنك تنطلق من حضرة الله إلى حضرة الله، فتخاطب الناس بالله سبحانه وتعالى تخاطب الناس بحالك مع الله، الذي يخاطب الناس بعد الصلاة بمعنى حال الصلاة لا يمكن أن يغش لأنه مع الله، لا يمكن أن يكذب لأنه مع الله، لا يمكن أن يسرق لأنه مع الله لا يمكن أن يهريق دماً بغير وجه حق لأنه مع الله، لا يمكن أن يقتل النفس التي حرم الله لأنه مع الله، لا يمكن أن يسيء إلى الآخرين لأنه مع الله..
ننصرف من هذا المجلس
بأن يذهب إلى البيت، وهو بالسلام إلى البيت داخل، ويتحرك في هذا الوجود بسر اسم السلام سبحانه عزوجل تعالى في علاه، وهكذا نصلي، بل أقول هكذا تبتدأ الصلاة وما جرى على اللسان، هو بدايات لمعاني الحضور مع الله في الصلاة، وإلا فالحقيقة أكبر وأكبر، ومن جاهد نفسه في الصلاة على شيء من هذه المعاني من غالب نفسه، تأتيك الخواطر ستشغلك لكن كلما تنبهت أعرض عنها لا تناقشها حتى تطردها اعرض عنها وواصل، أنت مع الله الآن ما عندك وقت تناقشها، ومن جاهد نفسه حضر مع الله..
* فائدة : كان شيخنا الحبيب عمر يُسأل: كيف يكون الحضور مع الله في الصلاة؟ السائل قال أوجز لي فقال له: (أوله تكلف وآخره تألف)، أوله مجاهدة تدفع الخواطر تدافعك، وآخره تألف أي تألف روحك الحضور مع الله، وإذا ألفت في كل صلاة ستذوق معاني أعلى من المعاني التي سمعتها، وفي الصلاة التي بعدها ستذوق معاني أعلى من الصلاة التي قبلها..
رزقنا الله وإياكم كمال الحضور معه، يا ربنا، يا ربنا، يا ربنا، يا ربنا، يا ربنا، يا من ليس لنا رب سواه، نسألك اللهم كما أكرمتنا بإجراء المعاني للحضور معك على اللسان أن تحقق بها الجنان، لا تجعل حظنا منها مجرد لقلقة اللسان، ولا مجرد استماع الآذان، اللهم اجعلنا من الحاضرين في حضرتك، المكرمين بشريف نظرتك، إلهي وسيدي، مضت أعمارنا وقلوبنا غفـّل عن هذه المعاني، نسألك اللهم فيما بقي من الأعمار أن تغمر جميع صلواتنا بأنوار الحضور معك، اجعلنا من أولئك يا حي يا قيوّم، لا تحرمنا خير ما عندك لشر ما عندنا، اللهم أعنـّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وصلِ اللهم وسلم على إمامنا في ذلك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin