الصفحة 24 من 61
عبرة وهداية
عبرة وهداية(*)
انعطاف: في قصة إبراهيم عليه السلام هذه بيان للمعتبرين وهداية للمتبصرين، وهو أنَّ من خرج عن تدبيره لنفسه كان الله -سبحانه وتعالى- هو المتولي بحسن التدبير له.
ألا ترى أنَّ إبراهيم عليه السلام لَمَّا لم يدبر لنفسه، ولا اهتم بها، بل ألقاها إلى الله تعالى وأسلمها إليه، وتوكل في كل شأنه عليه، فلما كان كذلك كان عاقبة استسلامه وجود السلامة والإكرام وبقاء الثناء عليه على ممر الأيام، وقد أمرنا الله تعالى ألَّا نخرج عن ملته، وأن نرعى حتى تسميته بقوله تعالى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾([1])؛ فحق على كل من كان إبراهيميًّا أن يكون عن تدبيره لنفسه بَرِيًّا، ومن منازعة الله خَلِيًّا، ومن اعتراضه عَرِيًّا: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾([2])، وملته لازمها التفويض إلى الله تعالى، والاستسلام في واردات الأحكام، واعلم أنَّ المراد هو ألَّا يكون لك مع الله مراد، ولنا في هذا المعنى شعر:
مراد منك نسيان المراد
* إذا رُمْتَ السبيل إلى الرشاد
وأن تدع الوجود فلا تراها
* وتصبح ماسكًا حبل اعتماد
إلى كم غفلة عني وإني
* على حفظ الرعاية والوداد!
إلى كم أنت تنظر مبدعاتي
* وتصبح هائمًا في كل وادي!
وتترك أن تميل إلى جنابي
* لعمرك قد عدلت عن السدادي
وودي فيك لو تدري قديم
* ويوم ألست يشهد بانفرادي
فهل رب سواي فترتجيه
* غدًا ينجيك من كرب شداد
فوصف العجز عَمَّ الكون طُرًّا
* فمفتقر بمفتقر ينادي
فبي قد قامت الأكوان طُرًّا
* وأظهرت المظاهر من مرادي
أفي داري وفي ملكي وملكي
* توجه للسوى وجه اعتمادي
فحدق أعين الإيمان وانظر
* ترى الأكوان تؤذن بالنفاد
فمن عدم إلى عدم مصير
*
وأنت إلى الفنا لا شك غاد
وها خلعي عليك فلا تزلها
* وصُنْ وجه الرجاء عن العباد
ببابي أوقف الآمال طُرًّا
* ولا تأتي لحضرتنا بزاد
ووصفك فَالْزَمَنْهُ وكن ذليلًا
* ترى مني المنى طوع القياد
وكن عبدًا لنا والعبد يرضى
* بما تقضي الموالي من مراد
أأستر وصفك الأدنى بوصفي
* فتجزي ذاك جهلًا بالعناد([3])
وهل شاركتني في الملك حتى
* غدوت منازعي والرشد باد
فإن رمت الوصول إلى جنابي
* فهذي النفس فاحذرها وعاد
وخُضْ بحر الفناء عسى ترانا
* وأعددنا إلى يوم المعاد
وكن مستمطرًا منا لتلقى
* جميل الصنع من مولًى جواد
ولا تستهدِ(2) يومًا من سوانا
* فما أحد سوانا اليوم هاد
(*) العنوان من عمل المحقق.
([1]) الآية: 78 من سورة الحج.
([2]) الآية: 130 من سورة البقرة.
([3]) وفي «فروينه»: بالعباد.
عبرة وهداية
عبرة وهداية(*)
انعطاف: في قصة إبراهيم عليه السلام هذه بيان للمعتبرين وهداية للمتبصرين، وهو أنَّ من خرج عن تدبيره لنفسه كان الله -سبحانه وتعالى- هو المتولي بحسن التدبير له.
ألا ترى أنَّ إبراهيم عليه السلام لَمَّا لم يدبر لنفسه، ولا اهتم بها، بل ألقاها إلى الله تعالى وأسلمها إليه، وتوكل في كل شأنه عليه، فلما كان كذلك كان عاقبة استسلامه وجود السلامة والإكرام وبقاء الثناء عليه على ممر الأيام، وقد أمرنا الله تعالى ألَّا نخرج عن ملته، وأن نرعى حتى تسميته بقوله تعالى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾([1])؛ فحق على كل من كان إبراهيميًّا أن يكون عن تدبيره لنفسه بَرِيًّا، ومن منازعة الله خَلِيًّا، ومن اعتراضه عَرِيًّا: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾([2])، وملته لازمها التفويض إلى الله تعالى، والاستسلام في واردات الأحكام، واعلم أنَّ المراد هو ألَّا يكون لك مع الله مراد، ولنا في هذا المعنى شعر:
مراد منك نسيان المراد
* إذا رُمْتَ السبيل إلى الرشاد
وأن تدع الوجود فلا تراها
* وتصبح ماسكًا حبل اعتماد
إلى كم غفلة عني وإني
* على حفظ الرعاية والوداد!
إلى كم أنت تنظر مبدعاتي
* وتصبح هائمًا في كل وادي!
وتترك أن تميل إلى جنابي
* لعمرك قد عدلت عن السدادي
وودي فيك لو تدري قديم
* ويوم ألست يشهد بانفرادي
فهل رب سواي فترتجيه
* غدًا ينجيك من كرب شداد
فوصف العجز عَمَّ الكون طُرًّا
* فمفتقر بمفتقر ينادي
فبي قد قامت الأكوان طُرًّا
* وأظهرت المظاهر من مرادي
أفي داري وفي ملكي وملكي
* توجه للسوى وجه اعتمادي
فحدق أعين الإيمان وانظر
* ترى الأكوان تؤذن بالنفاد
فمن عدم إلى عدم مصير
*
وأنت إلى الفنا لا شك غاد
وها خلعي عليك فلا تزلها
* وصُنْ وجه الرجاء عن العباد
ببابي أوقف الآمال طُرًّا
* ولا تأتي لحضرتنا بزاد
ووصفك فَالْزَمَنْهُ وكن ذليلًا
* ترى مني المنى طوع القياد
وكن عبدًا لنا والعبد يرضى
* بما تقضي الموالي من مراد
أأستر وصفك الأدنى بوصفي
* فتجزي ذاك جهلًا بالعناد([3])
وهل شاركتني في الملك حتى
* غدوت منازعي والرشد باد
فإن رمت الوصول إلى جنابي
* فهذي النفس فاحذرها وعاد
وخُضْ بحر الفناء عسى ترانا
* وأعددنا إلى يوم المعاد
وكن مستمطرًا منا لتلقى
* جميل الصنع من مولًى جواد
ولا تستهدِ(2) يومًا من سوانا
* فما أحد سوانا اليوم هاد
(*) العنوان من عمل المحقق.
([1]) الآية: 78 من سورة الحج.
([2]) الآية: 130 من سورة البقرة.
([3]) وفي «فروينه»: بالعباد.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin