سياسة الرسول فى وقف الحرب وعصمة الدما بواسطة: د. علي جمعة
جاء الإسلام دينا للسلام بين شعوب الأرض، قال تعالي: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) (الحجرات:13) والتعارف لا يأتى إلا عن طريق السلام، كذلك أرسل الله عز وجل رسوله محمدا «صلى الله عليه وسلم» رحمة للعالمين: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء: 108)، ولهذا كانت سياسة الرسول «صلى الله عليه وسلم» فى المدينة هى نبذ الحرب واتقاءها نظرا لما تخلفه من تدمير وتخريب
فقال: أيها الناس لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا ليقتموهم فاصبروا (البخارى 1082/3)، كما أوصى جيش المسلمين فى الحروب بقوله: «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة. واصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين» (أبو داود 37/3).
فالمنهج تجاه الحروب هو تجنبها قدر الاستطاعة، لأنها استثناء، فإن كانت فعلى المسلمين الصبر والثبات وعدم التجاوز: (وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) (البقرة: 190).
والسلام هو المبدأ الرئيس، وهو الغاية والهدف، أما الحرب فهى إحدى وسائل تحقيق هذا الهدف، قال تعالي: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) (النساء:90). وجاءت آية أخرى تحث على السلم وتؤكده فى مبدأ قرآنى ربانى يتميز بالقطع والشمول والعموم فى كل زمان ومكان: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) (الأنفال: 61).
ومن لطائف حرص الإسلام على السلام أن القتال لم يشرع فى القرآن أمرا، بل جاء إذنا فقال سبحانه: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) (الحج: 39)، ذلك أن الحرب هى شر لدفع شر أكبر منه، فالنفس البشرية تعودت على أن بعض الشرور لا تدفع بالخير، بل لا تقهر إلا بشر آخر، قال تعالي: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) (البقرة: 216).
ومن أهداف الإسلام فى الحرب عصمة الدماء لأدنى شبهة، فلا يحل دم من نطق بالشهادتين، لأننا أمرنا بالأخذ بالظاهر وعدم التفتيش عن قلوب الناس، ولو أظهر أحد المقاتلين الشهادة عصم دمه وأمن، فقد قال المقداد بن الأسود: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلنى فضرب إحدى يدى بالسيف فقطعها، ثم لاذ منى بشجرة فقال: أسلمت لله، أفأقتله يارسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: «لا تقتله». قال: فقلت يا رسول الله إنه قد قطع يدي، ثم قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله؟ قال رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: «لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التى قال» (مسلم 54/1).
وفى هذا المعنى قال تعالي: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) (النساء: 94)، ومعنى ألقى السلم أظهره بينكم، والسلام سواء عند من قرأها بالألف أو بدونها، هو مشترك بين معنى السلم ضد الحرب ومعنى تحية الإسلام، فهى قول: السلام عليكم، ومقتضى الإطلاق أن من قال: «لا إله إلا الله محمد رسول الله» أو قال «إنى مسلم» يحكم له بحكم الإسلام.
«قال الإمام الشافعي: إنما منع رسول الله «صلى الله عليه وسلم» من قتل المنافقين ماكانوا يظهرونه من الإسلام مع العلم بنفاقهم، لأن مايظهرونه يجب ما قبله، ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام فى الحديث المجمع على صحته فى الصحيحين وغيرهما: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»، ومعنى هذا: أن من قالها جرت عليه أحكام الإسلام ظاهرا، فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك فى الدار الآخرة، وإن لم يعتقدها لم ينفعه فى الآخرة جريان الحكم عليه فى الدنيا، وكونه كان خليط أهل الأيمان» (ابن كثير 90/1).
ولذلك فحديث الأمر بالقتال تحديد لغاية يتوقف عندها القتال مهما كانت أسبابه، فهو حديث رحمة وتسامح، وليس كما اشتبه على البعض أنه يحدد غاية يستمر من أجلها القتال.
قال الشيخ رشيد رضا: «والتحقيق أن المراد من الحديث هو ترك الكفر والدخول فى الإسلام، وللدخول فى الإسلام صيغة وعنوان يكتفى به فى أول الأمر، ولا سيما مواقف القتال، وهو النطق بالشهادتين، وقد يكتفى من المشرك بكلمة: «لا إله إلا الله»، لأنهم كانوا ينكرونها، وهى أول مادعوا إليه، بل أنكر النبى «صلى الله عليه وسلم» على خالد بن الوليد قتل من قتل من بنى جذيمة بعد قولهم «صبأنا»، وقال: «اللهم إنى أبرأ إليك مما فعل خالد»، وذلك أنهم كانوا يعبرون بهذه الكلمة عن الإسلام فيقولون: صبأ فلان: إذا أسلم، والحديث فى مواضع من صحيح البخارى وغيره، وإنه ـ أى الحديث ـ وارد فى بيان الغاية التى ينتهى إليها قتال من يقاتلنا من الكفار، فلا يدخل فى معناه بيان ما يصير به المؤمن كافرا» (تفسير المنار 153/10).
وهذا مانجده فى هدى سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم» فى عصمة الدماء جميعها، وتأكيد أن الحرب هى للذود عن حياض الإسلام، سواء كانت دفاعا عن دياره من هجمات الأعداء، أم درءا للمخاطر التى يغلب الظن البين للقائمين على شئون البلاد أن العدو فى حكم من أعلن القتال والعدوان، وإلا فالأصل نبذ الحروب والدعوة الى السلم واحترام كرامة الإنسان فضلا عن الحفاظ على نفسه ومراعاة أنه صنعة الله وخلقه وأن فيه سرا من روح الله: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين) (الحجر: 29).
جاء الإسلام دينا للسلام بين شعوب الأرض، قال تعالي: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) (الحجرات:13) والتعارف لا يأتى إلا عن طريق السلام، كذلك أرسل الله عز وجل رسوله محمدا «صلى الله عليه وسلم» رحمة للعالمين: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء: 108)، ولهذا كانت سياسة الرسول «صلى الله عليه وسلم» فى المدينة هى نبذ الحرب واتقاءها نظرا لما تخلفه من تدمير وتخريب
فقال: أيها الناس لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا ليقتموهم فاصبروا (البخارى 1082/3)، كما أوصى جيش المسلمين فى الحروب بقوله: «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة. واصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين» (أبو داود 37/3).
فالمنهج تجاه الحروب هو تجنبها قدر الاستطاعة، لأنها استثناء، فإن كانت فعلى المسلمين الصبر والثبات وعدم التجاوز: (وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) (البقرة: 190).
والسلام هو المبدأ الرئيس، وهو الغاية والهدف، أما الحرب فهى إحدى وسائل تحقيق هذا الهدف، قال تعالي: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) (النساء:90). وجاءت آية أخرى تحث على السلم وتؤكده فى مبدأ قرآنى ربانى يتميز بالقطع والشمول والعموم فى كل زمان ومكان: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) (الأنفال: 61).
ومن لطائف حرص الإسلام على السلام أن القتال لم يشرع فى القرآن أمرا، بل جاء إذنا فقال سبحانه: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) (الحج: 39)، ذلك أن الحرب هى شر لدفع شر أكبر منه، فالنفس البشرية تعودت على أن بعض الشرور لا تدفع بالخير، بل لا تقهر إلا بشر آخر، قال تعالي: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) (البقرة: 216).
ومن أهداف الإسلام فى الحرب عصمة الدماء لأدنى شبهة، فلا يحل دم من نطق بالشهادتين، لأننا أمرنا بالأخذ بالظاهر وعدم التفتيش عن قلوب الناس، ولو أظهر أحد المقاتلين الشهادة عصم دمه وأمن، فقد قال المقداد بن الأسود: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلنى فضرب إحدى يدى بالسيف فقطعها، ثم لاذ منى بشجرة فقال: أسلمت لله، أفأقتله يارسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: «لا تقتله». قال: فقلت يا رسول الله إنه قد قطع يدي، ثم قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله؟ قال رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: «لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التى قال» (مسلم 54/1).
وفى هذا المعنى قال تعالي: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) (النساء: 94)، ومعنى ألقى السلم أظهره بينكم، والسلام سواء عند من قرأها بالألف أو بدونها، هو مشترك بين معنى السلم ضد الحرب ومعنى تحية الإسلام، فهى قول: السلام عليكم، ومقتضى الإطلاق أن من قال: «لا إله إلا الله محمد رسول الله» أو قال «إنى مسلم» يحكم له بحكم الإسلام.
«قال الإمام الشافعي: إنما منع رسول الله «صلى الله عليه وسلم» من قتل المنافقين ماكانوا يظهرونه من الإسلام مع العلم بنفاقهم، لأن مايظهرونه يجب ما قبله، ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام فى الحديث المجمع على صحته فى الصحيحين وغيرهما: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»، ومعنى هذا: أن من قالها جرت عليه أحكام الإسلام ظاهرا، فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك فى الدار الآخرة، وإن لم يعتقدها لم ينفعه فى الآخرة جريان الحكم عليه فى الدنيا، وكونه كان خليط أهل الأيمان» (ابن كثير 90/1).
ولذلك فحديث الأمر بالقتال تحديد لغاية يتوقف عندها القتال مهما كانت أسبابه، فهو حديث رحمة وتسامح، وليس كما اشتبه على البعض أنه يحدد غاية يستمر من أجلها القتال.
قال الشيخ رشيد رضا: «والتحقيق أن المراد من الحديث هو ترك الكفر والدخول فى الإسلام، وللدخول فى الإسلام صيغة وعنوان يكتفى به فى أول الأمر، ولا سيما مواقف القتال، وهو النطق بالشهادتين، وقد يكتفى من المشرك بكلمة: «لا إله إلا الله»، لأنهم كانوا ينكرونها، وهى أول مادعوا إليه، بل أنكر النبى «صلى الله عليه وسلم» على خالد بن الوليد قتل من قتل من بنى جذيمة بعد قولهم «صبأنا»، وقال: «اللهم إنى أبرأ إليك مما فعل خالد»، وذلك أنهم كانوا يعبرون بهذه الكلمة عن الإسلام فيقولون: صبأ فلان: إذا أسلم، والحديث فى مواضع من صحيح البخارى وغيره، وإنه ـ أى الحديث ـ وارد فى بيان الغاية التى ينتهى إليها قتال من يقاتلنا من الكفار، فلا يدخل فى معناه بيان ما يصير به المؤمن كافرا» (تفسير المنار 153/10).
وهذا مانجده فى هدى سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم» فى عصمة الدماء جميعها، وتأكيد أن الحرب هى للذود عن حياض الإسلام، سواء كانت دفاعا عن دياره من هجمات الأعداء، أم درءا للمخاطر التى يغلب الظن البين للقائمين على شئون البلاد أن العدو فى حكم من أعلن القتال والعدوان، وإلا فالأصل نبذ الحروب والدعوة الى السلم واحترام كرامة الإنسان فضلا عن الحفاظ على نفسه ومراعاة أنه صنعة الله وخلقه وأن فيه سرا من روح الله: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين) (الحجر: 29).
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin