تسويده صلى الله عليه و سلم في الآذان و الاقامة و التشهد
بواسطة: بحث دار الافتاء المصرية
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..
فإن سيدنا محمَّدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو جوهرة النفوس، وتاج الرؤوس، وسيد ولد آدم أجمعين، ولا يدخل الإنسان دائرة الإيمان إلا بحبه وتعظيمه وتوقيره والشهادة برسالته؛ فهو أحد ركنَي الشهادة؛ إذ لا يقبل الله تعالى من أحد الوحدانية حتى يَشفَعَها بأنه صلى الله عليه وآله وسلم رسوله إلى العالمين.
وقد عَلَّمَنا الله تعالى الأدب مع سيدنا محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم حين خاطَب جميع النبيين بأسمائهم، أما هو فلم يخاطبه باسمه مجرَّدًا بل قال له: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، وأمَرَنا بالأدب معه وتوقيره فقال: {إنَّا أَرْسَلناكَ شَاهِدًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا * لِتُؤمِنُوا بِاللهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلا} [الفتح: 8-9]، ومِن توقيره تَسوِيدُه عليه الصلاة والسلام كما قال السديُّ: "{وتوقروه}: أي تُسَوِّدُوه"، ذكره القرطبي في تفسيره(1 )، وقال قتادةُ: "أمَرَ الله بتسويده وتفخيمه وتشريفه وتعظيمه". أخرجه عبد بن حميد وابن جرير الطبري في التفسير(2 )، ونهانا عن التقديم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وحذَّرنا مِن رفع الصوت فوق صوته الشريف صلى الله عليه وآله وسلم أو الجهر له بالقول فقال تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ ورَسُولِهِ واتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَولِ كجَهْرِ بَعْضِكُمْ لبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أعْمَالُكُمْ وَأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أولَئِكَ الَّذِينَ امتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَّغفِرةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات: 1-3]. ونهانا أن نخاطبه صلى الله عليه وآله وسلم كما يُخاطب بعضُـنا بعضًا فقال سبحانه: {لا تَجعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]، قال قتادة: "أَمَرَ الله عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُهَابَ نَبِيُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يُبَجَّلَ وَأَنْ يُعَظَّمَ وَأَنْ يُسَوَّدَ". أخرجه ابن أبي حاتم وغيره في التفسير(3 ). فكان حقًّا علينا أن نمتثل لأمر الله، وأن نتعلم مع حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأدبَ معه، ومن الأدب معه أن نُسَوِّدَه كلما ذُكِرَ، وأن نصلي عليه كلما ذُكِر، وأن لا نخاطبه باسمه مجرَّدًا عن الإجلال والتبجيل.
ولا فرق بين النداء والذِّكْر في ذلك؛ فكما يُشرَع استعمالُ الأدب والتوقير والتعظيم عند دعائه صلى الله عليه وآله وسلم يُشرَع كذلك عند ذكر اسمه صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة عليه من غير فرق؛ لوجود العلة في كلا الأمرين، وهي النهي عن مساواته بغيره من المخلوقين، وذلك حاصل في الذكر كما هو حاصل في الخطاب والنداء، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.
تحرير محل النزاع في المسألة:
أجمعت الأمَّة على ثبوت السيادة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى عَلَمِيَّته في السيادة، قال الشرقاوي: "فلفظ "سيدنا" عَلَمٌ عليه صلى الله عليه وآله وسلم"(4 )، وأما ما شذَّ به بعضُ مَن تمسَّك بظاهر بعض الأحاديث متوهِّمين تعارضها مع هذا الحكم فلا يُعتَدُّ به، ولذلك اتفق العلماء على استحباب اقتران اسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم بالسيادة في غير الألفاظ الواردة المتعبَّد بها من قِبَل الشرع(5 ).
كما اتفقوا على عدم زيادتها في التلاوة والرواية (6 ):
أما التـلاوة: فإن القرآن كلام الله تعالى لا يجوز أن يزاد فيه ولا أن ينقص منه، ولا يقاس كلام الله تعالى على كلام خلقه(7 ).
وأما الروايـة: فإنها حكايةٌ للمَرْوِيِّ وشهادةٌ عليه؛ فلابُدَّ من نقلها كما هي، على أن بعض العلماء نصُّوا على أن هذا بحسب الوضع في الخط، وأما مِن حيث الأداء -حيث يُؤمَن اللبس وإيهامُ الزيادة- فالأَوْلَى أن لا تَعرَى عنها في المرْوِيِّ وغيره، كما قال الإمام العارف بالله أبو عبد الله الهاروشي المالكي وغيره (8 ).
أما بالنسبة للألفاظ الواردة المتعبَّد بها من قِبَل الشرع كالأذان والإقامة وتشهد الصلاة: فمذهب جمهور العلماء والمحققين من أتباع المذاهب الفقهية المعتمَدة وغيرهم أنه يُستحَبُّ اقترانُ الاسم الشريف بالسيادة أيضًا في الأذان والإقامة والصلاة؛ بناءً على أن الجمع بين الأدب والاتباع أوْلَى من الاقتصار على الاتباع؛ لأن الجمع أوْلَى من الترجيح، وفي الأدب اتِّباعٌ للأمر بتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم الذي لم تُخَصَّ منه صلاةٌ ولا أذانٌ ولا إقامةٌ، وقد علَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُمَّتَه الأدبَ معه حيث أخبر بالسيادة عن نفسه الشريفة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» (9 )، وقال لمن خاطبوه بقولهم: "أنْتَ سَيِّدُنَا": «السَّيِّدُ اللهُ»، ثم قال: «قُولُوا قَوْلَكُمْ، وَلاَ يَسْتَجِرَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ» رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما (10 )، فأقرَّ ذِكْر السيادة ونبَّه على صحة المعنى بالتحذير من إهمال الفرق بين سيادة المخلوق والسيادة المطلَقة للخالق سبحانه، قال الإمام الخَطّابي: "قَوْلُه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ «السَّيِّدُ اللهُ» أَيْ السُّؤْدُد كُلّه حَقِيقَة للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ الْخَلْق كُلّهمْ عَبِيد الله، وَإِنَّمَا مَنَعَهُمْ أَنْ يَدْعُوهُ سَيِّدًا مَعَ قَوْله «أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم» لأَنَّهُمْ قَوْمٌ حَدِيث عَهْد بِالإِسْلامِ، وَكَانُوا يَحْسِبُونَ أَنَّ السِّيَادَة بِالنُّبُوَّةِ كَهِيَ بِأَسْبَابِ الدُّنْيَا وَكَانَ لَهُمْ رُؤَسَاء يُعَظِّمُونَهُمْ وَيَنْقَادُونَ لأَمْرِهِمْ، وَقَوْله «قُولُوا بِقَوْلِكُمْ» أَيْ قُولُوا بِقَوْلِ أَهْل دِينكُمْ وَمِلَّتكُمْ وَادْعُونِي نَبِيًّا وَرَسُولاً كَمَا سَمَّانِي الله تَعَالَى فِي كِتَابه وَلا تُسَمُّونِي سَيِّدًا كَمَا تُسَمُّونَ رُؤَسَاءَكُمْ وَعُظَمَاءَكُمْ وَلا تَجْعَلُونِي مِثْلهمْ؛ فَإِنِّي لَسْت كَأَحَدِهِمْ؛ إِذْ كَانُوا لَيْسُوا دُونكُمْ فِي أَسْبَاب الدُّنْيَا وَأَنَا أَسودكُمْ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَة فَسَمُّونِي نَبِيًّا وَرَسُولاً" (11 ).
وخُوطِب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بـ"يا سَيِّدِي" فأقرَّ ذلك ولم ينكره؛ فعن سَهْلِ بن حُنَيْفٍ رضي الله عنه قال: مَرَرْنَا بِسَيْلٍ، فَدَخَلْتُ فَاغْتَسَلْتُ فِيهِ، فَخَرَجْتُ مَحْمُومًا، فَنُمِيَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا ثَابِتٍ يَتَعَوَّذ»، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي! وَالرُّقَى صَالِحَةٌ؟ فَقَالَ: «لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ فِي نَفْسٍ أَوْ حُمَةٍ أَوْ لَدْغَةٍ» رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي في "عمل اليوم والليلة" والحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (12 )، وفي إقراره صلى الله عليه وآله وسلم لذلك إِذْنٌ منه في خطابه وذِكْرِه بذلك وأنه أمر مشروع، ولا فرْق في ذلك بين أن يكون داخل الصلاة أو خارجها، بل ذلك في الصلاة أوْلَى؛ لأن الشرع راعى الأدب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة بصورة مؤكَّدة؛ فشرع للمصَلِّي مخاطبة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم داخلَ الصلاة وجعلها تبطل بمخاطبة غيره، وأوجب الله تعالى على المصلِّي أن يجيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا خاطبه أثناءها ولا تبطل بذلك صلاتُه؛ مبالغةً في الأدب معه صلى الله عليه وآله وسلم ومراعاةً لحرمته وجنابه الشريف، وهذا جارٍ أيضًا في الأذان والإقامة فتخصيصُهما من ذلك لا دليل عليه بل هو على عمومه. بل أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى الأمر بتسويده عند ذكر اسمه الشريف حيث راجع مَن ذكَرَه مجرَّدًا عن السيادة؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: صَعِد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «مَنْ أَنَا؟» قلنا: رسول الله، قال: «نَعَمْ، وَلَكِنْ مَنْ أَنَا؟» قلنا: أنت محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، قال: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلا فَخْرَ» رواه الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (13 ).
وإذا قيل بالترجيح بينهما فالأدب مقدَّم على الاتباع، كما ظهر ذلك في موقف سيدنا علي رضي الله تعالى عنه في صلح الحديبية حيث رفض أن يمحو كلمة "رسول الله" عندما أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمحوها (14 )؛ تقديمًا للأدب على الاتباع، وظهر ذلك أيضًا في تقهقر سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الصلاة بعد أمْرِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بأن يبقَى مكانه وقال له بعد الصلاة: "ما كانَ لابنِ أبي قُحافةَ أنْ يُصَلِّيَ بينَ يَدَي رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّم" (15 )، وكذلك فعل سيدنا عثمان رضي الله عنه حيث أخَّر الطوافَ لـمَّا دخل مكَّة في قضية صلح الحديبية مع علمه بوجوب الطواف على مَن دخل مكة؛ أدبًا معه عليه الصلاة والسلام أن يطوف قبله وقال: "ما كُنتُ لأَفعَلَ حتَّى يَطُوفَ بِه رسولُ اللهِ"(16 )، وأقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وجَعَلَه مِن مفاخره ومناقبه؛ فإنه لَمَّا قال الناس: "هنيئًا لأبي عبد الله! يطوف بالبيت آمنًا"، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ مَكَثَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً مَا طَافَ حَتَّى أَطُوفَ» رواه ابن أبي شيبة في "المصنَّف" وابن أبي حاتم في "التفسير" (17 ).
وهذا هو المعتمد عند الشافعية -كما نصَّ عليه العلامة المحقق الجلال المحلي [ت864هـ]، والشيخان: ابن حجر الهيتمي [ت973هـ] والشهاب الرملي [ت957هـ]-، وعند الحنفية -كما أفتى به العلامة القحفازي [ت745هـ]، واعتمده البرهان الحلبي [ت956هـ]، والإمام علاء الدين الحَصْكَفي [ت1088هـ]، والعلامة الطحطاوي [ت1231هـ]-، وعند المالكية -كما قال الإمام العارف بالله تعالى أبو الفتح ابن عطاء الله السكندري [ت709هـ] وجزم به القاضي ابن عبد السلام [ت749هـ] قاضي الجماعة في تونس، وشيخ الإسلام أبو القاسم البرزلي [ت844هـ]، والشهاب الحِمْيَرِي القُسَنْطيني الجزائري [ت878هـ]، واعتمده الإمام الحطَّاب [ت954هـ]، والإمام الأُبِّي [ت827هـ] وغيرهم-، ونقله الإمام أبو بكر بن المنذر النيسابوري [ت319هـ] عن الإمام الحافظ إسحاق بن راهويه [ت238هـ] في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الجنازة، ورجحه العلاّمة محمد بن علي الشوكاني [ت1250هـ].
وفيما يلي بعض النصوص والفتاوى الفقهية في ذلك والتي صدرت عن الفقهاء والمحدِّثين من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم وزخرت بها كتبهم ومصنَّفاتُهم، من أنه يُندَب الإتيان بلفظ "سيدنا" قبل اسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم حتى في العبادات كالصلاة والأذان والإقامة وأن ذِكْر السيادة خير مِن تركها.
فمن أهل الحديث:
الإمام الحافظ المجتهد أمير المؤمنين في الحديث إسحاق بن راهويه الحنظلي [ت238هـ]؛ نقل عنه الإمام الحافظ أبو بكر بن المنذر النيسابوري [ت319هـ] استحباب تسويد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الجنازة، وذلك في كتابه "الأوسط في السُّنَن والإجماع والاختلاف" فقال:
"وقال إسحاق: إذا كبَّر الثانية صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأحب الصلاة إلينا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما وصفه ابن مسعود؛ لأنه أجمل ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أن يقول: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلاتَكَ وَبَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى إِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينّ، مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ، اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا، يَغْبِطُهُ الأوَّلُونَ وَالآخِرُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمِّد كَمَا صَلَّيْتَ علَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكَ علَى مُحَمَّدٍ وَعلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ علَى إِبْرَاهِيمَ وَعلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" (18 ) اهـ، وسيأتي الكلام في إثبات صحة هذا الأثر.
وهذا النقل يدل على أن ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسيادة في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم داخلَ الصلاة وخارجَها كان أمْرًا معهودًا عند السلف الصالح، ولو كان في ذلك شيء من البدعة أو مخالفة الهدي النبوي لسارعوا إلى إنكاره، وعلى ذلك فدعوى بدعية تسويد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة وغيرها هي في الحقيقة ضَرْبٌ من التنطُّع المذموم المنافي لمنهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عنهم.
ومما يُروَى عن التابعين من تسويد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأذكار المأثورة خارجَ الصلاة ما رواه عبد الرزاق في "المصنَّف" عن أيوب ابن أبي تميمة السختياني وجابر الجعفي قالا: "من قال عند الإقامة: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، أعطِ سيدنا محمدًا الوسيلة، وارفع له الدرجات، حقت له الشفاعة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم" (19 ).
ومن السادة الحنفية:
الإمام العلامة نجم الدين علي بن داود القحفازي الحنفي [ت745هـ] شيخ أهل دمشق في عصره؛ حيث ذكر الحافظ السخاوي في كتابه "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" أنه كان يفتي بذلك ( 20).
والعلامة علاء الدين الحَصْكَفي [ت1088هـ] حيث يقول في "الدر المختار شرح تنوير الأبصار": "ونُدِبَ السيادةُ؛ لأن زيادة الإخبار بالواقع عَينُ سلوك الأدب؛ فهو أفضل مِن تركه، ذكره الرملي الشافعي وغيره، وما نُقِل "لا تُسَوِّدُونِي في الصَّلاةِ" فكذِبٌ، وقولُهم "لا تُسَيِّدُوني" بالياء لحنٌ أيضًا، والصواب بالواو" (21 ) اهـ.
قال العلامة محمد أمين ابن عابدين الحنفي [ت1252هـ] في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار": "وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِنَا؛ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ زَادَ فِي تَشَهُّدِهِ أَوْ نَقَصَ فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا.
قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ الصَّلاةَ زَائِدَةٌ عَلَى التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ مِنْهُ، نَعَمْ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا عَدَمُ ذِكْرِهَا فِي "وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" وَأَنَّهُ يَأتِي بِهَا مَعَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ" (22 ) اهـ.
وقال العلامة الطحطاوي الحنفي [ت1231هـ] في حاشيته على "الدر المختار" أيضًا: "(قوله: ونُدِب) ظاهرُ الشرحِ طَلَبُها في نبيِّنا وأبيه الخليل عليهما الصلاة والسلام؛ لاشتراكهما فيها، ولا يَخفَى أن هذه الزيادةَ مستحبةٌ كما قال الحلبي.
(وقوله: نقله الرملي) فيه أنه ليس من أهل المذهب، اللهم إلا أن يُقال إن مثل هذا لا يُختَلَفُ فيه" (23 ) اهـ.
ومن السادة المالكية:
الإمام العارف بالله تعالى أبو الفتح ابن عطاء الله السكندري [ت709هـ]، حيث يقول في "مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح": "وإيَّاك أن تترك لفظ السيادة؛ ففيها سِرٌّ يظهر لِمَن لازم هذه العبادة" (24 )اهـ.
وقال الإمام أبو عبد الله الأُبِّيُّ المالكي [ت827هـ] في "إكمال إكمال المُعلِم لفوائد كتاب مسلم": "وما يُستَعمَل من لفظ "السيد" و"المَولَى" حَسَنٌ وإن لم يَرِدْ، والمستَنَد فيه ما صح من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ». واتفق أن طالبًا يُدعَى بابن غمرين قال: لا يُزاد في الصلاة "على سيدنا"، قال: لأنه لم يَرِد، وإنما يُقال "على محمَّد"، فنقمها عليه الطلبة، وبلغ الأمر إلى القاضي ابن عبد السلام، فأرسل وراءه الأعوان، فتخفَّى مدةً ولم يخرج، حتى شفع فيه حاجب الخليفة حينئذ فخلَّى عنه، وكأنه رأى أن تغيُّبه تلك المدة هي عقوبته" ( 25) اهـ.
وكذا قال العلامة أبو عبد الله محمد بن يوسف السنوسي الحسيني المالكي [ت895هـ] أيضًا في شرحه على صحيح مسلم المسمَّى "مكمِّل إكمال الإكمال" (26 ).
وقال الإمام الوَنْشَرِيسي [ت914هـ] في "المعيار المُعْرِب":
"وسُئِل سيدي قاسم العقباني [ت854هـ] رحمه الله: هل يجوز أن يُقال: (اللهم صلِّ على سيدنا محمَّد) أم لا؟
فأجاب: الصلاة على نبينا سيدنا محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل العبادات، ومن معنى الوارد في الذكر؛ لأن ذِكْرَه صلى الله عليه وآله وسلم يقارنه أبدًا في القلب وفي اللسان ذِكْرُ مولانا جل جلالُه، وأفضل الأذكار ما جيءَ به على الوجه الذي وَصَفَه صاحب الشريعة، ولكن ذِكْر نبيِّنا صلى الله عليه وآله وسلم بالسيادة وما أشبهها من الصفات التي تدل على التعزير والتوقير ليس بممنوع، بل هو زيادة عبادة وإيمان، لاسيما بعد ثبوت «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ»؛ إذ ذكرُه صلى الله عليه وآله وسلم بـ"سيدنا" بعد ورود هذا الخبر إيمان بهذا الخبر، وكلُّ تصديق بما جاء به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فهو إيمان وعبادة، والله الموفق بفضله. انتهى..
وأجاب سيدي عبد الله العبدوسي [ت849هـ] عن مثل هذه فقال: ينبغي أن لا يزاد فيها ولا يُنقص منها، فإن زاد فيها "سيدنا" و"مولانا" فجائز؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أتَى بها تعليمًا لهم حين قالوا له: إن الله سبحانه أمرنا أن نصلِّي عليك، فكيف نصلِّي عليك؟ وأما الصلاة المرتجَلة التي لم تَرِد بلفظه فتزيد فيها "سيدنا ومولانا محمد"؛ إذ هو سيدنا ومولانا صلى الله عليه وآله وسلم، وقد نصَّ على هذه المسألة بعينها الإمام الباخلي في "شرح الحزب الصغير" للقطب سيدنا ومولانا أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه، وبالله التوفيق" (27 ) اهـ.
وقال الإمام الحطَّاب المالكي [ت954هـ] في أول شرحه "مواهب الجليل": بعد أن نقل ما سبق عن الأُبِّي: "وذكر البرزلي عن بعضهم أنه أنكر أن يقولها -يعني لفظ "السيد"- أحدٌ، ثم قال: وهذا إن صح عنه غاية الجهل، قال: واختار شيخ شيوخنا المجد اللغوي صاحب القاموس ترك ذلك في الصلاة؛ اتِّباعًا لِلَفظ الحديث، والإتيانَ به في غير الصلاة، وذكر الحافظ السخاوي في "القول البديع" كلامَه، وذكر عن ابن مفلح الحنبلي نحو ذلك، وذَكَرَ عن الشَّيخِ عِزِّ الدِّينِ ابنِ عبدِ السَّلامِ أَنَّ الإتيانَ بها في الصَّلاةِ يَنبَنِي على الخِلافِ: هل الأَولَى امتِثالُ الأَمرِ أو سُلُوكُ الأَدَبِ؟ قُلت: واَلذي يَظهَرُ لي وأَفعَلُه في الصَّلاةِ وغيرِها الإتيانُ بلَفظِ "السَّيِّدِ"، واَللهُ أَعلَمُ" (28 ) اهـ.
قال الإمام أبو عبد الله محمد العربي بن أحمد بردله [ت1134هـ] في "نوازله" تعقيبًا على كلام الإمام الحطّاب: "والذي اختاره الشيخ الحطَّاب هو ما عليه الناس" (29 ) اهـ.
وقال الإمام محمد المهدي الفاسي المالكي [ت1052هـ] في "مطالع المسرّات بشرح دلائل الخيرات": "الصحيح جواز الإتيان بلفظ "السيد" و"المولَى" ونحوهما مما يقتضي التشريف والتوقير والتعظيم في الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإيثار ذلك على تركه، ويُقال في الصلاة وغيرها إلا حيث تُعُبِّد بلفظ ما رُوِيَ فيُقتَصَر على ما تُعُبِّد به، أو في الروايـة -يعني في حكايتها- فيؤتَى بها على وجهها، وقال البرزلي: ولا خلاف أن كل ما يقتضي التشريف والتوقير والتعظيم في حقه عليه الصلاة والسلام أنه يقال بألفاظ مختلفة، حتى بلّغها ابن العربي مائة فأكثر" (30 ) اهـ.
وقال العلامة النفراوي [ت1126هـ] في "الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني": "وَعَبَّرَ بِـ"سَيِّدِنَا" إشَارَةً إلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا" ( 31) اهـ.
وقال الإمام أبو العباس أحمد بن قاسم البوني [ت1139هـ] في كتابه في آداب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ومنها: إذا مرَّ في صلاته عليه صلى الله عليه وآله وسلم على اسم "محمَّد" صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الكيفيات مجرَّدًا عن السيادة فليزد لفظ السيادة بلسانه فقط؛ فذلك هو الأدب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأما الكتابة فإنها تابعة للرواية من غير زيادة ولا نقصان، اتفق الصوفية على ذلك في القرن الثالث، ووافقهم العلماء عليه، وقالوا: نختص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك دون سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيحين: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ»، ومن أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم: سيِّد... وسيادتُه صلى الله عليه وآله وسلم أجلى وأظهر وأوضح من أن يُستَدَلَّ عليها؛ فهو سيد العالم بأسره من غير تقييد ولا تخصيص وفي الدنيا وفي الآخرة، وإنما قال في الحديث: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» لظهور انفراده بالسؤدد والشفاعة فيه عن غيره حين يلجأ إليه الناس في ذلك فلا يجدون سواه، وجميع الخلائق مجتمعون أوَّلُهم وآخرُهم وإِنْسُهُم وجِنُّهُم وبينهم الأنبياء والمرسلون، وتلك الدارُ دارُ الدوام والبقاء، فهي المعتبَرة، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم معلومًا بالسيادة نسبًا وطبعًا وخلقًا وأدبًا إلى غير ذلك من المكارم والمفاخر قبل ظهوره بالنبوة، يعرف ذلك مَن اعتنى بالسير وتعرف أحواله من الصغر إلى الكبر صلوات الله عليه وسلامه... ثم قال: وفي عمدة المريد للشيخ إبراهيم اللقاني على الجوهرة له قال أستاذنا: ولا خلاف في استعمال "السيد" فيه عليه الصلاة والسلام واستحبابه في غير الصلاة، وإنما الخلاف في استعماله في الصلاة: فكَرِهَه قومٌ، وأجازه آخرون، وقضية صنيع ابن عبد السلام استحبابه، وسُئِل عن ذلك المحقق المحلي، فأجاب بأن الأدب مع من ذُكِر مطلوبٌ - يعني أنه مستحَبٌّ - وأشار إلى أن ذلك يخَرَّج على قاعدتين فيما إذا تعارضتا فأيتهما تقدم: امتثال الأمر؛ عملاً بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (32 )، والثانية سلوك الأدب؛ حيث تأخَّرَ عن المحراب أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم له "مَكَانَك" فتأخَّر، وهذه الطريقة هي الراجحة، وبها أخَذَ ابن عبد السلام وابن جماعة الشافعيان وابن عبد السلام المالكي، وحديث "لا تسودوني في الصلاة" لا أصل له كما قاله الجلال، قال بعضهم: ولو ورد أمكن تأويله" (33 ) اهـ.
وقال الشيخ أبو العباس أحمد بن صالح النفجروتي الدرعي المالكي [ت1147هـ] في كتابه "تنبيه الغافل عما ظنه عالم": "وانظر هل يجوز لأحد أن يزيد لفظ "السيادة" قبل "محمد" أو لا؟ فيقتصر على لفظ "محمَّد" خاصة كما ورد في الحديث... وكنت أزيدها حيث صليت عليه وأستحي أن أذكر اسم "محمد" خاصة دون لفظ السيادة وأستثقله كثيرًا، مع أني لم أَرَ مِن ذِكْرها كذلك من الأئمة المقتدَى بهم، ثم خفت بعد ذلك هل يُقبَل مني ذلك لكوني أزيد ما لم يذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا ذَكَرَهُ أحدٌ من الأئمة، حتى وقفت على كلام الإمام البرزلي رحمه الله في المسائل التي أنكرها أبو عمر الرجراجي على أهل تونس، فذكر منها هذه المسألة، ونصه (في المسألة السابعة): ومما سُمِع أيضًا منه أنه قال -وأمر به-: لا يقُل أحدكم: "اللَّهُمَّ صلِّ علَى سيِّدنا محمَّد"؛ لأنه ما ورد في الحديث إلا "اللَّهُمَّ صلِّ علَى محمَّد"، وهذه غاية الجهل؛ لأنه خرج منه صلى الله عليه وآله وسلم مخرج التعليم للصلاة عليه لا لقصد لفظه، بل لَمَّا افتُقِر إلى معرفة منزلته قال: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ» (34 )، وقوله:«آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ» (35 )، ولا خلاف أن كل ما يقتضي التشريف والتوقير والتعظيم في حقِّه عليه الصلاة والسلام أنه يقال بألفاظ مختلفة حتى بلغها ابن العربي مائة فأكثر، وقد وقعت في قضاء ابن عبد السلام، وهو أن رجلا ينتحل الطلب فقال: من قال "سيدنا محمَّد" في الصلاة بطلت صلاتُه، فرُفعَت قضيتُه للقاضي ابن عبد السلام فوقع الطلب عليه، واستخفى ستة أشهر حتى شفع فيه للقاضي فعفا عنه، وموجبه الجهل بحقائق الأشياء" اهـ كلام الإمام البرزلي.
ثم رأيتُ أيضًا لبعض الشُّرَّاح: "ويجوز أن يُقال: صلى الله على سيدنا؛ لأنه سيد الأولين والآخرين"اهـ، ثم وقفت أيضًا على كلام الإمام ابن عطاء الله رضي الله عنه في كتابه المسمَّى "مفتاح الفلاح" ونَصُّه لما تكلم ذكر الصلاة التامة قال: "وإيَّاك أن تترك لفظ "السيادة"؛ ففيها سِرٌّ يظهر لمن لازم هذه العبادة"اهـ، فزال عني -والحمد لله- ما كنت أخاف منه" (36 ) اهـ.
وقال السملالي [ت1152هـ] في "نوازله": "الأَوْلى والمؤكَّد ذكر السيادة مطلقًا، والله أعلم، نَصَّ على ذلك الشيخ ابن عطاء الله والإمام الحطَّاب، وأَلَّف القُسَنْطِيني على ذلك، وغيرهم ممن لا يُحصَى كثرةً، وهو المعَّول عليه" (37 ) اهـ.
وقال العارف بالله تعالى الإمام عبد الله الخياط الهاروشي [ت1175هـ] في كتابه "الفتح المبين والدر الثمين في الصلاة على سيد المرسلين": "والذي جرى عليه عمل الأئمة زيادة السيادة في غير الوارد وتركها فيما ورد؛ اتباعًا للفظ فرارًا من الزيادة فيه؛ لكونه خرج مخرج التعليم، ووقوفًا عند ما حُدَّ لهم، وعلى هذا درج صاحب "دلائل الخيرات" رضي الله عنه وغيره؛ فإنما أثبت اللفظ الوارد من غير زيادة السيادة وزادها في غير الوارد، لكن هذا بحسب الوضع في الخط، وأما من حيث الأداء فالأَوْلَى أن لا تَعرَى عنها في الوارد وغيره. سُئِل شيخنا العياشي حفظه الله عن زيادة السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: السيادة عبادة، قلتُ: وهو بَيِّنٌ؛ لأن المصلي إنما يقصد بصلاتِه تعظيمَه صلى الله عليه وآله وسلم، فلا معنَى حينئذٍ لترك التسويد؛ إذ هو عين التعظيم، وفي "الحِكَم": "ما الشأن وجودُ الطلب، وإنما الشأن أن تُرزَق حسن الأدب {لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9]" (38 ) اهـ.
قال: "وإنما لم يتلفَّظ صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ السيادة حين تعليمهم كيفيةَ الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم لكراهيته الفخر؛ ولهذا قال: "أنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ولا فَخرَ"، وأما نحـن فيجب علينا تعظيمه وتوقيره؛ ولهذا نهانا الله تعالى أن نناديه صلى الله عليه وآله وسلم باسمه فقال: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]" (39 ) اهـ.
بواسطة: بحث دار الافتاء المصرية
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..
فإن سيدنا محمَّدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو جوهرة النفوس، وتاج الرؤوس، وسيد ولد آدم أجمعين، ولا يدخل الإنسان دائرة الإيمان إلا بحبه وتعظيمه وتوقيره والشهادة برسالته؛ فهو أحد ركنَي الشهادة؛ إذ لا يقبل الله تعالى من أحد الوحدانية حتى يَشفَعَها بأنه صلى الله عليه وآله وسلم رسوله إلى العالمين.
وقد عَلَّمَنا الله تعالى الأدب مع سيدنا محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم حين خاطَب جميع النبيين بأسمائهم، أما هو فلم يخاطبه باسمه مجرَّدًا بل قال له: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، وأمَرَنا بالأدب معه وتوقيره فقال: {إنَّا أَرْسَلناكَ شَاهِدًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا * لِتُؤمِنُوا بِاللهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلا} [الفتح: 8-9]، ومِن توقيره تَسوِيدُه عليه الصلاة والسلام كما قال السديُّ: "{وتوقروه}: أي تُسَوِّدُوه"، ذكره القرطبي في تفسيره(1 )، وقال قتادةُ: "أمَرَ الله بتسويده وتفخيمه وتشريفه وتعظيمه". أخرجه عبد بن حميد وابن جرير الطبري في التفسير(2 )، ونهانا عن التقديم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وحذَّرنا مِن رفع الصوت فوق صوته الشريف صلى الله عليه وآله وسلم أو الجهر له بالقول فقال تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ ورَسُولِهِ واتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَولِ كجَهْرِ بَعْضِكُمْ لبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أعْمَالُكُمْ وَأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أولَئِكَ الَّذِينَ امتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَّغفِرةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات: 1-3]. ونهانا أن نخاطبه صلى الله عليه وآله وسلم كما يُخاطب بعضُـنا بعضًا فقال سبحانه: {لا تَجعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]، قال قتادة: "أَمَرَ الله عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُهَابَ نَبِيُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يُبَجَّلَ وَأَنْ يُعَظَّمَ وَأَنْ يُسَوَّدَ". أخرجه ابن أبي حاتم وغيره في التفسير(3 ). فكان حقًّا علينا أن نمتثل لأمر الله، وأن نتعلم مع حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأدبَ معه، ومن الأدب معه أن نُسَوِّدَه كلما ذُكِرَ، وأن نصلي عليه كلما ذُكِر، وأن لا نخاطبه باسمه مجرَّدًا عن الإجلال والتبجيل.
ولا فرق بين النداء والذِّكْر في ذلك؛ فكما يُشرَع استعمالُ الأدب والتوقير والتعظيم عند دعائه صلى الله عليه وآله وسلم يُشرَع كذلك عند ذكر اسمه صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة عليه من غير فرق؛ لوجود العلة في كلا الأمرين، وهي النهي عن مساواته بغيره من المخلوقين، وذلك حاصل في الذكر كما هو حاصل في الخطاب والنداء، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.
تحرير محل النزاع في المسألة:
أجمعت الأمَّة على ثبوت السيادة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى عَلَمِيَّته في السيادة، قال الشرقاوي: "فلفظ "سيدنا" عَلَمٌ عليه صلى الله عليه وآله وسلم"(4 )، وأما ما شذَّ به بعضُ مَن تمسَّك بظاهر بعض الأحاديث متوهِّمين تعارضها مع هذا الحكم فلا يُعتَدُّ به، ولذلك اتفق العلماء على استحباب اقتران اسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم بالسيادة في غير الألفاظ الواردة المتعبَّد بها من قِبَل الشرع(5 ).
كما اتفقوا على عدم زيادتها في التلاوة والرواية (6 ):
أما التـلاوة: فإن القرآن كلام الله تعالى لا يجوز أن يزاد فيه ولا أن ينقص منه، ولا يقاس كلام الله تعالى على كلام خلقه(7 ).
وأما الروايـة: فإنها حكايةٌ للمَرْوِيِّ وشهادةٌ عليه؛ فلابُدَّ من نقلها كما هي، على أن بعض العلماء نصُّوا على أن هذا بحسب الوضع في الخط، وأما مِن حيث الأداء -حيث يُؤمَن اللبس وإيهامُ الزيادة- فالأَوْلَى أن لا تَعرَى عنها في المرْوِيِّ وغيره، كما قال الإمام العارف بالله أبو عبد الله الهاروشي المالكي وغيره (8 ).
أما بالنسبة للألفاظ الواردة المتعبَّد بها من قِبَل الشرع كالأذان والإقامة وتشهد الصلاة: فمذهب جمهور العلماء والمحققين من أتباع المذاهب الفقهية المعتمَدة وغيرهم أنه يُستحَبُّ اقترانُ الاسم الشريف بالسيادة أيضًا في الأذان والإقامة والصلاة؛ بناءً على أن الجمع بين الأدب والاتباع أوْلَى من الاقتصار على الاتباع؛ لأن الجمع أوْلَى من الترجيح، وفي الأدب اتِّباعٌ للأمر بتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم الذي لم تُخَصَّ منه صلاةٌ ولا أذانٌ ولا إقامةٌ، وقد علَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُمَّتَه الأدبَ معه حيث أخبر بالسيادة عن نفسه الشريفة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» (9 )، وقال لمن خاطبوه بقولهم: "أنْتَ سَيِّدُنَا": «السَّيِّدُ اللهُ»، ثم قال: «قُولُوا قَوْلَكُمْ، وَلاَ يَسْتَجِرَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ» رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما (10 )، فأقرَّ ذِكْر السيادة ونبَّه على صحة المعنى بالتحذير من إهمال الفرق بين سيادة المخلوق والسيادة المطلَقة للخالق سبحانه، قال الإمام الخَطّابي: "قَوْلُه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ «السَّيِّدُ اللهُ» أَيْ السُّؤْدُد كُلّه حَقِيقَة للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ الْخَلْق كُلّهمْ عَبِيد الله، وَإِنَّمَا مَنَعَهُمْ أَنْ يَدْعُوهُ سَيِّدًا مَعَ قَوْله «أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم» لأَنَّهُمْ قَوْمٌ حَدِيث عَهْد بِالإِسْلامِ، وَكَانُوا يَحْسِبُونَ أَنَّ السِّيَادَة بِالنُّبُوَّةِ كَهِيَ بِأَسْبَابِ الدُّنْيَا وَكَانَ لَهُمْ رُؤَسَاء يُعَظِّمُونَهُمْ وَيَنْقَادُونَ لأَمْرِهِمْ، وَقَوْله «قُولُوا بِقَوْلِكُمْ» أَيْ قُولُوا بِقَوْلِ أَهْل دِينكُمْ وَمِلَّتكُمْ وَادْعُونِي نَبِيًّا وَرَسُولاً كَمَا سَمَّانِي الله تَعَالَى فِي كِتَابه وَلا تُسَمُّونِي سَيِّدًا كَمَا تُسَمُّونَ رُؤَسَاءَكُمْ وَعُظَمَاءَكُمْ وَلا تَجْعَلُونِي مِثْلهمْ؛ فَإِنِّي لَسْت كَأَحَدِهِمْ؛ إِذْ كَانُوا لَيْسُوا دُونكُمْ فِي أَسْبَاب الدُّنْيَا وَأَنَا أَسودكُمْ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَة فَسَمُّونِي نَبِيًّا وَرَسُولاً" (11 ).
وخُوطِب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بـ"يا سَيِّدِي" فأقرَّ ذلك ولم ينكره؛ فعن سَهْلِ بن حُنَيْفٍ رضي الله عنه قال: مَرَرْنَا بِسَيْلٍ، فَدَخَلْتُ فَاغْتَسَلْتُ فِيهِ، فَخَرَجْتُ مَحْمُومًا، فَنُمِيَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا ثَابِتٍ يَتَعَوَّذ»، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي! وَالرُّقَى صَالِحَةٌ؟ فَقَالَ: «لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ فِي نَفْسٍ أَوْ حُمَةٍ أَوْ لَدْغَةٍ» رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي في "عمل اليوم والليلة" والحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (12 )، وفي إقراره صلى الله عليه وآله وسلم لذلك إِذْنٌ منه في خطابه وذِكْرِه بذلك وأنه أمر مشروع، ولا فرْق في ذلك بين أن يكون داخل الصلاة أو خارجها، بل ذلك في الصلاة أوْلَى؛ لأن الشرع راعى الأدب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة بصورة مؤكَّدة؛ فشرع للمصَلِّي مخاطبة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم داخلَ الصلاة وجعلها تبطل بمخاطبة غيره، وأوجب الله تعالى على المصلِّي أن يجيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا خاطبه أثناءها ولا تبطل بذلك صلاتُه؛ مبالغةً في الأدب معه صلى الله عليه وآله وسلم ومراعاةً لحرمته وجنابه الشريف، وهذا جارٍ أيضًا في الأذان والإقامة فتخصيصُهما من ذلك لا دليل عليه بل هو على عمومه. بل أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى الأمر بتسويده عند ذكر اسمه الشريف حيث راجع مَن ذكَرَه مجرَّدًا عن السيادة؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: صَعِد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «مَنْ أَنَا؟» قلنا: رسول الله، قال: «نَعَمْ، وَلَكِنْ مَنْ أَنَا؟» قلنا: أنت محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، قال: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلا فَخْرَ» رواه الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (13 ).
وإذا قيل بالترجيح بينهما فالأدب مقدَّم على الاتباع، كما ظهر ذلك في موقف سيدنا علي رضي الله تعالى عنه في صلح الحديبية حيث رفض أن يمحو كلمة "رسول الله" عندما أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمحوها (14 )؛ تقديمًا للأدب على الاتباع، وظهر ذلك أيضًا في تقهقر سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الصلاة بعد أمْرِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بأن يبقَى مكانه وقال له بعد الصلاة: "ما كانَ لابنِ أبي قُحافةَ أنْ يُصَلِّيَ بينَ يَدَي رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّم" (15 )، وكذلك فعل سيدنا عثمان رضي الله عنه حيث أخَّر الطوافَ لـمَّا دخل مكَّة في قضية صلح الحديبية مع علمه بوجوب الطواف على مَن دخل مكة؛ أدبًا معه عليه الصلاة والسلام أن يطوف قبله وقال: "ما كُنتُ لأَفعَلَ حتَّى يَطُوفَ بِه رسولُ اللهِ"(16 )، وأقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وجَعَلَه مِن مفاخره ومناقبه؛ فإنه لَمَّا قال الناس: "هنيئًا لأبي عبد الله! يطوف بالبيت آمنًا"، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ مَكَثَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً مَا طَافَ حَتَّى أَطُوفَ» رواه ابن أبي شيبة في "المصنَّف" وابن أبي حاتم في "التفسير" (17 ).
وهذا هو المعتمد عند الشافعية -كما نصَّ عليه العلامة المحقق الجلال المحلي [ت864هـ]، والشيخان: ابن حجر الهيتمي [ت973هـ] والشهاب الرملي [ت957هـ]-، وعند الحنفية -كما أفتى به العلامة القحفازي [ت745هـ]، واعتمده البرهان الحلبي [ت956هـ]، والإمام علاء الدين الحَصْكَفي [ت1088هـ]، والعلامة الطحطاوي [ت1231هـ]-، وعند المالكية -كما قال الإمام العارف بالله تعالى أبو الفتح ابن عطاء الله السكندري [ت709هـ] وجزم به القاضي ابن عبد السلام [ت749هـ] قاضي الجماعة في تونس، وشيخ الإسلام أبو القاسم البرزلي [ت844هـ]، والشهاب الحِمْيَرِي القُسَنْطيني الجزائري [ت878هـ]، واعتمده الإمام الحطَّاب [ت954هـ]، والإمام الأُبِّي [ت827هـ] وغيرهم-، ونقله الإمام أبو بكر بن المنذر النيسابوري [ت319هـ] عن الإمام الحافظ إسحاق بن راهويه [ت238هـ] في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الجنازة، ورجحه العلاّمة محمد بن علي الشوكاني [ت1250هـ].
وفيما يلي بعض النصوص والفتاوى الفقهية في ذلك والتي صدرت عن الفقهاء والمحدِّثين من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم وزخرت بها كتبهم ومصنَّفاتُهم، من أنه يُندَب الإتيان بلفظ "سيدنا" قبل اسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم حتى في العبادات كالصلاة والأذان والإقامة وأن ذِكْر السيادة خير مِن تركها.
فمن أهل الحديث:
الإمام الحافظ المجتهد أمير المؤمنين في الحديث إسحاق بن راهويه الحنظلي [ت238هـ]؛ نقل عنه الإمام الحافظ أبو بكر بن المنذر النيسابوري [ت319هـ] استحباب تسويد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الجنازة، وذلك في كتابه "الأوسط في السُّنَن والإجماع والاختلاف" فقال:
"وقال إسحاق: إذا كبَّر الثانية صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأحب الصلاة إلينا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما وصفه ابن مسعود؛ لأنه أجمل ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أن يقول: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلاتَكَ وَبَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى إِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينّ، مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ، اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا، يَغْبِطُهُ الأوَّلُونَ وَالآخِرُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمِّد كَمَا صَلَّيْتَ علَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكَ علَى مُحَمَّدٍ وَعلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ علَى إِبْرَاهِيمَ وَعلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" (18 ) اهـ، وسيأتي الكلام في إثبات صحة هذا الأثر.
وهذا النقل يدل على أن ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسيادة في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم داخلَ الصلاة وخارجَها كان أمْرًا معهودًا عند السلف الصالح، ولو كان في ذلك شيء من البدعة أو مخالفة الهدي النبوي لسارعوا إلى إنكاره، وعلى ذلك فدعوى بدعية تسويد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة وغيرها هي في الحقيقة ضَرْبٌ من التنطُّع المذموم المنافي لمنهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عنهم.
ومما يُروَى عن التابعين من تسويد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأذكار المأثورة خارجَ الصلاة ما رواه عبد الرزاق في "المصنَّف" عن أيوب ابن أبي تميمة السختياني وجابر الجعفي قالا: "من قال عند الإقامة: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، أعطِ سيدنا محمدًا الوسيلة، وارفع له الدرجات، حقت له الشفاعة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم" (19 ).
ومن السادة الحنفية:
الإمام العلامة نجم الدين علي بن داود القحفازي الحنفي [ت745هـ] شيخ أهل دمشق في عصره؛ حيث ذكر الحافظ السخاوي في كتابه "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" أنه كان يفتي بذلك ( 20).
والعلامة علاء الدين الحَصْكَفي [ت1088هـ] حيث يقول في "الدر المختار شرح تنوير الأبصار": "ونُدِبَ السيادةُ؛ لأن زيادة الإخبار بالواقع عَينُ سلوك الأدب؛ فهو أفضل مِن تركه، ذكره الرملي الشافعي وغيره، وما نُقِل "لا تُسَوِّدُونِي في الصَّلاةِ" فكذِبٌ، وقولُهم "لا تُسَيِّدُوني" بالياء لحنٌ أيضًا، والصواب بالواو" (21 ) اهـ.
قال العلامة محمد أمين ابن عابدين الحنفي [ت1252هـ] في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار": "وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِنَا؛ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ زَادَ فِي تَشَهُّدِهِ أَوْ نَقَصَ فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا.
قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ الصَّلاةَ زَائِدَةٌ عَلَى التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ مِنْهُ، نَعَمْ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا عَدَمُ ذِكْرِهَا فِي "وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" وَأَنَّهُ يَأتِي بِهَا مَعَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ" (22 ) اهـ.
وقال العلامة الطحطاوي الحنفي [ت1231هـ] في حاشيته على "الدر المختار" أيضًا: "(قوله: ونُدِب) ظاهرُ الشرحِ طَلَبُها في نبيِّنا وأبيه الخليل عليهما الصلاة والسلام؛ لاشتراكهما فيها، ولا يَخفَى أن هذه الزيادةَ مستحبةٌ كما قال الحلبي.
(وقوله: نقله الرملي) فيه أنه ليس من أهل المذهب، اللهم إلا أن يُقال إن مثل هذا لا يُختَلَفُ فيه" (23 ) اهـ.
ومن السادة المالكية:
الإمام العارف بالله تعالى أبو الفتح ابن عطاء الله السكندري [ت709هـ]، حيث يقول في "مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح": "وإيَّاك أن تترك لفظ السيادة؛ ففيها سِرٌّ يظهر لِمَن لازم هذه العبادة" (24 )اهـ.
وقال الإمام أبو عبد الله الأُبِّيُّ المالكي [ت827هـ] في "إكمال إكمال المُعلِم لفوائد كتاب مسلم": "وما يُستَعمَل من لفظ "السيد" و"المَولَى" حَسَنٌ وإن لم يَرِدْ، والمستَنَد فيه ما صح من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ». واتفق أن طالبًا يُدعَى بابن غمرين قال: لا يُزاد في الصلاة "على سيدنا"، قال: لأنه لم يَرِد، وإنما يُقال "على محمَّد"، فنقمها عليه الطلبة، وبلغ الأمر إلى القاضي ابن عبد السلام، فأرسل وراءه الأعوان، فتخفَّى مدةً ولم يخرج، حتى شفع فيه حاجب الخليفة حينئذ فخلَّى عنه، وكأنه رأى أن تغيُّبه تلك المدة هي عقوبته" ( 25) اهـ.
وكذا قال العلامة أبو عبد الله محمد بن يوسف السنوسي الحسيني المالكي [ت895هـ] أيضًا في شرحه على صحيح مسلم المسمَّى "مكمِّل إكمال الإكمال" (26 ).
وقال الإمام الوَنْشَرِيسي [ت914هـ] في "المعيار المُعْرِب":
"وسُئِل سيدي قاسم العقباني [ت854هـ] رحمه الله: هل يجوز أن يُقال: (اللهم صلِّ على سيدنا محمَّد) أم لا؟
فأجاب: الصلاة على نبينا سيدنا محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل العبادات، ومن معنى الوارد في الذكر؛ لأن ذِكْرَه صلى الله عليه وآله وسلم يقارنه أبدًا في القلب وفي اللسان ذِكْرُ مولانا جل جلالُه، وأفضل الأذكار ما جيءَ به على الوجه الذي وَصَفَه صاحب الشريعة، ولكن ذِكْر نبيِّنا صلى الله عليه وآله وسلم بالسيادة وما أشبهها من الصفات التي تدل على التعزير والتوقير ليس بممنوع، بل هو زيادة عبادة وإيمان، لاسيما بعد ثبوت «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ»؛ إذ ذكرُه صلى الله عليه وآله وسلم بـ"سيدنا" بعد ورود هذا الخبر إيمان بهذا الخبر، وكلُّ تصديق بما جاء به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فهو إيمان وعبادة، والله الموفق بفضله. انتهى..
وأجاب سيدي عبد الله العبدوسي [ت849هـ] عن مثل هذه فقال: ينبغي أن لا يزاد فيها ولا يُنقص منها، فإن زاد فيها "سيدنا" و"مولانا" فجائز؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أتَى بها تعليمًا لهم حين قالوا له: إن الله سبحانه أمرنا أن نصلِّي عليك، فكيف نصلِّي عليك؟ وأما الصلاة المرتجَلة التي لم تَرِد بلفظه فتزيد فيها "سيدنا ومولانا محمد"؛ إذ هو سيدنا ومولانا صلى الله عليه وآله وسلم، وقد نصَّ على هذه المسألة بعينها الإمام الباخلي في "شرح الحزب الصغير" للقطب سيدنا ومولانا أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه، وبالله التوفيق" (27 ) اهـ.
وقال الإمام الحطَّاب المالكي [ت954هـ] في أول شرحه "مواهب الجليل": بعد أن نقل ما سبق عن الأُبِّي: "وذكر البرزلي عن بعضهم أنه أنكر أن يقولها -يعني لفظ "السيد"- أحدٌ، ثم قال: وهذا إن صح عنه غاية الجهل، قال: واختار شيخ شيوخنا المجد اللغوي صاحب القاموس ترك ذلك في الصلاة؛ اتِّباعًا لِلَفظ الحديث، والإتيانَ به في غير الصلاة، وذكر الحافظ السخاوي في "القول البديع" كلامَه، وذكر عن ابن مفلح الحنبلي نحو ذلك، وذَكَرَ عن الشَّيخِ عِزِّ الدِّينِ ابنِ عبدِ السَّلامِ أَنَّ الإتيانَ بها في الصَّلاةِ يَنبَنِي على الخِلافِ: هل الأَولَى امتِثالُ الأَمرِ أو سُلُوكُ الأَدَبِ؟ قُلت: واَلذي يَظهَرُ لي وأَفعَلُه في الصَّلاةِ وغيرِها الإتيانُ بلَفظِ "السَّيِّدِ"، واَللهُ أَعلَمُ" (28 ) اهـ.
قال الإمام أبو عبد الله محمد العربي بن أحمد بردله [ت1134هـ] في "نوازله" تعقيبًا على كلام الإمام الحطّاب: "والذي اختاره الشيخ الحطَّاب هو ما عليه الناس" (29 ) اهـ.
وقال الإمام محمد المهدي الفاسي المالكي [ت1052هـ] في "مطالع المسرّات بشرح دلائل الخيرات": "الصحيح جواز الإتيان بلفظ "السيد" و"المولَى" ونحوهما مما يقتضي التشريف والتوقير والتعظيم في الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإيثار ذلك على تركه، ويُقال في الصلاة وغيرها إلا حيث تُعُبِّد بلفظ ما رُوِيَ فيُقتَصَر على ما تُعُبِّد به، أو في الروايـة -يعني في حكايتها- فيؤتَى بها على وجهها، وقال البرزلي: ولا خلاف أن كل ما يقتضي التشريف والتوقير والتعظيم في حقه عليه الصلاة والسلام أنه يقال بألفاظ مختلفة، حتى بلّغها ابن العربي مائة فأكثر" (30 ) اهـ.
وقال العلامة النفراوي [ت1126هـ] في "الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني": "وَعَبَّرَ بِـ"سَيِّدِنَا" إشَارَةً إلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا" ( 31) اهـ.
وقال الإمام أبو العباس أحمد بن قاسم البوني [ت1139هـ] في كتابه في آداب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ومنها: إذا مرَّ في صلاته عليه صلى الله عليه وآله وسلم على اسم "محمَّد" صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الكيفيات مجرَّدًا عن السيادة فليزد لفظ السيادة بلسانه فقط؛ فذلك هو الأدب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأما الكتابة فإنها تابعة للرواية من غير زيادة ولا نقصان، اتفق الصوفية على ذلك في القرن الثالث، ووافقهم العلماء عليه، وقالوا: نختص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك دون سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيحين: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ»، ومن أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم: سيِّد... وسيادتُه صلى الله عليه وآله وسلم أجلى وأظهر وأوضح من أن يُستَدَلَّ عليها؛ فهو سيد العالم بأسره من غير تقييد ولا تخصيص وفي الدنيا وفي الآخرة، وإنما قال في الحديث: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» لظهور انفراده بالسؤدد والشفاعة فيه عن غيره حين يلجأ إليه الناس في ذلك فلا يجدون سواه، وجميع الخلائق مجتمعون أوَّلُهم وآخرُهم وإِنْسُهُم وجِنُّهُم وبينهم الأنبياء والمرسلون، وتلك الدارُ دارُ الدوام والبقاء، فهي المعتبَرة، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم معلومًا بالسيادة نسبًا وطبعًا وخلقًا وأدبًا إلى غير ذلك من المكارم والمفاخر قبل ظهوره بالنبوة، يعرف ذلك مَن اعتنى بالسير وتعرف أحواله من الصغر إلى الكبر صلوات الله عليه وسلامه... ثم قال: وفي عمدة المريد للشيخ إبراهيم اللقاني على الجوهرة له قال أستاذنا: ولا خلاف في استعمال "السيد" فيه عليه الصلاة والسلام واستحبابه في غير الصلاة، وإنما الخلاف في استعماله في الصلاة: فكَرِهَه قومٌ، وأجازه آخرون، وقضية صنيع ابن عبد السلام استحبابه، وسُئِل عن ذلك المحقق المحلي، فأجاب بأن الأدب مع من ذُكِر مطلوبٌ - يعني أنه مستحَبٌّ - وأشار إلى أن ذلك يخَرَّج على قاعدتين فيما إذا تعارضتا فأيتهما تقدم: امتثال الأمر؛ عملاً بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (32 )، والثانية سلوك الأدب؛ حيث تأخَّرَ عن المحراب أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم له "مَكَانَك" فتأخَّر، وهذه الطريقة هي الراجحة، وبها أخَذَ ابن عبد السلام وابن جماعة الشافعيان وابن عبد السلام المالكي، وحديث "لا تسودوني في الصلاة" لا أصل له كما قاله الجلال، قال بعضهم: ولو ورد أمكن تأويله" (33 ) اهـ.
وقال الشيخ أبو العباس أحمد بن صالح النفجروتي الدرعي المالكي [ت1147هـ] في كتابه "تنبيه الغافل عما ظنه عالم": "وانظر هل يجوز لأحد أن يزيد لفظ "السيادة" قبل "محمد" أو لا؟ فيقتصر على لفظ "محمَّد" خاصة كما ورد في الحديث... وكنت أزيدها حيث صليت عليه وأستحي أن أذكر اسم "محمد" خاصة دون لفظ السيادة وأستثقله كثيرًا، مع أني لم أَرَ مِن ذِكْرها كذلك من الأئمة المقتدَى بهم، ثم خفت بعد ذلك هل يُقبَل مني ذلك لكوني أزيد ما لم يذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا ذَكَرَهُ أحدٌ من الأئمة، حتى وقفت على كلام الإمام البرزلي رحمه الله في المسائل التي أنكرها أبو عمر الرجراجي على أهل تونس، فذكر منها هذه المسألة، ونصه (في المسألة السابعة): ومما سُمِع أيضًا منه أنه قال -وأمر به-: لا يقُل أحدكم: "اللَّهُمَّ صلِّ علَى سيِّدنا محمَّد"؛ لأنه ما ورد في الحديث إلا "اللَّهُمَّ صلِّ علَى محمَّد"، وهذه غاية الجهل؛ لأنه خرج منه صلى الله عليه وآله وسلم مخرج التعليم للصلاة عليه لا لقصد لفظه، بل لَمَّا افتُقِر إلى معرفة منزلته قال: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ» (34 )، وقوله:«آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ» (35 )، ولا خلاف أن كل ما يقتضي التشريف والتوقير والتعظيم في حقِّه عليه الصلاة والسلام أنه يقال بألفاظ مختلفة حتى بلغها ابن العربي مائة فأكثر، وقد وقعت في قضاء ابن عبد السلام، وهو أن رجلا ينتحل الطلب فقال: من قال "سيدنا محمَّد" في الصلاة بطلت صلاتُه، فرُفعَت قضيتُه للقاضي ابن عبد السلام فوقع الطلب عليه، واستخفى ستة أشهر حتى شفع فيه للقاضي فعفا عنه، وموجبه الجهل بحقائق الأشياء" اهـ كلام الإمام البرزلي.
ثم رأيتُ أيضًا لبعض الشُّرَّاح: "ويجوز أن يُقال: صلى الله على سيدنا؛ لأنه سيد الأولين والآخرين"اهـ، ثم وقفت أيضًا على كلام الإمام ابن عطاء الله رضي الله عنه في كتابه المسمَّى "مفتاح الفلاح" ونَصُّه لما تكلم ذكر الصلاة التامة قال: "وإيَّاك أن تترك لفظ "السيادة"؛ ففيها سِرٌّ يظهر لمن لازم هذه العبادة"اهـ، فزال عني -والحمد لله- ما كنت أخاف منه" (36 ) اهـ.
وقال السملالي [ت1152هـ] في "نوازله": "الأَوْلى والمؤكَّد ذكر السيادة مطلقًا، والله أعلم، نَصَّ على ذلك الشيخ ابن عطاء الله والإمام الحطَّاب، وأَلَّف القُسَنْطِيني على ذلك، وغيرهم ممن لا يُحصَى كثرةً، وهو المعَّول عليه" (37 ) اهـ.
وقال العارف بالله تعالى الإمام عبد الله الخياط الهاروشي [ت1175هـ] في كتابه "الفتح المبين والدر الثمين في الصلاة على سيد المرسلين": "والذي جرى عليه عمل الأئمة زيادة السيادة في غير الوارد وتركها فيما ورد؛ اتباعًا للفظ فرارًا من الزيادة فيه؛ لكونه خرج مخرج التعليم، ووقوفًا عند ما حُدَّ لهم، وعلى هذا درج صاحب "دلائل الخيرات" رضي الله عنه وغيره؛ فإنما أثبت اللفظ الوارد من غير زيادة السيادة وزادها في غير الوارد، لكن هذا بحسب الوضع في الخط، وأما من حيث الأداء فالأَوْلَى أن لا تَعرَى عنها في الوارد وغيره. سُئِل شيخنا العياشي حفظه الله عن زيادة السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: السيادة عبادة، قلتُ: وهو بَيِّنٌ؛ لأن المصلي إنما يقصد بصلاتِه تعظيمَه صلى الله عليه وآله وسلم، فلا معنَى حينئذٍ لترك التسويد؛ إذ هو عين التعظيم، وفي "الحِكَم": "ما الشأن وجودُ الطلب، وإنما الشأن أن تُرزَق حسن الأدب {لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9]" (38 ) اهـ.
قال: "وإنما لم يتلفَّظ صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ السيادة حين تعليمهم كيفيةَ الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم لكراهيته الفخر؛ ولهذا قال: "أنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ولا فَخرَ"، وأما نحـن فيجب علينا تعظيمه وتوقيره؛ ولهذا نهانا الله تعالى أن نناديه صلى الله عليه وآله وسلم باسمه فقال: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]" (39 ) اهـ.
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin