الصفحة 37 من 53
[مبحث الحديث القدسي: من عادى لي وليًا وذِكْر مَن رواه]
كما قال -صلى الله عليه وسلم- حكاية عن ربه: «وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الحديث([1]).
إلى أن قال: ومن طريق القوم أن لهم في كل عمل نية, لتكون قلوبهم حاضرة فيما يعانون من الأفعال والأقوال حتى يبقى ذلك عادة لهم, فتتمرن النفس على ذلك, فلا يطغى ولا يغفل ولا يسهو.
ثم قال: واعلم أن كل طائفة انتمت للاشتغال بعلم فلا بد لها من مصطلح في ذلك العلم حتى يتميز به ويقع به التخاطب بينهم, كما وقع لأرباب الصنائع, كالتجارة والحياكة وغير ذلك, فافتقرت هذه الطائفة إلى مصطلح يعبر به عن معلومها في مقاصدها, حتى يقع الفرق بين من انتمى إليها, وتخلق بأخلاقها, وتأدب بطريقها, ومارس علومها, وبين من كان خاليًا منها, معرضًا عنها, آخذًا في غير منهجها, أو معاشرًا لها قد تزيا بزيها ولم تسم همته إلى طلب علمها وفهم مصطلحها فظن من رآه أنه من علمائها. ومع ذلك فإن العبارة والإشارة لا تفيد لما يراد للنفس الأمارة, وإنما يفيدها ذلك ما تعامل به من الإهانة لها والحقارة.
وقال بعض المتكلمين لأبي العباس بن عطاء: ما بالكم -أيها الصوفية- اشتققتم ألفاظًا أغريتم بها على السامعين, وخرجتم عن اللسان المعتاد؟ فقال: ما قلنا ذلك إلا لغيرتنا عليه, لعزته علينا, حتى لا يشير به غير طائفتنا.
فمن ألفاظهم التي اصطلحوا عليها: الوقت والمقام والحال والخاطر والوارد والشارد والسر والنفس والغلبة والقبض والجمع والفرق والفناء والبقاء.. في ألفاظ أخر مبيَّنة في الكتب الموضوعة في هذا الشأن.
هذا آخر ما لخصته من كتاب القسطلاني.
([1]) تمامه: «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» رواه البخاري من طريق خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر عن عطاء هو ابن يسار عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ -تعالى- قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ» إلخ، هذا أشرف حديث في ذكر الأولياء، والتنبيه على ما لهم من علو المكانة عند ربهم حقه أن يتلقى بأكف القبول ويكتب بسواد العين على صفحات القلوب.
[طعن الذهبي في سند هذا الحديث والرد عليه]
ومع هذا قال الذهبي في الميزان -وقد (أسنده من طريق خالد)-: هذا حديث غريب جدًا، ولولا هيبة الجامع الصحيح لعددته في منكرات خالد، وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك، وليس بالحافظ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد، ولا أخرجه من عدا البخاري، ولا أظنه في مسند أحمد.أهـ. وهو ليس في المسند يقينًا كما قال الحافظ وادعاء أن المتن لم يرو إلا بهذا الإسناد مردود، فإن له طرقًا متعددة، منها عن عائشة رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الزهد، والقشيري في الرسالة من طريق عبدالواحد بن ميمون عن عرو عنها، وفيه من الزيادة: «وفؤاده الذي يعقل به، ولسانه الذي يكلم به» وعبدالواحد ضعيف لكن لم ينفرد به، فقد رواه الطبراني ثنا هارون بن كامل ثنا إبراهيم بن سويد المدني ثنا أبوحرزة يعقوب بن مجاهد عن عروة عن عائشة به ورجال هذا الإسناد رجال الصحيحين غير شيخ الطبراني فهو مجهول ومنها عن أبي أمامة رواه الطبراني والبيهقي في الزهد بإسناد فيه عثمان بن أبي عاتكة وعلي بن يزيد وهما ضعيفان، ومنها عن علي رواه الإسماعيلي في مسند علي بإسناد ضعيف وعن ابن عباس رواه الطبراني بإسنادين ضعيفين ورواه الطبراني والقشيري في الرسالة من طريق الحسن بن يحيى الخشني عن صدقة بن عبدالله الدمشقي عن هشام الكناني عن أنس، وهذا السند ضعيف ورواه البزار من طريقة صدقة بن عبدالكريم الجزري عن أنس، ورواه الطبراني من طريق الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش عن حذيفة مختصرًا بإسناد ضعيف. ورواه الحاكم من طريق آخر عن معاذ وصححه وأقره الذهبي نفسه. أما ما ادَّعاه من الغرابة في لفظ الحديث فسيأتي في الكتاب من التأويل ما يدفعه.
[مبحث الحديث القدسي: من عادى لي وليًا وذِكْر مَن رواه]
كما قال -صلى الله عليه وسلم- حكاية عن ربه: «وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الحديث([1]).
إلى أن قال: ومن طريق القوم أن لهم في كل عمل نية, لتكون قلوبهم حاضرة فيما يعانون من الأفعال والأقوال حتى يبقى ذلك عادة لهم, فتتمرن النفس على ذلك, فلا يطغى ولا يغفل ولا يسهو.
ثم قال: واعلم أن كل طائفة انتمت للاشتغال بعلم فلا بد لها من مصطلح في ذلك العلم حتى يتميز به ويقع به التخاطب بينهم, كما وقع لأرباب الصنائع, كالتجارة والحياكة وغير ذلك, فافتقرت هذه الطائفة إلى مصطلح يعبر به عن معلومها في مقاصدها, حتى يقع الفرق بين من انتمى إليها, وتخلق بأخلاقها, وتأدب بطريقها, ومارس علومها, وبين من كان خاليًا منها, معرضًا عنها, آخذًا في غير منهجها, أو معاشرًا لها قد تزيا بزيها ولم تسم همته إلى طلب علمها وفهم مصطلحها فظن من رآه أنه من علمائها. ومع ذلك فإن العبارة والإشارة لا تفيد لما يراد للنفس الأمارة, وإنما يفيدها ذلك ما تعامل به من الإهانة لها والحقارة.
وقال بعض المتكلمين لأبي العباس بن عطاء: ما بالكم -أيها الصوفية- اشتققتم ألفاظًا أغريتم بها على السامعين, وخرجتم عن اللسان المعتاد؟ فقال: ما قلنا ذلك إلا لغيرتنا عليه, لعزته علينا, حتى لا يشير به غير طائفتنا.
فمن ألفاظهم التي اصطلحوا عليها: الوقت والمقام والحال والخاطر والوارد والشارد والسر والنفس والغلبة والقبض والجمع والفرق والفناء والبقاء.. في ألفاظ أخر مبيَّنة في الكتب الموضوعة في هذا الشأن.
هذا آخر ما لخصته من كتاب القسطلاني.
([1]) تمامه: «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» رواه البخاري من طريق خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر عن عطاء هو ابن يسار عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ -تعالى- قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ» إلخ، هذا أشرف حديث في ذكر الأولياء، والتنبيه على ما لهم من علو المكانة عند ربهم حقه أن يتلقى بأكف القبول ويكتب بسواد العين على صفحات القلوب.
[طعن الذهبي في سند هذا الحديث والرد عليه]
ومع هذا قال الذهبي في الميزان -وقد (أسنده من طريق خالد)-: هذا حديث غريب جدًا، ولولا هيبة الجامع الصحيح لعددته في منكرات خالد، وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك، وليس بالحافظ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد، ولا أخرجه من عدا البخاري، ولا أظنه في مسند أحمد.أهـ. وهو ليس في المسند يقينًا كما قال الحافظ وادعاء أن المتن لم يرو إلا بهذا الإسناد مردود، فإن له طرقًا متعددة، منها عن عائشة رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الزهد، والقشيري في الرسالة من طريق عبدالواحد بن ميمون عن عرو عنها، وفيه من الزيادة: «وفؤاده الذي يعقل به، ولسانه الذي يكلم به» وعبدالواحد ضعيف لكن لم ينفرد به، فقد رواه الطبراني ثنا هارون بن كامل ثنا إبراهيم بن سويد المدني ثنا أبوحرزة يعقوب بن مجاهد عن عروة عن عائشة به ورجال هذا الإسناد رجال الصحيحين غير شيخ الطبراني فهو مجهول ومنها عن أبي أمامة رواه الطبراني والبيهقي في الزهد بإسناد فيه عثمان بن أبي عاتكة وعلي بن يزيد وهما ضعيفان، ومنها عن علي رواه الإسماعيلي في مسند علي بإسناد ضعيف وعن ابن عباس رواه الطبراني بإسنادين ضعيفين ورواه الطبراني والقشيري في الرسالة من طريق الحسن بن يحيى الخشني عن صدقة بن عبدالله الدمشقي عن هشام الكناني عن أنس، وهذا السند ضعيف ورواه البزار من طريقة صدقة بن عبدالكريم الجزري عن أنس، ورواه الطبراني من طريق الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش عن حذيفة مختصرًا بإسناد ضعيف. ورواه الحاكم من طريق آخر عن معاذ وصححه وأقره الذهبي نفسه. أما ما ادَّعاه من الغرابة في لفظ الحديث فسيأتي في الكتاب من التأويل ما يدفعه.
أمس في 19:59 من طرف Admin
» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
أمس في 19:56 من طرف Admin
» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
أمس في 19:51 من طرف Admin
» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
أمس في 19:47 من طرف Admin
» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: ريحانة الارواح في مولد خير الملاح لسيدي الشيخ علي أمين سيالة
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
أمس في 19:35 من طرف Admin
» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
أمس في 19:33 من طرف Admin
» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
أمس في 19:27 من طرف Admin
» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
أمس في 19:25 من طرف Admin
» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
أمس في 19:23 من طرف Admin
» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
أمس في 19:20 من طرف Admin
» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
أمس في 19:16 من طرف Admin
» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
أمس في 19:09 من طرف Admin