حول مولده الشريف صلى الله عليه وسلم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حَوْل مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
كَانَ مَوْلِدُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَحْفُوفَاً بِالإِكْرَامِ الإِلَهِيِّ، وَمَعْنِيَّاً بِالعِنَايَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ (مُؤَيَّدَاً بِالعِنَايَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ) وَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ تعالى عِنْدَ وِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَوَارِقَ وَغَرَائِبَ، إِرْهَاصَاً لِنُبُوَّتِهِ، وَتَمْهِيدَاً لِرِسَالَتِهِ، وَإِعْلَانَاً بِعَظِيمِ مَرْتَبَتِهِ، وَأَنَّ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَأْنَاً كَبِيرَاً.
فَمِنْ ذَلِكَ: انْتِشَارُ النُّورِ: وَامْتِدَادُهُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي عِنْدَ اللهِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ (قَالَ القَسْطَلَانِيُّ: يَعْنِي طَرِيحَاً مُلْقَىً في الأَرْضِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ).
وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ؛ إِنِّي دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ.
وَإِنَّ أُمَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورَاً أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ» وَرَوَاهُ البَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ نَحْوَهُ، قَالَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، وَقَالَتْ: أَضَاءَتْ لَهُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ. اهـ.
فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ التي دَعَاهَا في قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولَاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ...﴾. الآيَةَ.
وَهُوَ بِشَارَةُ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمُبَشِّرَاً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ . . .﴾. الآيَةَ.
وَهَذَا النُّورُ الذي ظَهَرَ عِنْدَ وِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَتْهُ رُؤْيَةَ عَيْنٍ بَصَرَيَّةٍ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتُ.
وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنْ آمِنَةَ وَالِدَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ لَيْلَةَ وَضْعِهِ نُورَاً أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ حَتَّى رَأَيْتُهَا.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ: عَطَاءٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ قَالَتْ: لَمَّا فَصَلَ ـ أَيْ: وُلِدَ ـ مِنِّي ـ تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ خَرَجَ مَعَهُ نُورٌ أَضَاءَ لَهُ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الأَرْضِ جَاثِيَاً عَلَى رُكْبَتَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .. » الحديث .
وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي العَاصِ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ عُثْمَانَ الثَّقَفِيَّةِ الصَّحَابِيَّةِ ـ وَاسْمُهَا فَاطِمَةُ بْنِتُ عَبْدِ اللهِ ـ (قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: ذَكَرَهَا أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ في الصَّحَابَةِ) أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا حَضَرْتُ وِلَادَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ البَيْتَ حِينَ وَقَعَ ـ أَيْ: نَزَلَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ـ قَدِ امْتَلَأَ نُورَاً، وَرَأَيْتُ النُّجُومَ تَدْنُو حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهَا سَتَقَعَ عَلَيَّ، فَلَمَّا وَضَعَتْهُ آمِنَةُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ البَيْتُ وَالدَّارُ، حَتَّى جَعَلْتُ لَا أَرَى إِلَّا نُورَاً. قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: وَرَوَاهُ البَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وَعَزَاهُ في الفَتْحِ إلى الطَّبَرَانِيِّ، وَقَالَ: شَاهِدُهُ حَدِيثُ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ـ أَيْ: المُتَقَدِّمُ ـ اهـ.
وَنَقَلَ فِي السِّيرَةِ الشَّامِيَّةِ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي شَامَةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى أَنَّهُ قَالَ:
وَقَدْ كَانَ هَذَا النُّورُ الذي ظَهَرَ وَقْتَ وِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدِ اشْتُهِرَ في قُرَيْشٍ وَكَثُرَ ذِكْرُهُ فِيهِمْ: وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في شِعْرِهِ حَيْثُ قَالَ:
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِــدْتَ أَشْـرَقَتِ الــ *** أَرْضُ وَضَاءَتْ بِـــنُورِكَ الْأُفُقُ
وَظُهُورُ هَذَا النُّورِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِشَارَةٌ إلى مَا يَجِيئُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ الذي يَهْدِي بِهِ العَالَمَ، وَيُزِيلُ بِهِ ظُلُمَاتِ الكُفْرِ، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ..﴾. الآيَةَ.
وَبِذَلِكَ النُّورِ الذي جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى: نَوَّرَ البَصَائِرَ، وَأَحْيَا القُلُوبَ المَيْتَةَ، وَفَتَحَ الأَعْيُنَ العَمْيَاءَ، وَالآذَانَ الصَّمَّاءَ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِنَ العَجَائِبِ التي ظَهَرَتْ عِنْدَ وِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِرْهَاصَاً لِنُبُوَّتِهِ:
مَا أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ ـ شَاعِرِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي لَغُلَامٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَو ثَمَانٍ (قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأَبِي جَدِّهِ، وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ. اهـ) أَعْقِلُ مَا رَأَيْتُ وَسَمِعْتُ، إِذَا يَهُودِيٌّ يَصْرُخُ ذَاتَ غَدَاةٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ وُلِدَ فِيكُمُ اللَّيْلَةَ مَوْلُودٌ؟
فَقَالُوا: لَا نَعْلَمُ.
قَالَ: انْظُرُوا، فَإِنَّهُ وُلِدَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ. . . الحَدِيثَ. رَوَاهُ الحَاكِمُ، وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الفَتْحِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حَوْل مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
كَانَ مَوْلِدُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَحْفُوفَاً بِالإِكْرَامِ الإِلَهِيِّ، وَمَعْنِيَّاً بِالعِنَايَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ (مُؤَيَّدَاً بِالعِنَايَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ) وَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ تعالى عِنْدَ وِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَوَارِقَ وَغَرَائِبَ، إِرْهَاصَاً لِنُبُوَّتِهِ، وَتَمْهِيدَاً لِرِسَالَتِهِ، وَإِعْلَانَاً بِعَظِيمِ مَرْتَبَتِهِ، وَأَنَّ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَأْنَاً كَبِيرَاً.
فَمِنْ ذَلِكَ: انْتِشَارُ النُّورِ: وَامْتِدَادُهُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي عِنْدَ اللهِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ (قَالَ القَسْطَلَانِيُّ: يَعْنِي طَرِيحَاً مُلْقَىً في الأَرْضِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ).
وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ؛ إِنِّي دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ.
وَإِنَّ أُمَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورَاً أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ» وَرَوَاهُ البَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ نَحْوَهُ، قَالَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، وَقَالَتْ: أَضَاءَتْ لَهُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ. اهـ.
فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ التي دَعَاهَا في قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولَاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ...﴾. الآيَةَ.
وَهُوَ بِشَارَةُ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمُبَشِّرَاً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ . . .﴾. الآيَةَ.
وَهَذَا النُّورُ الذي ظَهَرَ عِنْدَ وِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَتْهُ رُؤْيَةَ عَيْنٍ بَصَرَيَّةٍ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتُ.
وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنْ آمِنَةَ وَالِدَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ لَيْلَةَ وَضْعِهِ نُورَاً أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ حَتَّى رَأَيْتُهَا.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ: عَطَاءٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ قَالَتْ: لَمَّا فَصَلَ ـ أَيْ: وُلِدَ ـ مِنِّي ـ تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ خَرَجَ مَعَهُ نُورٌ أَضَاءَ لَهُ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الأَرْضِ جَاثِيَاً عَلَى رُكْبَتَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .. » الحديث .
وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي العَاصِ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ عُثْمَانَ الثَّقَفِيَّةِ الصَّحَابِيَّةِ ـ وَاسْمُهَا فَاطِمَةُ بْنِتُ عَبْدِ اللهِ ـ (قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: ذَكَرَهَا أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ في الصَّحَابَةِ) أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا حَضَرْتُ وِلَادَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ البَيْتَ حِينَ وَقَعَ ـ أَيْ: نَزَلَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ـ قَدِ امْتَلَأَ نُورَاً، وَرَأَيْتُ النُّجُومَ تَدْنُو حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهَا سَتَقَعَ عَلَيَّ، فَلَمَّا وَضَعَتْهُ آمِنَةُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ البَيْتُ وَالدَّارُ، حَتَّى جَعَلْتُ لَا أَرَى إِلَّا نُورَاً. قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: وَرَوَاهُ البَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وَعَزَاهُ في الفَتْحِ إلى الطَّبَرَانِيِّ، وَقَالَ: شَاهِدُهُ حَدِيثُ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ـ أَيْ: المُتَقَدِّمُ ـ اهـ.
وَنَقَلَ فِي السِّيرَةِ الشَّامِيَّةِ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي شَامَةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى أَنَّهُ قَالَ:
وَقَدْ كَانَ هَذَا النُّورُ الذي ظَهَرَ وَقْتَ وِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدِ اشْتُهِرَ في قُرَيْشٍ وَكَثُرَ ذِكْرُهُ فِيهِمْ: وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في شِعْرِهِ حَيْثُ قَالَ:
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِــدْتَ أَشْـرَقَتِ الــ *** أَرْضُ وَضَاءَتْ بِـــنُورِكَ الْأُفُقُ
وَظُهُورُ هَذَا النُّورِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِشَارَةٌ إلى مَا يَجِيئُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ الذي يَهْدِي بِهِ العَالَمَ، وَيُزِيلُ بِهِ ظُلُمَاتِ الكُفْرِ، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ..﴾. الآيَةَ.
وَبِذَلِكَ النُّورِ الذي جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى: نَوَّرَ البَصَائِرَ، وَأَحْيَا القُلُوبَ المَيْتَةَ، وَفَتَحَ الأَعْيُنَ العَمْيَاءَ، وَالآذَانَ الصَّمَّاءَ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِنَ العَجَائِبِ التي ظَهَرَتْ عِنْدَ وِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِرْهَاصَاً لِنُبُوَّتِهِ:
مَا أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ ـ شَاعِرِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي لَغُلَامٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَو ثَمَانٍ (قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأَبِي جَدِّهِ، وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ. اهـ) أَعْقِلُ مَا رَأَيْتُ وَسَمِعْتُ، إِذَا يَهُودِيٌّ يَصْرُخُ ذَاتَ غَدَاةٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ وُلِدَ فِيكُمُ اللَّيْلَةَ مَوْلُودٌ؟
فَقَالُوا: لَا نَعْلَمُ.
قَالَ: انْظُرُوا، فَإِنَّهُ وُلِدَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ. . . الحَدِيثَ. رَوَاهُ الحَاكِمُ، وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الفَتْحِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
أمس في 20:03 من طرف Admin
» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
أمس في 20:02 من طرف Admin
» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
أمس في 19:34 من طرف Admin
» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
أمس في 19:31 من طرف Admin
» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:28 من طرف Admin
» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:26 من طرف Admin
» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
أمس في 19:24 من طرف Admin
» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
أمس في 19:21 من طرف Admin
» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
أمس في 19:19 من طرف Admin
» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
أمس في 19:17 من طرف Admin
» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
أمس في 19:14 من طرف Admin
» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
أمس في 19:12 من طرف Admin