حبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التيمن
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حُبُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التَّيَمُّنَ في شَأْنِهِ كُلِّهِ:
رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ، فِي طُهُورِهِ، وَتَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ.
وَالتَّيَمُّنُ: هُوَ الابْتِدَاءُ في الأَفْعَالِ بِاليَدِ اليُمْنَى، إِنْ كَانَ الفِعْلُ مَنُوطَاً بِاليَدِ، وَبِالرِّجْلِ اليُمْنَى إِنْ كَانَ مَنُوطَاً بِالرِّجْلِ، وَبِالجَانِبِ الأَيْمَنِ إِنْ كَانَ الفِعْلُ مُتَعَلِّقَاً بِالجَوَانِبِ.
وَالحِكْمَةُ في ذَلِكَ كَمَا أَوْضَحَهُ العُلَمَاءُ وَالعُرَفَاءُ: هُوَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَكْرِيمِ اليَمِينِ، وَالتَّفَاؤُلِ الحَسَنِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ اليَمِينِ هُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَيُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَنُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ.
وَفِي هَذَا يَتَجَلَّى تَمَامُ تَنْظِيمُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهَدْيُهُ في مُبَاشَرَةِ الأَعْمَالِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ أَحَدِ طَرَفَيِ اليَمِينِ أَو الشِّمَالِ في مُبَاشَرَةِ الأَعْمَالِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الفَوْضَى في ذَلِكَ، وَسَنَّ البَدْءَ بِاليَمِينِ، وَرَجَّحَهَا عَلَى الشِّمَالِ، لِمَا تَقَدَّمَ.
فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَبْدَأُ بِاليَمِينِ في طَهُورِهِ ـ أَيْ: تَطَهُّرِهِ، وَهَذَا شَامِلٌ للوُضُوءِ وَالغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ، وَفِي تَرَجُّلِهِ، أَيْ: تَمْشِيطِ شَعْرِ رَأْسِهِ الشَّرِيفِ وَلِحْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (كَذَا في جَمْعِ الوَسَائِلِ) وَفِي تَنَعُّلِهِ، أَيْ: لُبْسِ نَعْلِهِ.
وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ في رِوَايَتِهِ: وَفِي سِوَاكِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ.
وَجَاءَ في رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ، يَأْخُذُ بِيَمِينِهِ، وَيُعْطِي بِيَمِينِهِ، وَيُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ».
وَهَذَا العُمُومُ الوَارِدُ في تَيَامُنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في جَمِيعِ أَمْرِهِ هُوَ كَمَا قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَالتَّزْيِينِ: كَالأَخْذِ وَالعَطَاءِ، وَدُخُولِ المَسْجِدِ وَالبَيْتِ، وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَقَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الإِبِطِ، وَالاكْتِحَالِ، وَالاضْطِجَاعِ، وَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ (كَمَا في جَمْعِ الوَسَائِلِ وَغَيْرِهِ).
وَأَمَّا مَا لَا تَكْرِيمَ فِيهِ وَلَا تَزْيِينَ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الإِزَالَةِ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِاليَسَارِ، إِكْرَامَاً لليَمِينِ أَيْضَاً، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اليُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَذَىً.
وَرَوَى أَيْضَاً عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلَا يَـشْرَبْ نَفَسَاً وَاحِدَاً».
وَكانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِاسْتِعْمَالِ اليَمِينِ في الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالأَخْذِ وَالعَطَاءِ، وَيَنْهَى عَنِ اسْتِعْمَالِ الشِّمَالِ في ذَلِكَ:
رَوَى ابْنُ مَاجَه بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ، وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ، وَيُعْطِي بِشِمَالِهِ، وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ».
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِهَا».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُقَدِّمُ الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ، وَيَقُولُ: «الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ» (أَيْ: قَدِّمُوا «الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ».
رَوَى الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ للبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنَاً، وَأَتَى دَارَهُ (أَيْ: وَالحَالَ قَدْ أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَارَ أَنَسٍ) فَحَلَبْتُ شَاةً، فَشِبْتُ ـ أي :مَزَجْتُ الَحليْبَ بِبَعْضِ الَماءِ ـ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ البِئْرِ، فَتَنَاوَلَ القَدَحَ فَشَرِبَ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَأَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأَعْرَابِيَّ فَضْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: «الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ».
وَفِي رِوَايَةٍ: «الأَيْمَنُونَ الأَيْمَنُونَ».
وَفِي رِوَايَةٍ: «أَلاَ فَيَمِّنُوا».
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: أَيْ: يُقَدَّمُ مَنْ عَلَى يَمِينِ الشَّارِبِ في الشُّرْبِ، ثُمَّ الذي عَنْ يَمِينِ الثَّانِي، وَهَلُمَّ جَرَّاً، وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الجَمِيعِ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: يَجِبُ. اهـ. (فتح الباري).
فَيُبْدَأُ بِكَبِيرِ القَوْمِ أَو مُقَدَّمِهِمْ في الفَضْلِ، أَو رَئِيسِهِمْ، ثُمَّ بِمَنْ عَلَى يَمِينِهِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حُبُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التَّيَمُّنَ في شَأْنِهِ كُلِّهِ:
رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ، فِي طُهُورِهِ، وَتَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ.
وَالتَّيَمُّنُ: هُوَ الابْتِدَاءُ في الأَفْعَالِ بِاليَدِ اليُمْنَى، إِنْ كَانَ الفِعْلُ مَنُوطَاً بِاليَدِ، وَبِالرِّجْلِ اليُمْنَى إِنْ كَانَ مَنُوطَاً بِالرِّجْلِ، وَبِالجَانِبِ الأَيْمَنِ إِنْ كَانَ الفِعْلُ مُتَعَلِّقَاً بِالجَوَانِبِ.
وَالحِكْمَةُ في ذَلِكَ كَمَا أَوْضَحَهُ العُلَمَاءُ وَالعُرَفَاءُ: هُوَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَكْرِيمِ اليَمِينِ، وَالتَّفَاؤُلِ الحَسَنِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ اليَمِينِ هُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَيُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَنُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ.
وَفِي هَذَا يَتَجَلَّى تَمَامُ تَنْظِيمُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهَدْيُهُ في مُبَاشَرَةِ الأَعْمَالِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ أَحَدِ طَرَفَيِ اليَمِينِ أَو الشِّمَالِ في مُبَاشَرَةِ الأَعْمَالِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الفَوْضَى في ذَلِكَ، وَسَنَّ البَدْءَ بِاليَمِينِ، وَرَجَّحَهَا عَلَى الشِّمَالِ، لِمَا تَقَدَّمَ.
فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَبْدَأُ بِاليَمِينِ في طَهُورِهِ ـ أَيْ: تَطَهُّرِهِ، وَهَذَا شَامِلٌ للوُضُوءِ وَالغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ، وَفِي تَرَجُّلِهِ، أَيْ: تَمْشِيطِ شَعْرِ رَأْسِهِ الشَّرِيفِ وَلِحْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (كَذَا في جَمْعِ الوَسَائِلِ) وَفِي تَنَعُّلِهِ، أَيْ: لُبْسِ نَعْلِهِ.
وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ في رِوَايَتِهِ: وَفِي سِوَاكِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ.
وَجَاءَ في رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ، يَأْخُذُ بِيَمِينِهِ، وَيُعْطِي بِيَمِينِهِ، وَيُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ».
وَهَذَا العُمُومُ الوَارِدُ في تَيَامُنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في جَمِيعِ أَمْرِهِ هُوَ كَمَا قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَالتَّزْيِينِ: كَالأَخْذِ وَالعَطَاءِ، وَدُخُولِ المَسْجِدِ وَالبَيْتِ، وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَقَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الإِبِطِ، وَالاكْتِحَالِ، وَالاضْطِجَاعِ، وَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ (كَمَا في جَمْعِ الوَسَائِلِ وَغَيْرِهِ).
وَأَمَّا مَا لَا تَكْرِيمَ فِيهِ وَلَا تَزْيِينَ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الإِزَالَةِ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِاليَسَارِ، إِكْرَامَاً لليَمِينِ أَيْضَاً، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اليُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَذَىً.
وَرَوَى أَيْضَاً عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلَا يَـشْرَبْ نَفَسَاً وَاحِدَاً».
وَكانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِاسْتِعْمَالِ اليَمِينِ في الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالأَخْذِ وَالعَطَاءِ، وَيَنْهَى عَنِ اسْتِعْمَالِ الشِّمَالِ في ذَلِكَ:
رَوَى ابْنُ مَاجَه بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ، وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ، وَيُعْطِي بِشِمَالِهِ، وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ».
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِهَا».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُقَدِّمُ الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ، وَيَقُولُ: «الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ» (أَيْ: قَدِّمُوا «الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ».
رَوَى الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ للبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنَاً، وَأَتَى دَارَهُ (أَيْ: وَالحَالَ قَدْ أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَارَ أَنَسٍ) فَحَلَبْتُ شَاةً، فَشِبْتُ ـ أي :مَزَجْتُ الَحليْبَ بِبَعْضِ الَماءِ ـ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ البِئْرِ، فَتَنَاوَلَ القَدَحَ فَشَرِبَ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَأَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأَعْرَابِيَّ فَضْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: «الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ».
وَفِي رِوَايَةٍ: «الأَيْمَنُونَ الأَيْمَنُونَ».
وَفِي رِوَايَةٍ: «أَلاَ فَيَمِّنُوا».
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: أَيْ: يُقَدَّمُ مَنْ عَلَى يَمِينِ الشَّارِبِ في الشُّرْبِ، ثُمَّ الذي عَنْ يَمِينِ الثَّانِي، وَهَلُمَّ جَرَّاً، وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الجَمِيعِ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: يَجِبُ. اهـ. (فتح الباري).
فَيُبْدَأُ بِكَبِيرِ القَوْمِ أَو مُقَدَّمِهِمْ في الفَضْلِ، أَو رَئِيسِهِمْ، ثُمَّ بِمَنْ عَلَى يَمِينِهِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin