مع الحبيب المصطفى: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
77ـ صورة من غضب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (11)
«أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لقد أمَرَ اللهُ تعالى عِبادَهُ المؤمِنينَ بِطَلَبِ الرِّزقِ، وحَثَّهُم على ذلكَ، فقال تعالى: ﴿فَابْتَغُوا عِندَ الله الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾. وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور﴾.
وأمَرَ اللهُ تعالى العَبدَ أن يَضرِبَ في الأرضِ طَلَباً للرِّزقِ، وجَعَلَ ذلكَ بِمَنزِلَةِ الجِهادِ إذا حَسُنَت نِيَّتُهُ وحَسُنَ قَصدُهُ، قال تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله﴾.
دَعوَةُ الإسلامِ لاحتِرامِ أموالِ الآخَرينَ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أكرَمَنا اللهُ بِتَشريعٍ سامٍ، ومن سِماتِ هذا التَّشريعِ أنَّ اللهَ تعالى أتَمَّهُ وأكمَلَهُ، وليسَ بَعدَ إتمامِ الله تعالى وإكمالِهِ كمالٌ ولا تَمامٌ.
والذي يُسعِدُ البَشَرِيَّةَ ويُصلِحُها هوَ هذا الشَّرعُ الشَّريفُ، الذي دَعَا النَّاسَ جَميعاً إلى احتِرامِ أموالِ الآخَرينَ وحِفظِها وصِيانَتِها، فأموالُ النَّاسِ يَحرُمُ التَّعَدِّي عَلَيها إتلافاً أو اغتِصاباً أو سَرِقَةً أو غِشَّاً أو خِيانَةً.
ولأجلِ هذا حُرِّمَت سَرِقَةُ الأموالِ، وجُعِلَتِ السَّرِقَةُ كَبيرَةً من كَبائِرِ الذُّنوبِ، وجَريمَةً من الجَرائِمِ الأخلاقِيَّةِ التي لا يَتَّصِفُ بها ذُو دِينٍ صَحيحٍ، واستِقامَةٍ على الخَيرِ.
يَدُ السَّارِقِ يَدٌ خَبيثَةٌ يَجِبُ بَتْرُها:
أيُّها الإخوة الكرام: اليَدُ التي تَأخُذُ أموالَ النَّاسِ بِغَيرِ حَقٍّ، وخاصَّةً عن طَريقِ السَّرِقَةِ هيَ يَدٌ خَبيثَةٌ، تُرَوِّعُ الآمِنينَ، وتَأكُلُ جُهدَ الآخَرينَ ظُلماً وعُدواناً، ورُبَّما زَيَّنَت هذهِ اليَدُ الخَبيثَةُ لِصاحِبِها سَفْكَ الدِّماءِ لِلوُصولِ إلى بُغيَتِهِ من مالٍ بِطَريقٍ غَيرِ مَشروعٍ، لذلكَ جَعَلَ الإسلامُ حَدَّاً لِلسَّرِقَةِ، وذلكَ بِقَطعِ يَدِ السَّارِقِ، قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله واللهُ عَزِيزٌ حَكِيم﴾.
هذا حُكمٌ من الله تعالى، وعُقوبَةٌ رادِعَةٌ، لِتَكونَ مانِعَةً لمن تُسَوِّلُ له نَفسُهُ السَّرِقَةَ، فَتُقطَعُ يَدُهُ اليُمنى، فإن عادَ فاليُسرى، وهكذا حتَّى يَسلَمَ النَّاسُ من شَرِّهِ وبَلائِهِ، جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله.
لا شَفاعَةَ في حَدٍّ من حُدودِ الله:
أيُّها الإخوة الكرام: حَدُّ السَّرِقَةِ وسائِرُ الحُدودِ رادِعَةٌ لأهلِ الإجرامِ، ومُوقِفَةٌ لهُم عِندَ حَدِّهِم، وحاجِزَةٌ بَينَهُم وبَينَ الاستِمرارِ في جرائِمِهِم، ومُطَهِّرَةٌ لهُم من الآثامِ.
روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله؟»
ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِم الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِم الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ الله، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
وِقفَةٌ مع هذا الحَديثِ الشَّريفِ:
أولاً: العَدلُ مَفخَرَةٌ من مَفاخِرِ الإسلامِ:
أيُّها الإخوة الكرام: العَدلُ مَفخَرَةٌ من مَفاخِرِ الإسلامِ، وتاجُ عِزَّةِ هذهِ الأمَّةِ على الأنامِ، عَدلٌ لا يُجامَلُ فيهِ قَوِيٌّ ولا نَسيبٌ، ولا يُحابى فيهِ بَعيدٌ أو قَريبٌ، ولمَّا تَوَلَّى الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ الخِلافَةَ بَعدَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أعلَنَها مُدَوِّيَةً حِينَ قالَ وهوَ يُخاطِبُ المُسلِمينَ:
وإنَّ أقواكُم عِندِي الضَّعيفُ حتَّى آخُذَ لهُ بِحَقِّهِ، وإنَّ أضعَفَكُم عِندِي القَوِيُّ حتَّى آخُذَ الحقَّ مِنهُ.
وهذا سيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ يُوصي أبا موسى الأشعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ ويَقولُ: وَآسِ بَيْنَ النَّاسِ في وَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَعَدْلِكَ، حَتَّى لاَ يَيَأسَ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِكَ، وَلاَ يَطْمَعَ الشَّرِيفُ في حَيْفِكَ.
ورَحِمَ اللهُ من قال:
عَـلَيكَ بـالـعَدلِ إن وُلِّيـتَ مَملَكَةً *** واحذَرْ من الجَورِ فـيها غـايَـةَ الحَذَرِ
فالمُلكُ يَبقى على عَدلِ الكَفورِ ولا *** يَـبقى معَ الجَـورِ في بَـدوٍ ولا حَـضَرِ
ثانياً: حُسنُ استِقبالِ المُذنِبِ بَعدَ التَّوبَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: حَديثُ المَرأةِ المَخزومِيَّةِ مَعروفٌ عِندَ الجَميعِ، ولكن الذي يَجهَلُهُ الكَثيرُ تَتِمَّةُ الحَديثِ، روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّها قالت عن تِلكَ المَرأةِ المَخزومِيَّةِ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
إنَّ حُسنَ استِقبالِ العاصي بَعدَ التَّوبَةِ هوَ الذي يَجعَلُ التَّائِبَ مُستَمِرَّاً على تَوبَتِهِ، ولكن في كَثيرٍ من الأحيانِ لا يُحسِنُ البَعضُ استِقبالَ التَّائِبينَ، ويَنظُرُونَ إليهِم بِعَينِ الازدِراءِ والاحتِقارِ والنَّقصِ، لأنَّهُ كانَ صاحِبَ سِجِلٍّ في الماضي، وهذا يَدفَعُهُ إلى أن يَرجِعَ إلى ما كانَ عَلَيهِ.
ولذا كانَ يُوصي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيراً بالتَّائِبينَ فَيَقولُ: «لَا تَكُونُوا عَوْناً لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ» رواه الإمام أحمد عن أبي مَاجِدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وقد وَرَدَ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فيما روى الحاكم عن عَبدِ الله بنِ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كانَ بَعدَ ذلكَ يَرحَمُها ويَصِلُها.
وأخرجَ الإمام أحمد في مُسنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عنهُما، أنَّ المَخزومِيَّةَ بَعدَ أن قُطِعَتْ يَدُها قَالَتْ: هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ يَا رَسُولَ الله؟
قَالَ: «نَعَمْ، أَنْتِ الْيَوْمَ مِنْ خَطِيئَتِكِ كَيَوْمِ وَلَدَتْكِ أُمُّكِ».
ثالثاً: لا شَفاعَةَ في الحُدودِ إذا بَلَغَتِ الإمامَ:
أيُّها الإخوة الكرام: الشَّفاعَةُ مَطلوبَةٌ شَرعاً، قال تعالى: ﴿من يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً﴾.
وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ: «اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ».
وفي رواية الإمام البخاري قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ».
فالشَّفاعَةُ الحَسَنَةُ مَطلوبَةٌ ومَرغوبٌ فيها، وهيَ مُندَرِجَةٌ تَحتَ قَولِهِ تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾. وللشَّفيعِ أجرُها وثَوابُها، ولكن بِشَرطِ أن لا تَكونَ هذهِ الشَّفاعَةُ في حَدٍّ من الحُدودِ التي حَدَّها اللهُ تعالى إذا بَلَعَتِ الإمامَ، أمَّا إذا لم تَبلُغِ الإمامَ فالشَّفاعَةُ جائِزَةٌ شَرعاً، بل مَطلوبَةٌ.
روى الإمام مالك والطبراني عن الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّهُ لَقِيَ رَجُلاً قَدْ أَخَذَ سَارِقاً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ، فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ.
فَقَالَ: لَا حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ السُّلْطَانَ.
فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِذَا بَلَغْتَ بِهِ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ.
وذلكَ لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ ضَادَّ اللهَ فِي أَمْرِهِ» رواه الإمام أحمد عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
وروى ابن أبي شَيبَةَ عن عِكرِمَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ ابنَ عبَّاسٍ وعَمَّاراً والزُّبَيرَ أخَذوا سَارِقاً فَخَلُّوا سَبيلَهُ.
فَقُلتُ لابنِ عَبَّاسٍ: بِئسَما صَنَعتُم حِينَ خَلَّيتُم سَبيلَهُ.
فقال: لا أمَّ لكَ، أما لو كُنتَ أنتَ لَسَرَّكَ أن يُخَلِّيَ سَبيلَكَ.
ولِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لا تَشفَعْ في حَدٍّ، فإنَّ الحُدودَ إذا انتَهَت إليَّ فَلَيسَت بِمَتروكَةٍ» نيل الأوطار عن حبيب بن أبي ثابت رَضِيَ اللهُ عنهُ.
ولِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَعَافُّوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» رواه الحاكم وأبو داود عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: الإسلامُ احتَرَمَ أموالَ النَّاسِ، ودَعا المُؤمِنينَ إلى المُحافَظَةِ عَلَيها، فمن سَوَّلَت لهُ نَفسُهُ فَأخَذَها بِغَيرِ حَقٍّ فَليُسرِعْ إلى أدائِها في الحَياةِ الدُّنيا ـ وخاصَّةً إذا لم تَصِلْ إلى الإمامِ، أو إذا تَعَطَّلَت الحُدودُ ـ لأنَّهُ إذا لم يُؤَدِّها في الدُّنيا فَسَوفَ يُؤَدِّيها يومَ القِيامَةِ من طاعاتِهِ، أو سَيَتَحَمَّلُ أوزارَ الآخَرينَ.
حُقوقُ النَّاسِ مهما طالَ الزَّمانُ وتَقادَمَ لا تُعفِي الإنسانَ عنها، وغِيابُ أهلِها لا يَعفي الإنسانَ، أخرجَ أبو داود عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ الله أَنْ يَلْقَاهُ بِهَا عَبْدٌ بَعْدَ الْكَبَائِرِ الَّتِي نَهَى اللهُ عَنْهَا أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَدَعُ لَهُ قَضَاءً».
أيُّها الإخوة الكرام: في هذهِ الأزمَةِ يَظُنُّ البَعضُ أنَّ الحُقوقَ قد ضاعَت، لأنَّ صاحِبَ الحَقِّ لا يَستَطيعُ أن يَصِلَ إلى حَقِّهِ، قولوا لمن ظَنَّ هذا الظَّنَّ القِيامَةُ آتِيَةٌ، وكُلُّ آتٍ قَريبٌ، وعِندَ الله تَجتَمِعُ الخُصومُ.
فالسَّعيدُ من أعادَ الحُقوقَ لأصحابِها، وبَرهَنَ للنَّاسِ على صِدقِ إيمانِهِ، وصِدقِ خَوفِهِ من الله تعالى، وصِدقِ أمانَتِهِ، وصِدقِ صَلاحِهِ، وصِدقِ حُبِّهِ الخَيرَ للغَيرِ، السَّعيدُ من خَرَجَ من الدُّنيا وذِمَّتُهُ بَريئَةٌ من حُقوقِ العِبادِ، وقد سَلِمَ المُسلِمونَ من لِسانِهِ ويَدِهِ.
اللَّهُمَّ لا تَجعَلْ عَلَينا تَبِعَةً لأحَدٍ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
77ـ صورة من غضب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (11)
«أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لقد أمَرَ اللهُ تعالى عِبادَهُ المؤمِنينَ بِطَلَبِ الرِّزقِ، وحَثَّهُم على ذلكَ، فقال تعالى: ﴿فَابْتَغُوا عِندَ الله الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾. وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور﴾.
وأمَرَ اللهُ تعالى العَبدَ أن يَضرِبَ في الأرضِ طَلَباً للرِّزقِ، وجَعَلَ ذلكَ بِمَنزِلَةِ الجِهادِ إذا حَسُنَت نِيَّتُهُ وحَسُنَ قَصدُهُ، قال تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله﴾.
دَعوَةُ الإسلامِ لاحتِرامِ أموالِ الآخَرينَ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أكرَمَنا اللهُ بِتَشريعٍ سامٍ، ومن سِماتِ هذا التَّشريعِ أنَّ اللهَ تعالى أتَمَّهُ وأكمَلَهُ، وليسَ بَعدَ إتمامِ الله تعالى وإكمالِهِ كمالٌ ولا تَمامٌ.
والذي يُسعِدُ البَشَرِيَّةَ ويُصلِحُها هوَ هذا الشَّرعُ الشَّريفُ، الذي دَعَا النَّاسَ جَميعاً إلى احتِرامِ أموالِ الآخَرينَ وحِفظِها وصِيانَتِها، فأموالُ النَّاسِ يَحرُمُ التَّعَدِّي عَلَيها إتلافاً أو اغتِصاباً أو سَرِقَةً أو غِشَّاً أو خِيانَةً.
ولأجلِ هذا حُرِّمَت سَرِقَةُ الأموالِ، وجُعِلَتِ السَّرِقَةُ كَبيرَةً من كَبائِرِ الذُّنوبِ، وجَريمَةً من الجَرائِمِ الأخلاقِيَّةِ التي لا يَتَّصِفُ بها ذُو دِينٍ صَحيحٍ، واستِقامَةٍ على الخَيرِ.
يَدُ السَّارِقِ يَدٌ خَبيثَةٌ يَجِبُ بَتْرُها:
أيُّها الإخوة الكرام: اليَدُ التي تَأخُذُ أموالَ النَّاسِ بِغَيرِ حَقٍّ، وخاصَّةً عن طَريقِ السَّرِقَةِ هيَ يَدٌ خَبيثَةٌ، تُرَوِّعُ الآمِنينَ، وتَأكُلُ جُهدَ الآخَرينَ ظُلماً وعُدواناً، ورُبَّما زَيَّنَت هذهِ اليَدُ الخَبيثَةُ لِصاحِبِها سَفْكَ الدِّماءِ لِلوُصولِ إلى بُغيَتِهِ من مالٍ بِطَريقٍ غَيرِ مَشروعٍ، لذلكَ جَعَلَ الإسلامُ حَدَّاً لِلسَّرِقَةِ، وذلكَ بِقَطعِ يَدِ السَّارِقِ، قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله واللهُ عَزِيزٌ حَكِيم﴾.
هذا حُكمٌ من الله تعالى، وعُقوبَةٌ رادِعَةٌ، لِتَكونَ مانِعَةً لمن تُسَوِّلُ له نَفسُهُ السَّرِقَةَ، فَتُقطَعُ يَدُهُ اليُمنى، فإن عادَ فاليُسرى، وهكذا حتَّى يَسلَمَ النَّاسُ من شَرِّهِ وبَلائِهِ، جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله.
لا شَفاعَةَ في حَدٍّ من حُدودِ الله:
أيُّها الإخوة الكرام: حَدُّ السَّرِقَةِ وسائِرُ الحُدودِ رادِعَةٌ لأهلِ الإجرامِ، ومُوقِفَةٌ لهُم عِندَ حَدِّهِم، وحاجِزَةٌ بَينَهُم وبَينَ الاستِمرارِ في جرائِمِهِم، ومُطَهِّرَةٌ لهُم من الآثامِ.
روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله؟»
ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِم الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِم الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ الله، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
وِقفَةٌ مع هذا الحَديثِ الشَّريفِ:
أولاً: العَدلُ مَفخَرَةٌ من مَفاخِرِ الإسلامِ:
أيُّها الإخوة الكرام: العَدلُ مَفخَرَةٌ من مَفاخِرِ الإسلامِ، وتاجُ عِزَّةِ هذهِ الأمَّةِ على الأنامِ، عَدلٌ لا يُجامَلُ فيهِ قَوِيٌّ ولا نَسيبٌ، ولا يُحابى فيهِ بَعيدٌ أو قَريبٌ، ولمَّا تَوَلَّى الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ الخِلافَةَ بَعدَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أعلَنَها مُدَوِّيَةً حِينَ قالَ وهوَ يُخاطِبُ المُسلِمينَ:
وإنَّ أقواكُم عِندِي الضَّعيفُ حتَّى آخُذَ لهُ بِحَقِّهِ، وإنَّ أضعَفَكُم عِندِي القَوِيُّ حتَّى آخُذَ الحقَّ مِنهُ.
وهذا سيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ يُوصي أبا موسى الأشعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ ويَقولُ: وَآسِ بَيْنَ النَّاسِ في وَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَعَدْلِكَ، حَتَّى لاَ يَيَأسَ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِكَ، وَلاَ يَطْمَعَ الشَّرِيفُ في حَيْفِكَ.
ورَحِمَ اللهُ من قال:
عَـلَيكَ بـالـعَدلِ إن وُلِّيـتَ مَملَكَةً *** واحذَرْ من الجَورِ فـيها غـايَـةَ الحَذَرِ
فالمُلكُ يَبقى على عَدلِ الكَفورِ ولا *** يَـبقى معَ الجَـورِ في بَـدوٍ ولا حَـضَرِ
ثانياً: حُسنُ استِقبالِ المُذنِبِ بَعدَ التَّوبَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: حَديثُ المَرأةِ المَخزومِيَّةِ مَعروفٌ عِندَ الجَميعِ، ولكن الذي يَجهَلُهُ الكَثيرُ تَتِمَّةُ الحَديثِ، روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّها قالت عن تِلكَ المَرأةِ المَخزومِيَّةِ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
إنَّ حُسنَ استِقبالِ العاصي بَعدَ التَّوبَةِ هوَ الذي يَجعَلُ التَّائِبَ مُستَمِرَّاً على تَوبَتِهِ، ولكن في كَثيرٍ من الأحيانِ لا يُحسِنُ البَعضُ استِقبالَ التَّائِبينَ، ويَنظُرُونَ إليهِم بِعَينِ الازدِراءِ والاحتِقارِ والنَّقصِ، لأنَّهُ كانَ صاحِبَ سِجِلٍّ في الماضي، وهذا يَدفَعُهُ إلى أن يَرجِعَ إلى ما كانَ عَلَيهِ.
ولذا كانَ يُوصي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيراً بالتَّائِبينَ فَيَقولُ: «لَا تَكُونُوا عَوْناً لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ» رواه الإمام أحمد عن أبي مَاجِدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وقد وَرَدَ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فيما روى الحاكم عن عَبدِ الله بنِ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كانَ بَعدَ ذلكَ يَرحَمُها ويَصِلُها.
وأخرجَ الإمام أحمد في مُسنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عنهُما، أنَّ المَخزومِيَّةَ بَعدَ أن قُطِعَتْ يَدُها قَالَتْ: هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ يَا رَسُولَ الله؟
قَالَ: «نَعَمْ، أَنْتِ الْيَوْمَ مِنْ خَطِيئَتِكِ كَيَوْمِ وَلَدَتْكِ أُمُّكِ».
ثالثاً: لا شَفاعَةَ في الحُدودِ إذا بَلَغَتِ الإمامَ:
أيُّها الإخوة الكرام: الشَّفاعَةُ مَطلوبَةٌ شَرعاً، قال تعالى: ﴿من يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً﴾.
وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ: «اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ».
وفي رواية الإمام البخاري قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ».
فالشَّفاعَةُ الحَسَنَةُ مَطلوبَةٌ ومَرغوبٌ فيها، وهيَ مُندَرِجَةٌ تَحتَ قَولِهِ تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾. وللشَّفيعِ أجرُها وثَوابُها، ولكن بِشَرطِ أن لا تَكونَ هذهِ الشَّفاعَةُ في حَدٍّ من الحُدودِ التي حَدَّها اللهُ تعالى إذا بَلَعَتِ الإمامَ، أمَّا إذا لم تَبلُغِ الإمامَ فالشَّفاعَةُ جائِزَةٌ شَرعاً، بل مَطلوبَةٌ.
روى الإمام مالك والطبراني عن الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّهُ لَقِيَ رَجُلاً قَدْ أَخَذَ سَارِقاً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ، فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ.
فَقَالَ: لَا حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ السُّلْطَانَ.
فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِذَا بَلَغْتَ بِهِ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ.
وذلكَ لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ ضَادَّ اللهَ فِي أَمْرِهِ» رواه الإمام أحمد عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
وروى ابن أبي شَيبَةَ عن عِكرِمَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ ابنَ عبَّاسٍ وعَمَّاراً والزُّبَيرَ أخَذوا سَارِقاً فَخَلُّوا سَبيلَهُ.
فَقُلتُ لابنِ عَبَّاسٍ: بِئسَما صَنَعتُم حِينَ خَلَّيتُم سَبيلَهُ.
فقال: لا أمَّ لكَ، أما لو كُنتَ أنتَ لَسَرَّكَ أن يُخَلِّيَ سَبيلَكَ.
ولِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لا تَشفَعْ في حَدٍّ، فإنَّ الحُدودَ إذا انتَهَت إليَّ فَلَيسَت بِمَتروكَةٍ» نيل الأوطار عن حبيب بن أبي ثابت رَضِيَ اللهُ عنهُ.
ولِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَعَافُّوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» رواه الحاكم وأبو داود عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: الإسلامُ احتَرَمَ أموالَ النَّاسِ، ودَعا المُؤمِنينَ إلى المُحافَظَةِ عَلَيها، فمن سَوَّلَت لهُ نَفسُهُ فَأخَذَها بِغَيرِ حَقٍّ فَليُسرِعْ إلى أدائِها في الحَياةِ الدُّنيا ـ وخاصَّةً إذا لم تَصِلْ إلى الإمامِ، أو إذا تَعَطَّلَت الحُدودُ ـ لأنَّهُ إذا لم يُؤَدِّها في الدُّنيا فَسَوفَ يُؤَدِّيها يومَ القِيامَةِ من طاعاتِهِ، أو سَيَتَحَمَّلُ أوزارَ الآخَرينَ.
حُقوقُ النَّاسِ مهما طالَ الزَّمانُ وتَقادَمَ لا تُعفِي الإنسانَ عنها، وغِيابُ أهلِها لا يَعفي الإنسانَ، أخرجَ أبو داود عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ الله أَنْ يَلْقَاهُ بِهَا عَبْدٌ بَعْدَ الْكَبَائِرِ الَّتِي نَهَى اللهُ عَنْهَا أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَدَعُ لَهُ قَضَاءً».
أيُّها الإخوة الكرام: في هذهِ الأزمَةِ يَظُنُّ البَعضُ أنَّ الحُقوقَ قد ضاعَت، لأنَّ صاحِبَ الحَقِّ لا يَستَطيعُ أن يَصِلَ إلى حَقِّهِ، قولوا لمن ظَنَّ هذا الظَّنَّ القِيامَةُ آتِيَةٌ، وكُلُّ آتٍ قَريبٌ، وعِندَ الله تَجتَمِعُ الخُصومُ.
فالسَّعيدُ من أعادَ الحُقوقَ لأصحابِها، وبَرهَنَ للنَّاسِ على صِدقِ إيمانِهِ، وصِدقِ خَوفِهِ من الله تعالى، وصِدقِ أمانَتِهِ، وصِدقِ صَلاحِهِ، وصِدقِ حُبِّهِ الخَيرَ للغَيرِ، السَّعيدُ من خَرَجَ من الدُّنيا وذِمَّتُهُ بَريئَةٌ من حُقوقِ العِبادِ، وقد سَلِمَ المُسلِمونَ من لِسانِهِ ويَدِهِ.
اللَّهُمَّ لا تَجعَلْ عَلَينا تَبِعَةً لأحَدٍ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin