الصحابة ومعاوية وآثار الرسول صلى الله عليه وسلم
ذكر القاضي عياض في الشفاء: أن الصحابة ن كانوا يتغالون في شراء آثاره بعد موته صلى الله عليه وسلم فيشترون ذلك بنفائس أموالهم، كالبردة التي اشتراها معاوية من ورثة كعب بن زهير، ولقد احتفظ بها حتى حضرته الوفاة، فقال لمن حوله: إذا أنا مت فهذه بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعوها مما يلي جسدي بعد الغسل، ثم كفنوني بما شئتم، وهذه قلامة أظافر رسول الله صلى الله عليه وسلم احتفظت بها فاطحنوها ودقوها جيدًا، وضعوها في فتحات عيني وفمي وأذني ثم دعوني ألاقي ملائكة ربي.
بركة يده الشريفة والماء:
وفي صحيح مسلم: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءٍ إِلاَّ غَمَسَ يَدَهُ فِيه([1])...
قال الإمام ابن الجوزي في كتابه بيان المشكل من الحديث: إنما كانوا يطلبون بركته صلى الله عليه وسلم لهذا ينبغي للعالم إذا طلب العوام منه التبرك في مثل هذا ألا يخيب ظنونهم. انتهى.
وهو صريح كما ترى كلام النووي، وكلام القاضي عياض وكلاهما في شرح مسلم، وكلام ابن مالك الحنفي شارح المصابيح في أن هذه الأمور ليس خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم كام زعمه بعض الخوارج بلا دليل حسب عادتهم في أمثاله.
بركة شعرات النبي صلى الله عليه وسلم:
وروى البخاري -أيضًا- أن أنس بن مالك خادم سول الله صلى الله عليه وسلم أوصى أن تدفن شعرات النبي صلى الله عليه وسلم معه. انتهى.
وما ذاك إلا ليتوجه بها إلى الله تعالى في قبره.
وذكر القاضي عياض في فضل معجزاته وبركاته صلى الله عليه وسلم من كتابه الشفاء أنه كانت شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم في قلنسوة خالد بن الوليد ا فلم يشهد بها قتالًا إلا رزق النصر.
فيقال لهؤلاء الجهلة المنكرين التوسل التسبب إلى الله تعالى بالذوات الشريفة: أيرزق النصرَ خالدٌ بذات شعره صلى الله عليه وسلم ولا يتوسل إلى الله تعالى بأصل ذاته المكرمة صلى الله عليه وسلم؟
هذا، وهكذا يقرر العلماء: من السنة إتيان الآبار والمساجد التي كانت يشرب أو يصلي فيها صلى الله عليه وسلم تبركًا به صلى الله عليه وسلم.
عود إلى البناء على قبور:
إن النقول تظاهرت من المحديث والفقهاء في جواز ذلك حتى قال بعضهم: ولو قصد بها المباهاة، كما في الدر المختار وحواشيه.
ومنهم من صرح بالبناء ولو كان بيتًا. وهو قول المحققين من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم.
قال ابن حزم في المحلى: فإن بني عليه بيت أو قائم لم يكره ذلك. وقال ابن مفلح في كتاب الفروع من فقه الحنابلة: وذكر صاحب المستوعب والمحرر: لا بأس بقبة، وبيت، وحظيرة في ملكه؛ لأن الدفن فيه مع كونه كذلك مأذون فيه. انتهى.
وهو قول ابن القصار، وجماعة المالكية، كما حكاه الخطاب في شرح المختصر، وهذا في عامة الناس.
وأما الصالحون فقد قال الرحماني: نعم، قبور الصالحين يجوز بناؤها ولو بقبة؛ لإحياء الزيارة والتبرك.
رأي تلميذ ابن تيمية في البناء على القبور:
قال تلميذ ابن تيمية -أيضًا- الإمام ابن مفلح الحنبلي في الفصول: القبة والحظيرة في التربة، يعني علىٰ القبر، إن كان في ملكه فعل ما شاء، وإن كان مُسَبَّلَة كره، للتضييق بلا فائدة.
قال ابن القيم الحنبلي: ما أعلم تحت أديم السماء أعلم في الفقه علىٰ مذهب أحمد من ابن مفلح. انتهى.
وفي شرح التوربشتي علىٰ المصابيح: وقد أباح السلف البناء علىٰ قبور المشايخ والعلماء المشهورين؛ ليزورهم الناس، وليستريحوا بالجلوس فيه. انتهى.
وفي شرح زين العرب علىٰ المصابيح أيضًا: قد أباح السلف البناء علىٰ قبور العلماء المشهورين والمشايخ المعظمين؛ ليزورها الناس ويستريحوا إليها بالجلوس في البناء الذي علىٰ قبورهم مثل: الرباطات، والمساجد. انتهى.
البناء أيضًا:
قال في شرح البهجة: وفي كراهة كتابة اسم الميت عليه نظر، بل قال الزركشي: لا وجه لكراهة كتابة اسم الميت وتاريخ وفاته، خصوصًا إذا كان من العلماء ونحوهم. انتهى.
الخلاصة:
إن البناء على قبور الصحابة، وأهل البيت، والأولياء، والعلماء جائز، وإن وضع الستور عليها جائز -أيضًا-. وإن بناء القبب محل خلاف إذا كانت بأرض مُسَبَّلَة أو موقوفة، أما إذا كانت بأرض مملوكة فلا حرمة فيها بلا خلاف. وإن وضع السرج فيها جائز إن انتفع بها مصلٍ أو طالب علم أو نائم أو مار أو نحوه. وأما زيارتهم والسلام عليهم فهي من القرب المستحبة بلا نزاع، والله أعلم.
تصديقات وموافقات علماء باكستان والهند:
وقد وافق على هذه الفتوى عدد لا يحصى من علماء كراتشي، وحيدرآباد، وبلوخستان، وبهادل بور، وغازي خان، وملتان، ولاهور، ولائل بور، ومعتكمري، وكشمير، وراولبندي، وبشاور، وبدايوان، وكوركيور، وبنارس، وكان بور، ولكناو، وفعص آباد، وكلكتا، وبمباي، ومدراس...إلخ إلخ، وأسماؤهم ووظائفهم وعناوينهم مسجلة برسالة الجواب المشكور للشيخ عبد الحامد البدايوني.
وليس معقولًا أن تكون هذه المئات من العلماء جهلة أو مارقين. ولنستغفر الله العظيم.
([1]) أخرجه مسلم: (2324/47) عن أنس بن مالك.
ذكر القاضي عياض في الشفاء: أن الصحابة ن كانوا يتغالون في شراء آثاره بعد موته صلى الله عليه وسلم فيشترون ذلك بنفائس أموالهم، كالبردة التي اشتراها معاوية من ورثة كعب بن زهير، ولقد احتفظ بها حتى حضرته الوفاة، فقال لمن حوله: إذا أنا مت فهذه بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعوها مما يلي جسدي بعد الغسل، ثم كفنوني بما شئتم، وهذه قلامة أظافر رسول الله صلى الله عليه وسلم احتفظت بها فاطحنوها ودقوها جيدًا، وضعوها في فتحات عيني وفمي وأذني ثم دعوني ألاقي ملائكة ربي.
بركة يده الشريفة والماء:
وفي صحيح مسلم: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءٍ إِلاَّ غَمَسَ يَدَهُ فِيه([1])...
قال الإمام ابن الجوزي في كتابه بيان المشكل من الحديث: إنما كانوا يطلبون بركته صلى الله عليه وسلم لهذا ينبغي للعالم إذا طلب العوام منه التبرك في مثل هذا ألا يخيب ظنونهم. انتهى.
وهو صريح كما ترى كلام النووي، وكلام القاضي عياض وكلاهما في شرح مسلم، وكلام ابن مالك الحنفي شارح المصابيح في أن هذه الأمور ليس خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم كام زعمه بعض الخوارج بلا دليل حسب عادتهم في أمثاله.
بركة شعرات النبي صلى الله عليه وسلم:
وروى البخاري -أيضًا- أن أنس بن مالك خادم سول الله صلى الله عليه وسلم أوصى أن تدفن شعرات النبي صلى الله عليه وسلم معه. انتهى.
وما ذاك إلا ليتوجه بها إلى الله تعالى في قبره.
وذكر القاضي عياض في فضل معجزاته وبركاته صلى الله عليه وسلم من كتابه الشفاء أنه كانت شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم في قلنسوة خالد بن الوليد ا فلم يشهد بها قتالًا إلا رزق النصر.
فيقال لهؤلاء الجهلة المنكرين التوسل التسبب إلى الله تعالى بالذوات الشريفة: أيرزق النصرَ خالدٌ بذات شعره صلى الله عليه وسلم ولا يتوسل إلى الله تعالى بأصل ذاته المكرمة صلى الله عليه وسلم؟
هذا، وهكذا يقرر العلماء: من السنة إتيان الآبار والمساجد التي كانت يشرب أو يصلي فيها صلى الله عليه وسلم تبركًا به صلى الله عليه وسلم.
عود إلى البناء على قبور:
إن النقول تظاهرت من المحديث والفقهاء في جواز ذلك حتى قال بعضهم: ولو قصد بها المباهاة، كما في الدر المختار وحواشيه.
ومنهم من صرح بالبناء ولو كان بيتًا. وهو قول المحققين من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم.
قال ابن حزم في المحلى: فإن بني عليه بيت أو قائم لم يكره ذلك. وقال ابن مفلح في كتاب الفروع من فقه الحنابلة: وذكر صاحب المستوعب والمحرر: لا بأس بقبة، وبيت، وحظيرة في ملكه؛ لأن الدفن فيه مع كونه كذلك مأذون فيه. انتهى.
وهو قول ابن القصار، وجماعة المالكية، كما حكاه الخطاب في شرح المختصر، وهذا في عامة الناس.
وأما الصالحون فقد قال الرحماني: نعم، قبور الصالحين يجوز بناؤها ولو بقبة؛ لإحياء الزيارة والتبرك.
رأي تلميذ ابن تيمية في البناء على القبور:
قال تلميذ ابن تيمية -أيضًا- الإمام ابن مفلح الحنبلي في الفصول: القبة والحظيرة في التربة، يعني علىٰ القبر، إن كان في ملكه فعل ما شاء، وإن كان مُسَبَّلَة كره، للتضييق بلا فائدة.
قال ابن القيم الحنبلي: ما أعلم تحت أديم السماء أعلم في الفقه علىٰ مذهب أحمد من ابن مفلح. انتهى.
وفي شرح التوربشتي علىٰ المصابيح: وقد أباح السلف البناء علىٰ قبور المشايخ والعلماء المشهورين؛ ليزورهم الناس، وليستريحوا بالجلوس فيه. انتهى.
وفي شرح زين العرب علىٰ المصابيح أيضًا: قد أباح السلف البناء علىٰ قبور العلماء المشهورين والمشايخ المعظمين؛ ليزورها الناس ويستريحوا إليها بالجلوس في البناء الذي علىٰ قبورهم مثل: الرباطات، والمساجد. انتهى.
البناء أيضًا:
قال في شرح البهجة: وفي كراهة كتابة اسم الميت عليه نظر، بل قال الزركشي: لا وجه لكراهة كتابة اسم الميت وتاريخ وفاته، خصوصًا إذا كان من العلماء ونحوهم. انتهى.
الخلاصة:
إن البناء على قبور الصحابة، وأهل البيت، والأولياء، والعلماء جائز، وإن وضع الستور عليها جائز -أيضًا-. وإن بناء القبب محل خلاف إذا كانت بأرض مُسَبَّلَة أو موقوفة، أما إذا كانت بأرض مملوكة فلا حرمة فيها بلا خلاف. وإن وضع السرج فيها جائز إن انتفع بها مصلٍ أو طالب علم أو نائم أو مار أو نحوه. وأما زيارتهم والسلام عليهم فهي من القرب المستحبة بلا نزاع، والله أعلم.
تصديقات وموافقات علماء باكستان والهند:
وقد وافق على هذه الفتوى عدد لا يحصى من علماء كراتشي، وحيدرآباد، وبلوخستان، وبهادل بور، وغازي خان، وملتان، ولاهور، ولائل بور، ومعتكمري، وكشمير، وراولبندي، وبشاور، وبدايوان، وكوركيور، وبنارس، وكان بور، ولكناو، وفعص آباد، وكلكتا، وبمباي، ومدراس...إلخ إلخ، وأسماؤهم ووظائفهم وعناوينهم مسجلة برسالة الجواب المشكور للشيخ عبد الحامد البدايوني.
وليس معقولًا أن تكون هذه المئات من العلماء جهلة أو مارقين. ولنستغفر الله العظيم.
([1]) أخرجه مسلم: (2324/47) عن أنس بن مالك.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin