أهم النوافل عند الصوفية وأدلتها
أولًا: صلاة التسابيح
رويت صلاة التسابيح بصورتها المعروفة عن جماعة عديدة من ثقاة المحدثين يقوي بعضهم بعضًا، ومن أصح وأحسن أسانيدها ما رواه أبو داود، وابن خزيمة، في صحيحه وابن ماجه عن عكرمة، وقد صححه المقدسي، والآجري، وأبو محمد عبد الرحيم المصري وغيرهم، وقد رواه الطبراني من هذا الطريق بزيادة دعاء بعد التشهد، وقبل السلام.
وكذلك وردت صلاة التسابيح من حديث ابن عباس وأخيه الفضل، وأبيهما العباس رضى الله عنه.
ووردت كذلك من حديث علي، وأخيه جعفر وابنه عبد الله -عليهم الرضوان-.
ووردت من حديث أم سلمة، وأنس، وعبد الله بن عمر، وأبي رافع، كما وردت من مرسل إسماعيل بن رافع، وغيره.
1- صحة رواياتها:
وقد نص على صحة حديث صلاة التسابيح أكثر من محدث ثبت ثقة، منهم: المديني، وابن منده، والسمعاني، والحافظ المنذري، وابن حجر، وابن الصــلاح، والتقي السبكي، والبلقيني، والزركشي، والأذرعي، وابن المفضل، والعلائي، والتاج ابن التقي السبكي، وآخرون.
وقد نقل النووي في الأذكار([1]) عن الإمام الدارقطني قوله: أصح شيء في فضائل السور فضل ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ [الاخلاص:1]، وأصح شيء في فضائل الصلوات صلاة التسابيح.
قال النووي: وقد نص جماعة من أصحابنا على استحباب صلاة التسابيح، منهم: أبو محمد البغوي، وأبو المحاسن الروياني.
وفي الترشيح قال التاج السبكي: من يسمع عظيم الثواب الوراد فيها، ثم يتثاقل عنها فما هو إلا متهاون في الدين، غير مكترث بأعمال الصالحين، ولا ينبغي أن يعد من أهل العزم في شيء.
وقال أبو عثمان الحيري: ما رأيت للشدائد مثل صلاة التسابيح.
وقد ورد أنها وسيلة مكفرة للذنوب، مفرجة للكروب، ميسرة للعسير، يقضي الله بها الحاجات، ويؤمن بها الروعات، ويستر بها العورات.
وقد أفرد الداراني والخطيب لصلاة التسابيح كتابًا أوردًا فيه طرق أحاديث هذه الصلاة وثبوتها.
كما أفرد أبو موسى المديني، وابن منده لتصحيح حديثها جزءًا خاصًا، وللتاج السبكي في ذلك كتاب (الترشيح لصلاة التسبيح) من خير ما في هذا الباب.
2- رد الطعن عليها:
ولم يطعن في صحة هذه الصلاة إلا ابن الجوزي، وهو معروف بالتعنت، ثم وافقه ابن تيمية، وهو معروف بالاندفاع، ودليلهما هنا أوهى من أن يُقَاوِمَ أدلة كل من ذكرنا من أئمة الحديث فحكمهما هنا ومن تابعهما ساقط الاعتبار نهائيًا، أما مقلدوهم فلا نظر إليهم، فأكثرهم طلاب شهرة، ومال، وفتنة، وتعصب.
وقد ثبت أن طائفة من أئمة السلف كانت تواظب على هذه الصلاة وتحث عليها، منهم: عبد الله بن المبارك، وأبو الجوزاء البصري، وابن أبي داود، وحسبك بأمثالهم قدوة، وإمامة. وهذه صلاة نافلة، من شاء فعل، ومن شاء ترك.
أما أن هذه الصلاة تخالف في بعض هيئتها صورة بقية الصلوات، فليس هذا عجيبًا؛ لأنها صلاة خاصة، شرعت لغرض خاص، كصلاة الكسوف، والخسوف، والعيدين ونحوهما ففيها مخالفة لصورة الصلاة المعتادة، بل إن في بعض الصحاح والسنن جواز أن يكون في كل ركعة من الصلوات الخاصة ركوعان، وثلاثة، وأربعة، وخمسة؛ لأنها صلاة مستقلة متميزة شرعت لغرض خاص مستقل.
3- صفتها وفضلها:
أما صفة هذه الصلاة وفضلها فهي كما جاء في نص حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس من عبد الْمُطَّلِب: «يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّاهُ أَلَا أُعْطِيكَ أَلَا أَمْنَحُكَ أَلَا أَحْبُوكَ؟ أَلَا أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ، إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ الله لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ، خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ، صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ، سِرَّهُ وَعَلاَنِيَتَهُ؟ أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ -أي بتسليمة واحدة- تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً -يعني أية سورة شئت- فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ -أي بعد القراءة مباشرة وقبل الركوع- قُلْ: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَالله أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ -بعد التسبيح المعتاد في الركوع- عَشْرًا -أي من التسبيح المذكور- ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ -قائلًا: سمع الله لمن حمده... إلخ- فَتَقُولُهَا -أي التسبيحات المذكورة- عَشْرًا، ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ -أي بعد التسبيح المعتاد في السجود- عَشْرًا -من التسبيحات المذكورة- ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا -أي بعد التسبيحات المعتادة من السجود- ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا -يعني وأنت جالس القرفصاء، أو جلسة الصلاة في الاستراحة الخفيفة المأثورة بين السجود والقيام- فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ مراتٍ -أي في الأربع الركعات- فيتحصل منها ثلاثمائة.
4- تأكيد فعلها:
ثم قال صلى الله عليه وسلم للعباس رضى الله عنه: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً»([2]).
5-القراءات بالسور ذوات الخصائص:
وعندنا يتحسن أن يقرأ المتعبد في هذه الركعات الأربع بعد الفاتحة بسورة مما جاء أنها نصف أو ربع أو ثلث القرآن ليحصل قدر من الثواب.
فمثلًا: يقرأ في الركعة الأولى بسورة (الزلزلة)، وقد روى الترمذي وجماعة أنها تعدل نصف القرآن.
ويقرأ في الركعة الثانية بسورة (الكافرون)، وقد روى البيهقي وجماعة أنها تعدل ربع القرآن.
ويقرأ في الركعة الثالثة بسورة (النصر)، وقد روى البيهقي -أيضًا- وآخرون أنها تعدل ربع القرآن.
ويقرأ في الركعة الأخيرة بسورة (الإخلاص)، وقد روى البخاري وغيره أنها تعدل ثلث القرآن.
هذا بالإضافة إلى سورة (الفاتحة)، وقد ثبت أنها أم القرآن، والسبع المثاني، والرقية الكبرى، والشفاء من كل داء، وأنها تعدل ثلث القرآن، كما رواه الترمذي وجماعة، فيتحصل له من القراءة وحدها ثواب القراءة والقرآن مرتين وأكثر من النصف -إن شاء الله- لمن وفقه الله.
ويستحسن -أيضًا- أن يعين المتعبد بهذه الصلاة وقتًا محددًا من كل أسبوع، أو شهر بحسب سعة وقته، في ويتخير وقتًا وقت مبارك كليلة الاثنين أو الجمعة أو ليالي الله، ولو في العمر مرة.
ثانيًا: صلاة الحاجة
وهي الصلاة التي يتوسل بها العبد إلى ربه فيما أهمه، ليقضي الله حاجته بفضله، ويهيئ السبيل الكوني المتبع بين الناس له بقدرته، فهي من أنواع التوسل بالعمل الصالح.
1- دليلها:
أ- روى الترمذي بسنده عن عُثْمَان بْن حُنَيْف أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أُصِبْت فِي بَصَرِي فَادْعُ الله لي، قَال صلى الله عليه وسلم: «اذْهَب فتوضَّأ وَصَلِّ رَكْعَتَين، ثُمَّ قُل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مَحَمَّد إِنِّي أَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى رَبِّي فِي رَدّ بَصَرِي». قَالَ: فما لبث الرجل أن رجع كأن لم يكن به ضر قط. ثم قال صلى الله عليه وسلم: «وإن كانت لك حاجة فافعل مثل ذلك»([1]). تأمل. وفي بعض روايات الحديث خلاف يسير في الألفاظ، ليس بذي بال.
ب- وأخرج الطبراني في معجمه الصغير والكبير: أن رجلًا كانت له حاجة عند أمير الؤمنين عثمان بن عفان، وما كان عثمان يهتم بشأنه، أي في خلافته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلقي الرجل عثمان بن حنيف، فشكا له، فَعَلَّمَهُ صلاةَ الحاجة المذكورة، ففعل الرجل ثم أتى عثمان بن عفان فأكرمه وقضى حاجته، ثم لَقِيَ هذا الرجل عثمان بن حنيف، فشكر له ظنًا منه بأنه أوصى به عثمان بن عفان. فقال عُثْمَانُ ابن حُنَيْفٍ: وَالله مَا كَلَّمْتُهُ، وَلَكِنِّي شَهِدْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَأَتَاهُ ضَرِيرٌ، وقصَّ عليه القصة السابقة([2]).
والحديث صحيح على شرط الشيخين، كما رواه الترمذي، وابن ماجه، والطبراني، والبيهقي، والحاكم، وأقر صحته الحافظ الذهبي وتابعه ابن تيمية نفسه على صحته، وأخرجه البخاري في التاريخ، كما نص على صحته نحو خمسة عشر حافظًا رضى الله عنه.
جـ- وفي كتاب الترمذي، وابن ماجه قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى الله حَاجَةٌ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِى آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ لْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لْيُثْنِ عَلَى الله، أي: بالتحميد، والتسبيح، والتكبير ونحوه، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، لاَ تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ، وَلاَ حَاجَةً هِىَ لَكَ رِضًا إِلاَّ قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»([3]).
ولـه أن يزيــد مـن الأدعيـــة المأثــورة ومن غيرها ما يشــاء مما يوافق حاجته.
2- الخلاصة:
فمن كانت له عند الله حاجة لَازَمَ هذه الصلاة ولو في كل ليلة، أو في كل يوم مُكَرِّرًا ذلك، باحثًا عن الأسباب العادية الكونية حتى يهيئ له الله له السبب الذي يقضي به حاجته بفضله ورحمته، فذلك هو حقيقة التسليم والتوكل.
وعليه أن يدعو بعد هذه الصلاة بالدعاء السابق، ويضيف إليه دعاء الضرير المذكور في الحديث الأسبق مع إلحاحه في الدعاء بحاجته الخاصة.
ومن المستحسن أن يقنت بعد الركوع في الركعة الثانية، فهو من السنة الثابتة في الشدائد، وهو هنا أمثل وأفضل.
وكما تجوز صلاة الحاجة انفرادًا تجوز في جماعة يهمهم الأمر.
ثالثًا: صلاة الاستخارة
1- ثبوت سنتها:
أ- أخرج أحمد، والحاكم، وأبو يعلى، وابن حبان، والبزار بسند جيد، والترمذي من حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَتُهُ الله، وَمِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَاهُ الله، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ الله، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ سَخَطُهُ بِمَا قَضَاهُ الله»([4]).
ومن الثابت قولهم: لا خاب من استخار، ولا ندم من استشار.
وهي صلاة مستحبة عند الجمهور والجمع بين الاستخارة من الله والاستشارة من الناس من تمام الجمع بين طرفي السنة، قال قتادة: ما شاور قوم يبتغون وجه الله إلا هدوا إلى أرشد أمرهم.
ب- روى البخاري من حديث جَابِرٍ رضى الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا»([5]).
قال الشوكاني: هذا دليل على العموم وأن المرء لا يحتقر أمرًا لصغره، وعدم اهتمامه به فيترك الاستخارة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «وَليَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ حَتَّى شِسْعَ نَعْلِهِ»([6]).
وقد كان السلف يطلبون من الله حتى ملح الطعام وما هو أقل منه، ثم يأخذون في الأسباب.
2- كيفيتها والقراءة فيها:
أما كيفيتها كما رواها البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ...» أي يصليهما سنة نافلة بنية الاستخارة، ويقرأ فيهما بما شاء. وقد فضلوا أن يكون ذلك قبل النوم مباشرة فقد تصادفه رؤيا صادقة وهي جزء من النبوة.
قال صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ لِيَقُلِ». أي: بعد الصلاة، وهو على جلستها مستقبلًا القبلة، مستحضرًا حاجته إلى الله الدعاء الآتي:
3- دعاؤها:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ -ويجوز أن يسمي حاجته أو يكتفي بنيته والله أعلم بها- خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي...» ([7]).
ويجوز تكرار هذا الدعاء في هذه الجلسة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب تثليث الدعاء، حتى إذا انشرح صدره إلى أحد طرفي الأمر مضى فيه، على اسم الله وبركته.
4-معلومات عنها:
وأباح شيوخنا تكرار عمل الاستخارة إلى ثلاث مرات في ثلاث ليال، بل إلى سبع مرات، كما نقله ابن السني وغيره عن أنس إذا لم يتضح أمره وينشرح صدره لأحد حاليه. قال الإمام النووي: ينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له، ثم قال: بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسًا، وإلا فلا يكون مستخيرًا. قال: فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة ومن اختياره لنفسه.
قلنا: وعلينا ممارسة الأسباب الكونية مع الاستخارة، وما قُدِّرَ يَكُنْ.
رابعًا: صلاة التوبة
1- التوبة لمن:
يقول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»([8]).
وفي الحديث: «إِنَّ الله يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ»([9]).
أي: ما لم تبلغ الروح الحلقوم، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزُّمر:53].
وقد ذهب الجمهور إلى أن قوله تعالى (جميعًا) يشمل الكبائر والصغائر، وهذا هو الأشبه بسعة الرحمة ورحابة عفو الله: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ [البقرة:222].
وهو يتولى تسوية تبعاتهم وتحملها عنهم كما ورد في حديث الرجلين اللذين جثيا بين يديه، وأحاديث أخرى.
وفرق ما بين والولاية والنبوة هو وقوع الخطأ، فالعصمة للنبوة لا الولاية، وإن كان للولاية حفظ، فما بالك بغيرهما؟
وطبيعة الإنسانية الخطأ، ومدعي العصمة كذاب، ولكن فرق ما بين الصالح والطالح أن الصالح يخطيء غير عامد ولا مصر، بل هو يخطئ آسفًا محسورًا ثم يتوب، وليس كذلك الفاجر المصر العامد، ولا المجاهر والمستهتر المفاخر بمعاصيه.
2- سنية صلاتها:
ومن ثم فتح الله الباب للصالحين، فقد روى أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، والترمذي، وابن حبان، وابن خزيمة وصححاه عن أبي بكر رضى الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ، ثُمَّ يُصَلِّي، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ الله إِلاَّ غَفَرَ الله لَهُ». ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران:135]([10]).
وقد أخرجه أحمد، والطيالسي عن أبي بكر عنه صلى الله عليه وسلم بلفظ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَيَسْتَغْفِرُ الله تَعَالَى إِلاَّ غَفَرَ الله لَهُ»([11]).
وأخرج البيهقي مرسلًا عن الحسن البصري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ عَبْدٍ أَذْنَبَ ذَنْبًا ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بَرَازٍ -بفتح الباء يعني: فضاء- مِنَ الْأَرْضِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَاسْتَغْفَرَ اللّٰه مِن ذَلِكَ الذَّنْبِ إِلَّا غَفَرَ اللّٰهُ لَهُ»([12]).
3- كيفيتها وعددها:
وصلاة التوبة ركعتان ويجوز أن تكون أربعة، كما رواه الطبراني، وابن حبان، والبيهقي، وابن خزيمة، مع الخشوع والتأني والاستحضار الكامل. ولم يرد نص بقراءة خاصة فيها إلا أن بعضهم اختار القراءة بالآيات التي تذكر التوبة، كآية الحديث السابق، أو ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾ [آل عمران:135]، أو ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ﴾ [الشُّورى:25]، ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ...﴾ [الزُّمر:53] ونحوها.
وبعد الصلاة يدعو ويستغفر وهو على جلسته تضرعًا وخفية، ويكرر استغفار ختام الصلاة، وسيد الاستغفار، وما رواه الحاكم صحيحًا عن جابر عنه صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مَغْفِرَتِكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي، وَرَحْمَتَكَ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلِي»([13]).
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن كررها: «قُمْ غَفَرَ الله لَكَ».
ويحسن أن يكون ذلك بلا عدد مع الاستحضار والاستغراق؛ حتى يطمئن قلبه -بإذن الله-. ويجوز تكرار هذه الصلاة عدة أيام.
4- شروط التوبة:
وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبْ ذَنْبًا». بالتنكير دليل على أن التوبة بهذه الصلاة مرجوة لكل ذنب كبر أو صغر -إن شاء الله- مادام قد تحقق فيها شرط الندم مع عدم العمد والإصرار، والاستجابة لله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [الشُّورى:25-26].
فالخطأ قضاء، والصواب عطاء.
هذا وقد وردت في هذه الصلاة كيفيات أخرى وأذكار وقراءات شتى، وكلها لم تأتِ من طريق صحيح سوى ما ذكرناه فيما نعلم.
خامسًا: صلاة الضحى
1- سنيتها وفضلها:
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثٍ: «صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَىي الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ»([14]).
ورى الحاكم، والطبراني، وأحمد، والترمذي، والنسائي، وأبو داود: أن الله تعالى في حديث قدسي قال: «يَا ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ»([15]).
والمقصود: ركعات الضحى.
وروى أحمد، وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه أن صلاة الضحى تجزئ عن ثلاثمئة وستين صدقة([16])، وهي الصدقات اليومية المطلوبة من كل إنسان بعدد مفاصل عظامه.
وروى أحمد، والطبراني، وأبو يعلى: بَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً -جماعة من الجيش- فَغَنِمُوا وَأَسْرَعُوا الرَّجْعَةَ؛ فَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِقُرْبِ مَغْزَاهُمْ وَكَثْرَةِ غَنِيمَتِهِمْ، وَسُرْعَةِ رَجْعَتِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَقْرَبَ مِنْهُ مَغْزًى، وَأَكْثَرَ غَنِيمَةً، وَأَوْشَكَ رَجْعَةً، مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لِسُبْحَةِ الضُّحَى -بضم السين أي: لصلاتها- فَهُوَ أَقْرَبُ مَغْزًى، وَأَكْثَرُ غَنِيمَةً، وَأَوْشَكُ رَجْعَةً»([17]).
وفي حديث مسلم: أن صلاة الضحى قد تغني عن سائر أنواع التسبيح، والتكبير، والتهليل، ويَسْتَغْنِي بها العاجزُ عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: إن صلاة الضحى لفي القرآن وما يغوص عليها إلا غواص.
يشير إلى قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآَصَالِ (36) رِجَالٌ﴾ [النور:36-37]، وقوله تعالى: ﴿يُسَبِّحْنَ بِالعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ﴾ [ص:18] والغدو والإشراق: وقت الضحى. والآصال والعشي: وقت المساء.
2- ركعاتها ووقتها:
روى الترمذي: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ لاَ يَدَعُهَا، وَيَدَعُهَا حَتَّى نَقُولَ لاَ يُصَلِّي([18]).
أي أن سنتيها غير مؤكدة، فهي رغيبة مستحبة بالاختيار، وعدد ركعاتها غير محدد، فلك أن تصلي ركعتين أو تزيد إلى ما شاء الله.
وروى أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي في (الشمائل) وصححه السيوطي وغيره عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ الله([19]).
وفي حديث أم هانئ: صلاها النبي صلى الله عليه وسلم ثمان ركعات([20]).
وفي حديث أبي الدرداء: اثنى عشر ركعة.
وعن الحسن البصري: أنهم كانوا يظلون يصلون الضحى إلى منتصف النهار، أي قبل الظهر وبلا عدد. ويقرأ فيها بما يشاء. فَتَخَيَّرْ في كل مرة ما يناسب وقتك وهمتك.
وروى مسلم، والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى صلاة الضحى (صلاة الأوابين)، كالركعات الست بعد المغرب. ثم يدعو بعدها بما يحسه ويهمه، وبلغته التي تعبر عن نفسه، فاللغة وسيلة لا غاية.
ويبدأ وقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى وقت الزوال قبيل الظهر، كما سبق.
سادسًا: صلاة الليل (التهجد)
1- فضلها:
جعل الله قيام الليل والتهجد فيه من صفات المتقين، فقال تعالى عنهم: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات:17-18].
وجعلها من صفات عباد الرحمن فقال عنهم: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ [الفرقان:64].
ومن صفات المؤمنين فقال عنهم: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة:16]، وبها أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ [الإسراء:79].
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الليل، فروى الطبراني عنه صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِصَلاةِ اللَّيْلِ وَلَوْ رَكْعَةً»([21]).
وفي وصية جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وَاعْلَم أَنَّ شَرَفِ الْمُؤْمِن قِيَام اللَّيْل([22]).
وروى ابن حبان في صحيحه عنه صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا تعدل بعشرة آلاف صلاة، وصلاة في المسجد الحرام تعدل بمائة ألف فصلاة، والصلاة بأرض الرباط- أي: مجتمع المجاهدين على الثغور- تعدل بألفي صلاة، وأكثر من ذلك كله الركعتان يصليهما العبد في جوف الليل. فتأمل وفقك الله.
2- وقتها:
روى الطبراني من حديث إِيَاس بن مُعَاوِيَة الْمُزَنِيِّ عنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا بَعْدَ صَلاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ فَهُوَ مِنَ اللَّيْلِ([23]).
قال الحافظ: لم يكن لتهجده صلى الله عليه وسلم وقت معين.
نقول: ولكن وقت السحر أفضل لما رواه أحمد عنه صلى الله عليه وسلم قال لسائله عن أفضل أوقات الليل: «جَوْفُ اللَّيْلِ الْغَابِرِ أَوْ نِصْفُ اللَّيْلِ، وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ»([24]).
وروى مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة عنه صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مَنَ الرَّبِّ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْأَخِير»([25]).
قلنا: وفيه من النفحات، والإمداد، والبركات ما لا ينكر.
3- ركعاتها:
روى الطبراني، والبزار عن سمرة بن جندب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي من الليل ما قل وما كثر، أي من الركعات، ونجعل آخر ذلك وترًا([26]).
نقول: وذلك مراعاة لطاقة الإنسان واستعداده، وهو يتغير بتغير الظروف والأحوال، حتى لا يشق الأمر على العابدين.
وقد روى البخاري، ومسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فَقَالَ: «مَا هَذَا». قَالُوا لِزَيْنَبَ، تُصَلِّي فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ. فَقَالَ: «حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ قَعَدَ»([27]).
وفي البخاري، ومسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: «خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا...» ([28]).
وروى مسلم عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ، فَلْيَضْطَجِعْ»([29]). يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر.
4- آدابها وكيفيتها:
من آداب صلاة الليل النية قبل النوم، لما رواه النسائي، وابن ماجــه عنـه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عز وجل»([30]).
وله أن يصلي مثنى مثنى، وأن يصلي أربعًا أربعًا من ركعتين إلى ما شاء الله، صلاة طويلة حسنة متعادلة الأركان مستوفاة، موصولة بالله، كما جاء في حديث عائشة صحيحًا: كَانَ، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ. الحديث.
فإذا كان قد أوتر قبل النوم فالأولى أن يستفتح صلاته بركعة واحدة ينوي بها ازدواج آخر ركعة في الوتر الذي صلاه قبل النوم، ثم يتهجد ما شاء الله، وبعد فراغه من تهجده يعود فيوتر ختامًا لصلاة الليل. وصلاتها في جماعة جائز.
أولًا: صلاة التسابيح
رويت صلاة التسابيح بصورتها المعروفة عن جماعة عديدة من ثقاة المحدثين يقوي بعضهم بعضًا، ومن أصح وأحسن أسانيدها ما رواه أبو داود، وابن خزيمة، في صحيحه وابن ماجه عن عكرمة، وقد صححه المقدسي، والآجري، وأبو محمد عبد الرحيم المصري وغيرهم، وقد رواه الطبراني من هذا الطريق بزيادة دعاء بعد التشهد، وقبل السلام.
وكذلك وردت صلاة التسابيح من حديث ابن عباس وأخيه الفضل، وأبيهما العباس رضى الله عنه.
ووردت كذلك من حديث علي، وأخيه جعفر وابنه عبد الله -عليهم الرضوان-.
ووردت من حديث أم سلمة، وأنس، وعبد الله بن عمر، وأبي رافع، كما وردت من مرسل إسماعيل بن رافع، وغيره.
1- صحة رواياتها:
وقد نص على صحة حديث صلاة التسابيح أكثر من محدث ثبت ثقة، منهم: المديني، وابن منده، والسمعاني، والحافظ المنذري، وابن حجر، وابن الصــلاح، والتقي السبكي، والبلقيني، والزركشي، والأذرعي، وابن المفضل، والعلائي، والتاج ابن التقي السبكي، وآخرون.
وقد نقل النووي في الأذكار([1]) عن الإمام الدارقطني قوله: أصح شيء في فضائل السور فضل ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ [الاخلاص:1]، وأصح شيء في فضائل الصلوات صلاة التسابيح.
قال النووي: وقد نص جماعة من أصحابنا على استحباب صلاة التسابيح، منهم: أبو محمد البغوي، وأبو المحاسن الروياني.
وفي الترشيح قال التاج السبكي: من يسمع عظيم الثواب الوراد فيها، ثم يتثاقل عنها فما هو إلا متهاون في الدين، غير مكترث بأعمال الصالحين، ولا ينبغي أن يعد من أهل العزم في شيء.
وقال أبو عثمان الحيري: ما رأيت للشدائد مثل صلاة التسابيح.
وقد ورد أنها وسيلة مكفرة للذنوب، مفرجة للكروب، ميسرة للعسير، يقضي الله بها الحاجات، ويؤمن بها الروعات، ويستر بها العورات.
وقد أفرد الداراني والخطيب لصلاة التسابيح كتابًا أوردًا فيه طرق أحاديث هذه الصلاة وثبوتها.
كما أفرد أبو موسى المديني، وابن منده لتصحيح حديثها جزءًا خاصًا، وللتاج السبكي في ذلك كتاب (الترشيح لصلاة التسبيح) من خير ما في هذا الباب.
2- رد الطعن عليها:
ولم يطعن في صحة هذه الصلاة إلا ابن الجوزي، وهو معروف بالتعنت، ثم وافقه ابن تيمية، وهو معروف بالاندفاع، ودليلهما هنا أوهى من أن يُقَاوِمَ أدلة كل من ذكرنا من أئمة الحديث فحكمهما هنا ومن تابعهما ساقط الاعتبار نهائيًا، أما مقلدوهم فلا نظر إليهم، فأكثرهم طلاب شهرة، ومال، وفتنة، وتعصب.
وقد ثبت أن طائفة من أئمة السلف كانت تواظب على هذه الصلاة وتحث عليها، منهم: عبد الله بن المبارك، وأبو الجوزاء البصري، وابن أبي داود، وحسبك بأمثالهم قدوة، وإمامة. وهذه صلاة نافلة، من شاء فعل، ومن شاء ترك.
أما أن هذه الصلاة تخالف في بعض هيئتها صورة بقية الصلوات، فليس هذا عجيبًا؛ لأنها صلاة خاصة، شرعت لغرض خاص، كصلاة الكسوف، والخسوف، والعيدين ونحوهما ففيها مخالفة لصورة الصلاة المعتادة، بل إن في بعض الصحاح والسنن جواز أن يكون في كل ركعة من الصلوات الخاصة ركوعان، وثلاثة، وأربعة، وخمسة؛ لأنها صلاة مستقلة متميزة شرعت لغرض خاص مستقل.
3- صفتها وفضلها:
أما صفة هذه الصلاة وفضلها فهي كما جاء في نص حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس من عبد الْمُطَّلِب: «يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّاهُ أَلَا أُعْطِيكَ أَلَا أَمْنَحُكَ أَلَا أَحْبُوكَ؟ أَلَا أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ، إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ الله لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ، خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ، صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ، سِرَّهُ وَعَلاَنِيَتَهُ؟ أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ -أي بتسليمة واحدة- تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً -يعني أية سورة شئت- فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ -أي بعد القراءة مباشرة وقبل الركوع- قُلْ: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَالله أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ -بعد التسبيح المعتاد في الركوع- عَشْرًا -أي من التسبيح المذكور- ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ -قائلًا: سمع الله لمن حمده... إلخ- فَتَقُولُهَا -أي التسبيحات المذكورة- عَشْرًا، ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ -أي بعد التسبيح المعتاد في السجود- عَشْرًا -من التسبيحات المذكورة- ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا -أي بعد التسبيحات المعتادة من السجود- ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا -يعني وأنت جالس القرفصاء، أو جلسة الصلاة في الاستراحة الخفيفة المأثورة بين السجود والقيام- فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ مراتٍ -أي في الأربع الركعات- فيتحصل منها ثلاثمائة.
4- تأكيد فعلها:
ثم قال صلى الله عليه وسلم للعباس رضى الله عنه: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً»([2]).
5-القراءات بالسور ذوات الخصائص:
وعندنا يتحسن أن يقرأ المتعبد في هذه الركعات الأربع بعد الفاتحة بسورة مما جاء أنها نصف أو ربع أو ثلث القرآن ليحصل قدر من الثواب.
فمثلًا: يقرأ في الركعة الأولى بسورة (الزلزلة)، وقد روى الترمذي وجماعة أنها تعدل نصف القرآن.
ويقرأ في الركعة الثانية بسورة (الكافرون)، وقد روى البيهقي وجماعة أنها تعدل ربع القرآن.
ويقرأ في الركعة الثالثة بسورة (النصر)، وقد روى البيهقي -أيضًا- وآخرون أنها تعدل ربع القرآن.
ويقرأ في الركعة الأخيرة بسورة (الإخلاص)، وقد روى البخاري وغيره أنها تعدل ثلث القرآن.
هذا بالإضافة إلى سورة (الفاتحة)، وقد ثبت أنها أم القرآن، والسبع المثاني، والرقية الكبرى، والشفاء من كل داء، وأنها تعدل ثلث القرآن، كما رواه الترمذي وجماعة، فيتحصل له من القراءة وحدها ثواب القراءة والقرآن مرتين وأكثر من النصف -إن شاء الله- لمن وفقه الله.
ويستحسن -أيضًا- أن يعين المتعبد بهذه الصلاة وقتًا محددًا من كل أسبوع، أو شهر بحسب سعة وقته، في ويتخير وقتًا وقت مبارك كليلة الاثنين أو الجمعة أو ليالي الله، ولو في العمر مرة.
ثانيًا: صلاة الحاجة
وهي الصلاة التي يتوسل بها العبد إلى ربه فيما أهمه، ليقضي الله حاجته بفضله، ويهيئ السبيل الكوني المتبع بين الناس له بقدرته، فهي من أنواع التوسل بالعمل الصالح.
1- دليلها:
أ- روى الترمذي بسنده عن عُثْمَان بْن حُنَيْف أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أُصِبْت فِي بَصَرِي فَادْعُ الله لي، قَال صلى الله عليه وسلم: «اذْهَب فتوضَّأ وَصَلِّ رَكْعَتَين، ثُمَّ قُل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مَحَمَّد إِنِّي أَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى رَبِّي فِي رَدّ بَصَرِي». قَالَ: فما لبث الرجل أن رجع كأن لم يكن به ضر قط. ثم قال صلى الله عليه وسلم: «وإن كانت لك حاجة فافعل مثل ذلك»([1]). تأمل. وفي بعض روايات الحديث خلاف يسير في الألفاظ، ليس بذي بال.
ب- وأخرج الطبراني في معجمه الصغير والكبير: أن رجلًا كانت له حاجة عند أمير الؤمنين عثمان بن عفان، وما كان عثمان يهتم بشأنه، أي في خلافته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلقي الرجل عثمان بن حنيف، فشكا له، فَعَلَّمَهُ صلاةَ الحاجة المذكورة، ففعل الرجل ثم أتى عثمان بن عفان فأكرمه وقضى حاجته، ثم لَقِيَ هذا الرجل عثمان بن حنيف، فشكر له ظنًا منه بأنه أوصى به عثمان بن عفان. فقال عُثْمَانُ ابن حُنَيْفٍ: وَالله مَا كَلَّمْتُهُ، وَلَكِنِّي شَهِدْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَأَتَاهُ ضَرِيرٌ، وقصَّ عليه القصة السابقة([2]).
والحديث صحيح على شرط الشيخين، كما رواه الترمذي، وابن ماجه، والطبراني، والبيهقي، والحاكم، وأقر صحته الحافظ الذهبي وتابعه ابن تيمية نفسه على صحته، وأخرجه البخاري في التاريخ، كما نص على صحته نحو خمسة عشر حافظًا رضى الله عنه.
جـ- وفي كتاب الترمذي، وابن ماجه قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى الله حَاجَةٌ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِى آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ لْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لْيُثْنِ عَلَى الله، أي: بالتحميد، والتسبيح، والتكبير ونحوه، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، لاَ تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ، وَلاَ حَاجَةً هِىَ لَكَ رِضًا إِلاَّ قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»([3]).
ولـه أن يزيــد مـن الأدعيـــة المأثــورة ومن غيرها ما يشــاء مما يوافق حاجته.
2- الخلاصة:
فمن كانت له عند الله حاجة لَازَمَ هذه الصلاة ولو في كل ليلة، أو في كل يوم مُكَرِّرًا ذلك، باحثًا عن الأسباب العادية الكونية حتى يهيئ له الله له السبب الذي يقضي به حاجته بفضله ورحمته، فذلك هو حقيقة التسليم والتوكل.
وعليه أن يدعو بعد هذه الصلاة بالدعاء السابق، ويضيف إليه دعاء الضرير المذكور في الحديث الأسبق مع إلحاحه في الدعاء بحاجته الخاصة.
ومن المستحسن أن يقنت بعد الركوع في الركعة الثانية، فهو من السنة الثابتة في الشدائد، وهو هنا أمثل وأفضل.
وكما تجوز صلاة الحاجة انفرادًا تجوز في جماعة يهمهم الأمر.
ثالثًا: صلاة الاستخارة
1- ثبوت سنتها:
أ- أخرج أحمد، والحاكم، وأبو يعلى، وابن حبان، والبزار بسند جيد، والترمذي من حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَتُهُ الله، وَمِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَاهُ الله، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ الله، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ سَخَطُهُ بِمَا قَضَاهُ الله»([4]).
ومن الثابت قولهم: لا خاب من استخار، ولا ندم من استشار.
وهي صلاة مستحبة عند الجمهور والجمع بين الاستخارة من الله والاستشارة من الناس من تمام الجمع بين طرفي السنة، قال قتادة: ما شاور قوم يبتغون وجه الله إلا هدوا إلى أرشد أمرهم.
ب- روى البخاري من حديث جَابِرٍ رضى الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا»([5]).
قال الشوكاني: هذا دليل على العموم وأن المرء لا يحتقر أمرًا لصغره، وعدم اهتمامه به فيترك الاستخارة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «وَليَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ حَتَّى شِسْعَ نَعْلِهِ»([6]).
وقد كان السلف يطلبون من الله حتى ملح الطعام وما هو أقل منه، ثم يأخذون في الأسباب.
2- كيفيتها والقراءة فيها:
أما كيفيتها كما رواها البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ...» أي يصليهما سنة نافلة بنية الاستخارة، ويقرأ فيهما بما شاء. وقد فضلوا أن يكون ذلك قبل النوم مباشرة فقد تصادفه رؤيا صادقة وهي جزء من النبوة.
قال صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ لِيَقُلِ». أي: بعد الصلاة، وهو على جلستها مستقبلًا القبلة، مستحضرًا حاجته إلى الله الدعاء الآتي:
3- دعاؤها:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ -ويجوز أن يسمي حاجته أو يكتفي بنيته والله أعلم بها- خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي...» ([7]).
ويجوز تكرار هذا الدعاء في هذه الجلسة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب تثليث الدعاء، حتى إذا انشرح صدره إلى أحد طرفي الأمر مضى فيه، على اسم الله وبركته.
4-معلومات عنها:
وأباح شيوخنا تكرار عمل الاستخارة إلى ثلاث مرات في ثلاث ليال، بل إلى سبع مرات، كما نقله ابن السني وغيره عن أنس إذا لم يتضح أمره وينشرح صدره لأحد حاليه. قال الإمام النووي: ينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له، ثم قال: بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسًا، وإلا فلا يكون مستخيرًا. قال: فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة ومن اختياره لنفسه.
قلنا: وعلينا ممارسة الأسباب الكونية مع الاستخارة، وما قُدِّرَ يَكُنْ.
رابعًا: صلاة التوبة
1- التوبة لمن:
يقول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»([8]).
وفي الحديث: «إِنَّ الله يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ»([9]).
أي: ما لم تبلغ الروح الحلقوم، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزُّمر:53].
وقد ذهب الجمهور إلى أن قوله تعالى (جميعًا) يشمل الكبائر والصغائر، وهذا هو الأشبه بسعة الرحمة ورحابة عفو الله: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ [البقرة:222].
وهو يتولى تسوية تبعاتهم وتحملها عنهم كما ورد في حديث الرجلين اللذين جثيا بين يديه، وأحاديث أخرى.
وفرق ما بين والولاية والنبوة هو وقوع الخطأ، فالعصمة للنبوة لا الولاية، وإن كان للولاية حفظ، فما بالك بغيرهما؟
وطبيعة الإنسانية الخطأ، ومدعي العصمة كذاب، ولكن فرق ما بين الصالح والطالح أن الصالح يخطيء غير عامد ولا مصر، بل هو يخطئ آسفًا محسورًا ثم يتوب، وليس كذلك الفاجر المصر العامد، ولا المجاهر والمستهتر المفاخر بمعاصيه.
2- سنية صلاتها:
ومن ثم فتح الله الباب للصالحين، فقد روى أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، والترمذي، وابن حبان، وابن خزيمة وصححاه عن أبي بكر رضى الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ، ثُمَّ يُصَلِّي، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ الله إِلاَّ غَفَرَ الله لَهُ». ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران:135]([10]).
وقد أخرجه أحمد، والطيالسي عن أبي بكر عنه صلى الله عليه وسلم بلفظ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَيَسْتَغْفِرُ الله تَعَالَى إِلاَّ غَفَرَ الله لَهُ»([11]).
وأخرج البيهقي مرسلًا عن الحسن البصري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ عَبْدٍ أَذْنَبَ ذَنْبًا ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بَرَازٍ -بفتح الباء يعني: فضاء- مِنَ الْأَرْضِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَاسْتَغْفَرَ اللّٰه مِن ذَلِكَ الذَّنْبِ إِلَّا غَفَرَ اللّٰهُ لَهُ»([12]).
3- كيفيتها وعددها:
وصلاة التوبة ركعتان ويجوز أن تكون أربعة، كما رواه الطبراني، وابن حبان، والبيهقي، وابن خزيمة، مع الخشوع والتأني والاستحضار الكامل. ولم يرد نص بقراءة خاصة فيها إلا أن بعضهم اختار القراءة بالآيات التي تذكر التوبة، كآية الحديث السابق، أو ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾ [آل عمران:135]، أو ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ﴾ [الشُّورى:25]، ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ...﴾ [الزُّمر:53] ونحوها.
وبعد الصلاة يدعو ويستغفر وهو على جلسته تضرعًا وخفية، ويكرر استغفار ختام الصلاة، وسيد الاستغفار، وما رواه الحاكم صحيحًا عن جابر عنه صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مَغْفِرَتِكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي، وَرَحْمَتَكَ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلِي»([13]).
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن كررها: «قُمْ غَفَرَ الله لَكَ».
ويحسن أن يكون ذلك بلا عدد مع الاستحضار والاستغراق؛ حتى يطمئن قلبه -بإذن الله-. ويجوز تكرار هذه الصلاة عدة أيام.
4- شروط التوبة:
وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبْ ذَنْبًا». بالتنكير دليل على أن التوبة بهذه الصلاة مرجوة لكل ذنب كبر أو صغر -إن شاء الله- مادام قد تحقق فيها شرط الندم مع عدم العمد والإصرار، والاستجابة لله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [الشُّورى:25-26].
فالخطأ قضاء، والصواب عطاء.
هذا وقد وردت في هذه الصلاة كيفيات أخرى وأذكار وقراءات شتى، وكلها لم تأتِ من طريق صحيح سوى ما ذكرناه فيما نعلم.
خامسًا: صلاة الضحى
1- سنيتها وفضلها:
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثٍ: «صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَىي الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ»([14]).
ورى الحاكم، والطبراني، وأحمد، والترمذي، والنسائي، وأبو داود: أن الله تعالى في حديث قدسي قال: «يَا ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ»([15]).
والمقصود: ركعات الضحى.
وروى أحمد، وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه أن صلاة الضحى تجزئ عن ثلاثمئة وستين صدقة([16])، وهي الصدقات اليومية المطلوبة من كل إنسان بعدد مفاصل عظامه.
وروى أحمد، والطبراني، وأبو يعلى: بَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً -جماعة من الجيش- فَغَنِمُوا وَأَسْرَعُوا الرَّجْعَةَ؛ فَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِقُرْبِ مَغْزَاهُمْ وَكَثْرَةِ غَنِيمَتِهِمْ، وَسُرْعَةِ رَجْعَتِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَقْرَبَ مِنْهُ مَغْزًى، وَأَكْثَرَ غَنِيمَةً، وَأَوْشَكَ رَجْعَةً، مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لِسُبْحَةِ الضُّحَى -بضم السين أي: لصلاتها- فَهُوَ أَقْرَبُ مَغْزًى، وَأَكْثَرُ غَنِيمَةً، وَأَوْشَكُ رَجْعَةً»([17]).
وفي حديث مسلم: أن صلاة الضحى قد تغني عن سائر أنواع التسبيح، والتكبير، والتهليل، ويَسْتَغْنِي بها العاجزُ عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: إن صلاة الضحى لفي القرآن وما يغوص عليها إلا غواص.
يشير إلى قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآَصَالِ (36) رِجَالٌ﴾ [النور:36-37]، وقوله تعالى: ﴿يُسَبِّحْنَ بِالعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ﴾ [ص:18] والغدو والإشراق: وقت الضحى. والآصال والعشي: وقت المساء.
2- ركعاتها ووقتها:
روى الترمذي: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ لاَ يَدَعُهَا، وَيَدَعُهَا حَتَّى نَقُولَ لاَ يُصَلِّي([18]).
أي أن سنتيها غير مؤكدة، فهي رغيبة مستحبة بالاختيار، وعدد ركعاتها غير محدد، فلك أن تصلي ركعتين أو تزيد إلى ما شاء الله.
وروى أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي في (الشمائل) وصححه السيوطي وغيره عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ الله([19]).
وفي حديث أم هانئ: صلاها النبي صلى الله عليه وسلم ثمان ركعات([20]).
وفي حديث أبي الدرداء: اثنى عشر ركعة.
وعن الحسن البصري: أنهم كانوا يظلون يصلون الضحى إلى منتصف النهار، أي قبل الظهر وبلا عدد. ويقرأ فيها بما يشاء. فَتَخَيَّرْ في كل مرة ما يناسب وقتك وهمتك.
وروى مسلم، والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى صلاة الضحى (صلاة الأوابين)، كالركعات الست بعد المغرب. ثم يدعو بعدها بما يحسه ويهمه، وبلغته التي تعبر عن نفسه، فاللغة وسيلة لا غاية.
ويبدأ وقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى وقت الزوال قبيل الظهر، كما سبق.
سادسًا: صلاة الليل (التهجد)
1- فضلها:
جعل الله قيام الليل والتهجد فيه من صفات المتقين، فقال تعالى عنهم: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات:17-18].
وجعلها من صفات عباد الرحمن فقال عنهم: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ [الفرقان:64].
ومن صفات المؤمنين فقال عنهم: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة:16]، وبها أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ [الإسراء:79].
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الليل، فروى الطبراني عنه صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِصَلاةِ اللَّيْلِ وَلَوْ رَكْعَةً»([21]).
وفي وصية جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وَاعْلَم أَنَّ شَرَفِ الْمُؤْمِن قِيَام اللَّيْل([22]).
وروى ابن حبان في صحيحه عنه صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا تعدل بعشرة آلاف صلاة، وصلاة في المسجد الحرام تعدل بمائة ألف فصلاة، والصلاة بأرض الرباط- أي: مجتمع المجاهدين على الثغور- تعدل بألفي صلاة، وأكثر من ذلك كله الركعتان يصليهما العبد في جوف الليل. فتأمل وفقك الله.
2- وقتها:
روى الطبراني من حديث إِيَاس بن مُعَاوِيَة الْمُزَنِيِّ عنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا بَعْدَ صَلاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ فَهُوَ مِنَ اللَّيْلِ([23]).
قال الحافظ: لم يكن لتهجده صلى الله عليه وسلم وقت معين.
نقول: ولكن وقت السحر أفضل لما رواه أحمد عنه صلى الله عليه وسلم قال لسائله عن أفضل أوقات الليل: «جَوْفُ اللَّيْلِ الْغَابِرِ أَوْ نِصْفُ اللَّيْلِ، وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ»([24]).
وروى مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة عنه صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مَنَ الرَّبِّ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْأَخِير»([25]).
قلنا: وفيه من النفحات، والإمداد، والبركات ما لا ينكر.
3- ركعاتها:
روى الطبراني، والبزار عن سمرة بن جندب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي من الليل ما قل وما كثر، أي من الركعات، ونجعل آخر ذلك وترًا([26]).
نقول: وذلك مراعاة لطاقة الإنسان واستعداده، وهو يتغير بتغير الظروف والأحوال، حتى لا يشق الأمر على العابدين.
وقد روى البخاري، ومسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فَقَالَ: «مَا هَذَا». قَالُوا لِزَيْنَبَ، تُصَلِّي فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ. فَقَالَ: «حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ قَعَدَ»([27]).
وفي البخاري، ومسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: «خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا...» ([28]).
وروى مسلم عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ، فَلْيَضْطَجِعْ»([29]). يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر.
4- آدابها وكيفيتها:
من آداب صلاة الليل النية قبل النوم، لما رواه النسائي، وابن ماجــه عنـه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عز وجل»([30]).
وله أن يصلي مثنى مثنى، وأن يصلي أربعًا أربعًا من ركعتين إلى ما شاء الله، صلاة طويلة حسنة متعادلة الأركان مستوفاة، موصولة بالله، كما جاء في حديث عائشة صحيحًا: كَانَ، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ. الحديث.
فإذا كان قد أوتر قبل النوم فالأولى أن يستفتح صلاته بركعة واحدة ينوي بها ازدواج آخر ركعة في الوتر الذي صلاه قبل النوم، ثم يتهجد ما شاء الله، وبعد فراغه من تهجده يعود فيوتر ختامًا لصلاة الليل. وصلاتها في جماعة جائز.
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin