هَلْ نَحْنُ فِي حَاجَةٍ لِلتَّصَوٌُفِ؟
اهتم الصوفية بالعلم وخدموه بالتأليف وإنشاء المعاهد. وكان الكثير من مشايخهم متبحرين في علوم الشريعة وأولي ذوق أدبي وعلمي رفيع فخلفوا ثروة علمية وأدبية زاخرة.
أمثال الحكيم الترمذي والحارث المحاسبي والغزالي الذين سبروا دقائق أعماق النفس البشرية محللين أخفى خفاياها، وأمثال جلال الدين الرومي وعمر بن الفارض وفريد الدين العطار وأبي مدين والششتري الذين تركوا أشعارا وترانيم ربانية منتصرين للحب والعاطفة ثائرين على جفاف القلب والروح، ومثيرين للحماس والتفاني في الأمة التي أمست في فترات من التاريخ فريسة المادية الصماء والتطرف العقلي والتعصب المذهبي والجمود العاطفي، وأمثال بن عربي الذي طاف العالم الإسلامي مؤلفا لمئات من الرسائل والكتب كان لها أبلغ الأثر في ثقافات العالم.
والحقيقة أن الفضل في الحركات التعليمية في الماضي يرجع إلى تشجيع هؤلاء الصوفية والمشايخ إما مباشرة وإما بواسطة. فنحن نرى المدرسة والزاوية جنبا إلى جنب في أكثر الأدوار في كل بلدان العالم الإسلامي بلا استثناء ولا ننسى الدور الأساسي الذي قامت به الزاويا -خاصة في مهد الاستعمار- لنشر القرآن الكريم وعلوم الشريعة والثقافة العربية.
وكان المخلصون من مشايخنا يرسلون خلفاءهم النجباء إلى النواحي المنعزلة النائية مثل جبال القبائل والأوراس وأعماق الصحراء فينشئون بها زوايا تجمع بين التثقيف العلمي والتربية الروحية والخلقية، فتخرج منها الآلاف من حفظة القرآن والعلماء والصلحاء. ولايزال بعضها باقيا إلى يومنا هذا.وهنا نذكر بأن للصوفية تراثا قيما جديرا بالدراسة والإحياء لايزال مجهولا ومدفونا. فلهم كتب ورسائل وأشعار في مجالات تحليلهم للنفس السالكة وفي الأدب الأخلاقي والدين وفي ميدان علم الزمن والتأويل والأدب التربوي وفي حقل الأنثروبولوجيا (الفلكلور الموسيقي -الحكاية الشعبية).ومن مآثر الزوايا أنها كانت مأوى للغرباء وأبناء السبيل والفقراء وطلاب العلم، يجدون فيها طعامهم ومرافق حياتهم. فكانت بذلك مثلا حيا للتكافل الاجتماعي ونقطة اتصال بين الأغنياء والفقراء والعلماء والعامة وملاجئ إنسانية عمل فيها الصوفية بالحديث النبوي المشهور (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم).
التصوف والجهاد : يقول الصوفي الخواص (أنت عبد لما تشتهي وعبد من تطمع فيه وعبد من تخاف. فمن ارتفع فوق الاشتهاء والخوف والطمع أصبح عبد الله) بمثل هاته المبادئ أصبح الصوفية في كل زمان القوة الثائرة على الظلم والعدوان والصوت المرتفع في وجه الطغاة مطبقين للحديث النبوي الشريف (رهبانية أمتي الجهاد) وتحت ظلال هذا الإيمان استطاع الصوفي العلامة عز الدين بن عبد السلام أن يبيع مماليك مصر بيع الرقيق يوم أن انحرفوا.وهذا ابن عربي يشتغل مستشارا للملوك في المغرب والمشرق أمثال الملك الظاهر والملك كيكاوس آمرا لهم بالمعروف وناهيا عن المنكر. وهذا أبو مدين دفين تلمسان يجاهد في الحروب الصليبية فيفقد فيها يده. وهذا الشاذلي يدفع بتلاميذه إلى ساحات الكفاح ضد الصليبيين.
وهؤلاء تلاميذ مدرسة الإمام الغزالي ينشئون ملكا في المغرب. وهذا الشيخ آق شمس الدين يدحر محمد الفاتح أعظم ملوك آل عثمان، فيخضع له الفاتحون يقول: (والله ما فرحت بفتح القسطنطينية مثل فرحي بوجود هذا الشيخ في زماني).وفي زوايا الصوفية نبتت وترعرعت رسالة الفتوة التي من مبادئها الجهاد والإيثار فتكونت منهم جماعات يقومون بأعمال تثقيفية للجنود المحاربين فكانوا وعاظا ومرابطين ومجاهدين في الربط والثغور مقدمين أنفسهم شهداء خدمة ودفاعا وقربانا.
فقد ذكر مثلا ابن بطوطة في رحلته للأناضول أنه قابل جماعة من أهل الفتوة كانوا يقيمون في مايشبه الزوايا وشعارهم الكرم والجذب على الغريب ونصرة الضعيف والأخذ على يد الظالم ووصف أفرادها بقوله: (ولم أر في الدنيا أجمل أفعالا منهم).وقد لعبت الفتوة دورا عظيما في الحروب الصليبية حتى يروي لنا القاضي الفاضل صفي صلاح الدين الأيوبي ومؤرخه أن صلاح الدين كان إذا مالت به موازين النصرة في ساحات القتال أمر الأبواق أن تضرب وأمر المنادين أن يصيحوا أين أهل الفتوة؟...كما أثبتت كتائب جماعات الفتوة وجودها وفعاليتها في الفتح التركي الخاطف في أوربا والبلقان، وهنا نشير إلى أن الكثير من المجاهدين الأتراك وجنود الانكشارية كانوا من أتباع الطريقة البكطاشية والنقشبندية والمولوية.
ولا ننسى أن الكثير من الثورات الإسلامية ضد المستعمر قامت قديما وحديثا باسم التصوف وبقيادة رجاله. سرح طرفك في هذه القرون الأخيرة فماذا تجد؟تجد في السودان محمد أحمد السوداني شيخ المهدية وفي الصومال الملاحسين من شيوخ الناصرية وفي ليبيا شيخ السنوسية أحمد الشريف وفي الهند الإمام محمد الشهيد شيخ الطريقة المجددية، تجدهم وقد قاموا اتباعهم بالثورة على المستعمرين وسقط منهم عشرات الآلاف من الشهداء· وفي عام 1813 م لما هجم الروس على (طاغستان) لم يقم في وجههم إلا مشايخ النقشبندية حاملين راية الجهاد· وكان من أشهرهم غازي محمد ثم خليفته حمزة بك ثم الشيخ شامل الذي استمر جهاده ضد روسيا نحو 35 سنة (انظر كتاب حاضر العالم الإسلامي لشكيب أرسلان)·أما في الجزائر فالتاريخ يخبرنا كيف كانت الزوايا منطلقا لساحات الجهاد ضد الاحتلال الاسباني، وكيف ثار الدرقاويون على ظلم الولاة الأتراك، وكيف قاوم مشايخ الطريق أمثال الشيخ الحداد زعيم الرحمانيين والشيخ أبو عمامة وغيرهم كثير، كيف قاوموا بالسلاح وبالكلمة الاستعمار الفرنسي.ولا ننسى بأن رائد حركات الجهاد في الجزائر الأمير عبد القادر كان صوفيا ذوقا وعملا وكان والده شيخا في الطريقة القادرية ولذلك انغمست تحت زعامته طوائف الغرب الجزائري وفي ذلك يقول شكيب أرسلان في (حاضر العالم الاسلامي):(وكان المرحوم الأمير عبد القادر متضلعا من العلم والأدب، سامي الفكر، راسخ القدم في التصوف، لايكتفي به نظرا حتى يمارسه عملا، ولا يحن إليه شوقا حتى يعرفه ذوقا، وله في التصوف كتاب سماه (المواقف) فهو في هذا المشرب من الأفراد الأفذاذ، ربما لا يوجد نظيره في المتأخرين) · يحق لنا أن نتساءل ونحن في عصر الذرة وغزو الفضاء والقنابل العابرة للقارات هل نحن في حاجة إلى التصوف؟نقول أننا أردنا بهذه اللمحة التاريخية أن نفند الإدعاء الذي يزعم بأن التصوف رمز التواكل والكسل والانسحاب عن ميدان الكفاح والدعوة، أو هو خمول وشعبذة ودروشة وجهل.
إن التصوف الأصيل الصادق المنسجم مع نهج النبوة هو الذي ينفخ في أبنائه روح العمل البناء، وعلو الهمة والحنين إلى الإيثار والجلادة والشهادة، فإذا وجدنا أمثلة شاذة لبعض المنتسبين لأصحاب الطريقة المتصوفة الذين آثروا العزلة، أو سخرهم الاستعمار لبعض مآربه فهناك في جانب آخر عدد أكبر بكثير من أئمة التصوف وشيوخ الطريقة وأتباعهم الذين كانوا أمثلة سامقة في الكفاح والنضال والدعوة إلى الإسلام والبقاء في معترك الحياة يشيعون الهداية والعلم.يقول أبو الحسن الندوى في كتابه (ربانية لا رهبانية) متحدثا عن الدور الذي يجب أن يلعبه التصوف في عصرنا:(انظر إلى بلاد ضعفت فيها الدعوة إلى الله والربانية وتزكية النفوس من زمان ندر فيها وجود الدعاة إلى الله وتجديد الصلة بالله وإصلاح الباطن بنفوذ الحضارة الغربية أو للقرب من مركزها أو بفعل عوامل أخرى -إنك تشعر فيها بفراغ هائل لا يملؤه التبحر في العلم ولا التعمق في التفكير ولا فضل من ذكاء ولا غنى من أدب ولا نسب قريب بلغة الكتاب والسنة ولا نعمة من استقلال، إنها أزمة روحية وخلقية لا علاج لها ومشكلة من أدق مشكلات المجتمع لا حل لها، فالدهماء والشعب فريسة المادية الرعناء، ونهامة المال العمياء والأمراض الإجتماعية والخلقية والمثقفون الثقافة الدينية أو المدنية- فريسة الحرص على الجاه والمنصب والأمراض الباطنية من حسد وشح ورياء وكبر وأنانية، وحب الظهور ونفاق ومداهنة، وخضوع للمادة والقوة، والحركات الاجتماعية والسياسية تفسدها الأغراض وعدم تربية النفوس وضعف القادة والمؤسسات يفسدها الخلاف والشقاق وقلة الشعور بالمسؤولية والتفكير الزائد في المادة وزيادة الرواتب والعلماء يضعف سلطانهم اهتمامهم الزائد بالمظاهر، وخوفهم الزائد من الفقر، وسخط الخاصة والعامة، واعتيادهم الزائد للحياة الرخية الناعمة.
ولا علاج لكل ذلك إلا في (التزكية النبوية) التي نطق بها القرآن وبعث بها الرسول، وفي (الربانية) التي طولب بها العلماء (ولكن كونوا ربانين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) إنني لا ألح على منهاج خاص من التزكية درج عليه جيل من أجيال المسلمين واشتهر في الزمان الأخير بالتصوف، ولا أبرئ طائفة ممن تزعم هذه الدعوة واضطلع بها من نقص في العلم والتفكير أو أخطأ في العمل والتطبيق ولا أعتقد عصمتها، فكل يخطئ ويصيب ولكن لابد لنا أن نملأ هذا الفراغ الواقع في حياتنا ومجتمعنا ونسد هذا المكان الذي كان يشغله الدعاة إلى الله والربانية والمشتغلون بتربية النفوس وتزكيتها وتجديد إيمانها وصلتها بالله، والدعوة إلى إصلاح الباطن
كتبه ذ.عبد الباقي مفتاح
اهتم الصوفية بالعلم وخدموه بالتأليف وإنشاء المعاهد. وكان الكثير من مشايخهم متبحرين في علوم الشريعة وأولي ذوق أدبي وعلمي رفيع فخلفوا ثروة علمية وأدبية زاخرة.
أمثال الحكيم الترمذي والحارث المحاسبي والغزالي الذين سبروا دقائق أعماق النفس البشرية محللين أخفى خفاياها، وأمثال جلال الدين الرومي وعمر بن الفارض وفريد الدين العطار وأبي مدين والششتري الذين تركوا أشعارا وترانيم ربانية منتصرين للحب والعاطفة ثائرين على جفاف القلب والروح، ومثيرين للحماس والتفاني في الأمة التي أمست في فترات من التاريخ فريسة المادية الصماء والتطرف العقلي والتعصب المذهبي والجمود العاطفي، وأمثال بن عربي الذي طاف العالم الإسلامي مؤلفا لمئات من الرسائل والكتب كان لها أبلغ الأثر في ثقافات العالم.
والحقيقة أن الفضل في الحركات التعليمية في الماضي يرجع إلى تشجيع هؤلاء الصوفية والمشايخ إما مباشرة وإما بواسطة. فنحن نرى المدرسة والزاوية جنبا إلى جنب في أكثر الأدوار في كل بلدان العالم الإسلامي بلا استثناء ولا ننسى الدور الأساسي الذي قامت به الزاويا -خاصة في مهد الاستعمار- لنشر القرآن الكريم وعلوم الشريعة والثقافة العربية.
وكان المخلصون من مشايخنا يرسلون خلفاءهم النجباء إلى النواحي المنعزلة النائية مثل جبال القبائل والأوراس وأعماق الصحراء فينشئون بها زوايا تجمع بين التثقيف العلمي والتربية الروحية والخلقية، فتخرج منها الآلاف من حفظة القرآن والعلماء والصلحاء. ولايزال بعضها باقيا إلى يومنا هذا.وهنا نذكر بأن للصوفية تراثا قيما جديرا بالدراسة والإحياء لايزال مجهولا ومدفونا. فلهم كتب ورسائل وأشعار في مجالات تحليلهم للنفس السالكة وفي الأدب الأخلاقي والدين وفي ميدان علم الزمن والتأويل والأدب التربوي وفي حقل الأنثروبولوجيا (الفلكلور الموسيقي -الحكاية الشعبية).ومن مآثر الزوايا أنها كانت مأوى للغرباء وأبناء السبيل والفقراء وطلاب العلم، يجدون فيها طعامهم ومرافق حياتهم. فكانت بذلك مثلا حيا للتكافل الاجتماعي ونقطة اتصال بين الأغنياء والفقراء والعلماء والعامة وملاجئ إنسانية عمل فيها الصوفية بالحديث النبوي المشهور (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم).
التصوف والجهاد : يقول الصوفي الخواص (أنت عبد لما تشتهي وعبد من تطمع فيه وعبد من تخاف. فمن ارتفع فوق الاشتهاء والخوف والطمع أصبح عبد الله) بمثل هاته المبادئ أصبح الصوفية في كل زمان القوة الثائرة على الظلم والعدوان والصوت المرتفع في وجه الطغاة مطبقين للحديث النبوي الشريف (رهبانية أمتي الجهاد) وتحت ظلال هذا الإيمان استطاع الصوفي العلامة عز الدين بن عبد السلام أن يبيع مماليك مصر بيع الرقيق يوم أن انحرفوا.وهذا ابن عربي يشتغل مستشارا للملوك في المغرب والمشرق أمثال الملك الظاهر والملك كيكاوس آمرا لهم بالمعروف وناهيا عن المنكر. وهذا أبو مدين دفين تلمسان يجاهد في الحروب الصليبية فيفقد فيها يده. وهذا الشاذلي يدفع بتلاميذه إلى ساحات الكفاح ضد الصليبيين.
وهؤلاء تلاميذ مدرسة الإمام الغزالي ينشئون ملكا في المغرب. وهذا الشيخ آق شمس الدين يدحر محمد الفاتح أعظم ملوك آل عثمان، فيخضع له الفاتحون يقول: (والله ما فرحت بفتح القسطنطينية مثل فرحي بوجود هذا الشيخ في زماني).وفي زوايا الصوفية نبتت وترعرعت رسالة الفتوة التي من مبادئها الجهاد والإيثار فتكونت منهم جماعات يقومون بأعمال تثقيفية للجنود المحاربين فكانوا وعاظا ومرابطين ومجاهدين في الربط والثغور مقدمين أنفسهم شهداء خدمة ودفاعا وقربانا.
فقد ذكر مثلا ابن بطوطة في رحلته للأناضول أنه قابل جماعة من أهل الفتوة كانوا يقيمون في مايشبه الزوايا وشعارهم الكرم والجذب على الغريب ونصرة الضعيف والأخذ على يد الظالم ووصف أفرادها بقوله: (ولم أر في الدنيا أجمل أفعالا منهم).وقد لعبت الفتوة دورا عظيما في الحروب الصليبية حتى يروي لنا القاضي الفاضل صفي صلاح الدين الأيوبي ومؤرخه أن صلاح الدين كان إذا مالت به موازين النصرة في ساحات القتال أمر الأبواق أن تضرب وأمر المنادين أن يصيحوا أين أهل الفتوة؟...كما أثبتت كتائب جماعات الفتوة وجودها وفعاليتها في الفتح التركي الخاطف في أوربا والبلقان، وهنا نشير إلى أن الكثير من المجاهدين الأتراك وجنود الانكشارية كانوا من أتباع الطريقة البكطاشية والنقشبندية والمولوية.
ولا ننسى أن الكثير من الثورات الإسلامية ضد المستعمر قامت قديما وحديثا باسم التصوف وبقيادة رجاله. سرح طرفك في هذه القرون الأخيرة فماذا تجد؟تجد في السودان محمد أحمد السوداني شيخ المهدية وفي الصومال الملاحسين من شيوخ الناصرية وفي ليبيا شيخ السنوسية أحمد الشريف وفي الهند الإمام محمد الشهيد شيخ الطريقة المجددية، تجدهم وقد قاموا اتباعهم بالثورة على المستعمرين وسقط منهم عشرات الآلاف من الشهداء· وفي عام 1813 م لما هجم الروس على (طاغستان) لم يقم في وجههم إلا مشايخ النقشبندية حاملين راية الجهاد· وكان من أشهرهم غازي محمد ثم خليفته حمزة بك ثم الشيخ شامل الذي استمر جهاده ضد روسيا نحو 35 سنة (انظر كتاب حاضر العالم الإسلامي لشكيب أرسلان)·أما في الجزائر فالتاريخ يخبرنا كيف كانت الزوايا منطلقا لساحات الجهاد ضد الاحتلال الاسباني، وكيف ثار الدرقاويون على ظلم الولاة الأتراك، وكيف قاوم مشايخ الطريق أمثال الشيخ الحداد زعيم الرحمانيين والشيخ أبو عمامة وغيرهم كثير، كيف قاوموا بالسلاح وبالكلمة الاستعمار الفرنسي.ولا ننسى بأن رائد حركات الجهاد في الجزائر الأمير عبد القادر كان صوفيا ذوقا وعملا وكان والده شيخا في الطريقة القادرية ولذلك انغمست تحت زعامته طوائف الغرب الجزائري وفي ذلك يقول شكيب أرسلان في (حاضر العالم الاسلامي):(وكان المرحوم الأمير عبد القادر متضلعا من العلم والأدب، سامي الفكر، راسخ القدم في التصوف، لايكتفي به نظرا حتى يمارسه عملا، ولا يحن إليه شوقا حتى يعرفه ذوقا، وله في التصوف كتاب سماه (المواقف) فهو في هذا المشرب من الأفراد الأفذاذ، ربما لا يوجد نظيره في المتأخرين) · يحق لنا أن نتساءل ونحن في عصر الذرة وغزو الفضاء والقنابل العابرة للقارات هل نحن في حاجة إلى التصوف؟نقول أننا أردنا بهذه اللمحة التاريخية أن نفند الإدعاء الذي يزعم بأن التصوف رمز التواكل والكسل والانسحاب عن ميدان الكفاح والدعوة، أو هو خمول وشعبذة ودروشة وجهل.
إن التصوف الأصيل الصادق المنسجم مع نهج النبوة هو الذي ينفخ في أبنائه روح العمل البناء، وعلو الهمة والحنين إلى الإيثار والجلادة والشهادة، فإذا وجدنا أمثلة شاذة لبعض المنتسبين لأصحاب الطريقة المتصوفة الذين آثروا العزلة، أو سخرهم الاستعمار لبعض مآربه فهناك في جانب آخر عدد أكبر بكثير من أئمة التصوف وشيوخ الطريقة وأتباعهم الذين كانوا أمثلة سامقة في الكفاح والنضال والدعوة إلى الإسلام والبقاء في معترك الحياة يشيعون الهداية والعلم.يقول أبو الحسن الندوى في كتابه (ربانية لا رهبانية) متحدثا عن الدور الذي يجب أن يلعبه التصوف في عصرنا:(انظر إلى بلاد ضعفت فيها الدعوة إلى الله والربانية وتزكية النفوس من زمان ندر فيها وجود الدعاة إلى الله وتجديد الصلة بالله وإصلاح الباطن بنفوذ الحضارة الغربية أو للقرب من مركزها أو بفعل عوامل أخرى -إنك تشعر فيها بفراغ هائل لا يملؤه التبحر في العلم ولا التعمق في التفكير ولا فضل من ذكاء ولا غنى من أدب ولا نسب قريب بلغة الكتاب والسنة ولا نعمة من استقلال، إنها أزمة روحية وخلقية لا علاج لها ومشكلة من أدق مشكلات المجتمع لا حل لها، فالدهماء والشعب فريسة المادية الرعناء، ونهامة المال العمياء والأمراض الإجتماعية والخلقية والمثقفون الثقافة الدينية أو المدنية- فريسة الحرص على الجاه والمنصب والأمراض الباطنية من حسد وشح ورياء وكبر وأنانية، وحب الظهور ونفاق ومداهنة، وخضوع للمادة والقوة، والحركات الاجتماعية والسياسية تفسدها الأغراض وعدم تربية النفوس وضعف القادة والمؤسسات يفسدها الخلاف والشقاق وقلة الشعور بالمسؤولية والتفكير الزائد في المادة وزيادة الرواتب والعلماء يضعف سلطانهم اهتمامهم الزائد بالمظاهر، وخوفهم الزائد من الفقر، وسخط الخاصة والعامة، واعتيادهم الزائد للحياة الرخية الناعمة.
ولا علاج لكل ذلك إلا في (التزكية النبوية) التي نطق بها القرآن وبعث بها الرسول، وفي (الربانية) التي طولب بها العلماء (ولكن كونوا ربانين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) إنني لا ألح على منهاج خاص من التزكية درج عليه جيل من أجيال المسلمين واشتهر في الزمان الأخير بالتصوف، ولا أبرئ طائفة ممن تزعم هذه الدعوة واضطلع بها من نقص في العلم والتفكير أو أخطأ في العمل والتطبيق ولا أعتقد عصمتها، فكل يخطئ ويصيب ولكن لابد لنا أن نملأ هذا الفراغ الواقع في حياتنا ومجتمعنا ونسد هذا المكان الذي كان يشغله الدعاة إلى الله والربانية والمشتغلون بتربية النفوس وتزكيتها وتجديد إيمانها وصلتها بالله، والدعوة إلى إصلاح الباطن
كتبه ذ.عبد الباقي مفتاح
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin