الباب الرابع في الألوهية
اعلم أن جميع حقائق الوجود وحفظها في مراتبها تسمى الألوهية، وأعني بحقائق الوجود أحكام المظاهر مع الظاهر فيها، أعني الحق والخلق، فشمول المراتب الإلهية وجميع المراتب الكونية، وإعطاء كل حقه من مرتبة الوجود هو معنى الألوهية.
والله اسم لربّ هذه المرتبة، ولا يكون ذلك إلاَّ لذات واجب الوجود تعالى وتقدّس، فأعلى مظاهر الذات مظهر الألوهية إذ له الحيطة والشمول على كل مظهر وهيمنة على كل وصف أو اسم، فالألوهية أم الكتاب.
والقرآن هو الأحدية، والفرقان هو الواحدية القرآنية، والكتاب المجيد هو الرحمانية، كل ذلك باعتبار، وإلا فأمّ الكتاب باعتبار الأول الذي عليه صلاح القوم هو ماهية كنه الذات.
والقرآن هو الذات، والفرقان هو الصفات، والكتاب هو الوجود المطلق، وسيأتي بيان هذه العبارات من هذا الكتاب في محله إن شاء الله تعالى.
وإذا عرفت الاصطلاح وعرفت حقيقة ما أشرنا إليه، علمت أن هذا عين ذلك، ولا خلاف في القولين إلا في العبارة، والمعنى واحد، فإذا علمت ما ذكرناه تبين لك أن الأحدية أعلى الأسماء التي تحت هيمنة الألوهية، والواحدية أول تنزلات الحق من الأحدية.
فأعلى المراتب التي شملتها الواحدية المرتبة الرحمانية، وأعلى مظاهر الرحمانية في الربوبية وأعلى مظاهر الربوبية في اسمه الملك. فالملكية تحت الربوبية والربوبية تحت الرحمانية، والرحمانية تحت الواحدية، والواحدية تحت الأحدية والأحدية تحت الالوهية.
لأن الألوهية إعطاء حقائق الوجود وغير الوجود حقها مع الحيطة والشمول . والأحدية حقيقة من جملة حقائق الوجود، فالألوهية أعلى، ولهذأ كان اسمه الله أعلى الأسماء وأعلى من اسمه ألأحد والأحدية أخص مظاهر الذات لنفسها، والألوهية أفضل مظاهر الذات لنفسها ولغيرها ومن ثم منع أهل الله تجلى الأحدية ولم يمنعوا تجلي الألوهية ،فإن الأحدية ذات محض لا ظهور لصفه فيها ، فضلا عن ان يظهر فيها مخلوق، فامتنع نسبتها الى المخلوق من كل وجه.
فما هي إلا للقديم القائم بذاته ، ولا كلام في ذات واجب الوجود فانه لا يخفي عليه شيء من نفسه ، فإن كنت أنت هو ، فما أنت أنت ، بل هو هو ، و إن كان هو أنت فما هو هو ، وإنما أنت أنت.
فمن حصل في هذا التجلي فليعلم أنه من تجليات الواحدية ، لأن تجلي الأحدية لا يسوغ فيها ذكر أنت ولا ذكر هو ، فافهم.
وسيجيئ الكلام عن الواحدية في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله .
واعلم أن الوجود والعدم متقابلان، وفلك الألوهية محيط بهما، لأن الألوهية محيط تجمع الضدين من القديم والحديث والحق والخلق والوجود والعدم. فيظهر فيها الواجب مستحيلاً بعد ظهوره واجباً ويظهر فيها المستحيل واجباً بعد ظهوره فيها مستحيلاً، ويظهر الحق فيها بصورة الخلق مثل قوله : " رأيت ربي في صورة شاب أمرد " .
ويظهر الخلق بصورة الحق مثل قوله : "خلق آدم على صورته".
وعلى هذا التضاد فإنها تعطي كل شيء مما شملته من هذه الحقائق حقها، فظهور الحق في الألوهية على اكمل مرتبة وأعلاها وأفضل المظاهر وأسماها.
وظهور الخلق في الألوهية على ما يستحقه الممكن من تنوّعاته وتغيراته وانعدامه ووجوده. وظهور الوجود في الألوهية على كمال ما تستحقه مراتبه من جميع الحق والخلق وأفراد كل منهما. وظهور العدم في الألوهية على بطونه وصرافته وانمحاقه في الوجه الاكمل غير موجود في فنائه المحض، وهذا لا يعرف بطريق العقل ولا يدرك بالفكر. ولكنه من حصل في هذا الكشف الإلهي علم هذا الذوق المحض ، من هذا التجلي العام المعروف بالتجلي الإلهي. وهو موضع حيرة الكمَّل من أهل الله تعالى، وإلى سرّ هذه الألوهية أشار صلي الله عليه وسلم : (أنا أعرفكم بالله وأشدكم خوفاً منه).
فما خاف صلى الله عليه وسلم من الربّ و لا من الرحمن، وإنما خاف من الله ، وإليه الإشارة بقوله : " ما أدري ما يفعل بي ولا بكم ".
على أنه أعرف الموجودات بالله تعالى وبما يبرز من ذلك الجناب الإلهي، أي لا أدري أي صورة أظهر بها في التجلي الإلهي ولا أظهر إلاَّ بما يقتضيه حكمها وليس لحكمها قانون لا نقيض له. فهو يعلم ولا يعلم ويجهل ولا يجهل ، اذ ليس التجلي الإلهي حد يقف عليه في التفصيل . فلا يقع عليها الإدراك التفصيلي بوجه من الوجوه .
لانه محال على الله ان يكون له نهاية، ولا سبيل إلى إدراك ما ليس له نهاية ، لكن الحق سبحانه وتعالى قد يتجلي بها على سبيل الكلية و الإجمال .
و الكمل متفاوتون في الحظ من ذلك التجلي كل على قدر ما فصل من ذلك الإجمال و بحسب ما ذهب إليه الكبير المتعال ، وبحكم ما ظهر من ذلك علي حده من آثار الكمال.
بلِّغي يا نسيم أهل الديار .... خبر الصبّ بين ماء ونار
وانزلي تلكم الديار بليل ..... ما تطيقي نزولها بنهار
فهناك الظبا تصيد أسودا وهناك الأسود ليست ضواري
قد فقدنا القرار عنهم فباتوا ..... ورضينا لهم ببعد المزار
كتب الحسن في الفؤاد قرآناً .... أنزلوه عليه بالاقتدار
فتلا القلب آية العشق حتى .... كمل السرّ سورة الاشتهار
فتبدى من النقاب جمال ..... قتل الناظرين بالاستتار
نطق الثغر منه عجباً لحسن ..... أسكرت ريقه بخمر خماري
قال لما رأى القلوب أسارى .... قد غنيتم بصحة الافتقار
كل ما في الوجود غيري فمني ..... هو ذاتي نوّعته باختياري
أنا كالثوب إن تلوّنت يوماً ..... باحمرار وتارة باصفرار
ومحا الحمرة البياض وجاءت ...... كثرة فهي للتلوّن طاري
فمحال عليَّ في انقسام .... ومحال عليّ فيّ دثاري
إنما الدثر في التلوّن حق ..... إنما الستر فيه لا فيّ جاري
كل ما في عوالمي من جماد ..... ونبات وذات روح معاري
صور لي تعرضت وإذا ما ..... أزلتها لا أزول وهي جواري
اتفاق جميعها باختلاف ..... رتبة قد علت مطار مدار
لي معنى إذا بدا آنت معنى ...... من معانيه ذا غناء افتقاري
وإذا زال لم أزل في لباس ..... لم كن منه منذ ما آنت عاري
وعليها تركبت كل معنى ..... لي من ذاتي العزيز المنار
فألوهيتي لذاتي أصل ...... بل هو الفرع فاعلمن شعاري
عجباً للذي هو الأصل حكماً ...... أن يسير لفرعه فهو ساري
لا يهولنك المقال فإني ..... لم كن فرعه سوى في استتاري
وعليه مؤصل كل فرع ....... هو أصل لباطني وظهاري
وإذا ما بدا تجليت فيه ...... وإذا ما أزيل فهو خماري
فهو تدريه لا تراه وإني ....... قد تراني ولم تكن لي داري
سنة لي جرت بذاك وإني ..... لغنيّ بأن أرى أو أواري
فالألوهية مشهودة الأثر مفقودة في النظر يعلم حكمها ولا يرى رسمها، والذات مرئية العين مجهولة الأين ترى عياناً ولا يدرك لها بياناً. ألا ترى أنك إذا رأيت رجلاً تعلم أنه موصوف مثلاً بأوصاف متعددة، فتلك الأوصاف الثابتة له إنما تقع عليها بالعلم والاعتقاد أنها فيه ولا تشهد لها عينا. وأما ذاته فأنت تراها بجملتها عيانا ولكن تجهل ما فيها من الأوصاف التي لم يبلغك علمها إذ يمكن أن يكون لها ألف وصف مثلا وما بلغك منها إلا بعضها. فالذات مرئية و الأوصاف مجهولة ولا ترى من الوصف إلا الأثر ، أما الوصف نفسه فهو الذي لا يري أبدا البتاه. مثله ما ترى من الشجاع عند المحاربة إلا إقدامه ، وذلك أثر الشجاعة لا الشجاعة . ولا ترى من الكريم إلا إعطاءه، وذلك أثر الكرم لا نفس الكرم.
لأن الصفة كامنه في الذات لا سبيل الى بروزها ، فلو جاز عليها البروز، لجاز عليها الانفصال عن الذات وهذا غير ممكن. فافهم.
وللألوهية سرّ، وهو أن كل فرد من الأشياء التي يطلق عليها اسم الشبيه قديماً كان أو محدثاً، معدوماً كان أو موجوداً، فهو يحوي بذاته جميع بقية أفراد الأشياء الداخلة تحت هيمنة الألوهية.
فمثل الموجودات كمثل مراء متقابلات يوجد جميعها في كل واحد منها، فإن قلت: إن المرائي المتقابلات قد وجد في كل منها ما وجد في الأخرى، فما جمعت الواحدة من المرائي إلاَّ ما هي عليه، وبقي الأفراد المتعددات من المرائي التي تحت كل فرد منها جميع المجموع، ساغ بها الاعتبار أن نقول: ما حوى كل فرد من أفراد الوجود إلاَّ ما استحقته ذاته لا زائداً على ذلك.
وإن قلت باعتبار وجود الجميع من المرائي في كل واحدة أن كل فرد من أفراد الوجود فيه جميع الموجودات جاز لك ذلك.
وعلى الحقيقة فهذا أمر كالقشر على المراد وما وضع لك إلاَّ شرك، عسى أن يقع طيرك في شبكة الأحدية فتشهد في الذات ما استحقته من الصفات، فاترك القشر وخذ اللبّ ولا تكن ممن عمي عن الوجه وتراءى الحجب.
قلبي بكم متصلب ..... متسكن متقلب
وخيال حبكم به ..... أبداً يجيء ويذهب
ما أنتم مني سوى ..... نفسي فأين المهرب
ألقيت نفسي فاغتدت ...... مما لكم أتقلب
وتركتني فوجدتني ..... لا أم ثم ولا أب
وجحدت ما قبلي وما ...... بعدي ولا أتريب
ونفيت عني الاختصاص ...... بوجهه يتقرّب
أنا ذلك القدوس في ...... قدس العماء محجب
أنا ذلك الفرد الذي ....... فيه الكمال الأعجب
أنا قطب دائرة الرحى ..... وأنا العلا المستوعب
وأنا العجيب ومن به ....... مما حوى ذا المعجب
فلك المحاسن فيه شمس ...... مشرق ولا مغرب
لي في العلا فوق المكان ....... مكانة لا تقرب
في كل منبت شعره ....... مني كمال معرب
وبكل صوت طائر ...... في كل غصن يطرب
وبكل مرأى صورتي ..... تبدو وقد تتحجب
حزت الكمال بأسره ....... فلأجل ذا أتقلب
وأقول إني خلقه ...... والحق ذاتي فاعجبوا
نفسي أنزّه عن مقا ...... لتي التي لا تكذب
اللَّه أهل للعلا ...... وبروق خلقي خلب
أنا لم كن هو لم يزل ...... فلأي شيء أُطنِب
ضاع الكلام فلا آلا ....... م ولا سكوت معجب
جمعت محاسني العلا ..... أنا غافر والمذنب
اعلم أن جميع حقائق الوجود وحفظها في مراتبها تسمى الألوهية، وأعني بحقائق الوجود أحكام المظاهر مع الظاهر فيها، أعني الحق والخلق، فشمول المراتب الإلهية وجميع المراتب الكونية، وإعطاء كل حقه من مرتبة الوجود هو معنى الألوهية.
والله اسم لربّ هذه المرتبة، ولا يكون ذلك إلاَّ لذات واجب الوجود تعالى وتقدّس، فأعلى مظاهر الذات مظهر الألوهية إذ له الحيطة والشمول على كل مظهر وهيمنة على كل وصف أو اسم، فالألوهية أم الكتاب.
والقرآن هو الأحدية، والفرقان هو الواحدية القرآنية، والكتاب المجيد هو الرحمانية، كل ذلك باعتبار، وإلا فأمّ الكتاب باعتبار الأول الذي عليه صلاح القوم هو ماهية كنه الذات.
والقرآن هو الذات، والفرقان هو الصفات، والكتاب هو الوجود المطلق، وسيأتي بيان هذه العبارات من هذا الكتاب في محله إن شاء الله تعالى.
وإذا عرفت الاصطلاح وعرفت حقيقة ما أشرنا إليه، علمت أن هذا عين ذلك، ولا خلاف في القولين إلا في العبارة، والمعنى واحد، فإذا علمت ما ذكرناه تبين لك أن الأحدية أعلى الأسماء التي تحت هيمنة الألوهية، والواحدية أول تنزلات الحق من الأحدية.
فأعلى المراتب التي شملتها الواحدية المرتبة الرحمانية، وأعلى مظاهر الرحمانية في الربوبية وأعلى مظاهر الربوبية في اسمه الملك. فالملكية تحت الربوبية والربوبية تحت الرحمانية، والرحمانية تحت الواحدية، والواحدية تحت الأحدية والأحدية تحت الالوهية.
لأن الألوهية إعطاء حقائق الوجود وغير الوجود حقها مع الحيطة والشمول . والأحدية حقيقة من جملة حقائق الوجود، فالألوهية أعلى، ولهذأ كان اسمه الله أعلى الأسماء وأعلى من اسمه ألأحد والأحدية أخص مظاهر الذات لنفسها، والألوهية أفضل مظاهر الذات لنفسها ولغيرها ومن ثم منع أهل الله تجلى الأحدية ولم يمنعوا تجلي الألوهية ،فإن الأحدية ذات محض لا ظهور لصفه فيها ، فضلا عن ان يظهر فيها مخلوق، فامتنع نسبتها الى المخلوق من كل وجه.
فما هي إلا للقديم القائم بذاته ، ولا كلام في ذات واجب الوجود فانه لا يخفي عليه شيء من نفسه ، فإن كنت أنت هو ، فما أنت أنت ، بل هو هو ، و إن كان هو أنت فما هو هو ، وإنما أنت أنت.
فمن حصل في هذا التجلي فليعلم أنه من تجليات الواحدية ، لأن تجلي الأحدية لا يسوغ فيها ذكر أنت ولا ذكر هو ، فافهم.
وسيجيئ الكلام عن الواحدية في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله .
واعلم أن الوجود والعدم متقابلان، وفلك الألوهية محيط بهما، لأن الألوهية محيط تجمع الضدين من القديم والحديث والحق والخلق والوجود والعدم. فيظهر فيها الواجب مستحيلاً بعد ظهوره واجباً ويظهر فيها المستحيل واجباً بعد ظهوره فيها مستحيلاً، ويظهر الحق فيها بصورة الخلق مثل قوله : " رأيت ربي في صورة شاب أمرد " .
ويظهر الخلق بصورة الحق مثل قوله : "خلق آدم على صورته".
وعلى هذا التضاد فإنها تعطي كل شيء مما شملته من هذه الحقائق حقها، فظهور الحق في الألوهية على اكمل مرتبة وأعلاها وأفضل المظاهر وأسماها.
وظهور الخلق في الألوهية على ما يستحقه الممكن من تنوّعاته وتغيراته وانعدامه ووجوده. وظهور الوجود في الألوهية على كمال ما تستحقه مراتبه من جميع الحق والخلق وأفراد كل منهما. وظهور العدم في الألوهية على بطونه وصرافته وانمحاقه في الوجه الاكمل غير موجود في فنائه المحض، وهذا لا يعرف بطريق العقل ولا يدرك بالفكر. ولكنه من حصل في هذا الكشف الإلهي علم هذا الذوق المحض ، من هذا التجلي العام المعروف بالتجلي الإلهي. وهو موضع حيرة الكمَّل من أهل الله تعالى، وإلى سرّ هذه الألوهية أشار صلي الله عليه وسلم : (أنا أعرفكم بالله وأشدكم خوفاً منه).
فما خاف صلى الله عليه وسلم من الربّ و لا من الرحمن، وإنما خاف من الله ، وإليه الإشارة بقوله : " ما أدري ما يفعل بي ولا بكم ".
على أنه أعرف الموجودات بالله تعالى وبما يبرز من ذلك الجناب الإلهي، أي لا أدري أي صورة أظهر بها في التجلي الإلهي ولا أظهر إلاَّ بما يقتضيه حكمها وليس لحكمها قانون لا نقيض له. فهو يعلم ولا يعلم ويجهل ولا يجهل ، اذ ليس التجلي الإلهي حد يقف عليه في التفصيل . فلا يقع عليها الإدراك التفصيلي بوجه من الوجوه .
لانه محال على الله ان يكون له نهاية، ولا سبيل إلى إدراك ما ليس له نهاية ، لكن الحق سبحانه وتعالى قد يتجلي بها على سبيل الكلية و الإجمال .
و الكمل متفاوتون في الحظ من ذلك التجلي كل على قدر ما فصل من ذلك الإجمال و بحسب ما ذهب إليه الكبير المتعال ، وبحكم ما ظهر من ذلك علي حده من آثار الكمال.
بلِّغي يا نسيم أهل الديار .... خبر الصبّ بين ماء ونار
وانزلي تلكم الديار بليل ..... ما تطيقي نزولها بنهار
فهناك الظبا تصيد أسودا وهناك الأسود ليست ضواري
قد فقدنا القرار عنهم فباتوا ..... ورضينا لهم ببعد المزار
كتب الحسن في الفؤاد قرآناً .... أنزلوه عليه بالاقتدار
فتلا القلب آية العشق حتى .... كمل السرّ سورة الاشتهار
فتبدى من النقاب جمال ..... قتل الناظرين بالاستتار
نطق الثغر منه عجباً لحسن ..... أسكرت ريقه بخمر خماري
قال لما رأى القلوب أسارى .... قد غنيتم بصحة الافتقار
كل ما في الوجود غيري فمني ..... هو ذاتي نوّعته باختياري
أنا كالثوب إن تلوّنت يوماً ..... باحمرار وتارة باصفرار
ومحا الحمرة البياض وجاءت ...... كثرة فهي للتلوّن طاري
فمحال عليَّ في انقسام .... ومحال عليّ فيّ دثاري
إنما الدثر في التلوّن حق ..... إنما الستر فيه لا فيّ جاري
كل ما في عوالمي من جماد ..... ونبات وذات روح معاري
صور لي تعرضت وإذا ما ..... أزلتها لا أزول وهي جواري
اتفاق جميعها باختلاف ..... رتبة قد علت مطار مدار
لي معنى إذا بدا آنت معنى ...... من معانيه ذا غناء افتقاري
وإذا زال لم أزل في لباس ..... لم كن منه منذ ما آنت عاري
وعليها تركبت كل معنى ..... لي من ذاتي العزيز المنار
فألوهيتي لذاتي أصل ...... بل هو الفرع فاعلمن شعاري
عجباً للذي هو الأصل حكماً ...... أن يسير لفرعه فهو ساري
لا يهولنك المقال فإني ..... لم كن فرعه سوى في استتاري
وعليه مؤصل كل فرع ....... هو أصل لباطني وظهاري
وإذا ما بدا تجليت فيه ...... وإذا ما أزيل فهو خماري
فهو تدريه لا تراه وإني ....... قد تراني ولم تكن لي داري
سنة لي جرت بذاك وإني ..... لغنيّ بأن أرى أو أواري
فالألوهية مشهودة الأثر مفقودة في النظر يعلم حكمها ولا يرى رسمها، والذات مرئية العين مجهولة الأين ترى عياناً ولا يدرك لها بياناً. ألا ترى أنك إذا رأيت رجلاً تعلم أنه موصوف مثلاً بأوصاف متعددة، فتلك الأوصاف الثابتة له إنما تقع عليها بالعلم والاعتقاد أنها فيه ولا تشهد لها عينا. وأما ذاته فأنت تراها بجملتها عيانا ولكن تجهل ما فيها من الأوصاف التي لم يبلغك علمها إذ يمكن أن يكون لها ألف وصف مثلا وما بلغك منها إلا بعضها. فالذات مرئية و الأوصاف مجهولة ولا ترى من الوصف إلا الأثر ، أما الوصف نفسه فهو الذي لا يري أبدا البتاه. مثله ما ترى من الشجاع عند المحاربة إلا إقدامه ، وذلك أثر الشجاعة لا الشجاعة . ولا ترى من الكريم إلا إعطاءه، وذلك أثر الكرم لا نفس الكرم.
لأن الصفة كامنه في الذات لا سبيل الى بروزها ، فلو جاز عليها البروز، لجاز عليها الانفصال عن الذات وهذا غير ممكن. فافهم.
وللألوهية سرّ، وهو أن كل فرد من الأشياء التي يطلق عليها اسم الشبيه قديماً كان أو محدثاً، معدوماً كان أو موجوداً، فهو يحوي بذاته جميع بقية أفراد الأشياء الداخلة تحت هيمنة الألوهية.
فمثل الموجودات كمثل مراء متقابلات يوجد جميعها في كل واحد منها، فإن قلت: إن المرائي المتقابلات قد وجد في كل منها ما وجد في الأخرى، فما جمعت الواحدة من المرائي إلاَّ ما هي عليه، وبقي الأفراد المتعددات من المرائي التي تحت كل فرد منها جميع المجموع، ساغ بها الاعتبار أن نقول: ما حوى كل فرد من أفراد الوجود إلاَّ ما استحقته ذاته لا زائداً على ذلك.
وإن قلت باعتبار وجود الجميع من المرائي في كل واحدة أن كل فرد من أفراد الوجود فيه جميع الموجودات جاز لك ذلك.
وعلى الحقيقة فهذا أمر كالقشر على المراد وما وضع لك إلاَّ شرك، عسى أن يقع طيرك في شبكة الأحدية فتشهد في الذات ما استحقته من الصفات، فاترك القشر وخذ اللبّ ولا تكن ممن عمي عن الوجه وتراءى الحجب.
قلبي بكم متصلب ..... متسكن متقلب
وخيال حبكم به ..... أبداً يجيء ويذهب
ما أنتم مني سوى ..... نفسي فأين المهرب
ألقيت نفسي فاغتدت ...... مما لكم أتقلب
وتركتني فوجدتني ..... لا أم ثم ولا أب
وجحدت ما قبلي وما ...... بعدي ولا أتريب
ونفيت عني الاختصاص ...... بوجهه يتقرّب
أنا ذلك القدوس في ...... قدس العماء محجب
أنا ذلك الفرد الذي ....... فيه الكمال الأعجب
أنا قطب دائرة الرحى ..... وأنا العلا المستوعب
وأنا العجيب ومن به ....... مما حوى ذا المعجب
فلك المحاسن فيه شمس ...... مشرق ولا مغرب
لي في العلا فوق المكان ....... مكانة لا تقرب
في كل منبت شعره ....... مني كمال معرب
وبكل صوت طائر ...... في كل غصن يطرب
وبكل مرأى صورتي ..... تبدو وقد تتحجب
حزت الكمال بأسره ....... فلأجل ذا أتقلب
وأقول إني خلقه ...... والحق ذاتي فاعجبوا
نفسي أنزّه عن مقا ...... لتي التي لا تكذب
اللَّه أهل للعلا ...... وبروق خلقي خلب
أنا لم كن هو لم يزل ...... فلأي شيء أُطنِب
ضاع الكلام فلا آلا ....... م ولا سكوت معجب
جمعت محاسني العلا ..... أنا غافر والمذنب
اليوم في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
اليوم في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
اليوم في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
اليوم في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
اليوم في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
اليوم في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin