كتاب: آداب المريد السالك في حضرة الشيخ الناسك الطريقة البودشيشية ـ ج2

آداب المريد السالك في حضرة الشيخ الناسك
الحمد لله مسبغ النعم، ومتمم الفضل، ومحيي القلوب.والصلاة والسلام على الحبيب المحبوب، والمبعوث رحمة للعالمين، ومناراً للسالكين، وقدوة للعارفين.وبعد
إن الحجر الأساس للطريق الصوفي هو الأدب، المتجلي في الأدب مع الله ورسوله ثم الأدب مع الشيخ ومريديه، فالسالك للطريق، لا يمكنه الوصول أو الترقي إلا باغترافه من بحر الأدب.
يقول سيدي وشيخي حمزة بن سيدي العباس القادري البودشيشي رضي الله عنه: "عليكم بالأدب، فلا يسلم في طريق القوم إلا من أغرق في بحر من الأدب، وإياكم وأعراض الفقراء، فإن لحوم الأولياء سمُّ قاتل".
ويقول أحد العارفين: " من لا أدبَ له، لا سيرَ له، ومن لا سيرَ له، لا وصولَ له"
ومن ثَمَّ فمن لا أدب له مع شيخه، فلا وصول له إلى حضرته، فمكانة الشيخ المربي في التربية والتوجيه، مكانة عظيمة، يجب على المريد المحب، التأدب والتواضع والطاعة والامتثال، والتقدير والاحترام.
فمن مواصفات الشيخ المربي، أنه الجامع بين الشريعة والحقيقة، المربي للسلوك والمنور للأفهام، والموقظ للهمم، على هدي من كتاب الله وسنة رسوله عليه أزكي الصلاة والسلام.
ويتجدد بحمد الله هذا المعنى، في طريقتنا القادرية البودشيشية، فهي طريقة الهدى والتُقى، والبُعد عن الهوى، ومخالفة السوى، وشيخها طبيب ذو باع في أمراض القلوب قد بَرَعْ، لكل مريدٍ أَحَبه و اتَّبع.
قال سيدي وشيخي حمزة بن سيدي العباس القادري البودشيشي رضي الله عنه:
"أدب الظاهر أدب أشباح، وأدب الباطن أدب أرواح، وشتَّان بين أدبٌ نهايته المظاهر، وأدبٌ أساسه تزكية الضمائر، وصفاء السرائر، واستمداده من "هو الظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم".


فالآداب نوعان: آداب باطنية وأخرى ظاهرية.
فمن الآداب الباطنية، أن يُصَدق شيخه في كل ما يقوله ويرويه، ويعترف بكراماته ومشاهداته، وأن لا يزن أقواله بميزان العقل الدنيوي، بل بالاعتقاد الروحي الإيماني، وأن يكون قلبه على قلب شيخه، موقنا في سريرته، على أنه صاحب الأهلية، والمرشد للحقيقة السرمدية، والمأذون بالإلهام الرباني، الحاصل على الكشف النوراني، ووارث السر المحمدي، في التقويم والتربية والإرشاد، إذ يجب أن يعرف أن تربية شيخه وصحبته له، فيها الخير الكثير والحكمة البالغة، لقوله تعالى:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا.وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (البقرة 269).
أما الآداب الظاهرة، المتمثلة في سلوكيات ومعاملات المريد مع شيخه، فقد ذكرها أحمد البوزيدي (ت 1669هـ) في [كتابه الآداب المرضية لسالك طريق الصوفية] ومنها:
من آداب المريد، إذا اتخذ شيخا- في التربية الصوفية - واصلا موصلا جامعا لأنواع السلوك أن لا يلتفت إلى سواه، وإن التفت فلا ينال ربحا ولو اتخذ ألف شيخ" (ص29)
- "أن لا يكثر الجلوس مع الشيخ" (ص11) والمعنى هنا، الامتثال بمغادرة المجلس إذا أمر الشيخ بذلك.
- "عدم الإكثار من الضحك مع الشيخ- أو في مجلسه-، وإن ضحك معه فليقصر هو، وليراع الأدب، وقد يكون ذلك من الشيخ اختبارا له لينظر مقامه في الأدب، فافهم" (ص11)
- "ألا يكثر الكلام بحضرة الشيخ" (ص11) لأنَّ مَن كَثَرَ كلامُه قَـلَّ صوابُه.
- "أن لا يشكو حوائج دنياه، فإن عُسِّر شيء عليه، فليتوسل إلى الله تعالى" (ص23)
- "ألا يسرع في الجواب إذا شاوره الشيخ في أمر ديني أو دنيوي، بل يتأنى ويتأمل ما مراد الشيخ؟ فإن فهم مراده، فليجاوبه بما أراده منه" (ص24)
- "عدم إيصال الكلام القبيح للشيخ الذي يُغير قلبه أو قلب المريدين، بل يتناول الكلام في حضرة أهل الله على الخير"(ص 118).

هذه كانت بعض من آداب المريد السالك، الواجبة على كل محب صادق، فإذا كانت زيارة المربي ترقي وتربي كما قيل، فإن التحلي بتلك الآداب مع الشيخ المربي تزكي وتنقي