15ــ العهد الرابع: التعلم والتعليم(2)
مقتطفات من كتاب العهود المحمدية للشعراني
مقدمة الدرس:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول الإمام سيدي الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه الله تعالى في العهد الرابع:
(ومذهب إمامنا الشافعي رضي الله عنه أن طلب العلم على وجه الإخلاص أفضل من صلاة النافلة) اهـ.
أقول أيها الإخوة الكرام:
سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ الْمُبَارَكِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَجْعَلُ فَضْلَ يَوْمِي، فِي تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ أَوْ فِي تَعَلُّمِ الْعِلْمِ؟ فَقَالَ: هَلْ تُحْسِنُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَقُومُ بِهِ صَلاتُك؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: عَلَيْك بِالْعِلْمِ .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودِ : إنَّ أَحَدَكُمْ لَمْ يُولَدْ عَالِمًا، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ.
وَقَالَ أَيْضًا: اُغْدُ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا، وَلا تَغْدُ إمَّعَةً بَيْنَ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الأَجْرِ سَوَاءٌ، وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لا خَيْرَ فِيهِمْ .
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: (إنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، إنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إلا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالاهُ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ) رواه الترمذي.
وعن أبي قلابة رضي الله عنه قال: (مَثَلُ العلماء مَثَلُ النجوم التي يُهتدي بها، والأعلامُ التي يُقتدي بها، إذا تغيبت عنهم تحيَّروا ، وإذا تركوها ضلوا).
ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب، لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه. اهـ.
لا بدَّ من الإخلاص في طلب العلم:
أيها الإخوة الكرام: العلم بحدِّ ذاته عبادةٌ يُتَقَرَّبُ بها إلى الله تعالى، وهو طريقٌ موصلٌ إلى الجنة، ولكن لا بدَّ لهذه العبادة من الإخلاص حتى ينتفع العبد منها في الدنيا وفي الآخرة، وإلا فقد ينتفع بالعلم في الدنيا بجمع مال، أو وصولٍ إلى شهرةٍ أو سمعةٍ أو مكانةٍ، ومن كان حظه من العلم هذا فقط فقد خاب وخسر، وكان ممن استبدل الأدنى بالذي هو خير.
لقد كان سلفنا الصالح يوصون أبناءهم بالإخلاص عند تعلُّم العلم، فهذا سيدنا لقمان الحكيم رضي الله عنه يوصي ولده بقوله: يا بنيَّ لا تَعلَّمَ العلمَ لتباهي به العلماء أو لتُماري به السُّفهاء، أو تُرائي به في المجالس، ولا تترك العلم زهداً فيه ورغبةً في الجهالة، يا بنيَّ، اختر المجالس على عينك، وإذا رأيت قوماً يذكرون اللّه فاجلس معهم، فإنَّك إنْ تكن عالماً ينفعك علمك، وإنْ تكن جاهلاً يعلِّموك، ولعلَّ اللّه أن يطَّلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون اللّه فلا تجلس معهم، فإنَّك إنْ تكن عالماً لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلاً زادوك غيَّاً أو عيَّا، ولعلَّ اللّه يطَّلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم.
الإخلاص عزيزٌ قليلٌ من حصَّلَه:
أيها الإخوة الكرام: يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة}. وطلب العلم وتعليمه للناس من أجلِّ العبادات وأقدسها، بل هو روضة من رياض الجنة، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا، قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: حِلَقُ الذِّكْرِ).
ولكنَّ الإخلاص في العلم تَعَلُّماً وتَعْلِيماً عزيزٌ جداً قليلٌ من حصَّله، يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في الإحياء: كل حظٍّ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس ويميل إليه القلب - قلَّ أم كَثُر - إذا تطرَّقَ إلى العمل تكدَّرَ به صفوه وزال به إخلاصه. والإنسان مرتبط في حظوظه منغمس في شهواته، قلَّما ينفك فعلٌ من أفعاله، وعبادةٌ من عباداته عن حظوظٍ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس. فلذلك قيل: من سلم له من عمره لحظةٌ واحدة خالصةٌ لوجه الله نجا. وذلك لعِزَّة الإخلاص وعُسر تنقية القلب عن هذه الشوائب، بل الخالص هو الذي لا باعث عليه إلا طلب القرب من الله تعالى.
فكل عمل من الأعمال حتى يكون مقبولاً عند الله، مُثاباً عليه صاحبه يوم القيامة، لا بدَّ له من أمرين اثنين:
الأول: أن يكون صواباً وفق ما شرع الله تعالى.
الثاني: أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى.
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: العمل بغير إخلاصٍ ولا اقتداءٍ كالمسافر يملأ جِرابَه رملاً ينقله ولا ينفعه.
احذر الرياء:
أيها الإخوة الكرام: من هذا المنطلق حذَّرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من الرياء بقوله: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ تُجَازَى الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ بِأَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً!) رواه الإمام أحمد عم محمود بن لبيد رضي الله عنه.
وَيقولَ بِشْرٌ الْحَافِي: لا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ عَمَلاً أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ لِمَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَحَسُنَتْ نِيَّتُهُ.
وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ للهِ وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَبْغَضُ إلَى اللَّهِ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ لِغَيْرِ الله.
درجات الرياء:
أيها الإخوة الكرام: للرّياء ـ بحسب قصد المرائي ـ أربعُ درجات:
الأولى: وهي أغلظها ألا يكون مراده الثّوابَ أصلاً، كالّذي يصلّي أمام النّاس، ولو انفرد فإنّه لا يصلّي، وربّما دفعه الرّياء إلى الصّلاة من غير طهر.
الثَّانية: أنَّ قصده للثَّواب أقلُّ من قصده لإظهار عمله. وهذا النَّوع قريب ممَّا قبله في الإثم.
الثَّالثة: أن يتساوى قصد الثَّواب وقصد الرِّياء، بحيث إنّ أحدهما وحده لا يبعثه على العمل، ولكن لمّا اجتمع القصدان انبعثت فيه الرّغبة في العمل، وهذا قد أفسد بمقدار ما أصلح، وظواهر الأخبار تدلُّ على أنَّه لا يسلم من العقاب. والله تعالى أعلم.
الرّابعة: أن يكون اطِّلاع الناس مرجِّحاً ومقوِّياً لنشاطه، ولو لم يكن ذلك ما ترك العبادة، وهذا النَّوع لا يُحْبِطُ أصلَ الثَّواب، ولكنَّه يُنْقِص منه، أو يعاقبُ صاحبهُ على مقدار قصد الرِّياء، ويثابُ على مقدار قصد الثَّواب.
توجيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:
أيها الإخوة الكرام: كلَّنا طلاب علم، وهذا المجلس هو مجلس طلب علم، فعلينا بالإخلاص معلِّمين ومتعلِّمين، ولنسمع إلى توجيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:
أولاً: روى الترمذي عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ).
ثانياً: يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: وَدِدْتُ أنَّ الخلق تعلَّموا هذا العلمَ على أن لا يُنسب إليَّ حرفٌ منه.
وقال رحمه الله تعالى: ما ناظرتُ أحداً قطُّ على الغلبة، ووددتُ إذا ناظرتُ أحداً أن يظهرَ الحقُ على يديه.
وقال: ما كَلَّمْتُ أحداً قطُّ إلا وَدِدْتُ أن يُوفَّقَ ويُسَدَّدَ ويُعان ويكون عليه رعايةٌ من الله وحفظ.
ثالثاً: وقيل لحمدون القصَّار: ما بالُ كلام السَّلف أنفعُ من كلامنا؟، قال: لأنهم تكلموا لعِزِّ الإسلام، ونجاةِ النفوس، ورضا الرحمنِ؛ ونحن نتكلمُ لِعِزِّ النَّفْس، وطلبِ الدنيا، وقُبولِ الخلق.
رابعاً: و يُروى أن أبا الحسن الماوردي لم يُظهر شيئاً من تصانيفه في حياته وجمعها في موضع، فلما دنت وفاته قال لمن يثق به: الكتب التي في المكان الفلاني كلُّها تصنيفي، وإنما لم أظهرْها لأني لم أجد نيّةً خالصةً، فإذا عاينتُ الموتَ ووقعتُ في النَّزعِ، فاجعل يدك في يدي، فإن قبضتُ عليها وعصرتُها، فاعلم أنه لم يُقبل مني شيء منها، فاعمد إلى الكتب وألقها في دِجْلةَ ، وإن بسطتُ يدي ولم أقبض على يدك، فاعلم أنها قُبِلَت، وأني قد ظَفَرتُ بما كنتُ أرجوه من الله.
قال ذلك الشّخص: فلما قارب الموت، وضعت في يده يدي، فبسطها ولم يقبض على يدي، فعلمت أنها علامةُ القبولِ، فأظهرتُ كتبَه بعده.
احذر من الشيطان أن يصرفك عن طلب العلم:
أيها الإخوة الكرام: ربَّما من خلال ما تقدَّم في هذا الدرس المبارك من وجوب الإخلاص في طلب العلم حتى ينتفع الإنسان من علمه في الدنيا والآخرة، أن ينقطع البعض عن حضور مجالس العلم بحجة عدم الإخلاص في النية، وهذا مدخل من مداخل الشيطان ليصرف الناس عن طلب العلم بحجة عدم الإخلاص فيه.
أقول لهذا الأخ الكريم: يا أخي، الشيطان عدوٌّ لك فاتخذه عدواً، وإيَّاك أن تصغي لوساوسه، واعلم أنه ببركة العلم ومجالس العلم تتحوَّل النية من الرياء إلى الإخلاص بإذن الله تعالى.
وقد قال الكثير من سلف هذه الأمة: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون العلم إلا لله.
وقال بعضهم: طلبنا العلم وما لنا فيه كبير نية ، ثم رزقنا الله النية بعد، أي فكان عاقبته أن صار لله.
قيل للإمام أحمد بن حنبل: إن قوماً يكتبون الحديث، ولا يُرى أثره عليهم، وليس لهم وقار. فقال: يؤولون في الحديث إلى خير.
فكن على حذر من وسوسة الشيطان، واستعن بالله على طلب العلم، ولتكن من المخلصين في ذلك.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
قيل: الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَمَلِ لِمَنْ جَهِلَ، وَالْعَمَلُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ لِمَنْ عَلِمَ، والْعَالِمُ طَبِيبُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَالْمَالُ الدَّاءُ، فَإِذَا كَانَ الطَّبِيبُ يَجُرُّ الدَّاءَ إلَى نَفْسِهِ كَيْفَ يُعَالِجُ غَيْرَهُ؟
وعلى كلِّ حال تَعَلَّم العلم من أهله، ولا يحجبك عن طلب العلم من العلماء إذا رأيتهم قصَّروا في العمل، فلعلَّ العالمَ له رخصة في ترك العمل وأنت لا تعلم، ورحم الله من قال:
فخذ بعلمي و إن قَصَّرتُ في عملي *** ينفعك علمي و لا يضررك تقصيري.
خذ من علومي ولا تنظر إلى عملي *** واقصد بذلك وجهَ الواحدِ الباري
وإن مررت بأشجارٍ لها ثمرٌ *** فاجن الثمار وخلِّ العود للنار
كن طالب علمٍ مهما كانت مرتبتك، وانظر إلى السلف الصالح كيف كان حالهم، لقد كانوا رضي الله عنهم إذا رأوا مَن هو فوقهم في العلم كانَ يومَ غنيمة، وإذا رأوا من هو مثلهم تدارسوا العلم بينهم، وإذا رأوا من هو دونهم تواضعوا له وعلَّموه.
نسأل الله تعالى أن يكرمنا بذلك، إنه خير مسؤول وخير مأمول، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
مقتطفات من كتاب العهود المحمدية للشعراني
مقدمة الدرس:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول الإمام سيدي الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه الله تعالى في العهد الرابع:
(ومذهب إمامنا الشافعي رضي الله عنه أن طلب العلم على وجه الإخلاص أفضل من صلاة النافلة) اهـ.
أقول أيها الإخوة الكرام:
سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ الْمُبَارَكِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَجْعَلُ فَضْلَ يَوْمِي، فِي تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ أَوْ فِي تَعَلُّمِ الْعِلْمِ؟ فَقَالَ: هَلْ تُحْسِنُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَقُومُ بِهِ صَلاتُك؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: عَلَيْك بِالْعِلْمِ .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودِ : إنَّ أَحَدَكُمْ لَمْ يُولَدْ عَالِمًا، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ.
وَقَالَ أَيْضًا: اُغْدُ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا، وَلا تَغْدُ إمَّعَةً بَيْنَ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الأَجْرِ سَوَاءٌ، وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لا خَيْرَ فِيهِمْ .
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: (إنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، إنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إلا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالاهُ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ) رواه الترمذي.
وعن أبي قلابة رضي الله عنه قال: (مَثَلُ العلماء مَثَلُ النجوم التي يُهتدي بها، والأعلامُ التي يُقتدي بها، إذا تغيبت عنهم تحيَّروا ، وإذا تركوها ضلوا).
ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب، لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه. اهـ.
لا بدَّ من الإخلاص في طلب العلم:
أيها الإخوة الكرام: العلم بحدِّ ذاته عبادةٌ يُتَقَرَّبُ بها إلى الله تعالى، وهو طريقٌ موصلٌ إلى الجنة، ولكن لا بدَّ لهذه العبادة من الإخلاص حتى ينتفع العبد منها في الدنيا وفي الآخرة، وإلا فقد ينتفع بالعلم في الدنيا بجمع مال، أو وصولٍ إلى شهرةٍ أو سمعةٍ أو مكانةٍ، ومن كان حظه من العلم هذا فقط فقد خاب وخسر، وكان ممن استبدل الأدنى بالذي هو خير.
لقد كان سلفنا الصالح يوصون أبناءهم بالإخلاص عند تعلُّم العلم، فهذا سيدنا لقمان الحكيم رضي الله عنه يوصي ولده بقوله: يا بنيَّ لا تَعلَّمَ العلمَ لتباهي به العلماء أو لتُماري به السُّفهاء، أو تُرائي به في المجالس، ولا تترك العلم زهداً فيه ورغبةً في الجهالة، يا بنيَّ، اختر المجالس على عينك، وإذا رأيت قوماً يذكرون اللّه فاجلس معهم، فإنَّك إنْ تكن عالماً ينفعك علمك، وإنْ تكن جاهلاً يعلِّموك، ولعلَّ اللّه أن يطَّلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون اللّه فلا تجلس معهم، فإنَّك إنْ تكن عالماً لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلاً زادوك غيَّاً أو عيَّا، ولعلَّ اللّه يطَّلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم.
الإخلاص عزيزٌ قليلٌ من حصَّلَه:
أيها الإخوة الكرام: يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة}. وطلب العلم وتعليمه للناس من أجلِّ العبادات وأقدسها، بل هو روضة من رياض الجنة، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا، قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: حِلَقُ الذِّكْرِ).
ولكنَّ الإخلاص في العلم تَعَلُّماً وتَعْلِيماً عزيزٌ جداً قليلٌ من حصَّله، يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في الإحياء: كل حظٍّ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس ويميل إليه القلب - قلَّ أم كَثُر - إذا تطرَّقَ إلى العمل تكدَّرَ به صفوه وزال به إخلاصه. والإنسان مرتبط في حظوظه منغمس في شهواته، قلَّما ينفك فعلٌ من أفعاله، وعبادةٌ من عباداته عن حظوظٍ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس. فلذلك قيل: من سلم له من عمره لحظةٌ واحدة خالصةٌ لوجه الله نجا. وذلك لعِزَّة الإخلاص وعُسر تنقية القلب عن هذه الشوائب، بل الخالص هو الذي لا باعث عليه إلا طلب القرب من الله تعالى.
فكل عمل من الأعمال حتى يكون مقبولاً عند الله، مُثاباً عليه صاحبه يوم القيامة، لا بدَّ له من أمرين اثنين:
الأول: أن يكون صواباً وفق ما شرع الله تعالى.
الثاني: أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى.
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: العمل بغير إخلاصٍ ولا اقتداءٍ كالمسافر يملأ جِرابَه رملاً ينقله ولا ينفعه.
احذر الرياء:
أيها الإخوة الكرام: من هذا المنطلق حذَّرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من الرياء بقوله: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ تُجَازَى الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ بِأَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً!) رواه الإمام أحمد عم محمود بن لبيد رضي الله عنه.
وَيقولَ بِشْرٌ الْحَافِي: لا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ عَمَلاً أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ لِمَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَحَسُنَتْ نِيَّتُهُ.
وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ للهِ وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَبْغَضُ إلَى اللَّهِ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ لِغَيْرِ الله.
درجات الرياء:
أيها الإخوة الكرام: للرّياء ـ بحسب قصد المرائي ـ أربعُ درجات:
الأولى: وهي أغلظها ألا يكون مراده الثّوابَ أصلاً، كالّذي يصلّي أمام النّاس، ولو انفرد فإنّه لا يصلّي، وربّما دفعه الرّياء إلى الصّلاة من غير طهر.
الثَّانية: أنَّ قصده للثَّواب أقلُّ من قصده لإظهار عمله. وهذا النَّوع قريب ممَّا قبله في الإثم.
الثَّالثة: أن يتساوى قصد الثَّواب وقصد الرِّياء، بحيث إنّ أحدهما وحده لا يبعثه على العمل، ولكن لمّا اجتمع القصدان انبعثت فيه الرّغبة في العمل، وهذا قد أفسد بمقدار ما أصلح، وظواهر الأخبار تدلُّ على أنَّه لا يسلم من العقاب. والله تعالى أعلم.
الرّابعة: أن يكون اطِّلاع الناس مرجِّحاً ومقوِّياً لنشاطه، ولو لم يكن ذلك ما ترك العبادة، وهذا النَّوع لا يُحْبِطُ أصلَ الثَّواب، ولكنَّه يُنْقِص منه، أو يعاقبُ صاحبهُ على مقدار قصد الرِّياء، ويثابُ على مقدار قصد الثَّواب.
توجيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:
أيها الإخوة الكرام: كلَّنا طلاب علم، وهذا المجلس هو مجلس طلب علم، فعلينا بالإخلاص معلِّمين ومتعلِّمين، ولنسمع إلى توجيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:
أولاً: روى الترمذي عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ).
ثانياً: يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: وَدِدْتُ أنَّ الخلق تعلَّموا هذا العلمَ على أن لا يُنسب إليَّ حرفٌ منه.
وقال رحمه الله تعالى: ما ناظرتُ أحداً قطُّ على الغلبة، ووددتُ إذا ناظرتُ أحداً أن يظهرَ الحقُ على يديه.
وقال: ما كَلَّمْتُ أحداً قطُّ إلا وَدِدْتُ أن يُوفَّقَ ويُسَدَّدَ ويُعان ويكون عليه رعايةٌ من الله وحفظ.
ثالثاً: وقيل لحمدون القصَّار: ما بالُ كلام السَّلف أنفعُ من كلامنا؟، قال: لأنهم تكلموا لعِزِّ الإسلام، ونجاةِ النفوس، ورضا الرحمنِ؛ ونحن نتكلمُ لِعِزِّ النَّفْس، وطلبِ الدنيا، وقُبولِ الخلق.
رابعاً: و يُروى أن أبا الحسن الماوردي لم يُظهر شيئاً من تصانيفه في حياته وجمعها في موضع، فلما دنت وفاته قال لمن يثق به: الكتب التي في المكان الفلاني كلُّها تصنيفي، وإنما لم أظهرْها لأني لم أجد نيّةً خالصةً، فإذا عاينتُ الموتَ ووقعتُ في النَّزعِ، فاجعل يدك في يدي، فإن قبضتُ عليها وعصرتُها، فاعلم أنه لم يُقبل مني شيء منها، فاعمد إلى الكتب وألقها في دِجْلةَ ، وإن بسطتُ يدي ولم أقبض على يدك، فاعلم أنها قُبِلَت، وأني قد ظَفَرتُ بما كنتُ أرجوه من الله.
قال ذلك الشّخص: فلما قارب الموت، وضعت في يده يدي، فبسطها ولم يقبض على يدي، فعلمت أنها علامةُ القبولِ، فأظهرتُ كتبَه بعده.
احذر من الشيطان أن يصرفك عن طلب العلم:
أيها الإخوة الكرام: ربَّما من خلال ما تقدَّم في هذا الدرس المبارك من وجوب الإخلاص في طلب العلم حتى ينتفع الإنسان من علمه في الدنيا والآخرة، أن ينقطع البعض عن حضور مجالس العلم بحجة عدم الإخلاص في النية، وهذا مدخل من مداخل الشيطان ليصرف الناس عن طلب العلم بحجة عدم الإخلاص فيه.
أقول لهذا الأخ الكريم: يا أخي، الشيطان عدوٌّ لك فاتخذه عدواً، وإيَّاك أن تصغي لوساوسه، واعلم أنه ببركة العلم ومجالس العلم تتحوَّل النية من الرياء إلى الإخلاص بإذن الله تعالى.
وقد قال الكثير من سلف هذه الأمة: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون العلم إلا لله.
وقال بعضهم: طلبنا العلم وما لنا فيه كبير نية ، ثم رزقنا الله النية بعد، أي فكان عاقبته أن صار لله.
قيل للإمام أحمد بن حنبل: إن قوماً يكتبون الحديث، ولا يُرى أثره عليهم، وليس لهم وقار. فقال: يؤولون في الحديث إلى خير.
فكن على حذر من وسوسة الشيطان، واستعن بالله على طلب العلم، ولتكن من المخلصين في ذلك.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
قيل: الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَمَلِ لِمَنْ جَهِلَ، وَالْعَمَلُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ لِمَنْ عَلِمَ، والْعَالِمُ طَبِيبُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَالْمَالُ الدَّاءُ، فَإِذَا كَانَ الطَّبِيبُ يَجُرُّ الدَّاءَ إلَى نَفْسِهِ كَيْفَ يُعَالِجُ غَيْرَهُ؟
وعلى كلِّ حال تَعَلَّم العلم من أهله، ولا يحجبك عن طلب العلم من العلماء إذا رأيتهم قصَّروا في العمل، فلعلَّ العالمَ له رخصة في ترك العمل وأنت لا تعلم، ورحم الله من قال:
فخذ بعلمي و إن قَصَّرتُ في عملي *** ينفعك علمي و لا يضررك تقصيري.
خذ من علومي ولا تنظر إلى عملي *** واقصد بذلك وجهَ الواحدِ الباري
وإن مررت بأشجارٍ لها ثمرٌ *** فاجن الثمار وخلِّ العود للنار
كن طالب علمٍ مهما كانت مرتبتك، وانظر إلى السلف الصالح كيف كان حالهم، لقد كانوا رضي الله عنهم إذا رأوا مَن هو فوقهم في العلم كانَ يومَ غنيمة، وإذا رأوا من هو مثلهم تدارسوا العلم بينهم، وإذا رأوا من هو دونهم تواضعوا له وعلَّموه.
نسأل الله تعالى أن يكرمنا بذلك، إنه خير مسؤول وخير مأمول، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin