كتاب المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم الشيخ الأكبر ابن العربي للشيخ عبد الباقي مفتاح
14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية
المرتبة 14 : لفص حكمة قدرية في كلمة عزيرية من الاسم النور وسماء الشمس ومنزلة السماك وحرف النون
كلما سوى اللّه صورة إلا وتوجه الروح الكلي بالنفخ فيها فتحيا مسبحة بحمد ربها لسريان نور الروح فيها ، كما يسري نور الشمس في الكون فتتجدد الحياة فيه . ولهذا كثيرا ما يشبه الشيخ الروح بالشمس .
وقد قرن الحق تعالى إشراقها بنفس الحياة فقال : "وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ " (التكوير:18) إذن فاسمه المصور يستلزم ظهور اسمه النور الذي به تحيا الصور فتدرك نفسها وتعرف ربها .
وبتوجه النور وجدت حضرة القطب في الدنيا وهي السماء الرابعة حيث فلك الشمس قلب العالم ، ومنبع النور حتى سماها اللّه تعالى : "سِراجاً وَهَّاجاً " ( النبأ : 13 ) فوقها 13 مرتبة كونية وتحتها مثلها .
وفوقها 7 أفلاك وتحتها مثلها . وفوقها 3 سماوات وتحتها مثلها .
كما ذكره الشيخ في فص إدريس عليه السلام ورفع اللّه تعالى إدريس لهذه السماء لأنه قطب الأرواح فهو قطب عالم الأنفاس الذي سماه الشيخ في الباب 15 من الفتوحات بمداوي الكلوم لأن الكلوم هي الجراحات وهو بجراحات الهوى خبير فهو الذي علم الطب والفلك والحروف والكيمياء .
وكل هذه العلوم تتعلق بتقويم الصحة في الإنسان بدنا ونفسا وروحا أو في المولدات والمعادن أو في الكون أو في الكلام.
وكلمة كلوم تشير إلى الكلام كما أن لفظة ( مداوي ) تشير إلى الدواة .
دواة حبر الحروف . وإدريس هو أول معلم للحروف الرقمية .
وكلمة كلوم تشير أيضا للملك . وكلما بعدت الدوائر عن المركز القطبي ازدادت كلوم الملك بالانحرافات ، وبتوسع الملك تتضاعف الكلمات .
ولعلاقة إدريس بالاسم النور تجد في كتاب العبادلة بابا عنوانه ، " عبد اللّه بن إدريس بن عبد النور " ولعلاقته بكلوم الملك نجد عنوانا آخر عنوانه " عبد اللّه بن إدريس بن عبد الملك " .
أولا : ما علاقة القدر بالشمس وإدريس حتى توصف حكمة هذا الفص بالحكمة القدرية ؟
" القدر توقيت فهو متعلق بالوقت " .
يقول الشيخ : " القدر توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها من غير مزيد " والوقت متعلق بحركة الشمس وبنورها تدرك الأشياء وهو لا يدرك لأنه كما قيل : "من شدة الظهور الخفاء " وكذلك يقول الشيخ : " فإن القدر ما جهل إلا لشدة ظهوره " . . . ولعلاقة هذه المرتبة بالزمان يقول الشيخ في الباب 15 من الفتوحات إن أول سر أطلع عليه مداوي الكلوم أي إدريس - هو الدهر الأول الذي عنه تكونت الدهور .
وإن خليفته المستسلم للقضاء والقدر كان غالب علمه علم الزمان . . .
ولعلاقة هذا الفص بالنور ترددت فيه مشتقات كلمات : كشف ، تجل ، ظهور ، فتح ، إدراك
. . .
كقوله مثلا : " فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي الإلهي وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار فتدرك الأمور . " . . .
وقد ورد في الحديث الصحيح أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كالشمس ليس دونها سحاب .
وفي الفصل الرابع من الباب 371 من الفتوحات يقول : " ونور الشمس ما هو من حيث عينها بل هو من تجل دائم لها من اسمه النور .
فما ثم نور الا نور اللّه الذي هو نور السماوات والأرض .
فالناس يضيفون ذلك النور إلى جرم الشمس ولا فرق بين الشمس والكواكب في ذلك إلا أن التجلي الشمسي على الدوام فلهذا لا يذهب نورها إلى زمان تكويرها " .
ثانيا : ما علاقة عزير بالنور والشمس ؟
كما يشرق نور الشمس على الأرض يشرق نور الروح على الجسد فتتجدد الحياة . . .
وهذا هو الذي وقع لعزير بعد أن أماته اللّه تعالى مائة عام . . . وبالنور الذي أنزل عليه أعاد كتابة التوراة بعد أن نسيت .
روى ابن كثير في كتابه " قصص الأنبياء " الخبر : " أمر اللّه ملكا فنزل بمغرفة من نور فقذفها في عزير فنسخ التوراة حرفا بحرف حتى فرغ منها " .
وروى أيضا : " نزل من السماء شهابان حتى دخلا جوفه فتذكر التوراة فجددها لبني إسرائيل . فمن ثم قالت اليهود : عزيز ابن اللّه ".
ثالثا : ما علاقة عزير بالقدر ؟
الجواب : هي تشوفه لعلم سر القدر .
فقد ورد في سيرته أنه ناجى ربه قائلا : " يا رب تخلق خلقا فتضل من تشاء وتهدي من تشاء ؟ فقيل له : أعرض عن هذا . فعاد .
فقيل له : لتعرضن عن هذا أو لأمحون اسمك من الأنبياء إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون " .
وسر القدر متعلق بكيفية تعلق القدرة بالمقدور ولا ذوق للمقدور المخلوق في ذلك .
ولهذا لما أراه اللّه وأذاقه كيفية إعادة البعث والحياة في نفسه وحماره وطعامه .
قال عنه تعالى: "فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ( البقرة ، 259 ) والتبين من الإبانة التي هي صفة النور .
رابعا : ما علاقة عزير بعلم الزمان الإدريسي الشمسي ؟
في يوم أو بعض يوم انطوت مائة سنة في مشهد عزير لما مات كما ورد في القرآن .
وعلم الزمان وطيه ونشره من فروع علم الدهر الأول الذي عنه تكونت الدهور .
وهو من أخص العلوم الإدريسية كما سبق ذكره وخليفة إدريس المسمى المستسلم للقضاء والقدر ما مات حتى علم 36500 علما من تلك العلوم حسبما قاله الشيخ في الباب 15 من الفتوحات وهذا العدد موافق لعدد الأيام التي ماتها عزير قبل عودته للحياة مائة سنة أي 36500 يوم.
خامسا : لماذا خصص الشيخ فقرة طويلة للولاية في هذا الباب ؟
أثبت المراتب وأدومها وأوسعها هي دائرة القطبانية التي لها هذا الباب الأوسط الرابع عشر . وكذلك هي الولاية التي هي الفلك المحيط العام الدائم من اسمه تعالى :
الولي والتي من أعز علومها علم سر القدر ، خلافا لنبوة التشريع والرسالة المنتهيين بنهاية يوم القيامة ولهذا رفع إلى هذا المكان القطبي القلبي إدريس لأنه ليس برسول مشرع وإنما هو ممثل للولاية البشرية السماوية الدائمة .
كما أن الخضر ممثل للولاية البشرية الأرضية الدائمة حسبما فصله الشيخ في الباب 73 من الفتوحات .
وكذلك عزير ليس بمشرع بل مجدد لنور التوراة .
وهذا التجديد هودور الأولياء في كل زمان كما عبر عنه البوصيري رحمه اللّه في همزيته :
كيف نخشى بعدك الضلال وفينا ...... وارثو نور هديك الأولياء
سادسا : هل لهذه المرتبة الإدريسية لقطبية الولاية الدائمة مظهر عكسي ظلماني سفلي يقاوم نورها الشمسي ؟
نعم للولاية الشيطانية قطبها الممثل لاستمراريتها وهو الدجال الأعور ومركزه في جزيرة الشمال وله مراكز ثانوية مبثوثة في العالم منها سبعة رئيسية مقابلة لمراكز أقاليم الأبدال السبعة الذين هم على أقدام أقطاب السماوات السبعة .
ومن هذه السباعية لم يذكر الشيخ لإدريس مداوي الكلوم - في الباب 15 من الفتوحات - إلا ستة خلفاء . فهو سابعهم . . .
ومن هذه المقابلات ذكر الشيخ عبد الكريم الجيلي في الانسان الكامل أن عرش إبليس يوجد في الأرض الرابعة قطب الأرضين السبعة . . .
ودركته في النار هي الرابعة ليذوق كل أنواع العذاب من فوقه ومن تحته لأنه - كما يقول عنه الشيخ في الباب 61 - " إن أشد الخلق عذابا في النار إبليس الذي سن الشرك وكل مخالفة وسبب ذلك أنه مخلوق من نار فعذابه بما خلق منه " . . . "
فعذاب إبليس في جهنم بما فيها من الزمهرير فإنه يقابل النار التي هي أصل نشأته " .
ولعلاقة إبليس والدجال باستمرارية الولاية الشيطانية .
والجنة والنار ذكر الشيخ في آخر هذا الفص النبي المبعوث يوم القيامة لأصحاب الفترات والمجانين فمن اقتحم ناره دخل الجنة ومن أبى دخل النار . . .
وكذلك الدجال عند ظهوره في آخر الزمان له جنة ونار .
فمن دخل جنته وجدها نارا ومن دخل ناره وجدها جنة . . .
وفي كل هذا تمهيد من الشيخ للدخول في فص عيسى الموالي إذ هو عليه السلام الذي يقتل الدجال ويختم الولاية العامة عند نزوله آخر الزمان . . .
سابعا : ما نسبة منزلة السماك الأعزل من برج السنبلة مع هذا الفص ؟
الجواب - واللّه أعلم - من حيث النفس اللفظي : كلمة " سمك " تعني رفع
يقال : سمك اللّه السماء أي رفعها ، وسمك البيت سقفه . فالسماك هو المرتفع.
وقد وصف الحق تعالى مرتبة سماء هذا الفص الإدريسية بالمكان العلي المرتفع فقال عن إدريس :" وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا" سورة مريم .
14 : سورة فص عزير عليه السلام
هي سورة العاديات المناسبة لوسطية مرتبة هذا الفص الشمسي من آيتها الخامسة : " فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً " ( العاديات ، 5 ) والمناسبة للاسم " النور" الممد لشمس هذا الفص من آيتها الثانية : " فَالْمُورِياتِ قَدْحاً" (العاديات ، 2 ) .
وإلى هذه الأنوار يشير في قوله : " فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي الإلهي وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك . . . " .
ولهذا نجده في الوصل الخامس عشر من الباب 369 وهو المخصوص بالعاديات يبدأه بقوله :
" من خزائن الجود وهو ما تخزنه الأجسام الطبيعية من الأنوار التي بها يضيء كونها " إلى آخره .
ويرجع إلى هذه الأنوار في الباب 284 الخاص بمنزل العاديات ، وفيه يقول :
وأورى زناد الفكر نارا تولدت .... من الضرب بالروح المولد عن جسم
فسبحان من أحيا الفؤاد بنوره .... وخصصني بالأخذ عنه وبالفهم
وكلامه في هذا الفص حول النبوة العامة وفلك الولاية المحيط العام مناسب للفلك الشمسي العام المخصوص بهذه المرتبة القطبية الرابعة عشر كما يشير إلى مقام القربة للسابقين من قوله تعالى في سورة الواقعة الآية ( 10 - 11 ) "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ( 10 ) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ " هو
سباق "وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ( 1 ) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً ( 2 ) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً "( العاديات ، 1 - 3 ) في حلبة العلوم الدينية والأخلاق الإلهية التي أشار إليها في أبيات الباب المذكور كقوله :
تجارت جياد الفكر في حلبة الفهم ..... تحصل في ذاك التجاري من العلم
بأسرار ذوق لا تنال براحة ...... تعالت عن الحال المكيف والوهم
وكقوله فيه أيضا :
فكم لنا مآثر ..... منصوبة مثل العلم
ليهتدى بضوئها ..... في عرب وفي عجم
معلومة مشهورة ..... مذكورة بكل فم
وأما علاقة " العاديات " بسر القضاء والقدر موضوع الفص فتظهر في كلماتها : " العاديات - الموريات - المغيرات . . . "
لأنه مما يجري على الألسنة قولهم : " جرت المقادير بكذا - وسبق القضاء بكذا " فالمقادير الجاريات هي العاديات وسوابق القضاء هي الموريات المغيرات ولهذا جعل الشيخ عنوان منزل هذه السورة في الباب 284 " المجاراة الشريفة وأسرارها " .
وأما كلام الشيخ حول قصة عزير القائل :
" أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها" ( البقرة ، 259 ) وموته ثم بعثه في الدنيا وحفظه في صدره للتوراة فمن الآيتين :" أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ ( 9 ) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ" ( العاديات ، 9 - 10 )
وكلام الشيخ حول الذوق كقوله :
" الإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال الا بالذوق .. فان الكيفيات لا تدرك إلا بالأذواق .. الاستعداد الذي يقع به الإدراك الذوقي " فمرجعه للاسم " الخبير " من الآية الأخيرة :" إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ" ( العاديات ، 11 ) لأن الخبرة هي الإدراك الذوقي .
وإلى هذا الذوق يشير في الأبيات الأولى من باب منزل العاديات 284 فيقول :
تعالت عن الحال المكيف والكم ..... بأسرار ذوق لا تنال براحة
وكما قارن الشيخ في هذا الفص بين الولاية والنبوة والرسالة فكذلك في الباب " 284 " - أي منزل العاديات - تكلم على الفرق بين الأولياء والأنبياء ، وفيه أشار إلى مرتبته الشمسية أي مرتبة خاتم الولاية المحمدية فقال :
أغار على جيش الظلام ..... فأسفر عن شمسي وأعلن عن
فقمت على ساق الثناء ممجدا ..... فجاءت بشارات المعارف بالختم ".
علاقة فص عزير عليه السلام بلاحقه
سورة " العاديات " نزلت مباشرة بعد سورة " العصر " .
كذلك تجاور فصا السورتين : فسورة فص عيسى التالي هي " العصر " .
وقد تكلم الشيخ في هذا الفص عن مسألة تعلق القدرة بالمقدور لتكوين الأشياء ، وهو ما ظهر به عيسى في إحيائه للموتى وخلقه للطير بإذن اللّه تعالى .
وفي هذا الفص إشارات لكلمة " العصر " والزمان بذكر الوقت والحال وذكر اليوم في آخر الفص :
" لا تسمى مفاتيح إلا في حال الفتح ، وحال الفتح هو حال تعلق التكوين بالأشياء ، أو قل إن شئت حال تعلق القدرة بالمقدور . . . يوم يكشف عن ساق . . . يوم القيامة " .
ولهذا الفص الشمسي علاقة بفص " إلياس " الثاني والعشرين لأن إلياس صعد على فرس النار إلى سماء النور أي فلك الشمس المتوجه على إيجادها اسمه تعالى " النور " .
ولهذا نجد الشيخ في آخر فص إلياس يتكلم عن التحقق بالحيوانية .
ومن الحيوانات : " العاديات ضبحا " أي جياد الجهاد .
ولهذا سمى الشيخ سورة " العاديات " في الباب 22 : "منزل النفوس الحيوانية ".
وجريان الجياد في الميدان يشبه جريان الشمس في الفلك .
ومن أسماء الشمس الغزالة يقول الشيخ في ديوانه :
" من روح سورة العاديات :
ألا إن علم الصبح يعسر دركه .... كشقشقة الفحل الغبيق إذا رغا
14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية
المرتبة 14 : لفص حكمة قدرية في كلمة عزيرية من الاسم النور وسماء الشمس ومنزلة السماك وحرف النون
كلما سوى اللّه صورة إلا وتوجه الروح الكلي بالنفخ فيها فتحيا مسبحة بحمد ربها لسريان نور الروح فيها ، كما يسري نور الشمس في الكون فتتجدد الحياة فيه . ولهذا كثيرا ما يشبه الشيخ الروح بالشمس .
وقد قرن الحق تعالى إشراقها بنفس الحياة فقال : "وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ " (التكوير:18) إذن فاسمه المصور يستلزم ظهور اسمه النور الذي به تحيا الصور فتدرك نفسها وتعرف ربها .
وبتوجه النور وجدت حضرة القطب في الدنيا وهي السماء الرابعة حيث فلك الشمس قلب العالم ، ومنبع النور حتى سماها اللّه تعالى : "سِراجاً وَهَّاجاً " ( النبأ : 13 ) فوقها 13 مرتبة كونية وتحتها مثلها .
وفوقها 7 أفلاك وتحتها مثلها . وفوقها 3 سماوات وتحتها مثلها .
كما ذكره الشيخ في فص إدريس عليه السلام ورفع اللّه تعالى إدريس لهذه السماء لأنه قطب الأرواح فهو قطب عالم الأنفاس الذي سماه الشيخ في الباب 15 من الفتوحات بمداوي الكلوم لأن الكلوم هي الجراحات وهو بجراحات الهوى خبير فهو الذي علم الطب والفلك والحروف والكيمياء .
وكل هذه العلوم تتعلق بتقويم الصحة في الإنسان بدنا ونفسا وروحا أو في المولدات والمعادن أو في الكون أو في الكلام.
وكلمة كلوم تشير إلى الكلام كما أن لفظة ( مداوي ) تشير إلى الدواة .
دواة حبر الحروف . وإدريس هو أول معلم للحروف الرقمية .
وكلمة كلوم تشير أيضا للملك . وكلما بعدت الدوائر عن المركز القطبي ازدادت كلوم الملك بالانحرافات ، وبتوسع الملك تتضاعف الكلمات .
ولعلاقة إدريس بالاسم النور تجد في كتاب العبادلة بابا عنوانه ، " عبد اللّه بن إدريس بن عبد النور " ولعلاقته بكلوم الملك نجد عنوانا آخر عنوانه " عبد اللّه بن إدريس بن عبد الملك " .
أولا : ما علاقة القدر بالشمس وإدريس حتى توصف حكمة هذا الفص بالحكمة القدرية ؟
" القدر توقيت فهو متعلق بالوقت " .
يقول الشيخ : " القدر توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها من غير مزيد " والوقت متعلق بحركة الشمس وبنورها تدرك الأشياء وهو لا يدرك لأنه كما قيل : "من شدة الظهور الخفاء " وكذلك يقول الشيخ : " فإن القدر ما جهل إلا لشدة ظهوره " . . . ولعلاقة هذه المرتبة بالزمان يقول الشيخ في الباب 15 من الفتوحات إن أول سر أطلع عليه مداوي الكلوم أي إدريس - هو الدهر الأول الذي عنه تكونت الدهور .
وإن خليفته المستسلم للقضاء والقدر كان غالب علمه علم الزمان . . .
ولعلاقة هذا الفص بالنور ترددت فيه مشتقات كلمات : كشف ، تجل ، ظهور ، فتح ، إدراك
. . .
كقوله مثلا : " فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي الإلهي وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار فتدرك الأمور . " . . .
وقد ورد في الحديث الصحيح أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كالشمس ليس دونها سحاب .
وفي الفصل الرابع من الباب 371 من الفتوحات يقول : " ونور الشمس ما هو من حيث عينها بل هو من تجل دائم لها من اسمه النور .
فما ثم نور الا نور اللّه الذي هو نور السماوات والأرض .
فالناس يضيفون ذلك النور إلى جرم الشمس ولا فرق بين الشمس والكواكب في ذلك إلا أن التجلي الشمسي على الدوام فلهذا لا يذهب نورها إلى زمان تكويرها " .
ثانيا : ما علاقة عزير بالنور والشمس ؟
كما يشرق نور الشمس على الأرض يشرق نور الروح على الجسد فتتجدد الحياة . . .
وهذا هو الذي وقع لعزير بعد أن أماته اللّه تعالى مائة عام . . . وبالنور الذي أنزل عليه أعاد كتابة التوراة بعد أن نسيت .
روى ابن كثير في كتابه " قصص الأنبياء " الخبر : " أمر اللّه ملكا فنزل بمغرفة من نور فقذفها في عزير فنسخ التوراة حرفا بحرف حتى فرغ منها " .
وروى أيضا : " نزل من السماء شهابان حتى دخلا جوفه فتذكر التوراة فجددها لبني إسرائيل . فمن ثم قالت اليهود : عزيز ابن اللّه ".
ثالثا : ما علاقة عزير بالقدر ؟
الجواب : هي تشوفه لعلم سر القدر .
فقد ورد في سيرته أنه ناجى ربه قائلا : " يا رب تخلق خلقا فتضل من تشاء وتهدي من تشاء ؟ فقيل له : أعرض عن هذا . فعاد .
فقيل له : لتعرضن عن هذا أو لأمحون اسمك من الأنبياء إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون " .
وسر القدر متعلق بكيفية تعلق القدرة بالمقدور ولا ذوق للمقدور المخلوق في ذلك .
ولهذا لما أراه اللّه وأذاقه كيفية إعادة البعث والحياة في نفسه وحماره وطعامه .
قال عنه تعالى: "فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ( البقرة ، 259 ) والتبين من الإبانة التي هي صفة النور .
رابعا : ما علاقة عزير بعلم الزمان الإدريسي الشمسي ؟
في يوم أو بعض يوم انطوت مائة سنة في مشهد عزير لما مات كما ورد في القرآن .
وعلم الزمان وطيه ونشره من فروع علم الدهر الأول الذي عنه تكونت الدهور .
وهو من أخص العلوم الإدريسية كما سبق ذكره وخليفة إدريس المسمى المستسلم للقضاء والقدر ما مات حتى علم 36500 علما من تلك العلوم حسبما قاله الشيخ في الباب 15 من الفتوحات وهذا العدد موافق لعدد الأيام التي ماتها عزير قبل عودته للحياة مائة سنة أي 36500 يوم.
خامسا : لماذا خصص الشيخ فقرة طويلة للولاية في هذا الباب ؟
أثبت المراتب وأدومها وأوسعها هي دائرة القطبانية التي لها هذا الباب الأوسط الرابع عشر . وكذلك هي الولاية التي هي الفلك المحيط العام الدائم من اسمه تعالى :
الولي والتي من أعز علومها علم سر القدر ، خلافا لنبوة التشريع والرسالة المنتهيين بنهاية يوم القيامة ولهذا رفع إلى هذا المكان القطبي القلبي إدريس لأنه ليس برسول مشرع وإنما هو ممثل للولاية البشرية السماوية الدائمة .
كما أن الخضر ممثل للولاية البشرية الأرضية الدائمة حسبما فصله الشيخ في الباب 73 من الفتوحات .
وكذلك عزير ليس بمشرع بل مجدد لنور التوراة .
وهذا التجديد هودور الأولياء في كل زمان كما عبر عنه البوصيري رحمه اللّه في همزيته :
كيف نخشى بعدك الضلال وفينا ...... وارثو نور هديك الأولياء
سادسا : هل لهذه المرتبة الإدريسية لقطبية الولاية الدائمة مظهر عكسي ظلماني سفلي يقاوم نورها الشمسي ؟
نعم للولاية الشيطانية قطبها الممثل لاستمراريتها وهو الدجال الأعور ومركزه في جزيرة الشمال وله مراكز ثانوية مبثوثة في العالم منها سبعة رئيسية مقابلة لمراكز أقاليم الأبدال السبعة الذين هم على أقدام أقطاب السماوات السبعة .
ومن هذه السباعية لم يذكر الشيخ لإدريس مداوي الكلوم - في الباب 15 من الفتوحات - إلا ستة خلفاء . فهو سابعهم . . .
ومن هذه المقابلات ذكر الشيخ عبد الكريم الجيلي في الانسان الكامل أن عرش إبليس يوجد في الأرض الرابعة قطب الأرضين السبعة . . .
ودركته في النار هي الرابعة ليذوق كل أنواع العذاب من فوقه ومن تحته لأنه - كما يقول عنه الشيخ في الباب 61 - " إن أشد الخلق عذابا في النار إبليس الذي سن الشرك وكل مخالفة وسبب ذلك أنه مخلوق من نار فعذابه بما خلق منه " . . . "
فعذاب إبليس في جهنم بما فيها من الزمهرير فإنه يقابل النار التي هي أصل نشأته " .
ولعلاقة إبليس والدجال باستمرارية الولاية الشيطانية .
والجنة والنار ذكر الشيخ في آخر هذا الفص النبي المبعوث يوم القيامة لأصحاب الفترات والمجانين فمن اقتحم ناره دخل الجنة ومن أبى دخل النار . . .
وكذلك الدجال عند ظهوره في آخر الزمان له جنة ونار .
فمن دخل جنته وجدها نارا ومن دخل ناره وجدها جنة . . .
وفي كل هذا تمهيد من الشيخ للدخول في فص عيسى الموالي إذ هو عليه السلام الذي يقتل الدجال ويختم الولاية العامة عند نزوله آخر الزمان . . .
سابعا : ما نسبة منزلة السماك الأعزل من برج السنبلة مع هذا الفص ؟
الجواب - واللّه أعلم - من حيث النفس اللفظي : كلمة " سمك " تعني رفع
يقال : سمك اللّه السماء أي رفعها ، وسمك البيت سقفه . فالسماك هو المرتفع.
وقد وصف الحق تعالى مرتبة سماء هذا الفص الإدريسية بالمكان العلي المرتفع فقال عن إدريس :" وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا" سورة مريم .
14 : سورة فص عزير عليه السلام
هي سورة العاديات المناسبة لوسطية مرتبة هذا الفص الشمسي من آيتها الخامسة : " فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً " ( العاديات ، 5 ) والمناسبة للاسم " النور" الممد لشمس هذا الفص من آيتها الثانية : " فَالْمُورِياتِ قَدْحاً" (العاديات ، 2 ) .
وإلى هذه الأنوار يشير في قوله : " فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي الإلهي وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك . . . " .
ولهذا نجده في الوصل الخامس عشر من الباب 369 وهو المخصوص بالعاديات يبدأه بقوله :
" من خزائن الجود وهو ما تخزنه الأجسام الطبيعية من الأنوار التي بها يضيء كونها " إلى آخره .
ويرجع إلى هذه الأنوار في الباب 284 الخاص بمنزل العاديات ، وفيه يقول :
وأورى زناد الفكر نارا تولدت .... من الضرب بالروح المولد عن جسم
فسبحان من أحيا الفؤاد بنوره .... وخصصني بالأخذ عنه وبالفهم
وكلامه في هذا الفص حول النبوة العامة وفلك الولاية المحيط العام مناسب للفلك الشمسي العام المخصوص بهذه المرتبة القطبية الرابعة عشر كما يشير إلى مقام القربة للسابقين من قوله تعالى في سورة الواقعة الآية ( 10 - 11 ) "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ( 10 ) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ " هو
سباق "وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ( 1 ) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً ( 2 ) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً "( العاديات ، 1 - 3 ) في حلبة العلوم الدينية والأخلاق الإلهية التي أشار إليها في أبيات الباب المذكور كقوله :
تجارت جياد الفكر في حلبة الفهم ..... تحصل في ذاك التجاري من العلم
بأسرار ذوق لا تنال براحة ...... تعالت عن الحال المكيف والوهم
وكقوله فيه أيضا :
فكم لنا مآثر ..... منصوبة مثل العلم
ليهتدى بضوئها ..... في عرب وفي عجم
معلومة مشهورة ..... مذكورة بكل فم
وأما علاقة " العاديات " بسر القضاء والقدر موضوع الفص فتظهر في كلماتها : " العاديات - الموريات - المغيرات . . . "
لأنه مما يجري على الألسنة قولهم : " جرت المقادير بكذا - وسبق القضاء بكذا " فالمقادير الجاريات هي العاديات وسوابق القضاء هي الموريات المغيرات ولهذا جعل الشيخ عنوان منزل هذه السورة في الباب 284 " المجاراة الشريفة وأسرارها " .
وأما كلام الشيخ حول قصة عزير القائل :
" أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها" ( البقرة ، 259 ) وموته ثم بعثه في الدنيا وحفظه في صدره للتوراة فمن الآيتين :" أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ ( 9 ) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ" ( العاديات ، 9 - 10 )
وكلام الشيخ حول الذوق كقوله :
" الإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال الا بالذوق .. فان الكيفيات لا تدرك إلا بالأذواق .. الاستعداد الذي يقع به الإدراك الذوقي " فمرجعه للاسم " الخبير " من الآية الأخيرة :" إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ" ( العاديات ، 11 ) لأن الخبرة هي الإدراك الذوقي .
وإلى هذا الذوق يشير في الأبيات الأولى من باب منزل العاديات 284 فيقول :
تعالت عن الحال المكيف والكم ..... بأسرار ذوق لا تنال براحة
وكما قارن الشيخ في هذا الفص بين الولاية والنبوة والرسالة فكذلك في الباب " 284 " - أي منزل العاديات - تكلم على الفرق بين الأولياء والأنبياء ، وفيه أشار إلى مرتبته الشمسية أي مرتبة خاتم الولاية المحمدية فقال :
أغار على جيش الظلام ..... فأسفر عن شمسي وأعلن عن
فقمت على ساق الثناء ممجدا ..... فجاءت بشارات المعارف بالختم ".
علاقة فص عزير عليه السلام بلاحقه
سورة " العاديات " نزلت مباشرة بعد سورة " العصر " .
كذلك تجاور فصا السورتين : فسورة فص عيسى التالي هي " العصر " .
وقد تكلم الشيخ في هذا الفص عن مسألة تعلق القدرة بالمقدور لتكوين الأشياء ، وهو ما ظهر به عيسى في إحيائه للموتى وخلقه للطير بإذن اللّه تعالى .
وفي هذا الفص إشارات لكلمة " العصر " والزمان بذكر الوقت والحال وذكر اليوم في آخر الفص :
" لا تسمى مفاتيح إلا في حال الفتح ، وحال الفتح هو حال تعلق التكوين بالأشياء ، أو قل إن شئت حال تعلق القدرة بالمقدور . . . يوم يكشف عن ساق . . . يوم القيامة " .
ولهذا الفص الشمسي علاقة بفص " إلياس " الثاني والعشرين لأن إلياس صعد على فرس النار إلى سماء النور أي فلك الشمس المتوجه على إيجادها اسمه تعالى " النور " .
ولهذا نجد الشيخ في آخر فص إلياس يتكلم عن التحقق بالحيوانية .
ومن الحيوانات : " العاديات ضبحا " أي جياد الجهاد .
ولهذا سمى الشيخ سورة " العاديات " في الباب 22 : "منزل النفوس الحيوانية ".
وجريان الجياد في الميدان يشبه جريان الشمس في الفلك .
ومن أسماء الشمس الغزالة يقول الشيخ في ديوانه :
" من روح سورة العاديات :
ألا إن علم الصبح يعسر دركه .... كشقشقة الفحل الغبيق إذا رغا
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin