كتاب المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم الشيخ الأكبر ابن العربي للشيخ عبد الباقي مفتاح
المرتبة11: لفص حكمة فاتحية لكلمة صالحية من الاسم الرب ولهسماء زحل السابعة ومنزلة الخرتان وحرف الياء
غاية القهر هي حصول العلم بالنفس. ومن عرف نفسه عرف ربه فغاية العلم معرفة الرب. فجاء الاسم الرب في المرتبة الفردية الحادية عشرة التي قال الشيخ عنها في الباب 198 ما خلاصته:
الفصل الحادي والعشرون في الاسم الرب وتوجهه على إيجاد السماء الأولى
-أي الأولى نزولا من فوق وهي السابعة صعودا والبيت المعمور والسدرة والخليل.
ويوم السبت -أي نهاره
وأما ليلته فليلة الأربعاء- وحرف الياء والخرتان و کیوان -اي زحل - .
قال تعالى : ( وقل رب زدني علما ) (طه، 114) فما طلب الزيادة من العلم إلا من الرب.
ولهذا جاء مضافا لاحتياج العالم إليه أكثر من غيره من الأسماء لأنه اسم جامع لجميع المصالح وهو من الأسماء الثلاثة الأمهات (والآخران هما: الله الرحمن).
وهذا الاسم أعطى للسدرة نبقها وخضرتها، ونورها منه ومن الاسم الله، وأعطى الاسم الرحمن من نفسه عرفها من العرف وهي الرائحة.
ومن الاسم الله أصولها. و زقومها لأهل جهنم. وقد جل الله هذه السدرة بنور الهوية فلا تصل عين إلى مشاهدها فتحدها أو تصفها.
والنور الذي كساها هو نور أعمال العباد. ونبقها على عدد نسم السعداء لا بل على عدد أعمال السعداء لا بل هي أعيان أعمال السعداء.
وما في جنة الأعمال قصر ولا طاق إلا وغصن من أغصان هذه السدرة داخل فيه وفي ذلك الغسن من النبق على قدر ما في العمل الذي هذا الغصن صورته- من الحركات.
وما من ورقة في ذلك الغصن إلا وفيها من الحسن بقدر ما حضر هذا العبد مع الله في ذلك العمل
وأوراق الغصن بعدد الأنفاس في ذلك العمل. وشوك هذه السدرة كله.
لأهل الشقاء وأصولها فيهم والشجرة واحدة ولكن تعطي أصولها النقيض مما تعطي فروعها من كل نوع.
فكل ما وصفنا به الفروع حد النقيض في الأصول وهذا كثير الوقوع في علم النبات،
وهي على نشأة الإنسان وهي شجرة الطهور فيها مرضاة الحق ومن هنا شرع السدر في غسل الميت للقاء الله.
وعند السدرة نهر كبير هو نهر القرآن منه تتفجر ثلاثة أغار أخرى للكتب الثلاثة التوراة والزبور والإنجيل وجداول صحف الأنبياء.
ولكل نهر من الأنهار الكبرى الأربعة علم من علوم الوهب مناسب لأنهار الجنان الأربعة أنهار العسل والحليب والخمر والماء.
فالمظهر الأعلى الجناني للسدرة هو شجرة طوبي التي غرسها الله تعالى بيده ولما سواها نفخ فيها من روحه كأدم وهي لجميع شجر الجنان کآدم لما ظهر منه من البنين وزينها بثمر الحلي والحلل اللذين فيهما زينة للابسهما فنحن أرضها فان الله جعل ما على الأرض زينة لها.
وأما المظهر الأسفل الجهنمي للسدرة نهر الزقوم تغلي في البطون كغلي الحميم طلعها كانه رؤوس الشياطين.
وأسعد الناس هذه السدرة أهل بيت المقدس.
كما أن أسعد الناس بالمهدي أهل الكوفة، كما أن أسعد الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحرم المكي كما أن أسعد الناس بالحق أهل القرآن.
وإذا أكل أهل السعادة من هذه الشجرة زال الغل من صدورهم ومكتوب على ورقها "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" وإلى هذه السدرة تنتهي أعمال بني آدم ولهذا سميت سدرة المنتهى.
وللحق فيها تجمل خاص عظيم يقيد الناظر ويحير الخاطر وإلى جانبها منصة جبريل عليه السلام وفيها من الآيات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
غشيها من نور الله ما غشي فلا يستطيع أحد أن ينعتها إنما ينظر الناظر إليها فیدرکه البهت.
وأوحد الله في هذه السماء البيت المعمور وهو على سمت الكعبة له بابان: مشرقی يدخل فيه كل يوم سبعون ألف ملك ثم يخرجون من مقابله المغربي ولا يعودون فيه أبدا .
يخلقهم الله في كل يوم من نهر الحياة من القطرات التي تقطر من انتفاض جبريل عندما ينغمس فيه في كل يوم غمسة.
وبعدد هؤلاء الملائكة في كل يوم تكون خواطر بني آدم : في قلوبهم، وهؤلاء الملائكة الذين يدخلون البيت المعمور يجتمعون عند خروجهم منه مع الملائكة الذين خلقهم الله من خواطر القلوب فإذا اجتمعوا بهم كان ذكرهم الاستغفار إلى يوم القيامة.
فالقلوب كلها من هذا البيت خلقت فلا تزال معمورة دائما، وكل ملك يتكون من الخواطر يكون على صورة ما خطر سواء (تأمل علاقة ذا الكلام بفص الحكمة القلبية السابق وتتشعب الخواطر من قلب حكمة هذا الفص الفاتحية الصالحية.).
وفي هذا الفلك عين الموت (لأن طبعه طبع التراب اليابس البارد وهو طبع الموت وقد سبق أن الاسم المميت هو المتوجه على إيجاد التراب في فم زكرياء وفي هذه السماء يوجد ملك الموت عزرائیل عليه السلام ) ومعدن الراحة و سرعة الحركة في ثبات.
وكوكب هذه السماء زحل ترابي مظلم أسود نحس محض. ومنه جاء الكلام في النص على الهلاك والشقاء والعذاب والسواد وبشرة البدن الترابية.
لكن مدار حل الفص حول الفردية لأن الأعداد المتعلقة بهذه المرتبة جلها فردية: فله المرتبة: 11.
وفلك هذه السماء هو الثالث نزولا من الفلك الأطلس والمكوكب وهو الأول في السماوات، وهو سابعها صعودا، وهو الحادي عشر صعودا من فلك التراب، وهو الخامس نزولا من العرش.
وفي هذه السماء إبراهيم الخليل عليه السلام ثالث الآباء بعد آدم ونوح عليهما السلام وافتتحت سورته في القرآن بحروف ثلاثة لها الأعداد الثلاثة الأولى
وهي: "الر = 231". ويومها السبت سابع الأيام.
وأنسب الأنبياء لهذه المرتبة صالح عليه السلام الذي ورد اسمه في القرآن تسع مرات أي3 3x.
والذين عقروا ناقته تسعة قال تعالى عنهم: "وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون" (النمل،48) ولما عقروها رغا فصيلها ثلاث مرات حسب ما ورد في قصته.
وعند ذلك أنذر صالح قومه بحلول العذاب.
وأخر الله قومه ثلاثة أيام تلونت خلالها ألوانهم بثلاثة ألوان...
والثلاثة مفتاح الإيجاد والتكوين والتوليد وهي أول الأفراد كما أكده الشيخ في الكثير من نصوصه. فلهذا كانت حكمة هذا الفص فتوحية.
وخص الله صالحا بفتح الجبل عن الناقة آية له ففتحت الإيمان في قلوب من آمن به كما فتحت الطغيان في صدور من كفر به فهذه ثلاثة فتوحات...
وفي فاتحة الكتاب بيان للطرق الثلاثة التي تجمع كل الشعب الأخرى وهي:
صراط المنعم عليهم،
وصراط المغضوب عليهم،
وصراط الضالين...
ولهذه الثلاثية خصص الشيخ كلامه في كل الفص الذي له علاقة وطيدة بالفص السابق واللاحق.
أي فصي هود وشعيب عليهما السلام:
ففي فص هود تكلم الشيخ عن صراط الرب المستقيم الأخذ بناصية كل دابة.
وفي بداية هذا النص تكلم عن كثرة الطرق وتنوعها واختلاف أصحابها من الركائب والنجائب.
وفي فص شعيب تكلم على نشعب هذه الطرق إلى مالا يتناهي من العقائد والأنفاس الظاهرة بالخلق المتجدد من شؤون التجليات التي لا تتكرر...
يقول الشيخ رضي الله عنه في آخر الباب 463 من الفتوحات: "والفرد له تركيب الأعداد من أحد عشر إلى مالا نهاية له".
وعدد هذه المرتبة أي 11 هو أنسب الأعداد المقام الأفراد الذين خصص الشيخ لهم الأبواب الثلاثة " 32 / 31 / 30 " من الفتوحات وسماهم: الأقطاب الركبان ولهم آيات الركائب.
ففتح الشيخ هذا الفص بذكرهم قائلا: (من الآيات آيات الركائب) الى قوله: (وكل منهم يأتيه منه فتوح غيوبه من كل جانب) ومفتاح الغيب له الاسم: "هو" الذي عدده 11.
يقول الشيخ عنهم ما ملخصه: "الفرسان ركاب الخيل والركبان ركاب الإبل. فالأفراس تركبها جميع الطوائف من عجم وعرب والهجن لا يستعملها إلا العرب أرباب الفصاحة والحماسة والكرم.
ولما كانت هذه الصفات غالبة على هذه الطائفة سميناهم بالركبان. فمنهم من ركب بحب الهمم، ومنهم من ركب بحب الأعمال.
فلذلك جعلناهم طبقتين أولى وثانية وهؤلاء أصحاب الركبان هم الأفراد في هذه الطريقة.
ليس للقطب فيهم تصرف ولهم من الأعداد من الثلاثة إلى ما فوقها من الأفراد.
ليس لهم ولا لغيرهم فيما دون الفرد الأول الذي هو الثلاثة قدم فإن الأحدية وهو الواحد لذات الحق.
والاثنان للمرتبة وهو توحيد الألوهية والثلاثة الأول وجود الكون عن الله.
فأول الأفراد الثلاثة وقد قال : (الثلاثة ركب) وهم من الحضرات الإلهية الحضرة الفردانية وفيها يتميزون ومن الأسماء الإلية الفرد" انتهى.
وفي كل هذا إشارات من الشيخ إلى أن أكثر الأفراد في كل زمان هم من العرب لخصوصيات تميزوا ما جعلت سيد الوجود صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم ومنهم وكذلك خاتم الأولياء المحمديين.
ولهذا نجد الشيخ في الأبواب الأربعة من النصوص المخصوصة برسل العرب يتكلم عن الفردانية أو الأحدية فباب هود للحكمة الأحدية. وباب صالح للفردانية.
وہاب شعيب للحكمة القلبية والقلب هو القطب الفرد.
وباب سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم للحكمة الفردية حيث أعاد الكلام عن التثليث المحمدي.
ولاكابر الأفراد مقام القربة في هذه الأمة أو النبوة المطلقة بلا تشريع في الأمم السابقة كخالد النبي العربي بحكمته الصمدية والصمد أخ للفرد الأحد.
ولهم الستر لأفهم أهل أسرار والغالب على غرهم الظهور لأنهم أهل أنوار ...
ولهذا لم يظهر في العرب مدة نحو 25 قرنا بين إسماعيل وسيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام إلا خالد مع أن الكثير منهم كانوا أفرادا مقربين خلافا لبني إسرائيل الذين كثر عندهم الأنبياء والرسل الظاهرون بمعجزاتهم.
وإلى هذه الفردانية العربية وأسرار أهلها يشير الشيخ في كتابه "أيام الشأن" فيقول: (فكان حساب العجم تقدم النهار على الليل وزمانهم شمسي فآيات بين إسرائيل ظاهرة وكانت فيهم العجائب.
وكان حساب عامة العرب بتقديم الليل على النهار وزمانهم قمري فآيتهم ممحوة من ظواهر هم مصروفة إلى بواطنهم.
واختصوا من بين سائر الأمم بالتجليات، ونبل فيهم "كتبها في قلوهم" في مقابلة قوله "فانسلخ منها" فالصدق النا.
ولما كان في الخضر قوة عربية للحوقه بنا لهذا ما عثر صاحبه على السر الذي منه حكم بما حكم) انتهى.
والخضر من رؤوس الأفراد. ومعلوم أن غالبية أقطاب الأمة المحمدية من العرب عموما ومن آل البيت الشريف في أكثر الأحيان ويقول الشيخ في الفصل 13 من الباب 198 خلال رؤيا رآها:
(فسمعت بعض الناس يقولون: لو كان الإيمان بالثريا لنالته رجال من فارس.
فقلت: ولو كان العلم بالثريا لناله العرب. والإيمان تقليد. فكم بين عالم وبين من يقلد عالما فقالوا: صدق.
فالعربي له العلم والإيمان والعجم مشهود لهم بالإيمان خاصة في دين الله).
ولمكانة هؤلاء الرسل العرب الأربعة نجد الشيخ في الباب 463 يصف شؤون الاثني عشر قطبا الذين عليهم مدار العالم، كل قطب على قلب ني و الثلاثة الأخيرون منهم.
وهم العاشر والحادي عشر والثاني عشر على قدم هود وصالح وشعيب فترتيبهم هناك متفق مع ترتيبهم في الفصوص.
ويقول أن أشرف أولئك الاثني عشر هو الذي على قلب صالح وله سورة "طه"... ويقول: (وأما المفردون فكثيرون والختمان منهم)... (فمنهم من هو على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ) ...
ثم إن لترتيبهم المذكور علاقة مع الشهور القمرية فقد قال الشيخ في الباب 12 من الفتوحات: (وفي الأنبياء من الزمان أربعة حرم: هود وصالح وشعيب سلام الله عليهم ومحمد صلى الله عليه وسلم وعينها من الزمان ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب) انتهى.
فأفضلهم رجب الشهر السابع هو لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قيل أن معراجه وقع له في السابع والعشرين منه.
ويليه في التفضيل ذوالحجة وهو الثاني عشر ثم ذو القعدة وهو الحادي عشر ثم محرم وهو الأول.
ومن خصوصیا تم أيضا أن أربعة من أولياء عالم الأنفاس اجتمع فيهم عبادة العالم هم على أقدامهم في كل زمان بصفهم الشيخ في الباب 73 .
فيقول: (ومنهم رضي الله عنهم أربعة أنفس في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون آيتهم من كتاب الله تعالى: " الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن " (الطلاق، 12) .
وآيتهم أيضا في سورة تبارك الملك، الآية 3: "الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت هم رجال الهيبة والجلال.
كأنما الطير منهم فوق أرؤسهم لا خوف ظلم ولكن خوف إجلال وهم الذين يمدون الأوتاد.
الغالب على أحوالهم الروحانية قلوبهم سماوية بجهو لون في الأرض معروفون في السماء.
الواحد من هؤلاء الأربعة هو ممن استثنى الله تعالى في قوله: " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله" (الزمر، 68) .
و الثاني له العلم بما لا يتناهي وهو مقام عزیز بعلم التفصيل في المحمل وعندنا ليس في علمه بحمل.
والثالث له الهمة الفعالة في الإيجاد ولكن لا يوجد عنه شيء.
والرابع توجد عنه الأشياء وليس له إرادة فيها ولا مهمة متعلقة بها.
أطبق العالم الأعلى على علو مراتبهم.
أحدهم على قلب محمد صلى الله عليه وسلم
والآخر على قلب شعيب عليه السلام .
والثالث على قلب صالح عليه السلام
والرابع على قلب هود عليه السلام .
ينظر إلى أحدهم من الملأ الأعلى عزرائيل وإلى الآخر جبريل وإلى الأخر ميكائيل وإلى الآخر إسرافيل.
أحدهم يعبد الله من حيث نسبة العماء إليه
والثاني يعبد الله من حيث نسبة العرش إليه
والثالث يعبد الله من حيث نسبة السماء إليه
و الرابع يعبد الله من حيث نسبة الأرض إليه.
فقد اجتمع في هؤلاء الأربعة عبادة العالم كلها شأنهم عجيب وأمرهم غريب مالقيت فيمن لقيت مثلهم) انتهى.
ومن الاتفاق أن أعداد تکرار أسماء الأربعة في القرآن كلها فردية:
تكرر اسم صالح 9 مرات ، وهود 7 مرات ، وشعيب 11 مرة
مجموع هذه الثلاثة: 27 ، وتكرر الإسمان محمد وأحمد معا: 5 مرات وهو عدد الحفظ الفردي الحافظ لنفسه ولغيره حسبما ذكره الشيخ في عدة مواضع فبذكره صلى الله عليه وعلى آله وسلم حفظ الجميع...
من ناحية أخرى، المنازل الفلكية لهؤلاء الرسل الثلاثة هود صالح شعيب تشترك في وجودها ببرج الأسد الذي لملكه صفة الكرم وهي من أشهر صفات العرب وتعلوه هيبة و جلال وهو الإقليد .
وبطالعه أوجد الله الآخرة بعد أن أوجد الدنيا بطالع السرطان فتأخرت الآخرة عن الدنيا تسعة آلاف سنة.
وبرج الأسد برج ثابت حار يابس وبطالعه أيضا خلق الله الجنة المحسوسة حسب ما ذكره الشيخ في "عقلة المستوفز". وفي البابين 7 و65 من الفتوحات.
وأخيرا فإن حرف هذا الفص هو الياء. وأهم ميزة له هو أنه حرف الكسر والخفض فهو أنسب الحروف لركن التراب أسفل الأركان الذي له طبع هذه السماء الأولى اليابسة الباردة و کوکبها زحل ترابي وهذا الطبع تميزت عن بقية السماوات.
ولعلاقة الياء بالثري الترابي يعرفه الشيخ في الباب الثاني من الفتوحات بقوله:
یاء الرسالة حرف في الثرى ظهرا ….. کالواو في العالم العلوي معتمرا
وفي ختام الفص مهد الشيخ للدخول في فص شعيب الموالي فذكر صاحب الشهود الذي يقيم معاذير الموجودات كلها وهو حال صاحب السماء السادسة التي لها الرتبة 12 الموالية لكونها سماء اللين والرحمة والعفو.
وأعاد ذكر قاعدة أن العلم تابع للمعلوم إشارة للاسم العليم المتوجه على إيجاد تلك السماء السادسة سماء العلم.
وختم بالمثل: "يداك أوكتا وفوك نفخ" مشيرا بالنفخ إلى الهواء الذي له طبع هذه السماء السادسة . وطبع الأولى والثالثة طبع الماء وللرابعة والخامسة طبع النار،
وللثانية امتزاج كل الطبائع.
11: سورة فص صالح عليه السلام
و هي "قريش" والاسم الإلهي الوحيد الظاهر فيها هو "الرب" وهو الاسم الممد لمرتبة هنا الفص أي السماء السابعة كما سبق بيانه.
والبيت المعمور فيها مناسب للكعبة بيت الرب في أم
القرى بلد قريش.
وأهلها هم أصحاب الركائب - أي الإبل - المذكورون في البيت الأول من الفص.
وأكد الشيخ في هذا الباب على مرتبة الثلاثة والتركيب والجمع وذلك مناسب للألفة من" لإيلاف قريش " (فریش، 1) والقرش في اللغة هو الجمع.
ولهذا نجد الشيخ في الوصل التاسع من الباب "369" وهو الوصل المخصوص بسورة "قريش" يبدؤه بقوله: "قال تعالى: " والتفت الساق بالساق " (القيامة، و02) فهو التفاف لا ينحل... "أي كالتفاف ساق اللام بساق الألف من لام ألف في "إيلاف" أو كالتفاف المقدمتين أو الزوجين في النكاح لإظهار النتيجة.
ولهذا أيضا يبدا الباب "278" المخصوص بمنزل "قریش" بقوله: "لا يتآلف اثنان إلا لمناسبة بينهما فمترك الألفة هي النسبة الجامعة بين الحق والخلق وهي الصورة التي خلق عليها الإنسان".
ولهذا كان حرف "لا" من رموز الإنسان الكامل لجمعه بين ألف الحق ولام الحلق... وإلى هذا الجمع - أو القرش - أو الائتلاف - يشير الشيخ في فقرة من الباب "559 مرجعها للباب 278" أي لسورة قريش" عنوانها: " التالف من التصرف"
فيقول: "ما ثم إلا ما سمعت فلا يغرنك كونك جمعت" ويفتتح بابها "278 فتوحات" هذه الألفة قائلا:
منزل الألفة لا يدخله ….. غير موجود على صورته
فتراه عندما تبصره …… نازلا فيه على صورته
علاقة هذا الفص بلاحقه
ختم الشيخ هذا الفص بقاعدته : "العلم تابع للمعلوم"، كمقدمة لفص "شعيب" التالي والحاكم عليه الاسم "العليم" من آية سورته "التكاثر": "كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين ".
وتكرر اليقين في "التكاثر" مرتين: علم اليقين وعين اليقين.
وهو ما أشار إليه في أواخر هذا الفص الصالحي بقوله: "فمن فهم هذه الحكمة وقررها في نفسه: "فهذا هو علم اليقين" .
ثم قال: " وجعلها مشهودة له: وهذا هو عين اليقين".
ثم إن "تكاثر" قص شعيب ينتج من أم الكثرة أي ثلاثية "قريش" سورة فص صالح لأن القرش هو الجمع، وهو أصل التكاثر كما أن القرآن أصل للفرقان كما سبق ذكره في فص نوح.
وختم الشيخ الفص بكلمة: "وفوك نفخ" ومن النفخ تتكاثر الكلمات الصادرة من المراتب الثلاثة لمخارجها: "الصدر، والحلق، والفم" إلى أن تنتهي بالسكوت عند قول الشيخ في فص شعيب: "ونفخ في غير ضرم" .
.
المرتبة11: لفص حكمة فاتحية لكلمة صالحية من الاسم الرب ولهسماء زحل السابعة ومنزلة الخرتان وحرف الياء
غاية القهر هي حصول العلم بالنفس. ومن عرف نفسه عرف ربه فغاية العلم معرفة الرب. فجاء الاسم الرب في المرتبة الفردية الحادية عشرة التي قال الشيخ عنها في الباب 198 ما خلاصته:
الفصل الحادي والعشرون في الاسم الرب وتوجهه على إيجاد السماء الأولى
-أي الأولى نزولا من فوق وهي السابعة صعودا والبيت المعمور والسدرة والخليل.
ويوم السبت -أي نهاره
وأما ليلته فليلة الأربعاء- وحرف الياء والخرتان و کیوان -اي زحل - .
قال تعالى : ( وقل رب زدني علما ) (طه، 114) فما طلب الزيادة من العلم إلا من الرب.
ولهذا جاء مضافا لاحتياج العالم إليه أكثر من غيره من الأسماء لأنه اسم جامع لجميع المصالح وهو من الأسماء الثلاثة الأمهات (والآخران هما: الله الرحمن).
وهذا الاسم أعطى للسدرة نبقها وخضرتها، ونورها منه ومن الاسم الله، وأعطى الاسم الرحمن من نفسه عرفها من العرف وهي الرائحة.
ومن الاسم الله أصولها. و زقومها لأهل جهنم. وقد جل الله هذه السدرة بنور الهوية فلا تصل عين إلى مشاهدها فتحدها أو تصفها.
والنور الذي كساها هو نور أعمال العباد. ونبقها على عدد نسم السعداء لا بل على عدد أعمال السعداء لا بل هي أعيان أعمال السعداء.
وما في جنة الأعمال قصر ولا طاق إلا وغصن من أغصان هذه السدرة داخل فيه وفي ذلك الغسن من النبق على قدر ما في العمل الذي هذا الغصن صورته- من الحركات.
وما من ورقة في ذلك الغصن إلا وفيها من الحسن بقدر ما حضر هذا العبد مع الله في ذلك العمل
وأوراق الغصن بعدد الأنفاس في ذلك العمل. وشوك هذه السدرة كله.
لأهل الشقاء وأصولها فيهم والشجرة واحدة ولكن تعطي أصولها النقيض مما تعطي فروعها من كل نوع.
فكل ما وصفنا به الفروع حد النقيض في الأصول وهذا كثير الوقوع في علم النبات،
وهي على نشأة الإنسان وهي شجرة الطهور فيها مرضاة الحق ومن هنا شرع السدر في غسل الميت للقاء الله.
وعند السدرة نهر كبير هو نهر القرآن منه تتفجر ثلاثة أغار أخرى للكتب الثلاثة التوراة والزبور والإنجيل وجداول صحف الأنبياء.
ولكل نهر من الأنهار الكبرى الأربعة علم من علوم الوهب مناسب لأنهار الجنان الأربعة أنهار العسل والحليب والخمر والماء.
فالمظهر الأعلى الجناني للسدرة هو شجرة طوبي التي غرسها الله تعالى بيده ولما سواها نفخ فيها من روحه كأدم وهي لجميع شجر الجنان کآدم لما ظهر منه من البنين وزينها بثمر الحلي والحلل اللذين فيهما زينة للابسهما فنحن أرضها فان الله جعل ما على الأرض زينة لها.
وأما المظهر الأسفل الجهنمي للسدرة نهر الزقوم تغلي في البطون كغلي الحميم طلعها كانه رؤوس الشياطين.
وأسعد الناس هذه السدرة أهل بيت المقدس.
كما أن أسعد الناس بالمهدي أهل الكوفة، كما أن أسعد الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحرم المكي كما أن أسعد الناس بالحق أهل القرآن.
وإذا أكل أهل السعادة من هذه الشجرة زال الغل من صدورهم ومكتوب على ورقها "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" وإلى هذه السدرة تنتهي أعمال بني آدم ولهذا سميت سدرة المنتهى.
وللحق فيها تجمل خاص عظيم يقيد الناظر ويحير الخاطر وإلى جانبها منصة جبريل عليه السلام وفيها من الآيات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
غشيها من نور الله ما غشي فلا يستطيع أحد أن ينعتها إنما ينظر الناظر إليها فیدرکه البهت.
وأوحد الله في هذه السماء البيت المعمور وهو على سمت الكعبة له بابان: مشرقی يدخل فيه كل يوم سبعون ألف ملك ثم يخرجون من مقابله المغربي ولا يعودون فيه أبدا .
يخلقهم الله في كل يوم من نهر الحياة من القطرات التي تقطر من انتفاض جبريل عندما ينغمس فيه في كل يوم غمسة.
وبعدد هؤلاء الملائكة في كل يوم تكون خواطر بني آدم : في قلوبهم، وهؤلاء الملائكة الذين يدخلون البيت المعمور يجتمعون عند خروجهم منه مع الملائكة الذين خلقهم الله من خواطر القلوب فإذا اجتمعوا بهم كان ذكرهم الاستغفار إلى يوم القيامة.
فالقلوب كلها من هذا البيت خلقت فلا تزال معمورة دائما، وكل ملك يتكون من الخواطر يكون على صورة ما خطر سواء (تأمل علاقة ذا الكلام بفص الحكمة القلبية السابق وتتشعب الخواطر من قلب حكمة هذا الفص الفاتحية الصالحية.).
وفي هذا الفلك عين الموت (لأن طبعه طبع التراب اليابس البارد وهو طبع الموت وقد سبق أن الاسم المميت هو المتوجه على إيجاد التراب في فم زكرياء وفي هذه السماء يوجد ملك الموت عزرائیل عليه السلام ) ومعدن الراحة و سرعة الحركة في ثبات.
وكوكب هذه السماء زحل ترابي مظلم أسود نحس محض. ومنه جاء الكلام في النص على الهلاك والشقاء والعذاب والسواد وبشرة البدن الترابية.
لكن مدار حل الفص حول الفردية لأن الأعداد المتعلقة بهذه المرتبة جلها فردية: فله المرتبة: 11.
وفلك هذه السماء هو الثالث نزولا من الفلك الأطلس والمكوكب وهو الأول في السماوات، وهو سابعها صعودا، وهو الحادي عشر صعودا من فلك التراب، وهو الخامس نزولا من العرش.
وفي هذه السماء إبراهيم الخليل عليه السلام ثالث الآباء بعد آدم ونوح عليهما السلام وافتتحت سورته في القرآن بحروف ثلاثة لها الأعداد الثلاثة الأولى
وهي: "الر = 231". ويومها السبت سابع الأيام.
وأنسب الأنبياء لهذه المرتبة صالح عليه السلام الذي ورد اسمه في القرآن تسع مرات أي3 3x.
والذين عقروا ناقته تسعة قال تعالى عنهم: "وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون" (النمل،48) ولما عقروها رغا فصيلها ثلاث مرات حسب ما ورد في قصته.
وعند ذلك أنذر صالح قومه بحلول العذاب.
وأخر الله قومه ثلاثة أيام تلونت خلالها ألوانهم بثلاثة ألوان...
والثلاثة مفتاح الإيجاد والتكوين والتوليد وهي أول الأفراد كما أكده الشيخ في الكثير من نصوصه. فلهذا كانت حكمة هذا الفص فتوحية.
وخص الله صالحا بفتح الجبل عن الناقة آية له ففتحت الإيمان في قلوب من آمن به كما فتحت الطغيان في صدور من كفر به فهذه ثلاثة فتوحات...
وفي فاتحة الكتاب بيان للطرق الثلاثة التي تجمع كل الشعب الأخرى وهي:
صراط المنعم عليهم،
وصراط المغضوب عليهم،
وصراط الضالين...
ولهذه الثلاثية خصص الشيخ كلامه في كل الفص الذي له علاقة وطيدة بالفص السابق واللاحق.
أي فصي هود وشعيب عليهما السلام:
ففي فص هود تكلم الشيخ عن صراط الرب المستقيم الأخذ بناصية كل دابة.
وفي بداية هذا النص تكلم عن كثرة الطرق وتنوعها واختلاف أصحابها من الركائب والنجائب.
وفي فص شعيب تكلم على نشعب هذه الطرق إلى مالا يتناهي من العقائد والأنفاس الظاهرة بالخلق المتجدد من شؤون التجليات التي لا تتكرر...
يقول الشيخ رضي الله عنه في آخر الباب 463 من الفتوحات: "والفرد له تركيب الأعداد من أحد عشر إلى مالا نهاية له".
وعدد هذه المرتبة أي 11 هو أنسب الأعداد المقام الأفراد الذين خصص الشيخ لهم الأبواب الثلاثة " 32 / 31 / 30 " من الفتوحات وسماهم: الأقطاب الركبان ولهم آيات الركائب.
ففتح الشيخ هذا الفص بذكرهم قائلا: (من الآيات آيات الركائب) الى قوله: (وكل منهم يأتيه منه فتوح غيوبه من كل جانب) ومفتاح الغيب له الاسم: "هو" الذي عدده 11.
يقول الشيخ عنهم ما ملخصه: "الفرسان ركاب الخيل والركبان ركاب الإبل. فالأفراس تركبها جميع الطوائف من عجم وعرب والهجن لا يستعملها إلا العرب أرباب الفصاحة والحماسة والكرم.
ولما كانت هذه الصفات غالبة على هذه الطائفة سميناهم بالركبان. فمنهم من ركب بحب الهمم، ومنهم من ركب بحب الأعمال.
فلذلك جعلناهم طبقتين أولى وثانية وهؤلاء أصحاب الركبان هم الأفراد في هذه الطريقة.
ليس للقطب فيهم تصرف ولهم من الأعداد من الثلاثة إلى ما فوقها من الأفراد.
ليس لهم ولا لغيرهم فيما دون الفرد الأول الذي هو الثلاثة قدم فإن الأحدية وهو الواحد لذات الحق.
والاثنان للمرتبة وهو توحيد الألوهية والثلاثة الأول وجود الكون عن الله.
فأول الأفراد الثلاثة وقد قال : (الثلاثة ركب) وهم من الحضرات الإلهية الحضرة الفردانية وفيها يتميزون ومن الأسماء الإلية الفرد" انتهى.
وفي كل هذا إشارات من الشيخ إلى أن أكثر الأفراد في كل زمان هم من العرب لخصوصيات تميزوا ما جعلت سيد الوجود صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم ومنهم وكذلك خاتم الأولياء المحمديين.
ولهذا نجد الشيخ في الأبواب الأربعة من النصوص المخصوصة برسل العرب يتكلم عن الفردانية أو الأحدية فباب هود للحكمة الأحدية. وباب صالح للفردانية.
وہاب شعيب للحكمة القلبية والقلب هو القطب الفرد.
وباب سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم للحكمة الفردية حيث أعاد الكلام عن التثليث المحمدي.
ولاكابر الأفراد مقام القربة في هذه الأمة أو النبوة المطلقة بلا تشريع في الأمم السابقة كخالد النبي العربي بحكمته الصمدية والصمد أخ للفرد الأحد.
ولهم الستر لأفهم أهل أسرار والغالب على غرهم الظهور لأنهم أهل أنوار ...
ولهذا لم يظهر في العرب مدة نحو 25 قرنا بين إسماعيل وسيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام إلا خالد مع أن الكثير منهم كانوا أفرادا مقربين خلافا لبني إسرائيل الذين كثر عندهم الأنبياء والرسل الظاهرون بمعجزاتهم.
وإلى هذه الفردانية العربية وأسرار أهلها يشير الشيخ في كتابه "أيام الشأن" فيقول: (فكان حساب العجم تقدم النهار على الليل وزمانهم شمسي فآيات بين إسرائيل ظاهرة وكانت فيهم العجائب.
وكان حساب عامة العرب بتقديم الليل على النهار وزمانهم قمري فآيتهم ممحوة من ظواهر هم مصروفة إلى بواطنهم.
واختصوا من بين سائر الأمم بالتجليات، ونبل فيهم "كتبها في قلوهم" في مقابلة قوله "فانسلخ منها" فالصدق النا.
ولما كان في الخضر قوة عربية للحوقه بنا لهذا ما عثر صاحبه على السر الذي منه حكم بما حكم) انتهى.
والخضر من رؤوس الأفراد. ومعلوم أن غالبية أقطاب الأمة المحمدية من العرب عموما ومن آل البيت الشريف في أكثر الأحيان ويقول الشيخ في الفصل 13 من الباب 198 خلال رؤيا رآها:
(فسمعت بعض الناس يقولون: لو كان الإيمان بالثريا لنالته رجال من فارس.
فقلت: ولو كان العلم بالثريا لناله العرب. والإيمان تقليد. فكم بين عالم وبين من يقلد عالما فقالوا: صدق.
فالعربي له العلم والإيمان والعجم مشهود لهم بالإيمان خاصة في دين الله).
ولمكانة هؤلاء الرسل العرب الأربعة نجد الشيخ في الباب 463 يصف شؤون الاثني عشر قطبا الذين عليهم مدار العالم، كل قطب على قلب ني و الثلاثة الأخيرون منهم.
وهم العاشر والحادي عشر والثاني عشر على قدم هود وصالح وشعيب فترتيبهم هناك متفق مع ترتيبهم في الفصوص.
ويقول أن أشرف أولئك الاثني عشر هو الذي على قلب صالح وله سورة "طه"... ويقول: (وأما المفردون فكثيرون والختمان منهم)... (فمنهم من هو على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ) ...
ثم إن لترتيبهم المذكور علاقة مع الشهور القمرية فقد قال الشيخ في الباب 12 من الفتوحات: (وفي الأنبياء من الزمان أربعة حرم: هود وصالح وشعيب سلام الله عليهم ومحمد صلى الله عليه وسلم وعينها من الزمان ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب) انتهى.
فأفضلهم رجب الشهر السابع هو لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قيل أن معراجه وقع له في السابع والعشرين منه.
ويليه في التفضيل ذوالحجة وهو الثاني عشر ثم ذو القعدة وهو الحادي عشر ثم محرم وهو الأول.
ومن خصوصیا تم أيضا أن أربعة من أولياء عالم الأنفاس اجتمع فيهم عبادة العالم هم على أقدامهم في كل زمان بصفهم الشيخ في الباب 73 .
فيقول: (ومنهم رضي الله عنهم أربعة أنفس في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون آيتهم من كتاب الله تعالى: " الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن " (الطلاق، 12) .
وآيتهم أيضا في سورة تبارك الملك، الآية 3: "الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت هم رجال الهيبة والجلال.
كأنما الطير منهم فوق أرؤسهم لا خوف ظلم ولكن خوف إجلال وهم الذين يمدون الأوتاد.
الغالب على أحوالهم الروحانية قلوبهم سماوية بجهو لون في الأرض معروفون في السماء.
الواحد من هؤلاء الأربعة هو ممن استثنى الله تعالى في قوله: " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله" (الزمر، 68) .
و الثاني له العلم بما لا يتناهي وهو مقام عزیز بعلم التفصيل في المحمل وعندنا ليس في علمه بحمل.
والثالث له الهمة الفعالة في الإيجاد ولكن لا يوجد عنه شيء.
والرابع توجد عنه الأشياء وليس له إرادة فيها ولا مهمة متعلقة بها.
أطبق العالم الأعلى على علو مراتبهم.
أحدهم على قلب محمد صلى الله عليه وسلم
والآخر على قلب شعيب عليه السلام .
والثالث على قلب صالح عليه السلام
والرابع على قلب هود عليه السلام .
ينظر إلى أحدهم من الملأ الأعلى عزرائيل وإلى الآخر جبريل وإلى الأخر ميكائيل وإلى الآخر إسرافيل.
أحدهم يعبد الله من حيث نسبة العماء إليه
والثاني يعبد الله من حيث نسبة العرش إليه
والثالث يعبد الله من حيث نسبة السماء إليه
و الرابع يعبد الله من حيث نسبة الأرض إليه.
فقد اجتمع في هؤلاء الأربعة عبادة العالم كلها شأنهم عجيب وأمرهم غريب مالقيت فيمن لقيت مثلهم) انتهى.
ومن الاتفاق أن أعداد تکرار أسماء الأربعة في القرآن كلها فردية:
تكرر اسم صالح 9 مرات ، وهود 7 مرات ، وشعيب 11 مرة
مجموع هذه الثلاثة: 27 ، وتكرر الإسمان محمد وأحمد معا: 5 مرات وهو عدد الحفظ الفردي الحافظ لنفسه ولغيره حسبما ذكره الشيخ في عدة مواضع فبذكره صلى الله عليه وعلى آله وسلم حفظ الجميع...
من ناحية أخرى، المنازل الفلكية لهؤلاء الرسل الثلاثة هود صالح شعيب تشترك في وجودها ببرج الأسد الذي لملكه صفة الكرم وهي من أشهر صفات العرب وتعلوه هيبة و جلال وهو الإقليد .
وبطالعه أوجد الله الآخرة بعد أن أوجد الدنيا بطالع السرطان فتأخرت الآخرة عن الدنيا تسعة آلاف سنة.
وبرج الأسد برج ثابت حار يابس وبطالعه أيضا خلق الله الجنة المحسوسة حسب ما ذكره الشيخ في "عقلة المستوفز". وفي البابين 7 و65 من الفتوحات.
وأخيرا فإن حرف هذا الفص هو الياء. وأهم ميزة له هو أنه حرف الكسر والخفض فهو أنسب الحروف لركن التراب أسفل الأركان الذي له طبع هذه السماء الأولى اليابسة الباردة و کوکبها زحل ترابي وهذا الطبع تميزت عن بقية السماوات.
ولعلاقة الياء بالثري الترابي يعرفه الشيخ في الباب الثاني من الفتوحات بقوله:
یاء الرسالة حرف في الثرى ظهرا ….. کالواو في العالم العلوي معتمرا
وفي ختام الفص مهد الشيخ للدخول في فص شعيب الموالي فذكر صاحب الشهود الذي يقيم معاذير الموجودات كلها وهو حال صاحب السماء السادسة التي لها الرتبة 12 الموالية لكونها سماء اللين والرحمة والعفو.
وأعاد ذكر قاعدة أن العلم تابع للمعلوم إشارة للاسم العليم المتوجه على إيجاد تلك السماء السادسة سماء العلم.
وختم بالمثل: "يداك أوكتا وفوك نفخ" مشيرا بالنفخ إلى الهواء الذي له طبع هذه السماء السادسة . وطبع الأولى والثالثة طبع الماء وللرابعة والخامسة طبع النار،
وللثانية امتزاج كل الطبائع.
11: سورة فص صالح عليه السلام
و هي "قريش" والاسم الإلهي الوحيد الظاهر فيها هو "الرب" وهو الاسم الممد لمرتبة هنا الفص أي السماء السابعة كما سبق بيانه.
والبيت المعمور فيها مناسب للكعبة بيت الرب في أم
القرى بلد قريش.
وأهلها هم أصحاب الركائب - أي الإبل - المذكورون في البيت الأول من الفص.
وأكد الشيخ في هذا الباب على مرتبة الثلاثة والتركيب والجمع وذلك مناسب للألفة من" لإيلاف قريش " (فریش، 1) والقرش في اللغة هو الجمع.
ولهذا نجد الشيخ في الوصل التاسع من الباب "369" وهو الوصل المخصوص بسورة "قريش" يبدؤه بقوله: "قال تعالى: " والتفت الساق بالساق " (القيامة، و02) فهو التفاف لا ينحل... "أي كالتفاف ساق اللام بساق الألف من لام ألف في "إيلاف" أو كالتفاف المقدمتين أو الزوجين في النكاح لإظهار النتيجة.
ولهذا أيضا يبدا الباب "278" المخصوص بمنزل "قریش" بقوله: "لا يتآلف اثنان إلا لمناسبة بينهما فمترك الألفة هي النسبة الجامعة بين الحق والخلق وهي الصورة التي خلق عليها الإنسان".
ولهذا كان حرف "لا" من رموز الإنسان الكامل لجمعه بين ألف الحق ولام الحلق... وإلى هذا الجمع - أو القرش - أو الائتلاف - يشير الشيخ في فقرة من الباب "559 مرجعها للباب 278" أي لسورة قريش" عنوانها: " التالف من التصرف"
فيقول: "ما ثم إلا ما سمعت فلا يغرنك كونك جمعت" ويفتتح بابها "278 فتوحات" هذه الألفة قائلا:
منزل الألفة لا يدخله ….. غير موجود على صورته
فتراه عندما تبصره …… نازلا فيه على صورته
علاقة هذا الفص بلاحقه
ختم الشيخ هذا الفص بقاعدته : "العلم تابع للمعلوم"، كمقدمة لفص "شعيب" التالي والحاكم عليه الاسم "العليم" من آية سورته "التكاثر": "كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين ".
وتكرر اليقين في "التكاثر" مرتين: علم اليقين وعين اليقين.
وهو ما أشار إليه في أواخر هذا الفص الصالحي بقوله: "فمن فهم هذه الحكمة وقررها في نفسه: "فهذا هو علم اليقين" .
ثم قال: " وجعلها مشهودة له: وهذا هو عين اليقين".
ثم إن "تكاثر" قص شعيب ينتج من أم الكثرة أي ثلاثية "قريش" سورة فص صالح لأن القرش هو الجمع، وهو أصل التكاثر كما أن القرآن أصل للفرقان كما سبق ذكره في فص نوح.
وختم الشيخ الفص بكلمة: "وفوك نفخ" ومن النفخ تتكاثر الكلمات الصادرة من المراتب الثلاثة لمخارجها: "الصدر، والحلق، والفم" إلى أن تنتهي بالسكوت عند قول الشيخ في فص شعيب: "ونفخ في غير ضرم" .
.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin