صحبة الوارث المحمدي
يقول الله تعالى {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} (17 الكهف)، ويقول أيضا{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} (15 لقمان). وعلى ذلك فقد تبين لنا مما سلف ضرورة البحث عن شيخ مرشد يصحبه المرء مستعينا بعد الله به في علاج آفاته القلبية يدله على الله وعلى طاعته، ويذعن لنصحه وتوجيهه.ولننظر إلى الإمام أبي حامد الغزالي يحدث في هذا الأمر قائلاً: "الدخول مع الصوفية فرض عين إذ لا يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء عليهم السلام". ويقول رحمه الله في الجزء الثالث من «الإحياء» ص 60 "يحتاج المريد إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة، ليهديه إلى سواء السبيل فإن سبيل الدين غامض، وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه، قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها فإنها تجف على الأرض، وإن بقيت مدة وأورقت لم تـثمر، وإن أثمرت فمرٌ ثمرها، فليعتصم المريد بشيخه وليتمسك به".وهذا ابن عطاء الله السكندري يقول: "وينبغي لمن عزم على الاسترشاد وسلوك طريق الرشاد أن يبحث عن شيخ من أهل التحقيق سالك للطريق، تارك لهواه، راسخ القدم في خدمة مولاه، فإذا وجده فليمتثل أمره ولينـته عما نهي عنه وزجر".يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني قدست أسراره في كتاب «الفتح الرباني» في المجلس التاسع والثلاثين على الصفحة 129: "اتبع الشيوخ العلماء بالكتاب والسنة العاملين بهما، وأحسن الظن بهم وتعلم منهم وأحسن الأدب بين أيديهم والعشرة معهم فقد تفلح، وإذا لم تـتبع الكتاب والسنة ولا الشيوخ العارفين بهما، فما تفلح أبدا. أما سمعت: (من استغنى برأيه ضل) (هذب نفسك بصحبة من هو أعلم منك) (اشتغل بإصلاحها ثم انتقل إلى غيرها) قال النبي صلى الله عليه وسلم (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول)".يقول الإمام الشعراني بعد أن بين أن من سلك من غير شيخ تاه: "من قال إن طريق القوم يوصَل إليه بالفهم من غير شيخ يسير بالطالب فيها، لما احتاج مثل حجة الإسلام الإمام الغزالي والشيخ عز الدين بن عبد السلام أخْذَ أدبهما عن الشيخ، مع أنهما كانا يقولان قبل دخولهما طريق القوم (كل من قال: إن ثم طريقةً للعلم غير ما بأيدينا فقد افترى على الله عز وجل) فلما دخلا طريق القوم كانا يقولان: قد ضيعنا عمرنا في البطالة والحجاب واثبتا طريق القوم ومدحاها". وكان سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام يقول بعد ذلك: "ما عرفت الإسلام الكامل إلا بعد اجتماعي على الشيخ أبي الحسن الشاذلي رحمه الله" ثم يتابع الإمام الشعراني قائلا: "فإذا كان هذان الشيخان قد احتاجا إلى الشيخ مع سعة علمهما بالشريعة فغيرهما من أمثالنا من باب أولى".إذن فلا بد للمرء أن يسعى لاتخاذ مرشد، قد ورث الإرشاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيخاً بعد شيخ، يسمى وارثاً محمدياً أو شيخاً مرشداً، يصله برسول الله صلى الله عليه وسلم صلة روحية، من خلال سند واضح صحيح، لا يقل في أهميته عن سند الحديث النبوي. يأتمر بأمره ويسير معه ويتعلم منه ويأخذ عنه أمور دينه ودنياه، ويعرفه طريق الوصول إلى معرفة الله عز وجل، ويعرفه أحكام دينه، ويعرفه آفات نفسه ومعالجتها، ويحذره من مداخل الشيطان على قلبه. فلرسول الله وُرَّاثٌ ورثوا عنه بعض الوظائف التي اختص بها. فمنهم من ورث عنه علوم الفقه، ومنهم من ورث عنه علوم التلاوة، ومنهم من ورث عنه علوم السير وغيرها من العلوم، وقد ورث عنه أشياخنا رجالُ السند علومَ الشريعة والطريقة والحقيقة، إضافة إلى مناهج تزكية الأنفس وإصلاح القلوب، وقد عُرف عن ساداتنا أهل البيت الأطهار عبر السنين ميراثهم لهذه العلوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.ذكر ابن كثير في تفسيره في المجلد الأول صفحة 418، في تفسير قوله تعالى {أَفَإِين مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (144 آل عمران) قال: قال أبو القاسم الطبراني، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عمرو بن حمادة بن طلحة القناد، حدثنا أسباط بن نصر عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس أن علياً كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم. والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه، فمن أحق به مني). فلا يمكن أن يفهم من هذا القول ادعاءً من سيدنا علي لوراثة الخلافة والحكم عن رسول الله وهو بين ظهرانيهم، ففي ذلك منتهى الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أدّب سيدنا علياً فأحسن تأديبه، بل إن السياق يدل بما لا يدع مجالاً للشك أن المعنى المقصود هو ميراث الولاية والإرشاد الذي تربع على قمته أشياخنا من آل البيت الأطهار. يقول الشيخ مصطفى البكري في ورد السحر (إلهي دلني على من يدلني عليك وأوصلني يا مولاي إلى من يوصلني إليك).سؤال: هل يجوز ادعاء التلقي من شيخ ميت؟ وهل يجوز الانتماء لأكثر من شيخ؟جواب: لا يمكن التلقي ولا يتم الانتفاع بشيخ ميت، ولو صح هذا لما كانت هناك حاجة إلى وجود المرشدين الأحياء، لأن الله تعالى كتب في سابق علمه أن رحمته تجري لخلقه بمدد واصل في كل عصر إلى خاصته وعرائسه في الأرض الذين هم أولياؤه وورثة أنبيائه. وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم (العلماء ورثة الأنبياء). فلا بد من هؤلاء كي يدلوا الخلق على الخالق ولا بد أن يكونوا أحياءً جيلاً بعد جيل، يعيشون بين الخلق حتى قيام الساعة، بهمتهم وحالهم تكون الإفادة للخلق.روى الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن صحيح ولفظه عن أنس رصي الله عنه قال: (لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء وما نفضنا عن النبي صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا). وهذا يدل على أن وجود النبي صلى الله عليه وسلم بشخصه هو ورؤيته بين الصحابة كان نافعاً لقـلوبهم. ومن هنا كان الأمر بصحبة الصالحين {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ} (15 لقمان). وذكر الشيخ محي الدين بن عربي: "أن الميت لا ينـتفع به من حيث تربية المريد والانتفاع في سيره إلى الله، ومحاذاته في الطريق ولا تتيسر هذه إلا بصحبة الحي. إذن قيد الحياة شرط في الصحبة".وقد قيل من أعرض عنهم مستعيناً بكلام من تقدمهم من الأموات، طبع عليه بطابع الحرمان، وكان مثله كمن أعرض عن نبي زمانه وتشريعه مستغنياً بشرائع النبيين الذين خلوا.ويقول الأمام الشعراني: "ومن الواجب على المريد إذا مات شيخه أن يتخذ له شيخاً يربيه زيادة على ما رباه شيخه الأول فإن الطريق لا قرار له".وعلى هذا فلا بد من الانتفاع بشيخ حي يراه السالك ويجلس معه ليرشده إلى طريق الحق القويم، فبالسير مع هذا الشيخ الوارث المحمدي تستضيء القلوب، وتعتدل الأمزجة، وتخمد وساوس الشيطان، كما في حديث أنس السابق. ولا يجوز ادعاء التلقي من المشايخ الأموات فإن ذلك غير صحيح، وهو من ضعف الهمة، وهوى النفس، ورداءة الفطنة، إلا إذا كان ذلك على سبيل التبرك بهم، مع شرط وجود الشيخ المرشد الحي. فإن مات الوارث المرشد فإنهم بعد نقله لدار الحق عليهم الاجتماع إلى من أشار إليه ليخلفه أو من اجتمعت به الصفات وجرى عليه الإجماع.كما لا يجوز أيضاً اتخاذ أكثر من شيخ واحد لما في ذلك من الفساد وعدم النفع، واذكر هنا مقولة أبي يزيد البسطامي: "من لم يكن له أستاذ واحد فهو مشترك والمشترك شيخه الشيطان. ثم قال أخذت طريقي عن شيخي نَفَساً بنفَس". وهذا هو الشيخ محي الدين بن عربي يقول: "اعلم أنه لا يجوز لمريد أن يتخذ له إلا شيخاً واحد لأن ذلك أعون له في الطريق، وما رأينا مريداً قط أفلح على يد شيخين".فلا بد إذن من نبع واحد يستقي منه المريد ويستدل به على طريق الآخرة. وإذا تعدد الدُّلاَّل له ربما تاه واختلط عليه الأمر، ولا حجة للذين يقولون بأن الصحابة والتابعين كانوا لا يتقيدون بشيخ واحد، لأن أولئك كانوا أبراراً أطهاراً وكل واحد منهم هو شيخ مرشد. قد وصلوا أعلى مراتب العبودية والطاعة ولا حاجة لهم بذلك. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم). وما كانت الحاجة إلى مرشد واحد إلا بعد أن كثرت الآفات والأمراض والعلل واحتاجوا إلى علاجها. والعلاج في هذه الحالة لا يكون إلا على يد شيخ واحد حتى لا يتيه المريد ويطول عليه الطريق إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في حياته هو المرشد والمزكي والمعلم دون غيره.2. صفات الشيخ المرشد:سؤال: ما هي صفات الشيخ المرشد الوارث وعلاماته؟جواب: لابد من التفريق بين وظيفة العالم ووظيفة الشيخ المرشد المربي، إذ كما قلنا سابقا في موضوع التزكية فإن العالم يعنى بحفظ النصوص وتلقينها، وقد تكون نفسه مزكاة، أما المرشد المحمدي فطريقه موصلٌ لتزكية النفوس والتحلي بالكمالات الخلقية، وهو الذي تزداد حين تصحبه إيماناً وتقىً وطهارةً، وملازمتك له وامتثالك لأمره يعني شفاءك من أمراضك القلبية وعيوب نفسك، ويؤثر فيك شخصه الذي هو صورة عن الشخص المثالي، شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم.ومن صفات الشيخ المرشد أن يكون عالماً بالشريعة، عاملاً بأحكامها عالماً بالفرائض العينية وأركانها، متحققاً بالعقيدةِ وصحتها، مزكياً لنفسهِ على يد مربٍ مرشدٍ، خابراً مراتب النفس وأمراضها، مدركاً أحوال القلبِ ومداخل الشياطين ووساوسها، مجازاً من قبل شيخ مرشد كامل يتصل سنده بالتسلسل شيخاً عن شيخ حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقلداً متبعاً متشبهاً برسول الله صلى الله عليه وسلم قلباً وقالباً، لا تعتري قلبه الآفات ولا قالبه النواقص، كأن يكون متكبراً معجباً بنفسه أو بخيلاً أو مغروراً أو حاسداً. وأن يكون خاليا من صفات العَوَر والصمم والبكم والعرج أو أي صفةٍ خَلْقيةٍ، لأن في ذلكَ مَساساً بالجناب المحمدي الذي يتشبه به وما لذلك من أثر سلبي في نفوس أتباعه.ثم يلمس الناظر في محيطهِ أجواءَ الإيمان والتقوى والتواضع بين أتباعه ومحبيه دلالةً على تأثيره في إصـلاح محيطه، قال الله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا} (59 الفرقان) وقال أيضاً {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} (15 لقمان). أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنَ عمرَ رضي الله عنهما فقـال (يا ابنَ عمر دينكَ دينكَ انما هو لحمك ودمك فانظر عمن تأخذ هذا الدين، خذ الدين عن الذينَ استقاموا ولا تأخذه عن الذينَ مالوا).3. من علامات الإرشاد:ينيبُ إلى دار الخلود وتجري عليه صورةُ المجاهدةِ والمعاملةِ من غيرِ مكابدةٍ ولا عناء، بل بلذاذةٍ وهناء، ويصيرُ قالبه بصفةِ قلبه لامتلاء قلبِه بحب ربه، يلينُ جلدهُ كما لان قلبه، والدليلُ على لين جلده إجابةُ أعضائِه وقالبه بالطاعة كإجابة القلب باللين والخشوع والإنابة. فيزيده الله ويحبه ويمنحه بإرادة خاصة ويرزقه محبةً توصله لدرجةِ السابقين المقربين قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}(23 الزمر). فأخبر تعالى أن الجلود تلينُ كما القلوب تلين. والوارث المحمدي أهـل للإقتداءِ، وعليه وقار الله وبه يتأدب المريدونَ ظاهراً وباطناً. قـال تعـالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (90 الأنعام). وقال أيضاً:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}(24 السجدة). وهكذا جعلَهم الله أئمةَ المتقين. قال صلى الله عليه وسلم حاكياً عن ربه (إذا كان الغالب على عبدي الاشتغال بي جعلت هِمَتَه في ذكري، عشقني وعشقته ورفعت الحجَاب فيما بيني وبينه لا يسهو إذا سها الناس، أولئك كلامهم كلام الأنبياء، أولئك الأبطال حقاً، أولئك الذين إذا أردت بأهل الأرض عقوبةً ذكرتهم فيها فصرفته بهم عنهم).ومجالسة الناس للوارث المربي تزيد في إيمانهم، وتحيي أرواحَهم وقلوبهَم فلا يتكلم المربي إلاّ لله، ولا ينطق إلاّ بخير. ينتفع به من قربه كما ينتفع من بُعده، رؤيته تذكرك بالله أو كما قيل (تستفيد من لحظه كما تستفيد من لفظه) ويكون بينه وبين مريديه تآلفٌ مأخوذ عن وجه التآلف الإلهي{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ويكون في الشيخ معنى التخلق بأخلاق الله تعالى كما في الحديث القدسي: (ألا طالَ شوق الأبرار إلى لقائي وإني إلى لقائهم لأشد شوقاً). قال تعالى {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} (63 الأنفال). فبتوفيق الله الذي يؤلف بين القلوب، وبما يكون من حسن التآلف بين الفاضل والمفضولِ، يصير السالك جزءَ الشيخ كما الولد جزء أبيه الصُلْبي، والولادة هنا ولادة معنوية. فالولادة الصُلْبية تربط الوَلد بعالم الملكِ (ظاهر الكون) والولادة المعنوية تربـط الولـد بعـالم الملكوت (باطن الكون) وهذه الولادة تصل المريد من خلال شيخه بميراث النبي صلى الله عليه وسلم فهو لها مستحق من خلال سنده المتصل عَبَر أشياخ شيخه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (75 الأنعام). فالوارث له أولاد بهذه الصفة يأخذون منه العلومَ والأحوالَ ويتربونَ على يديه، وتتزكى نفوسهم بصحبته كما تزكت نفسه بصحبة أشياخه حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي نفى الله عنه صفة الأبتر (أي الذي لا نسل له) حين عابه بها الكفار فقال تعالى {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} (3 الكوثر) رغم أنه لم يعش للرسول صلى الله عليه وسلم من صُلبه ولد، فالصالح من أمته هو ولده صلى الله عليه وسلم، لأن نسله الروحي إضافة إلى نسله من فاطمة الزهراء باقيان إلى أن تقوم الساعة. وبهذه النسبة المعنوية من جهة والصُّلبية من جهة أخرى يصل ميراث العِلم إلى أهل العلم. قال تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (6 الأحزاب) ومن هذا الفهم للأبوة الروحية كانت النصائح الرحمانية لشيخنا العارف بالله وارث جده رسول الله الشيخ عبد الرحمن الشريف حين بدأها بقوله (يا ابن الروح). ولا يظن أحد أن لما قلناه علاقة بما عند النصارى من اعتقادات في الأبـوة والبنوة، فالأب عنـدهم والعيـاذ بالله هو الله، والابن عندهم هو المسيح، ونعوذ بالله من ذلك. والأب وهو الكاهن أو الحبر عندهم صورة عن الله بدليل أنهم يعترفون أمامه كأنهم يعترفون أمام الله، وبذلك أسبغوا عليه من صفات الألوهية كما قال تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} (31 التوبة). وهذا لا جدال في رفضه رفضاً قاطعاً في عقيدة المسلمين. أما ما نعنيه هنا بالأبوة والبنوة فهي علاقة تربيةٍ روحية، فقد جُعل المرشد مربياً للروح، بمثابة الأب المربي للجسد.
يقول الله تعالى {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} (17 الكهف)، ويقول أيضا{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} (15 لقمان). وعلى ذلك فقد تبين لنا مما سلف ضرورة البحث عن شيخ مرشد يصحبه المرء مستعينا بعد الله به في علاج آفاته القلبية يدله على الله وعلى طاعته، ويذعن لنصحه وتوجيهه.ولننظر إلى الإمام أبي حامد الغزالي يحدث في هذا الأمر قائلاً: "الدخول مع الصوفية فرض عين إذ لا يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء عليهم السلام". ويقول رحمه الله في الجزء الثالث من «الإحياء» ص 60 "يحتاج المريد إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة، ليهديه إلى سواء السبيل فإن سبيل الدين غامض، وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه، قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها فإنها تجف على الأرض، وإن بقيت مدة وأورقت لم تـثمر، وإن أثمرت فمرٌ ثمرها، فليعتصم المريد بشيخه وليتمسك به".وهذا ابن عطاء الله السكندري يقول: "وينبغي لمن عزم على الاسترشاد وسلوك طريق الرشاد أن يبحث عن شيخ من أهل التحقيق سالك للطريق، تارك لهواه، راسخ القدم في خدمة مولاه، فإذا وجده فليمتثل أمره ولينـته عما نهي عنه وزجر".يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني قدست أسراره في كتاب «الفتح الرباني» في المجلس التاسع والثلاثين على الصفحة 129: "اتبع الشيوخ العلماء بالكتاب والسنة العاملين بهما، وأحسن الظن بهم وتعلم منهم وأحسن الأدب بين أيديهم والعشرة معهم فقد تفلح، وإذا لم تـتبع الكتاب والسنة ولا الشيوخ العارفين بهما، فما تفلح أبدا. أما سمعت: (من استغنى برأيه ضل) (هذب نفسك بصحبة من هو أعلم منك) (اشتغل بإصلاحها ثم انتقل إلى غيرها) قال النبي صلى الله عليه وسلم (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول)".يقول الإمام الشعراني بعد أن بين أن من سلك من غير شيخ تاه: "من قال إن طريق القوم يوصَل إليه بالفهم من غير شيخ يسير بالطالب فيها، لما احتاج مثل حجة الإسلام الإمام الغزالي والشيخ عز الدين بن عبد السلام أخْذَ أدبهما عن الشيخ، مع أنهما كانا يقولان قبل دخولهما طريق القوم (كل من قال: إن ثم طريقةً للعلم غير ما بأيدينا فقد افترى على الله عز وجل) فلما دخلا طريق القوم كانا يقولان: قد ضيعنا عمرنا في البطالة والحجاب واثبتا طريق القوم ومدحاها". وكان سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام يقول بعد ذلك: "ما عرفت الإسلام الكامل إلا بعد اجتماعي على الشيخ أبي الحسن الشاذلي رحمه الله" ثم يتابع الإمام الشعراني قائلا: "فإذا كان هذان الشيخان قد احتاجا إلى الشيخ مع سعة علمهما بالشريعة فغيرهما من أمثالنا من باب أولى".إذن فلا بد للمرء أن يسعى لاتخاذ مرشد، قد ورث الإرشاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيخاً بعد شيخ، يسمى وارثاً محمدياً أو شيخاً مرشداً، يصله برسول الله صلى الله عليه وسلم صلة روحية، من خلال سند واضح صحيح، لا يقل في أهميته عن سند الحديث النبوي. يأتمر بأمره ويسير معه ويتعلم منه ويأخذ عنه أمور دينه ودنياه، ويعرفه طريق الوصول إلى معرفة الله عز وجل، ويعرفه أحكام دينه، ويعرفه آفات نفسه ومعالجتها، ويحذره من مداخل الشيطان على قلبه. فلرسول الله وُرَّاثٌ ورثوا عنه بعض الوظائف التي اختص بها. فمنهم من ورث عنه علوم الفقه، ومنهم من ورث عنه علوم التلاوة، ومنهم من ورث عنه علوم السير وغيرها من العلوم، وقد ورث عنه أشياخنا رجالُ السند علومَ الشريعة والطريقة والحقيقة، إضافة إلى مناهج تزكية الأنفس وإصلاح القلوب، وقد عُرف عن ساداتنا أهل البيت الأطهار عبر السنين ميراثهم لهذه العلوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.ذكر ابن كثير في تفسيره في المجلد الأول صفحة 418، في تفسير قوله تعالى {أَفَإِين مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (144 آل عمران) قال: قال أبو القاسم الطبراني، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عمرو بن حمادة بن طلحة القناد، حدثنا أسباط بن نصر عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس أن علياً كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم. والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه، فمن أحق به مني). فلا يمكن أن يفهم من هذا القول ادعاءً من سيدنا علي لوراثة الخلافة والحكم عن رسول الله وهو بين ظهرانيهم، ففي ذلك منتهى الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أدّب سيدنا علياً فأحسن تأديبه، بل إن السياق يدل بما لا يدع مجالاً للشك أن المعنى المقصود هو ميراث الولاية والإرشاد الذي تربع على قمته أشياخنا من آل البيت الأطهار. يقول الشيخ مصطفى البكري في ورد السحر (إلهي دلني على من يدلني عليك وأوصلني يا مولاي إلى من يوصلني إليك).سؤال: هل يجوز ادعاء التلقي من شيخ ميت؟ وهل يجوز الانتماء لأكثر من شيخ؟جواب: لا يمكن التلقي ولا يتم الانتفاع بشيخ ميت، ولو صح هذا لما كانت هناك حاجة إلى وجود المرشدين الأحياء، لأن الله تعالى كتب في سابق علمه أن رحمته تجري لخلقه بمدد واصل في كل عصر إلى خاصته وعرائسه في الأرض الذين هم أولياؤه وورثة أنبيائه. وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم (العلماء ورثة الأنبياء). فلا بد من هؤلاء كي يدلوا الخلق على الخالق ولا بد أن يكونوا أحياءً جيلاً بعد جيل، يعيشون بين الخلق حتى قيام الساعة، بهمتهم وحالهم تكون الإفادة للخلق.روى الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن صحيح ولفظه عن أنس رصي الله عنه قال: (لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء وما نفضنا عن النبي صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا). وهذا يدل على أن وجود النبي صلى الله عليه وسلم بشخصه هو ورؤيته بين الصحابة كان نافعاً لقـلوبهم. ومن هنا كان الأمر بصحبة الصالحين {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ} (15 لقمان). وذكر الشيخ محي الدين بن عربي: "أن الميت لا ينـتفع به من حيث تربية المريد والانتفاع في سيره إلى الله، ومحاذاته في الطريق ولا تتيسر هذه إلا بصحبة الحي. إذن قيد الحياة شرط في الصحبة".وقد قيل من أعرض عنهم مستعيناً بكلام من تقدمهم من الأموات، طبع عليه بطابع الحرمان، وكان مثله كمن أعرض عن نبي زمانه وتشريعه مستغنياً بشرائع النبيين الذين خلوا.ويقول الأمام الشعراني: "ومن الواجب على المريد إذا مات شيخه أن يتخذ له شيخاً يربيه زيادة على ما رباه شيخه الأول فإن الطريق لا قرار له".وعلى هذا فلا بد من الانتفاع بشيخ حي يراه السالك ويجلس معه ليرشده إلى طريق الحق القويم، فبالسير مع هذا الشيخ الوارث المحمدي تستضيء القلوب، وتعتدل الأمزجة، وتخمد وساوس الشيطان، كما في حديث أنس السابق. ولا يجوز ادعاء التلقي من المشايخ الأموات فإن ذلك غير صحيح، وهو من ضعف الهمة، وهوى النفس، ورداءة الفطنة، إلا إذا كان ذلك على سبيل التبرك بهم، مع شرط وجود الشيخ المرشد الحي. فإن مات الوارث المرشد فإنهم بعد نقله لدار الحق عليهم الاجتماع إلى من أشار إليه ليخلفه أو من اجتمعت به الصفات وجرى عليه الإجماع.كما لا يجوز أيضاً اتخاذ أكثر من شيخ واحد لما في ذلك من الفساد وعدم النفع، واذكر هنا مقولة أبي يزيد البسطامي: "من لم يكن له أستاذ واحد فهو مشترك والمشترك شيخه الشيطان. ثم قال أخذت طريقي عن شيخي نَفَساً بنفَس". وهذا هو الشيخ محي الدين بن عربي يقول: "اعلم أنه لا يجوز لمريد أن يتخذ له إلا شيخاً واحد لأن ذلك أعون له في الطريق، وما رأينا مريداً قط أفلح على يد شيخين".فلا بد إذن من نبع واحد يستقي منه المريد ويستدل به على طريق الآخرة. وإذا تعدد الدُّلاَّل له ربما تاه واختلط عليه الأمر، ولا حجة للذين يقولون بأن الصحابة والتابعين كانوا لا يتقيدون بشيخ واحد، لأن أولئك كانوا أبراراً أطهاراً وكل واحد منهم هو شيخ مرشد. قد وصلوا أعلى مراتب العبودية والطاعة ولا حاجة لهم بذلك. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم). وما كانت الحاجة إلى مرشد واحد إلا بعد أن كثرت الآفات والأمراض والعلل واحتاجوا إلى علاجها. والعلاج في هذه الحالة لا يكون إلا على يد شيخ واحد حتى لا يتيه المريد ويطول عليه الطريق إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في حياته هو المرشد والمزكي والمعلم دون غيره.2. صفات الشيخ المرشد:سؤال: ما هي صفات الشيخ المرشد الوارث وعلاماته؟جواب: لابد من التفريق بين وظيفة العالم ووظيفة الشيخ المرشد المربي، إذ كما قلنا سابقا في موضوع التزكية فإن العالم يعنى بحفظ النصوص وتلقينها، وقد تكون نفسه مزكاة، أما المرشد المحمدي فطريقه موصلٌ لتزكية النفوس والتحلي بالكمالات الخلقية، وهو الذي تزداد حين تصحبه إيماناً وتقىً وطهارةً، وملازمتك له وامتثالك لأمره يعني شفاءك من أمراضك القلبية وعيوب نفسك، ويؤثر فيك شخصه الذي هو صورة عن الشخص المثالي، شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم.ومن صفات الشيخ المرشد أن يكون عالماً بالشريعة، عاملاً بأحكامها عالماً بالفرائض العينية وأركانها، متحققاً بالعقيدةِ وصحتها، مزكياً لنفسهِ على يد مربٍ مرشدٍ، خابراً مراتب النفس وأمراضها، مدركاً أحوال القلبِ ومداخل الشياطين ووساوسها، مجازاً من قبل شيخ مرشد كامل يتصل سنده بالتسلسل شيخاً عن شيخ حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقلداً متبعاً متشبهاً برسول الله صلى الله عليه وسلم قلباً وقالباً، لا تعتري قلبه الآفات ولا قالبه النواقص، كأن يكون متكبراً معجباً بنفسه أو بخيلاً أو مغروراً أو حاسداً. وأن يكون خاليا من صفات العَوَر والصمم والبكم والعرج أو أي صفةٍ خَلْقيةٍ، لأن في ذلكَ مَساساً بالجناب المحمدي الذي يتشبه به وما لذلك من أثر سلبي في نفوس أتباعه.ثم يلمس الناظر في محيطهِ أجواءَ الإيمان والتقوى والتواضع بين أتباعه ومحبيه دلالةً على تأثيره في إصـلاح محيطه، قال الله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا} (59 الفرقان) وقال أيضاً {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} (15 لقمان). أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنَ عمرَ رضي الله عنهما فقـال (يا ابنَ عمر دينكَ دينكَ انما هو لحمك ودمك فانظر عمن تأخذ هذا الدين، خذ الدين عن الذينَ استقاموا ولا تأخذه عن الذينَ مالوا).3. من علامات الإرشاد:ينيبُ إلى دار الخلود وتجري عليه صورةُ المجاهدةِ والمعاملةِ من غيرِ مكابدةٍ ولا عناء، بل بلذاذةٍ وهناء، ويصيرُ قالبه بصفةِ قلبه لامتلاء قلبِه بحب ربه، يلينُ جلدهُ كما لان قلبه، والدليلُ على لين جلده إجابةُ أعضائِه وقالبه بالطاعة كإجابة القلب باللين والخشوع والإنابة. فيزيده الله ويحبه ويمنحه بإرادة خاصة ويرزقه محبةً توصله لدرجةِ السابقين المقربين قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}(23 الزمر). فأخبر تعالى أن الجلود تلينُ كما القلوب تلين. والوارث المحمدي أهـل للإقتداءِ، وعليه وقار الله وبه يتأدب المريدونَ ظاهراً وباطناً. قـال تعـالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (90 الأنعام). وقال أيضاً:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}(24 السجدة). وهكذا جعلَهم الله أئمةَ المتقين. قال صلى الله عليه وسلم حاكياً عن ربه (إذا كان الغالب على عبدي الاشتغال بي جعلت هِمَتَه في ذكري، عشقني وعشقته ورفعت الحجَاب فيما بيني وبينه لا يسهو إذا سها الناس، أولئك كلامهم كلام الأنبياء، أولئك الأبطال حقاً، أولئك الذين إذا أردت بأهل الأرض عقوبةً ذكرتهم فيها فصرفته بهم عنهم).ومجالسة الناس للوارث المربي تزيد في إيمانهم، وتحيي أرواحَهم وقلوبهَم فلا يتكلم المربي إلاّ لله، ولا ينطق إلاّ بخير. ينتفع به من قربه كما ينتفع من بُعده، رؤيته تذكرك بالله أو كما قيل (تستفيد من لحظه كما تستفيد من لفظه) ويكون بينه وبين مريديه تآلفٌ مأخوذ عن وجه التآلف الإلهي{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ويكون في الشيخ معنى التخلق بأخلاق الله تعالى كما في الحديث القدسي: (ألا طالَ شوق الأبرار إلى لقائي وإني إلى لقائهم لأشد شوقاً). قال تعالى {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} (63 الأنفال). فبتوفيق الله الذي يؤلف بين القلوب، وبما يكون من حسن التآلف بين الفاضل والمفضولِ، يصير السالك جزءَ الشيخ كما الولد جزء أبيه الصُلْبي، والولادة هنا ولادة معنوية. فالولادة الصُلْبية تربط الوَلد بعالم الملكِ (ظاهر الكون) والولادة المعنوية تربـط الولـد بعـالم الملكوت (باطن الكون) وهذه الولادة تصل المريد من خلال شيخه بميراث النبي صلى الله عليه وسلم فهو لها مستحق من خلال سنده المتصل عَبَر أشياخ شيخه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (75 الأنعام). فالوارث له أولاد بهذه الصفة يأخذون منه العلومَ والأحوالَ ويتربونَ على يديه، وتتزكى نفوسهم بصحبته كما تزكت نفسه بصحبة أشياخه حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي نفى الله عنه صفة الأبتر (أي الذي لا نسل له) حين عابه بها الكفار فقال تعالى {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} (3 الكوثر) رغم أنه لم يعش للرسول صلى الله عليه وسلم من صُلبه ولد، فالصالح من أمته هو ولده صلى الله عليه وسلم، لأن نسله الروحي إضافة إلى نسله من فاطمة الزهراء باقيان إلى أن تقوم الساعة. وبهذه النسبة المعنوية من جهة والصُّلبية من جهة أخرى يصل ميراث العِلم إلى أهل العلم. قال تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (6 الأحزاب) ومن هذا الفهم للأبوة الروحية كانت النصائح الرحمانية لشيخنا العارف بالله وارث جده رسول الله الشيخ عبد الرحمن الشريف حين بدأها بقوله (يا ابن الروح). ولا يظن أحد أن لما قلناه علاقة بما عند النصارى من اعتقادات في الأبـوة والبنوة، فالأب عنـدهم والعيـاذ بالله هو الله، والابن عندهم هو المسيح، ونعوذ بالله من ذلك. والأب وهو الكاهن أو الحبر عندهم صورة عن الله بدليل أنهم يعترفون أمامه كأنهم يعترفون أمام الله، وبذلك أسبغوا عليه من صفات الألوهية كما قال تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} (31 التوبة). وهذا لا جدال في رفضه رفضاً قاطعاً في عقيدة المسلمين. أما ما نعنيه هنا بالأبوة والبنوة فهي علاقة تربيةٍ روحية، فقد جُعل المرشد مربياً للروح، بمثابة الأب المربي للجسد.
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin